Skip to main content

Full text of "أعداد سلسلة عالم المعرفة"

See other formats




تار ل 1 5 3_0 
لحت 0008 9 جب لوو مجو 
_ 00 ربيوج 


قأ لذ تر جل ميف 
فر بجطدة : سقف زر شر أن 


إاهداءات ؟ "١١1‏ 


المفبلس الوطتي للتجائة والفئنون والاصابيه 
الكويت 





سلسلة كتب ثقافية شهرية ا اباس الوق ل الثقافة لي الل - الكوين 


صدوت السلسلة فى يناير 1978 بإشراف أحمد مشاري العدوانى 1990-1923 
2 في يناير ب 2 واني 3 








ممع ام ضعغع 011 اظال 
كك رية 
كا 
9 ّ ل ال 0 
سا 0 : 
7 اكالم ع اه مع عبد ا مانا 
و إهداء ( ام ا 





5 ان ياي ١‏ 








سلسلة شورية يسدرها 
المبلس اوفع للثقافة والفنون والآداب 


المشرف العام: 
د. محمد الرميحى 
086 أنه ةةانالانا 


هيئة التحرير: 
د. فؤاد زكريا/ المستشار 
جاسم السعدون . 
د. خليفة الوقيان 
رضا الفيلي 
د. سليمان البدر 
د. سليمان الشطي 
د. عبداللة العمر 
د. علي الطراح 
د. غادة الحجاوي 
د. فريدة العوضي 
د. مهد الثاقب 
د . ناجي سهود الزيد 


مدير التحرير 
عبدالسلام رضوان 


التتضيد والإخراج والتنفين 
وحدة الإنتاخ 0 
التجلش الومطدي 


الكويت ودول الخليج دينار كويتي 


الدول العربية ما يعادل دولارا أميركيا 

خارج الوطن العربي أربعة دولارات أميركية 
الاشتراكات 

دولة الكويتث 

للأفراد 5لادك 

للمؤسسات 5دك 

دول الخليج 

للأفراد 7ادك 

كلمؤسسات 0ك 

الدول العربية 

للأفراد 5 دولارا أميركيا 

للمؤسسات 0 دولارا اميركيا 

خارج الوطن العربي 

للأفراد 50 دولارا أميركيا 

للمؤسسات 0 دولارا اميركيا 


تسدد الاشتراكات مقدما بحوالة مصرفية بأسم 
المجلس الوطني للثقافة والفئون والآداب وترسل على 

العئوان التالي: 

السيد الأمين العام 
للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 
ص.ب: 28623 الصفاة . الرمز البريدي193147 
دولة الكويت 
الموقع على الإنترنت: 
الال 0ن أتك ]أل اناا بلإبيايي 


151311 99906-0-057-0 


3 العثوان الأصلي للكتاب 


مقمول 


ممتأواع رم عماماه؟! 8 
نام 
طتتص4 عاعتلوط 


بعصا بعذنهلا لحهلمد؟ أه مملةألاز0 ى رككامه8 عن3أرا/ا 
(1998) كاملا برعلا 


طبع من هذا الكتاب أربعون ألف نسخة 


١45١ المحرم‎ 2٠0١ أبريك‎ 


المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبها 
ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس 


الجزء الأول: 

بينهم وبين أنفسهم 
الفصل الأول: 

الياباتي الخفي 
الفصل الثاني: 

التاريخ المخبأ 

الفصل الثالث: 

الفصل الرابع: 

أسوارفي القلوب 
الفصل الخامس: 
السعادة في ركن خفي 
الفصل السادس: 


«الأسمنت. والديموقراطية 


59 
105 


145 


187 





الجزء الثاني: 

مع الآخرين 

الفصل السابع؛ 

الروح اكسافرة عبر التاريخ 


الفصل الثامن:. 


«اللاشيى اللقدس 
الفصل التاسع: 
الحلم المبكسر 


الفصل العاشر: 


الآخرضي داخلنا 


الفصل الحادي عشر: 


الفضيلة المراوغة 
خاتمة 
تسلسل تاو يخي 


ببليوجرافيا 


لله 
انفتل الغطاء 
ولم يعد ملائما للصندوق 


صدخل 


في أوائل التسعينيات؛ قامت عشر شركات 


صغفيرة تشتغل بإنتاج الآلات في مقاطعة 
توكوشيماء وهي منطقة ريفية في جزيرة شكوكو, 
1 قامت يالكث لكشف عن منتج غ غير عادي. حيث 
اشتركت في استخدام الإنسان الآلي (الرويوت) 
لتقديم عروض روبوتية مأخوذة عن مسرح 
العراكس الياباني التقليدي القديم. وأنتج نموذج: 
.. ووضع تصميم لمجموعة من الشخصيات. كل 
3 وبرمجت الرويوتات الصغيرة وهي في ملابسها 
التقليدية تؤدي كل الحركات المطلوب أداؤها من 
.: أول العرض المسرحي إلى آخره. 


شد انتباهي شيء ما في عرائس توكوشيما. 


هذه جيشا روبوتية تليس الكيمونو. أو هذا 

1 ساموراي إلكتروني يشهر سيقه ويمعقص شعره: 

يقولان بالتأكيد شيا عن الأسلوب الذي تتطور 

به اليابان» عن العلاقة بين ماضيها ومستقبلها. 

5 بعد قليل ذكرتني هذه الشخصيات الروبوتية 
بو 


و ل ربالشهرة الاستيائاية في واحد من اهبر الكت 





اليابان: رؤية جديدة 


النىي صدرت عن آسيا في القرن العشرين. وهو كتاب «الصين الكونفوشية 
وقَّدَرّها الحديث» 0غ1"2 م1100 5غآ همد همن سدتعد كمه" , لكاتبه جوزيف 
ليفنسون 61/605011[ 1أرزعء105. كتب ليفنسون في الخمسينيات: «كانت الأفكار 
الجديدة؛ في معظم التاريخ الصينيء لا تقبل إلا إذا ثبت أنها تتواعم مع 
التراث؛ أما في الأزمنة الحديثة, فإن الموروث؛ لكي يمكن الحفاظ عليه؛ يجب 
أن يُقدم على أنه متواكم مع الأفكار الجديدة المقنعة بذاتها». 

هذا هو بالضيط مأزق اليابان اليوم ‏ وهو مأزق لأن الموروث والحديث لم 
يتيسر توحيدهما أبدا في اليابان. وإنما لأكثر من قرنء كانت عناصرهما 
تلقى معاء هكذا؛ كما في المنزل الذي نالت منه تقلبات الجو على مر السنين 
والذي سكنت فيه في العام الأخير لإقامتي في طوكيو: أسلاك كهريائية 
مثبتة بمسامير إلى أعمدة وعروق خشبية قديمة: صنبور الغاز يخترق 
الأرضية التاتامي. القديم والجديد جنبا إلى جنب ولكن نادرا ما يشكلان 

حتى اليوم؛ غيرت اليابان اتجاهها التاريخي مرتين في العصر الحديث. 
الأولى مع الإحياء الميجي؛ في 1414؛: لتبدأ اليابان تبني دولة صناعية. 
والثانية بعد الهزيمة [الحرب العالمية الشانية 15460]: حين تبنت نظاما 
ديموقراطيا على الطريقة الأمريكية ‏ أو على الأقل مظاهرها. وفي الحالين 
كانت النتائج ملموسة: أقام الميجي في اليابان مصانع الصلبء وترسانات 
السفن؛ ومصانع الأقطان؛ والسكك الحديدية. وجلب الأمريكيون حق الاقتراع, 
وتحرير المرأة وحرية القول؛ وأصبح فقراء الريف ملاكا. 

وها نحن. عند نهاية القرن؛ نشهد تغييرا لا يقل أهمية؛ وإن يكن أقل 
وضوحاء ومن ثم يصعب تبينه. ضفي أيامنا هذه؛ يعيد اليابانيون صياغة 
أنفسهم: وإعادة تشكيلها من جديد. ونحن في هذا لا نبالخغ؛ لأنهم سبق أن 
فعلوا ذلك مرات عدة. وهم يسعون الآن إلى تغيير ذلك الشيء ‏ بالتحديد ‏ 
الذي يعتقد معظم الناس أنه يفصل اليابانيين عن غيرهم.: ألا وهو العلاقة 
بين الفرد والمجتمع: بين الانتماء والواجب الاجتماعي من جانب. ومن جائب 
آخر الأنا الواعي. الفرد وعالمه الداخلي. وهذا بالدقة هو الصراع بين 
استقلالية الفرد, والعائلة الممتدة الكبرى المعروضة باسم اليابان؛ الصراع الذي 
لم يجد حلا لا بعد الميجيء ولا بعد 1540. وهذا هو السبب الذي يجعل 





مدخل 


هذين المشروعين: على الرغم من كل ما حققاه؛ يجب اعتبارهما فاشلين. 
انتهى المشروع الأول إلى تهور مأساوي. أما المشروع الثاني فيظل نوعا من 
الفغل غير المعلن: ولا تسمح | لغة الحوار المقبولة بيننا بالاعتراف بذلك. 

بعد قرن وريع القرن:؛ د تحقق حلم الميجي في أثناء ثمانينيات القرن 
العشرين: أصبحت اليابان ندا للغرب؛: وأصبح عليها أن تكتشف شيئًا آخر: 
طموحا جديدا يدفعها إلى الأمام. ثم انتهت الحرب الباردة؛ وانتهت معها كل 
منسلمات العقود الأرئفة السابعة: وأصبح على اليابان أن تبدأ في اتخاذ 
فراراتها بنفسهاء في عالم أكثر تعقيدا. وبين هذا وذاك حدث تطور خطير 
ثالث: مات الإمبراطور. كان هيروهيتو قد تولى أمر اليابان طوال اثنين وستين 
عاما من العسكرة إلى الحرب والفتوحات. والهزيمة؛ والنهوضء وأخيرا 
الوفرة. وتسبب وجوده المتواصل لسنوات طويلة في حبس اليابانيين في 
الماضيء وجعلهم غير قادرين على رؤيته بوضوح؛ وعاجزين عن وضع التاريخ 
والتراث في مواضعهما المناسبة. 

عاش اليابانيون زمانا من القلق الملموسء ولا يزالون؛ تحت ضغط 
ضرورات قهرية: الإمبراطورء والاقتصاد. لما يقرب من قرن... ثم بعد 
6 الاقتصاد والمكان الثابت المحدد لهم في النظام العالمي لما بعد 
الحرب. والآن, لا توجد ضرورات قهرية:؛ ولا ثيات لمكان أو شيء: ويحاط 
كل من الماضي والمستقبل بعلامات الاستفهام. وبالنسبة لمراسل صحافي؛ 
فإن إدارة مكتب في طوكيو كانت مهمة ثقيلة أقرب إلى الكابوس» حيث 
يطالب المرء بتغطية أخبار بلد لا جديد فيها. ثم بدا وكأن كل شيء يتغير. 
لم يعد أحد قادرا على التتبؤ بما سيحدث في اللحظات التالية. ولم يعد 
أحد قادرا على تفسير ما حدث في اليوم السابق تفسيرا مقنعا. لقد بدأت 
أمور لا يستطيع أحد أن يفهمها على حقيقتها. من المؤكد أن التحولات التي 
حدثت في الاقتصاد والسياسة مع انتهاء أحد العصور الإمبراطورية 
الكبيرة: كانت تعتبر تغيرات مهمة في حد ذاتهاء ولكن بمرور الوقت اتضح 
أنهاء على أفضل جد تقديرء يمكن أن تعتبر إما حوافز وإما انعكاسات لتغيير 
أكثر عمقاء تفيير في الوعي. ويبدو لي أنه من خلال هذا التغيير» سيوضع 
التاريخ والتقاليد والتراث في أماكنها المناسبة في اليابان» ويتصالح ما هو 


اليايان: رؤية جديدة 


في أشناء كتابة هذه السطور تبذل اليابان جهودا كبيرة للخروج من أكبر 
ركود اقتصادي شهدته بعد الحرب. كما أن كلا من نظاميها الاقتصادي 
والاجتماعي فِي حالة فوران. وهي تشتبك في صراع مع المشكلات الكثيرة 
التي تثيرها الظاهرة التي نسميها «العولمة». وفي هذه الظروف من السهل أن 
نفترض أن لحظة الأمجاد اليابانية قد انة نتهت؛ بعد أقل من عشر سئوات من 
بدايتها ‏ أي أن النفوذ الذي شرع اليابانيون يبسطونه أثناء النصف الثاني من 
الثمانينيات؛ أصبح شيئًا يمت إلى الماضي. وذلك خطأ وإن كان شائعا. 
فاليابان التي أصفها في صفحات هذا الكتاب؛ هي يابان في حالة تغيير 
وتحول؛ وليس مقدرا لها أن قعل جميع مشكلاتها ضجأة. لا لح يعدت كينا 
هنالك أن المشكلات ستكون مختلفة. ولكنها ستكون دولة أكثر استقراراء 
مجتمعا ونظاما. والأرجح أنها مستكون أكثر قوة: وأكثر قدرة على فرضش 
مكانتهاء؛ وأكثر قدرة على اتخاذ قراراتها بفكرها وإرادتهاء وذلك لسبب 
بسيطه هو أنه من الأرجح أن يتحلى مواطنوها بهذه الصفات جميعا. وهذه 
رؤية إيجابية. 

والصراع من أجل التعبير المفتوح عن الفرد صراع قديم. وظل مكبوتا 
لفترات تاريخية طويلة: ومن ثم فإنه أكثر وضوحا في فترات (مثلما هو الآن) 
مما كان في فترات أخرى. وهذا هو السبب في أن الحياة في المجتمع الياباني 
مثيرة ومحبطة في آن. فمن المستحيل ألا تخامر المرء آمال كبيرة: حيث يبدو 
اليابانيون وكأنهم على عتبة تغييرات هائلة. ومع ذلكء فإنه في غمرة التغيير, 
يبدو كأن شيئا لا يتقدم؛ أو أن الأمور تتقدم ببطء موجع. إننا بإزاء شيء يشبه 
عقدة غورديوس!*) التي حيرت أجيالا من الغرباء ‏ علماء وباحثين 
وديبلوماسيين ومفاوضين تجاريين ومراسلين ‏ الأمر الذي يجعل التنبؤ 
بالمستقبل عملية غير مأمونة العواقب. 

في وقت مبكر من القرن العشرين: قام أحد الكتاب اليابانيين باستكشاف 
وتعريف أحد جوانب التذوق الجمالي المحلي: وهو ما أسماه بيتاي 1ط 
والترجمة الحرفية لها هي «اللذة الجنسية». وذهب هذا الكتاب إلى أن 
اليابانيين يفضلون أن يظلوا في مساحة الشبق؛ لأن سر المتعة هو الاقتراب 


(*) عقدة أحكم شدها غورديوس ملك فريجياء وقد زعموا أنه لن يحلها إلا سيد آسيا المقبل؛ فجاء 
الإسكتدر الأكبر وقطعها بسيفه («عن المورد» ‏ المترجم). 








مدخل 


من الشيء المطلوب إلى أقصى درجة ممكنة؛ من دون تحقيق الإشباع الكامل. 
لا شيء يصل إلى نهايته؛ ويظل الآخر هو الآخر أبدا. ويبدو كأن 0 أكثر 
فذهة من تخقيقه: 

وإنها لفكرة مقلقة: توحي بأن اليابانيين يرتضون تعليق نفوسهم في حالة 
صيرورة مستمرة: وكأنهم صدور أمواج مشرعة؛ احتجزت صاعدة إلى الأبد 
في لوحات الحفر الخشبي للقرن التاسع عشر. ولكن هذه المقارنة لا تصلح إلا 
إذا شابهنا بين الإنسان الياباني والعمل الفنيء بالتقليد وليس بالشيء 
الأصلي. وضي الحياة ‏ في الزمان والتاريخ ‏ نرى الأمواج المشرعة المرسومة 
في لوحات الحفر الخشبيء على وشك الوصول إلى الشاطئ. 


الجز. اموي 


بينهم ونين أنفسهم 


أله 


كأنها بحيرة جبلية هادثة , ؛ 
تجري مياهها تحت السطح | 


الساكن مندفعة نحو شلال. 


أسرارها. 


«الأقنعة» 1١50/4‏ 
(*) اقنعة ءنوةه وعاقهل1 طاول8 


عنصر رئيسي في اللسرح 


الفولكلوري اليابائي المسمى مسرح !2 
الوم وهي أقنعة مصنوعة من 5 
3 هذا الافتتان في المجتمع كله. وانعكس على أواني 
الشاي والفازات: وعلى أقمشة ثياب السيدات: 


الذي لاتزال تقاليدهواشكاله !5 


.: وعلى طريقة تنسيق الزهور. 


الخشب وملونة, ولها دور ذو عمق 
روحي في المسرح الياباني القديم 


ماخوذا بها حتى الآن (المترجم). 





.| اليإباتي الخفي 


«الحق أن اليابان كلها ليست إلا اختراعا 


٠‏ خالصا» هذا ما كتبهأوسكار وايلد في 


كانت اليابان قد انفتحت أمام الغرب قبل 


٠ '‏ ثلاثين عاما فقط من هذه الملاحظة التي سجلها 


أوسكار وايلد. حين كانت أوروبا غارقة فيما 
أسماه الفرنسيون «الجابونيزم» عتاقل1200. 


: : وحين كان المصورون التأثيريون العظام؛ ديجا 
كانه |لوحة ترس على 1 ١‏ : 
: مانيه. ويسلرء بيسارو؛ جميعا مبهورين بالفثون 


«قناع نووء!*), مغلفة في : 

التشكيلية اليابانية التقليدية. في العام 1441 
فوميكوإنشي !. 
1 لإناع12 5616» بطباعة من حفر على الخشب 
لجبل فوجي وفتيات الجيشا اللاتي يلبسن 
'. الكيمونو المتفن. ورسم جوجان مائيات على الورق 
. المقصوص على شكل المراوح اليابانية. وقد انتشر 


زخرف فان جوخ خافية لوحة «الأب تانجي 6.آ 


اليابان: رؤية جديدة 


ولكن ما علاقة «الجابونيزم» باليابان كما هي فضي الواقع؟ كانت يابان 
ثمانينيات القرن الثامن عشر تقيم المصانع وتبني السفن التجارية» وتنشئ 
نظاما للتجنيد الإجباريء وتعد لعمل برمان. كان ثمة جامعات؛ ومكاتب, 
ودكاكين ومحلات تجارية وبنوك. وكما فصل وايلد: «الناس الحقيقيون الذين 
يعيشون في اليابان لا يختلفون عن عامة الشعب البريطاني؛ أي إنهم عاديون 
جداء وئيس فيهم شيء قريب أو شاذ أو استثنائي». 

كان وايلد سابقا لعصره. ونحن اليوم لنا كلمة؛ وإن تكن كلمة مثيرة للجدل؛ 
عن الظاهرة التي ألمح إليها في: داضمحلدل الكذب عصاتآ كه نزدعء2 عطل». 
تلك الظاهرة نسميها «الاستشراق». وكلمة الاستشراق تعني «الشرق الخالد». 
وفي توصيف اليابان (في الفقرة التي وردت في مستهل هذا الفصل» 
وغيرها). نم يسقط أوسكار وايلد إلا علامات التنصيص. لأنه كان يكتب عن 
«اليايان» كما رسمها المستشرقون: اليابان البسيطة: الصاذفية: المعطرة. 

لقد صيغ الاستشراق من أفكار وتصورات جاهزة عن الناس والثقافات 
والمجتمعات التي تمتد من شرق المتوسط إلى المحيط الهادي. ضفي المجتمع 
الشرقي؛ لا حركة ولا ديناميكية. كان الشرق مثبتا بشكل نهائي في نماذج لا 
تتغيرء يمكن إدراكها أو تمييزها على مر العصور ومتكررة بلا نهاية. كقطع 
الفسيفساء في مساجد الشرق الأوسط. وباختصارء لم يكن الشرق يتقدم: بل 
كان محروما من التنوير, لا يعرف التفكير العقلاني ولا المنطق ولا العلم. 
الشرقي موجود ضفحسب. مخلوق مسوق بالقدر والتقاليد السرمدية؛: ومسحة 
دائمة الوجود من الحزن والأسى. كان الشرقي «كائنا غريبا». غير مألوف, 
غامضا فير مفهوم:؛ معتما غير مضيء.: كان الشرق بالنسبة للغرب هو 
«الآخر». ولن يلثقيا أبدا . 

وإذ تقع اليابان في أقصى الشرق وأبعده عن عواصم الدول المركزية؛ ولا 
يعرف عنها المستكشفون إلا أقل القليل؛ فإنها أصبحت موضوعا لأشد 'خيالات 
الاستشرافيين تطرطا منن أن جاءها الأوروبيون. فى ؟1057١.‏ فالفرييون الأوائل 
الذين سجلوا انطياعاتهم كانوا أعضاء الإرساليات التبشيرية: الذين نظروا 
إلى اليابان واليابانيين كأمور «تتجاوز الخيال». على حد تعبير أحد اليسوعيين 
الإيطاليين: «إنهم عالم النقيض لأورويا». كان الأوروبيون طوال القامة؛ بينما 
اليابانيون قصار. الكنائس عالية: بينما المعابد واطئة. النساء الأوروبيات 





الياياني الخفي 


يبيضن أسنانهن: بينما النساء اليابانيات يسودنها. اليابان كانت هي الكون 
سكوساء اما 1زنايخانها إرذا ف تنتاسينة اخرئ كنب اليسبوعن قاكلة: 
«الناس شديدو الإذعان لآلامهم وضوائقهم: غير أنهم يعيشون في هدوء؛ 
سعداء بيؤسهم وفقرهم». وسأل فرانسيس زافيير 22071627 وأعمة1: الذي 
جاء إلى اليابان في 1054١:لماذا‏ لا يكتب اليابانيون «بطريقتنا» ‏ من اليسار 
إلى اليمين؛ أفقيا؟ فأجابه الدليل الياباني بسؤال كان يمكن أن يفيد 
فرانسيس.؛ لو أتعب نفسه في فهم مضمونه. والسؤال هو: لماذا لا يكتب 
الأوروبيون بالطريقة اليابانية» من اليمين إلى اليسار؛ ومن أعلى إلى أسفل؟ 

غير أن ملاحظات الأوروبيين في القرن السادس عشر لم تكن اختراعا 
خالصا. طالمرأة وفقا للتقاليداليابانية كانت تسود أسنانها بالفهل. ومن الثابت 
أن هناك حالة إذعان بين اليابانيين اليوم كما كانت كان الحال حينذاك. ومن 
الملاحظات الفريبة التي استحوذت على هؤلاء الزوار الأوائل؛ ولم يملوا من 
ذكرهاء أن الأقفال اليابانية كانت وما تزال تفتح بإدارة المفتاح إلى اليسارء 
وليس (كما في الغرب) إلى اليمين. ولكن ما الذي يجعل هذه الملاحظات 
مضحكة:؛ وإن كانت بغير بهجة؟ ولماذا توصلوا إلى تلك الأفكار ‏ التي عاشت 
على الزمن ‏ عن بلد يعمره هؤلاء الأقزام الغامضون؟ من وجهة نظرناء بعد 
مرور كل هذا الوقت؛ كان ذلك مجرد فشل في القدرة على الرؤية من المنظور 
الصحيح. لم يريط الرحالة الأوائل بين ملاحظاتهم المختلفة كما يجب؛ حيث 
لم يعترفوا لليابانيين؛ بتاريخ لهم؛ إن صح التعبير, لم يسمح لهم بما ضٍيمكن 
من خلاله تفسير أوجه للاختلاف كبيرة كانت أم صغيرة. 

الاستشراق وليد الإمبراطوريات. وإحدى سماته تتعلق بموقع المراقب من 
المراقّب: حيث الأول دائما في وضع أسمى من الآخر. وكما يؤكد إدوارد 
سعيد في كتابه «الاستشراق» كانت الأعراف الفكرية انعكاسا للعلاقات 
القاكمة على السلطة والمكاسب المادية. ومن ثم وصل الاستشراق إلى الذروة 
في بريطانيا وفرنساء حيث وجد أكبر بناة الإمبراطوريات في القرن التاسع 
عشر. غير أن اليابان لم تكن رسميا جزءا من إمبراطورية أحد؛ ولكنها لم 
تفلت من النظرة الاستشراقية المرتبطة بالممتلكات الإمبراطورية. فكانت 
علاقاتها بأورويا قاكمة على المصالح المادية نفسهاء موسومة بالنظرة 


اليابان: رؤية جديدة 


من الطبيعي؛ في أيامنا هذى ألا نصف أحدا من أبناء الهند أو إندونيسيا 
أو تايوان أو اليابان بأنه شرقي؛ وإنما نقول إنه أسيوي. ومصطلحنا هذا هو 
محاولة؛ على الأقل: للاعتراف بالتعددية والتنوع الإنساتي والمساواة. ضأن 
نصف أحدا بأنه شرقي يعطي انطباعا غير تحبء لأن هذا الوصف 
يستعيد إلى الذاكرة نوعا من العلاقات لم تعد قاكمة - على الأقل ‏ على 
الورق. ولكن ذلك لا يعني أن العادات الاستشراقية قد فارقتتاء الأمرالذي 
يمكن أن يشعر به أي آسيوي . إن استشراقنا يدعو إلى العجب تسبب. هو 
تمسكنا بأفكار نمت إلى قرون خلت: ف المجتمع الياباني «رأسي» بينما 
العلاقات الاجتماعية في الغرب «أفقية»؛ الفرييون يحبون المنافقسة: بينما 
اليابانيون يحبون التواضق والتنازل. عندما حدث زلزال في «كوبي» 6دام؟آا في 
6 ؛: وصف مراسل أمريكي المدينة بأنها «مدينة نيويورك معكوسة: وإن 
بوفرة من «السوشي» نطاونة*) . وأضاف مفسرا: أن الآسيويين يتحملون 
الكوارث الطبيعية في استسلام باعتبارها جزءا من النظام السرمديء؛ ومن ثم 
فإن «اليابانيين في كوبي ليسوا إلا ضحايا كوارث نموذجيين». 

يوجد في فكرة أوسكار وايلد عن الاستشراق جانب مميز. إذ لاحظ أن 
صورة اليابان في الخارج في أثناء القرن الماضي كانت جزثيا من ابتداع 
اليابانيين أنفسهم. وأطلق وايلد على اليابانيين أنهم نتاج «الإبداع المتعمد 
الواعي» للفنانين من نوع هوكوساي 1521لكإ110: الذي كانت أعماله من 
الطباعة بالكليشيهات الخشبية إلى حد بعيد هي الموضة في ذروة حركة 
«الجابونيزم» الأوروبية: وتلك ملاحظة شديدة الذكاء. ويمكننا بسهولة أن 
نقرر الشيء نفسه عن كثير من القادة والمفكرين اليابانيين على مر التاريخ. 
وظلت «اليابان» على مدى طويل موضوعا للخيال بين اليابانيين أيضاء وأن 
نصف بعض اليابانيين بأنهم مستشرقون ليس إلا توسيعا للمصطلح 
وإن قليلا. 

لم تشارك أمريكا كثيرا في الاستشراق كنظام للفكر لأنها لم يكن لديها 
إمبراطورية شرقية. لم تكن أمريكا بين الإمبرياليين إلا ملحقا تافها. في 
القرن التاسع عشرء أثناء التكالب على زرع أعلام الفزو الإمبريالية (فيما وراء 
البحار) لم تتملك الولايات المتحدة إلا الفلبين» ولفترة وجيزة: ولكن ماذا عن 











الياباني الخفي 


أمريكا بعد 1940. في مرحلة ما بعد الحرب, كان «القرن الأمريكي» قد بلغ 
الذروة: ولم يكن كذلك بقدر ما كان في المحيط الهادي ‏ ووصل في اليابان 
إلى أقصى درجاته. كان احتلال الحلفاء تليابان من 1140 إلى 1401 احتلالا 
رسميا فحسب. وكان الجنرال دوجلاس ماك آرثر يسمى القائد الأعلى لقوات 
الحلفاء. لكن مقر أركان حربه لم يكن إلا أحد المواقع الحربية الأمريكية 
المتقدمة. كذلك يفهم أي ياباني اليوم أن الأمريكيين هم الذين يحددون مسيرة 
اليابان فيما بعد الحرب. 

قامث أمريكا بتطوير طبعثها الخاصة من الاستشراق بعدالحرب العالمية 
الشانية. إننا لم نشبت صورة اليابان واليابانيين في أذهاتنا كنوع خاص من 
البلدان التي يسكنها شعب خاص فحسب. ولكننا أيضا واصلنا اختراع صورة 
البلد والناس الذين تخيلناهم. لم تنهض أمريكا بهذا العمل وحدهاء طبعا. 
ولكن أمريكا عمدت دون أن تهتز لها أي مشاعر إلى التماس مساعدة هؤلاء 
الذين قادوا اليابان إلى الحرب ضد جنودها. وقد اعتاد البريطانيون أن 
يسموا هذا أسلوبا للحكم غير المباشرء؛ وطبقوه أساسا في ممتلكاتهم 
الأفريقية.ووجد الأمريكيون أن هذا يناسبهم تماما في اليابان, ذلك لأن القوى 
المحافظة في طوكيو قبل الحرب كانوا أنفسهم مستشرقين متمرسين: وفعلوا 
الكثير لمساندة أمريكا في إعادة اختراع بلادهم. 

ولا تزال صورة اليابان التي صنعت بعد الحرب مقبولة على نطاق 
واسع. وهي تنعكس ضفي معاملة واشنطن لطوكيوء التي تشبه الطريقة التي 
تعامل بها القوى الاستعمارية بلدا تابعا؛ والصورة أكثر انتشاراء كما يتضح 
من الطريقة التي يفكر بها الأمريكيون العاديون في اليابان واليابانيين. لقد 
تجاوزت صورتنا (الأمريكية) عن «اليابان» وإن لم يكن نهائيا - تجاوزت 
الكيمونو وقبعات القش المخروطية؛ ضما زلنا متشبثين باليابان المحاطة 
بعلامات التنصيص. وفي سنوات 191/١‏ اتجهنا إلى تسمية ياباننا الخيالية 
ب: «.عه1 صدمدل» (شركة اليابان المتحدة)!*) ‏ أمة بكاملها صبّت في قالب 
شركة متحدة: وأهلها مستخدمون لا مواطنون. وما تزال هذه الفكرة عن 
اليابان مأخوذا بها في الغرب كفكرة أصيلة. 
(*) تعني .100 شركة كبرى متحدة, وهي لاحقة ترفق بأسماء الشركات الكبرى؛ والمقصود ب .116 1281 
كما سيتضح في السياق؛ هو تشبيه الأمريكيين لليابان اختصارا بشركة كبرى متحدة (المترجم). 








اليابان: رؤية جديدة 


كثيرا ما يشكو الرواكي كتزابورو أو 06 168231010 من صورتي اليابان 
اللتين يتمسك بهما الغرب ضي أيامنا هذه. ضهناك اليابان القديمة؛ يابان 
الساموراي وحدائق ال «زن» كصع0 رمع 2 , واليابان الجديدة؛ ياياآن الكفاءة 
الإنتاجية والآلات. قال لي ذات مرة: «بين الاثنتين» توجد منطقة فراغ؛ حيث 
يعيش الياباني». وعندما تسلم جاكزة نويل للآداب العام :١1594‏ قال لكاتب 
أمريكي أجرى لقاء معه في ستوكهولم: 

«أثا شديد الإأعجاب يكتاب رائف إليسون العظيم 121!1507 الماد2 الرجل الخفي 
دل هاطأوترماء فالصفة تنطبق علينا ‏ نحن اليابانيين... يمكن أن تروا التكنولوجيا 
اليابانية في أوروباء وأنتم تعرفون كل شيء عن قوة اليايان الاقتصادية؛ وتعرفون كل شيء 
عن مراسم حفلات الشاي الطريفة. ولكن هذه كلها ليست إلا صورا وأقئعة للتواضع 
الياباني والقدرات التكنولوجية... ما زلنا حتى الآن: بعد مائة وخمسة وعشرين عاما من 
التحديث العظيم,... لانزال شيئا مبهما في عيون الأوروبيين والأمريكيين... فما يزالون 
ليست عندهم الرغبة الكافية في فهم هؤلاء الناس الذين يصنعون كل هذا العدد من 
سيارات الهوند. ولا أدرى ما السبب. ريما نحن لا نفعل شيمًا إلا تقليد الغرب ونلزم الصمت 
حين نواجه الأوروبيين.. 

لقد قامت بين أمريكا واليابان: على مدى الخمسين عاما المنصرمة, 
علاقة مركبة. هما متقاربتان» بقدر ما يمكن أن تتقارب أي دولتين ‏ بل إني 
أعتقد أنهما متقاريتان جداء لأن أيا منهما ما كانت لتفعل الكثير متفاضية 
عن العلاقة بالأخرى خلال نصف القرن الأخير. ولكن بعد كل هذه السنوات 
من العلاقات الوثيقة بين البلدين» طإن اليابانيين لا يزالون يعتبرون لفزا 
غامضا. وليس كنزابورو وحده هو الذي يستخدم هذا المصطلح المنهّك. 
صحيح أن اليابانيين شعب متحفظ. غير ميال إلى البوح بمكنون الذات: 
حتى فيما بينهم هم أنفسهم. وصحيح أيضا أن صورة اليابان اليوم؛ كما 
كانت الحال منذ قرن مضىء هي من صنع اليابانيين أنفسهم وإن جزثيا. 
ولكن هذا لا يفسر سبب ضيابية الصورة. ويظل اليابانيون لغزا لأننا منن 
الاحتلال ‏ كذلك, ولمدة طويلة قبل الحرب ‏ لأننا لم نتأملهم تأملا مباشرا 
يرغبة حقيقية في فهم ماهيتهم. 
(*) 200 مذهب في الرهبنة في الديانة التقليدية اليابانية. وكانت لرهبانه طقوس خاصة في تنسيق 
الحدائق (المترجم). 








الياباني الخفي 


بدأ الأمريكيون احتلالهم لليابان بخطة طموح لإعادة صياغة اليابانيين ‏ 
لإعادة صنعهم على الصورة الأمريكية ‏ وانتهوا باستعادة الأشياء 
نفسها والأشخاص أنفسهم الذين جاءوا للقضاء عليهم واجتثاث 
جنذورهم. كانت البداية مستمدة من النوايا الحسنة التي قام عليها 
البرنامج الجديد 2681 «816(*). أما النهاية فقد قامت على حسابات عالم 
الحرب الباردة؛ غير أن ثمة سمة واحدة مشتركة تجمع بين هذين النقيضين: 
تلك هي أن المحتلين الأمريكيين لم يحاولوا أن يروا في اليابان شيئا غير 
انعكاس لأنفسهم. 

وصلت الأوامر الأولية للاحتلال من واشنطن في خريف ١1545‏ . وكانت تتميز 
بالاندفاع والمثالية. فلم يكن مركز أركان حرب ماك آرثر ليقدم على شيء أقل من 
تحرير اليابانيين من عبء ماضيهمء ومن سدنة الحكم المطلق الذين استخدموا 
بقايا الإقطاع لدفع اليابان إلى الكارثة. وكان الاحتلال يهدف إلى «مقرطة» 
اليابان سياسيا (أي جعلها تسلك سبيل الديموقراطية)»؛ وأن تقيم هيكلا 
اقتصاديا لتحقيق: «إعادة توزيع شامل للدخل وملكية وسائل الإنتاج والتجارة». لم 
تكن تلك اللغة التي يتوقعها المرء من واشنطن؛ غير أن عصر الرسالة الاجتماعية 
للرئيس روزظلت كان قد زحف ليصل إلى سنوات الحرب؛ وظلت مفرداته اللغوية 
هي الأنسب لاستخدام المبشرين برسالة روزفلت؛ الذين كانوا يعملون في مقر 
أركان الحرب. وأرادوا أن يغيروا كل شيء في اليابانيين ‏ قلويهم وعقولهم 
وأرواحهم. وامتد ذلك خارج الإطار الحكومي بإدخال موائد البلياردو وحلقات 
الرقص ولعبة البولينج وفرق الجاز الكبيرة: لأن من شأن هذا كله أن يجعل 
اليابانيين شعبا أكثر سعادة وأحسن حالا. كتب أحد مسؤولي الاحتلال في 
مذكراته: «إن المرء ليرتجفء حين يتذكر أن تلك كانت رؤية أمريكية». 

ومن المعروف جيدا أن أول جنود وصلوا إلى اليابان بعد ١١‏ أغسطس 1140» 
صدموا من طريقة استقبالهم: فالشعب الذي كان يبدو مستعدا للموت من أجل 
الإمبراطور قبل بضعة أيام يحيون الغزاة بارتياح يقارب الفرحة. ضلماذاة هل لآن 
اليابانيين ليس لديهم أخلاق: أو صدقء أو قناعات؟ أو لأنه كما أخبرني صديق 
ياباني ذات مرة: «إن مبدأنا الوحيد هو أننا ليست لدينا مبادئءا 
(*) برنامج تشريعي وإداري وضعه الرئيس فرانكلين روزفلت ابتفاء الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي 
الديموقراطي خلال العقد الرابع من هذا القرن (عن قاموس المورد ‏ المترجم). 








اليابان: رؤية حجديدة 


وسيكون من الصعب أن نبالغ في تصوير حماس الياباني العادي في تقبل 
أجندة الاحتلال الأولية. وما يزال كبار السن الذين يمكنهم تذكر السنوات 
الأولى لما بعد الاستسلام يشعرون بالحنين الجارف لهاء على الرغم من أنها 
كانت سنوات يأس مروع. ولكن ما من ياباني كان يعلم ماذا تخبئ الأيام بعد 
الاستسلام مباشرة: فلم تكن قد قدمت هدية كالديموقراطية بعد. فهدية بهذا 
الحجم هي دائما؛ وفي كل الأحوالء مشكلة. وفي نهاية الأمر. فإن مثل هذه 
الهدية لا يستطيع أحد أن يقدمها أو يتلقاهاء وهذا هو الدرس الذي تعلمه 
اليابانيون بعد قليل. ومن ثم: يحق لنا أن نسأل ما هو الشيء بالتحديد؛ الذي 
ارتاح إنيه اليابانيون حين جاء الأمريكيون؟ كل ما كانوا يعرفونه هو أن الحرب 
انتهت وأنهم لم يعودوا مسجبرين على الموت في سبيل الإمبراطور؛ وأنه لم يكن 
في نية المنتصرين أن يذيحوهم: ثلاث مفاجآت. 
كانت أعظم هدية جادت بها أمريكاء وهي التي ما يزال اليابانيون 
يتذكرونها وضي حلقهم حلاوة تشوبها مرارة؛ وهي هدية كانت أصغر حجماء 
تتلخص في الأمل بأنه يمكن أن تتاح لهم فرصة البدء من جديدء لاكتشاف 
نهج جديد للتقدم. هذه الهدية؛ برغم تواضعهاء محكومة بالحدود التي 
يرسمها الاحتلال لليابانيين في الوقت والحركة للوصول إلى اختياراتهم 
الخاصة ‏ كأن يشكلوا أحزابا سياسية ونقابات عمالية؛ ويختاروا قياداتهم 
بأساليب من صنعهم. وسمح هذا لليابانيين بأن يعيدوا النظر في العادات 
والقيم التي ميزت حياتهم فيما مضى. وأهم من ذلك كله؛ تشجيعهم على 
التفكير واتخاذ القرارات كأفراد لأول مرة فضي تاريخهم الطويل. وضي هذا كله 
بدا الأمريكيون وكأنهم آلهة. والحكايات التي تروى عن ذلك العصصر تولي 
إعجابا كبيرا للحضور المادي الصارخ للجنود الأمريكيين الذين أثروا في 
نفوس الشعبء ليس فقط بحجمهم وابتساماتهم وكرمهم. ولكن لأنهم فضي 
إيماءاتهم نفسها كانوا يعبرون عن حرية واستقلالية وتلقاكية طبيغية مع 
أنفسهم» وهي الأمور التي سرعان ما عرف اليابانيون أنهم يفتقدونها . 
ولسوء الحظء فإن هدية الأمريكيين السخية بحق ‏ وهي أن يقفوا بعيدا 
تاركين لليابانيين الوصول إلى اختياراتهم ‏ شرعت في التآكل؛ وسرعان ما 
سحبت تماما . ففي خريف 15435 ذعل الناخبون الأمريكيون مع هاري ترومان 
لتتنوكط نفس ما فعلوه في زمن لاحق مع بيل كلينتون في ١554‏ 


الياياني الخفي 


و1597: إذ جعلوا للرئيس الديموقراطي أغلبيتين جمهوريتين في مجلسي 
الكونجرس.ولم تكن أمريكا موحدة الفكر أبدا فيما يتعلق بالطريقة التي تعاد 
نها ضياغة اليابان. معد كان دائما ثمة سية معصرة من الناخيين الأمريكييق 
مقتنعة بأن اليابان «خطر أصفرء. وأنهاء إن لم تعد تتمتع بالمشاركة مع 
الفاشيين الأوروبيين: يمكن بالسهولة نفسها أن تتحول يسارا إلى الشيوعية. 
وقد جاءت انتهابات1541 لتقلب الموازين في أمريكا أولاء ثم في طوكيو. 
ويسمي اليابانيون الأحداث التي تلت هذه الانتخابات «الطريق المضاد 6ط]” 
56 16176156»: وكما يلمح هذا الاختصارء كان التغيير في الأولويات 
الأمريكية هو الأساس. ١‏ 

بدأ الطريق المضاد العام 1441: عندما طهر مركز أركان الحرب (لقوات 
الاحتلال) بطرد جميع المبشرين برسالة روزفلت والبرنامج الجديد. وإحلال 
عدد من الماليين المحافظين؛ والمنظرين المعادين للشيوعية مكانهم. وبعد مرور 
العام أصبح الطريق المضاد سياسة رسمية وصلت في شكل توجيه من مجلس 
الأمن القومي الأمريكي حرره جورج كينان 88هده؟1 060186 المهندس الأشهر 
لسياسة احتواء الشيوعية. وهذا التوجيه؛ (الوثيقة المرقمة 13/2 .0 .01.5): 
الذي كان له مظهر متواضع بقدر ما هو بالغ الأهمية؛ جلب الحرب الباردة 
إلى اليابان. وفي العام التالي دخلت قوات ماوتسي تونج بكين: وبعد سنة 
أخرى بدأت الحرب الكورية. وفعلت هذه الأحداث ضعلهاء أنهت إصلاحات ما 
بعد الحرب الأصلية» وحددت أقدار اليابانيين طيلة الأربعين عاما التالية. 

نبن توجيه مجلس الأمن القومي الأمريكي (الوثيقة المرقمة ,© .5 .71 
2) الإصلاح لمصلحة الإنعاش الاقتصادي والاستقرار باعتباره الهدف 
المقدس لعصر الحرب الباردة. ودعا إلى «زيادة الصادرات بالعمل الشاق 
الدؤوب»: وتلك عبارة تدعو إلى النظر بعيداء وإن كانت لغة الوثيقة التوجيهية 
لا تنقل مدى العمق الذي غيرت به يابان ما بعد الحرب التي كان يجري 
صيافتها بدأب. كان لابد من التضحية بكل شيء من أجل عملية الاحتواء. 
توقفت عمليات تطهير الجناح اليميني للقوميين اليابانيين» ويدأت عمليات 
التخلص من المصنفين كأعداء للمصالح الأمريكية؛ أوقفت الجهود التي كانت 
تبذل لتفتيت ال «زايباتسو» 23163]50: (وهي تركيبات شبه عائلية؛ كانت هي 
التي وقفت خلف التوسع الياباني في القارة الآسيوية: ثم قامت في وقت لاحق 


اليابان: رؤية جديدة 


بدعم المجهود الحربي). وقبل انتهاء العام 1544 كان رجال الصناعة لفترة ما 
قبل الحرب قد عادوا إلى مكاتبهمء وعادت النخبة السياسية القديمة مرة 
أخرى تدير اليابان. 

غير أن بعض الإصلاحات استمرت. فلا يستطيع أحد إنكار أهمية 
الحقوق المدنية التي كتبها الأمريكيون في دستور ما بعد الحرب (برغم أنها 
كثيرا ما كانت تنتهك). وأنهى توزيع الأرض على الفلاحين شكلا قديما من 
أشكال التفاوت الاجتماعي؛ وسيظل من مآثر السنوات الأولى للاحتلال؛ 
(وإن كان الإصلاح الزراعي قد أفضى فيما بعد إلى أشكال جديدة من عدم 
المساواة السياسية). لكن معظم الإصلاحات الأولية جرى التراجع عنها 
جزئيا ‏ وعن بعضها تماما. 

لنتأمل عملية تطهير اليابان من أعمدة نظام ما قبل الحرب. كانت عملية 
التطهير واسعة في مجال العسكريين: حيث تم التخلص من معظم القوميين 
المتعصبين الذين خاضت أمريكا الحرب لهزيمتهم. لم تكن هيئة أركان حرب 
ماك آرثر .0 .11 .0 بحاجة إلى الجيش الياباني ‏ ليس حتى أوائكل خمسينيات 
القرن العشرينء على كل حال. وثمانون في المائة من العناصر التي طُّهُرت 
كانت من يين العسكريين. لكن ماذا عن المجالات الأخرى: السياسة: الاقتصاد: 
والبيروقراطية القوية5 كان التطهير في هذه المجالات شكليا وهزيلا على 
أحسن الاختراضات. ولا يزال بيننا حتى اليوم ورثة الزايباتسو التي أعيد 
بناؤها. ولم يُطَّمّر إلا 87١‏ بيروق راطياء وهذا أقل من ؟ في الماكة من الذين 
كان من المقرر تطهيرهم. واستخدم الجنرال ماك آرثر بيروقراطية ما قبل 
الحرب لإدارة البلاد؛ بل إنهم هم الذين استخدمهم في تنفين برنامج التطهير! 
ومن بين الممنوعين من الاشتفال بالقضايا العامة كانت نسبة السياسيين هي 
السدس. وبعد ما يزيد قليلا على عشر سنوات بعد الحرب. تولى رئكاسة 
الوزارة في اليابان أحد الذين اتهموا بارتكاب جرائم حرب. 

ولم تشف مواقف اليابانيين نحو أمريكا أبدا من النهج العكسي. وضي 
أيامنا هذه تعود الفترة الأوتى إلى الذاكرة كنوع من ربييع طوكيوء ذكرى 
عاطفية. يضاعف الإحساس بها قصر الموسم. جاءت الديموقراطية وذهبت 
سريعاء حتى أن اليابانيين سرعان ما دارت بينهم مناقشات يتساءلون فيها إن 
كانوا قد رأوها أبدا. وفي تاريخ مبكرء العام ٠1165ء‏ أعلن الباحث ماساو 





الياباني الخفي 


ماروياما قصنةتلإتاعة]1 12/135530 أن الديموقراطية اليابانية ليست إلا أسطورة 
لا تستحق الدفاع عنها. وبعد النهج العكسي أحس هؤلاء الذين تطلعوا بأمل 
نحو الأمريكيين: أحسوا تجاههم بالغرية والخيانة؛ بينما أولئك الذين كانوا 
حتى الأمس القريب يحتقرون المنتصرين وجدوا فيهم حليفا في سعيهم 
لاستعادة السلطة. وفي أيامنا هذه لا يوجد إلا عدد قليل من اليابانيين ممن 
لم تتأثر مشاعرهم نحو أمريكا بالمفارقات التي ولدتها تلك اللحظة: الإعجاب 
والكراهية؛ الاحترام وفقدان الثقة. 

تغزل أمريكا كثيرا من الأساطير عن طريقة أدائها في يابان ما بعد 
الحرب. وقد كتب أحد المحللين الأمريكيين: «باعتبار ما كان يمكن أن يكون, 
أثبت الاحتلال الأمريكي أنه؛ في جملته؛ تجربة إيجابية بشكل مدهش لكل من 
المنتصر والمهزوم». كُتبت هذه العبارة العام 19417؛ وهي نمطية على الطريقة 
الأمريكية فضي رواية ما حدث منذ انتهى الاحتلال. ولكن الدعوة إلى التفكير 
في «ما كان يمكن أن يكون» دعوة مخادعة. إذ إنه بقبولنا لهذه الدعوة على 
وجه التحديد ‏ أي أن نفكر فيما كان يمكن أن يحدث . سيكون احتلالنا 
لليابان قد قُيّم تقييما أدنى؛ لأنه بهذا المعنى كان يمكن أن يحقق أكثر كثيرا 
مما آلت إليه الأمور بالفعل. وما الذي آلت إليه الأمورة الإجابة عن هذا 
السؤال سهلة:؛ لأن اليابان التي نراها اليوم هي نفسها التي صنعتها أمريكا 
بعد الحرب: فساد مستشرء سيطرة السوق تتملك كل شيء؛ مدمرة بيثياء 
الفردية فيها تختنق؛ متعثرة سياسياء بلا قيادة» عاجزة عن اتخاذ القرارات. 

كيف حدث أن ظلت اليابان متجمدة في مثل هذه الحال لمدة خمسة عقود 
كاملة؟ توجد الإجابة في وثيقتين. الأولى هي الدستور الذي كُتب تحت إشراف 
الجنرال ماك آرثر وأصبح قانونا في 14417. وأشهر مواده؛ البند 9: يعطيه الاسم 
الذي عرف به هذا القائون ‏ دستور السلام - لأنه منع اليابان من تكوين جيش 
وحصرٌ النشاط العسكري في الدفاع عن حدودها الطبيعية. . والثانية هي اتفاقية 
الأمن /ادء1 رتم5 التي وفّعت في العام 1501١‏ ووضعت فضي التطبيق فى 
العام التالي. هذه المعاهدة وضعت اليابان تحت الحماية العسكرية الأمريكية. 
وكان الأمريكيون مسؤولين عن هاتين الوثيقتين؛ والجدير ملاحظته أنهما وجدتا 
جنبا إلى جنب: تشكلان معا استمراضا القوة قي القضيام السياسي 
والديبلوماسي؛ وهو المرض الذي لم تُشْفّ اليابان منه حتى اليوم. 





اليابان: رؤية جديدة 


والرجل الذي نقل هذه العدوى إلى مواطنيه اسمه شيجيرو يوشيدا. كان 
يوشيداء بمساندة أمريكية: هو الذي أعاد سياسيي ما قبل الحرب إلى 
السلطة في 4. كان أبوه ليبراليا من عصر الميجي!*).؛ كان يوشيدا 
دبلوماسيا متمرسا قبل الحربء بيروقراطيا يتحدث الإنجليزية. يتحرك في 
دوائرالنبلاء القريبة من العرش. كان قوميا لكنه لم يكن عسكرياء ويعد سنوات 
عدة من النشاط السياسي المكثف:؛ تمكن هو وماك آرثر معا من فرض ما 
يمكن تسميته «صفقة يوشيدا» ادء2 هلنطوهلا ع1 . 

واشتهر يوشيدا: بما عرف عنه من برود وحضورر,ذهن؛ بتبثيه للرأي 
القاكل بأآن اليابان يمكنها أن تكسب بالوسائل السلمية ما خسرته في 
المغامرة العسكرية. كان يوشيدا هو الذي وضع اليابان تحت مظلة الحماية 
الأمريكية وحول الحملات العسكرية الخاسرة إلى حرب الاستنزاف الطاحنة 
التي نلمسها اليوم في إحصاءات التجارة. حققت صفقة يوشيدا مكاسب 
جمّة؛ لكنها قوبلت بصيحات نقدية من كل اتجاه. فلا المدافعون عن النهج 
السلمي ولا القوميون هضموا شيئا منها. وكان جون فوستر دالاس» رجل 
أمريكا الأول في الحرب الباردة: هو الذي حمل يوشيدا على عملية إعادة 
التسليح غير المعانة تليابان: غاليابان اليوم هي السادسة بين دول العالم في 
الإنفاق العسكري. وكان يوشيدا أيضا هو الذي سمح بالإبقاء على القواعد 
العسكرية الأمريكية بعد إنهاء الاحتلال: بحيث أصبح الوجود العسكري 
الأمريكي. بعد مضي أربعة عقود؛ وكأنه حامية عسكرية دائمة. ولم يكن ثمن 
هذه التسوية أقل من التضحية بسيادة اليابان؛ ولكن اليابان لم تُضيّع وقتا 
لإثبات صحة وجهة نظر يوشيدا من أنها تستطيع تحويل الهزيمة العسكرية 
إلى انتصار اقتصادي. 

ومن بين الأشياء الجدير ملاحظتهاء فيما يخص صفقة يوشيدا أنها 
أبرمت بعد أن أمضت اليابان أريع سنوات في ظل دستور السلام بالفعل؛ وهي 
الوثيقة التي كان لها خصومها أيضا. فقد كرهها اليمينيون الذين كانوا 
يحبذون إعادة التسلح؛ وبمجرد كتابتهاء اعتبرتها المؤوسسة الجديدة للحرب 
الباردة في واشنطن غلطة. حتى دعاة النهج السلمي «حرنوا» قبل أن 
(*) حركة ميجي الإصلاحية (حكم 1417 1515). وهي حركة إصلاحية بدأت بها اليابان عهدا 
جديدا من التحديث التكنولوجي (المترجم). 











اليابائي الخفي 


يدعموهاء حيث إنهم كرهوا فكرة الهيمنة الأمريكية. ولم يكف ماك آرثر أبدا 
عن الدفاع عن الدستور الذي منحه لليابان: وفي ذلك فإن ماك آرثر يرضي 
غرور ماك آرثر: حيث أراد أن يبقي على ذكرى مميزة للنموذج الإداري 
والدستوري الذي أدار به الدفاع عن الفليبين في 15170 . 

حدث تناقض متعاظم بين دستور السلام والدور الذي أوكل إلى اليابان في 
الحرب الباردة. وكان من المنطقيء لكي يلتف ماك آرثر ويوشيدا حول هذا 
التناقض: أن يتجاهلاه: ومن ثم بدأت شيزوفرينيا يابان ما بعد الحرب. كانت 
اليابان بالقانون قد اختارت النهج السلمي؛ ولكنها بحكم اتفاقية الدفاع 
المشترك (وفي الواقع العملي) كانت حامل الحرية في الحرب الصليبية ضد 
الشيوعيين. وما أن سحب اليابانيون إلى الحرب الباردة؛ حتى جرى تفريغ 
المركز السياسي؛ كان من الناخبين من يؤيد الدستور الذي جاءت به أمريكاء 
ومعنى ذلك معارضة أمريكا؛ ومنهم من أيد العبث بهذا الدستور؛ وبذلك كان 
يرضي الدولة التي جاءت به. ويسمى اليابانيون المعادلة السياسية التي كرست 
هذه المفارقات «نظام 1400». وضي خريف تلك السنة عاد الاشتراكيون!*) إلى 
الاتحاد بعد سنوات عدة من الصراع الداخلي. وكرد فعلء؛ اتحد الحزيان 
الكبيران المحافظان ليصبحا الحزب الديموقراطي الليبراليء الذي أبقى على 
حكم النخبة القديمة راسخا طيلة الثمانية والثلاثين عاما التالية. 

ومن خلال نظام 1400 مارست أمريكا سيطرة هائلة على اليابان بعد 
انتهاء الاحتلال كما لا تزال تفعل حتى أيامنا هذه. صاغت طوكيو عددا قليلا 
من القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية من دون موافقة واشنطن ‏ ليس من 
بينها قرار واحد قبل سبعينيات القرن العشرين ‏ وقد درجت اليابان على 
تأييد الأهداف الأمريكية حتى لو كانت تتعارض مع المصالح اليابانية. ونحن 
نتظاهر بأننا مقتنعون بأن اليابان دولة مستقلة؛ لكنها ‏ أساسا ‏ ليست إلا 
محمية عسكرية؛ وهو أمر يدركه اليابانيون كما تدركه غالبية الأمم الأخرى إلا 
الأمريكيين. وتوسع النفوذ الأمريكي في الداخل أيضا. فقد فعلت أمريكا في 
اليابان بعد الاحتلال ما كانت تفعله في كثير من دول العالم الثالث أثناء 
الحرب الباردة على مدى حوالى عشرين عاما: حيث قدمت دعما نشيطاء وإن 
يكن غير معلن: لانخبة السياسية التي كانت قد أعادتها إلى السلطة العام 








(*) والآن يسمى بحزب الاشتراكيين الديموقراطيين. 


اليابان: رؤية جديدة 


4. ثم دعت بقنية العالم لكي يتظاهروا مع الأمريكيين بأن اليابان دولة 
تعمل فيها الديموقراطية بشكل جيد. 

وكيف حدث أن حفنة مغلقة على نفسها من السياسيين المحافظين 
الكارهين للأجائب الخانعين لأمريكاء ممن لا يستثيرون حماسا بين جمهور 
الناخبين: كيف حدث أن ظل هؤلاء يقبضون على ناصية الحكم حتى ١557‏ 
من دون منافسة ذات شأن؟ هذا السؤال طرح كثيرا منذ خمسينيات القرن 
العشرين. ولأن اليابان تحوز آليات دولة ديموقراطية: فلم تكن الإجابة سهلة. 
ومسألة أنه لم يكن هناك بديل يعتد به للديموقراطيين الأحرار هي حقيقة: 
لكن لماذاة بسبب الفسادة نعم ولكن فساد من8 لماذا تُحكم اليابان بنظام من 
المحاسيب تترأسه تتوارثه زمرة من أعيان ريفيين دون المستوى؛ وقّرض 
حضورهم المنفر على 1 الدولي. 

تكمن الإجابة في طبيعة القادة الذين جيء بهم من عصر ما قبل الحرب 
ليتولوا السلطة في 008 . هؤلاء الذين وضع لهم اسم جديد هو الديموقراطيون 
الأحرار. والذين أطالوا عُمر ممارسات السياسة التقليدية ‏ الولاء والاستخذاء 
أمام السلطة؛ والهوية الريفية. والشللية السياسية؛ وشراء أصوات الناخبين ‏ 
بعد انتهاء عمرها الافتراضي بوقت طويل. باختصار؛ أطالت النخبة المحافظة 
عمرها بعرقلة وإحباط العادات والممارسات الديموقراطية. إلى أي مدى ساهم 
الأمريكيون في هذا المسار؟ ليس هذا واضحا تماما. لكنه اتضح وإن قلياا منذ 
4:,: عندما كشفت جريدة النيويورك تايمز أن وكالة المخابرات المركزية كانت 
تحول سرا اعتمادات مالية للحزب الحاكم حتى سبعينيات القرن العشرين. 
وبهذه الاعتمادات المالية كانت أمريكا تلعب في الانتخابات: وتسائد رؤساء 
الوزارات الذين تؤثرهم: وتضعف المعارضة السياسية. وكان حاصل هذه 
الاعتمادات المالية يقدر بعشرات الملايين من الدولارات: وربما بمئات الملايين. لا 
نعرف؛ فالمخابرات المركزية لن تنبثنا . 

كانت هموم أمريكا هي هموم قائد الحرب الباردة؛ وكانت تخاف على ولاء 
قواتهاء وعلى وجه التحديد أثار قلق واشنطن أن استقلال اليابان سياسيا 
سوف يجعلها تسلك في آسيا السبيل الذي سلكته سويسرا في أوروباء أي 
تختار الحياد بين الشرق والغرب؛ وتختار الخروج من الحرب الباردة وحملاتها 
الصليبية. كان هذا احتمالا؛ لكننا اعتبرناه «خطرا». ولكن من المنطقي؛ أن 





الياياني الخفي 


نتخن هذه الأفعال السرية إضافة إلى النهج العكسيء: مقياسا لمدى الأهمية 
التي كانت تعلقها أمريكا على نموذج لآلية ديموقراطية في اليابان: والنظرة 
التي كانت تنظرها إلى الشعب الياباني. كان هذا شبيها بالمنطق الذي استخدم 
أثناء الحرب الفيتنامية: حيث كنا نحرق القرى من أجل إنقاذها: فنحن هنا 
نقلب الديموقراطية من أجل إنقاذها. 
6 كد 6 

لا يرى الأمريكيون أنفسهم مخربين للعملية الديموقراطية في البلاد 
الأخرى. فتدمير اختيارات شعب آخر هو ما كان السوفييت يفعلونه في شرق 
أوروبا. وهذه صورة عن أنفسنا رأينا أن نضيع معالمهاء ولكن غالبية الدول 
الأخرى: حتى أصدقائناء كانت تراعى قواعد الأدب معنا دائماء دون أن يكونوا 
مخدوعين. من الصعب بالنسبة لنا أن نواجه هذا الجانب من ماضينا القريب» 
ولكن بانتهاء الحرب الباردة: سيتحتم علينا مواجهته إن عاجلا أو آجلا. 

إن العادة الأمريكية للنفاق والخداع كانت تعكس المأزق الجوهري للحرب 
الباردة: الفجوة بين الواقع والمثالي؛ بين ظواهر الأمور وحقيقتها. لكن المسافة 
بين الاثنين مألوفة لليابانيين: فقد أنتجت الحرب الباردة مجرد طبعة جديدة 
من الفجوة بين «اليابان» (بين علامتي التنصيص) واليابان؛ وهي مفارقة ألفها 
اليابانيون في حياتهم طويلا. هذا التواؤم الشرطي بالإضافة إلى الاعتمادات 
المالية الخفية التي تقدر بالملايين هما السبب في أن الحرب الباردة: بعد أن 
غصت بها الحلوق لفترة أولية وجيزةء بدت سهلة الابتلاع برغم مذاقها المر. 
وثمة قول مأثور يردده اليابانيون منذ القدم يساعدهم على التعايش مع 
إحباطاتهم: وهو: «شييو جا ناي» 51د وع 0لإثطاذ؛ أي هذا أمر لا حيلة لنا 
كرون والححيفة إن هذه العناره لك قظيى إلا وكيرة اقل كخيرا هنا كفل 
اليابانيون؛ وإن كانت تعبر عن مشاعر أعتبرها من أعمق مكنوناتهم: شدة 
الرغبة مع اتعدام الأمل. وكانت تلك مشاعرهم وهم يشاهدون أمريكا تدمر 
تجربتهم في مرحلة ما بعد الحرب. 

وعلى الرغم من ذلكء فلم يكن يكفي أن اليابان كانت هي القاعدة الأمامية 
لأمريكا في المحيط الهادي؛ كما وصفها جورج كينان في توجيه مجلس الأمن 
القومي الأمريكي (13/2 .©  )0].5.‏ وكما سيقول قائد ياباني فيما بعد: 
«حاملة طائرات لا يمكن إغراقها». كان على اليابان أن تبدو في مظهر معين؛ 





اليايان: رؤية جديدة 


أيضا. كان يجب أن يكون انحيازها للغرب اختيارا. لم يكن ثمة اختيار آخر 
يمكن قبوله: بالطبع؛ فدخول اليابان إلى حلبة الحرب الباردة لم يكن بأي 
شكل إلا مسيرة إجبارية. لكن اليابان كان عليها أن تبدو ديموقراطية تماما 
في قرارها باتباع أمريكا .كذلك؛ وهذا أمر ليس سهلاء كان يجب أن يبدو 
اليابانيون راضين تماما وسعداء بقدرهم. كا أمور بالغة الأهمية: حيث 
ستكون اليابان هي النموذج في منطقة تعتبر أمريكا بلادها مجموعة أحجار 
دومينو متساندة. 

وانشغل جون فوستر دالاس؛ وزير خارجية الرئيس دوايت أيزنهاروء انشغالا 
مبكرا ونشيطا بفرس وتنمية الصورة المقررة التي رسمت لليابان. وأثناء العقد 
التالي للحرب تعاظم هذا الاهتمام في واشنطن ودفع الباحثين الأمريكيين إلى 
إمعان الفكر لرسم صورة لذلك البلد الذي هزمته أمريكا قبل قليل بتكلفة 
باهظلة. وتدريجياء بدأت هذه الصور تُقدم إلى التيار الرئيسي للفكر الأمريكي - 
في البداية ‏ في الأوراق والنصوص البحثية: ثم في الكتب واسعة الانتشار, 
وأخيرا في الأفلام والصحف والإعلانات؛ وياختصار: أصبحت هي النموذج 
الجديدء أصبحت جزءا مما يمكن أن نسميه الآن «ثقافة النصر»»؛ وهي مجموعة 
من المعتقدات في مرحلة ما بعد سد ار وعن الآخرين والتي ترقى 
لأن تكون الطبعة الأمريكية المعدلة للاستشراق القديم. 

كان اللعب بالتاريخ ذا أهمية جوهرية في هذا المشروع:؛ لأن النموذج 
الجديد اعتمد كثيرا على صورة بعينها ‏ ليست هي صورة اليابان بعد الحرب؛ 
بل ولا على الحرب نفسهاء ولكن ما حدث قبل الحرب. كانت إعادة صياغة 
ماضي اليابان هي وسيلة إبراز الصورة المفضلة التي رسمتها أمريكا لحليفتها 
الآسيوية. وما كان أحد ليستطيع قلب الحقائق على الطريقة الستالينية. غير 
أنه يظل من الممكن صياغتها على نحو يخدم الأيديولوجية الناشكة. يمكن 
تفصيل التاريخ بالقص واللصق بحذف أو تجاهل الأجزاء غير المسلية أو 
الجذابة: والإفاضة في الحديث عما هو ثانوي وتافه. وإذ يعاد تشكيل الماضي؛ 
سيو الكاسر فنا مما هف 1 

حولت اليابان نفسها إلى يابان حديثة؛ على الأقل اقتصادياء بسرعة 
خارقة بعد الإحياء الميجي العام 1814: لكن شعبها دضع ثمنا غاليا للنهج الذي 
اختاره القادة. ثم تكن هناك حرية سياسية وإنما الكثير من الاستغلال؛ وأَبْقي 





الياياني الخفي 


على الممارسات والعادات الإقطاعية لمنع تطور الديموقراطية والأنساق 
الاجتماعية الحديثة. أغرقت القيادة الدولة بمشاعر الكراهية للأجانب 
والروح العسكرية لتعزيز طموحاتها الإمبريالية. وفوق كل شيء: كان هناك 
الكثير من المعارضة والانشقاقات ‏ وبالنسبة نفسهاء الكثير من العنف فضي 
إخمادهاء وظلت هذه هي حقائق التاريخ المألوفة حتى بدأت أمريكا تهتم 
بالصورة التي تظهر بها اليابان للآخرين. وكانت هذه الحقائق هي التي خاض 
الحلفاء الحرب بشأنها. تلك الحقائق التي كانت قد رمنّخت بواسطة جيل من 
الباحثين كرسوا جهودهم لفهم الطريق المضطرب المعقد الذي اتبعته اليابان 

دُفعت هذه الحقائق إلى الظل؛ لكي تتمكن أمريكا من تبرير صورة 
«يابانها» ‏ أي تلك اليابان التي كان قد أعيد تجميع قطع (أو قصاقيص) 
ماضيها لتخدم الأهداف الحديثة. فما كان ينظر إليه حتى الأمس القريب 
كممارسات إقطاعية ثقيلة وبغيضة: أصبح هو «التقاليد». وتجسدت التقاليد. 
في الإمبراطور: وهو الرجل الطيب الذي وقف ضد الحرب. وكانت التقاليد 
هي التي تقدم كتفسير لما يسمى فضيلة العمل التي يتحلى بها اليابانيون؛ 
صبرهم على ظروف الحياة الفقيرة: إذعانهم للسلطة بسهولة. هكذا يسود 
الانسجام والإجماع العام. وأما التوثّر والنزاعات الأهلية فهي أمور غريبة؛ لأن 
اليابانيين قوم متواضعون ميالون إلى التنازل في كل الأمور. لم يعد ناجاتاشو 
مهام الحي السياسي في طوكيوء ينظر إليه كعش زنابير يأوي غلاة 
القوميين المتطرفين الفاسدين الذين بعثوا من بقايا عصبة الحرب؛ وإنما 
أصبح ناجاتاشو ينظر إليه كبيت لأول ديموقراطية برلمانية شرق آسيوية: 
ناهضة وواعدة. 

وأغضى النموذج الجديد إلى نتيجتين رئيستين: وسواء أكنا على وعي بهما 
أم لاء فهما أساس ما نتظاهر بأنه حقيقة اليابان. الأولى كانت أن خمسة 
عشر عاما من العدوانية اليابانية لم تكن إلا انحرافاء إلا ذبذبة محدودة في 
مسار متصلء لم يكن هناك عيب حقيقي في النظام الياباني. صحيح أن 
اليابان انحرفت عن المسارء لكن لفترة وجيزة: وجاء الاحتلال فصحح المسارء 
ولا يجب أن يقف المرء طويلا عند حرب الباسيفيك؛ لأنها كانت خارج مسار 
تقدم اليابان نحو الديموقراطية الليبرالية. وبالتالي تأتي النتيجة الثانية: ليس 


اليايان: رؤية جديدة 


لنا أن نتوقع الكثير من إصلاحات ما بعد الحرب. وضي واحد من أشهر الكتب 
التي تناقش هذه النقطة: أكد إدوين رايشاور مقط 1615 .0 ستول أن كل 
ما كانت اليابان بحاجة إليه هو: «مجرد تعديل بسيط للقواعد» لعكس مسار 
تاريخ ثلاثينيات القرن العشرين واستكناف سيرها غريا. 

هذا هو الهيكل المجرد للنموذج الجديد. كانت اليابان مسؤولة عن أحد 
أكبر مآسي القرن؛ وتعرض شعبها لأشكال عدة من التدهور. ولكن هده 
الحقائق الصارخة تلاشت في يوم وليلة. أصبح اليابانيون حلفاء لذا ‏ 
أصدقاءنا المجتهدين المطيعين غير المعقدين. وإن كانت المشاحنات التجارية 
والجدل المحتدم حول الشؤون الدفاعية قد ثالت من الفكرة الأساسية في 
السنوات القليلة الماضية, إلا أن هذه تظل صورة اليابان التي ندّعي أنها 
الحقيقة حتى أيامنا هذه. ولم يكن ترسيخ هذه الصورة إنجازا سهلا. لكن 
الذين خلقوها كانوا يلقون دائما دعم الوكالات الحكومية والمؤسسات 
الخاصة:؛ وهذه نقطة جدير ملاحظتهاء لأنه لم يحدث إلا نادرا جدا أن كانت 
الجهات البحثية الأمريكية فضي الخدمة الكاملة للأيديولوجية الرسمية إلى 
هذا الحد. 

كان عدد من الباحثين الذين وضعوا الصورة الجديدة في دائرة الضوء 
يقومون بالتدريس في جامعة هارفارد. وكان من أبرزهم رأيشاور الذي ولد في 
اليابان؛ لأب كان عضوا في إرسالية تبشيرية؛ وظلت حياته ومهنته ‏ كباحث؛ 
ومستشار لواشنطن: وديبلوماسي ‏ مرتبطة بقوة باليابانيين طوال حياته. ابتكر 
رايشاور كثيرا من الألفاظ المصنوعة أثناء عمله؛ وإن كان لم ينفرد بذلك. شبعد 
نوات قليلة من استسلام اليابان كان يحث واشنطن على أن تتبين أن الأبحاث 
يمكن أن تكون مفيدة ك «أعمال دعائية» حسب تعبيرهء وأن إعادة كتابة التاريخ 
يمكن أن تكون لها: «نتائج عمئية شديدة العمق». ولم يكن رايشاور هو الوحيد 
الذي نادى بهذه الأفكار الغريبة المتعلقة يمهام الأستاذ الجامعي؛ لكنه كان متفردا 
في الاهتمام بما يمكن أن نسميه المعرفة التطبيقية. 

وعندما انتهى الاحتلال أسرع رايشاور يعلن أنه نجاح تام. حيث إن 
تطهير سياسيي زمن الحرب وزعماء الزايباتسول*) قد اكتمل. وحسب 
ايك نار زليها مدق ليام وار لساحرة مااية كلك ع أل رفنت خلف التو 
الياباني في الأراضي الآسيوية؛ وفي وقت لاحق دعمت المجهود الحربي [المترجم). 











الياباني الخفي 


تقييمه لم يكن هناك نهج عكسي: ولكن ما حدث هو «إعادة توزيع قوات»؛ 
ولم يكن ذلك إلا لأن الإصلاحات كانت انتصارا تاما. كتب رايشاور العام 
*01: «إن الحاجة ماسة الآن لأن يقوم اليابانيون أنفسهم بجعل القواعد 
الجديدة تتواءعم مع حقائق الحياة في اليابان: وأن يقوموا باكتساب الخبرة 
في الحياة وفي حكم أنفسهم بأنفسهم وفقا للعملية الديموقراطية»»؛ وإذ 
نتأمل في مضامين هذه العبارة؛ سيُطرح السؤال: من الذي سيعلم اليابانيين 
هذه الأمورة من الذي سيريهم كيف تعمل الديموقراطية5 هل هم الذين أعيد 
تنصيبهم من مسؤولي الدولة الدكتاتورية في الشلاثينيات؛ أولكك الذين 
اخترعوا شرطة الفكر؟ لابد أن هذا هو ما كان يعنيه رايشاور؛ لأنهم كانوا 
قد عادوا بالفعل وتولوا الأمور. 

والمقاطع التالية جاءت من صفحة واحدة في كتاب رايشاور اليابانيون اليوم: 

«على السطح تعطي اليابان كل مظاهر مجتمع سعيد وريما تستحق هذا التقييم بقدرما 
يستحقه أي بلد آخر.. 

«الغصام الثقافي؛ الذي ريما يبدو واضحا للعين الغربية غير الفطنة؛ ليس له وجود بكل بساطة 
بالنسبة تليابانيين: إلا إذا استثئينا عددا قليلا من المثقفين الذين لديهم إحساس بالذات». 

«من الواضح أن اليابائيين راضون عن انفسهم كافراد وكامة. وحتى عقود قليلة مضت كانوا أميل 
إلى عدم الثقة بأنفسهم؛ خائفين أن يكون الغربيون ينظرون إليهم باستعلاء؛ ولكن هذه الشكوك لم 
تلبث في السئوات القليلة الماضية أن تبخرت سريعا في دفء الوفرة؛ والمكانة الدولية المرموقة.. 

صدرت الطبعة الأولى لكتاب رايشاور في العام 141/7 (بعنوان: 
اليابانيون عدوعصهمدل 16): ثم أعيد نشره مع تحديثه في //195» بعنوان: 
اليابانيون اليوم 100 ءمعسدمول ع1؛ وهو أهم كتبه؛ وهو كتاب مليء 
بأشياء لا تمت إلى الحقيقة بصلة: وبفقرات ليست لها أي علاقة بالواقع 
الياباني: وأخرى لا نعدو الحقيقة إذا أسميناها مادة دعائية تُقدم كجزء من 
التاريخ. وتظهر في طبعة 1477 أكثر مزاعمه إثارة للانتباه (والتي لم يجر 
تعديلها إلا قليلا في الطبعات التالية). ومن بينها قول يبدو كما لو كان 
عارضا: «الفساد السياسي ليس منتشرا في اليابان». ثم يضيف ملاحظة 
أن المرء لا يسمع من الجمهور الياباني «الشكوى من الفساد» إلا قليلا. غير 
أنه يعود للتقليل من شأن هذه الشكاوى بملاحظة يقول فيها إن الأجانب لا 
يفهمون بالضبط مقاصد اليابانيين. 





اليابان: رؤّية جديدة 


أحيقت اعسان رانكنائ اخرا كبيراء وفذلك غيرها من اعسال لها الزؤية 
نفسها. ومن بين أشهر الأعمال من هذا النوع كتاب عزرا فوجل 1218 
اعع 170 اليايان رقم واحد ع0 «ءطتصساة كد سوصوقء الصادر في العام 6/ا5١‏ . 
وكان هذا الكتاب بمنزلة دعوة مستفيضة كبيرة ومتصلة للأمريكيين لكي 
يتعلموا من اليابانيين دروسا في فضائل الإجماع ومراعاة «مصالح السياسة 
العليا»: وتميز المدارس اليابانية: وروح التعاون شي المصائع اليابانية. وكل عامل 
بالأجر في أي دولة غريية؛ تعلم أن يغني نشيد الشركة التي يعمل فيهاء أو 
ينضم إلى دواكر الرقابة على جودة الإنتاج: أو ينضم إلى عضوية نقابة 
الشركة؛ كل هؤّلاء لابد أن يكونوا قد تأثروا بكتابات رايشاور وفوجل وغيرهما 
من الباحثين الذين عملوا معهما. وكذلك كل من يعتقد أن اليابان هي دولة 
خالية من التناقضات والصراعات؛ كل من فيها أتباع متوائكمون: أو أولئك 
الذين ينتقدون الممارسات اليابانية في التجارة الدوئية والأمن من دون أن 
يجهدوا أنفسهم لفهم مدى مسؤولية أمريكا عن هذه الممارسات. 

كتاب «اليابانيون اليوم» والإصدارات الكثيرة التي من النوع نفسه تصف 
ابان» اخرى- ديايانة الاستشراق التي تحيلها الأمريكيون بعد العرب. إنها 
«اليابان» التي لا نزال نقرا عنها في جرائدنا. ولكنها ئيست اليابان. 

6 عاد ف 

عرفت دائرة رايشاور باسم نادي الكريزانثيمم (ذهرة الأقحوان) عطا 
نك متنتاطع دطنههكنزتان)؛ وأطلق عليها هذا الاسم لأن الكريزانثيمم أميز 
علامة على أختام البيت الإمبراطوري الياباني. ولم يكن الإطراء مقصودا 
بهذا المصطلح. فقد أطلق على أعضاء نادي الكريزانثيمم: الجيشا. وكان 
ينظر إليهم باعتبارهم مبررين غير ناقدين لليابان وكل ما يتعلق بهاء وهو 
دور قاموا به ضفي كثير من المناسبات. ولم يكونوا يعملون حسابا إلا لما يمكن 
أن يحققوه بالنتائج. أي أنهم كانوا يتجاهلون الأشياء غير المسلية أو المنفرة 
عن اليابان أو يموهون عليهاء لكي يبدو أن «النجاح» هو النتيجة الصحيحة 
لنظم وترتيبات مستحبة. في كتاب «اليابان اليوم» نجد كل شيء يحقق 
التدن باسكتاء الاقفين: الذين يجب الا يجيد القاوية نهسة بكائهة زوأنا 
مظاهر الفساد و «الفصام الثقافي» ضهي أمور ثانوية لا تراها إلا «العين 
الغويية غين الفظنةى. 





الياباني الخفي 


ليس بمستغرب في عالم على مثل هذا القدر مْن البساطة؛ أن يشرع 
الأمريكيون في السبعينيات في البحث عن «أسرار» «المعجزة» الاقتصادية 
اليابانية. ونعشر على هذه الأسرار حيث يراد لنا ذلك تماماء في «تقاليد» 
اليابان المركبة: في احترام السلطة والنظام؛ والإحساس بالهدف المشترك» 
وعادة الولاء للشركة. لقد نشأت أسطورة تتماشى مع الكاوبوي الأمريكي: 
أسطورة «المحارب من أجل الشركة»: والمعروف في اليابان بأنه «رجل 
الساراري هف 5381 العاديء الذي يعيش على راتبه. الموظف المريوط 
بالعمل في شركة كبرى طوال حياته. 

لقد ألفنا صورة الساموراي حامل الحقيبة. إن العامل الياباني» سواء كان 
في عنابرالمصانع مرتديا الأفرول؛ أو جالسا إلى مكتب تتكوم عليه الأوراق؛ هو 
الشخصية الرئيسة في اقتصاد ما بعد الحرب . وهو «راضٍ جدا بالكيفية التي 
تسير بها الأمور». (عن رايشاورء «اليابانيون اليوم») حتن أنه لا يهتم 
بالنقابات. أما الاضرابات فهي أمور مزعجة وغير مرغوب فيهاء فهو يفضل 
اتفاقا جمعيا بين العمال والإدارة. فإذا كان لابد أن ينضم إلى أي نقابة؛ فلتكن 
هي التي ينظمها أصحاب العمل نقابة الشركة؛ المعروفة أحيانا باسم البيت, 
أو نقابة «المؤسسة». 

فلنلق نظرة سريعة ‏ باختصار ‏ على تاريخ العمالة اليابانية. ففي هذا 
التاريخ نجد درسا أساسيا. 

قبل بداية قرننا هذا (العشرين) كان التحديث السريع يستحث صراعا 
يزداد انتشارا في المصانع الجديدة. حيث كانت ظروف العمل فظيعة وتغيب 
العاملين كثيرا جدا؛ ودورة تغيير العمالة تزيد على ماثئة بالمائة كل عام. وكان 
مقاولو الأنفار يغرون الفتيات الريفيات بالعمل في مصائع الغزل والنسيج 
بوعود كاذبة. كان الذين «يهربون» من المصانع يتم الإمساك بهم بواسطة 
شرطة خاصة. كانت الإضرابات غير المشروعة متواصلة بأشكال ودرجات 
متفاوتة؛ ولم يوجد من يستطيع تنظيم الجيل الأول من العمال الصناعيين في 
تاريخ اليابان - لا المديرون الجددء ولا نقابيو المستقبل. 

في العام ؟1١15ء‏ كام احد النشطاء المسيحيينء بونجي سوزوكي أزهناظ 
أعانانا5: بتأسيس اتحاد ميق يوايكاي نهعاثةتالاء أو جمعية الصداقة. كان 
لدى يوايكاي برنامج مثير للاهتمام: يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي والعمل 





اليابان: رؤية جديدة 


النقابي المعتدل ‏ فلم يداضع عن الإضرابات؛ مثلا ‏ لكنه شجع الأعضاء على 
تأكيد حضورهم كأفراد. وهي فكرة كان سوزوكي يسميها «ثورة ذاتية». وفيما 
بعدء شبه النقابيون وثيقة تأسيس جمعية يوايكاي بأنها «نتاج نادي مدرسة 
الأحد». وهذا نقد فى محله؛ غير أن هذه الجمعية لم تلبث أن أصبحت أول 
نقابة عامة لليابان: ذلك أنها في 1415 تغير اسمها (إلى اتحاد عمال اليابان 
الكبرى) كما غيرت موففها السياسي؛ ومنذكذ؛. أصبحت صوتا مهما في حركة 
عمالية جديدة متعاظمة الحضور. 

وما كانت أحداث العشرينيات لتنسجم على أي نحو مع مقولة المحاربين 
المتفانين دفاعا عن شركاتهم. فما كان يمر عام من دون أن يحدث 
0 إضرابا كبيرا على الأقل. وكان العنف مستشريا. وأثناء هذا العقد بدأ 
أصحاب الأعمال ينظمون أولى نقابات المؤسسات, التي لم تكن تعتمد على 
وحدة المهنة أو الحرفة وإنما على الانتساب إلى المؤسسة. وأخضى هذا النسق 
إلى نوع من الممارسات أصبح مألوضا اليوم: تدخل أصحاب الأعمال في كل 
شؤون حياة موظفيهم وعمالهم باسم المصالح المشتركة. وفي هذاء ضاعت 
المعالم تماما بين العام والخاص. وبمرور الوقت فرض على العاملين هوية 
جمعية قوية. وتضاعفت أعداد النقابات (البيوت) المؤوسسية: لكنها كانت 
تفتقد الانسجام الوجداني؛ حيث حمل العاملين على التعاون بالإكراه. 

وضي العام 1918: أجبرت الديكتاتورية العسكرية جميع الاتحادات على أن 
تذوب داخل الجمعية الصناعية الوطنية؛ والتي يختصر أسمها باليابانية إلى 
سائبو 0م5832, ويتحدث اسم سانيبو عن نفسه. كانت أهداف سائبو واضحة تبدأ 
بفرض الهدوء في أماكن العمل؛ ومع تصاعد الحربء تحقيق مستويات إنتاجية 
أعلى. كان على الجميع أن ينضم إلى سانبوء بدءا من رؤساء مجالس الإدارات 
إلى العاملات اللاتي يقدمن الشاي. ونستطيع قياس شعبية سانبو بما حدث في 
6. فخلال أربعة شهور بعد الاستسلام لم يكن عدد المنضمين إلى ألف 
ومائتي نقابة مستقلة إلا تسعمائة ألف عضو. وفي نهاية الأربعينيات وصلت 
العضوية إلى /ا1 ملايين ‏ وهو ما يوازي 05/ من قوة العمل. 

وكان الاحتلال كريما بالنسبة لحقوق العمال. وتمت حماية كل من حقوق 
العضوية النقابية, والإضرابات» والمساومة الجماعية. وتشكلت الاتحادات 
العمالية الكبيرة. غير أن التنظيم العمالي الحر كان من الضحايا الأوائل التي 


ا 





الياباني الخفي 


استهدفها النهج العكسي. ذلك أن مقاتلي الحرب الباردة في مقر أركان 
الحرب (0 .11 .6).: الذين لم تعجبهم العلاقات التي أقامتها النقابات مع 
الأحزاب السياسية. سرعان ما أفسحو الطريق للاعتداءات على العمال من 
جانب النخبة السياسية ورجال الأعمال الذين استعادوا أوضاعهم السابقة, 
وهكذا عدنا إلى أحداث تذكرنا بالعشرينيات مرة أخرى. بين العامين 1١95149‏ 
و160؛ فُصل سبعمائة ألف عامل؛ وصدٌّف اثنا عشر ألفا كشيوعيين أو 
متعاطفين مع الشيوعيين. وأعيد بناء النقابات المؤسسية؛ وكثيرا ما كان ذلك 
على بقايا سانيو. 

وأخنت الاتحادات النقابية المستقلة التي ظهرت في مرحلة ما بعد 
الاستسلام تتعثر في سيرها بعد أن دمرت أحشاؤها وإن ظلت واجهاتها 
قائمة. ومنن 1500: كان الحدث العمالي الرئيسي كل عام هو الشانتو 
مأقنااةء أو هجوم الرييع: الذي كانت الاتحادات النقابية تساوم فيه على أجور 
جديدة على الصعيد الوطني. وكان لمساومات الربيع هذه تأشير يزيد أو يقل 
عبر السئين: ويعكتمد ذلك على الحالة الاقتصادية وعلى ما ثّة تقرر المنشآت 
الصناعية أن تعطيه. غير أن الشانتو كان طقسا أكثر منه مفاوضات حقيقية. 
وكأنما سمح من خلاله بأن يتحد الموظفون مرة واحدة في العام ليعلنوا: «نحن 
مستقلون: ونحن مشاركون بشكل مستقل في الاقتصاد»» برغم أنهم؛ بالطبع: 
لا هذا ولا ذاك. 

والواقع أنه اليوم. كما قد يؤكد أي باحث من نادي الكريزانثيمم؛ أن 
الموظف العادي لم يعد يهتم كثيرا بأمور النقابات. والمنتمون إلى النقابات 
اليوم: وحتى إلى نقابات المؤسسات,. أقل من ريع عمالة اليابان البالفة خمسين 
مليونا. ولكن هذا ليس لأن الحياة مرضية كما هي؛ وإنما لأن النقابات تحولت 
إلى شيء عديم النفع تقريبا. لقد أصبحت ضمن الأوهام اليابانية الكبيرة 
الكثيرة. ذهي لا تزال على المسرح؛ لا تزال تطفو داخل وخارج روايات الصحف 
وما إليها 5 تخلو تماما من الهدف. ويمكن أن نقول إنها نقابات لها وجود 
«افتراضيء(*2. إذا كان من الممكن استيعاب هذه الصورة. 

فما القضية هنا؟ إن العرض المقد م أعلاه مس كثيرا من الأسئلة المثيرة 
للخلاف . وثمة م ة مناقشة حادة بين الباحثين والكتاب والصحافيين تدور حول 
(*) اه ناارالا: يستعير المؤلف التعبير من اصطلاح يستخدم في علوم الحاسبات الآلية هو ادننانذلا 








اليايان: رؤية جديدة 


تاريخ الحركة العمالية قبل الحربء والاحتلال» والنهج العكسي»؛ وطبيعة 
عمليات التطهير في أواخر الأريعينيات. غير أن كل هذه الأمور يجب ألا 
تشتت انتباهنا. فليس من المهم ‏ هنا على الأقل أن نقول إن هذا أو ذاك 
يقف في صف النقابات؛ أو أنه يعتقد أن «الحطرة قد استولوا عليهاء أو أن 
نقر بأن الفايات تبرر الوسائل أثناء الحرب الباردة. القضية هنا هي 
الحذف والتجاهل. 

إن العرض المعتمد للعلاقات بين العمل والإدارة يقدم لنا صورة هادكة من 
دون سير لعيقية حدوت هذا الهدوة: وهذا العرض يتجاهل الخلافقات ديل 
العنف - الذي أفضى إلى الانسجام الظاهري الذي نراه اليوم. كما يتجاهل 
احتمال أن يكون التوافق في أماكن العمل؛ والذي يدعونا إلى الإعجاب به قد 
تحقق بيسرء أو أنه غير مودود في الأعماق؛ وباختصار؛ هذا العرض المعتمد 
يتجاهل التاريخ والطبيعة البشرية المركبة؛ اللذين من خلالهما يمكن أن نعرف 
شيئا عن اليابانيين. 

وأهم شيء؛ أن الروايات المعتمدة عن اليابان تغفل وتتجاهل الدليل على 
الرغبة الملحة لدى اليابانيين العاديين في الاستقلالية الفردية؛ أي الرغبة ضي 
وجود حر خال من النظام الأبوي المهين الذي يستمر بإصرار كملمح شديد 
الانتشار في المجتمع الياباني. إنه تجاهل فاضع.: لأن هذه الرغبة وقمعها كانا 
في قلب حياة اليابانيين منن بداية عصرهم الحديث. 

0# ## 

كان نادي الكريزانثيمم (نادي زهرة الأقحوان) يحتل مكانا مرموقا بين 
الملحقات الثقافية لؤسسات الحرب الباردة: وهو احد المنتجين الكبار لثنافة 
النصر التي نفخت الحياة في القرن الأمريكي. ضفي مرحلة مطاردة 
الساحرات *)؛ سادت رؤية النادي دون منافسة ذات شأن؛ وفعلت فعلها في 
التعتيم على الأعمال الفكرية لأجيال كاملة. ويمرور الوقت أصبح من الخطر 
التشكيك في العقيدة الجديدة التي يروج لها النادي. ومنع الباحثون من 
الاستمرار في أي تحليل يتعارض مع النموذج. فأن تمعن النظر في الواقع 
الياباني. أو ما في النموذج من تناقضات ذاتية؛ كان معناه التعرض للإدانة 
(*) 5ااناة! 10/11 يستعير الكاتب هذا المصطلح من تاريخ القرون الوسطى حين كانت محاكم التفتيش 
تطارد المنشقين على السلطة وخاصة النساء بدعوى مطاردة السحر الأسود (المترجم). 











اليابائي الخفي 


المرهوبة التي كانت سائدة في الحرب الباردة: الإدانة بالعمل «السياسي». 
وهكذا ضيعت المغالطة الفكرية للعصر معالم فهم الأمة للواقع الياباني» وكثير 
أولئك الذين فقدوا وظائفهم وطردوا من معاهدهم ومجتمعاتهم لأنهم حاولوا 
الوقوف ضد التيار. 

وفي هذا الصدد كانت حالة الكاتب والديبلوماسي الكندي إ. ه. نورمان .13 
مفطته]! .11: هي أشد الحالات مأساوية: وكانت شخصية نورمان وأعماله هى 
الأكثر خصوية في جيله من الباحثين افي الشؤون اليابانية. كان نورمان: أكثر 
من أي شخص آخرء هو المسؤول عن تقديم فهم لليابان كان نادي الكريزانثيمم 
مكرسا لمحوه؛ وهو مفهوم مركب غير مبسط ليابان؛ فيها بشر مثل بقية البشر, 
ليست فيها شخصيات نمطية ولا مكان فيها لأفكار تبسيطية لما يسمى 
«بالتقاليد»» يابان تعاني كثيرا من المشاكل الخطيرة؛ في مسيس الحاجة إلى 
تغيير جذري في المسار كان اليابانيون يريدونه بعد الهزيمة. اعتمد تحليل 
نورمان على التاريخ؛ وفي الواقع؛ كان عمل نورمان قبل الحرب هو السبب فضي 
استعادة هذا الكم من تاريخ اليابان الحديث الجدير بالثقة والتصديق . وكان 
نورمان يتمتع بالاحترام على جانبي الحيطط الهادي (شمال أمريكا وشرق آسيا). 
وباختصار: وبتعسف وعجلة شديدة, وسمت ت أعماله بأنها «ماركسية». وضي 
0١‏ اتهم في جلسات إسفيا ع سكس الشيوغ الأمريكي بأنه شيوعي. ٠‏ وشي 
الوقت الذي وقف فيه رايشاور وغيره من الباحثين صامتين ساكتين؛ دفع 
نورمان إلى الانتحار بعد ذلك بست سنوات(*). 

وجد عدد قليل من الباحثين المحاصرين؛ ممن كتبوا ضد النموذج. إلا أن 
التهديد الوحيد الخطير له على الأقل حتى نهاية الحرب الباردة: لم يأت من 
باحثين غربيين وإنما من اليابانيين العاديين. حدث ذلك في صيف 2195١‏ 
عندما حان موعد تجديد المعاهدة التي تريط اليابان بنظام الدضاع الأمريكي. 
وتلك المعاهدة التي تختصر بالمنطوق الياباني إلى 41/170. وتستحق الأحداث 
التي جرت حول تجديد ال 41/750 أن نستعيدهاء لأن ا المنامضة 
لتجديد المعاهدة؛ هي التي تضمنت التحدي بأبسط تجلياته للنموذج: لقد 
أظهرت أن الصورة التي رسمها النسوذج لم تكن تمت بصلة إلا قليلا ‏ 
لليابان كما هي في الحقيقة. 


(*) الجدير ذكره أن نورمان انتحر في القاهرة وقت أن كان سفيرا لكندا في مصر (المترجم). 








اليابان: رؤية جديدة 


والرجل الذي كان في مركز أزمة تجديد المعاهدة كان نوبوسوكي كيشي 
الذي انتخب رئيسا للوزراء في /1401ء ويبدو أن كيشي كان من أهم المتلقين 
للاعتمادات المالية السرية التي تنفقها وكالة المخابرات المركزية .4 .1 .© 
لأغراض سياسية. فمّن كيشي على وجه التحديد؟ وهذا سؤال يستحق 
الاهتمامء لأن تعاملات أمريكا معه لم تكن مجرد إهانة لليابانيين فحسب, 
ولكنها كانت إهانة أيضا لكل أمريكي خاض حرب الباسيفيك أو ضحى بشيء 
من أجلها في الوطن. ولو أن واشنطن كانت تنشد رمزا لكل ما كان بغيضا ضي 
اليابان الإمبريالية؛ لما وقع اختيارها على من هو أبغض منه. 

وببساطة؛ كان كيشي سفاحا ومجرم حرب. قفي أثناء الثلاثينيات؛ عندما 
احتلت اليابان منشورياء كان كيشي هو المدني الرقم اثنين في الإدارة 
الاستعمارية. وفي وزارة الحرب التي ترأسها هيدكي توجو كان كيشي وزيرا 
للصناعة ونائب وزير لشؤون الذخائر والعتاد الحربي. غير أن جوزيف جرو 
01617 طلم1056: سفير واشنطن في طوكيو قبل الحرب والذي أصبح شخصية 
بارزة في اللوبي الياباني في أمريكا عند نهاية الحرب؛ وصفه بأنه «أحد 
أصدقائي المرموقين في اليابان». ويبدو أن كيشي أفرج عن جرو وسمح له 
بممارسة لعبة الجولف العام 21587 قيل أن 33 تقوم واشنطن وطوكيو يإفراج كل 
منهما عن دبلوماسيي الطرف الآخر. 

وكمجرم حرب مسجل في القائمة الأولى 1.156 ”8م“ طبقا للتصنيف 
الدولي بعد الحربء؛ أودع كيشي سجن سوجامو بعد الهزيمة: لكن الاحتادل 
أفرج عنه (ضمن عدد آخر من مجرمي الحرب) في نهاية 1١548‏ . ولم يعلن 
أبدا عن تفسير لهذا الإجراءء برغم أن إسهامه في النهج العكسي ليس 
موضع شك. ومن ثم بدأ كيشي مسيرته الواثقة نحو ركاسة الحكومة: 
مدعوما بعصبة الفاشيين البغيضين المتعنتين لفترة ما بعد الحرب؛ من 
خريجي سجن سوجاموء وزعماء الياكوزا/*). وأحضر كيشي معه كثيرا من 
محاسيبه ليتولوا مسؤوليات سياسية على الصعيد القومي. والحق أن 
حكومة كيشي هي التي ضمنت وعززت مستقبل القوميين المتطرفين لفترة ما 
قبل الحرب في السياسة اليابانية. وظل كيشي نفسه شخصية متنفذة في 
ناجاتاشو حتى موته العام /19/1. ١‏ 1 


(*) الياكوزا هي المرادف اليابائي للمافيا الأمريكية, أي هي الجريمة المنظمة في اليابان (المترجم)٠‏ - 





الياباتي الخفي 


في شهر يونيو من العام 1901: قام كيشيء بعد انتخابه مباشرة:؛ بزيارة 
الولايات المتحدة؛ ولعب الجولف مع الرئيس أيزنهاور وألقى خطبتين في مجلسي 
الكونجرس. وسافر إلى نيويورك والتقى بكبار رجال المال في وول ستريت؛ 
وشارك في بعض ألعاب اليانكي. كتب الباحث مايكل شولر 56031165 1/161261 
في عمل صدر له أخيراء إنه يبدو أن المخابرات المركزية بدأت ترسل اعتمادات 
سرية لكيشي بعد هذه الزيارة بقليل. وبعد ثلاث سنوات كان كيشي هو الأكثر 
إسهاماء من بين كل اليابانيين: في تأمين تجديد اتفاقية الدفاع 41/80. 

عرف اليابانيون جميعا أن مسألة تجديد المعاهدة كانت مفترق طرق. يمكن 
للبلاد أن تختار إما أن تستمر الأمور كما كانت منذ نهاية الحرب» تحت الوصاية 
الأمريكية المباشرة: وإما أن تعلن انتهاء عصر ما بعد الحرب وتبدأ طريقها 
الخاص. وكانت هناك معارضة كبيرة للمعاهدة في المجلس التشريعي وبين 
الناخبين. لقد غرس النهج السلمي لمؤسسة ما بعد الحرب جذورا عميقة. لم 
يكن الشعب يريد استمرار اليابان شريكة لأمريكا في الحرب الباردة؛ كما لم 
يكونوا يريدون التضحية باستقلالهم أكثر من ذلك من أجل خصم منتصر أعاد 
نظام ما قبل الحربء بينما يتظاهر بتطهيره. وبرغم ذلك؛ وقع كيشي في يناير 
نسخة جديدة من المعاهدة في البيت الأبيض؛ بينما أيزئهاور ينظر 
بسعادة. وبحلول مايو التالي؛ عندما كان مطلوبا من المجلس التشريعي أن يصدق 
على المعاهدة؛ كانت مسألة اتفاقية الدفاع 43450 قد شدت إليها الأمة كلها 
والتي كانت غالبيتها معبأة ضد تجديدها. 

وأوصل كيشي المجلس التشريمي 2166 06 إلى حافة الاشتباك بالأيدي» إذ 
كان قد جعل للتصويت حدا زمنيا. حيث كان يريد إنجاز تحويل المعاهدة إلى 
قانون قبل زيارة أيزنهاور في يونيو. وبعد أن فقد كيشي صبره على المساجلات 
والمناقشات التي استطالت. أمر الشرطة بحمل السياسيين المعارضين وإلقائهم 
خارج قاعة المجلس التشريعي. ثم عجل بأخن الأصوات على التجديد في غيبة 
خصومه. وكان المنظر في جماته مهينا ومفعما بالفوضى. صحيح أن عملية 
التصويت القهري لم تكن غير قانونية؛ لكنها لم تلق إلا قبولا سيئا من شعب 
يعرف أنه كان من أعمدة البيروقراطية التي أدارت الحرب وألقي القبض عليه 
وسجن بعد الاستسلام. كما بدا الموقف أيضا وكأن الديموقراطيين الأحرار كانوا 
أكثر اهتماما بإرضاء واشنطن عن اهتمامهم باحترام رغبات مجموع الناخبين. 


اليابان: رؤية حجديدة 


وتسببت تلك الحادثة في قيام حركات احتجاج في جميع أنحاء البلاد. 
وحاصر مثات الآلاف من المتظاهرين مبنى المجلس التشريعي 10166 16ا ضفي 
طوكيو. وقبل موعد وصول أيزنهاور بأحد عشر يوما استخدمت طائرة 
هيليكوبتر عسكرية لإنقاذ السكرتير الصحاضفي للرئيس الأمريكي من 
المتظاهرين الذين أحاطوا بسيارته وهي في طريقها قادمة من المطار إلى 
المدينة. وبعد ذلك مياشرةء وسط مناوشات عنيفة بين المتظاهرين واليمينيين 
الذين جندتهم الحكومة:؛ ألغت طوكيو زيارة أيزنهاور. وعلى كل حال؛ لو كانت 
الزيارة قد تمت لتسببت في إحراج كبير لأمريكا: فقد كان كيشي قد اتخذ 
إجراءات أمنية تجعل زيارة الرئيس تبدو كأنها عملية حريية. كانت ثمة مراكز 
لقيادة العمليات؛ وطرق إسعافء ووحدات طائرات حربية:؛ وثمانية عشر ألف 
رجل شرطة؛ وضعف هذا العدد من القوميين المتطرطين وبلطجية الياكوزا . 

كم من الأمريكيين اليوم يعرفون شيئا عن هذه الأحداث الخطيرة؟ وكيف 
يجب أن نفهمها؟ إن ما كان قد بدأ كنزاع على مكان اليابان في نظام الحرب 
الباردة قد تغير بالتصويت القهري. وبعد أن فرض كيشي المعاهدة بالقوة 
أصبحت معاهدة 41/170 أيضا صراعا على فشل الديموقراطية في اليابان ‏ 
تلك الديموةراطية التي لا يزال الأمريكيون يهنئون أنفسهم على أنهم منحوها 
لليابانيين. يشبه الياحث تشالمرؤ جونسون 1011118018 0110111185 الانتفاضة 
المناهضة لتجديد معاهدة 81470 بالثورة المجرية العام 1501.: وإن لم يلجأ 
فيها إلى الجيش والدبابات. والحق أنها مقارنة مثيرة للتفكير؛ فهذا رئيس 
أمريكي يعجز عن القيام بزيارة العاصمة السعيدة لأقرب حلفائه في المحيط 
الهاديء ألم يكن ذلك؛ في الواقعء مشهدا من الدول التي كانت تدور في الفلك 
السوفييتي؟ ألم يكن تصرف الديموقراطيين الأحرارء بتجاهل إرادة شعبهم, 
يمائل تماما تصرف الشيوعيين الموالين لموسكو في بودابست عندما سحقوا 
انتفاضة المواطنين المجريين؟ ومن دون أن يقصدء يطرح جونسون سؤالا أكثر 
أهمية: لماذا يتعين على الأمريكيين الرجوع إلى تاريخ أفاعيل السوفييت في 
شرق أورويا ليفهموا أداءهم هم أنفسهم بعد الحرب في أماكن أخرى من 
العالم؟ لو فكرنا ضفي ذلك ولو قليلا؛ فإن الإجابة لن تبدو مراوغة كما يمكن أن 
يتصور المرء. ألا يكشف هذا عن المدى الذي وصل إليه تغييب وعي الأمريكيين 
بالأساطير التي حاكتها ثقافة النصر. ١‏ 





اليابائي الخفيٍ 


كان العام 157١‏ حدا فاصلاء ليس فقط بالنسبة لليابان؛ ولكن أيضا بالنسبة 
لفكرتنا عن اليابان. ويمكن أن نعتبره اليوم الذي دشنت فيه رسميا «اليابان» 
التي صنعتها أمريكا. وبعد أيام قليلة من تحول اتفاقية الأمبو (41120) إلى 
قانون: اختير هاياتو إيكيدا 116023 1133:310: لمنصب رئيس الوزراء محل كيشي؛ 
وكان إيكيدا أيضا من بقايا البيروقراطية التي أدارت الحرب؛ وكانت مهمته أن 
يبعد عقول الناس عن الأمور المتعبة مثل الديموقراطية والاستقلال والسياسة 
العالمية. وسرعان ما اعتمد إيكيدا برنامجا يعرفه كل اليابانيين المعاصرين 
حينذاك وحتى من جاءوا بعدهم؛ باعتباره نقطة تحول في يابان ما بعد الحرب. 
وسمي هذا البرنامج خطة مضاعفة الدخل. وهي التي وضعت خطوطها 
الأساسية لتجعل لأكبر عدد ممكن من اليابانيين مصاحة مادية في ترك الأمور 
التي رتبت كما هي. وربما تبدو هذه الخطة اليوم رشوة: والحق إنها كانت كذلك: 
وإن جزئيا. غير أنها كانت أكثر من ذلك؛ فهي أقرب إلى منحة ما كان اليابانيون 
ليستطيعوا أن يرفضوها. 

وتلك لحظة مُهدت لها الأرض تماما منذ النهج العكسيء ثم صفقة يوشيدا 
ونظام 0 . وأحدقت خطة إيكيدا نوعا من الجنون ‏ جنون التنمية المادية 
بأي تكلفةبشرية أو بيئية - لحزب حاكم كانت مهمته الوحيدة إقامة علاقات 
طيبة مع أمريكا؛ وجنون ديموقراطية خاملة توظف الانتخابات فيها لحرمان 
الناخبين من حقوقهم الديموقراطية. ومنذكء أصبح الإنتاج والاستهلاك هما 
كل شيء. اخترع إيكيدا أيضا فكرة السياسة بالإجماع. كان شعاره هو 
«الاحتمال والصبر» وبعد 1975١‏ أصبح كل شيء يجب أن يُفعل بالاتفاق العام. 
وبالطبع: لم يغير الاحتمال والصبر شيئًا في ناجاتشو (الحي السياسي 
لطوكيو)؛ فلم يكن المقصود أن تأخن المعارضة إلا مكانا على الماكدة على 
أساس الفهم بأنه لا تداول للسلطة. وكما أثبت التصويت على المعاهدة. ظل 
الديموقراطيون الأحرار قادرين على تمرير جميع التشريعات التي يريدونها . 
وُّدَّم الإجماع على أنه من القيم التقليدية لليابان» لكنه في الحقيقة لم يكن 
إلا للتمويه على سلطة سماسرة السياسة الذين كانوا يديرون ناجاتاشو. 

ونجحت خطةإيكيدا بشكل يدعو إلى الإعجاب. أو على الأقل نجحت وفقا 
لنطقها الخاص: تضاعف متوسط المرتبات في سبع سنوات؛ أقل بثكلاث 
سنوات من المستهدف. وهكذا بدأ عصر شركة اليابان المتحدة .100 نةلء 


اليابان: رؤية جديدة 


الاسم الذي منحناه للأمة التي استحوذت عليها الخطة. وكان يبدو كأن 
أمريكا هي التي اختارت إيكيدا للمنصب, لأنه فعل الكثير ليقدم اليلدالذي 
أرادت أمريكا لليابان أن يكون. وتعود إلى الذاكرة عبارة كينان الكاشفة «زيادة 
الصادرات بالعمل الشاق الدؤوب» وهي العبارة التي وردت في توصية مجلس 
الأمن القومي الأمريكي المرقمة (31/2 .0 .5 ./8) لتستقر شعارا قوميا لليابان. 
أصبحت اليابان فجأة مجتمعا «قطيعياء!*). شركة كبرى. مجتمعا إداريا (أي 
مجتمها يقوم بتخطيطه وإدارته نخبة تكنوقراطية؛ كما في الشركات 
والمشروعات). لكنه لم يعد مجتمعا قادرا على إدارة العملية الديموقراطية: أو 
قادرا على اتتخاذ قرارات يحكمها العقل؛ لأن المجتمع المدني في اليابان على 
يد إيكيدا كان قد دخل في سبات عميق . وهكذا فَقَّدَ المجلسسٌ التشريعي كل 
حيوية تتخذ أسلوبا للعمل؛ واستساغ طعم الفساد المروع الذي أصبح سمته 
الأساسية من ذلك الوقت. 

زار إدوين رايشاور اليابان بعد أزمة معاهدة 4111”0 بوقت قصير . وضي 
مؤتمر أكاديمي في هاكون: وهي منتجع جنوب طوكيو؛ قام هو وباحثون آخرون 
برفع شأن النموذج إلى مستوى العفقيدة. وهي التي عرفت فيما بعد باسم 
«نظرية التحديث» واعتبرت هذه النظرية أن الأفكار التي نادى بها رايشاور 
وعدد قليل من الأمريكيين على مدى سنواتء اعتبرتها حقائق: فاليابان بلد 
الرضا والتوافق, وقد استرد اليابانيون المسيرة الديموقراطية بيسر بعد أن 
حولهم عنها مؤقتا عدد قليل من القوميين الذين ضلوا طريقهم؛ ثم أَبُعدوا. 
والتدرج في كل الأمور هو القاعدة الواضحة:؛ وطريق الغرب هو الطريق 
الوحيد للتقدم؛ في جميع أنحاء العالم. وبسبب سذاجة هذه العقيدة الجديدة 
(أوربماء بسبب سخريتها من العقول) ومغاتطاتها الشاملة؛ فإنها أثارت دهشة 
الأساتذة والباحثين اليابانيين الذين حضروا المؤتمر الأكاديمي في هاكون. 
ولكن بعد أشهر قليلة من عودة رايشاور إلى كامبريدج:؛ قام الرئيس الأمريكي 
الجديد؛ جون كنيدي؛ بتعيينه سفيرا في طوكيو. ولا شك في أن كنيدي أخذ 
في اعتباره الانتفاضة اليابانية ضد اتفاقية الدضاع (41/110) عندما اختار 
ذلك الأستاذ الجامعي من هارضارد. وبحكم منصبه الجديد: أصبح رايشاور 
(*) في الأصل الإنجليزي '[]5061 111:158؛ أي مجتمع يتكون من كتل جماهيرية شديدة الضخامة 
يفقد الفرد فيها وعيه بذاته وقدرته على التصرف كفرد حر يمارس حقوقه وواجباته وفقا لفلسفة 
الفردانية عن المورد). 





اليابائي الخفي 


هو المشرف على الزواج الرسمي بين دوائر البحث الأمريكية وأيديولوجية 
الحرب الباردة. 

وضفيمابعدءفي مذكراته. حياتي بين اليابان وأمريكا عثكذآ 1/1 
وعتعستخ لمة سدمدل ,مععبجاء8؛ لم يقف رايشاور طويلا عند هذه 
الأمور. كتب يقول: إنه لم يستطع فهم عنف هجوم اليابانيين على نظرية 
التحديث. وفكرة نظرية التحديث هذه كانت تلفيقا ضي المقام الأول؛ فلم 
يكن هناك شيء من هذا القبيل. فالباحثون اليابانيون: على أي حال؛ لم 
يكونوا في نظر رايشاور إلا «ماركسيين» (فهذا هو لفظه المفضل) لديهم 
«مفاهيم ماركسية دفينة» أفضت بهم إلى عدم فهم بلادهم نفسها: وهم 
الأمريكيين لها أفضل. كذلك كانت الانتفاضة المناهضة لاتفاقية 41/720: 
سوء فهم؛ أيضا. أما مجرمو الحرب ‏ من نوع نوبوسوكي كيشي ‏ الذين 
أعيد إليهم الاعتبارء فليسوا هم المشكلة؛ وإنما الشعب الياباني هو المشكلة؛ 
الذي يعيش أبناؤه ويعملون في الظلام: 

كان كثير من اليابانيين... يشعرون بالعجز والنفور من تبعيتهم للولايات المتحدة... كانوا 
يخشون ان تتسبب السياسة الخارجية الأمريكية المغامرق كما يرونهاء مقترنة بالقوة النووية 
الأمريكية؛ أن تتسبب في تورط اليابان في ماساة جديدة. رأوا أنفسهم كما لو كانوا تحت رحمة 
الحماقة السياسية والقسوة الأمريكية. وعلى الرغم من اعتقادهم بأنه ليس لهم خيار إلا أن يظلوا 
معتمدين اقتصاديا على التجارة مع أمريكاء إلا أنهم كانوا يريدون أن يقيموا بينهم وبين السياسة 
الخارجية الأمريكية أكبر مسافة ممكنة...». 

«كان من الضروري أن يدرك اليابانيون أن الولايات المتحدة ليست بطبيعتها دولة عدوانية 
عسكرية. وإنما هي مسضطرة إلى الإبقاء على شيء من قوتها العسكرية في ضرب المحيط 
الهادي..... ُ 

واعتبر رايشاورء وفق ما جاء في مذكراته؛ أن مهمته كسفير تتطلب أن 
يصحح «كل هذه المفاهيم المشوهة». لم يتقبل رايشاور أبدا فكرة أن 
اليابانيين: حتى لو ارتكبوا أخطاءء فإن من حقهم أن يخطئوا. بل إنه لم 
يتقبل أبدا فكرة أن اليابانيين يتفهمون جيدا الظروف التي يعيشون فيها - 
وكيف وصلت بهم الأمور إليها - وأنهم ببساطة لا يرغبون في أن تبقى 
قوات أمريكا على أراضيهم: كما أن من حقهم أن يرخضوا الاسثمرار في 
الحياة التي ظلوا يحيونها طويلا باستثناء بضع سنوات بعد هزيمتهم. 





اليابان: رؤية جديدة 


استمرت خدمة رايشاور في طوكيو سمت سنوات. ونحن نعرف الآن أنه 
ساعد في إفساد عملية انتخابية واحدة على الأقل؛ في أوكيناواء وإن كان 
من الصعب أن نتقبل أن هذا هو نشاطه غير الشرعي الوحيد . لم يخدع 
رايشاور اليابانيين أبدا في نقل صورة مغلوطة عن الأمريكيين. فقد ظل 
اليابانيون؛ منذ أن كان رايشاور في طوكيو حتى يومنا هذاء شديدي العناد 
في فهم ما ساوموا عليه أمريكا في صفقة يوشيدا العتيدة, الأمر الذي كان 
أحد أسباب الموقف الشديد العناد الذي تتخذه طوكيو اليوم بشأن أمور 
مثل التجارة. ولكن ذلك الأستاذ. من هارفاردء حقق نجاحا مدويا في 
إعطاء الأمريكيين صورة خاطتة عن اليابانيين. ومعيار هذا الخطأ هو عدم 
قدرتنا على فهم المواقف الرسمية التي تتخذها اليابان تجاهناء أو الخفة 
التي نتعامل بها مع الشخص الياباني العادي كما لو كان إنسانا آليا 
(روبوت) متوافقاء أو «حيوانا اقتصادياء ليست له كبرياء واهتمامات بأي 
شيء سوى الإنتاج والتصدير. 

انتاب اليابانيين لفترة طويلة بعد الحرب شعور طاغ بالنقصء؛ وهذا شعور 
يرد أحيانا ‏ وإن على نحو عابر على لسان من عاصروا الهزيمة. ويصادف 
المرء شواهد على بقايا زمن اتسم بعدم احترام للذات في لغة الحديث 
العادية. فمثلا عبارة نيهونجين باناري شيتيرو ‏ لتلأعائطة عتهمدط مأزدمطته 
شكلك ليس يابانيا ‏ كانت تقال على سبيل الإطراء بين الشابات حتى 
الثمانينيات. والحق أن شعورا لاذعا بالنقص بدأ منذ الاتصالات الأولى بين 
اليابان والغرب في القرن الماضي. ثم جاءت هزيمة ١540‏ لتعمق هذا 
الإحساس بشدة. تمنى اليابانيون بعد الحرب لو أن الأرض انشقت وابتلعتهم. 
وشجع الأمريكيون هذه المشاعر؛ داعين اليابانيين لأن يمحوا أنفسهم أمام 
العالم؛ بدعوى أنهم أمميون وليسوا وطنيين. 

كتب إدوين رايشاور يعد الحرب: «هكذاء أصبح اليايانيون الذين كانوا 
حتى وقت قريب من أكثر شعوب العالم تشريا للروح العسكرية ‏ أصبحوا 
مدافعين متحمسين عن الأممية. وقد يساور البعض الشك في صدق هذا 
التحول المفاجى؛ ولكن ليس من الصعب إدراك أن هذا التحول ممكن بالنسبة 
لشعب واقع تماما تحت رحمة قوة عسكرية أجنبية: ومعتمد تثماما على 
التتجارة مع العالم الخارجي». 





الياياني الخفي 


وهذا منطق يناسب أعضاء نادي الكريزانثيمم: لأنه. على سبيل المثال» 
يعفي الباحثين التقليديين من الانشغال بالسؤال المحرج المتعاق بالقمع؛ الذي 
كان يمارسه في أثناء الحرب أصدقاء واشنطن الجدد في طوكيو. ولكن هذه 
المقولة مجافية للمنطق. فلم يكن اليابانيون شعبا مفعما بالروح العسكرية أكثر 
أو أقل من أي شعب آخر. وكانوا يعانون نظاما عسكريا ليست لهم عليه 
سيطرة. كذلك لا تصمد النتائج التي توصل إليها رايشاور أمام المعايير 
المنطقية. فأوائك الذين يُشك في صدقهم هم؛ بالضبطء الواقعون تحت 
سطوة الآخرين. أما أولئك الذين ساندوا الدكتاتورية بإرادة منهم: فهم 
وحدهم المرشحون للانقلاب من الروح العسكرية إلى نقيضها. والحق أن 
الكثير منهم لم يغير موقفه. فقد سمح الأمريكيون لهم باعتماد النهج المكسي 
بآن يكتفوا بإخفاء مشاعرهم وإعاذة تشكيلها: 

ومن المفترض أنه لو اعتنق اليابانيون تلك الأممية لكانوا قد رامن 
ادعاءاتهم القومية السابقة. صحيح أن المذهب السامي والحياد اللذين انتشرا 
بعد الحرب موجودان حتى اليوم. ولكن هذا يختلف عن تبني النزوع 0 
إلى درجة التخلي عن الهوية والكبرياء الوطنية؛ حتى لو كان الأمر يتعلق 
بشعب كره نفسه وتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه. في هذا السياق فإن عبارة 
الأممية. بديلا عن الوطنية إن هي إلا معادلة مزيفة دان كان يطرحها الجميع 

. وتركت هذه المعادلة اليابانيين أنفسهم في حالة تشو: ش وعجز عن التعبير 
عن مكانهم في العالم؛ وكذلك بالنسبة للتعبير المريك والواسع الانتشار: 
«اليابانوية,!*). ومن ثم لانتبه إلى أن اليابان» خلف مظهرها الهادئ؛ ما تزال 
تعاني من نفس القلق والعناء الذي كان واضحا حتى صيف .157١‏ 

إذا كان علينا أن نفهم اليابان اليوم أو ما ينتظر لليابان من مستقبل؛ فيجب 
أن ندرك أن هذا القلق قد عاود الظهور مرة أخرى:؛ بطبائع الأمور. ويعبارة 
أخرى: لقد أدرك اليابانيون أنه من المستحيل أن تنشق الأرض وتبتلعهم؛ أو أن 
يقوموا باختيار موهوم بين القومية والأممية. أو بتعبير ثالث: لقد تجاوز 
اليابانيون مشاعر القبح والإحساس بالنقص مع الآخرين. وقد أغضى هذا 
الوطوج اليوم إلى أن شرع اليابائيون في إعادة التعرف على أنفسهم. 
(*) في الأصل 76800055هم0: أي حالة كون الإنسان يابانياء للدلالة على التميز السلبي للإنسان 


الياباني ضي مواجهة الضغوط الغربية (المترجم). 





اليابان: روية جد تديدة 


ومن اللافت للنظر كثرة الشعارات التي أطلقتها اليابان الحديثة. وهي 
شعارات أشبه بأفكار فلسفية شديدة الإيجازء غنية بالمعنى. منها: ناكامكانا"آ1 
أعطه/!؛ أمة غنية, دفاع قوي؛ د05[ ممعله/9: الروح يابانية: والأشياء غربية؛ 
112 أعستصداط؛: الحضارة والتوير: هذه بعض العبارات التي استخدمتها 
اليابان لتصف نفسها عندما بدأت عملية التحديث؛ وكل منها يعبر عن فكرة. 
وآثناء الحربء كانت الدكتاتورية تحث الجماهير بشعار: «لا رغبة إلا النصر». 
وهو شعار قوي يدعو إلى كبت جميع رغبات النفس من أجل الدولة. وضي 
أواخر الثمانينيات. اخترعت اليابان شعارا في كلمة واحدة :كوكوسايكا 
وعاتة كلمعا التحول إلى الأممية. كانت فكرة معقدة: لم تشرح جيداء لكنها 
كانت أيضا استشرافا للعصر. 
وكان من الصعب أن نعرف المقصود من كوكوسايكا حين ترد على لسان 
البيروقراطيين والباحثين ومعلقي التلفزيون. كان المفترض أن تعني ما لا يقل 
عن إعادة اكتشاف الروح القومية. كان يتعين على نحو ماء فض شركة اليابان 
المتحدة .0[ 20 : بمعنى أن اليابانيين سيعملون أقل؛ ويصدرون أقل؛ 
ويستهلكون من منتجات الآخرين أكثر. سينهضون بدور أكبر في الشؤون 
العالمية. غير أن هذه كانت بالتاكيد مشروعات كبيرة: ففي التحليل النهائي؛ 
ليس من الممكن إنهاء شركة اليابان المتحدة؛ لمجرد أن بعض اليابانيين قرروا 
آنه قد فاض بهم. كان الأمر يتطلب كلمة من أمريكا. وعلى كل حال؛ كانت ثمة 
تعريفات كثيرة جدا لكوكوسايكاء واتفاق قليل جدا حول محتواها الحقيقي. 
كيف ستتحول اليابان إلى الأممية؟ ماذا يمكن أن يعني ذلك بالنسبة للآخرين؟ 
هذا الارتياك الذي أصاب اليابان مرجعه سبب بسيطء ذلك أن «التحول 
نحو الأممية» لم يكن هو التعبير السليم. كانت اليابان تحاول أن تجد تعبيرا 
عن نوع من النهوض القومي تخشى ألا يتقبله العالم (خاصة الجيران 
والأمريكيين). ومع «التحول نحو الأممية» جاءت أفكار أخرى ‏ تدور حولها 
مناقشات أقل؛ لكن أقرب إلى المعنى المطلوب ‏ مثل: «قومية ناعمة» «قومية 
ثقافية ناهضة»؛ «قومية إحيائية متعقلة». ومع هذه الشعارات: كانت اليابان 
تصعد إلى مسرح الاقتصاد العالمي. في أواسط الثمانينيات بدأ الين الياباني 
في الصعود إلى أن احتل مكانه بين أقوى العملات العالمية. وضي اليابان؛ 
هبطت معدلات الفائدة إلى أدنى نسبها؛ وأفضى ذلك إلى «اقتصاد الفقاعة 





اليايائي الخفي 


1010523 18136116». خمس سنوات من التنمية السريعة الهشةء القائمة على 
المضاريات. تضاعفت الأموال المتداولة في بورصة طوكيو إلى ثلاتة أمثالها. 
وارتفعت أثمان الأراضي إلى الضعف في سنة واحدة؛ ثم تضاعفت مرة أخرى 
في السنة التالية. وأوصلت الفقاعة اليابانيين إلى الأسواق العقارية ‏ العالمية 
وعالم المنتجعات وصالات المزادات. واشترى المستثمرون استوديوهات هوليوود 
والمنشآت التذكارية الكبرى مثل مركز روكفلر, وأصبحت اليابان أكبر مانح 
للمعونات والمصدر الأول للقروض والائتمان. وفي مؤتمرات القمة الاقتصادية: 
بدأ العالم ينحني باتجاه طوكيو. هل ينكر أحد أن هذه الأحداث كانت شكلا 
من تأكيد الذات القومية: وأن اليابانيين؛ إن صح التعبير, أخذوا يشبتون 
حضورهم مرة أخرى. 

وبشكل ماء كانت أواخر الثمانينيات أشبه باحتفالية كبيرة: كما فهم كثير 
من الغربيين الذين كانوا يعيشون في طوكيو في تلك السنوات. وكما في معظم 
الاحتفاليات؛ كانت مناسبة للتذكر والنسيان معا. تذكر اليابانيون أهم شيء: 
تذكروا أنفسهم. أصبحوا أكثر ثقة بأنفسهم فضي الداخل والخارج ‏ كأمة 
وكأطراد. وبدأوا يؤكدون وجودهم السياسي لأول مرة منن الحركة المناهمضة 
لتجديد اتفاقية الدفاع المشترك العام . ولكن الدوار الذي أصابهم 
حينذاكء أنساهم الظروف والملابسات التي كانوا يرزحون تحت عبثها. نسوا 
النفوذ الهائل الذي كانت أمريكا ما تزال تمارسه على اليابان. نسوا أن اليابان 
كانت قد وضعت كل إيمانهاء لا في الديموقراطية: وإنما في الكفاءة 
والتكنولوجياء وأن التحدي الأكبر أمامهم كان هو اتخاذ قرار عكسي. ونسواء 
أيضاء أن كل الصفقات التي يبرمونها في العالم لن تغير حقيقة أن اليابان 
كانت أمة تمتلك «قوة بلا هدف». وذلك تعبير ذاع صيته في نهاية العقد. 

في 1960: تسرب الهواء من الفقاعة؛ عندما تعثرت اليابان في حالة من 
الركود الاقتصادي؛: ولكن شيئا أكثر حدة من مجرد هبوط الخط الاقتصادي 
لليابان أعاد اليابانيين إلى عقولهم. ففي الثاني من أغسطس ١11١‏ اجتاحت 
القوات العراقية أرض الكويت. وعندما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تعبئ 
الدعم الدولي لرد عسكري على صدام حسين؛ أصبح الخليج العربي ساحة 
حرجة بالنسبة لليابان. كان السؤال هو: ماذا على اليابان أن تعمل في إطار 
الكوابح الدستورية التي تمنعها من الاشتراك في أي أعمال عسكرية؟ 





اليابان: رؤية جديدة 


والسؤال الآخر الذي لا يقل أهمية هو: ماذا كانت اليابان تريد؟ وبينما طوكيو 
تترددء تصاعد هياج واشنطن. وظهر زعماء طوكيو كما لو كانوا بلهاء ‏ على 
الأقل من المنظور الأمريكي ‏ فلم يرسلوا جنودا إلى الخليج العربي. لا قوات؛ 
لا معدات؛ لا سفن؛ حتى فات الأوان. ثم تبرعت اليابان بمبلغ ١‏ بليون دولار 
ولم تنل في مقابلها إلا مزيدا من الانتقادات. كان عدد الدول التي ساهمت 
في عملية الخليج تسعا وعشرينء وكانت واشنطن تقدم لثمان وعشرين منها 
بيانات موجزة ومنتظمة لسير العمليات العسكرية؛ كما قدمت أماكن شرفية 
لكل منها في الاحتفالات التي أعقبت ذلك. 

تنطوي هذه المعاملة المزرية على تجاهل وسخرية من نوع فريد: سخرية 
العمى الأمريكي عن التاريخ الذي صنعه الأمريد يون أنفسهم لم يبد أن أحدا 
يتذكر صفقة يوشيدا العتيدة: أو أن مكان اليابان في التحالف الغربي كان 
مفروضا عليها. وبدت ظواهر الأمور كما لو أنه لا يوجد في واشنطن من 
يدرك أن استجابة طوكيو المتعثرة تعود ‏ جزئيا ‏ إلى وثيقة كتبها الأمريكيون 
وضرضوها على اليابائيين وتحولت 0 بعد إلى قانون. كما أن تلك الاستجابة 
المتعثرة هي أحد دلائل العادة التي التزمت بها طوكيو لمدة طويلة: عادة إحجام 
المسؤولين اليابانيين جميعا عن الحديث في هذه الأمور. 

وستظل أحداث هذه الشهور حية وعالقة بذاكرة اليابانيين ولن تخبو إلا 
على مدى طويل. لقد أنهت أزمة الخليج العربي احتفالية أواخر الثمانينيات. 
وكانت النهاية مفاجثة: أنهت الحلم بأن اليابان لن تضطر أبدا إلى مواجهة 
إنهاء صفقة يوشيداء وإعادة النظر في فكرة الأممية, لتصبح اليابان «أمة 
عادية»؛ وهو التعبير الذي سرعان ما انتشر في كل مكان. 

ما يزال نادي الكريزانثيمم حيا يعيش بيننا الآن؛ تدعمه مؤسسات يابانية 
بحماس وسخاء. هناك كرسي أستاذية في القانون ‏ ميتسوبيشي . في 
هارفاردء وكرسي أستاذية في الأنثروبولوجي ‏ تويوتا ‏ في جامعة ميتشجان, 
وهذان من بين مواقع كثيرة أخرى مشابهة تنفق عليها مؤسسات يابانية. 
وينفق 0 ملايين كثيرة على مثل هذه المواقع, التي لا يحتلها كلها 

- إلا «جيشاء نادي الكريزانثيمه!*) .وما يزال الجيشا يديرون البحوث 


5 تذكر القارئٌ بأن أعضاء نادى ي الكريزانشيمم كانوا معروفين في الأوساط المعنية باسم 
الجيشا (المترجم). 








اليابائي الخفي 


اليابانية في معظم الجامعات المتميزة؛ وليس فقط في هارفاردء وكما أشار 
ذات مرة الباحث تشالمرز جونسون: «إن الجيشا ليس بحاجة إلى من يقول له 
ماذا عليه أن يقول أو يفعل». 

كان سور برلين قد هدم قبل عام من نشوب حرب الخليج الثانية. وكان 
اجتياح صدام حسين للكويت مجرد عينة لما سيكون عليه العالم الجديد 
المعقدء. الذي كان على اليابان؛ وعلى بقية العالم: أن يلجه بعد انتهاء الحرب 
النازؤة وما عافت متجاف الحري الجاردة: ومن بينها نادي الكريزانثيمم 
وداليابان» التي م. من صنعه؛ ما كانت لتستطيع أن تستمر بعد نهايتها. وما كانت 
لتستطيع أن 3 ام ري ل ا 
طوكيو؛ حراس الاستشراق الأمريكي. لقد تغيرت البانوراما السياسية فضي 
طوكيو نهائيا منذ أواخر الثمانينيات: إلا أن الصور التي ابتدعناها في أعقاب 
الحرب العالمية الثانية ما زالت تواصل الحياةء وهذا يرجع ‏ جزئيا ‏ إلى فوة 
القصور الذاتي. ويتعين عليناء إن آجلا أو عاجلاء أن نعيد النظر في كل 
فرضياتها القديمة إذا أردنا ألا نبعد عن الحقيقة على نحو خطر. غير أن 
القصور الذاتي» يمكن أن يكون قوة كبيرة خاصة إذا كانت جذوره مغروسة في 
كرية الكوف من التفيين: 

على حافة نهاية الحرب الباردة» حدث ا مباشر لنادي الكريزانثيمم 
لأول مرة منن سنوات عدة. كان ذلك هو تحدي الصحافيين والباحثين الذين 
عرفا باسم المراجعين. وهؤلاء كانوا (وما يزالون) مجموعة واسعة فضفاضة: 
تختلف آراؤهم حول مسائل عدة عن الإجماع السائد. وليس من بينهم من 
يقبل وصفهم (بالمراجعين): (كما لم يحب أعضاء نادي الكريزانثيمم التسمية 
التي أطلقت عليهم). غير أن ثمة فرضية بسيطة تربط بينهم؛ هي أن النموذج 
مزيف؛ وعلى الغرب أن يعيد النظر في الطريقة التي يرى بها اليابان. 

يقول المراجعون: لقد آن الأوان أن نتبين أن اليابان تختلف عن أمريكا وعن 
غيرها من الدول الصناعية. فعلى الأقل ليست اليابان كما قُدمتء نسخة 
مكررة لشيء آخِر. لقد لبست اليابان مسوح الديموقراطية؛ لكنها ليست 
كذلك . ومؤسساتها لا تخدم الأهداف التي نظن أنها تخدمها. والحكومة فيها 


ليست مجرد منظم - أو وسيط ‏ كما في الفرب؛ ولكنها طرف. طرف يلعب 


دورا مهما فى الاقتصاد؛ء دورا ذا أهداف اجتماعية واقتصادية محددة: كما 


اليابان: رؤية جديدة 


تفعل الحكومات في الكثير من بلاد العالم الثالث. وقد قام تشالمرز جونسون 
وهو أشهر المراجعين المشتغلين بالدراسات الصينية واليابانية بنحت مصطلح 
جديد للنظام الياباني» حيث أسماه: «دولة رأسمالية مشتغلة بالتنمية»؛ وذلك 
نوع لم يكن معروفا حتى ظهرت يابان ما بعد الحرب. 

وفجر المراجعون قنبلة بفكرة بسيطة أخرى: إذا كانت اليابان مختلفة 
فلابد من التعامل معها بشكل مختلف. وفور انتشار المراجعئة في الصحف 
والمجلات: طّبُّقت هذه الفكرة على الشؤون التجارية. وتمكنت أمريكا ‏ فجأة ‏ 
من فهم سر العجز المزمن في ميزانها التجاري مع اليابان: ذلك أن أمريكا 
استطاعت أن تفيق من أسطورة أن اليابان (بغض النظر عن قليل من 
المشكلات الخاصة) ليست إلا رأسمالية سوق حرة: مثلنا في الغرب. كانت 
المشكلة تتعلق بطبيعة النظام: كانت اليابان نظاما مغلقاء بفعل العديد من 
الآليات المركية وغير المرئية؛ لأن فادة اليابان السياسيين ورجال الأعمال بها 
فضلوا أن تكون على هذا النحو. وعليه؛ فإن النظام في اليابان لن ينفتح حتى 
يجبره الغرب على ذلك؛ وتلك مهمة أمريكا أساسا. 

جاءت المراجعة كالهواء النقي في غرفة بلا نوافن. كانت نوعا من الهدم 
الخلاق الذي بدأت به عملية تفكيك نموذج ما بعد الحرب. لم تكن المراجعة 
مثقلة بأعباء أيديولوجية,؛ ولا بالتزامات تفرضها الحرب الباردة؛ الأمر الذي 
أغضى إلى إمكانية واقعية لرؤية واضحة. ولقيت المراجعة قبولا حسنا من قبل 
اليابانيين العاديين؛ الذين أملوا في أن يستفيدوا من نظام اقتصادي بعد أن 
يتجرد من بعض كوابحه المحكمة؛ ومن جهة أخرىء. لا عجب في أن النخبة 
اليابانية سرعان ما أطلقت على المراجعين صفة «هادمي اليابان»؛ وهو تعبير كان 
هدفه الأساسي منع المناقشات المفتوحة لمؤسسات يمسكون بجميع خيوطها. 

ولقد كان للمراجعة تأثير فعال في أمريكا. حيث كادت الصورة القديمة 
لليابان التي قدمها نادي الكريزانثيمم كادت أن تفقد مصداقيتها تماما. وأصبح 
استمرار تدريسها في الجامعات الأمريكية أمرا لا يثير إلا سخرية فاترة. 
باختصار. أصبحت الصورة القديمة من مخلفات الماضي؛ غير أن واشنطن 
وطوكيو ظلتا حريصتين على الإبقاء على الجدار الفاصل بين الشؤون التجارية 
والأمن, ذلك الجدار الذي أقامتاه بعد الحرب. ولكن مصير هذا الجدار المصطنع 
أصبح الآن ‏ بطبائع الأمور ‏ مهددا؛ لأنه من مخلفات الماضي أيضا. 








اليابائي الخفي 


كذلك بدأ الأمريكيون العاديون ينجذبون لوجهة نظر المراجعين: وإن لم 
يكن دائما في الاتجاه المستحب نفسه. في أوائل التسعينيات قررنا فجأة أننا 
نواجه طبعة أخرى من «إمبراطورية الشر»: ذلك أنه مع انهيار الاتحاد 
السوفييتي؛ أثيرت مناقشات جادة حول أن اليابان يمكن أن تحل محله كالعدو 
الرقم واحد. ولم يعد أمامنا ]لا أن نفكر في كيف يستطيع الأمريكيون أن يقوا 
أنفسهم شر ذلك البلد المتآمر القابع عبر الباسيفيك. 

ومثل هذه الأفكار تاريخ طويل. طلأكثر من قرن تأرجحت أفكار أمريكا عن 
ا ليابان كالبندول. منذ ماتة عام كان السؤال المطروح هو إلى متى سيظل 
اليابانيون البداثيون الأبرياء على حالهم قبل أن يتحولوا إلى اعتناق المسيحية 
والديموق راطية؟ ثم جاء زمن الخطر الأصفرء الذي طرح فيه اليابانيون 
كعمسكريين متوحشين يتملك عشق السيف أرواحهم. وفي أثناء الحرب 
أصبحوا ببساطة «حيوانات متوحشة» - وفقا لتعبير الرئيس هاري ترومان. 
وبعد ذلك أصبحوا مدمني عمل قليلي الثقة بأنفسهم. ثم ها نحن الآن نعود 
مرة أخرى؛ نفرخ مزيدا من النظريات التآمرية. وبغتة نتبين أن كل ما يحدث 
في اليابان ليس مصادفة. فمطار طوكيو الدولي؛ ناريتاء مساحته محدودة, 
لأن اليابان تريد أن تحن من تدفق الأجانب إليهاء ومن سفر اليابانيين إلى 
الخارج. ولم نصدق أن اليابان ولجت فترة من الركود الاقتصادي في أوائل 
التسعينيات؛ وإثئما كانت «تعتّم» عليناء كأسلوب لهجوم غادر: أسلوب مكمنن 
لتحقيق السيطرة الاقتصادية. صحيح أن هذا الرأي تراجع لأن اليابان كانت؛ 
بالتأكيدء تعاني ركوداء ولكن من الأرجح أن يعود للبروز بمجرد أن تعود 
مشكلاتنا التجارية إلى البروز. 

والمراجعة مسؤولة جزئيا عن هذا النوع من جنون الارتياب ‏ وإن لم يكن 
المبادرون بالفكر المراجع هم المسؤولين؛ فلتقع المسؤولية على المروجين لتلك 
الأفكار بين الناس. فلم حدث هذا الارتباك؟ لماذا لم تكن المراجعة علامة على 
بداية فهم عميق وأصيل لليابانيين: ومن ثم نهاية للأساطير والقصص التي 
تروج حول تلك الأنماط المختلفة من «اليابان»؟ 

إن أخطاء المراجعين لها علاقة بالتوقيت؛ ذلك أنهم ظهروا بعد أن كانت 
اليابان قد أنهت لتوفاء . قرن من استقرار رتيب باهت الملامح, كانت الأمور 
كلها تبدو وكأنها لا تتغير. طبيعي أنه لا يوجد مجتمع في حالة سكون؛ فذلك 





اليابان: رؤية جديدة 


آأمر ضد الطبيعة البشرية. وضي هذا الصدد كان على المراجعين أن يتعلموا 
شيكا من تجربة الدولة الأخرى التي لم تعرف التغيير أبدأء نعني الاتحاد 
السوفييتي. وعوضا عن ذلك؛ عمدوا ‏ في اللحظة التي بدأ فيها كل شيء 
يتغير ‏ إلى الأخن بفرضية دولة غير قادرة على الحركة. 

وأهم شيء أن دعاة المراجعة كشفوا عن فهمهم الضعيف للتاريخ. فقد 
ظهر أنهم لا يدركون مدى مسؤولية أمريكا عن «اليابان» التي أصبحت فجأة 
بهذه الخطورة. إن كل مكونات آلة اقتصاد ما بعد الحرب شي اليابان كانت قد 
أخذت وضعها عند نهاية الاحتلال في 1507. أليس من بينها وزارة الصناعة 
والتجارة الدولية التي صوروها كشيطان5 وهي التي كانت قد أنشثت وبدات 
في العمل قبل يوم واحد من وصول جنود الحلفاء إلى طوكيو في ١1540‏ ؛بطاقم 
بيروقراطي لا يلتفت إلى الماضي. وثمة الصناعات المستهدفة ‏ أيضا - السفن 
والصلب والألكترونيات والسيارات؛ وكانت سياسة تركيز الموارد في هذه 
الصناعات قد بدأت تحت الرعاية الأمريكية في 1941: وهي السياسة التي 
أطلق عليها حينذاك «الأولوية الإنتاجية»؛, وكان الاسم هو الشيء الوحيد الذي 
لم يلق قبولا لدى الأمريكيين. 

«الضغوط الخاريجية»؛ هو معنى لفظ جاياتسو 8010050 وهو أحد 
التعبيرات التي ظهر كثير منها في الثمانينيات: لم يكن جاياتسو جديدا بأي 
حال؛ وإنما كان مصطلحا مألوفا لأن الضغط الخارجي كان يبدو الطريقة 
الوحيدة التي لا ينفذ شيء في اليابان إلامن خلالها. وكان المقصود من 
الضغط الخارجي في الغالب: الضغط الأمريكي. فقد تطلب أمريكاء مثلاء 
سوقا مفتوحة للحم اليقر أو مضارب البيسبولء وتقاوم طوكيو حتى آخر 
لحظةء ثم تقدم القضية إلى عامة اليابانيين «كشيء لا يمكن مقاومته»؛ وهكذا 
تعفي نفسها من المسؤولية. 

والحق أن جاياتسو أو الضغوط الخارجية هي الكيفية التي تُقّدت بها 
أشياء كثيرة في اليابان. ولكن أي نوع من العلاقات تتضمنها هذه الضغوط 
الخارجية؟ هل هي علاقة تضفي مزيدا من الثقة على أعمال الطرفين: أو 
على العكسء؛ تنال من هذه الشقة5 وضوق ذلك؛ هل تمثل حلا طويل المدى 
للمشاكل التي تعانيها اليابان ضي ها بأمريكا وغيرها من بلدان العالم: 
أم أنهاء في حقيقتهاء نوع من الاستشراق؟ كانت جاياتسوء؛ وما تزال» مصطاحا 





الياباني الخفي 


يفضله كثير من المراجعين؛ وهذا يصل بنا إلى خطتهم الأساسي. فشل كثير 
من المراجعين: مثلهم في ذلك مثل أعضاء نادي الكريزانثيمم. في إدراك 
الطبيعة المركبة والملامح الإنسانية لليابان. وبدلا من ذلكء اعتبروا أن اليابان 
هي بلد مؤسسات ‏ أنها يابان المركزء يابان الحزب الليبرالي الديموقراطي, 
يابان الشركات الكبرى. يابان التراضي والتوافق العفوي. تلك الصورة عن 
اليابان التي بذلت أمريكا كل هذا الجهد لخلقهاء وتلك هي اليابان التي 
وصفها كنزابورو أو بأنها اليابان «الرسمية» التي قوامها تقاليد الساموراي 
والكفاءة. ومن الخطأ أن نقبل هذه الصورة بمعانيها الظاهرية. 

رسم كنزابورو أو خيطا مميّزا وفاصلا عندما تحدث عن اليابان الأخرى, 
عن «المساحة البيضاء التي يعيش فيها اليابانيون»؛ (حسب تعبيره)!*)؛ وكان 
يعني بذلك يابان أكشر أصالة وإن كانت غير مألوفة لنا في الغرب. إنها بلد 
يقطنها بشر عاديون لهم رغبات عادية؛ بشر ليسوا أكثر ولا أقل كفاءة من 
غيرهم: ليست فرديتهم أقل أو أكثر من فردية غيرهم: وليسوا أكثر ولا أقل 
تراعاة للفنوى والطقوعن الأقطاعية: وذ امتخيركا بفض الصطاحات من 
التاريخ البوذي وطوعناهاء يمكن أن نسمي اليابان الرسمية المألوفة لدينا يابان 
«التقاليد الكبرى»؛ وأسفلها توجد يابان «التقاليد الصغرى». وهي اليابان التي 
لا نتبينها بسهولة. 1 1 

والفرق بين يابان التقاليد الكبرى ويابان التقاليد الصغرى قديم جداء 
ولا شك في أنه فارق عالمي وإن اختلفت أشكاله. ولكنه لم يكن بهذا التأثير, 
وعلى مدى كل هذا الزمان؛ كما هو شي اليابان. فمنذ أن بدأت اليابان في 
كتابة تاريخهاء فقد وجدت دائما المفارقات بين الراقي في «القمة» والعادي 
في «القاع». ومن الأمثال الشهيرة في العصر الإقطاعي المتأخر مثل يقول: 
«وظّر المسؤولين: واحتقر الشعب». وقد ظلت هذه الفكرة الفجة موجودة طيلة 
عصر الميجي باعتبارها خطا واضحا يميز بين «الكان 852 والمين 3/18»: أي 
المسؤولين والعامة. ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إنها ما تزال حاضرة في اليابان 
حتى الآن. وثمة أمر آخر يستحق الذكر: لقد كانت التقاليد الكبرى دائما 
تعكس ما استعارته اليابان من الخارج؛ ومن ثم فهي شيء مستورد مفروض؛ 
ُيْتَما «التقالك الضغزي» كانت داثما محاية بطبيعتها : 


(*) قول «كنزابورو أو» المشار إليه في بداية هذا الفصل. 











اليابان: رؤية جديدة 


كان الصراع بين الكبير والصغير نادرا ما يُفسر في رواياتنا الرئيسية عن 
اليابان. ولكن هذا الصراع هو القوة التي تعطي للتاريخ الياباني نيضه. وهذا 
أمر واضح في أيامنا هذه كما كان دائما في أي وقت مضىء وسيكون هو المادة 
المعلوماتية التي تستند إليها الصفحات التالية في هذا الكتاب. وإنه لأمر 
ضروري أن نحس بعمق هذا الصراع في خطوطه العريضة على الأقل؛ 
لتحسين فهمنا لليابان واليابانيين. 

ولنعتبر مرة أخرى مسألة الحماية الجمركية. لقد كنا دائما نمتبر 
سياسات طوكيو الحمائية انعكاسا لروح الأمة اليابانية: روح كراهية الأجانب 
والخوف منهم. وعندما نفترض أن السياسة الحمائية تتمتع بتأبيد إجماعي 
فإننا نعتبرها مشكلة تتعلق ب «اليابانيين» جميعا. لكن الأمر لم يكن قط بهذه 
البساطة. فالسياسة اليابانية تحمي من5 وماذا تحمي؟ هل هي تحمي 
اليابانيين العاديين آم النظام الياباني. البيروقراطيين والوزراء ضي المركزة وإذا 
ما وضعنا هذا في الاعتبار فإن أمريكا قد تفكر بشكل أفضل في جاياتسو. 
إن الضغوط الخارجية لا تفعل شيا لتغيير النظام؛ والنظام هو المشكلة - 
مشكلة اليابانيين؛ كما هي مشكلتنا. 

ولأن المراجعين. أو غالبيتهمء لم يميزوا بين الكبير والصغيرء فإنهم لم 
يفهموا أن مشاكل أمريكا مع اليابان كانت مجرد أعراض لمشاكل أكثر 
جوهرية: وهي مشاكل أغلبها كانت أمريكا سببا فيها أو أطالت من أمدها. 
ولم يبدر منهم ما يدل على ثقتهم في قدرة اليابانيين على تفيير مسار أمتهم 
بأنفسهم. أليس ذلك هو الخطأ نفسه الذي وقع فيه الغربيون - وإن كان في 
قالب جديد ‏ منذ مجيتهم إلى اليابان في ١047‏ وهو الخطأ الأساسي الذي 
وقع فيه كل المستشرقين: ألا وهو أنهم لم يسمحوا لماضي اليابان وتاريخها 
بأن يكون ملكا لليابانيين؟ 
# ع 

في أواخر 1550؛: قام ثلاثة جنود أمريكيين بالاعتداء على فتاة في الثانية 
عشرة من عمرهاء خارج قاعدتهم العسكرية في أوكيناواء المحافظة الجنوبية 
لليابان. اعترف اثنان بالاختطاف؛ واعترف الثالث باغتصابها. (وفي النهاية 
قضت محكمة يابانية على الثلاثة بالسجن حوالى سبع سنوات). وإذ كانت 
الجريمة بشعة بكل المقاييس ومن جميع الأوجه؛ فقد أثار الحادث إعصارا 





اليايائي الخقي 


عصف بعلاقات اليابان بالأمريكيين الذين تجاوزوا في سلوكياتهم حدود 
الضيافة. هكذا استطاع جنود ثلاثة وهم يقضون عطلة ليلة واحدة: أن 
يفرضوا إعادة النظر في نظام الدفاع المشترك بين طوكيو وواشنطن منذ 
نهاية الحرب العالمية الثانية. 

وقد أثار هذا الحادث ذكريات التظاهرات التي قامت ضد معاهدة الدفاع 
المشترك 811570 التي عصفت باليابان منذ خمسة وثلاثين عاما. وسرعان ما 
أصبحت القضية هي قضية الوجود العسكري الأمريكي برمته ‏ التي هي 
جوهر صفقة يوشيدا. ماذا يفعل كل هؤلاء الأمريكيين في اليابان؟ ولأن أهل 
أوكيناوا أكثر تعودا على الأجانب وأقل تأثرا بالتقاليد اليابانية» فقد كانوا أكثر 
اندفاعا من اليابانيين في الجزر الرئيسية. باختصارء. كان ذلك حدثا تاريخيا 
مشؤوما بالنسبة للأمريكيين. لأن مظاهرات الاحتجاج التي عصفت بأوكيناوا 
أكدت بالدليل القاطع مرة أخرى أنه أصبح من المحتم؛ إن عاجلا أو آجلاء أن 
تتغير طبيعة العلاقات بين اليابان وأمريكا. 

وليس من السهل أن نخفي عن الأعين قوات تعدادها خمسون ألفا لمدة 
تقرب من نصف قرن ‏ خاصة عندما يكون ثلاثون ألفا منهم يديرون سبعين 
قاعدة عسكرية متفرقة؛ ومنتشرة على خحُمس الأراضي القابلة للاستخدام: 
كما هي الحال في أوكيناوا. كانت واشنطن وطوكيو قد تمكنتا ببراعة ومقدرة 
ولدة طويلة من إخفاء هؤلاء الجنود عن الأمريكيين» كما كانتا بارعتين في 
إخفائهم بعيدا عن الأنظار ضي اليابان. وكان هذا هو أحد الأسباب التي جعلت 
ثلاثة أرباع القواعد العسكرية الأمريكية في اليابان متمركزة في محافظاتها 
النائية الواقعة في أقصى الجنوب. وكان هو السبب في أن حادث الاغتصاب 
كان تحديا آخر لفكرتنا المبسطة عن اليابان وعن الأساليب التي كنا ندير بها 
تحركاتنا هناك. كانت أوكيناوا ‏ بطريقتها ‏ علامة أخرى على «نهاية ثقافة 
النصر»». وهي العبارة التي جعلها الكائب توم إنجيلهارت التقطاءع 82 دده 1 
عنوانا لكتابه الذي أخذنا منه هذا التعبير المفيد. 

ومنث خمسين عاما اعترضنا مسيرة اليابانيين: لقد هزمناهم: طبعاء 
وسمحنا لهم بمهلة زمنية قصيرة؛ اتخذوا فيها أولى خطواتهم في محاولة 
إنهاء التراجيديا التي كانت قد وصلت إليها عملية التحديث؛ ثم لم نلبث أن 
قررنا تعطيل هذه المحاولة تعطيلا استمر خمسين عاما. فإذا أردنا أن نصحح 





اليابان: رؤية جديدة 


العلاقات بينناء فلابد أن نفعل الآن ما فشلنا في فعله منذ نصف قرن ‏ أن 
نتنحى جانبا ‏ وأن نفعل ما فشل في فعله الغربيون الأوائل الذين وصلوا إلى 
اليابان منذ خمسة قرون: أن نرى اليابانيين كما هم على حقيقتهم. 

ومن المفارقات أن أول شيء اكتشفناء: هو أنهم معتادون على عملية 
التخفي - إزاء أنفسهم كما هم إزاء الآخرين. فكل ياباني يضع قناعاء أو أن 
هذا ما لقن لكل فرد؛ وخلف الأقنعة تعلم اليابانيون أن يعيشوا متقاربين بقدر 
ماهم متباعدون. ولكن تحت السطح الهادئ الساكن: للمساحة البيضاء 
الغريبة من الحاضر الملتبس؛ يوجد عدد لا يحصى من الصراعات والتوترات 
والتيارات المتعارضة؛ وبواعث القلق: هكذا كانت الأمور دائما. وكل ما حدث 
أنها أصبحت الآن أكثر وضوحاء وكأنما رفع عنها الفطاء. أو سقط عنها 
القناع؛ ولو جزئيا. 

في رواية «الأقنعة 5كاقد!». وصفت الكاتبة فوميكو إنشي خصمها بأن له 
«وجها يستعصي على التحطيم». ومن بين الأسثلة الأمساسية التي بدأ 
اليابانيون يطرحونها على أنفسهم ‏ وهو سؤال مطروح في هذا الكتاب ‏ هو 
ما إذا كانت أقنعتهم تستعصي على التحطيم: أيضاء أم أنه قد آن الأوان 
للحياة بلا أقنعة. 





لس 


تشكيلة هائلة من الأنماط , 
اليث ية ثلة في | 2 


الكبير. 


شيماي فوتاباتاي ؛ 
«السحب المتدافعة» 1849 


التاريخ المضآأ 


في كانازاوا 1532272233/8 : وهى مدينة واقعة 


'. على بحر اليابان ومعروفة بحي الساموراي 


إلى أريعة قرون مضت»: وأسم العائكلة ميبوزو 


50 ؛ وكانوا يصنعون إبر الخياطة وسنارات 


الصيد على مدى تسعة عشر جيلا. 

وآل ميبوزو فخورون بلقب أسرتهم غير 
المألوف بقدر ما هم فخورون بحرفتهم,» فاللقب 
والحرفة مترابطان: ذلك أن لفظ ميبوزو مشتق 


:. من ميبوزو 5 بارى 1116050-11 التى تعنى 
«الإيرة ذات العين الضيقة». وقد بلغت مهارتهم 


الإقطاعي المحلي؛ دايميو 03123(0: يسمح لهم 


باتخاذ لقب للعائلة وبحمل السيوف. وعندما كان 


تادايوشي ميبوزو يشرح هذا الأمر لي؛ قال: «هذا 
شرف غير عادي»: وأكمل موضحا: «فمن النادر 
أن يتخن أحد من طبقتنا لقبا أو يمتلك سيفا». 
وفي أيامنا هذه يبيع آل ميبوزو أجهزة صيد 
السمك وعلب الإبر التي يستخدمها الخياطون 


اليابان: رؤية جديدة 


في المحل نفسه الذي ظلوا يديرونه منن العام 1010. ويقع هذا المحل في 
ميبوزو - دوري 3ده0ل-050ع2/1: أي طريق ميبوزو. 

كان من المألوف أن يُسمَّى الناس تحت الحكم الإقطاعي بأسمائهم 
الشخصية فحسب. وأن تُحدد هويتهم وفقا للقرى التي جاعوا منهاء أو 
بالإشارة إلى غيرها من السمات المميزة. ولكن هل ما يزال في الدول المتقدمة 
بلد يولي مسألة لقب الأسرة هذه الأهميةة ويتوقف الناس عندها في 
أحاديثهم العادية؟ 

ما تزال اليابان قريبة العهد بماضيها الإقطاعي. وحتى أواخر القرن الماضي 
لم يكن ليحمل ألقابا عائلية إلا أناس من مرتبة الدايميو والساموراي؛ بالإضافة 
إلى استثناءات قليلة مثل آل ميبوزو. فكل من عدا هؤلاء كان بلا لقب. والسماح 
بأن يحمل الناس ألقابا عائلية كان من الإصلاحات الأولى لعصر الميجي؛ وهو 
عصر التحديث العظيم في اليابان الذي بدأ ضي . ولأن الألقاب العائلية 
كان قد سمح بها منذ قليل؛ فقد ظل الكثيرمنها متوافقا مع أسماء القرى 
وغيرها من السمات الريفية. ومن أمثلة ذلك: كوروكاوا 103/8!غ01الاكاء ومعناها 
النهر الأسود؛ إيشيباشي 1ا5هط1ذادآ ومعناها الجسر الحجري. 

فما الذي يمكن استخلاصه من الحقيقة التاريخية البسيطة التي تقول إن 
كثيرا من اليابانيين الذين لا يزالون على قيد الحياة لم تكن لعائلات أسلافهم 
ألقاب؟ إننا نستنتج؛ بالنظرإلى اليابان كمجتمع جمعي؛ أن فكرة الفردية لم 
يعرفها اليابانيون إلا منذ أجيال قليلة. لا فردية بالنسبة للغالبية العظمى؛ 
وكذلك لا تاريخ لهم تماما كما كان الأقنان في أوروبا الإقطاعية يعيشون 
حيوات غير مسجلة؛ مثلهم في ذلك مثل حيوانات المزرعة. 

هذا استتتاج منطقي تماماء وهو شيء عادي أن يكون اليابائيون ميالين 
إلى الحياة الجمعية. وأيا كان اختلاف وجهات النظر حول اليابان؛ فإنها 
تشتمل جميعا على فرضية أن قيمة الفرد ونفوذه ثانويان بالنسبة لقيمة 
الجماعة؛: قرية كانت؛ أو فريقا للعبة البيسبول؛ أو شركة تضامن. ويقدم 
التاريخ أدئة لا حصر لها تدعم هذه الفكرة؛ من بينها حقيقة أن اليابانيين لم 
يكن لهم ألقاب حتى ما يزيد قليلا على قرن مضى. 

لكن ليس هذا إلا قراءة مغلوطة. ففي اليابان؛ ليست الجماعة إلا نوعا من 
التصور المجرد (أو الخيال). وإذ يضع الياباني قناعا على وجهه فإنه ينتحل 





التاريخ المخياً 


لنفسه دورا... دورا مرسوما في الجماعة: وأقنعة اليابانيين ترمز أيضا 
للتمائل. وباستخدامها يوحى اليابانيون لأنفسهم بأن لا اختلافات بينهم؛ وأن 
عدم وجود اختلافات هو جزء من معنى أن يكون الإنسان يابانيا. 

من بين الرواد الغربيين الذين عاشوا في اليابان: راهب يسوعي يسمى 
جوايو رودريجز 1100118165 1030. ويبيدو أنه ويا للفرابة ‏ ف القناع 
الياباني فهما جيدا. جاء رودريجز إلى اليابان في :١1011‏ في الوقت نفسه: 
تقريباء الذي اتخذ فيه آل ميبوزو هذا اللقب لأسرتهم: واستقر فيها أكثر من 
ثلاثين عاما. وكان يتحدث اللغة اليابانية بطلاقة؛ وقام أخيرا بدور المترجم 
للسيد الإقطاعي (الشوجون 3نا5108). وذهب رودريجز إلى أن لالإنسان 
الياباني ثلاثة قلوب: «قلب زائف في فمه ليراه العالم كله. وقلب آخر بين 
ضلوعه لأصدقائه؛, وقلب ثالث في أعمق أعماقه؛ يدخره لنفسه فقط ولا يبوح 
بمكنوناته قط لأي مخلوق». 

هل هناك وسيلة أفضل من وضع قناع أمام الآخرين؛ لطمس السمات 
الفردية تماماة هل هناك إجراء أفضل للدلالة على مدى البراعة التي تعلمث 
بها الشخصية اليابانية أن تنفذ بنظراتها من خلال الشقوق الرفيعة التي 
تتخال الرقائق ذات الملامح التي تخلو من التعبير قصداء والتي تخفي الوجه 
الحقيقي. عن نظر الآخرين؟ لقد تلبست اليابانيين هذه العادات الذهنية 
والجسدية تماماء إلى درجة أنهم حتى وقتنا هذا يجدون صعوبة في طرح 
أساليب تفكيرهم ومشاعرهم للمناقشة. لكن أمة تتكون من شخصيات 
مطموسة المعالم تختلف عن أخرى تكون شخصيات أفرادها ‏ على نحو شديد 
الغرابة ‏ لا وجود لها أصلا. 

لم تكن الروح الفردية ولا الحس التاريخي بمفتقّدين في تلك الادعاءات 
التي ينتحلها اليابانيون في حياتهم؛ ولا كانا مفتقدين في الماضي أيضا. إنما 
كان هذان الوجهان للحياة الإنسانية: ببساطة. محتجبين. وهكذا يمكن 
استخلاص نتيجة أدق من حال الأغلبية التي لم تتخن لقبا والتي ولدت 
وقضت في اليابان حتى قرن مضى. حينذاك: وكما هي الحال الآنء لم تكن 
الروح الفردية هي المفتقدة بقدر ما كانت الروح الفردية مفتقدة في العمل 
العام؛ وإنما بالأحرى أن المفتقد هنا هو التعبير الصريح عن الذات؛ الذات 
التي انتزعت عن وجهها القناع في الجماعة. وبال مثل» ما كان اليابانيون 





آليايان: رؤية جديدة 


ليعيشوا بلا تاريخ وما كانوا في ذلك ليختلفوا عن غيرهم في المجتمعات 
الإقطاعية الأخرى. لم يكن تاريخهم إلا محجوبا بفعل المجتمع الذي كان 

ثمة هوة واسعة تفصل بين البساطة التي غالبا ما يراها الأجانب في 
اليابان: عن التعقيد المتستر بدهاء تحت السطح. وفي هذه المساحة ما زال 
اليابانيون يصنمون تاريخهم المخبأء أو مسجل محاولاتهم لتحقيق الذات 
الصريحة في الحياة العامة. 

نزي تيا تن تزنا 

ناكاما 221818 هو اللفظ الياباني المستخدم بمعنى «الجماعة». وهي كلمة 
من مقطعين:؛ المقطع الأول يعني «داخل»»: أما الثاني فيشير إلى فجوة في 
المكان أو الزمان: غرفة؛ حقلء استراحة: وقت قد يطول. لم يكن الاهتمام 
مقصورا على الانتماء فحسبء وإنما على الاختباء داخل التجويف. ويمكن أن 
نلمس ذلك في أول خمسة أبيات شعر أنتجتها اليابان: 

تدم السحب الثمانية 

سياج إيزومو ذو الطيات الثمانية 

يقيم سياجا ذا طيات ثمانية 

لكي يستريح الرجال والنساء ويهجعوا 

يا لهذا السياج ذي الطيات الثمانية 

تدور هذه الأبيات حول اليابان جميعا. كان ثمة سحب ثمانية وأسوار 
ثمانية لأن اليابان في التاريخ القديم كانت تتكون من ثماني جزر. ولا يزال 
المرء يجد ما يشير إلى السور الأثري الثمين في إيزومو 12.0170 وهي مدينة 
ساحلية في جنوب غرب اليابان حيث يُقال إن إلها قديما قد هبط هناك من 
السماء. ومزار إيزوموء أقدم مكان في جزيرة شينتو 10]0ا5: ما يزال محاطا 
بسور لا يُسمح للبشر العاديين باجتيازه. ويوجد خارجه عدد من بوابات 
التوري 0111]: وهي بوابات شينتو التقليدية؛ التي تعبر تعبيرا كاملا عن الرموز 
الأساسية لطقوس الانتماء. ولا يوجد سور تحتمي به بوابة التوري أبدا. وعلى 
الرغم من أنها تقف وحدهاء فإنها تبدّل ما حولها من فراغ. وأبعد البوابات 
في إيزومو توجد على بعد حوالى ميل من المزار على طول شارع تجاري 
مكتظل. وبرغم أن محلات الحلوى؛ ودكاكين الخردوات والجراجات تمتد على 





التاريخ المخباً 


جانبي الطريق» فإن البوابة تقف علامة على الفرق بين الفضاء الخارجي 
والفضاء الداخلي؛ بين الدنيوي والمقدس. 

إن أول شيء يواجه الزاكر عند وصوله هو الثنائية القائكمة بين ما هو 
خارجي وما هو داخلي: بين الظاهر والباطن. والمصطاح المتعارف عليه 
للذات هو كلمة جايجين «أزتة8؛ ومعناها «مشخص خارجي». إنها أول ما ينبه 
المرء إلى أن الحياة ضي اليابان تتكون من سلسلة مما هو مقبول وما هو 
مرخقوض. ولا توجد استقناءات. وليستث رياضة السومو 51100: وهى 
المصارعة الشعبية التقليدية التي يُقال إن تاريخ بدايتها يرجع إلى سنة +5 
قبل الميلاد؛ إلا احتفالا طقسيا للتمييز بين ما يُحتضن وما يُستبعد5 إن 
المصارعين يطهران الدائرة حيث يقفان بتعفيرها بالملح. ثم يتخذان موقف 
المتصارعين: ويجلسان القرغخصاءء ويحدقان. وتقريباء ليس هناك ما يمكن 
مشاهدته: لأن المباراة لا تستمر أكثر من دقيقة أو اثنتين: وغالبا ما لا تزيد 
على ثوان: وما يهم هو النتيجة. فمباراة السومو لا ينتج عنها فائز وخاسر 
بقدر ما ينتج عنها تغيير في الموقع: فالمهزوم هو الذي يتمكن الآخر من دفعه 
خارج الداكرة. 

إن مسألة الانتماء في اليابان الإقطاعية شملت حتى ال «آي 5ذ»»؛ أو بيت 
العاكلة. غير أن الآي كان أوسع من العائلة حيث يمكن لمن لا يرتبط بربياط 
الدم أن ينتسب إليه. كانت القرى تتكون من مجموعات من مثل هذه البيوتات, 
وكان الآي هو التنظيم الذي تقوم على نسقه المنشآت التجارية. وظل الآي 
مهما حتى 1510؛ كلبنة في بناء اليابان الإمبريالية. وفي الآي يتعلم المرء 
ضبط النفس (أو قمع الذات). بل إن اليابان كلها كانت بمنزلة آي واحدة: 
والإمبراطور الياباني هو كبير بيت العائلة. وكان مَتَظّرو الأيديولوجياء قبل 
الحرب؛ يرون أن اليابان متفردة بين دول العالم من حيث كونها «الدولة ‏ 
العائكلة». وبالمصطلحات الحديثة: كانت اليابان منشأة تضامنية 2010012056 
أي مجتمعا يتجاهلون فيه قّوة الفرد؛ وكبديلء تدخل قوة الفرد «متضامنة» 
لتشكيل هذه المصلحة أو تلك. وهكذا يتشكل الخطاب العام فيما بين هذه 
المصالح المتنوعة. 

ويعيش اليابانيون اليوم في عالم من الدوائر المتداخلة دائمة التحركء 
«بيوتات» تتكون من أسرء ومدارسء: ومعاهد: وجامعات,. ونواد رياضية؛ 


اليابان: رؤية جديدة 


وطوائف. وعْصّب اجتماعية:؛ ونواد ليلية. وشركات. والقائمة لا تنتهي... 
فمسألة الانتماء مستمرة. فإذا اجتمع شخصان من قسمين مختلفين 
للمؤسسة نفسهاء فكل منهما غريب عن الآخر؛ ولكن إذا انضم إليهما ثالث 
من مؤسسة أخرى يصبحان قريبين والثالث هو الغريب. وتثكواتر هذه 
التتويعات كثيرا ضي مسار الحياة اليومية وتتجلى في الأشياء المألوفة: 
لا الأسوار والبوابات فحسب. ولكن أيضا الجدران؛ والجسور؛ وصفوف 
المكاتب؛ والستائر والحواجز الورقية. 

واللغة اليابانية غنية بالألفاظ التي تصف هذا التمايز الجوهري؛ فثمة 
كلمات تدل على الخارجي والداخلي؛ العام والخاص؛ الحقيقة المنطوقة 
والحقيقة المضمرة. وللزيد من الفهمء لنتأمل زوجا واحدا من هذه 
المصطلحات: أوموت 0830018 و أورا 018ا. وهما الظاهر والباطنء أو الصريح 
والمتضمن:ء أو الواجهة والخلفية؛ أو بمعنى أوسع ‏ المكشوف والمخبأ. وضي 
اليابانية القديمة كانت الكلمتان تعنيان «الواجهة» و«الذاكرة». وفي اللغة 
اليومية يقولون أوموت .. دوري 0016-0011 وأورا - دوري 111-1011 بمعنى 
الشوارع الرئيسة والحواري الخلفية, أوموت ‏ جي 011010-1 وهو ثوب 
الكيمونو؛ أورا - جي أ-ةانا هو بطائة الكيمونو. أما فوتو نو أوموت 20 1010 
06 فهي واجهة المظروفء وأورا ‏ نيوا 014-01100/8ا هي الحديقة الخلفية. 
ولهذه المصطلحات أبعاد متعددة. وكغيرها من الكلمات. يمكن أن تكون 
كاشفة. أوراميشي 0115111انا تعني الشعور بالمرارة» أورايامو 1201 /ا111ا تعني 
الشعور بالحسدء وأورامي انا هي الحقد أو الضغينة. وكل هذه أمور لا 

.نقيا. الوح ماف الساباتء حيث إن الفرض بالأدلى لاحماعة هو مراعاة ٠‏ 






الانسجام ومظهر التشابه. فمشاعر الحسد والمرارة هي بالتعريف مشاعر 
مخبأة (أورا 019ا). 

ومن المعاني المألوفة الأخرى للظاهر والباطن ما يتعلق بقيم الانتماء 
والإقصاء, بالإفصاح والكتمان. وفي اليابان: كان الشآن العام وما يزال؛ القيمة 
الاجتماعية الأسمى. والشأن العام وثيق الارتباط بالنظام والجماعة؛ بينما 
الشأن الخاص شأن فرديء؛ ومن ثم متكتم وأناني ومفسد. يمكن للمرء أن ينتمي 
إلى جماعة:ء وتنتمي الجماعة إلى جماعة أكبرء لكن ثمن الانتماء هو إخضاع 
الشخصية الفردية للجماعة؛ إخضاع الخاص للعام؛ إخضاع الدفين للمعلن. 











التاريخ المخباً 


كان جوانيو رودريجزء اليسوعي الذي اكتشف ثلاثة قلوب في جوف 
الياباني: أكثر ذكاء منا اليوم: من وجهة معينة. فتصورنا لليابانيين يدعونا إلى 
افتراض أن لا فردية للشخصية اليابانية ‏ هكذا ببساطة ‏ وأن اليابانيين 
مختلفون؛ على نحو ماء عن البشر في أنهم قانعون بالحياة مثل قطعان 
البنجوين أو اللمنج/*2. بلا أي تمييز بين فرد وآخر لقد أدرك أن السمة 
الفردية لم تكن إلا مخبأة. غير أن رودريجز وقع في خطأ من نوع آخر. ليس 
ثمة ما هو «زائف» شي الوجوه والواجهات التي يظهرها اليابانيون اللعالم, 55 
الأقل فيما يتعلق بهم. ولا شيء يذكر عن أفكار ومشاعر غير مشتركة تجعلها 
أكثر صدقا أو قيمة. وهذا خطأ لا يقع فيه إلا الغربيون» فنحنء مثلنا مثل 
الأب رودريجزء لا نشارك اليابان في فكرة أن الجماعة هي القيمة الأسمى. 

ومن الصحيح أيضا أن اليابانيين يحتفظون بمكان خاص لما هو مخباأ. 
إنهم كُتّاب يوميات متفانون لسبب بسيط هو أن جزءا كيرا هن العياة نايز 
أن ا خفيا. وأحد التقاليد الجمالية اليابانية؛ والتي يشتهر القيام بها في 

يقة أحد المعابد في كيوتو, سم ماي جاكوري ع7تكلقع علط المرئي 

ا في الحديقة خمسة عشر حجرا ناتئا في بحر من الحصى 
المرتب؛ ولكن ليست هناك زاوية يمكن منها رؤية الحجارة الخمسة عشر 
جميعا؛ فحيثما تقف هناك دائما واحدٌّ منها خفي. ورأيت ذات مرة؛ في مكتب 
أحد الأصدقاء؛ رسما بالحبر لفلاحين يجذبان مقودا يصل متدليا إلى نهاية 
الصورة؛ ولا شيء غيرذلك. وعندما ورد ذكر الصورة مع صديقيء ابتسم 
وقال: «بلى. هل تستطيع أن ترى العربة؟». 

وتعبير ماي جاكوريء إذا صف به الناس؛ يكون من بين معانيه أيضا «أن 
يظهر المرء ويختفي» أو «أن يخبئ ذاته». وليس هناك شيء اعتاد اليابانيون 
على تخبئته أكثر من أنفسهم ودواخلهم . أما القلب الحقيقي؛ واسمهة كوكورو 
0مام؟!؛ والمشاعر الإنسانية؛ نينجو وزناض فنادرا ما يفصح عنهاء إلا أنها 
هي الأكثر قيمة. فالعواطف نقية وبريئة؛ وهو ما يجعل اليابانيين» حين 
يظهرونهاء يبدون منفعلين بشكل طفولي - مثلا ‏ إذا شريواء إو إذا غنوا وهم 
في الحانة (كاراوكي) فالمواطف جزء من «أورا الأورا»» أعمق الأعماق: 
(*) البنجوين. طيور البطريق. ومعروف أنها تحيا حياة جماعية. أما حيوانات اللمنج أو اللاموس 
ل ٠‏ فهي نوع من القوارض قصير الذيل, ٠‏ يقوم بسلوك غريب جدا أحياناء؛ إذ ينتحر بشكل 
جماعي من فوق قمة جبل. 








اليابان: رؤية جديدة 


ويسبب كبحهاء؛ يعيش كل فرد في اليابان وهو يعاني نوعا من الأزمة فضي 
علاقاته بالعالم الخارجي. 

«النبتة المزهرة هي التي تُخبأء وما ليس مخبا لا يمكن أن يكون النبتة 
المزهرة». هكذا كتب زي ‏ آمي 20-121 المعلم الأستاذ فضي المسرح الفولكلوري 
اليابائي المسمى مسرح نوه في القرن الرابع عشر. وتعيش الفكرة على الزمن 
في أكثر من سياق دون أن تكون أبدا غير ذات موضوع. وقد اقتبسها الباحث 
النفسائي تأكيو دوي أ0] ممع فضي استكشافه للشخصية اليابانية. كان دوي 
رجلا تقليديا متعمقا يرى أن الحياة المحاطة بآمور مستورة ومخبأة بعناية أمر 
طبيعي وصحي . لم يكن يرى أي تعارض بين الأمان في الانتماء؛ المعترف يه 
بين اليابانيين؛ وبين رغبة الفرد في التحرر من الجماعة: والتي بالرغم من 
انها غير معترف بها تقايدياء فإئها أيضا لا يمكن إنكارها. كتب دوي في 
6 ««الحالة المثالية للعقل؛ وهي مصدر الصحة العقلية, هي الحالة التي 
تشخزكيها باننا تملك اسشرارتات 

الحواجز التي يعيش فيها اليابائيون محيطة وتامة: لا تمكنهم إلا من رؤية 
أشد ما تكون إبهاما لحياة من دونهم. ولنضرب مثلا بسيطا: السؤّال عن 
عنوان يمكن أن يكشف العزلة الخاصة التي خلقتها عادة الاختباء والإخفاء 
في قلب الحياة اليابانية. فمن المألوف تماما أن تجد شخصا على استعداد 
للإجابة. ولكن من المعتاد أيضا تجاهل السائل تماماء كما لو لم يبدر منه أي 
سؤال. كما لو لم يكن له أي حضور ‏ وكأنه شبح. وليس هذا تصرفا ينم عن 
سلوك غير مهنب بقدر ما هو إقرار بأنه ليس ثمة قلب بين السائل 
والمسؤول (وفقا لتعبير الراهب اليسوعي): فحيث لا وجود لعلاقات رسمية 
أو علاقات صداقة فليس ثمة سوى الغربة. سوى نوع من اللاوجود . وحتى لو 
توقف أحد المارة لتقديم مساعدة: فقد تكتشف أنه لا يعرف شيئا عن شارع 
أو مبنى على بعد ماثة ياردة فحسب. لأنه ليس جزءا من العالم الصغير 
الذي يعيش فيه. 

والأجانب الذين يقيمون في اليابان هم جزء من النظام بصفتهم مبعدين, 
حيث نادرا ما يدخل «مشخص خارجي» شبكة الواجبات والالتزامات المعقدة 
والمتعبة التي تغطي كل التعاملات بين اليابانيين وتربط كلا منهم بالجماعة. وقد 
جرت العادة على أن يُعرف أي شخص خارجي؛ لوكان يابانياء مثلما يُعرف 


التاريخ المخباً 


السيد ويلسون بنسبته إلى شركة فوجي فيلم؛ أو السيد سميث بنسبته إلى 
جريدة الهيرالد تريبيون الدولية. ذلك أن أي شخص يعتبر جزءا من جماعة: كما 
هي الحال مع أي ياباني. ولكن الأجانب سرعان ما يتبيتون أن اليابان بمثل ما 
هي أمة من الأشخاص الداخليين: فإنها بالقدر نفسه أمة من «الآخرين». 

ولا يبدو أبدا أن هناك ما يكفي من الجماعات لخلق «آخرين» جدد. أو 
خارجيين جدد. ويبدو كما لو أن الناس يلجأون إلى أي حيلة للتعتيم على مسألة 
الشخصية العامة؛ وفي هذا الصدد؛ تحظى العلوم الزائفة بشعبية في اليابان. 
ذات مرة جلس أحد الموظفين الأوروبيين مع مديره الياباني لمقابلة المتقدمين 
للتوظيفه وكان المدير. بعد الأسئلة التقليدية؛ ينهي اللقاء بسؤال: «وما فصيلة 
دمكأ» وأجاب كل المتقدمين بذكر الحقيقة دون إبداء دهشة: ما عدا واحداء 
(ضحك. ولم يكن يعرف). وبعد ذلك استفسر الجايجين (الأوروبي) عن مدلول 
هذا السؤال الغريب. فأوضح له المدير بأنه من الأفضل ألا يجتمع أشخاص من 
فصائل دم مختلفة في المكان نفسه في العمل. وتحظى هذه الفكرة بالقبول من 
الكثيرين؛ وأحيانا ما تّيم الممحف حكومةٌ جديدة بناء على كون أعضائها من 
فصيلة 4 أو 8 أو 0 أو فصائل الدم الأخرى. 

عندما وصلتٌ طوكيو وبدأت أختار الموظفين للعمل في مكتب الجريدة: 
تبينت أن كثيرا من الشباب الياباني يغريهم إمكان العمل في شركة أجنبية ‏ 
ضفي ذلك شيء من الإقدام على المغامرة والخروج على المألوفء بل التحدي. 
لقد جعل اليابانيون من مجتمعهم رحما. ولكن عندما يكون إغراء الخروج منه 
قوياء يتبين الأغلبية أن المخاوف ما تزال أقوى. صحيح أن الرحم سجن: لكنه 
آمن؛ ومن ثم يظل أغلب اليابانيين كما همء يولدون. وعندما التقيت كاي إيتوي 
101 لإدكاء التي عملت معي في الهيرالد تريبيون طوال طوافي في اليابان» 
فهمث أنني كنت أبحث عن شخصية تتحلى بشجاعة خاصة؛ فضلا عن القلق؛ 
ونفاد الصبر. 

إن القلق ونفاد الصبر والإغراء بالمخاطرة هي الحالات التي تساعدنا على 
أن نجد مفاتيح لألغاز صراع الشخصية الفردية مع الشبكة التي تحتويهاء 
ليس هذا جديدا؛ إنما هو خيط طويل ممتد في تاريخ اليابانيين» وحين نصف 
اليابانيين في زمائناء فإننا لانفعل أكثر من تسجيل الوضوح والأهمية الجديدة 
التي يكتسبها هذا الخيط في نسيج الأحداث التاريهية. إنه نوع من التوتر 


اليابان: رؤية حجديدة 


الداكم ‏ بين الحرية والانتماء؛ بين الجماعية والاستقلالية ‏ وهو جزء مما 
أسميه التاريخ المخبأ لأنه. أيضاء مموه ومغمور وإن يكن له دائما حضور. 

بعد حرب الباسيفيك دارت مناقشة مهمة بين اليابانيين» تتعلق بما سمي 
شوتاي . ساي أع5111001-5 . والمصطلح: حرفياء يعني «اتئذات الفاعلة»؛ لكنه يترجم 
بمعان متهددة: وهو يشير إلى الإنسان الفرد القادر على النفاذ الفكري والتقييم 
واتخاذ القرار. والوصول إلى حال الذات الفاعلة (شوتاي . ساي)»: يتوجب أن 
يطرح المرء خلفه الأعراف والتقاليد القديمة جميعا: شبكة الواجبات والالتزامات 
المتبادئة المحيطة؛ والقبول بمفاهيم التضمين والإبعاد. وقمع وإخماد التوجهات 
الفردية من أجل مظاهر الاتفاق الجمعي. وكان مقصد الشوتاي ‏ ساي هو إرساء 
الأساس للهوية الاستقلالية. وللمصطاح أيضا دلالات قوية أخرى؛ حيث يتضمن 
فكرة الشخصية الفردية الحية وذات الحضور الوائق ‏ وهذا ما أسميته 
الشسخصية العامة القادرة ليس ذقط على النهوض بالتزاماتها الأخلاقية؛ ولكن 
أيضا على العمل المعلن الصريح بلا تحفظ. 

وجدير بنا أن نتحقق كم كان قليلا ما يعرفه اليابانيون في أواخر 
الأربعينيات عن مثل هذه الأمور. كانت اليابان حتى وقت قريب قد نشرت 
ملايين الجنود والسفن والطائرات والأسلحة في مناطق واسعة من المحيط 
الهادي؛: ولكن. حتى منتصف هذا القرن. لم يكن لدى اليابانيين فكرة 
مقبولة اجتماعيا عن شيء يسمى الشخصية الفردية: على الرغم من أنه 
شيء عادي ومسلم به خارج بلادهم. وما كان الياباني ليستطيع أن ينمي 
إحساسا بالذات إلا في قلبه الشخصي (كما قد يعبر عن ذلك الراهب 
اليسوعي القديم)؛ أو في معرض المعارضة للأعراف والتقاليد السائدة. 
كانت أفكار اليابانيين وقيمهم هي الأفكار والقيم التي تفرضها الجماعة. 
ومن المألوف أن نفترض بشكل عادي أن هوية الجماعة هي أمر يتشبث به 
اليابانيون ليبعدوا الأجانبء ولكن علينا ألا نغفل الفرضية العكسية: ألم 
تخلق الجماعة أيضا لاحتواء اليابانيين . وللحيلولة دون أن يصبح أي منهم 
ذاتا طردية5 

اعتقد الذين ناقشوا معنى الذات الفاعلة (شوتاي ‏ ساي) أن تنمية 
الذات المستقلة كانت هي مهمة اليابان الجوهرية التي لها أولوية على كل ما 
عداها بعدالحرب: وقالوا إن إخفاق اليابانيين في الحكم بذواتهم الفردية 





التاريخ المخباً 


على الأمور؛ هو الذي أدى إلى إذعانهم عندما طرح الحكام الديكتاتوريون 
في الحرب غطاء أيديولوجيا عليهم: ودفعوا الأمة إلى الكارثة» ومن ثم فإن 
جوهر مشروع ما بعد الحرب كان جوهرا سيكولوجيا. وأفضل تفسير 
للاستقلالية يذهب إلى أنه: «لابد من أن يحدث إصلاح داخلي للينية 
النفسية للمجتمع الياباني». 

صاحب هذه الكلمات رجل يدعى ماساو ماروياما 228هلإتاكة/1 113530 
المتوفى في 1197 في الثانية والثمانين من عمره. ولا جدال في أن ماروياما 
كان أوسع المفكرين اليابانيين تأثيرا في هذا القرن وفي المناقشات الواسعة 
التي دارت حول الذات الفاعلة (شوتاي . ساي) كان على رأس معسكر يمسمى 
«التحديثيين».: الذين افترضوا وجود نوعين من الاستقلالية. الأولى فردية: ألا 
وهي استقلالية الذات الشخصية:؛ والأخرى هي الاستقلالية الاجتماعية حيث 
الفرد الحر الذي يدرك مكانه داخل الكل الأكبر. وقّدّمت هاتان الفكرتان 
للاستقلالية في مقابل الفكرة القديمة للجماعة؛ حيث لا هوية للناس 
ولا اختيارات حرة. وما كان هدف كل هذا التنظير ليزيد أو يقل شيثا عن 
الديموقراطية؛ أي نقيض النزعة الجمعية الشاملة. دعا التحديثيون إلى خلق 
«نموذج ياباني إنساني ديموقراطي من نوع جديد»» ومن السهل إيجاز وجهات 
نظرهم فضي أن: الديموقراطية لا تكون في غياب الحرية الفردية؛ والحرية 
الفردية يستحيل تعزيزها دون سياق ديموقراطي. 

انهارت المناقشات حول الذات الفاعلة (شوتاي ‏ ساي) في أواخر 
الأربعينيات. لم يظهر طراز الإنسان الديموقراطي الجديد قط؛ فقد أصبح 
أحد ضحايا النهج العكسي. وتحت حكم نخبة ما قبل الحرب التي أعيدت إلى 
الحكم في النهج الجديدء لم يستطع اليابانيون أن يتخلصوا من الفكرية 
الانفلاقية للجماعة: ومن ثمء أخذت اليابان بالآليات الديموقراطية بعد 
الحرب دون أن تتوفر على أي ديموراطية حقيقية أو أصيلة. وفي مناخ 
الحرب الباردة وقعت عملية تطهير للكثيرين ممن دعوا إلى فكرة الاستقلالية 
بين اليابانيين؛ ومنهم ماروياماء باعتبارهم يساريين خطرين. وهنا نصل إلى 
واحدة من المفارقات الكبرى المثيرة للأسى والسخرية في الطريقة التي ننظر 
بها إلى اليابانيين المعاصرين. حقا كان ثمة يسار ياباني نشيط بعد الحرب - 
يسار متعدد الألوان والاتجاهات, ولكن ماذا في ذلك؟ فحين نتأمل اليوم واقع 





اليايان: رؤية جديدة 


ما بعد الحرب. فإن فكرة تحول اليابان إلى تنويعة من النموذج السوفييتي 
تبدو سخيفة؛ فكثير مما كنا نعتبره يسارا انقلابيا لم تكن قضيته هي الدفاع 
عن شكل من أشكال العقاكد الجمعية:؛ وإنما كان يسعى للهروب منهاء وما 
كانت قضيته هي قمع التوجه والمحاولات الفردية وإنما كان يسعى لاحتضانها . 
كان هؤلاء التحديثيون يدافعون عن الشيء نفسه الذي يقول الغربيون إنهم 
يؤمنون به إيمانا مطلقا ألا وهو: الأولوية للفرد. 

وقد تواترت مشاهد من الشوتاي ساي كثيرا في الماضي. ولهذا علينا أن 
نتساءل: اذا استحوذت قبضة الجماعة على اليايانيين بهذه القوةة وما 
المصدر التاريخي الذي جاءت منه تلك الفكرة الراسخة عن الجماعة؟ 

الجماعة في اليابان قديمة قدم الناس فيهاء فقد كانت زراعة الأرز تتطلب 
عمل جماعات متضامنة فيما بينها. وفعل الواقع الجغرافي فعله في عملية 
العزلة: كل مجتمع معزول عن الآخر بسبب الطبيعة الجبلية للجزر؛ والجزر 
اليابانية تعزلها عن أرض القارة الآسيوية مياه بحر اليابان العنيفة الصاخبة. 
ومن ثم فإن روح الجماعة التي نتجت عن ذلك لا تدعو إلى العجب. واليابان 
القديمة كانت مجتمعا بدائياء بينها وبين غيرها من المجتمعات البدائية أوجه 
شبه كثيرة. بدأت اليابان أول تحولاتها غير العادية في القرن السابع؛ في فترة 
حكم أمير واسع العلم يدعى شوتوكو 511010111 ومئذئن شرع اليابانيون في 
بناء المجتمع الجماعي الذي كُتب له الاستمرار حتى أيامنا هذه. 

ونحت حكم شوتوكوء؛ بدأت اليابان تستعير بالجملة من الصين كثيرا مما 
نعتقد اليوم أنه ياباني. فبالإضافة إلى البوذية وتخطيط المدن والبيروقراطية 
المركزية وغير ذلك كثيرء استعار شوتوكو التقاليد الكونفوشية, التي من 
خلالها تعلمت اليايان المضائل المبجلة ‏ حب الخيرء وطاعة الأبناء. 
والإخلاص وغيرها ‏ وكذلك العلاقات الخمس التي تحدد مراتب اليشر: 
الحاكم والمحكوم: الأب والابن؛ الأخ الأكبر والأخ الأصفر. الزوج والزوجة, 
الصديق والصديق. ويمكن أن نعتبر أن شوتوكو هو أول مستشرق مرموق 
لليابان ‏ أول من تصور وجود «يابان» أخرى غير ما كانت. لقد جلب النظام 
والتراتب الاجتماعي لأناس لم يحقيدوا بالرسميات في هذه الأمور من قبل؛ 
وفي ذلك كان البلاط نموذجا: فلم يكن مقيدا بالرسميات من قبل؛ ولكنه 
اتخد منذكنذ مراتب مدروسة بعناية؛ كل أساسياتها مأخوذة عن الكونفوشية: 





التاريخ المخبً 


الطيبة الكبرى والطيبة الأقل؛ التأدب الأكبر والتأدب الأقل... إلى آخر 
القائمة في كتالوج الحكمة الصيني للعدالة والاستقامة الصارمة. 

بدأ العصر الإقطاعي في نهاية القرن الثاني عشرء عندما دفع محاربو 
الأقاليم ( الساموراي الأوائل) الإمبراطور إلى الظل؛ وأقاموا دكتاتورية عسكرية 
اسثتمرت سبعة قرون يتعاقب على إمرتها الجنرالات (الشوجون). وقد أصبحت 
ملامح وسمات الساموراي مألوفة لدينا: الانضباط والتقشفء الجماليات 
البسيطة المحكمة: الالتزام بنظام من قواعد الشرف شبيه في خطوطه العريضة 
بفروسية العصور الوسطى في أوروبا. وكانت قواعد الساموراي تراعي 
الكونفوشية بدقة؛ بما تتضمنه من نظام معقد للواجبات والالتزامات المتبادلة: 
نظام للأخذ والعطاء المتبادلين يهدف إلى منع الساموراي ‏ وهم القتلة المحترفون 
المكرسون لفئون الحرب ‏ من تدمير بعضهم لبعض. وبمرور الوقت أصبح 
الشوجون يوجهون الساموراي إلى ما يلبسون؛ وكيف يحسمون المناوشات 
والمنازعات؛ وكيف يعدون الوجبات: أي نوع من الأواني الفخارية يستخدمونها ضفي 
البيت؛ وكم ينفقون على الهدايا. كانت القواعد واللوائح هي كل شيء؛ كانت 
الرتب و«البيوتات» المحددة ألوانهاء وطرز بناكها وكذا طرز الملابس الشخصية؛ 
كانت هذه أيضا هي كل شيء. 

كان السامورايء بالنسبة للأغلبية التي لا ألقاب لهاء هم مادة للأساطير 
البطولية؛ الذين ينهضون بالمهام الباهرة: غير أن كلا منهم لم يكن؛ في الحقيقة: 
فردا بذاته؛ ذلك أنه ما إن يتمثل أحدهم القواعد واللوائح في ذاته إلا ويكون قد بنى 
صرحا في داخله. فكل فعل؛ أيا كانت خطورته وتضحياتهء هو علامة على التميز 
بقدر ما هو تأكيد للالتزام بالقواعد واللوائح؛ فالفعل من تجليات الإرادة التي تنمى 
هي أيضاء وذقا للقواعد واللوائح. ولنأخذ مثلاء موضوع الولاء. كان الحكيم واضحا 
في حديثه عن الفضائل؛ ولم يكن الولاء هو أولاها ‏ وإنما كانت الأولوية للطيبة أو 
حب الخيرء والولاء كان يعني الإخلاص المتوافق مع الضميرء ولكن الساموراي جعلوا 
الأولوية للولاء دون أن يسمحوا للصوت الداخلي بالتدخل؛ في المفهوم الياباني؛ كان 
الولاء ووضاء الأبناء يقتضيان الطاعة. حتى لو كان ذلك على حساب العقل أو 
الضميرء: قلا عجب أن كانت بونية الساموراي هي بوذية «زن»» وتلك طائفة قرخت 
محليا في اليابان. ومن تعاليم زن: تفريغ العقل؛ قمع الذات بإعمال الإرادة إلى 
أقصاهاء إلى درجة تجعل الفعل ممكنا دون إعمال التفكير الواعي. 


اليابان: رؤية جديدة 


ويمكن اعتبار الساموراي أول اليابانيين من ذوي الفردية ذات الجوهر 
الشخصيء فأي صفة أخرى يمكن أن نطلقها على أناس ينشدون الطهارة في 
أقصى تجرد من كل شيء يفعلونه يراه الآخرون8؟ والتنوير عند طائفة زن 
(ساتوري 50]011): أمر يتعلق بالخلاص الشخصي. وكان سيبوكو ناكأناممت5: 
الانتحار كطقس يمارس في الطائفة, طريقة مشرّفة للخلاص من العار. حيث 
هو فعل ينبع من الفردية الشخصية. وفي ذلك يمكن أن يتملكنا العجب من 
العناية الفائقة التي كان يُنَفَّد بها هذا الانتحار الطقوسي: القطع المستعرض 
عبر البطن؛ ثم إلى أعلى نحو السرة؛ وتلك قطوع تجعل الموت مؤكدا دون أن 
تدمر شيئا من الأعضاء الحيوية. هل كان ذلك كشفا طقوسيا للذات الداخلية 
التي لا تمس أو هو إشهار أخير لتأكيد أن ليس ثمة ذات» وإنما الذات 
انمحت لكي يستعاد الشرف بعد الوفاة؟ 

ليس من الصعب أن نرى في الساموراي أشياء نحاول فهمها اليوم: إخفاء 
الشخصية:؛ الولاء الصارم للجماعة ولاء إلى أبعد الحدود؛ ولكن كيف حدث 
أن هذه العادات الذهنية استمرت طويلا حتى وقتتا الراهن؟ 

في 1547 نزل ثلاثة بحارة برتغاليين إلى شاطئئ جزيرة صغيرة قريبة من 
جزيرة كيوشوء كان هؤلاء البحارة الثلاثة الذين ضلوا طريقهم هم أول 
أوروبيين يصلون إلى اليابان: ولم يصل ضرانسيس زافييرء الراهب اليسوعي 
القادم من جزيرة جوا ليزرع الصليب على أرض اليابان إلا بعد ذلك بسبع 
سنوات. والملاحظ أن الاهتمام بطرائق حياة وتفكير هؤلاء الغرييين الأواكل 
كان ضعيفاء وإنما أولي اهتمام كبير للأشياء التي أحضروها معهم: الساعات, 
الآلات الموسيقية: الأدوية والخراكط؛ والمسكيتات 5اع!1/115 - وهي البنادق 
العتيقة الطرازء التي استحثت المحاولات الأولى التي بذئتها اليابان لاستنساخ 
المنتجات الصناعية: حيث إنهم أنتجوا أعدادا هائلة منها. 

وبانتشار المسيحيةء خشي الشوجون المتعاقبون أن تقوم بتوحيد سادة 
الإقطاع المحليين (دايميو) ضدهمء والذين كان لكل منهم جيشه الخاص؛ وجاء 
الحظر الأول على دخول الإرساليات في العام 1641: وضي 159 1؛ بعد قرن 
من وصول آول اجائب إلى شواطئ اليابان» كانت مراسيم العزل التي تدذعى 
ساكوكو نا8:101, ومعناها «البلد مغلق» قد أصبحت سارية؛ منع الأغراب 
(الجايجين) من دخول اليابان باستشاء عدد قليل من التجار الهولنديين؛ 





التاريخ المخباً 


وأصيح «تعلم اللغة الهولندية». الذي أبيح لقلة مختارة؛ هو المصدر الوحيد 
للمجرهة الخارجية: وكانت عقوية أي شخص يحاول مغادرة اليابان هي الموت؛ 
ومنع بناء سفن تزيد حمولتها على ألف كوكو ناعاهع](*)؛ وهذا بمنزلة منع بناء 
سفن تخرج إلى المحيط. وكانت مراسيم العزل (ساكوكو) من صنع أسرة من 
الشو.جون تدعى توكوجاوا 101018825/2: كان أولهم إياسو نا5ةلإ16 قد تولى 
السلطة في ؟170: ونقل الحكومة العسكرية من كيوتوء العاصمة الإمبريالية 
التي تدهورت حالهاء إلى قرية صغيرة سبخة كانت تسمى إدو؛ والتى أصبحت 
طوكيو الحالية (العاصمة الشرقية). / 
استمر حكم التوكوجاوا في اليابان لمدة قرنين ونصف القرن؛ حتى /187. 
وفي عهدهم: عرفت اليابان أشد أشكال الإقطاع حدة في تاريخهاء كان اليابانيون 
يعيشون كما لو كانوا تماثيل صغيرة في لعبة ميكانيكية محفوظة في ناقوس 
زجاجي؛ مغلق عليهم في وضعياتهم الموروثة؛ وضي الدورة الزمنية العتيدة لحياة 
000 والفلاحين. وعائلة توكوجاوا هم أعظم مستشرقين كانت اليابان قد 
تلمستهم: كذكرههم عن النابان طكرة خربية وضند طباقع الأمون. لا مكان فيها لأني 
7 أو تغييرء بمرور سنوات عصر الإدو وقرونه أصبحت الفكرة أكثر بعدا عن 
واقع الأمرء ومن ثم بحاجة إلى مزيد من الإرادة البيروقراطية لفرضها. 
كانت اليابان في عصر إدو مجتمع تمايزء يخفي تحته حالا من التوافق 
الراسخ مع الأعراف. حيث كانت من أوضح الأنماط الجصعية للتكوين 
الاجتماعيء فكلٌ مرتب في مكانه وفقا لطائفته: الساموراي؛ والفلاحون, 
والحرفيون: والتجار وكل طائفة مكرسة لدورها. وكل منها معزول ومميز عن 
الأخرى بالزي؛ ووسائل النقل: وبما لا يحصى من التفاصيل الأخرى؛ فمثلا لم 
يكن يُسمح إلا للساموراي بحمل السيوف؛ السيوف الطويلة في الريف. 
والقتصيرة في الحضرء ولم يكن يُسمح للساموراي بأي اتصال بالفلاحين, 
ولا للفلاحين بالاتصال بأهل الحضرء وكانت أزياء أهل الحضر (الكيمونو) 
يجب أن يكون طولها كذا؛ والفلاحون يجب أن يستيقظوا في الساعة كذاء 
يجب أن يأكلوا كذا وكذا في الوجبة, وألا يشريوا الشايء وعليهم أن يزرعوا 
أعواد البامبو على مسافة كذا من أكواخهم؛ وأن يحفروا الغاكقط على بعد كذا. 


[لليةا الكوكر وحدة تزيد قليلا عن خمس بوشلء وهو مكيال للحبوب يعادل نحو ١1١‏ ليترا ونصف الليتر 


(المترجم). 





اليابان: رؤية جديدة 


لم تكن اليابان» كمجتمع طوائف. شيا جديداء ولم تفعل آخر أسرات 
الشوجون إلا أنها سارت بالجمود الإقطاعي إلى منتهاه (نعني أسرة توكوجاوا 
التي كان منها الحكام الخمسة عشر الذين تولوا الأمر قبل النهاية). كانوا 
كونفوشيين أصوليين؛ وكانوا مغرمين بإصدار المراسيم والأوامر والنواهي؛ 
وتوقيع العقوبات الغريبة الفظة. وكل ما من شأنه أن يبقي على جو من الرعب 
والإرهاب. وكانت حكومة إدو تتوافر على شبكة هائلة من القائمين على تنفيذ 
ذلك: من الشرطة السرية؛ وحرس الحدودء والرقباء؛ والمخبرين: وكان سكان 
القرى منظمين في مجموعات. كل واحدة تتكون من خمسة أشخاص: يتعين 
على كل عضو فيها أن يتجسس على الأربعة الآخرين: وأن تتجسس كل 
مجموعة على الأخريات؛ وبرغم ذلك (أو بسبب ذلك حدثت ثلاثة آلاف 
انتفاضة فلاحية ‏ تقريبا ‏ خلال قرون حكم توكوجاوا؛ بمعدل انتفاضة كل 
شهر: وإن كانت وتيرتها قد تزايدت بمرور الوقت؛ وحدثت ثلاثة آلاف أخرى 
من «الاضطرابات» التي لم تتعد كونها مشادات وصدامات عائلية يعدها 
بعض الباحثين انتفاضات. 

والإقطاع في عتمة ذلك الغروب العجيب يشكل جانبا جوهريا من ماضي 
اليابان ليس فقط لأن وقت الغروب طال كثيراء أو لأنذا نستطيع أن نرجع إليه 
كثيرا من صفات اليابانيين اليوم؛ ولكن لأن تاريخ إدو كان وما يزال هو ساحة 
القتال في اليابان العصرية؛ أو جزءا كبيرا منها. إن اليابان في عصر إدو 
تعطينا نموذجا تقليديا لقدوة ترك المخلفات التاريخية كما هي؛ وما هذه 
المخلفات التي تُركت إلا الصراعات والتوترات التي كانت موجودة تحت 
السطح ‏ التاريخ الْمخَبا. 

ولدينا اليوم فكرة غريبة عن عصر إدو؛ فكرة مشوشة قائمة على حقائق 
مجتزأة لتلك الفترة العجيبة؛ فالصورة التي وصلتنا هي صورة زمان بطيء؛ وإن 
يكن مرتبا ومنظماء معبرا عنها في المصطلاح المقرر «عصر سلام توكوجاوا»» وضي 
كتابه اليابان: الماضي والحاضر. صاغ إدوين رايشاور موجزا مصقولا لعقيدة ذلك 
العصر, موجزا لا تعقيد فيه بمثل ما كانت الطباعة بالاستامبات الخشبية في 
ذلك الزمان؛! يقول رايشاور إنه: «السلام الام الطويل الأمد لعصر توكوجاوا 
الذي أتى لليابان بسنوات من الازدهار غير المسبوق؛ والإنتاج الصناعي والنمو 
التجاري السريع». وبناء على مثل هذا التصور؛ فإننا مدعوون للنظر إلى عصر 


التاريخ المخياً 


إدو باعتباره «عصر اليابان الحديث المبكر»» وليس باعتباره ‏ وفقا للتعبير 
المستهجن ‏ «عصر الإقطاع المتأخر»»؛ وفي هذا القول تظاهر لا مثيل له بالجهل؛ 
ذلك أنه منث عصر إدو درج قادة اليابان» بطريقة أو بأخرى: على محاولة إرجاء 
الدخول الحقيقي لليابان في العصر الحديث. 

ولا يمكن إنكار ما أحرزه عصر إدو من تقدم: فقد بدأ فيه شكل من 
التصنيع البداكي» -حيث أرسى التجار المثابرون أساسا لتجارة حديثة: وبدأت 
ثقاطة شعبية نابضة بالحياة (الكابوكي): وفنون المسرح ترسي جذورها في 
الأحياء الترفيهية من مدن إدو وأوزاكا وكيوتوء إلا أنه لم يكن ثمة سلام في 
عصر إدو بل كان هناك نوع من الاتفاق والتعايش الفيدرالي بين الشوجون 
والدايميو؛ ولكن قيما عدا ذلك فقد تميز العصر بالاستغلال الذي لا يعرف 
الرحمة؛ وفرض الحرمان المتعمدء والقهر والقمع البوليسي الجنوني: والعنف 
السلطوي شبه الداكم يقايل ذلك مقاومة شعبية شبه دائمة: ومن المفيد أن 
يُقارن عصر إدو في اليابان بما انتهى إليه الاتحاد السوفييتي في أواخره: بما 
في النظامين من إرهاب وشمولية وبيروقراطية جائمة: وتلاعب بالمعرفة: كما 
يمكن أن يُقارن بنظام الخمير الخمس 6 131065: في كامبوديا بما 
عصف به من أحلام جامحة بأفضلية المجتمع الزراعي الشرقي. 

وبقي من أهفضال التوكوجاوا أنهم وضعوا اليابانيين على عتبات العصر 
الصناعي ومن حولهم الصرح الإقطاعي يتداعىء وإن ظل قائما داخل كل منهم. 
فاليوم هناك الساموراي «الشركاتي» الذي يتملكه هاجس «البيت» والتراتبية 
لإحانمفرءل! مثله ضي ذلك مثل المحاربين القدامى. ولا ينال اليابانيون يحتارون 
كثيرا في أمور مثل التحديد الدقيق لقيمة الهدايا التي تقدم مقابل خدمات 
محددة قيمتها بدقة؛ أو تحديد الأزياء المناسبة تكل مناسبة محددة: والمكان 
المحدد للجلوس حسيب المكانة الاجتماعية؛ ودرجة البعد والقرب. 

ويضمر كثير من اليابانيين نوعا من الشعور المصطنع بالحنين لعصر إدو؛ 
ونقول مصطنعا لأنه معدل ومنقى ومصفى. ومن بين الأمثال القديمة التي لا 
تزال تتردد في الريف,؛ مثلاء قولهم: «ثلاثة منازل في الواجهة؛ ومنزل على كل 
جانب».: وهو نصيحة بسيطة بعدم الشروع في العمل قبل إجراء مسح لكل ما 
حولك. وهو وصف دقيق للكيفية التي يعمل بها النظام المعقد للواجبات 
والالتزامات؛ وكثيرا ما يقدم هؤلاء الذين يقيمون بالقرى القديمة هذا المثل 


اليابان: رؤية جديدة 


كدلالة على روح الجماعة واستمرار قيم القرية. ريما كان هذا هو الأمرء 
جزتياء لكن المثل يتطلب سياقه الكامل؛ وإذا فهمناه على حقيقته. سنجد أنه 
أيضا يلمح إلى شيء من حذر الفرد من الآخرين جميعاء حذر تعلم اليابانيون 
منذ القدم أن يحملوه داخل نفوسهم. 

وثمة وصف جدير ذكره لعصر إدوء وهو يستحق الذكر لأنه يبقى ملائثما 
اليوم بدرجة غريبة. وقد كتبه يوكيشي فوكوزاوا 2210/8 ناكانا1 لطع لكا نالاء 
الذي كان أحد أعلام التربية والتعليم في العصر التالي؛ وظهر في واحد 
من أشهر أعماله: معالم الحضارة 0197111221108 01 6م1011 0. وتظهر 
صورة فوكوزاوا في أيامنا هذه على الورقة المالية ضئة عشرة آلاف ين 
صارما وإن متطلعاء مرتديا كيمونو غامقاء ولكن شعره مقصوص على 
الطريقة الغربية. ويشعر المرء أنه في هذا الوضع يتطلع أماما إلى 
المستقبل. ولكنه في كتاب المعالم الذي نشر في 1475: كان يتأمل ماضي 
شعب يعيش أبناؤه بمفرده؛ وإن يكن عاجزا عن تحقيق الذات؛ ويعيش في 
خصوصية صارمة: وإن يكن عاجزا عن أن يكون حراء والفقرة وصف 
موجز لمجتمع حيث لا توجد الفردية إلا في الأسرار التي يحتفظ بها كل 
طرد في داخله: 

«اعتمدوا جميعا على الحكومة من دون أن يشغلوا أنفسهم بالشؤون القومية؛ ولكل مليون 
شخص مليون تفكير مختلف. كل شخص اغلق داره على نفسه وتجاهل كل ما خارجهاء كما لو 
كان ارضا أجنبية. وفشلوا في التشاور فيما بينهم؛ ولو في أفضل طريقة لتنظيف آبارهم؛ ناهيك 
عن إصلاح الطرق» وإن تصادف أن اعترضتهم نفاية كلب داروا حولهاء كانت تشغلهم محاولة 
تجنب التورط في أي شيء حتى أنه لم يكن لديهم وقت لمناقشة أي شيء معا. ولم تلبث هذه 
العادة التي غرست بدورها منن زمان طويل أن أصبحت تقليدا وأفضت إلى الأحوال الراهنة التي 
تدعو إلى الأسى». , 

إن احترام السلطة والاعتماد عليهاء والولاء الثابت الذي لا يحيدء والتزمت 
وأخلاقيات العمل الصارمة كلها علامات على ما خلفه العصر الإقطاعي المتأخر 
على كاهل اليابانيين. ومطلوب منا أن نصل إلى نتيجة أن اليابان» بحكم التقاليد 
والثقاطة؛ مجتمع يقوم على التراتب الرأسي؛ وأن المعايير الأخلاقية لا تقوم على 
المبادئ؛ وإنما تتوقف على شبكة العلاقات الناجمة عن ذلك والدائمة التغير: 
والتي يعيش فيها اليابانيون. وأفضل شرح لهذه المسائل نجده في كتاب 





التاريخ المخباً 


الأنكرويولوجية روث بنيديكت 60166م86 115: نادي الكرايزاتثيمم والسيف 
00 عطلا ممه 0 1 الصادر العام ١.45‏ . تذهب بنيديكت 
إلى أن اليابان تتميز بنوع من ثقافة الإحساس بالعار التي هي مختلفة عن ثقافة 
الشعور بالذنب: «تقوم ثقافات الإحساس بالعار على إعطاء الاعتبار للرادع 
الخارجي بضمان السلوك القويم: وهي في ذلك تختلف عن الثقافات الحقيقية 
للشعور بالذنب؛ التي تقوم على اقتناع داخلي بالذنب». 

لا يمكن ألا نأخن هذه الملاحظات في الاعتبارء لكنها بمثل ما تكشف عن 
أمور تخفي أخرى. فاليابانيون يداخلهم إحساس بالعار عندما يتجاوزون 
حدود السلوك القويم: لأنهم يجلبون العار على بيوتاتهم. ولكن هل يوجد في 
العالم بشر لا يعرفون وخزات الشعور بالذنب. أي بشر بلا ضمير؟ ويمكن أن 
يكون الولاء شيئا مرغوباء ولكن فكرة اليابان عن الولاء. ذلك الولاء الذي لا 
يسمح بأي أسئلة: أفضت بها إلى حرب عالمية. كذلك لم يكن العمل الدؤوب 
الجاد؛ عبر التاريخ: إلا أمرا تستوجبه الضرورة العضوى . أما عن تبجيل 
السلطة؛ فيمكن فهمه بشكل أفضل باعتباره خنوعا ولّده الخوف. 

إن صورة واضحة للماضي تفضي إلى إحدى الأفكار الأساسية عن 
اليابانيين: إلى مفهومات تفير كل شيء؛ فمتى ما اكتشفنا الصراعات المخبأة 
تحت السطع؛ فإن ذلك يقودنا إلى فهم إن الهوية الجمعية تستند إلى القهر 
والسلطة أكثر مما تقوم على التقاليد والثقافة. ومن ثم يتعين أن نعيد التفكير 
في استنتاجاتنا عن الخصائص التي يتميز بها اليابانيون؛ والتي نحن مدعوون 
إلى الإعجاب بها. والسؤال هو: هل هي صفات تدعو إلى الإعجاب بدرجة 
تدفعنا إلى محاكاتهاة إن ما يدعو إلى الإعجاب حقاء وبكل المقاييس؛ هو 
النضال الطويل المخبً ضد الإرهاب والطغيان الإقطاعيين: وهو النضال نفسه 
الذي نعجب به في تاريخنا. إن الخصائص النفسية السائدة بين اليابانيين قد 
تفاحكنا حقاء كما لاحظ لافكاديو هيرن تقةة1] 12103010 منن حوالى قرن 
من الزمان. ولكن يجب أن نستنتج أنه ليس هناك ما هو «ياباني» بشكل خاص 
فيما نطلق عليه الشخصية اليابانية: وإنما يمكن لنا أن نتحدثء فحسب؛ عن 
أناس تعرضوا لظروف معينة؛ وردود أفعالهم تجاه هذه الظروف. 

كانت العادة البدائية للتقييد والإبعاد والتي استقرت في أثناء عصر إدو: 
هي ما حاول اليابانيون أن يتغلبوا عليها في دواخلهم: عندما تأملوا مسائل 


اليابان: رؤية جديدة 


مثل الاستقلالية في أواخر الأربعينيات. لكنهم لم يجدوا خطأ في الإحساس 
القوي بالجماعة. ومن بين الأشفكار الأساسية التي قدمها التحديثيون بقيادة 
ماساو ماروياماء حسب فهمي؛ كانت فكرة أن الفردية لا تتحقق بشكل كامل 
إلا في إطار الجماعة:؛ ولكن هذا لا يحدث إلا عندما يكون الانضمام إلى 
المجتمع يتم بشكل حر. وحيث ظل اليابانيون معرضين إلى نوع من الانتماء 
القمسري وغير الحديث؛ فقد وجدوا أنفسهم: حينذاك وحتى الآنء يشعرون 
بنصف ألفة مع العالم الحديث. ظبين المجتمعات البدائية, تعد اليابان بلدا 
«متقدماء», أما بين المجتمعات المتقدمة: فإن اليابان هي البلد الوحيد الذي ما 
يزال متخلفا. 
أ“ خا 6د ك6 

إن فكرتنا عن اليابان اليوم هي أنها دولة ولجت مجال التطور الاقتصادي 
متأخرة. وضي العقدين السابع والثامن من القرن التاسع عشرء عندما أرسلت 
اليابان بعثات إلى الخارج لأول مرة بعد قرنين ونصفء أصيب المبعوثون 
بصدمة بفعل الأشياء التي أنتجتها الصناعة الغربية: ماكينات دراسة الغلال؛ 
والسكك الحديدية:؛ وماكينات الهواء المضغوطء والجسور الحديدية. وإلى ذلك 
يجب أن نضيف صدمتهم بكل شيء نابع من النزعة الفردية في الغرب: 
الجدل السياسيء والصراعات العمالية. وسعي الناس كل شخص في اتجاهه. 
وبدا لهم أن الغربء خاصة أمريكاء يعيش في حالة من الفوضى؛ تحت 
السيطرة بصعوبة. صدمت الرأسمالية اليابانيين» على حد ما ورد في يوميات 
أحد الديبلوماسيين في ذلك الزمان: باعتبارها «حالة حرب في وقت السلم». 
كان هؤلاء الرواد الذين عبروا الباسيفيك مثل التجارب مع الزمن: أناس ولدوا 
في العالم العصريء؛ ولكنهم لم يكونوا قد عرفوا شيئا عنه. 

ونعرف اليابان أيضا كمستعير مدمنء من الصين في البداية؛ ثم منا منذ 
أواخر القرن التاسع عشر. وفي هذا كان اليابانيون يميزون بين الأشياء. 
يختارون من كل بلد ما يريدون فقط. فمن فرنسا تعلموا التصوير الزيتي» ومن 
إنجاترا السفن الحريية؛ ومن أمريكا الصناعة. لكن فاتهم شيء أساسي في كل 
ما أخذوه: أنهم لم يفهموا أن أي آلة واحدة ‏ فضلا عن أي نظام مدرسي أو أي 
منظومة من القوانين ‏ وراءها تاريخ طويل: وأنها تعبير عن المجتمع الذي 
أنتجها. وكما حدث بالنسبة ليابانيي العصر الإقطاعي الذين التقوا بالأوروبيين 


التاريخ المخياً 


الأوائل. لم يكن التحديثيون الأوائل في اليابان ليهتموا إلا بالأشياء ال (مونو 
هوم) فقطء أي بالأدوات المعدنية. 

ولكن كما أن اليابان كانت دولة ولجت مجال التنمية متأخرة؛ فإنها كانت 
أيضا مبكرة وسيّاقة, والحق أنها كانت الأسبق. فعلى الرغم من أن اليابان بين 
دول العالم المتقدمة, تكاد تكون هي الأخيرة؛ فإنها بين دول العالم إلثالث هي 
الأولى. كان اليابانيون هم الأواكل من بين الشعوب غير الغربية الذين 
استوعبوا أشياء العالم الغربي. ولم يفعل قادة اليابان المحدثون أكثر مما فعله 
كثير من قادة العالم الثالث منذكث: فقد تبنوا الأساليب التكنولوجية للغرب, 
بينما حافظوا على الهوية الاجتماعية والروحية والنفسية للماضي. ومنذ 
قرن: أطلق اليابانيون على هذا واكون يوساي 90531 5/108: أي الروح 
يابانية: الأشياء غربية؛ أما اليوم فلعلهم يدعون الاعتقاد في «القيم الآسيوية» 
تمييزا لها عن القيم العالمية. 

وسرعان ما سارت اليابان في ركاب المعتقد الغربي باغتراب الإنسانية عن 
الطبيعة؛ ومن ثم بدأت في إخضاع العالم الطبيعي؛ وكان ذلك من المتطلبات 
الأساسية للتصنيع؛ لكنها رضت فكرة الغرب التي تُملي من شأن الفردية. 
وعوضا عن ذلك: حاولت اليابان أن تبقى مجتمهعا جماعيا ‏ ومن هنا جاءت 
فكرة «الدولة العاكلة» ب حيث يعتمد الفرد على سلطة الجماعة. ويعبارة 
أخرى؛ رفضت اليابان فكرة أن الناس هم صَتاء تاريخهم: وأنهم وسائط 
مستقلة للعقلانية والحكم على الأمور والتمييز. فما كان مثل هذه الفكرة إلا 
أن تمنع من اجتياز الحدودء مثلها ضفي ذلك مثل خضراوات مصابة بالأمراض 
النباتية: أو صحف أجنبية لم تسمح بها الرقابة. وباختصار, لم تصبح اليابان 
عصرية بقدر ما أصبحث مستهلكة لما هو عصري. 

هل يعني هذا الكلام أنه بمثل ما كان للغرب عصر تنوير فإنه يتحتم أن 
يكون لليابان ولغيرها من بقية بلاد العالم عصور تنوير مناظرة؟ ذلك هو 
الخطأ الذي وقع فيه نادي الكريزانثيمم «ونظريته عن التحديث» التي 
تتلخص في أن التتحديث مرادف للتغريب» وأنه يتعين على الجميع - إن آجلا 
أو عاجلا أن يسيروا على درينا نفسهه. ولكننا لا ذريد أن نقع في الخطأ 
العكسيء والذي يتلخص في الذهاب إلى أن تحرر الفرد شيء نز 
للمجتمعات الغربية وحدها في لحظة تاريخية بعينها. حقيقة إن اليابانيين لم 





اليابان: رؤية جديدة 


يكن لديهم عصر تتنويرء لكن ليست هذه هي المشكلة؛ فمن يعرف تاريخ القمع 
والمقاومة في القرون الوسطى ‏ وحتى في العصر الحديث ‏ لا يمكن أن 
يستنتج أن اليابانيين عجزوا عن تطوير مجتمعهم نحو مزيد من الاستقلالية 
وإعلاء شأن الفردية بسبب أنهم كانوا راغبين عن ذلك أو غير مستعدين له. 

في يوليو 1801 رست أريع سفن تجارية بقيادة ماثيو بيري /لاء /61ط1/100 
على الشاطي جنوبي إدو. وكانت الأخبار قد سبقت بهذا ليعلم بها الشوجون 
وجهازه البيروقراطي الضخم الآيل للسقوطء لكن سلوك الصيادين المحليين الذين 
كانوا في البحر. ضي ذلك اليوم؛ ينبئنا بالمزيد عن مشاعر اليابان الحقيقية؛ لقد 
تصوروا أن سفن بيري «السوداء» كانت نوعا من البراكين العائمة. فتبعثروا 
كالطيور عند الظهور المفاجي لهذه الكائنات الدخيلة. 

كانت اليابان بسبيلها إلى التناول الوشيك لجرعتها الأولى من الجاياتسو. 
شبعد أربع سنوات من وصول بيريء وفّعت حكومة الشوجون وقد تملكها 
الارتباك والتحلل والضياع ‏ معاهدات مع الولايات المتحدة؛ وبريطانياء 
وهولندا وروسيا وفرنساء معاهدات وسعت من التواجد والنفوذ الشرعي لهذه 
الدول على الأراضي اليابانية وقلّصت من حق حكومة إدو في فرض ضراكب 
على الواردات. وضي 16717؛ تنحى آخر الشوجونات عن الحكم؛ وبدأت اليابان 
عصر تحديثها. ولم تنس أبدا المهانة التي أصابتها بفعل تلك المعاهدات غير 
المتكافئة؛ التي شكلت هدف اليابان في أن تجعل من نفسها ندا صناعيا 
وعسكريا للغرب؛ وجعلته هدضا عاجلا يمس حياة اليابانيين جميعا. 

ومن السهل أن نسيء فهم دور الغرب في كل ذلك. كانت سفن بيري مجرد 
عامل مساعد. بل يمكن أن يقال إن ذلك العامل لم يكن بثاء. ضفي اللحظة 
التي وصلت فيها هذه السفن كانت الوسائط الأساسية للتغيير الهائل المرتقب 
موجودة كلها في الداخلء بل إن حظوظ اليابان كان يمكن أن تكون أفضل بغير 
بيري؛ لأن اليابان كان يمكن أن تكون أقل عجلة شي النهوض بالمهمات المرتقبة, 
ولكانت قد قامت بكثير من منجزاتها على نحو أكثر تأنيًاء متجنبة بذلك 
النتائج المأساوية الكامنة في المستقبل. 1 

بدأ عصر الميجيء الذي سمي باسم حكم العاهل الياباني؛ بإحياء سيادة 
الإمبراطور: بعد سبعة قرون من حكم الشوجون: ومن قبلهم حكم الأوصياء 
على العرش. صحيح أنهم كانوا يمارسون السلطة باسم الإمبراطور؛ ولكن 





التاريخ المخباً 


حتى العام 148317 كان العرش قد أصبح غائبا عن الحياة العامة: ولم تكن 
سلطته المبهمة إلا أسطورة. ومع الإحياء. خرج الإمبراطور فجأة من الظلال 
الواهنة وعاد تيحتل مكانه في واسطة المسرح. وهكذاء في قلب كل خطوة إلى 
الأمام توجد ردة إلى الوراء: فالإمبراطور الذي كان مقدرا أن يصبح ملكا 
عصرياء كان أيضا ملكا إلها ‏ من النوع الذي لم يشهده الزمان منذ القدم. 

كانت الأحداث التي أفضت إلى الإحياء الإمبراطوري شديدة الغرابة. ففي 
15 حيدث امناحة السياضية تشاكابين القوى السائلاة الشوجون والقن 
ألتي تدعم العرش؛ واضطرمت نيران الشوضينية المعادية للأجانب؛ والتي كان 
البيروقراطيون يغذونها لمدة طويلة. وتسبب ضعف المحاصيل والنمط الجديد 
للتجارة الخارجية (استيراد السلع المصنعة؛ وتصدير الذهب والفضة)؛ تسببا في 
انهيار الاقتصاد . وكان القلق الشعبي قد وصل إلى الذروةء حيث تواترت كل شهر 
معدلات انتفاضات الريف إلى أكثر من مائة مرةء واضطرابات المدن عدة مرات, 
وتخلل كل هذا فيض من تدر قاكمة على الخراقات الشتائيةء . وفي ذلك العام مر 
بالسماء مذنب اعتبره الناس علامة على تفيّر وشيك لا يعرف مداه. 

في أوائل العام 1/5117 » سار كل شيء بهدوء غريبء؛ توقفت الاضطرابات 
الأهلية تقريباء ولكن لم تلبث اليابان: في الخريفء أن انفجرت في حالة من 
المرج والانتشاء: : مزيج من هياج الشوارع والهيستيريا الدينية: واحتساء 
الساكيء والرقص المفوي المعريدء وازدانت البيوت بكعك الأرز والزهور 
وأشغال القش الزاهية الألوان: وامتلأت الشوارع بأصوات ورئين الأجراس 
والنواقيس والطبول والصفافير والمزامير؛ يرقص على إيقاعها الراقصات 
والراقصون؛ الصغار والكبارء وأقدم السوقة والسكارى على انتهاك حرمة 
بيوت المتيسرين والأثرياء دون أن يخلعوا أحذيتهم؛ وترددت الأهازيج الشعبية 
تتغنى بلذائن الطعام والساكي والجنس؛ وكنت ترى الناس يخلعون على الغرباء 
ثيابهم ويبعثرون ضي الطرقات نقودا. اجتاحت هذه النوبة الجنونية البلاد من 
إدو إلى هيروشيما بعد أن بدأت آلاف من التمائم والرقى الورقية المرسوم 
عليها صور الآلهة البوذية والشنتوية تسقط من السماء. 

لم يفسر أي من المؤرخين كيف أمطرت السماء تمائم؛ لكن التمائم لم تكن 
الملمح الوحيد الغريب لهذا الفاصل المسرحي الجماعي المدهشء فارتداء 
الملايس الغريبة وتداولها كان منتشرا. وعلى الرغم من كل الغضب المكبوت 





اليابان: رؤية جديدة 


الذي خلفه عصر إدو المتأخرء لم تحدث أعمال عنف. وسجل أحد 
الديبلوماسيين البريطانيين في أوزاكا ملاحظاته عن غياب أي مظهر من 
مظاهر الخوف والخصومة والعداء. كان المحتفلون يرددون الترنيمة المرتلة 
نفسها: إي جا ناي كا 168 281 3[ ١256‏ وهو تعبير ذو دلالة مراوغة وله ترجمات 
كثيرة لا تؤدي المعنى بالضبطء وأقرب معنى حرفي له هو: «كل شيء تمام!» أو 
«لم لا؟ الدنيا حلوة»؛ وقد وصفه أحد الباحثين أخيرا على أنه تعبير وسط بين 
«هيا هيا... أحبها»؛ «اللعنة!» وبين: «بَطّل كلام فارغل» 

ويبدو غريبا إذ أخذنا في الاعتبار الصورة التي لدينا عن اليابانيين؛ أن تكون 
هذه الترنيمة هي صوت ميلاد اليابان الحديثة. استمر ذلك الهياج الاحتفالي 
الغنائي حتى ربيع 1874. وفي غمرة النغمات المتتافرةلهذ|الكرنفال المفعم 
بالإيحاءات الجنسية: وجدت عشيرتان من عشائر الساموراي ال موالية للإمبراطور 
فرصتهما الفريدة؛ والعشيرتان هما الساتسوما والتشوشوء ففي أثناء الفترة 
الفاصلة بين خريف 1817 وربيع العام الجديدء تمكنت العشيرتان من تنحية 
الشوجون ودفع عربة الإمبراطور وتقديمه كحاكم جديد ليابان جديدة. 

كانت إي جا ناي كا! هي اللازمة المصاحبة لكل صياح وهتاف؛ كانت 
بمنزلة إعلان صريح بالانطلاق إلى التحرر؛ بمنزلة إطلاق الجني من قمقم 
الرغبة المكبوتة؛ وهذا وحده سوف يعطي هذه الترنيمة مكانا في تاريخ اليابان 
المخبا. ولكن ثمة ما هو أكثرء فما المعنى الذي نستخلصه من ارتداء أناس 
بسطاء الملابس الغريبة: أو بانتهاك حرمة منازل الأغنياء بأحذيتهم القذرة؛ أو 
أن يبعثرواء في فقرهم المدقعء التقود في الشوارع؟ لا يمكننا أن نقتنع بفكرة 
أن فردا من العامة يشارك فَنٍ احتفالية بلذائذ الجنس والنهم إلى الطعام ضي 
عصر إدو المتأخر. لم يكن ليرى إلا مزيدا من الخمر ورفقة بلا ضوابط. 
الأحرى أن ترنيمة إي جا ناي كا كانت صرخة صاعدة إلى السماء؛ رافضة 
لنظام الحكم القسائكم. وكأن أبصار الناس تمكنت من اختراق سقف بيت 
توكوجاوا الكبير لترى عددا هائلا من البدائلء تعد بها السماوات المفتوحة ضي 
الأعالي؛ وذوق كل هذاء كانت من تجليات إشهار تحقيق الروح الفردية. 

كانت الشهور الأخيرة لعصر إدو واعدة وموحية بالنهاية. وعندما جاءت 
النهاية كانت عبارة إي جا ناي كا قد اتخذت مضمونا سياسيا واضحاء حيث 
أصبحت تعمبيرا أوليا آخر عن التمرد؛ مثلها مثل الاحتجاجات المتواصلة التي 





التاريخ المخياً 


شهدها عصر إدو. وفي الإيحاءات الجنسية الواضحة المتضمنة مفتاح لفهم هذه 
اللحظة: كلحظة تحقق غير موجه للذات الفردية: وتعبير عن رغبة يفتقر إلى لغة: 
لكن عدم وجود شكل محدد لهذا التمرد لا يخفي تركيبه السيكولوجي المعقد. 
وبالتأملء يمكننا أن نتساءل إن كانت صرخات هذا النداء هي براعم نوع من 
التنوير الياباني المشوه في حالة استعداد للإزهار دون أن تجد الترية الملاكمة؛ بل 
أكثر من ذلك: هي بالتأكيد تكشف أن صراع الفردية ضد شبكة الاحتواء كان 
جزءا من اليابان الحديثة منذ لحظة ظهورها إلى الوجود. 

كان الإمبراطور الذي استعاد سلطاته في 1818 شابا في السادسة عشرة 
من عمره:؛ ذكياء وسيماء يسمى موتسوهيتو مأنطنا5] 1 . وحتى قبل أن ينتقل 
في موكبه الأخاذ من كيوتو إلى العاصمة التي أصبح اسمها طوكيو؛ أصدر 
نوعا من المدخل الدستوري سمي بِقّسَّم الميثاق» كان بمنزلة عهد قطعه على 
نفسه لأسلافه: ومن بين بنوده الخمسة: ينص البند الثالث على الآتي: 

يجب أن يتحقق للناس العاديين: على نحو لا يقل عن المسؤولين في السلك العسكري والمدني؛ 
كل ما يتطلعون إليه من آمال؛ لتطمئن قلوبهم ويهدا بالهم. 

ولا يمكن لأي عدد من قواد البحرية الملتحين: أو المعاهدات المفروضة من 
الخارج أن تعدل مثل هذا الوعد الرائع» فأن يحقق المرء تطلعاته ‏ أو حتى أن 
يعرف كيف يتمناها ‏ كانت فكرة ثورية آسرة: غير أن قسم الميثاق يمكن تفسيره 
بسهولة؛ لقد صدر في غمرة الفوضى والخلط والوعود في الفترة الزمنية 
الفاصلة التي ترددت فيها صيحة: إِي جا ناي كا. كان القسم يهدف إلى تهدئة 
المنفعلين والمتشككين والمندفعين؛ ولتحقيق ذلك اختار الإمبراطور ورجاله أن 
يعترفوا برغبة الشعب في تغيير عميق وأساسي تماما. وفي عبارة واحدة؛ أعلن 
الومبراطور الشاب نهاية فترة طويلة من العبودية الممرضة. كان يتعين إزالة كل 
الفواصل التي تفرق بين المسؤولين الرسميين والناس العاديين بين المراتب العليا 
والمراتب الدنياء كما كان يتعين تحويل المجتمع من حالة الثبات إلى حالة من 
الحراك وأن يتحول أعضاؤه إلى أغراد ساعين لتحقيق الذات. وعندما ترك 
موتسوهيتو كيوتو متجها إلى طوكيو؛ على امتداد ثلاثمائة ميلءانكفاً العامة على 
وجوههم في الأرض على جانبي الطريق؛ ربما كان موتسوهيتو ملكا إلهاء ولكن 
يجب أن نفهم هذا المشهد على الوجه الصحيح: لقد كان أيضا هو الإنسان البشر 
الذي طرد الشوجونات المرعبين من حياة اليابانيين جميعا. 


اليابان: رؤية جديدة 


لكن المجتمع الذي وعد يه الإمبراطور لم يتحقق قط؛ لقد حرر عصر 
الميجي اليابانيين من طائفية النظام الإقطاعي؛ وكان يمكن أن يشرعوا في 
تحقيق تطلعاتهم الفردية؛ لكن العصر الحديث لم يعطهم الحرية الفردية 
لتحقيق هذه الآمال. وتيين أن الميسجي لم يكن إلا انتقالا من الشمولية 
الإقطاعية إلى شمولية القرن التاسع عشر. ظلت اليابان مجتمعا جمعياء 
مغلقا وليس مفتوحاء استثنائيا وليس عالمياء مجتمعا من الأضراد الذين لم 
يتمكنوا من تنمية أي قيم طردية. وقد صنع هذا التناقض من اليابان الحديثة 
ماهي عليه اليوم : أرض الأحلام العظيمة غير القابلة للتحقيق؛ أرض 
المنافسات القاسية: والإحباطات التي تكاد تكون شاملة. ومهما تصورنا مدى 
عصرية اليابانيين: فإن المجتمع الموعود في قسم الميثاق هو المجتمع الذي لا 
يزالون يناضلون للوصول إليهء وهو المجتمع الذي يريدون إصلاح ما ارتكب في 
شأنه من خيانة. 

بدأت؛ بعد انتقال الإمبراطور إلى قصر الشوجون. فترة استكشاف 
لليبرالية؛ فقد عاشت اليابان حوالى ستة أعوام في حالة من السعادة: وإن 
بغير اتساق وتماسك. تفتحت مائة زهرة؛ وحلت حركة طوارة محل السبات 
العميق تلعصر إدوء (تماما كما سيحدث بعد هزيمة الدكتاتورية في 1540). لم 
يكن ثمة طريق محدد للأمام؛ فمن بين أعمال غربية أخرى. قرأ المثقفون 
كتاب العقد الاجتماهي لجان جاك رسو أنقتاط00) 500121 ,للنتةقنامكل 
وكتاب عن الحرية لجون ستيورات ميل /1ءطغ.آ 08 ,14111 بمجرد أن أسرعوا 
بترجمتها. ولكن القيادة المتمثلة في عشيرتي ساتسوما 108نا8015 وتشوشو 
0 . والتي عرفت اختصارا باسم سات تشو 00ه-51: لم تلبث أن 
تراجعت إلى المواقع المحافظة (كما سيحدث تماما في أواخر الأريعينيات). 
لتنصب من نفسها حكومة أقلية أوليجاركية/* متحصنة ومتخندقة؛ مناهضة 
للديموقراطيةء هي جديرة بأن تكون وريثا للشوجانات. 

ولكن ماذا عن تلك المثالية المبكرة؛ مم كانت تتكون: وماذا انتهت إلى الفشل؟ 
إن أفضل إجابة عن هذا السؤال نجدها عند الرائد المعلم يوكيشي طوكوزاواء هذا 
الذي نرى صورته على ورفة النقد فئّة العشرة آلاف ين. كان فوكوزاوا واحدا من 





00 الأوليجاركية هي «حكم تهيمن عليه جماعة صغيرة همها الاستقلال وتحقيق المنافع الذاتية (عن 
«المورد م (المترجم). 








التاريخ المخباً 


أهم أنصار الليبرالية وبعد ذلك أصبح ناقدا حاد النبرة للأقلية الحاكمة 
(الأوليجاركية)لعصر الميجي. وفي ١4171‏ جمع مجموعة من الكتيّبات التي 
استفرقت سنوات ع.دة من الجهد تحت عنوان : تشجيعا للتعليم قط 
8ستصتوع.آ 02 امعتطع138نا0ع80؛ ووزع الكتاب: الصادر باليابانية المبسطة؛ أكثر 
من ثلاثة ملايين نسخة؛ وضي هذا الكتاب: اخترع فوكوزاوا فكرة الفردية بذاتها 
لليابائيين. والمصطلح الذي نحته لذلك هو دوكوريتسو 1150ناك[00 (روح 
الاستقلال). وقد أصبحت الكلمة الجديد كالكتاب؛ محبوبة لبساطتهاء غير أنه 
ينبغي أن نتأمل بدقة ما كان يعنيه فوكوزاواء لأنه مفتاح لفهم روح ذلك العصر: 

عندما يفتقر شعب إلى روح الاستقلال الفردي؛ فإن الحصول على الحق المناظر؛ حق الاستقلال 
الوطني؛ يكون مستحيلا. 

إن الأشخاص الذين يفتقرون إلى روح الاستقلال الفردي لن يكون لديهم اهتمام 
حقيقي ببلدهم. 

لابد أن تمتلئ اليابان بروح الاستقلال إذا أردنا أن ندافع عنها ضد التهديدات الخارجية. 

في هذه الفقرات؛: يحدد فوكوزاوا الفشل الفكري لأول اندفاعة يابانية في 
عالم الليبرالية: حيث ذهب إلى أن تنمية الفرد المستقل ليست إلا وسيلة 
وذريعة لتحقيق هدف أكبر عوضا عن أن يكون هدفا في ذاته؛ بل إنه أسمى 
الأهداف حميعا. 

ويُعتبر فوكوزاوا اليوم من أعظم فلاسفة التنوير في اليابان الحديثة. 
وما يزال الليبراليون يمجدونه لمعارضته الرجعية التي أعقبت المرحلة 
الواعدة. ويضع بنك اليابان صورته على أوراقه ا مالية لأنها تضفي مظهرا 
ليبراليا على بواكير تاريخ اليابان الحديث. وكان لفوكوزاوا شي أيامه العديد 
من الأعداء المحافظين؛ الذين كانوا أكثر اهتماما بالفضائل الكونفوشية 
منهم «بروح الاستقلال». ولكن؛ ما حقيقة هذا الصدام الفكري الهائل؟ 
المنهج؛ ولا شيء غيره. أراد أعداء فوكوزاوا دولة قوية قادرة على مقاومة 
الأجانب وإعادة التفاوض بشأن المعاهدات غير المتكافتة. وبالنسبة لهم؛ لم 
يكن طريق التقدم يكمن في أي فكرة عن الفردية؛ وإنما في 
مواصلة تبجيل نظام التراتب الهرمي القائم. كان فوكوزاوا يشاركهم 
الهدف ‏ الذي لم يغب عن ناظريه قط ولم يكن يختلف عنهم إلا حول 
الاستفادة من الماضي. 





اليابان: رؤية جديدة 


وبالهزيمة التي حاقت حتى بالحرية الناقصة التي اخترعها فوكوزاواء 
أصبحت يابان الميجي مرجل سخط واستياء. والحقيقة أن اليابان الجديدة لم 
تكن أكثر هدوءا من يابان الشوجونات القدامى؛ تجمعت الكتل والجماهير 
فجأة بمثل ما تتجمع عواصف الصيف. وأصبحت الاحتجاجات الشعبية 
وأعمال الشغب وحركات المقاومة من سمات الحياة اليومية. ومن الساموراي 
. الذين جردوا من مكانتهم؛ ومن المثقفين؛ وملاك المصائع المؤقتين؛ وملاك 
الأراضي؛ والريفيين الطامحين من كل صنفء تشكلت جماعة فضفاضة 
واسعة باتساع الأمة كلها للمطالبة بالحقوق الشعبية؛ وهي فكرة أجنبية 
تطلبت إبداع مصطلح جديد: هو كثري 31اععاء كان هؤلاء أول مسياسيين 
عرفتهم اليابان. وهم الذين قدموا أيضا فكرة مينشو ‏ شوجي 
أؤناناه-ناأ105؛ والتي تعني «سيادة الشعب»»؛ أي الديموقراطية. 
وفي :1841١‏ أجبرث الاضطرابات الأهلية حكومة السات ‏ تشو على أن 
تعد اليابانيين بدستور وجمعية وطنية, وتحقق هذا في 1885 و 185١‏ على 
التوالي. وحينذاك. كانت قد تشكلت أحزاب سياسية ومجلس وزراء؛ وكذلك 
مجلس نبلاء غير منتخبء مشكل وفقا للنموذج القائم في المانيا الإمبراطورية 
(مثله في ذلك مثل الدستور). وأجريت الانتخابات الأولى: ولكن الأوليجاركية 
الحاكمة التي كانت قد وعدت بمؤسسات حكومة عصرية؛ اتخنت الإجراءات 
التي تضمن تجريدها من أي مضمون عصري. خول الدستور السلطات العليا 
للامبراطور: الذي حكمت الأوليجاركية باسمه؛ ودعي للاجتماع مجلس 
الدايت (الهيئة التشريعية): الذي لم يشترك في انتخابه إلا ما يزيد قليلا على 
واحد بالمائة من السكان: ولم يكن له على أي حال سوى دور استشاري. وادعى 
مجلس الوزراء لنفسه «وضعية عليا». أي وضعية تتجاوز الاعتبارات السياسية 
والمصالح الحزيية. وهكذا تم استيراد حكومة عصرية؛ وأعيد تركيبها 
وتشغيلها كما لو كانت آلة جديدة أخرى. 
وعند نهاية القرن التاسع عشرء كانت اليابان قد أصبحت على الحال التي 
ستبقى عليها حتى 1540: دولة أيديولوجية:ء أمة يدرك أغراد شعبها أنهم 
مجرد أعضاء في جماعة أكبر. وفي قلب الأيديولوجية اليابانية: بالطبع؛ كانت 
عبادة الإمبراطورء فالإمبراطور هو رأس «العائلة ‏ الدولة»؛ (كازوكو كوكًا 
العاعا0»! تاعامننءا). وكانت العائلة ‏ الدولة فريدة من نوعها في العالم لأنها 





التاريخ المخباً 


تمتلك قيمة تفوق الوصف تسمى كوكوتاي 1181ك1م!؛ «الروح القومية». ولكونها 
عائلة - نولة؛ ولأن لديها إمبراطورا هو سليل الآلهة: ولأن لديها هذا الشيء 
الفريد اك بالروح القومية؛ فإن كل ذلك جعل اليابانيين شعبا مختارا. 
ونُشرت هذه الأفكار بألف طريقة مختلفة. ويدلا من تشجيع الفكر النقدي: 
وتزكية الفرد كعنصر فاعل في تشكيل المجتمع؛ عمد الأيديولوجيون إلى 
تشجيع سلوكيات الفعل المنعكس الشرطيء حيث الفرد مجرد شيء يتعامل به 
المجتمع. وهكذا لم يحصل اليابانيون إلا على الأيديولوجية؛ عوضا عن 
الديموقراطية والاستقلالية. 

كان المطبخ الأيديولوجي لليابان حاضلا بالتلفيق» غير أن النخبة اليابانية 
لم تكن متفردة في اختراع التقاليد: فقد كانت ألمانيا الجديدة في عهد 
بسمارك تفعل الشيء نفسه. فالأمتان كانتا باحتياج إلى الشرعية؛ باحتياج 
إلى أداة تجعل الناس يشعرون بأنهم «ألمان» هناء أو «ياباتيون» هناك. وإذ 
كان قادة اليابانيين أنفسهم من الساموراي السابقين؛ فقد لجأوا إلى 
ماضيهم لخلق اليابانيين الجدد . فلتكن اليابان أمة من المحاربين النبلاء؛ 
الجميع ضفي خدمة الإمبراطور: وفقا للمفهوم القديم نفسه المميز للولاء: 
وكل أشكال التشدد العتيد . وغالبا ما تفتقد هذه السمة من سمات العصر 
الحديث؛ وإن تكن جوهرية: فبينما كانت اليابان مشغولة بالتغريب» فقد 
كانت مشغولة أيضا بتاكيد «ساموريتهاء. وقد قام هيرويومي إيتو 
0غ] أصنباطه111؛ أول من تولى منصب رئيس الوزراء؛. وهو ساموراي سابق 
بدأ يحمل سيفه في سن الثالثة عشرة: في الوقت الذي وصلت فيه سفن 
الكومودور بيريء قام بشرح هذه النقطة لزملائه في ثمانينيات القرن 
التاسع عشر قائلا: 

إن المهمة الرئيسية التي تواجهنا اليوم هي أن نغرس في أذهان الأهالي كلهم روح الولاء والتفاني 
والبطولة؛ التي كانت في السابق ترتبط بطبقة الساموراي؛ وأن نجعل هذه القيم قيمهم. وهكذا يجب 
أن نعلم الناس العاديين أن يعملوا ويدرسوا باجتهاد من أجل أحيائهم وقراهم؛ وألا يترددوا أبدا في 
امورقد تؤدي إلى تدمير عائلاتهم؛ وفوق ذلك لابد أن ينمُوا شخصية مطيعة وسلمية؛ وان يحترموا 
القانون» ويظهروا تفهما لقيمنا الأخلاقية النبيلة: والمشاعر القومية الرفيعة. 

إن أمة من الساموراي سوف تكون شيئا مختلفا تماما عن اليابان التي كانت 
في السابق» ستكون مكانا للصراع بين العظيم والضثيلء بين الخاصة والعامة؛ 


اليابان: رؤية جديدة 


ولن تكون هناك أي ديموقراطية؛ ولكن لن يكون هناك توتر أيضاء وسوف يفكر 
كل امرئ شي نفسهء مهما كانت ظروظه متواضعة؛ كجزء من الموروثات العظيمة. 
وستصبح قواعد سلوك الساموراي العتيدة هي العادات الجميلة. في 15017 قبل 
انتهاء عصر الميجي بخمس سنوات؛ قام أحد البيروقراطيين. وكان يتميز بروح 
أبوية حميدة: هي من صفات رعايا الإمبراطور المخلصين؛ قام بشرح كيف 
يفترض أن تسري العادات الجميلة. وفي ذلك الوقت كانت الصناعات الحديثة 
في البلاد تعج بالاضطرابات والعنف: 
إن العادات الغديمة الجميلة الموجودة في اليابان تتطابق ومفاهيم المحبة والاحترام المثبادلين 
بين صباحب العمل والمستخدمين. وليست العلاقة بين السيد والخادم من البقايا البغيضة التي 
خلفها الإقطاع؛ وإثما هي منحة من الإقطاع لنا. الن تكون هذه العادات الجميلة: الا وهي رحمة 
الخاصة بالعامة؛ واحترام العامة للخاصة,مفيدة جدا في خلق علاقات التوافق والانسجام بين العمل 
وراس المال؟ 
وبعد عقود عدة:؛ شبه الرائد المعلم ماساو ماروياما الأيديولوجية بأنها: 
«شبكة غير منظورة: متعددة الطبقات؛ ملقاة على الشعب الياباني». ووصفها 
مفكر آآخر بعد الحرب بأنها: صندوق أسود ضخم؛ يسير اليابانيون في جوفه 
وهم لا يعلمون. «لماذا حدث ذلك؟ لماذا سهل قياد اليابانيين إلى الخوف من 
الأجانب وكراهيتهم: وإلى الروح الوطنية المتطرفة؛ والحرب؟ إن الإجابة عن 
هذا السؤال سوف تساعدنا على فهم الكثير عن هوية اليابانيين حينذاك 
واليوم؛ وغدا. 
كانت المر.حلة الأيديولوجية وجها مأساويا لماضي اليابان وإن يكن ليس 
من الضعب فهمها. عندما بدات اليايان تتبن التوجه العصري: لم يكن 
لدى الياباني العادي أي فكرة عن معنى أن يكون جزءا من أمة عصرية؛ فلم 
يكن يعرف عن الأمم إلا ماكانت الأوليجاركية الحاكمة تلقنه له بإصرار 
صارخ. وكان التجنيد الإجباري من بين أهم الأساليب التي لُفنوهاء حيث 
أصبح مؤسسة حيوية موظفة لتكريس الروح القومية. وماكان اليابانيون 
ليعرهواج ايها معي التروية حيى كان اكثرهم لببرالية يريط قكره 
الفردية بالأمة ‏ الدولة. ومن أخطاء فوكوزاوا أنه قال قولته المشهورة: «أن 
تكون فرداء يعني أن تكون فردا يابانيا», وهي المقولة التي كررها الناس 
بعده كثيرا . هذا ضفي الوقت الذي كانت فيه ضكرة أن يكون الفرد ديابانيا», 


التاريخ المخباً 


مساهما في تكوين أمة عصرية؛ فكرة شديدة الجاذبية بالنسبة لقوم كانوا 
حتى وقت قريب جدا مجرد عبيد بلا ألقاب. 

غير أن ذلك لم يستطع: بالطبع؛ أن يحل مشكلة الشخصية العامة التي كانت 
واضحة بشدة في وقت الإحياء الإمبراطوري. فماذا صار إليه كل هؤلاء الأفراد 
الذين ارتفعت أصواتهم حينذاك؟ ومهما كان النظام الإمبراطوري قادرا على 
احتواء كل شيء: فإننا نخطئ إذا اعتبرنا اليابانيين جميعاء إلى آخر غرد فيهم: 
أصبحوا تابعين متفانين للأيديولوجية الإمبراطورية؛ لأننا بذلك ننكر عليهم أي 
قدر من تهددية التكوين النفسي والاجتماعي للبشر. فالحقيقة أنه بدأت لعبة 
خداع بين المثل العليا المعلنة للميجي من جانب؛ وحقائق الحياة العصرية من 
جانب آخر؛ وهي لعبة كان أبطالها الأفراد المتخفين حول الأقنعة الجمعية العامة 
فعلى الصعيد العام كان الفرد في اليابان الجديدة يكافح من أجل الإمبراطور 
والدولة؛ وعلى الصعيد الشخصي. كان يكافح من أجل نفسه. 

لم يتمكن إلا عدد قليل من اليابانيين من حل التناقض الذي صادفهم 
بسبب تلك الحالة من التحديث المبتسر لعصر الميجي. ومسألة (أن تكون 
يابانيا)» فضلا عن أن تكون شخصية متفردة: كادت تكون معضلة ميئوسا من 
فهمها. ولا عجب أن تزايد عدد المتهوسين الأيديولوجيين الشاكين من تفشي 
روح الأنانية: لأن لعبة الخداع كانت منتشرة جداء ولا عجب أيضا في أن 
سوسكي ناتسومي تداس أعاعنه5: أحزنه المشهد العام حزنا شديدا. 
(وناتسومي هو الرواكي العظيم للفترة العصرية المبكرة: وهو كاتب عظيم بكل 
مقياس في أي عصر وفي أي أمة). والارتباك المتفشي بين اليابانيين اليوم 
تمتد جذوره إلى ذلك الزمان. 

عاش سوسكي حياة مضطربة؛ وكثيرا ما وصلت معاناته إلى حافة الانهيار 
الوجداني؛ وسافر في العام 16٠١‏ إلى إنجلتراء حيث بذل جهدا كبيرا لمعرفة 
كل ما يستطيعه عن الغربيين وآدابهم: ثم توصل إلى الاكتشاف الذي سيحكم 
حياته كلها فيما بعد: إن الدرس العميق الذي يتعين على اليابانيين أن يتعلموه 
هو ألا يحاولوا أن يكونوا مثل الآخرين؛ وإنما أن يكونوا أنفسهم: وأن يعيشوا 
فرديتهم الأصيلة الخاصة بهم. وكرس سوسكي حياته ككاتب محاولا أن ينقل 
هذه الحقيقة البسيطة؛ لكن العبء ظل دائما ثقيلا على كاهله. كانت القضية 
نعمته ونقمتهء لأن الذين فهموه كانوا أقل القليل. 





اليابان: رؤية جديدة 


في 4 : بعد انتهاء عصر الميجي ودخول اليابان عصر تايشو ملاقنهة1' 
يعامين: ألقى سوسكي محاضرة بعنوان «قرديتي مكتتلهس1«0110 343» على 
مجموعة من الطلبة اليابانيين. ومن المؤكد أنه كان حذرا في ملاحظاته؛ لأن 
الفردية حينذاك كانت تحتل مكانا متقدما كخطر أيديولوجي على الدولة؛ لكن 
رسالته أصبحت واضحة بما يكفي في أيامنا هذه وهي أن على المرء أن 
يرفضص عملة الميجي المزيفة بكل تجلياتها «.ومن أقوالة لجمهوره من الشباب: 
«أنت في سلام مع نفسك عندما تعود طرديتك التي ولدت بها إلى صاحبها» 
كما يقول في موضع آخر: 

«إنني إذ احثكم على إنجاز ما أدعوكم إليه؛ فليس لأن ذلك من أجل الوطن؛ ولا حتى من اجل 
عائلاتكم: وإنما /أنه ضروري تماما لسعادتكم الشخصيق. 

وضي موضع ثالث: 

«حرية الفرد لا غنى عنها لتنمية الفردية التي تحدثت عنها من قبل». 

وأخيرا: 

«كما أفهمهاء فإن الفردية تدعو إلى احترام وجود الآخرين؛ بمثل ما يحترم الفرد وجوده 
نفسه... وبتعبير أبسطا, الفردية هي فلسفة تستبدل الشللية بقيم قائمة ملى الوعي الشخصي 
بالصواب والخطأ. وروح التفرد لا تجعل الفرد يركض دائما مع الجمع؛ مشكاذ شلاذ (او عصابات) 
تضرب فيما حولها ضريا أعمى؛ من أجل النفوذ والسلطة:؛ ولهذا فإنه يكمن في اعماق معثئق هذه 
الفلسفة شعور بالوحدة لا يعرفه الآخرون. وحين نرفض شللنا الصغيرة: أنطلق في طريقي 
ببساطة وأترك للآخر أن ينطلق أيضاء دون كوابح. أحيانا لا يمكنئا تجنب أن نصيح مبعشرين» 
وذلك هو معنى الشعور بالوحدة». 

فهم سوسكي أن الوحدة ليست فقط من سمات الفردية الأصيلة: 
ولكنها أيضا من سمات الشخص الذي تعزله بصيرته الداخلية. وعلى حد 
قولهء لم يعرف إلا قليل من اليابانيين «الفارق المميز بين النفس والآخرين», 
فلم يتقبل اليابانيون أن تفضي الفردية في النهاية إلى رض الجماعة ونبن 
أقنعة التمائل. 

تن تن تنا 

كانت اليابان في زمن سوسكيء وفيما أعقب ذلك؛ مكانا غير مستقرء 
فالثورة الروسية والاضطرابات الداخلية أثارت تحديات كثيرة للأوضاع 
القائمة التي أشرنا إليها. وفي 21518 نادت جماعة عرفت باسم «اتحاد 





التاريخ المخياً 


الرجال الجدد»»: بآن تحدث «إعادة بناء عقلاني لليابان المعاصرة». وشهدت 
العشرينيات فترة من الحكم الحزييء وهو ما يرقى إلى مستوى المواجهة 
المباشرة للأوليجاركية الحاكمة العتيدة. وحيتذاك انتقل اليابانيون من 
التركيز على المؤسسات إلى التركيز على النواحي النفسية: ذلك أنهم بدأوا 
في مناقشة الذات الاستقلالية (شوتاي ‏ ساي) في العشرينيات. لكن 
عصر «ديموقراطية تايشو» كما يسمونهء كان قصير العمرء فقد 
كانت البنية الاجتماعية والسياسية لا تقوى على دعم وتحمل كل الأفكار 
الجديدة ‏ والتي لم تكن في التحليل النهائي إلا أفكارا مستوردة. 
وبينما كان رد فعل المثقفين هو رفض المنابع الأجنبية للأشياء 
التس ألهمتهم. شرع الديموقراطيون في التحول إلى وطنيين 
واشتراكيين وطنيين!*). 

وسرعان ما جاءت الثلاثينيات» حين استولى المسكريون على السلطة في 
اليابان» وأطفأوا الأنوار وأنهواء من بين أشياء أخرىء التوجهات الديموقراطية 
والكلام عن الذات الاستقلالية, وما إلى ذلك. وكان يتحتم أن ينتظر كل هذا 
حتى نهاية الحرب القادمة: «الحرب الشاملة» ضد الغرب. 

»اي 

ذات يوم في ديسمبر 1950.: كان أحد الصحاظفيين الأمريكيين: ويدعى 
مارك جاين دل 1802116 يتجول في حي شيمباشي 511055 جنوبي 
محطة طوكيو ومنطقة جينزا 01028). وكان شيمباشي» كشأنه حتى الآن: حيًا 
محموما يمور بالنشاط؛ مخصصا للمشروعات التجارية والصناعية الصغيرة: 
وإن كانت الحرب لم تكن قد خلفت ‏ حينذاك ‏ إلا سوقا سوداء صاخبة. 
سجل جاين ملاحظاته عن الرحلة في كتابه يوميات عن اليايان 0م13 
لاقة1. ومن بين ما جاء فيها أن: «سائقي الترام يجدون صعوبة في منع 
الناس من التدخين: على الرغم من لافتات «ممنوع التدخين». ضفقد كان 
المدخنون يقولون: «أليست عندنا ديموقراطية؟» 

وفي ذلك أحسن تعبير عن التشويش والخلط اللذين كانا في انتظار 
الأمريكيين. فقد كان السؤال المطروح هو: ما هذا الشيء الوارد من الخارج 
(*) يلمح الكاتب هنا إلى الحزب الاشتراكي الوطني الألماني يما بين الحربين العا ميتين, وهو الحزب 
النازي الهتلري نفسه (المترجم). 








اليابان: رؤية جديدة 


انُسمّى (حينذاك) «ديموكراشيي»؟ أليس هو الذي يطوي صفحة الماضي 
ليحقق ‏ أخيرا ما وعدتنا به ثم أخلّت بوعدها السلطة الإمبراطورية 
الُستعادة؟ غير أن وعد الاحتلال ثم يأت هذه المرة إلا كشيء مستورد وغير 
مفهوم أيضاء ضما هذا الشيء بالضبط؟ الحكاية أن الديموق راطية تتطلب 
وجود مؤسسات قادرة على تحقيق التوازن بين القوى السياسية المتصارعة؛ 
ولكن اليابان لم تكن تتوافر على مثل هذه المؤسسات. كانت الأوليجاركية 
الحاكمة لعصر الميجي قد أعطت اليابانيين دستورا وبرلماناء ولكن لم يكن هذا 
ولا ذاك؛ ديموقراطيا. وانتهت محاولة اليابان الوحيدة لتحقيق الديموقراطية 
في العشرينيات: بتولي العسكريين شؤون الحكم والسلطة؛ فعلى مدى قرون 
عدة ظل التنوع مقموعا ومصادراء ومخفيا وراء الأقنعة. 

ألم يكن الجدل الذي ثار حول شوتاي ساي الذي بدأ يوم كان الصحافي 
جاين يقوم بجولته؛ ألم يكن ذلك الجدل؛ من بعض الوجوهء شبيها بصيحات 
ال دزي جا ناي كا». التي تصاعدت حين كان حكم الشوجونات يتهاوى؟ فخلف 
الاحتياج لتحقيق الذات الفردية واستقلاليتهاء كما خلفت صيحة وترنيمة «هيا 
هيا... أحبهاء - خلف هذا وهذه تكمن الرغبة نفسها في الفكاك من إسار 
الماضي. في خلال عام واحد من الهزيمة وبدء الاحتلال ظهر إلى الوجود أكثر 
من ثلاثماكة حزب سياسيء لم يكن كثير منها ليمثل أكثر من الطموح الماضخم 
لشخص واحد؛ شخص لا يختلف عن المدخنين في عربة الترام؛ الذين تصوروا 
أن معنى الديموق راطية هو أن يأخذ كل شخص ما يريد . يمكن أن تختلف 
وجهات النظر تجاه هذه العصب المشكلة من فرد ليعتبرها البعض علامات 
حسنة: أو يعتبرها آخرون علامات رديئة: لقياس المزاج العام في أعقاب 
الحرب. ولكن يوجد بالتاكيد شيء إيجابي في هذه الظاهرة القصيرة العمر, 
فها هم اليابانيون ‏ أخيرا ‏ يجتازون الحواجزء كانوا شغوفين بالمشاركة في 
الحياة العامة حتى إن لم يكن لديهم فهم لنظام يوازن؛ ويتوسطء بين رغبات 
الفرد وبقية المجتمع. 

يميل الأمريكيون إلى الاعتقاد بأن نموذجهم هو الذي جعل اليابانيين 
يهمتمون بالديموقراطية والذات المدينية. ومن المؤكد أن دخولهم اليابان له 
علاقة بانتعاش الآمال الديموقراطية. ولكن فلنكن على حذرء فلا نخطئ 
مرة أخرى في فهم الدور الذي لعبه الجايجين (الأجنبي). فكما أن 


التاريخ المخباً 


اليابان كان يمكن أن تكون أفضل حالا لو لم تجثها سفن الكومودور بيري 
السوداء؛ فلريما صارت أفضل حالا لو.لم يجثها احتلال» على الأقل كما 
ظهر فيما بعد. حدث في 6 أن فتح الأمريكيون الأبواب مرة أخرى: 
لكنهم لم يلبثوا أن أغلقوها بفرض النهج العكسي. وأصبحت 
الديموقراطية - مرة أخرى- شيك للعرض: لأثنا جغلنا من المستحيل على 
اليابانيين أن يبنوا مجتمعا مدنيا. منحنا اليابانيين دستورا جديدا مليثا 
بالحريات الليبرالية والحقوق المدنية؛ لكننا لم نلبث أن أعدنا نخبة ما 
قبل الحرب إلى الحكم. وهم الأساتذة المجريون في اللعب بما يسمونه 
«التقاليد الجميلة». فجعلوا من اليابان ما هي عليه اليوم: نموذجا 
عصريا للمجتمع الجمعي. 

ليس هناك وصف لسنوات ما بعد الحرب قادر على تعمق صراعاتها 
الأساسية؛ء مثل رواية الرحلة 'إ1011526 116, التي كتبها جيرو أوساراجي 
أقهنة05 مأل في أواخر الخمسينيات. ولا يستخدم أوساراجي مصطلح 
شوتاي سايء لكنه كان هو موضوع روايته الحقيقي: فالشخصيات 
الرئيسية في روايته تناضل ضد كل الأعراف القديمة؛ وهم يناضلون من 
أجل أن يتخذوا قراراتهم بذاتهم: وأن يعتمدوا على أنفسهم» وأن يسيروا 
وراء أفكارهم ومشاعرهم الخاصة. هؤلاء هم أبطال اليابان» هكذا يخبرنا 
البروفيسور العجوز الذي يتحدث الروائي من خلاله. وفي إحدى الفقرات 
يقتبس البروفيسور عبارة مأخوذة عن أحد أساتذة طقوس حفلات الشاي 
التقليدية. حيث يقول: «إنني أحضكم على أن تفعلوا كل ما في هذا العالم 
من أفعال رديكئة». وي هذه الكلمات كما في «الفازات» الإغريقية الأثرية 
ثمة نوع من التقدير للعيوب التي تكون علامة على أصالة الأشياء الجميلة 
ذات القيمة - ذلك أن البروفيسور يستطرد قائلا: 

تتلخص الفكرة الجوهرية في أنه إذا كان المرء لا يستطيع أن يفعل شيئا سيئا في هذا العالم؛ 
فهولا يستطيع أيضا أن يفعل أي شيء جيد. ليس مطلويا أن يتكون البشر من المظهر الجذاب 
والأداء المتناسق فقط. يجب آلا نصبح مثل يرقات الناموس التي تُرِيى بالتوالد في الماء الفاتر تحت 
الشمس... لا نريد مثل هذا الأسلوب للتربية! لا نريد ذلك النوع من الأشخاص الذين ليس لديهم 


إلا مقررات التعليم المتمدنئة التقليدية. إن ما نحتاج إليه هو اناس مخريشون:؛ خبثاء بقدن ولكن 


شخصياتهم متفردة. 


اليابان: رؤية جديدة 


وينتهي أوساراجي بتصعيد النغمة إلى آخرهاء فالناس الذين يتكتلون معا 
داخل ثياب الأعراف الاجتماعية المتأنقة. هم متفرقون كل في طريقه: محتفين 
بما في الجنام من تعددية وتنوع. ٠.‏ غير أن رواية «الرحلة» ليست ذلك النوع من 
القصص التي 3 تقراً قبل النوم . فشخصيات الرواية الأخرى؛ وقد أغرتها مادية 
مابعد الحرب والأفكار السطحية عن المثاليات الأمريكية: تفشل في الربط 
بين الحرية والمسؤولية: وتنتهي إلى الغرق في مستنقع الكسب والإنفاق 
الفرديء. الذي استحثته طوكيو بعد مظاهرات الاحتجاج المعادية لتجديد 
اتفاقية الدفاع المشترك 41/80 العام .197٠‏ 

وضي منتصف الكتاب تقريباء نجد طالبا طموحا كان يحلم باكتشاف ما 
قرأه في المراجع العلمية عن المسار الذي اتخنته جيوش الإسكندر الأكبر في 
غزواته؛ وقد غلبته الهموم من أن تكون طموحاته قد انتهت نتهت إلى مجرد تهيؤّات 
عاجزة. يقول أوساراجي: 

ويغض النظر عن خصائص مرحلة النمو فقد كان القلق الاجتماعي لفترة ما بعد الحرب 
مسؤولا عن ظاهرة ضمور الطموح هذه. كان عصر الفردية قد جاء إلى اليابان متآخرا جدا. صحيح 
أنه كان شيئا جميلا حقا أن الأوان قد آن لإعطاء حقوق الإنسان ما تستحقه من الاعتبار والاحترام, 
لكن في الوقت نفسه الذي دخلت فيه اليابان العصر الذي كانت هذه الحقوق تعتبر فيه أساسية... 
عمد الناس إلى قمع الذات الغردية؛ وإخضاع أنفسهم لمنظومة مركزية واحدة. 

لم يكن أوساراجي نبيًا بل مجرد راكب ناهد اليصيرة؛ فعند أواخر 
الخمسينيات كانت اليابان تتحول إلى مجتمع كتَّلي؛ وتحصنت النخبة 
القديمة ضفي مواقعها مرة أخرى: جالبة معها الأذكار القديمة عن معنى أن 
يكون الشخص يابانيا. وبدأ تحت حكمهم عصرششركة اليابان المتحدة 
هآ مقطةل. 

لم يعد مصطلح شوتاي ‏ ساي (الذات المستقلة) يستخدم كثيرا فيما بعد؛ 
لكنه في الستينيات حظي بشعبية شي حركة الطلبة. وعلى عكس التراتب 
الاجتماعي الذي جدد والذي عاشت فيه جموع المتظاهرين الجامعيين فقد 
أصبحت قضيتهم هي أن يكونوا تحقيقا لذاتهم؛ وتجسيدا للصروح الفكرية 
التي بنوها في أذهائهم: أوكشي نارو تودايء 60031 تتتقد أطءناء الذات 
الداخلية لجامعة طوكيوء أوتشي نارو أوتايشيكي أكلتط5ل02هه 32850 ألاءناء 
الذات الداخلية للمرأة التقليدية. وتكاثر عدد تشكيلات الجماعات الصغيرة 





التاريخ المخياً 


في هذا الوقت؛ وانشغلت ببحث مشكلات وقضايا تبدأ من البيثة والطاقة 
النووية وصولا إلى إعادة فحص الكتب المدرسية والاستقلال السياسي المحلي. 
وكلها قضايا تعبر عن رغبة واسعة للإفلات من أسر الكوابح القديمة. وعبرت 
إحدى المناضلات عن تلك الفترة تعبيرا واضحا قائلة: «لقد أردنا أن نعيش 
دون حاجة لأن نتلفت دائما حولنا ذات اليمين أو ذات اليسار وهنا وهناك, 
وهي عادة كانت مغروسة في أعماقنا جميعا». وليس بمستغرب أن الذات 
الفردية المهتمة بالقضية العامة أصبحت بوضوح قضية سياسية. والحق أن 
الشخصية العامة كانت دائما قضية سياسية. ولم تلبث التشكيلات الجماعية 
الصغيرة أن اختفت. وسارت حركات الاحتجاج في الستينيات في المسار الذي 
أفضى بها إلى ما أفضى بأشباهها ‏ إلى طريق مغامرة راديكالية والعمل في 
الظلال. لكن المهمة أمام اليابانيين لم تتغير مقدار ذرة منذثن: وتظل هي 
مهمة خلع الأقنعة وهدم الجدران الداخلية. 1 

ذات مرة؛ أجرى العالم النفساني رويرت جاي ليفتون 187 16ءاه]1 
ما الذي أمضى سنوات كثيرة في دراسة اليابانيين» أجرى لقاء مع 
طالب تقدمت به السن في الستينيات. وكمعظم أبناء جيله؛ كان الطالب 
مشوشا للغاية حين يتأمل أمر اليابان التي يراها ويفكر في مكانه فيها. 
فقبل أن يبلغ الخامسة والعشرين: تقلب هذا الشاب بين كونه: وطنيا 
متعصباء وديموقراطيا غربي النزعة؛ ومتحمسا لفنون القتال: وطالبا محبا 
للصداقة مع أمريكاء ومسيحياء ويساريا راديكالياء ثم عاطلا متسكعا. وكانت 
هذه كلها بالنسبة للطالب بداكل متنوعة للذات: أساليب مختلفة للكينونة, إلا 
أنه فيما يبدو لم يندمج اندماجا كاملا في أي من هذه الحيوات المتتابعة. لم 
تكن بالنسبة له إلا أدواراء أو ريما على الأصح. ماركات متنوعة للحياة 
العصرية موضوعة على الرف يسهل تناولها وتجريتها. وأخيرا انساق إلى 
وظيفة مكتبية في إحدى الشركات الكبيرة. 

كشف ليفتون عن حالة متفشية بين اليابانيين المحدثين؛ حالة النزوع أو 
الميل للإغراق في الأحلام: وكانت أحلام اليابانيين بعد الحرب شبيهة 
بأحلامهم في عصر الميجيء كانت أحلاما بالهروب. كان رجال الساراري/*) 
يحلمون ببداية جديدة لحياتهم: ملكا لهم؛ ووفقا لرغباتهم. ولديهم تعبير 


(*) «المحاريون من أجل الشركة»؛ و ورد الحديث عنهم في الفصل الأول (المترجم). 





اليابان: روؤية جديدة 


عامي موجز عن ذلك: داتسو ‏ سارا 01 وتعني الهروب من حالة 
رجل الساراري؛ وكثيرا ما كان كيل مثل هذه الخطوة: وكذلك عالت 
فكرة داتسو ‏ سارا مجرد خيال أو وهم شائع. وبالطريقة نفسهاء اشتهر 
اليابانيون بولعهم بأن ترد أسماؤهم في موسوعة جينيس للأرقام القياسية 
5 أو عأ200 ذوع صن 6. فاحتفوا بالسجلات المنمقة للأبطال الذين 
حققوا الأحلام الكبيرة: متسلقي الجبال؛ الضاربين في مجاهل أفريقياء 
مستكشفي القطب الشمالي؛ والملاحين الجوابين بمفردهم في المحيطات. ومن 
بين أشهر هؤلاء رجل يدعي نعومي يومورا #الاتتاءل] 0121ة]8؛ الذي قام 
بالتزلج منفردا إلى القطب الشمالي: وعاش وحيدا في جرينلئد؛ وأبحر على 
طول تهر الأمازون وحده على طوف. ومات يومورا وحيدا في سهوب التندرا 
الجليدية في كنداء الأمر الذي ضحم هالته الأسطورية عندهم. 

ومثل هذه الاهتمامات تعبر عن رغبة ملحة بين اليابانيين لتحرير ذواتهم 
الفردية؛ ولكن هذه الأحلام: بطبيعتهاء لم تكن لتثبت إلا ما كانوا يريدون أن 
يدحضوه. كان اليابانيون ما يزالون أغرادا لا يستطيعون أن يعيشوا كأضراد. 
وكما قد يعبر الباحث ماساو ماروياماء كانت استقلالية الذات الفردية ما تزال 
أمرا خاصا. وكان اليابانيون محرومين من أن تكون لهم شخصيتهم العامة 
وما يزالون في العلن يلبسون الأقنعة؛ وينتحلون أدوارا لا مهرب لهم منها. «كان 
ملايين اليابانيين مغلقا عليهم في ملايين الصناديق المنفصلة؛ أو تفصل بينهم 
ملايين الجدران». هذا هو ما وصف به المعلم الرائد يوكيشي بوكوزاوا اليابان 
قبيل الإحياء الإمبراطوريء وكانت هي نفسها اليابان التي وجدها ماروياما 
بعد الحربء واليابان التي يجدها أي أمرئ حتى عقد مضى أو نحو ذلك. 

وحتى الآنء يعاني اليابانيون ازدواجية شديدة بالنسبة للحاجة إلى الهروب 
من شبكة الانتماء. ولكن الصراع بين الحرية والجماعة اشتد بشكل درامي في 
العقد الماضي. وفي هذا كان ماروياما أقرب إلى أن يكون نبياء فأفضل أسلوب 
يمكن أن يوصف به حال اليابانيين اليوم هو الأسلوب الذي استخدمه منذ 
خمسين عاماء حيث قال: إنها تتطلب «الإصلاح الداخلي ‏ ذاته ‏ للبنية 
النفسية للمجتمع». وهذا يعني أنه يجب إعادة تحديد الخط الفاصل بين 
الخاص والعام لكي يمكن للفردية السلبية منذ القدم أن تظهر وتتأكد. وكما 
فهم ماروياماء إن ذلك ليس ضروريا فقط لتجذير الاستقلالية الفردية» ولكن 





التاريخ المخياً 


أيضا من أجل الديموحراظية: وخيث إن البايان لي لديهنا تجرية الضردية 
العامة ولا آليات التعبير عنهاء فقد اندفعت مرة أخرى إلى تجربة مشوشة. 
علق ليفتون على ذلك في أواسط التسعينيات بقوله: «إن أحشاء هذا المجتمع 
البالغ التأئق بدأت تطفو على السطح»: ويستطرد : «إن اليابانيين في حالة 
غليان داخلي». والحق أن هذا توصيف صادق؛ وإنما بقي أن نتبين أن اليابان 
كانت تغلي منن مدة طويلة جداء ولا تزال. 

ونا كان تحلل شبكة الاحتواء عملية تدريجية بطيئة بطبيعتهاء بل إنها 
تزداد يُطْتاء (إلا أنها عملية لا تخطثها العين؛ يراها المراقب شي المدارس وضي 
الأحياء والمكاتب: وفي كافر الثقافات الفرعية بكل أنواعها) يقل تعريف 
الناس وضقا لانتماءاتهم إلى الجماعات التقليدية. وأصبح الساموراي موظف 
الشركة الوفي» المتفاني. مثال الياباني المنتمي ‏ في سبيله إلى أن يكون 
شخصية ة تمت للماضي: ويرى المرء الدئيل على هذا التغير» خاصة في الحياة 
السياسية؛ فوراء كل الفوضى الظاهرة والتي تتمثل في التحالفات المتغيرة 
باستمرار؛ وفي ظهور وانهيار الأحزاب السياسية والتآلفات والوزارات؛ وراء 
كل هذا عملية بناء نظام قادر على احتضان البزوغ التاريخي للذات المدنية. 
وتنميتها.ء والمقصود بالذات المدنية هو «النموذج الجديد للإنسان 
الديموقراطي»؛ وفقا لتعبير التحديثيين من أتباع ماروياما بعد الحرب؛ هو 
الفرد المشتغل بالحياة العامة؛ الذي نزع القناع عن وجهه. 

لقى لاحظنا الظروف العملية المحيطة بهذا التغير الخطير؛ فقد أصبحت 
اليابان ندا للغرب بالحسابات المادية؛ وكذلك انتهت الحرب الباردة. غير أن 
المجتمعات لا تتطور أي تطور جوهري لأنها حققت نجاحا اقتصادياء أو لأن 
المناخ العالمي قد تغيرء وإنما هذه العوامل؛ مثلها مثل السفن السوداء التي 
جاءت منذن قرن ونصف القرن بقيادة بيري: لي ليست إلا محفزات لعوامل التغيير 
التي كانت تتجمع من قبل؛ فالمجتمعات تتغير لأن الناس فيها يريدونها أن 
تتغير. وتلك هي الحقيقة التي عدي اليابانيون ويتشيثون بها في أيامنا هذه 
وهي حقيقة صادمة بمثل ما هي محررة: فالناس يفيرون المؤسسات؛ وفضي 
التحليل النهاكي ليست المؤسسات هي التي تغير الناس. 

ويميل اليابانيون بشدة للتمييز بين الأجيال؛ حتى يبدو كل جيل مرحلة 

انطلاق. وكأن كل جيل مكلف مهمةٌ معينة. وفي السنوات الأخيرة أصبح من 


اليايان: رؤية جديدة 


المستحيل مناقشة اليابان» دون مناقشة الأساليب التي ستغيرهاء لكن التغير 
يُنظر إليه كمهمة لا يقوم بها إلا الشباب: فغير الشباب قد يرغبون في التغيير 
لكنهم لا يحسون التزاما بتفعيله. ذات مرة سأل موظف محلي متقدم في 
السن؛ من غربي اليابان؛ ضي أثناء تناول الغداء: «تغييرة هل يمكن تغيير 
اليابان5» ثم أكمل قائلا: «إن جيلنا تطارده أشباح الماضي: وعلينا أن ننتظر 
الأجيال المقبلة لإحداث التفيير». ومن المؤكد أن هذا ليس صحيحاء فالتغيير 
لا يمكن إلا أن يكون نتيجة لتراكم الإرادات والمحاولات جيلا بعد جيل؛ ينقلها 
كل جيل للجيل الذي يليه. 

منذ عشر سنوات نشأ في اليابان جيل جديد: جيل الشينجينروي 
أنسصتزخطة: (الجنس البشري الجديد). أطلق هذا التعبير ليصف اليابانيين 
الذين كان يبدو كأنهم شعب آخر. فلم يكن الجنس الجديد ليعرف شيئا عن 
إعادة البناء بعد الحرب ولا عن اضطرابات الخمسينيات والستينيات. إنهم 
أول يابانيين لا يعرفون إلا الوضرة: وهم ينفقون أكثر مما يدخرون؛ وليس 
لديهم شعور بالالتزام نحو المجتمع:؛ ولا تعنيهم مسائل الولاء للشركة 
ولا الحصول على وظيفة مدى الحياة, وكان افتقارهم للفاعلية وفقدانهم 
للاتجاه مثار قلق لأهاليهم. كان يبدو أن ليس لهم رأي؛ ولا هوية؛ ولا رؤية 
سياسية؛ ولا شيء يميزون به أنفسهم إلا نظرة اللامبالاة الجوفاء تجاه يابان 
ما بعد الحرب. وبنهاية العقد بدأ باقي اليابانيين يحسون بعدم أهميتهم,؛ 
وأصبح الجنس الجديد ماضيا. وبدا أنهم يعكسون شيكا مألوضا على المشهد 
الياباني: ألا وهو التواؤم مع الانشقاقية المسموح بها. واختصرت الشركات 
الكبرى فهمها للجنس الجديد حتى اعتبرته لغزا تسويقياء ولم يلبث الرجل 
الذي خلع عليهم اسم «الجنس البشري الجديد» وهو الكاتب تيتسويا 
تشيكوشي 1!1551ط) «الإناقاء1؛ لم يلبث أن تخلى عن هذه التسمية: قائلا: 
إنه تبين عدم وجود أي شيء جديد في هذا الجيل. 

ولكن علينا أن ننتظر لنرى؛ لأنه ليس من السهل أن تُسقط جيل 
الشينجينروي من الاعتبار: وإنما الأحرى أن نفرق بين ما هو عابر ومؤقت 
بشأنهم: وبين ما هو ذو أهمية باقية؛ فمن دون أن يقصدواء أعلن أبناء الجنس 
البشري الجديد نهاية «الحداثة» في اليابان؛ الحداثة كما فهمها اليابانيون 
على امتداد قرن وربع القرن من الزمان. يبدو أنهم أدركواء بغرائزهم.؛ أن 


التاريخ المخيلا 


الماضي قد انتهى على نحو ماء وأنهم قطيعة حاسمة معه. كان أهاليهم قد 
أكملوا المشروع التحديثي؛ وكان الجنس الجديد هو الذي استطاع أخيراء 
بمسافة البعد التي تفصله عن التاريخ, أن يرى ويدرك الثمن الباهظ الذي 
دفعه اليابانيون لتحقيق النجاح المادي. وتلك كانت المفارقة التي واجهوها: 
كانوا يستهلكون ببثخ: لأن تلك هي متعة الحياة الوحيدة: ولكن يبدو لي أنها 
كانت دائما تبدو متعة ممزوجة بقدر من الازدراء المرير للاستهلاك. ‏ - 

ولا شك في أن عددا كبيرا من الجنس البشري الجديد الآن قد انخرطوا في 
عداد رجال الساراري؛ وانساقوا في الحياة اللجم اضيئة باللكتيالاةانفنضها الذي 
انساق بها الطالب المتردد الذي أجرى عليه ليفتون دراساته. لكن ليست هذه هي 
القضية: ذلك أنه عندما يتبادل المرء معهم احدية: فان ابقاء هذا الجيل ويناته 
يكادون يجمعون على أن همهم الأساسي هو أن يروضوا زمنهم؛ فما الذي 
يقصدونه بذلك؟ من المؤكد أن المعنى لا يتعلق بمجرد تمضية الأيام والساعات, 
إنما يتعاق بالأسلوب الذي يقسم به الناس وقت الحياة العصرية في اليابان. وفي 
هذا السياق فإن ترويض الوقت يعني تأكيد إدارة الناس لحياتهم الشخصية 
كأغراد: يعني أن يعيدوا رسم الخط الفاصل بين ما هو عام وما هو خاص - وأن 
يجعلوا حياتهم الشخصية أمرا مقبولاء لا سريا ولا مختلساء وأن يعيشوا حياتهم 
في العلن كشخصيات متفردة مستقلة جديرة بالثقة, | 

بهذا المفهوم؛ يكون الجنس البشري الجديد اسما على مسمى؛ ويبدو لي أنه 
علامة على بداية إعادة النظر ضي شروط وأعراف حياة اليابانيين. إن ما يريدون 
التخفف منه ليس أقل مما يسمى روح الجماعة التي طا ما كبلت حياة اليابانيين» 
ومن ثم يقدمون أسلوبا جديدا لتحقيق وجودهم الفردي؛ وهو أمر يختلف عن 
الفكرة القائلة بمعنى أن تكون شخصا هو أن تكون شخصا يابانيا. يكاد يكون من 
المحقق أنهم سيظلون أعضاء في الجماعة؛ ولكن أعضاء باختيارهم. وجعلوا 
رفض لبس الأقنعة يتجلى: لا في شخصية بطل يتسلق الجبال؛ وإنما في 
شخصية الإنسان العادي. وهكذا شرعوا بكل هذاء في صياغة الفصل الأخير من 
تاريخ اليابان المخباًء وهذا هو السبب شي أنه لا يكاد يخلو وجه من أوجه الحياة 
في المجتمع الياباني اليوم من التدفق والتغير المتواصلين. 

يشرح أحدهم الموقف قائلا: «ليس صحيحا أننا نرفض القيام بأي جهد». 
ويستطرد: «إنما نحن مكرسون لاكتشاف أشياء جديرة بأن تُبذل الجهود من 


اليابان: رؤية جديدة 


أجل تحقيقها». وتلك ضكرة تدعونا إلى إجراء مقارنة مفيدة بينهم وبين أعضاء 
«اتحاد الرجال الجدد». وهي جماعة الضغط التي شُكلت في العشرينيات 
ساعية إلى إعادة تحديث جذري لليابان العصرية. يختلف الجنس الجديد عن 
الرجال الجدد في أن الأولين ليس لديهم: مثل الآخرينء برنامج سياسي 
واضح: وبالتأكيد لايضمهم تنظيم: غير أن الفريقين يتشابهان في أن كليهما 
يدعو لانتهاج أساليب بديلة للتفكير والمعيشة. كان مشروع الرجال الجدد هو 
الاشتراك في مجتمع لا يزال في دور التكوين. أما الجنس الجديد فقد 
واجهوا مجتمعا مختلفا؛ راسخا تماماء وهم لا يسعون للحصول على حق 
المشاركة في يابان شفرغت من إرساء البناء تماماء وإنما كان مسعاهم هو 
الخروج من هذه اليابان من أجل يابان تسمح بالاستقلالية والتعددية. 
“+ 6 م 

والآن لنرجع قليلا نتأمل مسألة الأسماء. ومن القصة التي سنوردها 
هنا عن الأسماء ‏ الأسماء المطبوعة على الورق ‏ سنتعلم شيئًا عن نقطة 
التحول التي وصل إليها اليابانيون. هذا الموقع الخاص الذي يبدو أن ليس 
بعده أي رجوع إلى الوراء. 

إن بطاقات التعريف الشخصية. المسماة باليابانية ميشي 84015111: تعد من 
أدوات العمل الأساسية في اليابان العصرية. إن هذه البطاقات لا تنبئك فقط 
باسم صاحبها والمؤسسة التي ينتسب إليهاء وإنما أهم شيء هو أنها تنبئك 
بمكانته في نظام الثراتب الاجتماعي أو الوظيفيء ذلك أن أي شخصين 
يابانيين يلتقيان يمكن أن يجدا صعوبة في التعامل والسلوك إن لم يكونا على 
بينة بهذه المكانة. سيجدان صعوية في الإجابة على أسئلة من نوع: من الذي 
يتقدم الآخرة إلى أي درجة تكون انحناءة أي منهما للآخر؟ والبطاقات كثيرة 
لدرجة أنك تستطيع خلال عام عمل في اليابان أن تملأ أدراجا بهذه 
البطاقات. وحتى لو كان الناس يتقابلون بمحض المصادفة؛ فإن الأمر دائما 
يتطلب تبادل البطاقات؛ فالشفرة المتضمنة فيها لا غنى عنها. أليست الميشي 
(البطاقة) على نحو ماء مناظرة للثوب الذي كان يرتديه الساموراي - بألوانه 
وطرزه المختارة بعناية والتي تحدد هويته؟ 

وأكثر البطاقات إثارة للانتباه تلقيتها من رجل ساراري في شركة نيكن 
1 وهي من الشركات التي كانت ناجحة في أوائل التسعينيات: 


التاريخ المخباً 


وريما ما تزال كذلك. كانت أعمالها مزدهرة. تؤجر مهمات المكاتب: 
وماكينات الصناعة:؛ تمتلك ثلاثة مصانع: ولديها ١1٠١‏ مكتب تسويق وما 
يقرب من ألفي موظفء ويتبعها فرع في شيكاغو وباتكوك: ومدرجة في 
بورصة طوكيىو ووصلت إيراداتها السنوية إلى ٠١‏ مليون ينء أي حوالى 
٠‏ مليون دولار. 

كان الرجل الذي أعطاني البطاقة في حوالى الثلاثين من عمره؛ أي واحدا 
من أبناء «الجنس البشري الجديد». على أحد وجهي البطاقة مكتوب «تارو 
هونمارو»: مدير عام وعلى الوجه الآخر مكتوب: «اسمي الحقيقي هو: كيشي 
تكامورا ة.اقما معنن أن يكون لديز يابائي شاب اسماقة ا" ْ 

لقد بدأ النظام بشكل طبيعي تماما. ذلك أنه بعد أن وظف رئيس الشركة 
ابن عمه في الشركة؛ وكان يحمل اللقب نفسه؛ فإن الرئيس سرعان ما ضاق 
بالخلط الناتج من ذلك. ومن ثم أطلق على ابن عمه اسم «إيمافوكو - سان 
1ن[ قت1». وفقا لاسم مسقط رأس هذا القريب. وتصادف ان كان شكل 
الحروف التي تكتب بها كلمة إيمافوكو لها معنى آخر هو «محظوظ»»: وكان ذلك 
من محاسن المصادفات,؛ لأن ذلك يصلح لأن يكون لقبا دائما. وهكذا تطور 
النظام: كان الرئيس يدعى كين (سلحفاة)؛ بسبب طباعه الخشنة. وكان ثمة 
أحد المديرين من قرية جبلية سمى نفسه كوداما ‏ سان؛ وكوداما هو اللفظ 
الياباني الذي يعني الأصداء التي تتردد بين القمم الجبلية. كما وجد أحد 
مشجعي الفرق الرياضية يسمى ريكيشي ‏ سان (لأن ريكيشي هو تسمية أخرى 
لأحد مصارعي السومو) وكذا شخص آخر يسمى هيتومي ‏ ساكورا (زهرة 
السوسن الوردية). والمدير العام الذي شرح كل هذه الأمور هو هونمارو ‏ سان: 
لأنه كان يعمل في قسم التخطيط في المكتب الرئيسي. وهونمارو هي الأبراج 
المركزية في قلاع الدايميو الإقطاعيين. 

وكان هونمارو ‏ سان طويل القامة؛ طفولي التركيب؛ مولعا باستطلاع 
الطراكف: الخلط والارتباك في فنادق رجال الأعمال؛ ودليل الكومبيوتر حيث 
تجرى المطابقة بين الأسماء الحقيقية والأسماء المنتحلة. ولم يكن يبدو عليه 
أنه يعرف ما يمكن فهمه من مثل هذا النظام عن اليابان واليابانيين؛ أو ما 
معنى أن يكون الاسم الحقيقي للشخص يمثل الذات الشخصية الأصيلة؛ وأن 
الاسم المنتحل يمثل الذات العامة أو؛ القناع. ومن بعدء ونحن نجلس متقابلين 


اليابان: رؤية جديدة 


على جانبي طاولة مغطاة بطبقة من الفورمايكاء في غرفة اجتماعات بسيطة: 
بدأ يشرح الأمر بأسلوبه المهذب الخجول. قال: 

«من بين الأسباب التي تجعلنا نفعل ذلك وربما هذا أمر خاص جدا 
باليابان ‏ هو أن عددا كبيرا من رجال الساراري يخلطون بين الذات 
الشخصية الفردية والذات العامة في العمل. وتحدوهم الرغبة في الفصل 
بينهما بوضوح. ضفي العمل يجب أن تتحلى بروح التفاني التي تميز المهني فضي 
دواكر الأعمال - وهو المسمى «المحارب من أجل الشركة»: أما بعد الخامسة 
مساء؛ فيتوجب أن تعود إلى شخصيتك الحقيقية؛: وتعمل ما يعن لك». 

توقف هونمارو قليلا ليرى رد فعلي قبل أن يستخلص النتاكج؛ ثم قال: 
«اليابانيون مثل الممثلين؛ ولا يستطيع الممثلون أن يرفضوا القيام بأي دور. 
فأنت لا تستطيع أن ترفض المشاركة بدورك ضي اليابان». 

صحيح أن الممثلين لا يستطيعون أن يرفضوا الأدوار التي توكل إليهم: ولكن 
الناس العاديين يستطيعون. 





أل 


التعليم في اليابان ليس ١‏ : 
الهدف منه تكوين أناس ٍ ش 
يتقنون تقنيات العلوم ١‏ . 
والآداب والفتون. وإئما هو : 
تصنيع الأشخاص المطلوبين 5 


للدولة. 


7 جو و اله نه ألنه جه #0 


إنه ربعة: ذو نظرة يقظة: وشعر قصير كث 


1 قُْصّ على طريقة البحارة؛ القصة التي يحبها 
1 أكابر القوميين. وضي الحوارء لا يعرف التردد: ولا 
يتوقف للتفكير. إنه يوزوكي كوباياشي؛ الجالس 


مع ستة من زملائه حول مدفأة كيروسين» 


تكلف؛ ولكن؛ إذ هو نجل مزارع؛ يتصرف بكبرياء 


ويوزوكي كوباياشي في السابعة من عمره؛ 


تلميد في الصف الثاني يمدريسة ساكاي 


الابتدائية: وهي مبنى حجري من طابقين مقام 


' على طريق منحدر ضيق في قرية فوجيمي 


أول وزير للتعليم في اليابان٠‏ : .. 
ملاا. 5 


الله التي يشي اسمها بمشهد جبل فوجي 
الذي تطل عليه من بعيد. 

وفوجيمي مجتمع من المزارعين وعمال 
المصائع في مقاطعة ناجانو مصهعة!8[: درجة 
اليابان: وقد لجا الكاتب إلى كلمة نيهونجين اليابانية هأله0!أه 


والتى تعنى الشخص الياباني» للتأكيد على خصوصية ملامح 
الإنسان الياباني» كما تبرمجه وتدريه العملية التعليمية والتنشكة 


الاجتماعية (المترجم). 


اليايان: رؤية جديدة 


حرارتها تحت الصفر في يناير. تستطيع أن ترى من الشوارع المنحدرة في 
وسط البلدة دروب التزلج الممهدة بعناية عبر الوادي تحتها؛ حيث أقيمت, 
غير بعيد» دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في /1994. وعلى مسافة؛ ترى 
أضواء فندق تقليدي (ريوكان صهغ1ه13/0) تومض حتى في أثناء التهار. وعند 
ساكاي طبقة من الثلج عمقها عدة بوصات؛ والساحة التي تفضي إليها من 
الجليد الصلد. 

ومشكلة كوباياشي: التي يشاركه فيها الستة الآخرون في صباح هذا 
الأربعاء العاصفه هي أن البلل تسرب إلى الأقدام. لقد انسحب الزملاء 
السبعة من الفناء, وخلموا أحذيتهم؛ وعرضوا أقدامهم بجواريها المبللة 
للمدضأة. وعندما وصلت؛ وجدتهم يقرأون بهدوء. 

«ماذا تفعل بعد المدرسة5 هل تلعب شي المزرعة مع الحيوانات5» 

«أعمل واجباتي؛ أو ألعب على كمبيوتر العائلة». هكذا يقول كوياياشي؛ 
وهو سعيد بمنافقشتي. 

«وماذا ستفعل بعد أن تكبرة ماذا بعد9» 

يصيح كوباياشي: «سنساي [56056: أريد أن أصير معلما!» 

يفكر الآخرون في السؤال؛ ثم يتمكنون من ألخذ دورهم ليقولوا كلمة؛ من 
بينهم اثنان يأملان في امتلاك مكتبة لبيع الكتب؛ وواحد يريد أن يصبح كاتب 
رواية» وآخر يريد أن يعمل في رعاية الأطفال؛ والاثنان الباقيان لا يستطيعان 
أن يقولا شيئاء ربما لتحفظهما في حضور أحد الأغراب (جايجين). 

دالا يريد أحد منكم أن يصبح رجل ساراري» 

يرتفع صوت كوباياشي معلنا: «في الشهر الماضي كانت رغبتي هي أن أكون 
رجل ساراري». 

«ما الذي جعلك تغير رأيك5» 

أنا أغير رأيي دائماء أردت أن أكون رجل ساراري لفترة وجيزة». 

واضح أن يوزوكي كوباياشي وأصدقاءه يرون الحياة مجالا لاختيارات 
بغير حدود. فقد تبين أنهم جميعا يفيرون آراءهم باستمرار. وحتى 
الخجولون منهم لا يستطيعون أن يمنعوا أنفسهم من الابتسام وكآن السرور 
شد غلبهم لتمتعهم بهذه الميزة التي يحسدون عليها. وحتى ملابسهم 
بطرازاتها المبهجة وألوانها الزاهية توحي بالحيوية والمرح أنفسهما: معاطف 


نو ئةالني نح 5 


التزلج الصفراءء الجوارب الحمراءء السويترات الخضراءء: والطواقي 


دمن أرسلكم هناث3» 
يجيب يوزوكي كوباياشي: «لقد جئنا بأنفسنا». 
«ألم يطلب ذلك منكم أحد» 


دابتلت أقدامناء هذا منطقي!» 

«جكتم هكذاء دون أن يوجهكم أحدة» 

«قلنا للمدرس قيل أن ذنجيء». 

ذهبت إلى ساكاي لألتقي بتلاميذ المدارس اليابانيين. لقد كان يوزوكي 
كوباياشي وأصدقاؤه يابانيين طبعا ‏ مولودين في اليابان؛ لآباء وأمهات يابانيين؛ 
ولكن كان من الصعب أن نرى فيهم أي شيء ياباني بالمعنى الذي ألفناه. كانوا 
يملكون زمام شخصياتهم المستقلة تماماء وهي فكرة يراها أغلب اليابانيين 
محيرة؛ لم يكن لديهم أي مواقف أو سلوكيات محددة تجاه السلطة؛ .ولم يكن 
يعنيهم كثيرا أن يكونوا جزءا من الجماعة؛ وما كانوا يلبسون آي أقنعة. 

وتوجد مدرسة مينامي غير بعيدة من مدرسة ساكاي الابتدائية؛ وهي ‏ أي 
المدرسة الإعدادية مؤسسة أكثر خشونة بكثير؛ مدخلها الأمامي مفتوح على 
اتساعه ومعرض للبرد: وكأنه امتحان مادي لترويض الإرادة. الممرات غير 
مدفأة؛ أرضياتها من خشب متقادم: وإن يكن شديد النظافة: فالممرات 
والأرضيات تُمسح كل مساء بواسطة فرق من الطلاب: الذين يغمفمون 
مرحبين: نهارك سعيد (كونيشيوا 101178ه140): بنبرة رتيبة؛ وعيونهم إلى 
الأرض في حياء. 

يليس جميع الطلبة في مدرسة مينامي السترات الغامقة نفسها (وهي من 
طراز السترات العسكرية البروسية القديمة) القمصان نفسها والسراويل 
نفسها ذات الحمالات: وطريقة قص الشعر نفسهاء والأحذية الكاوتش نفسهاء 
والجوارب من الماركة نفسها والطول نفسه؛ وتعلق حقائب الكتب المتماثلة على 
المشاجب الخشبية في غرف الدراسة. وتشرح اللافتات الجدارية الطرق 
الصحيحة للمذاكرة: تقصح إحداها باستخدام أقلام الرصاص السميكة؛ 
وتبين أخرى المسافة المناسبة التي يجب أن تفصل العين عن الصفحة المقروءة 


٠٠١(‏ سنتيمترا). 


اليابان: رؤية جديدة 


وتلقيت فيما بعد نسخة من لوائح وتوجيهات مدرسة مينامي؛ من بينها بندا: 
كن دقيقا في مواعيدكء لائقا في مظهرك متواضعا في سلوكك. البند الثاني يتعلق 
بالزي والمظهر, تشبك إلى يسار الصدر شارة المدرسة وبطاقة تعريف بالاسم؛ 
والأحذية يجب أن تكون من النوعية المقررة. «شعر الأولاد يجب ألا يغطي الأذنين 
والحاجبين؛ وشعر البنات يجب ألا يغطي العينين. وألوان شرائط وأطواق الشعر 
المطاطية هي الأسود والأزرق الداكن والبني الداكن». وثمة بنود أخرى تتعلق بمنع 
الدراجات البغارية ولعبة البينبول. ولا يجوز العمل بعض الوقت خارج الدراسة؛ إلا 
بعد موافقة المدير, كما لا يسمح بترك البلدة إلا تحت إشراف الكبار. 

في إحدى حصص العلوم الاجتماعية يدرسون سو وا /لانا8, وذلك هو 
الاسم الإقطاعي لتلك المقاطهة؛ التي كانت دولة مستقلة لفترة وجيزة في 
القرن الثامن؛ اسمها سوهو (نأناق. 

والدراسة مذيلة باستبيان من أربعة أسئلة: 

١‏ اكتب ما تعرفه عن منطقة سو وا. 

 *‏ صف حالة سو - وا في أثناء عصري نارا 7]358 وهيان هذات1!. 

 “‏ اكتب رأيك في سوهو ‏ كوكو. 

ماذا تريد أن تدرس عن سو وا القديمة؟ة 

وفي حصة لدراسة اللغة الإنجليزية بالصف السابع يوجد جهازا تليفون 
قديمان على طاولة المدرسة يتناوب عليهما الطلبة اثنين اثنين. 

دهائلي 

«هاللىى 

(سكتةطويلة؛ مع ارتباك عصبي) 

عهل أن »ا 

ررلا» 

(سكتة طويلة أخرى) 

«هل... هل تحب البيسبول9» 

«تعم» 

(سكتة: ثم بلهجة متعجلة) 

«إلى اللقاء» 

«إلى اللقاءى._ 


0 4 5-5 فاه 0-7 قد تعني شل آنت جره أو اهز أنت «فاضي»؟ة أوا الاثنين هما (المترجم). 


تتشئة ١!‏ نيهوئجين 


وتثير التوجيهات المتعلقة بدراسة التاريخ المحلى شيًا من الدهشة. حيث 
توحي بالتخلي عن اليد الثقيلة للرقابة المركزية المميزة للمدارس اليابانية. أما 
عن الاستبيان: فإنه يتطلب شيئًا من التفكير والخيال. هذا بينما كانت العادة 
قد جرت على أن يسير التعليم وفقا للتلقين والصّمء والتقدم يتم ببساطة 
بتكرار وحفظ ما يلقنه الطلاب. 

أما عن عدم الثقة الذي تنم عنه حصة اللغة الإنجليزية فإنه قريب مما 
كنت أتوقع رؤيته في مدرسة مينامي. صحيح أنها كانت السنة الأولى لدراسة 
اللغة (حيث الحد الأدنى للدراسة ست سنوات)» ولكن للوقفات والسكتات 
العصبية تفسير آخرء إذ هي تكشف عن الارتباك الذي يشعر به اليابانيون 
عادة عندما يواجهون كل ما هو غير موجود سلفا في الخطة. فاليابانيون 
متعلمون ومدربون على أن يقوموا - فحسب ‏ بالأدوار المكتوبة نصوصها سلفاء 
ولكن إن وجدوا في موقف يتطلب استجابة مرنة ‏ كأن تُوكل إليهم الفكرة 
التالية أو العبارة التالية أو الحركة التالية فإنهم يفقدون الاتجاه. وكم تفترق 
تلك الحال عن حال السيد كوباياشي الصغير وأصدقائه في ساكاي ‏ الذين 
يفكرون لأنفسهم ويدبرون أمورهم الصغيرة بأنفسهم. 

يعتبر اليابانيون أن الحرية ليست إلا من حق الأطفال الصغار وحدهم. 
ترسم اليابان دائرة حولهم تحتويهم؛ حيث لا يتعرضون لأي كوابح أو حدود 
اجتماعية أو نفسية: وهم في داخل هذه الحاوية أباطرة الحياة اليومية. 
والصينيون أيضاً مشهورون بإعزازهم وتدليلهم لأطفالهم. ولكن اليابان وحدها 
هي التي يمكن أن تسمع فيها الأهل يقولون: «إن صغارنا أحرار, لأننا نعرف 
كم سيكون عبء الحياة عليهم ثقيلا فيما بقي من حياتهم». 

كثيرا ما ماده التعبير عن هذه المشاعر ولكن الأطفال الصفار. في 
التحليل النهائي؛ لا يتمتعون إلا بنوع هش من الحرية؛ لأنها حرية تُعطى لهم (ثم 
لا تلبث أن تؤخن منهم) بواسطة الكبار ‏ الأهل؛ المعلمين؛ الإداريين. فعلى الرهم 
من كل ما يتمتعون به من روح استقلالية فإن يوزوكي كوباياشي وأصدقاءه كانوا 
أيضا يتلقون دروسهم الأولى في الاعتماد على الغير ‏ الاعتماد على السلطة 
الذي كان من السمات المميزة للشخصية اليابانية لقرون عدة. 

ذلك أنه بمجرد أن يغادر الأطفال الدائرة التي كانت تحتويهم: فإن الحرية 
تُسحب منهم بالتدريج وتبدأ الشخصية الخاضعة في التشكل لتبقى حتى آخر 


اليايان: رؤية جديدة 


العمر. ألا يحتوي السؤال الأول الذي يتداوله الأطفال في دروس المحادثة 
الإنجليزية «هل آنت حرة 11667 010ل[ لل » على مفارقة لا شعورية تشير إلى 
هذا؟ وأن يصبح الشخص نيهونجين صذزه0ط1!1 أي شخصا يابانيا كما تريده 
وتبرمجه العملية التعليمية والتنشئة الاجتماعية؛ يختلف عن أن يصبح شخصا 
عاديا. فهي عملية عكسية للعملية المناظرة في الغرب: ذلك أن ولوج عالم 
الكبار لا يقاس بتحقيق قدر متعاظم من استقلالية الشخصية:؛ وإنما بقبول 
التضييق المتزايد لفرص الاختيار وصولا إلى إنهائها تماما . 

والملاحظ أن المديرين في المدارس التي زرتها يتكلمون بحماس عن فضائل 
ومميزات التعليم الليبرالي. يقول تاشيو إيجيماء مديرمدرسة مينامي 
الإعدادية: «ليس الواقع هو مجرد تجميع الحقائق العلمية. وإنما هو أيضا 
كيفية وصول الشخص إلى جوهر هذا الواقع في الحياة اليومية. إننا نريد 
طلابا يستكشفون مشاكل في الطبيعة ويجدون حلولا لها». 

والمعلمون في اليابان كلها يرددون مثل هذه الآراء. غير أن مشكلة معظم 
هذه التاكيدات هي المشكلة القديمة نفسها في اليابان؛ ألا وهي: المسافة التي 
تفصل بين ما هو مثالي وما هو واقع. ويستفيض القائمون على العملية 
التعليمية في شرح أفكارهم المثيرة للإعجاب عن التعليم؛ خاصة إذا كان 
الحديث موجها إلى الأجانب (جايجين): ذلك أنهم يحفظونها عن ظهر قلب. 
وهذا غالبا ما يتضح كلما استمرت المناقشات. 

في أثناء زيارتي لمدرسة ساكاي الابتداتية؛ قال لي يو هوسونوء وهو رجل 
في الحلقة السادسة؛ نظامي مرتب؛ وإن كان على سجيته؛ قال: «إن واجبي هو 
أن أنشئ التلاميذ ليصبحوا ناضجين قادرين على تقوية بناء الأمة. ومبدئي 
الأساسي هو كل شخص يستطيع أن يقوم بأي دور». 

صحيح أن هذا يمكن أن يكون وصفا ملائما لمهمات القائمين على التعليم؛ 
متوقفا على المنظور العام. ولكن الأمر ينطوي على خطورة؛ وهي الخطورة 
التي اصطدم بها يوكيشي فوكوزاوا في أثناء عصر الميجي؛ ألا وهو التناقض 
بين تنمية الإنسان كهدف في ذاته؛ والتنمية من أجل بناء دولة قوية. وها هي 
اليابان» بعد قرن وربع القرن من عمر نظامها التعليمي الحديث؛ ها هي الآن 
تواجه مهمة الوصول إلى حل لهذا التناقضش. نستطيع أن نقول إنها ستجد 
الحل: فاليابانيون يستبد بهم القلق, والمدارس تمور بالسخطء وتشهد الحالة 





تنشئة النيهونجين 


الاقتصادية لتلأمة ومتطلباتها تغفييرات جذرية إلى درجة تجعلنا نستبعد 
الوصول إلى أي نتائج أخرى. ولكن الأمر يتطلب وضوحا وتصميماء وقرارا لن 
يكون سهلا أو سريعا. 

ولقد أصبحت المدارس اليابانية في أيامنا هذه ميادين قتال. وليس في 
هذا ما يدعو إلى الدهشة؛ ذلك أن معظم المؤسسات اليابانية تعاني ‏ تحت 
السطح ‏ من الظاهرة نفسها. ومريط الفرس في كل ما يجري عندما 
يصطدم المصلحون بالإداريين البيروقراطيين؛ ويتزايد عدد التلاميذ المتسريين 
من النظام التعليمي: وعندما يلجأ المثقفون لرفع دعاوي قضائية على وزارة 
التعليم لتعديل محتوى المواد شي الكتب المدرسية ‏ مريط الفرس في كل هذا 
هو الخلاف حول نوعية البشر التي يُسمح لليابانيين بأن يكونوا على شاكلتهاء 
وليس أقل من هذا . 

أليست هذه المدارس اليابانية هي التي أنتجت الرجال والنساء الذين 
أقاموا ثاني أكبر اقتصاد في العالم؟ الإجابة هي نعم. والمشكلة بالتحديد هي 
معادلة الخط المستقيم التي يتضمنها هذا السؤال. فبالنظر إلى التعليم من 
منظور تنمية الشخصية الفردية؛ نرى أن مسار التعليم الحديث في اليابان 
أصبح مسار الفرص الضائعة؛ والتنمية المبتسرة للشخصية؛ ولم تعد المدارس 
إلا مجرد أماكن للاعتداء المستمر على الفرد الذي كتب على اليابانيين أن 
يتقبلوه كجزء من الأعباء التي يتحملها الكبار. 

وكان للسيد إيجيماء مدير مدرسة مينامي الإعدادية: النحيف الأصلع 
الشديد التنبه: كان له وجهة نظر أكثر تحديدا ودقة من السيد هوسونوء فيما 
يتعلق بالنظام التعليمي الذي كان يعمل فيه على الأقل في الوقت الراهن؛ 
حيث يقول: «أن نعلّم النشء الصدق والحقيقة؛ هذا أمر مهم؛ ولكن الأمر 
الأهم هو أن نعلمهم أن يكونوا يابانيين». 

تنا تين كنا 

ونحن ضي الغرب لا نرى الخطر الكامن في نظام مكرس لتأسيس ويناء 
جماعة سكانية لخدمة الأمة. فنحن نريط العملية التعليمية بالقيم الليبرالية ‏ 
المعرضة والبحث العقلانيء والتهذيب. وتوجهات المجتمع المدني. ولدينا 
مناقشاتنا ومساجلاتنا التي تدور حول ما يجب أن نعلمه وكيف, ولكن ليس 
لدينا نزوع للنظر إلى التعليم باعتباره وعاء «فارغا» يمكن أن يملأ بأي شيء؛ 


اليايان: رؤية جديدة 


وخدمة الأمة يمكن أن تكون فكرة جيدة: كما يمكن ألا تكون. والأمر يتوقف 
على الأمة وكيف يمكن خدمتها. 

وذلك خطأ غير عادي: خاصة بالنسبة لنا نحن الأمريكيين. في أواخر 1546: 
أصيب المسؤولون في مقر قيادة أركان قوات الاحتلال الأمريكية (11.0 .6) 
بالذدعر بسبب ما كانت عليه الحال في المدارس اليابانية. عبادة الإمبراطور» 
الأيديولوجية العرقية اليابانية, وقدسية الدولة: كان واضحا لكل ذي عينين أن 
المدارس تعيد بناء الصروح القديمة في الداخل والعمق. ومن أجل تفكيك بناء 
هذه الصروح كان الأمريكيون متحمسين اتعليم اليابانيين الرقص الجماعي 
والبلياردو؛ وغيرهما من أشكال تزجية الوقت. وانعكس هذا الحماس نفسه؛ وإن 
بشكل مباشر: في الإصلاحات التي أجراها الاحتلال في التعليم: والتي كانت من 
بين أهم برامج الاحتلال وأبعدها أثرا. غير أن كل هذه الإصلاحات تقريبا لم 
تلبث أن جرى الرجوع عنها بعد أن وضعت اليابان على النهج العكسي (في 
مستهل الخمسينيات (المترجم)). ثم بدأناء بعد ذلك نخدع أنفسنا. فما زلنا تعد 
التغييرات التي أحدثناها في المدارس اليابانية من بين منجزاتنا العظيمة. ومن 
الطبيعي أن الإبقاء على هذا الوهم كان يلائمنا ويريحناء حيث يشكل جانبا كبيرا 
من الصورة الخيالية التي رسمناها ل «اليابان». 

في /1941؛ أصدر ويليام بينيت 6اء0مء8 010 1!!ة/لا. سكرتير الرئيس 
الأسبق ريجان لشؤون التعليم؛ تقريرا بعنوان: التعليم الياباني اليوم 
002'!' 801102101 ع031165م15. وكان هذا التقرير مساهمة غير مباشرة من 
بينيت في الجدل المحتدم بين الأمريكيين حول انهيار نظام التعليم العام 
عندهم. وضيه يبدي بينيت الملاحظة الآتية: «إن المثل العليا التي ننادي بها ضي 
النظام التعليمي تحققت على نطاق واسع وبشكل أفضل في اليابان: وعلى 
نحو أكثر مما يميل المراقبون إلى الإقرار به». وبينيت من المعجبين بالنظام 
الياباني؛ ويعتبر تفوقه, وفق تقديره واهتماماته؛ انعكاسا للتفوذ الأمريكي في 
فترة ما بعد الحرب. يقول بينيت: «نجح اليابانيون نجاحا كبيرا ضي تطبيق 
العقيدة الأمريكية بقيمة التعليم للجميع. كما يبدو أن اليابانيين توصلوا إلى 
حل مقنع للمعضلة التي تواجه الأمريكيين حول «المساواة» و«التفوق». 

والادعاء بأن اليابائيين تعلموا من الاحتلال قيمة التعليم للجميع ليس إلا 
وهمًا أمريكيا أجوف. فاليابان الرسمية كانت قد اكتشفت منذ زمان طويل 





مه هال كح ال تب نجي 


أن التعليم للجميع أمر مرغوب فيه إن لم يكن لقيمته فلفوائده. ولكن كلام 
بينيت ليس إلا مجرد تكرار لما ورد في العقيدة الجديدة. وفي العام نفسه 
الذي صدر فيه تقريره «التعليم الياباني اليوم», نشرت محاضرة في جامعة 
هارفارد تدعى ماري هوايت عاذط/11 :8/6:3: كتابا بعنوان التحدي التعليمي 
في اليابان:الالتزام نحوالطفولة [26002ع:1ل8 عدعمدمة1 ع1" 
مم1 نط© م0 اناعد تسصرهك لك ن:عممع056211)؛ وهو كتاب طرحت فيه عددا 
من الأسئلة المتميزة: 

إن رعاية الأطفال في اليابان لا تعتبر مجرد شأن عائلي: فالحق أن الأمة كلها معبأة من أجل 
الأطفال وتعليمهم. وهذا الهاجس الذي يتملك الأمة من أجل الأطفال يمكن أن يكون مصدر فخر 
للأهل والمعلمين في الغرب؛ هذا الهاجس الذي يمكن أن يكون مسسؤولا عن أطضال تلتقي آفاق 
حيواتهم ومستقبلهم مع معاييرنا. وباختصار, الطريقة التي ينتهجها اليابانيون في رعاية أطفالهم 
وتنمية ملكاتهم هي من الأمور التي يجب أن نحسدهم عليها. 

هما منابع تعظيم فرص الحياة أمام الأطفال؟ وكيف يعكس الالتزام الكبير تجاه الأطفال 
منظور الأمة وفكرتها عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها. 

ومن المؤسف أن الدراسة التي قامت بها هوايت لا تلقي بالا للإجابة عن 
الأسئلة الممتازة التي أثارتهاء بل إن الكتاب يجنح إلى تقديم إيضاحات لظواهر 
مثل «نقص الموارد» التعليمية؛ ومشاعر عدم الإحساس بالأمن المنتشرة في 
مجتمع زراعي»؛ ووفقا مقولة أحد المعلمين «الفطرة الأخلاقية المميزة لليابان». 

وثمة إحصاءات كثيرة تدل على تفوق المدارس اليابانية» فتلاميذ المدارس 
اليابانيون يقضون في المتوسط سبع ساعات في الفصول الدراسية كل يوم؛ 
بالإضافة إلى ساعتين لعمل الواجبات المنزلية. أما متوسط التلاميد 
00 فهي خمس ساعات وعشرون دقيقة في المدرسة؛ وخمس وعشرون 

فيقة للواجبات المنزلية. والتلاميذ اليابانيون في سن التعليم يقرأون في 

5 خمسا وعشرين دقيقة كل يومء وذلك أعلىٍ مرتين ونصف قدر 
متوسط قراءة الأطفال الأمريكيين. والمعلمون اليابانيون عدون إعدادا أفضل 
من نظرائهم الأمريكيين. وهكذا بكل المقاييس يعتبر الطالب الياباني أفضل 
من نظيره الأمريكي في التحصيل والمواظبة. 

ولكن كيف ولماذا يصبح التلاميذ اليابانيون على هذا القدر من 
الانضباط؛ ومن أجل أي هدف؟ وما العادات الذهنية التي يكتسبونها؟ وما 


التضحيات المطلوب منهم تقديمها؟ 'وكيف يصبح حالهم بعد أن ينتهوا من 
المدرسة ا تنتهي منهم المدرسة؟ إذا نحن أجبنا عن 
هذه الأسئلة ‏ أو عن الأسئلة التي طرحتها هوايت ‏ فإننا يمكن أن نتساءل 
إن كانت التجارب التي يمر بها الأطفال اليايانيون: وآفاق حياتهم: تلتقي مع 
«المعايير التي تتقبلها». 

وإذا أخذنا حقائق التاريخ في الاعتبار. فإن أقل ما يقال هو أن التأكيد 
على الادعاء «بأن الأمة كلها معبأة من أجل الأطفال وتعليمهم»: هو كلام غير 
مسؤولء: كما هو غير مسؤول أنه يتوجب على الأمريكيين أن يحسدوا 
اليابانيين على «هذا الالتزام القومي». والحق أن الالتزام في المجال التعليمي 
يعود إلى عصر الميجي. ومنن الثلاثينيات: أصبح النظام التعليمي شكلا من 
أشكال القهر وأداة أساسية في الطبعة اليابانية من الشمولية الفاشية. ولا 
يوجد مكان: أي مكان؛ يمكن أن تطرح فيه للتفكير والمناقشة حقيقة 
استمرارية النظام التعليمي في يابان ما قبل الحرب ويابان ما بعد الحرب. 

# # * 

والعنف في المدارس ‏ في أمريكاء وبدرجة أقل في غيرها من الدول 
الغريية ‏ هو من بين الأسباب التي يقوئون إنها يجب أن تكون من بين دواعي 
إمجابنا بالنظام التعليمي ضي اليابان. ولكن الحقيقة أن العنف (من جانب 
الطلبة والمدرسين على المبواء) هو مر اليف لي اليابان: ولكنه أكثر تخفيا 
وراء ذرائع مؤسسية. فعلى مدار العام تنشر الصحف أخبارا عن حوادث تصل 
إلى حد السادية: مدرس يركل تلميذا عمره /ا١‏ 0 ا 
لأنه يقرأ مجلة مساسلات مصورة: تلمين عمره ١7‏ عاما ب يختنق بعد أن يلفه 
زملاؤه في حصيرة الألعاب الرياضية ويغلقون عليه في خزانة ورأسه إلى 
أسفل. وتقول التقارير إن المعلمين يصيبون التلاميذ كل عام بأكثر من مائة 
إصابة من نوع شروخ في الجمجمة؛ كسور والتواءات في العظام؛ وما أشبه. 
ويعد الترويع والإيذاء البدني (باللغة اليابانية إيجيمي عطناز[) من المشكلات 
اليابانية الخالصة. وهي واسعة الانتشار في النظام التعليمي: ويسجل منها ما 
لا يقل عن 7١‏ ألف حالة كل عام. 

وتساعد مثل هذه الأمور على تفسير الكثير مما يتعلق بالمدارس اليابانية, 
فثمة اندفاعات مقلقة للانتحار بين أطفال المدارس؛ الذين وصل عددهم في 


ا ثة التي تجين 


06 إلى اثنتي عشرة حالة. وفي المتوسطء يبلغ عدد الطلبة المتسريين من 
كل مدرسة ثانوية في البلاد إلى عشرين حالة كل سنة؛ ويعاني من إدمان 
الكحوليات طالب واحد من بين كل ستة؛ وتبلغ نسبة حالات الزوغان حوالى 
هل من مجموع عدد الطلابء ذلك أن التلاميذ الذين يُعدون بعشرات الآلاف 
يرفضون الخضوع للنظام التعليمي. والملاحظ أن هذه الأرقام والمعدلات 
تزايدت بشكل دراماتيكي في أثناء عشرية :198١‏ ووصلت إلى أرقام قياسية 
في أواسط التسعينيات. 

ولدى المعنيين: ليس ثمة رواج أو تشجيع لفكرة أن الزوغان والعنف 
والإدمان أمراض متوطنة ضي المدارس اليابانية. وحينما يرد ذكر هذه الأمور, 
فإنها تنحى في مكان ما بين الهوامش الإحصائية ‏ باعتبارها أحداث شذوذ 
وانحراف قمينة بآن تحدث في النظم كبيرة العدد. صحيعح أننا نخطئٌ حين 
نرى أن المدارس اليابانية أماكن خطرة أو خاوية؛ فهي ليست كذلك. ولكننا 
مرة أخرى لا نستطيع: ببساطة:؛ أن نهمل شأن هذه الإحصاءات ونتركها 
هكذاء بلا تفسيرء فمظاهر العنف ومعدلات التسرب وغيرها من المشكلات: 
هي أعراض لخلل واضطرابات تؤثر في حياة عدد كبير من الطلاب الذين لا 
تنبئنا الإحصاءات بشيء عنهم. 

وتفصح المشكلة الجوهرية عن نفسها في المصطلح الياباني نفسه 
الممستسخدم للدلالة على «التعليم» وهو «كيوإيكو 0ا/أ160», الذي يكتب في 
حرفين (رسمين). ويعني الأول «نقل المعرفة». والشاني يعني «التطوير أو 
التنمية». وضي الفرق بين الاثنين. يكمن سر الفشل المأساوي للمدارس 
اليابانية. إن وزارة التعليم هي التي تقوم بإقرار طرق التدريس والكتب 
المدرسية والمناهج من أول مناهج التربية الأخلاقية والتاريخ إلى التدرييات 
الرياضية الصباحية. وكلها تعنى بالتأكيد على إملاء المعارف مع إهمال العناية 
بقدرات الطالب على التحكم في زمام المعارف. أي الاهتمام بالكيو 10 على 
حساب الإيكو نااذء أي أن التلامين يتعلمون آلا يفكرواء بل أن يكدسوا أكواما 
هائلة من حقائق متفرقة يمكن استعادتها عند الطلب؛ ولكن يستحيل الريط 
بينهاء ولا يحدث هذا مصادفة أو عن غفلة: وإنما الاستظهار عن ظهر قلب 
هو الدرس الثاني الذي يتلقاه الأطفال في الاعتماد على الآخر. فالتفكير فعل 
استقلالي بينما الحفظ عن ظهر قلب هو الاعتماد على السلطة. 


اليابان: رؤية جديدة 


وتقاس قدرة الطلبة على الاستظهار بواسطة نظام تنافسي شرس 
للامتحاتات. والامتحانات سمة مميزة للأنساق الكونفوشية للاختيار 
والترقي!*). وتجرى هذه الامتحانات لا كتتويج لمرحلة دراسية ولكن كمسابقة 
للالتحاق. وكان الصينيون قد درجوا على استخدام الامتحانات للاختيار والترقية 
في التراتب البيروقراطي. ويجري اليابانيون الامتحان على الجميع؛ مما يؤدي 
إلى توعخاض من القنافس»وفى تجرق جميعا في الحال) كم عتهي. ون أجل 
هذا ينفق الطلاب جانبا كبيرا من وقتهم في حالة من الاستعداد المكثف التي 
يسمونها «جحيم الامتحانات», حيث يجتاز المرء الامتحانات أو يرسب دون أن 
يمنح فرصة ثانية للتحسين. ليس المقصود هنا هو الإنجاز الذاتي؛ وإنما المقصود 
أمر مختلف تماما؛ وهو أن يدخل الفرد مدرسة أو معهدا تمكنه شهادته من 
الحصول على أعلى مكانة أو حظوة اجتماعية. 
إن المنافسة الشرسة والحشو القهري للمعلومات دون المساعدة على تنمية 
الفكر النقدي يعطيان تفسيرا كافيا لشخصية الخريجين اليابانيين. وهكذا 
نرى أن مقومات النظام التعليمي ومتطلباته ‏ سنوات جحيم الامتحانات: 
واعتبار كل طالب أن كل طالب آخر خصم له . لا تنتج عقليات قادرة على 
الفهم والاستكشاف. وإنما تنتج هؤلاء اليابانيين أشباه الآلات الذين نفترض 
أن الطبيعة صنعتهم هكذا. وإذ يبذل كل فرد أقصى ما يستطيع للوصول إلى 
أعلى مكان ممكن في التراتب الاجتماعي؛ فإنه يصبح عاجزا عن إقامة 
عازقالك عبحية اج اقران علاقات أفقية متكافكة. والحصيلة أنهم سلبيون 
تجاه معظم القضايا العامة لأنهم لان يرون إلا أنفسهم: كما أنهم (وفقا 
للمخطط الرسمي) يجهلون مناطق كبيرة في تاريخهم . وخارج أشكال محدودة 
من الملاذات التقليدية ‏ حانات الكاراوكي 910016! على سبيل المثال ‏ فإتهم 
لا يحسون باستقلالهم الذاتي إلا قليلا. 
ويصبح السائرون على الخط كائنات اجتماعية (شاكاي جين ذال تمكلدطاة)؛ 
أناسا مبرمجين للحياة في المجتمع. فما الذي تعلموهة ما الأمور التي تعتبر مهمة 
تستحق من أجلها أن يعيش الناس في اليابان؟ إنها العادات الجوهرية و الأساسية 


(*) المعروف أن الثقافة التقليدية اليابانية أحد تنويعات الثقافة الصينية الأم. | التي تنتسب في 
جملتها للحكيم الصيني الأكبر في العصر التقليدي: كوتنفوشيوس: وتلك حقيقة سبقت الإشارة 
إليها (المترجم). 








سماء ار محال ني ونجين 


التي يجب أن تتواضر في النيهونجين الناجح: الاحتفاظ بذاتيته الفردية ضمن 
اطار خصوصياته. والمثايرة والتعسكر في مواجهة الخصم. والتواؤم والتكيف. 
وهذا يفسر لماذا يظل الترويع والعقاب البدني ممارسات مألوفة على الرغم من 
أنها مدانة رسميا. ولا تبذل وزارة التعليم إلا أقل الجهد في هذا الصدد باستثناء 
حالات قصوى. لأن الترويع والعقاب البدني هما أفضل الطرق لحمل رسالتها . 

قابلت في مدينة كوبي طبيبا نفسيا اسمه ماساو مياموتو 112530 
هأهطلة11 تلقى تعليمه في كلية الطب في كورنل: ومارس ال مهمة في أمريكا 
لمدة عشر سنوات قبل العودة إلى اليابان: ثم اشتغل لمدة سبع سنوات في وزارة 
الصحة. وكانت مشكلة مياموتو بسيطة: تتلخص في أنه نأى عن حياة 
العشيرة. كانت حياته جحيما إلى أن تعلم كيف يتعامل مع المتطلبات القاهرة 
للحياة المنمطة من خلال مقاومتها ثم تجاهلهاء وأخيرا الكتابة عنها. درج 
مياموتو على اتخاذ أريطة عنق ذات ألوان زاهية براقة: والذهاب للغداء مع 
رئيسه وزملائه وطلب أطباق مختلفة عما يطلبه الآخرون. لم يكن يعمل وقتا 
إضافياء وكان يقوم بكل أيام راحته وإجازاته. والثمن الذي دفعه هو وقوعه 
تحت طائلة النبن والترويع (إيجيمي). وعندما بدأ في نشر ملاحظاته عن 
الصعوبات والمضايقات التي صادفها في اليابان بعد أن عاش سنوات في 
الخارج؛ طلب منه أن يستقيل. ليس لأن ملاحظاته كانت مجافية للحقيقة؛ 
ولكن لأنه كشف دخائل جماعته لمن هم خارجها . 

ولا ينتهي الترويع بعد التخرج:؛ فالترويع بشكل أو آخر جزء من حياة كل 
نيهونجين: بدءا من أيام الدراسة وإلى آخر العمر. ويصف مياموتو الترويع 
بأنه: «نزوع سادي يهدف إلى إعادة الخراف الناشزة إلى القطيع». ولكن من 
الناحية الأخرى, كيف يرى رئيسه الأمرء يقول: «هذا ليس ترويعاء نحن نسميه 
انضباطا. فلأننا نحبك؛ نريد أن نجعلك تتأقلم مع البيئة المحيطة بأسرع ما 
يمكن. أنت ‏ ببساطة ‏ لا تفهم مشاعرنا». 

وهذان التفسيران لتعبير إيجيمي لا يتناقضان: فالترويع قسوة ومحبة في 
الوقت نفسه. لأن الاثنين ينبتان من جذر واحد؛ هو النرجسية. فأن يكون المرء 
على قدر من النرجسية لهو جانب أساسي من أن يكون المرء نيهونجين: فالمرء 
يتحمل الخوف من الاختلاف مع الآخرين من جانب؛ ومن جانب آخر الرغبة 
في أن يرى صورته منعكسة في الآخرين جميعا. ألا تتضمن عملية تحويل 


اليايان: رؤية جديدة 


الصبية الصنار مثل يوزوكي كوباياشي:؛ إلى كائنات اجتماعية الترويع والمحية 
معاء يتولى تفعيلها المجتمع بجرعات كبيرة؟ هكذاء بالمنظور السيكولوجي؛ فإن 
وجوب النرجسية يفسر قمع الذات الفردية. يتحدث مياموتو عن عمله في 
الجهاز البيروقراطي قائلا : «مسموح بأن يكون لك أفكار مغايرة؛ بشرط ألا 

ومن بين أكثر الجماعات التي ظهرت في أواخر الثمانينيات غرابة جماعة 
تضم شبابا في الحلقتين الثانية والثالثة من عمرهم: تسمى أوتاكو 10:)(). 
وأوتاكو واحدة من التعبيرات الكثيرة التي تعني «ضمير المخاطب». وكانت 
تستخدم في الكتابات القديمة لمخاطبة من ينتمي لبيت (18) من البيوتات 
الأخرى. ويتضمن المعنى أن يكون المرء غير معني بتفاصيل شؤون غيره؛ وكان 
استخدامها يعني «نحن ننتمي إلى بيوتات مختلفة؛ ولا يجمع بيننا الآن إلا هذا 
اللقاء الحالي». وفي هذا تعبر الكلمة عن تجسيد ظواهر الآخرين مع 
المحافظة على وهم التشابه وإياهم. وهكذا؛ منع هذا التعبير اكتشاف أن ثمة 
اختلافات بين الذات والموضوع. بين «الأنا» و«الأنت», 

واليوم تستخدم جماعة أوتاكو هذا التعبير للدلالة على مجموعة أشخاص 
يشغلهم هاجس واحد . وقد اختاروا اسما لهم مطابقا لضمير المخاطب القديم: 
لأنهم يستخدمونه ليعني: «أنا لا أهتم بك ولا بحياتك الداخلية؛ وإنما إشاركك 
فقط اهتمامنا الصغير». والهاجس الذي يمكن أن يشغل جماعة الأوتاكو قد يكون 
نجما سينمائيا راحلا؛ أو فنان كاريكاتور؛ أو قائمة مواعيد القطارات» أو كائنات 
من الفضاء الخارجي. وتعتبر الكومبيوترات من اهتماماتها المفضلة. والمهم أن 
يكون العضو عارفا بأدق التفاصيل عن الهاجس الذي يشغله. وياحبذا لو كان 
أمرا غامضنا. وقد صادفت ذات مرة إحدى مجموعات الأوتاكو يقف أعضاؤها 
على سلم مترو الأنفاق في منطقة روبونجي بارء منتظرين أحد المغنين الشعبيين 
كانت أخباره قد انقطعت منن سنوات. وكان كل منهم يحمل وردة في يده. سألت 
ما الذي يتوقعونه. قيل إنهم كانوا على يقين أنه كان سيظهر بمجيء القطار 
التالي في تمام الساعة التاسعة والدقيقة الخامسة في طريقه لحضور احتفال 
معين في عنوان محدد . 

والأوتاكو جماعة متطرفة؛ ولكن لا يمكن تجاهلها كجماعة هامشية. ويظهرر. 
على غالبية طلاب الجامعات بعض من صفات وخصائص الجماعة؛ ويستمر 





مه ه ك2 ع 1ل نيع ونجين 


الكثيرون في التمسك بهواجسهم ورعايتها بعد أن يخرجوا إلى ممارسة مهنهم 
في العشرينيات من عمرهم. والانتساب للأوتاكو هو باختصار ا ملاذ الأخير 
لخصوصية الفرد. ورفض كل ما قد ينال من الذات المحصنة؛ واعتراف بعدم 
القدرة على تحقيق علاقة إنسانية أصيلة وحميمة. وعضو الأوتاكو (وكلهم تقريبا 
من الذكور) يرسم دائرة حول نفسه ‏ وذلك نزوع ياباني أصيل ‏ وينسحب داخلها؛ 
ويرفض السعي للمعرفة الدقيقة بأولئك الذين يشاركونه اهتماماته؛ لأن تفاصيل 
حياة أي فردء حتى الشريك في الأوتاكو, ستفضي إلى أنه ليس إلا «الآخر». 

وفي هذا أدق ما يمكن تخيله من تجليات النرجسية الكامنة في المجتمع 
الياباني. فالأوتاكو يرغب في تحقيق توحد مثالي مع الآخرين: وفي الوقت نفسه. 
استقلالية لا لبس فيها ‏ وهما النزوعان التقليديان للنرجسية. ويوحي مظهر 
الأوتاكو بأنه «ما بعد حداثي» وهامشي. ولكنه تقليدي في أعماقه حيث هو 
يرخض ما ليس مألوفا. وكان الطلبة في مدارس احتفاليات الشاي التقليدية 
يشبهون الأوتاكو؛ حيث كان كل 0 مرآة لكل عضو آخر. ومن ثم يعبر 
الأوتاكو عن نوع من التمرد حيث يؤدي دورا هزليا للتعبير عن التواؤم. 

ولكن؛ كيف يقضصي الأوتاكو وقته؟ إنه. شأنه شأن النمط المألوف للطلاب 

اليابانيين» يقضي وقته في تكديس معلومات وحقائق غير مترابطة (ومن ثم غير 
ذات فائدة). إن ما يشغله على نحو شبه مرضي هو نوع من سخرية ما بعد 
الحداثة ‏ مربط الفرس فيها هو تبين ال «لا معنى» فيما يحسب الناس أنها أمور 
لها معنى في اليابان المعاصرة. إنه يحتج على ما «تعلمه»؛ وعلى طريقة تعليمه؛ 
وضي الوقت نفسه يؤدي دور التواؤم والخضوع إلى النهاية. إن المثابرة فضيلة 
ينه المرء عليها؛ ويمكن اعتبار أن التواؤم أحد أشكالها. ولكن الأمر يختلف إذا 
فهمنا كيف غُرست هذه الصفات ورسخت. ويثبت لنا الأوتاكو أن ما يتصفون به 
من المثابرة والتواؤم: مثل التعليم: أي يمكن أن يكون خيرا أو شرا . 

وفكرة أن الخريجين اليابانيين ينتظرهم مستقبل زاهر يحسدون عليه لا 
تنطبق إلا على شريحة تبلغ ٠١‏ في الماكة من طلاب الجامعات - مثل خريجي 
بجاممة طوكيو وحفنة من المعاهد الأخرى. ولكن علينا أن نت نتساءل إذا كان حتى 
الأقلية المحظوظة جديرة بأن تُحسد: فاليابان التي نفترضهاء يابان الكفاءة 
الإنتاجية؛ تقوم على صورة زائفة. ذلك أن خريجي جامعة طوكيو (والتي غالبا ما 
يسمونها توداي 10041) يتعرضون لوطأة الضغوط الكثيبة نفسها لكي يتواعموأ 


اليابان: رؤية جديدة 


بمجرد أن يبدأوا العمل والحياة في النظام؛ شأنهم في ذلك شأن الآخرين؛ بل إن 
الضغوط التي يتعرضون لها يمكن أن تكون أشد وطأة عليهم: فهم الذين يضرب 
بهم المثل لغيرهم. وتجربة الدكتور مياموتو مثال نمطي لما يحدث لخريجي توداي 
في كل الأمور؛ عدا واحدا: ذلك أنه لما كان غير قادر على التواؤم أو المقاومة, 
فقد أمضى العام الأول لعمله في وزارة الصحة يعاني الأرق والحموضة. 

إن هذا التصور العام للنظام الياباني لا يثير الدهشة إلا لدى من يتقبل 
العقلية التقليدية دون تمحيصء أو من لا يرغب في رؤية اليابان على حقيقتها. 
ولا يوجد من يرغب ضي الثقة بالنظام الياباني إلا أناس بعيدون ‏ في الغرب»: 
حيث يرون المظاهر البراقة ولا يتعمقون التفاصيل الكثيبة تحت السطح. أما 
في اليابان؛ فهم يسألون: من نلوم» كيف وصلت مدارسنا إلى هذه الحال 
المؤسفة؟ فلم يعد ثمة أحد يمكن أن يدعي أن النظام التعليمي مقنع. ولكن لا 
يوجد اتفاق على ما هو أكثر من ذلك. لأن الحلول المقترحة شديدة التنوع. 

وما كان أرينوري موري 200:1 0:1ه1:1ث: أول وزير للتعليم في اليابان: ليتنباً 
بما أصبحت عليه الحال من تزايد أعداد المتسربين والهاربين من المدارس ‏ 
ناهينا عن الأوتاكو. ولو كُتب له أن يرى؛ لأصابه الفزع. غير أن هذه الفكرة 
المتضمنة في عبارة موريء الواردة في مستهل هذا الفصل؛ هي نفسها التي 
تناقش في موضوع النظام التعليمي: وهي السبب في هذه الأعراض المرضية: 
الفكرة القائلة إن الهدف من التعليم في اليابان هو إنتاج ‏ أو تصنيع ‏ أناس 
أفرب إلى الماكينات منهم إلى شخصيات باحثة عن الحقيقة. وها نحن بعد 
قرن من موت موريء؛ وما تزال اليابان بعيدة عن إيجاد إجابة عن السؤال 
البسيط وإن يكن أساسيا؛ وهو: من يخدم الآخر؛ الفرد أم الدولة؟ فهل نعجب 
أن يكون نظام التعليم الحالي في اليابان» وهو سليل النظام الذي أرساه موري, 
من بين أكثر النظم التعليمية إثارة تللخلاف في الدول الصناعية المتقدمة. 

نم كنا يزخ 

كانت طباع المحاربين في الدماء التي تجري في عروق أرينوري موري؛ 
كانت تنشئته التعليمية ‏ كابن لأحد الساموراي ‏ شبيهة إلى حد كبير بالروتين 
المفروض على التلاميد في أيامنا هذه: يصحو في السادسة ليقضي ست 
عشرة ساعة في المذاكرة والاستظهار عن ظهر قلب ‏ «دون اهتمام يذكر 
بالمعنى» حسب ما يحكي لنا كاتب سيرته الذاتية ‏ وفي هذا الموضع من 





تنشئة النيهونجين 


الذكريات خانته الدموع. يضاف إلى ذلك الأعمال البدنية الشاقة ‏ روتين 
الإعاشة اليومي؛ التدريب على الفنون الحربية؛ ومناورات عسكرية في الظلام 
أحيانا. وظل مقيما حتى سن الثامنة عشرة في تكنات المنطقة العسكرية التي 
كان يخدم فيها والده. 

ثم قضى موري معظم سنوات العقد التالي في الخارج:؛ في إنجلترا والقارة 
الأوروبية؛: وأمريكاء وتمخضت هذه السفريات عن مولد شخصية أخرى. 
تُظهر صورة فوتوغرافية أخذت لموري العام 14177: بعد أربع سنوات من 
الإحياء الإمبراطوري؛ تُظهر رجلا وسيما شديد الثقة بالنفس ذا نظرة نفاذة: 
وشعر منسق على الطريقة الإنجليزية: وبنية قوية, ولحية مشذبة بعناية: يلبس 
سترة ذات قلابات واسعة وريطةعنق حريرية أنيقة تحيط بالرقبة. كان موري 
حينذاك: في الخامسة والعشرين من عمره في منتصف جولة استمرت ثلاث 
سنوات كأول سفير ياباني لواشنطن. 

شهل كان: والحال هذه؛ نموذجا للمدنية, أم نموذجا للساموراي المعادي 
للأجانب؟ أو ربما نستطيع أن نطرح السؤال بطريقة مختلفة: هل كان مبهورا 
بالغرب مقلدا له5 أو لعله كان حارسا فوق العادة للتقاليد اليابانية العظيمةة 

ومن المسلم به أن موري تعرف على الغرب تعرفا حميما أكثر من أي شخصية 
أخرى . في عصر الميجي. وكان يدعو بوضوح زائد إلى فكرة أن اليابان بحاجة إلى 
أن تستوعب كل ما تستطيع من معارف الغرب. وكان ينصح الشباب اليابانيين 
الذين يدرسون في الولايات المتحدة بالزواج من أمريكيات لتحسين الصفات 
الوراثية للأمة اليابانية وكان يرغب في نبذ نيهونجو 2150080 («لغتنا اليابانية 
الفقيرة») لكي يتمكن اليابانيون من التخاطب بالإنجليزية بعد ذلك وإلى الأبد. 
وكان أول ياباني يتزوج على الطريقة الغربية ويمنح زوجته الحقوق التي تتمتع بها 
النساء في أمريكاء ويحررها من العقيدة الكونفوشية للإحساس بالدونية والمهانة؛ 
وكان يفضل قضاء وقت فراغه في لعبة البلياردو: التي تعلمها (من بين أشياء 
كثيرة أخرى) من هريرت سبنسرء عالم الاجتماع الإنجليزي في النادي الثقاضي 
بلندن (طن1©) تتناعقمءطاخ). وقد أطلق هيروبومي إيتوء أول رئيس وزراء ياباني» 
على موري صفة «الغربي المولود في اليابان». 

ولم يلبث أن ظهرت شخصية أخرى ل «موري». أقدم على الطلاق؛ وأعاد 
الزواج على الطريقة اليابانية» وأصبح وطنيا متعصباء وتحولت مدارس موري 


اليابان: رؤية جديدة 


لتلقين الكوكوتاي (الروح القومية). وعلقت صورة الإمبراطور في داخل كل 
فردء وأعيد استظهار كلامه عن التعليم وتكراره باستمرار. وانشغلت الرقابة 
بمراجعة الكتب المدرسية. ولم يعد ثمة وجود لما يمكن أن يسمى بالذات 
الفردية اليابانية التي تتعلم من أجل العلم وإنما فقط من أجل أن تصبح 
نيهونجين: حيث الهدف من التعليم هو اليابان. 

وأخيرا؛ جاء موت موري؛ شأن حياته كلهاء كحدث حاقل بالتناقض؛ ففي 
1 ذهب موري لزيارة المعابد المقدسة في أيزي 150 جنوبي طوكيو. ولنا أن 
نؤكد أن الزيارة كانت مخلصة. ولكن موري أخطأ في المراسم المقدسة؛ طعند 
دخوله المزار لم يخلع نعليه؛ ثم استخدم عصاه لإزاحة ستار مقدس ما كان لأحد 
من البشر أن يمسه؛ وقيل إن التفاصيل غير معروفة؛ ثم؛ بعد عامين: وفي اليوم 
نفسه الذي منح فيه الإمبراطور اليابان دستورها الجديد؛ طّعن موري بيد أحد 
القوميين المتعصبينء وهو أحد الساموراي السابقين مثله؛ انتقاما لما حدث ضفي 
مزار أيزي؛ قبل عامين. وجعلت الصحف من القاتل شهيدا خلص اليابان من 
خائن: من مسيحي متخف. وهو قول تردد في الدوائر العليا. ولم يعرف العامة إن 
كان عليهم أن يكرموا ذكرى الوزير المبجل عند قبره؛ أو أن يكرموا القومي 
المتعصب. الذي ظهر من بين أول جيل حديث؛ ليقتله. 

حاول كتاب السيرة الذاتية الأوائل لموري أن يحددوا موضع التغيير الكبير في 
تفكيره: ذلك أن تأثره تحول من أمريكاء من احتشاد المشروع الفردي في أثناء 
سنوات الميجي» إلى ألمانيا الجديدة القومية؛ كان الظاهر أنه يترك وراءه ليبرالية 
الشباب ليعود إلى الشخصية التقليدية الكامنة في داخله؛ ولكن لم يكن ثمة ما 
يمكن اعتباره تقدما وتراجعاء لا حركة إلى الأمام أو نكوصا إلى الخلف. فيبدو 
أن موري يحتفظ بكل آرائه معاء دون أن يعنى (أو ربما دون أن يستطيع) أن يوفق 
بين المتناقضات. كان موري قوميا على الدوام؛ معتقدا في الدولة: منفذا لعقيدته 
في وزارته؛ ومع ذلك: كان يرى أن اليابان يجب أن تكون مثل الغرب الذي رآه في 
رحلاته: بلد العلاقات المنفتحة؛ والتفاعل الثقافي الحيء والوعي المديني - 
وباختصار كان يريد أن تكون اليابان ساحة عامة منفتحة. كذلك كانت العادات 
الشخصية لموري مغرقة في الفردية (وهذا يضيف سببا آخرلنظريات الريبة التي 
كانت تحيط به): ومع ذلك يبدو أنه لم يحقق الذات المستقلة على النحو الذي 
حدثنا عنه الكاتب الروائي ناتسوموي سوسكي. 





.2 ثة النيع 9 0-6 ٠.‏ 


كانت حياة موري نوعا من السيرة الذاتية لعصر الميجي؛ ويمكن أن يطلق 
اسم موري على العصر بأسره. وكان الخلط الذي وسم حياته يسم حياة كل 
الناس في عصره: وكانت «البنية المزدوجة لروحه وفكره» (حسب تعبير رقيق 
لأحد المؤرخين المتأخرين)؛ كانت هي بعينها البنية المزدوجة لليابان الحديثة. 
ولكنه لم يكبر قط ليتجاوز كونه «ساموراي» تحت التدريب» ومن ثم انتهى إلى 
إصابة البلاد كلها بصورة وأثر من تجربته الشخصية. وتجلت التراجيديا 
الإنسانية للمشروع التحديثي . بكل فرصه الكبيرة الضائعة ‏ أقصى ما تجلت 
في نظام موري التعليمي. 

عند عودته من واشنطن في 1475؛ شرع موري في تأسيس «جمعية ميجي 
ستة» لإؤهاده5 81 أعأ2/10: والتي أطلق عليها هذا الاسم لأنها أسست في العام 
السادس للتقويم الإمبراطوري, أي في العام السادس لعصر الميجي. كان أعضاء 
الجمعية مثقفين ليبراليين ينشرون مجلتهم بأنفسهم. وسرعان ما أصبحت 
الجمعية مركزا لحركة التمدن والتنوير. وكان يوكيشي فوكوزاواء وهو المدافع عن 
«الروح الاستقلالية» من بين أعضائها المرموقين؛ وكان صديقا لموري. ولكن كان 
لكل منهما موقف متعارض حين انقسمت الآراء في عصر الميجي حول التعليم؛ 
وكانت الخلافات قد بدات بينهما وهما عضوان في الجماعة. 

في العام 14176, أصدرت الحكومة الجديدة أول قانون من قوانين العيب 
والتشريعات المنظمة للصحافة؛ تهدف كلها إلى الحد من حرية التعبير وكبح 
انتشار الجدل السياسي بين اليابانيين العاديين: كانت التشريعات فضفاضة 
وصياغتها ملتبسة؛ وتنذر بتغيير وشيك في توجهات اليابان. انعكس هذا على 
جمعية «ميجي ستة» حيث نصح موري أقرانه قائلا: «لم يكن الهدف الأصلي 
عند تأسيس جمعيتنا أن تدور مناقشاتها حول الشؤون السياسية المعاصرة. 
وعليه طلناخن حذرنا في المستقبل؛ ونتجنب التورط في مثل هذه المساجلات». 

أليس هذا شبيها بأن نطلب إلى الناس أن يناقشوا اكتشافهم لليحر دون أن 
يرد على لسانهم ذكر للماء؟ كيف يمكن للمرء أن يناقش مولد اليابان الحديثة من 
ررحم الإقطاع دون مناقشة السياسة؟ من ثم؛ استشاط فوكوزاوا غضباء ورأى أنه 
لم يعد ثمة أي معنى للاستمرار. وبعد أن ظلت جمعية «ميجي ستة» لمدة عامين 
لها صوت مسموع في اليابان الجديدة؛ توقفت عن إصدار مجلتها السنوية بعد 
وقت قصير من حديث موريء ولم تلبث أن انحلت تماما بعد ثلاثة أشهر. 


اليابان: رؤية جديدة 


فماذا كان جوهر المعركة التي نشبت بين موري وفوكوزاواء هل كانت هي 
الرقابة على الصحاظة؟ لو كان الأمر كذلك؛ لكان فوكوزاوا بالتأكيد قد 
حبن استمرار إصدار المجلة. إنما كانت القضية الجوهرية هي حظر 
المناقشات السياسية. وفي خلفية أفكار موريء هناك طرضية أن ثمة أشياء 
بعينها لا تناقش إلا ضي الدوائر المغلقة للطبقات الاجتماعية العلياء وخلف 
الفرضية توجد فرضية أخرىء هي أن القوى المحركة لليابان الجديدة؛ 
ومنيع أفكارها والموجه لهاء ليست هي الأغلبية من العامة وإنما هي النخبة 
المتعلمة. ويتضمن هذا الجوهر أمورا كثيرة. ومعنى ذلك باس تخدام 
تعبيراتنا ‏ أن التوجةه في اليابان الحديثة يجب أن يكون من القمة إلى 
القاعدةء وليس من القاعدة إلى القمة. أفضت هذه الفكرة: في النظام 
التعليمي؛ إلى التمايز بين الدراسة (وتختص بها النخبة) من جهة: والتعليم 
(للعامة) من جهة أخرى. 

وورد تلخيص دقيق لهذا المبدأ في ,141١‏ العام قبل الأخيرلعصر الميجي 
في أثناء جدل عرف باسم المناظرة الخاصة بالعائكلات الحاكمة في الشبال 
والجنوب. حيث طّرحت للبحث مشروعية الخط الإمبراطوري. كيف شرح 
هذه القضية في الكتب الدراسية دون المساس بالعرش؟ وفيما يلي الحجج 
التي قدمها أحد الباحثين من توداي (جامعة طوكيو) حينذاك: 

عندما تجري بحوثا وتستخلص نتائج ثمة؛ طبعاء موقفان: الأول هو الموقف تجاه الحقيقة 
كحقيقة: وفيه يجب أن نضع أسئلة البحث بطريقة علمية؛ دون أن توقفنا اعتبارات الصواب والخطاء 
اوالخير والشر. اما الموقف الآخر, شفيه يتعين أن نجري أبحاثنا ونستخلص نتائجنا بمعيار القيم 
القومية أي أخذا في الاعتبار لما هو مرغوب وحسن أو ما هو مكروه وسيئ بالنسبة للدولة. وغني عن 
الذكرء فيما يتعلق بالكتب الدراسية القومية: أن هذا الاختيارلا وجود له في الموقف الأول. 

أما عن المعرفة؛ كسلطة؛ فإن الوصول إلى الحقيقة في اليابان الحديثة 
أمرء ونشرها بين الناس أمر آخر. 

كان فوكوزاوا يزدري هذا النوع من التفكير. ولكن موري» كما رأيناء لم 
يكن قاطعا؛ ولكن كانت له معاركه مع الكونفوشيين القدامى. لم تكن لديه 
رغبة في أن تدرس المدارس الأيديولوجيا أو الشينتو كديانة رسمية. وضي 
امد ؤ عسي الداقطين يمراد اتحده يعسية التجذل الشتمل حول تدرين 
علم الأخلاق. بعد الإحياء الميجي كانت الكتب المدرسية في علم الأخلاق 





تتنشئة"1! تيهونجين 


تراجم مباشرة عن الكتب الأميركية؛ ولكن الكونفوشيين لم يلبثوا أن أحلواء 
بالتدريج؛ كتبهم عن التعليم الأخلاقي محل تلك التراجم. وإذ أثار هذا 
سخط موريء فإنه عمد ببساطة إلى إلغاء نصوص علم الأخلاق من أي 
نوع. وإذ كان موري متهما من قبل بسبب الصيفة الفربية في تفكيره., 
ويُنظر إليه كعدو للروح اليابانية الحقيقية؛ فإنه أصبح منذئذ هاجسا 
يتملك المحافظين. 
ولكننا نصل هنا إلى واحدة من مفارقات موري الفكرية؛ فما الذي كان 

يريد أن تعلمه المدارس؟ في العام نفسه الذي ألفيت فيه نصوص علم 
الأخلاق» قال: «إننا نقع في خطأ كبير إذا تصورنا أن الأهداف الأساسية 

تعليم يجب أن تتحصر في القراءة والكتابة والتذكر !*) كان موري يريد أن 
تنتج المدارس «الرعايا الصالحين». وما مواصفاتهم؟ يطرح موري هذا السؤال 
على نفسه ثم يجيب: «يجب أن يكونوا رعايا للإامبراطور ينهضون بواجباتهم 
على أكمل وجة؛ وضعتى .هذا أن يكوتوا على استعداد نظبية التذاء والتضبعية 
بحياتهم من أجل الدولة». 

ربما يكون موري قد التيس عليه فهم المحافظين؛ كما التبس عليهم فهمه؛ 

ولكنه قدم لهم المدارس التي يريدونها. ولم يترك للإدارات المحلية في النظام 
الذي بني في أواخر سنوات ١88٠‏ لم يترك لها إلا قليلا من حرية التصرف في 
اتخاذ القرارات. أما المناهج والكتب المدرسية والمعابير والمستويات فأصبحت 
جميعا من اختصاص وزارة التعليم (مومبوشو هناةناطتة80). وقام المفئشون؛ من 
طوكيو؛ بالرقابة على جميع مدارس اليابان. وأغلقت غالبية المدارس الخاصة؛ 
ولإلغاء دور المدارس الباقية؛ أصدر موري مرسوما يقصر التقدم لامتحانات 
الالتتحاق بالجامعات على خريجي المدارس الحكومية. وبعد ذلك يأتي 
دورا معلمين؛ ومن بينهم الكثير من الليبراليين والشعبيين: ممن لا يؤتمنون على 
القيام بتنميط اليابانيين المحدثين. ومن ثم؛ فإن «لوائح السلوك الواجب مراعاتها 
من جانب مدرسي المدان س الابتدائية» نصت على حظر المناقشات السياسية. 
وحرصا على جعل المعلمين قنوات توصيل يُونّق بها للروح القومية (كوكوتاي 
تأسكانها)» وضع موري التدريب المهني للمعلمين تحث إدارة المومبوشو (وزارة 
(*) شي الأصل الإنجليزي: الراءات القلاثة (”18" 6:ذا 6ا): وهي إشارة دارجة إلى ,9116 ,80ت 


لامع لد (المترجم). 








اليايان: رؤية جديدة 


التعليم)؛ وفرض على المتدريين أن يلبسوا الملابس العسكرية. وبعد أن تنتهي 
البيروقراطية من تدريبهم: يُنشرون للخدمة في جميع أنحاء البلاد؛ مثل الجنود . 

تمكن النظام الذي أرساه موري من الصمود حتى ١1546‏ . وكان من بين ما 
تأثر به موري النظام الفرنسي لما يتميز به من قيادة مركزية؛ والنظام 
المريتوقراطي(*) الألماني الموضوع في خدمة اقتصاد صناعي سريع النمو. 
ولكن محتوى النظام الذي صنعه موري كان يابانيا خالصا. 

في ,186١‏ بعد عام من مقتل موريء أصدر الإمبراطور واحدا من أهم 
اثنين أو ثلاثة مراسيم صدرت قبل الحرب العالمية الثانية. وقد صدر ذلك 
المرسوم الأول في وسط حالة من التشويش المريع. كان مصرع موري قد هز 
أركان الحكومة ‏ لأسباب لعل من أقلها الخلط الذي أصاب الشعب فيما يتعلق 
بالقاتل. وهل كان على صواب أوخطا . لقد كان السؤال المهم الذي طُرح في 
المرسوم الإمبراطوري عن التعليم هو بالتحديد: ما نوع البلد الذي صنعته 
الأوليجاركية الحاكمة؟ ولم يكن الإمبراطور هو الذي كتب هذا المرسوم: وإنما 
كان المرسوم؛ مثل غيره من البلاغات الرسمية الصادرة باسم الإمبراطور؛ قد 
حرره بعض من حوله ممن يحكمون باسمه. وإذ يقرأ هذا المرسوم في أيامنا 
هذه يبدو كأنه مجرد مجموعة من الجمل السطحية التي تكرس الفضائل 
الكونفوشية العتيقة و«الشخصية الأساسية لإمبراطوريتنا». 

ولكن الأثر الذي أحدثه ذلك المرسوم كان هائلاء ودائرة تأثيره كانت 
أوسع كشيرا من النظام المدرسي الذي أقامه موري. كانت المراسيم لوائح 
قومية: وتعليمات صادرة لكل اليابانيين: وليس من قبيل جنون الاضطهاد أن 
يتخيل المرء أنه يسمع؛ بين سطور المرسوم الإمبراطوري للتعليم: قرع الطبول 
العسكرية. ففيه تم الجمع رسميا مرة أخرى بين الولاء وطاعة الأبناء 
لأهلهم. فخدمة الإمبراطور هي خدمة الدولة: والعكس بالعكس؛ ذلك كان 
الصرح الجديد المتضمن في داخل المرسوم: وهو بالضبط ما كان فوكوزاوا 
قد خاض ضده المعارك؛ وإن بحجة مغلوطة. 

وما كانت مدارس موري لتجري تغييرات كبيرة للتواؤم مع ما جاء في 
المرسوم. في الأساس. ثمة التعليم العام ست سنوات من التعليم الإجباري عند 


#0 النظام المريتوقر فلن تمعاورة عناان تالت : نسبة إلى لإتقاءم 1/1 :أي جهاز الحكم المشكل مر من 
أشخاص اختيروا تنافسيا طيقا لجدارتهم المهنية (المترجم). 





تنشنة"١/‏ نيهوتجين 


نهاية عصر الميجي: حين وصلت نسبة المسجلين من الأطفال إلى ما يقرب من 
2/6 “وقيل نعتوات كثيرة من الديكناتورية العسكرية ‏ بل قبل أن ينتهي عصر 
الميجي ‏ كان التعليم يُعرّف قانوناء ليس كحق للطفل؛ أو كمسؤولية على أولياء 
الأمور تجاه أطفالهم» وإنما كواجب على أولياء الأمور تجاه الدولة. ومن ثمء كان 
يمكن أن يقال إن «الأمة كلها معبأة من أجل الأطفال وتعليمهم». 

وضي القمة أنشئت الجامعات, أماكن للدراسة وليست للتعليم. ولا يمكن 
ممارسة استكشاف الأفكار إلا في الجامعات؛ فيما يشبه مناخا منفتحا؛ بحيث 
يمكن التعامل مع الثقافة المحايدة كنوع من التجارب الإشعاعية. كان ثمة سبع 
جامعات إمبراطورية وعدد قليل من الجامعات الخاصة؛ (وكان فوكوزاوا في 
4 هو صاحب فكرة تأسيس إحداهاء وهي جامعة كيو 16610 التي ما تزال بين 
أفضل الجامعات في اليابان)؛ وكان هذا العدد القليل كافياء فاليابان كانت 
محتاجة إلى نخبة؛ ولكن لتكن نخبة قليلة العدد. يمكن توظيفها بسهولة. وكانت 
جامعة توداي في أعلى القمة؛ وصدر في 1887 أمر إمبراطوري يمنح خريجي 
الحقوق في جامعة توداي» وحدهم؛ الحق في أن يتقدموا للالتحاق بالمراتب 
الوظيفية العلياء وهو امتياز ما يزالون يتمتعون به حتى اليوم. 

كان النظام شبيهاء من ناحية الشكل؛ بمجتمع عصر الميجي؛ بهرم سفوحه 
شديدة الانحدار؛ وأصبحت المدارس على الحال التي هي عليها حتى الآن؛ 
ساحات قتال رهيبة؛ يزيد من فظاعتها أن الجنود فيها صغار السن جدا. 
كانت مدارس موري الساحة المركزية لما أسماه الباحثون أيديولوجية النجاح؛ 
أو أيديولوجية بذل أقصى الجهد ‏ والمقصود بذلك المنافسة الشرسة الناجمة 
عن إطلاق الرغبات والطموحات في مجتمع طبقيء؛ وسيظل كذلك. فبينما 
كان التعليم الأساسي عاما للجميع: فإن العدد الذي كان يصعد لما بعده لم 
تكن نسبته تزيد على 1١‏ في المائة. وأصبح النظام المدرسيء أيا كانت مكوناته, 
وأيا كانت أشخاص المسؤولين: أصبح هوسا يتملك قوماء مُنحوا أخيرا طريقا 
للصعودء وإن يكن شديد الضيق. 

ع 

ظهر جنون التعليم أول ما ظهرء في عشرية:185. أفرخ هاجس النجاح 
عددا كييرا جدا من الطلاب المتطلعين من أبناء العوام الذين يرون أن المدرسة 
هي الطريق الوحيد للانعتاق من فلاحة الأرض وزراعة الأرز. امتلأت المدارس 


اليايان: رؤية جديدة 


الابتدائية إلى آخرهاء ولكنها لم تكن كافية؛ ضهي لا تستطيع أن تُخرّج تلاميذ 
مؤهلين تأهيلا كافيا لاحتلال المناصب. وعلى كل حال كان عدد المدارس أقل 
من أن يفي باحتياجات التعليم ما بعدالابتداكي؛ فقد كانت سفوح الهرم 
التعليمي شديدة الانحدار. وكان التعليم ما بعد الابتدائي؛ وما يزال حتى الآن» 
مكرسا لإعداد التلامين لامتحانات القبول التالية. 

وكان جحيم الامتحانات قد اشتعل فعلا عند نهاية عصر الميجي؛ حيث 
كانت وضعية الطالب في المجتمعء ومسار حياته ومستقبله؛ تتقرر بناء على 
نتاكج الامتحان. وتزايد الأمر سوءا بعد 1140: فقد أعاد الاحتلال إشعال 
نيران التطلمات من جديد؛ وتزايد عدد الكليات والجامعات تزايدا هائلا 
وسريعاء إذ يبلغ عددها الآن حوالى خمسمائة. غير أن العدد يمكن أن 
يتضاعف إلى خمسة أمثال هذا الرقم؛ دون أن ينير هذا من الأمر شيثاء 
مادامت المدارس (والجامعات والمعاهد). وليست قدرات الطلابء؛ كانت 
مصنفة وذق تراتب هرمي هو الذي يؤخذ في الاعتبار عند التعامل مع 
الجهات الحكومية ودوائر الأعمال. لم يتغير شيء إلا عدد الطلاب الذين ما 
يزالون يتوضرون على الأمل في الوصول إلى القمة من جائب؛ وعدد الذين 
خاب أملهم لوجودهم في جامعات دون المستوى من جانب آخر. 

وأفضى جحيم الامتحانات إلى خلق مفارقات عدة. منها أن اليابان 
أصبحت مجتمع الأم المدرسة (4188ه! ناهاثهلز»!) التي يتملكها هاجس إنجاح 
أبناكها. وثمة مفارقة أخرى؛ أنه يوجد الآلاف من خريجي المدارس الثانوية, 
الذين فشلوا في اجتياز امتحانات القبول وينتظرون إعادتهاء ويطلق على 
هؤلاء اسم رونين 0518: (وهو الاسم الذي كان يطلق على الساموراي الذي 
تصعلك بعدأن انتهى زمانه وفقد سيادته). كذلك يعرف كل الناس في اليابان, 
أن غالبية الطلاب الذين يقبلون في الكليات والجامعات لا يبذلون إلا أقل 
الجهد الدراسي في أثناء سنواتهم في التعليم الجامعي؛ حيث إن مكانهم في 
المجتمع قد تحدد بدرجة أو أخرىء بغض النظر عما يمكن أن ينجزوه. 
وستقوم الشركات التي سيلتحقون بها بإكمال مهمة تأهيلهم ليكونوا كائنات 
اجتماعية (شاكاي ‏ جين). وهكذاء فإن سنوات الجامعة ليست سنوات دراسة 
بقدر ما هي مكافأة للطالب على اجتياز جحيم الامتحان: وفرصة أخيرة 
للاستمتاع بالحرية المضمحلة. 





0 ف ال نيع 9 نجي 5 


وتعد مراكز التقوية أو مدارس التقوية: المسماة جوكو نماتازء من المفارقات 
الغريية الأخرى/*). وتشكل هذه المراكز نظاما موازيا للنظام التعليمي الذي 
يمنح الشهاداتء ولا يقل عنه أهمية. ويتردد على هذه المراكز سبعون بالماكة 
من تلاميذ المدارس الابتدائية والإعدادية (أو قد يتيسر للبعض أن يكون 
عندهم مدرسون خصوصيون): وتصل النسبة في التعليم الثانوي إلى 8٠١‏ في 
الماكة. وتعتبر مراكز التقوية (جوكو) مجالا للاستثمارات الكبيرة حيث تصل 
المصاريف إلى بضعة آلاف من الدولارات في العام. وتحظى اليابان بإطراء 
البعض لأنها تقتصد في ميزانية التعليم؛ فهي صاحبة أقل ميزانية تعليم في 
العالم الصناعي المتقدم. غير أن طوكيو تعتمد اعتمادا كبيرا على الجهود 
الخاصة التي تنهض بالعملية التعليمية. وتنفق الأسرة اليابانية في المتوسط 
ربع دخلها على تعليم أبنائهاء ويذهب أكثر من نصف نفقات التعليم قبل 
الجامعي إلى مراكز التقوية والدروس الخصوصية ومتعلقاتها. 

وفيما مضى؛ كانت تلك المراكز (جوكو) تفي ببعض الضرورات العلمية, 
وفي ذلك كانت تتشابه ومدارس المعابد في عصر إدو؛ حيث كان الدارسون 
يتعلمون مبادئ الحساب والكتابة لكي يتمكن أطفال العوام حين يكبرون من أن 
يدبروا بعض الشؤون المحلية. وبعد الحرب كان المعلمون يتعهدون أبناء ملايين 
العمال الذين وفدوا إلى المدن ولم يكن ثمة قرويون يشاركون في حمل العبءم. 
ولا أجداد وجدات يرعون المنزل؛ ولكن الجوكو لم تلبث أن تجاوزت هذا 
المسار. لم تصبح مجرد جزء من الهاجس القومي؛ ولكنها أصبحت؛ على نحو 
ماء قوة دافعة له بما هي تغذي قلق أولياء الأمور فيما يتعلق بنجاح أبنائهم في 
الامتحانات العامة. 

في إيكيبوكورو 0:لاءانااه!1: وهو حي تجاري في شمال غربي طوكيوء 
يوجد أحد مراكز التقوية يسمى شينجاكاي نقكلةقمتط5 (نادي البراعم 
النامية). يشغل نصف طابق في عمارة «الشمس المشرقة :»1١‏ (سميت هكذا 
نسبة إلى عدد طوابقها). وبفضل ارتفاعها الشاهق؛ وذلك أمر غير مألوف 
وسط منازل طوكيو الواطئة المتنائرة في غير نظام فإن الطوابق العليا 
الموجودة على ارتفاع كاف من سحابة التلوث الكثيفة؛ تستمتع بالضوء وصفاء 
(*) في الأصل الإنجليزي خادهاكة ااندن, وكلمة 200 تعني كما ورد في قاموس المورد؛ حشو الدماغ, 
وعلى ذلك فإن هذا التعبير يكاد يكون مطابقا تماما لما نعرفه عندنا باسم مراكز التقوية (المترجم). 





اليابان: رؤية جديدة 


الرؤية. وفي فصول شينجاكاي الكبيرة الخالية من الأثاث: يستعد الطلاب 
للامتحانات ‏ كما يحدث في أي جوكو آخر ‏ بتلقي الدروس الإضافية. ومن 
الناحية النظرية على الأقل. سيكون خريجو شينجاكاي متفوقين على 
مناقسيهم من أجل أماكن في أفضل المدارس في الدولة. غير أن ثمة 
مراكركثيرة أخرى مثل شينجاكاي يصل عددها إلى ما بين خمسين ألفا 
وستين الفاء غالبيتها في المدن حيث المنافسة على أشدها. 

ولكن لمركز شينجاكاي خصوصية بمعنى معين: فذلك هو أول مركز 
يخصص لمجموعة عمرية جديدة: الأطفال بين العامين الأول والثاني من 
عمرهم. لم أقابل أحدا لينبئني بالتاريخ المؤكد الذي بدأت فيه هذه التجرية: 
ولكن يبدو أن ذلك حدث في وقت ما من أوائل التسعينيات. والحق أن تلك 
كانت خطوة تراجيدية ‏ وإن لم تكن غير متوقعة ‏ وهي مقياس لمدى تفاقم 
الروح التنافسية في اليابان تحت السطح الموحي بالتوافق والانسجام. في 
العقد التاسع من القرن العشرين بدأت الأمهات «المدرسات»: يتحدثن عن 
«التعليم في الرحم» حيث يفضي ترديد الأم الحامل للأرقام والكلمات إلى 
إعطاء الجنين ميزة بداية تعليمية مبكرة. 

وتمكس قصة التقدم الذي أحرزه شينجاكاي الطريق المشحون الذي 
انتهجه التعليم في اليابان منذ الحرب. لم يبدأ شينجاكاي كمركز للتقوية. لقد 
أمسس شينجاكاي في 1160١‏ على يد رجل يسمى هيدو أوهوري 011051 0نل111؛ 
كان قد درس علم النفس في الجامعة. وكان المركز أشبه بإحدى مدارس 
المعابد القديمة؛ فيما عدا أن السيد أوهوري كان أقرب إلى الزمار المتجول 
منه إلى المعلم الكونفوشي التقليدي. كان أوهوري يرعى أطفال الحي في 
مقابل مائتين أو ثلاثمائة ين كل يوم. ثم شرع شينجاكاي في إقامة فصول 
تقوية لإعداد التلاميذ للتقدم لامتحانات القبول ضي المدارس الابتدائية» ومن 
ثم أصبح جوكو. ولشينجاكاي اليوم ثلاثة عشر فرعا في طوكيو وضواحيها . 

كان تسوتومو ماتسوزاواء هو المدير العام لشينجاكاي؛ ومظهره أقرب إلى 
«رجل ساراري» كامل الأوصاف منه إلى مدرس أو معلم. كان طويل القامة؛ 
نحيفاء بشعر لامع ومصفف بعناية: وسترة داكنة وسلوك مصقول؛ ينفق جزءا 
كبيرا من وقته في استقبال وتحية الأمهات المدرسات الموسراتء الراغبات في 
إلحاق أطفالهن بالمركز. ولكن: على الرغم مما كان يبديه من ثقة قائكمة على 


ممه طلا ع “النيهونجين 


تدريب طويلء فإن هذا المظهر اهتز عندما بدأنا في الحديث عما يسموته 
أمتحانات التجرية. قال لنا: صمحيح أن شينجاكاي تجري امتحانات تجرية 
ولكنها لا تطبق النظام الإسبارطي!*) الذي تسير عليه بعض مدارس التقوية 
الأخرى. ويستطرد: «نحن نعتني عناية خاصة بتقنمية قدرات كل تلمين, 
والتعليم يجري خلال اللعب». 

بدأت امتحانات التجرية في منتصف سنوات :151١‏ عندما شرعت 
الشركات الخاصة للامتحانات في إجراء تحليل كومبيوتري للامتحانات التي 
تنتجها للمدارس. وكان الهدف من امتحانات التجربة تدريب التلاميذ على 
امتحانات القبول الحقيقية. ولكن باستخدام الكومبيوتر. استخدمت امتحانات 
التجرية لتقدير «درجة انحراف» كل مدرسة كل عام: فالامتحانات في البداية 

كُدرَجَ على أساس الصح والخطأء تم تعاد لتحديد ترتيب كل طالب في 

مدرسته. وترتيب كل تلميذ يحدد المدرسة التي يمكنه دخولها. كل هذا يكون 
إعدادا للتقدم لامتحانات القبول الحقيقية. 

وتعد امتحانات التجربة واحدا من أهم مكونات النظام التعليمي؛ ويعد 
مقياس درجة الانحراف نوما من الإدانة ‏ إدانة المدارس والتلاميذ على 
السواء. وغالبا ما يُستخدم لحمل التلاميذ على دخول مدارس لا يرغبون في 
الالتحاق بها. ويرى غالبية المشتغلين بالتعليم أن هذا من أهم الأسباب التي 
تجعل 1٠١‏ ألفا من تلاميذ المدارس الثانوية يتسربون من مدارسهم كل عام. 
وني شينجاكاي؛ تُستخدم امتحانات التجرية لتحديد أي مدرسة من مدارس 
رياض الأطفال يمكن أن يلتحق بها خريجوهاء وهم بعد أطفال يبلغ عمرهم 
خمس سنئوات. 

وانضم إلينا ‏ ماتسوزاوا وأنا ‏ السيد كيجين فوجيموتوء رئيس مدارس 
شينجاكاي. وهو رجل أكثر معرفة بمهمته التعليمية؛ كان قد بدأ حياته العملية 
بالعمل في الجانب الآخر من النظام التعليمي؛ في تدريب خريجي الجامعات 
وقد أصبحوا «كائنات اجتماعية» وتعلم بالفعل أشياء بسيطة وواقعية. كانت 
مهمة فوجيموتو أن يدرب الخريجين على أن يمثلوا شركاتهم؛ وصدم بالحال 
التي وجد عليها المتدريين. 
#0 88 الإسبارطي نسبة إلى «اسبارطة القديمة». وتطلق هذه التسمية كصفة على أي شخص 
متسم باليساطة وبالبعد عن الترف وبضبط النفس والصرامة والجلد (المترجم). 








اليايان: رؤية جديدة 


قال فوجيموتو. مستعيدا بعض ذكرياته: «كان المتدريون عاجزين عن القيام 
بأبسط الأعمال؛ مثل إجراء مكالمة تليفونية بأسلوب مهني مفيد. وسألت 
نفسي. ما الذي فعلناه بأبنائنا؟ أتذكر أنني استمعت يوما لمحاضرة ألقاها 
مؤسس مدارسناء السيد المربي أوهوري؛ قال ضيها: «أرى أن أولياء الأمور 
يشغلون أنفسهم انشغالا زاتدا بأمور أطفالهم ويتدخلون أكثر من اللازم. إن 
الأطفال يجب أن ترك لهم الحرية. فمهمة الطفل هي اللعب. وليس من 
الصواب في شيء أن نضع تخطيطا للعب الأطفال. ليس المهم هو تراكم 
المعلومات؛ وإثما المهم هو تراكم الخبرة». ويكمل فوجيموتو ذكرياته: «ذلك هو 
المضمون الأساسي للمحاضرة:؛ وقد تركت في نفسي أثرا كبيرا». 

وترك هذا الكلام أثرا كبيرا في نفسي أيضاء ولكن عندما سألت 
فوجيموتو: لماذا يرسل أولياء الأمور أطفالهم إلى شينجاكاي؟ تتهد بأسى 
قاكلا: «من الآخر؛ السبب هو أنهم يريدون أن يلحقوا أطفالهم بمدارس رياضص 
الأطفال والمدارس الابتدائية التي من اختيارهم. وعليه فإن كل هذا مقصود به 
أساسا إعداد الأطفال لامتحانات الالتحاق بالجامعات». 

ومثل طلبة الطب ذوي المعاطف البيضاء؛ دلفنا إلى غرفة لنرقب فصلا فضي 
أثناء العملية التعليمية. رأيناء على حصير رياضي؛ أربعة مدرسين وعشرة 
أطفال مبتدثئين بين عام وعامين من العمرء منهمكين في «اللعب الحر»: على 
حد تعبير فوجيموتو. كان ثمة عدد من المكعبات والكراتث والأعلام وأدوات 
المطبخ البلاستيكية؛ وتقف اثنتان من الأمهات المدرسات عن كثب. قال 
فوجيموتو: «المهم أن ترى إن كان الطفل يستطيع أن يعمل ضمن جماعة وإن 
كان لديه الثقة الكافية في نفسه ليعمل مستقلا عن الأم». 

توقف فوجيموتو قليلا بينما كان الأطفال يصطفون لبدء لعبة أخرى؛ ثم 
قال: «إننا نحاول أن نجعل الأطفال يحتفظون بأكثر ما يمكن من الذكريات 
الجميلة؛ وأن نثقف أولياء الأمور؛ لأنهم إن لم يفهموا كنه العملية التعليمية, 
فإن أطفالهم سيعانون». 

كان فوجيموتو واحدا من التربويين المثاليين: واحدا من بين عدد كبير من 
الرجال والنساء الذين يوجدون بكثرة في النظام التعليمي؛ ويتفهمون ما يجب 
أن يكون عليه التعليم. ولا نخطن إذا قلنا إن أولياء الأمور يتفهمون أيضاء 
ولكن الفهم ليست له أهمية. فليس كل اللعب الحر الذي يمكن أن يسمح به 





50 د الني ونجين 


المريون في هذه المراحل الأولية بقادر على أن يعفي هؤلاء الأطفال ‏ وهم من 
بين أبناء العائلات الأكثر غنى وطموحا وتميزا في اليابان ‏ من المعاناة. 

وقفت أرقب الأطفال وهم يجمهعون الكرات الحمراء والزرقاء كلا مع 
الأعلام التي من اللون نفسه. كانت ملابس الأطفال جميلة؛ وسلوكهم ممتازاء 
وهم يلعبون وفقا للقواعد السليمة. كانوا قريبين يمكن أن يُلمسوا باليدء ولكن 
كان يبدو وكأنهم موجودون على مسافة بعيدة جدا. فقد بدوا في تلك اللحظة 
أقرب لأن يكونوا أطفال تجارب أكثر من كونهم أطفالا حقيقيين. والمكان الذي 
يحتوينا ليس غرفة عادية؛ ولكنه نوع من «الحضنانة» في معمل. 

كانت ثمة فكرة مغرية هي أن نرى الأطفال ضحايا لأولئك الذين يقفون 
حولهم عن كثب: المعلمين: والإداريين» والأمهات المدرسات, وإن كانت الحقيقة أن 
الجميع ضحايا. يحب المعلمون أن يروا في هذه الفصول ملاذا من النظام؛ كما 
يحب أولياء الأمور أن يروا أنهم اختاروا لأطفالهم بذكاء. لكن الأمور كلها لا يمكن 
أن تكون هكذاء تقريباء في النظام الياباني. فالمدارس ضي التحليل الأخير ليست 
إلا مجرد درجات على سلم الصعود؛ وليست شينجاكاي إلا الدرجةالأولى. 

في صباح يوم مشرق وصاف في طوكيو؛ زرت مدرسة ثانوية. كان ذلك في 
أواخر ضبرايرء في نهاية الفصل الدراسي في اليابان. جلست مع أربعة من 
طلبة السنة النهائية في غرفة الدراسة التي لن يعودوا إليها بعد هذا العام؛ 
كان الجميع سبق لهم الالتحاق بمدارس التقوية لسنوات عدة؛ وكان من بينهم 
طالبة التحقت بمدرسة تقوية لفترة من أجل أن تلتحق بمدرسة تقوية أخرى 
أفضل منها. حدثتني عن روتين حياتها اليومي: «أدخل المدرسة في الثامنة 
صباحاء وأنهي الدراسة في الثالثة مساء, ثم أذهب إلى المنزل» وبعد ذلك 
أذهب إلى مركز التقوية من السادسة إلى التاسعة مساءء لأكون في المنزل في 
العاشرة لأذاكر وأعكف على واجباتي المنزلية حتى الواحدة بعد منتتصف 
الليل» ذلك أنها كانت تريد أن تلتحق بمدرسة ة ثانوية خاصة: ذات «قيمة 
انحراف» أعلى من المدرسة التي كنا نجلس فيهاء؛ ولكنها فشلت في امتحان 
القبول. ثم قالت: «إنني أريد أن أترك هذه المدرسة منن مدة طويلة». 

كانت هذه الطالبة تدعى آي أووجاوارا. وبعد قليل احتدم النقاش بين آي 
وبقية المجموعة. وذكرني هذا بأن اليابان ريما تشبه الساعة السويسرية في 
أشياءء أو هي تشبه بعضا من اللعب الميكانيكية التي فيها تسقط كرة؛ لترفع 


اليايان: رؤية جديدة 


ذراعاء ليقوم الذراع بتحريك الصدضة: التي تقوم بدورها بإطلاق ناقل حركة 
دائري: وهكذا . ذلك أنه لما كانت اليابان كآلة خطوطها شديدة التعقيد 
والتداخلء فإن تغيير جزء من من النظام يعني أنه يجب تفيهير جميع الأجذاء 
الأخرى؛ وإلا فإن الآلة تتوقف عن العمل؛ حيث تصبح تروسها وزنبركاتها 
عاجزة عن التوافق. 

قالت آي: «أنا لا أحب هذا النظام؛ إنه ليس إلا امتحانات؛ ويبعد اليوم 
الذي نفرغ فيه من الامتحانات» لن نعود إلى الدراسة أبدا». 

وقالت إحدى زميلاتها: «يرى الناس أن دخول الجامعة هو نوع من التعذيب 
الضروري لكي يصبح المرء حراء ولهذا أرى أن النظام مخطئ: وأنا لا أريد أن 
أضيع وقتي سذدى)». 

ولكن الفتى الوحيد في المجموعة اعترض قائلا: «ليس النظام مخطنئا. 
فمن الطبيعي أن يرغب الناس في دخول جامعات ممتازة ليتقاضوا مرتبات 
سخية في المستقبل». 

وهنا طرحت آي السؤال: «لماذا نقول إن النظام التعليمي مخطئى؟ إنما 
المخطئ هو النظام الاجتماعي». 

قال الفتى: «ومن ثم علينا أن نغير النظام الاجتماعي». 

وكانت إجابة آي: «ولكن إذا كنا نريد أن نغير النظام الاجتماعي؛ فعلينا أن 
تقوم أولا بتغيير الحكومة». 

3 6 

في ,:٠‏ بمجرد أن تفجرت تطاهرات الاحتجاج المناهضة لاتفاقية الدفاع 
المشترك 41/180 : وأعلنت طوكيو سياسة النمو الاقتصادي المتعاظم؛ دعت وزارة 
التعليم لجنة مشكلة من كبار المسؤولين البيروة راطيين والباحثين لانظر في 
مستقبل التعليم. وانتهى عمل اللجنة (بعد خمس سنوات من العمل الدؤوب) 
بإصدار تقرير يحمل عنوانا مغرضاء هو: صورة الياباني المطلوب 01 عغة1 16 
ع5ع طوهة1 لع زوع2آ عط . كنك هذا التقرير باعتباره ماو عة نصائح لمعلمي 
الثانوي؛ وأعلن كاتبوه في المقدمة أنه «خريطة تفصيلية للفضائل». وفي التحليل 
الأخير, لم تكن الخريطة التفصيلية أكثر من مقال أو أطروحة؛ وإن كانت 
والحال هكذا ‏ تعتبر وثيقة غير عادية؛ من بين أكثر الوثائق كشفا عن سمات 
مرحلة ما بعد الحريين. كانت هذه الخريطة نموذجا كلاسيكيا لما كان يعنيه 


001 ثة الني تجين 


الاتجاه المعاكس للعمل المهني بالنسبة لليابانيين العاديين. وهي مثال جيد تماما 
للدلالة على ما قصدت إليه آي أوجاوارا عندما قائت إن تعليما أفضل في اليابان 
يعني في التحليل النهائي حكومة أفضل. 

يبدأ التقرير بتأكيد أن اليابانيين يجب أن يتعلموا ألا ينسوا أنهم يابانيون 
قبل أن يكونوا «بشرا عالميين»؛ ويجب أن يقدموا فروض الاحترام للإمبراطور, 
ويكرسوا أنفسهم للعملء لأن «الإنتاج هو علة وجود المجتمع؛. وفي المقابل 
عليهم أن يتبينوا أنهم يعتمدون في حياتهم على «الدولة: والمجتمع؛ والعائلة». 

«إن سعادة الفرد وامنه يعتمدان اعتمادا هائلا على الدولة. والسبيل للإسهام في الجهد البشري 
العام يمر خلال الدولة. وأن نحب الدولة يعني أن نكون على ولاء لها بحق». 

كانت صورة الياباني المطلوب, فكرا ووجداناء عودة لزمان ما قبل الحرب» 
كانت نصا أدبيا مسطورا في الحنين إلى الماضي. ففي سطوره أسى خفي 
على فقدان الروح القومية بعد الهزيمة. ويتوجب على الأمة أن تبعث من 
جديد هذا «الشعور السامي»؛: وتبعث «الإرادة الصلبة» اللذين صيغت منهما 
«التقاليد اليابانية الجميلة». «فإذا استطعنا أن نعمق هذه المشاعر السامية 
ونوسعهاء فبإمكاننا أن نكون يابانيين» يتحلون بالقوة والشهامة والجمال». 

كانت لغة الخطاب هذه هي السائدة قبل .١5460‏ وحتى جاءت الهزيمة 
والاستسلام: كانت المدارس؛ بالإضافة إلى المؤسسة العسكرية: هما القناة 
المركزية لنشر أيديولوجية الدولة. وكانت وزارة التعليم: المكتظة بالقوميين 
المتطرفين؛ تعد من بين أعتى الأجهزة البيروقراطية وأعلاها صونا في 
طوكيو. ولم يكف المنادون بحرية التعليم من مدرسين وغيرهم: عن محاولة أن 
يخففوا أو يتحللوا من قبضة الرقابة الوزارية منن عقد 157١‏ غير أن العملية 
التعليمية اختزلت في الواقع إلى مجرد عملية غسل مخ. 

في ظروف أخرى ‏ أو لو قُّدّر لليابان أن يختلف مسار تاريخها الحديث ‏ 
لأصيب المرء بصدمة حين يقرأ تعازيم استدعاء «التقاليد اليابانية الجميلة» في 
أواسط سنوات :191١‏ سيصدم المرء لأسباب ليس أقلها أن الرجال الذين صاغوا 
تقرير صورة الياباني المطلوب هم القائمون على إدارةالنظام الذي نحن أليوم 
مدعوون إلى الإعجاب به. ولكن التعليم كان قد انتهى به الأمر إلى أن يصبح 
ضحية تراجيدية للنهج العكس؛ ومن ثم: ليس في «الياباني المطلوب» ما يدعو إلى 
الدهشة على الإطلاق. لم يكن مقر قيادة الأركان .11.0 .0 قد أغلق بعد حين 


اليأيان: رؤية جديدة 


أعيد القوميون المتطرفون لفترة ما قبل الحرب لإدارة النظام؛ مستعيدين ‏ 
بشراسة ‏ كل ما كانوا قد فقدوه 3 تقريبا في مرحلة الاحتلال الأولى. 

كانت الإصلاحات التي أجراها الاحتلال في مجال التعليم سريعة 
وشاملة. انتقلت السلطة في هذا المجال إلى المحليات والمدارس. وكادت 
وزارة التعليم ‏ وإن ظلت عمليات التطهير فيها قاصرة جدا أن تجرد من 
كل نقوذها إلا قلياذ. حتى أنهم حجموا حقها في التصريح بالكتب 
المدرسية: واستّبدل النظام الذي كان قاكما قبل الحربء والذي لم يكن 
يسمح إلا ل 16“ من الطلاب بتجاوز التعليم الابتدائي: بنظام يجرى في 
سياق واحد سمي 51751: يفتح المجال أمام الجميع: من التعليم الابتدائي 
إلى التعليم الجامعي. ولم يعد التعليم واجبا يلتزم به أولياء الأمور تجاه 
الدولة: وإنما أصبح حقا من حقوق الطفل. هذا ما ورد بالنص ضي «القانون 
الأساسي للتعليم»» الذي صدر كبديل للمرسوم الإمبراطوري القديم. 
وسرعان ما اعتبر اليابانيون هذا القانون الأساسي شيئا مقدسا. وكانت 
نقابة المعلمين اليابانيين؛ التي تكونت بسرعة بعد الهزيمة مباشرة؛ ونمت 
نموا هائلا لتصبح أكبر نقابة في اليابان؛ كانت قوة هائلة تؤيد وتدعم 
القانون الأساسي لاتعليم. 

غير أن هذه الإصلاحات كُتب عليها الفشل من البداية. ذلك أن القانون 
الأساسي للتعليم أقر في العام 1941: في الوقت نفسه الذي كانت الأمور فيه 
قد بدأت تتغفير في مقر قيادة أركان حرب الجنرال ماك آرثر .0.11.0. 
وعينت سلطات الاحتلال وزارة التعليم لتطبيق القانون. وذهبت نخبة ما قبل 
الحرب إلى اعتبار الإصلاحات التعليمية المبكرة «تجاوزات ديموقراطية». 
وذلك تعبير شاع وانتث نتشر في المنعطف بين عشرية وعشرية ٠ .15160١‏ وطي 
0١‏ !١؛‏ صاغ وؤزير التعليم؛ تيو أمانو 0تقمتك ملإك1'؛ وهو من مخلفات 
ديكتاتورية ما قبل الحرب؛. صاغ مشروع قانون بعنوان «مخطط عام للتدريب 
المعنوي القومي» ورد فيه: 

في ايامنا هذه: ونتيجة للتأكيد الكبير على «الفردية: و«العالم الخارجي»»: ظهرت وتنامت 
اتجاهات قوية لإضعاف الأسس التي تقوم عليها الدوئة. إن الدولة هي الرحم الذي خرج منه كيانناء 
وهي الجوهر الأخلاقي والثقافي لحياتنا الجمعية. وبالتالي؛ فإن حياة الأمة نفسها تعتمد على هذه 
الجهود التي يقوم بها الأفراد طواعية للإسهام في رفاهية الدولة. 





أقر الدايت (مجلس النواب) مشروع القانون الذي قدمه أمانو على عجل 
ليصبح من القوانين سيئة السمعة:ء إذ أطلق عليه الشعب اسم «مرسوم أمانو 
الإمبراطوري». غير أن مرسوم أمانو جاء في وقته ليساير التفييرء حيث اكتمل 
النهج العكسي في التعليم في سنوات قليلة. ثم مُزقت نقابة المعلمين 
اليابائيين. وأقر تشريع آخر في 1104 ليعلن أن الوزارة هي المدافع عن حرية 
التعليم ‏ أي ليسلم هراوة الشرطي للمجرم المدان. وعندما حاولت الوزارة أن 
تعيد نفوذها على الكتب المدرسية, كادت الخلافات التي انفجرت في الدايت 
تصل إلى التشابك. غير أن الوزارة تمكنت من استعادة سيطرتها على 
الإدارات المحلية. وخاصة بعد أن ألغت مجالس المدارس المختارة بالانتهاب؛ 
وانتحلت سلطة فرض هذه المجالس بالتعيين؛ وعمدت الوزارة إلى مراجعة 
المناهج دون الرجوع إلى الهيئات التشريعية؛ وجعلت مناهجها ملزمة قانوناء 
واعتبار المدرسين الخارجين عليها مجرمين. 

كان كل هذا كافيا لإبطال فاعلية القانون الأساسي للتعليم: وسرعان ما 
أصبح نفوذ الوزارة كافيا للسيطرة على مجال بعد آخر؛ ومن بينها الكتب 
المدرسية؛ التي كانت قد أخفقت في السيطرة عليها بالالتجاء إلى الهيئة 
التشريعية. لجأت الوزارة إلى حيلة خبيثة؛ وإن تكن مألوفة في اليابان, 
تتلخص في الإبقاء على الواجهة (أوموتي) من أجل نبن الجوهر الداخلي 
(أورا). كرك القانون الأساسي حيث هوء ولا يزال ‏ كوسام براق يعلن وجود 
تعليم ديموقراطي: بينما كان غْيِّر كل شيء خلف هذه الواجهة. 

كانت وثيقة صورة الياباني المطلوب إشهارا لانصر في هذه الحرب التي 
نشبت في فترة ما بعد الحرب؛ النصر على القانون الأساسي للتعليم: النصر 
على التعليم الليبرالي. لم تُطرح هذه الوثيقة قط على البرلمان (الدايت)؛ فقد 
كان كاتبوها يخشون من ردة الفعل التي يمكن أن تحدثها. غير أن موافقة 
البرلان كانت قد أصبحت غير ذات موضوع. أصبحت الوثيقة في الواقع» 
ووفقا لما قاله كبير كتابهاء هي «وثيقة المثل العليا المرشدة» للنظام التعليمي 
لفترة ما بعد الحرب؛: حيث لم تكن لتدعو إلى أقل من تأكيد النيهونجين؛ أي 
تكوين الشخصية اليابانية في صورتها الرسمية. 

ويثير العنوان الخبيث لتلك الوثيقة سؤالا جوهرياء يتحدث العنوان عن الياباني 
المطلوب؛ والسؤال هو: من الذي يطلب؟ تستلزم الإجابة عن هذا السؤال فهما أكبر 


اليايان: رؤية جديدة 


لنظام ما بعد الحرب. لم تكن وثيقة الياباني المطلوب مجرد اختراع توصل إليه نفر 
من البيروقراطيين المتفكرين: وما تزال مرارة الهزيمة في حلوقهم ‏ أو بالأحرى, لم 
تكن من اختراعهم وحدهم. ذلك أن اتحاد المنظمات الاقتصادية (كايدائرم 
تع ؟) وهو أقوى مجموعة صناعية في اليابان» هو من بين أشد المتحمسين 
لها . ضالهدف الأساسي من وثيقة «الياباني المطلوب» هو إنتاج ذلك النوع من البشر 
الذي كانت تحتاج إليه اليابان عندما ولجت طريق التنمية المتعاظمة. وعلى حد 
تعبير أرينوري موري؛ كانت تهدف لتحويل المعلمين إلى «صنايعية». 
ا« 6 
«بينما لا مجال لإنكار أن الجميع يستطيعون القراءة والكتابة بنفضل تسع 
سئوات من التعليم الأساسي الإجباري؛ فإن النظام التعليمي يعوق تنشئة 
وتنمية الشخصية الفردية الحرة». 
هذا التقييم للمدارس اليابانية لا يكتسب كل أهميته إلا إذا عرفنا أن قائله 
هو كونيو هاتوياما 3/78/ا513]0 واانتاكل الذي تولى منصب وزير التعليم ضفي 
صيف 14917 بعد أن كان قد قضى كل حياته في الجهاز البيروقراطي. 
فلماذاء بعد أكشر من قرن من المعارك حول التعليم: يعمد قائد القلعة إلى 
الوقوف موفف المتمردين؟ 
عندما أدلى هاتوياما بالتصريح الوارد أعلاه؛ كان التعليم قد أصبح قضية 
تثير جدلا حاداء حيث لم يعد أحد (ربما باستثناء الأجانب) يستطيع أن يزعم 
أن السخط على النظام التعليمي من داخله ‏ بين المعلمين والطلاب والأهالي - 
لا يعم الجميع الآن. وفيما يلي بعض من عناوين النصف الأول من تسعينيات 
القرن العشرين. 
وزير التعليم: شخصية الطالبء؛ وليس الامتحانات 
التعليم وتنمية الفردية 
ليس كل النشرية متناظين 
امتحانات تجريبية والنظام تجريبي 
تحكم مركزي أكثر من اللازم 
التعليم: من أجل درجة أقل من التنميط والمواءمة 
هذه العناوين؛ باستثناء أولهاء وضعت على رأس المقالات الافتتاحية في 
العيعةة الفوهدة وجا كان مقطوهلن الال أن يحتنادف القراء سكل هذه 





تنشئة النيهونجين 


العناوين في الصحف المعبرة عن وجهات النظر الرسمية في معظم فترة ما 
بعد الحرب. غير أن العناوين وحدها تكشف عن الأفكار المفتاحية المطلوب 
اتخاذ قرارات بشأنها في المعارك الدائرة أبدا حول التعليم: التنوع: التحررية, 
تنمية الشخصية الفردية؛ الاختيار» الإبداع؛ المبادرة. 

تلك هي المعابير والقيم الجديدة المفترض أن تكون وزارة التعليم قد تبنتها شي 
الوقت الذي قال فيه هاتوياما هذا الكلام؛ وكتبت ضيه تلك التعليقات 
والافتتاحيات الصحافية. حينذاك؛ أعانت طوكيو أنها تعد لجعل المدارس 
اليابانية تماشيا مع المطالب الشعبية: ولم يكن ذلك بالشيء الهين: حيث أسماه 
كبار المسؤولين البيروقراطيين في وزارة التعليم «الإصلاح التعليمي الثالث». وكان 
الإصلاح في عصر الميجي هو الإصلاح الأول؛ والثاني في سنوات ما بعد الحرب. 

ولكن من المهم أن ندرك ماذا يعنيه المسؤولون بالضبطء لأننا نخطن إذا 
سلمنا بالمعنى الظاهري لما يعلنون؛ فأحرى بناء إن أردنا الدقة: أن نعتبر 
الإصلاح التعليمي الثالث ليس إلا محاولة أخرى لتشكيل «الياباني المطلوب». 
ويكمن الفارق الوحيد بين الياباني المطلوب في عشرية ١191؛‏ والطبعة 
الجديدة منه في عشرية التسعينيات: في نوعية الياباني الذي يعتبر مطلوبا. 

بدأت اليابان تعيد التفكير في مستقبلها بعد أول ارتفاع فجائي في أسعار 
البترول في 31/7 . كان من غير المتوقع أن تحقق اليابان معدلات النمو العالية 
التي حققتها في العقدين السابقين. كان القادة المفكرون في مجتمع الأعمال؛ 
رجالا من طراز كونوزوكي ماتسوشيتا قاأتطذنا1/1235 10101081016 مؤسس شركة 
الإلكترونيات الكبرى التي تحمل اسمه؛ كانوا يرون مستقبلا لليابان: أقل اعتمادا 
على الحماية الضرائبية ضفي المنافسة مع الخارج؛ وهي التي نشأت منذ عصر 
الميجي واستمرت, ولم تعترض عليها واشنطن في أثناء فترة إعادة البناء وتوترات 
الحرب الباردة. فمثل هذه الوضعية المركبة كان لابد أن تنتهي عاجلا أو آجلاء 
وأن تصبح اليابان قادرة على المنافسة بالأصالة عن نفسها. هكذا في سنوات 
انتشر وراج تداول تعبيرين يصفان توجه الصناعة, الأول: جو كو تشو داي 
نهل مله 16 ال أي صناعة ما هو ثقيل وسميك وطويل وكبير. والتعبير الثاني 
يصف التوجه المستقبلي إلى ما هو خفيف ورفيع وقصير وصغير (كاي هاكو تان 
شو مطة هذا نعلقط أعك). فلم يعد لليابان أن تستمر في نسخ المنتجات التي 
ابتكرها وصممها آخرونء وتعديلهاء وإنتاجها إنتاجا كبيراء وإنما أصبح يتعين 


اليايان؛ رؤية جديدة 


عليها تطوير التكنولوجيا المتقدمة الخاصة بهاء وأن تعتمد على نفسهاء دون إبطاء 
في صناعات الخدمات والمعلومات. 

وكان ياسوهيرو ناكاسوني عممققعلة1] ممنطتاوةل؟ ‏ الذي أصبح رئيسا 
للوزراء في 15/417: متفهما تماما لهذه المتطلبات؛ وأصبح التفوق الاقتصادي 
الذي يريده اليابان معناه مزيد من النفوذ والمسؤولية في المجتمع العامي. 
وسيزداد عدد اليابانيين الذين يعملون ويعيشون في الخارج: كما سيزداد عدد 
الأجانب (جايجين) في اليابان. وقبل كل شيء؛ أصبحت اليابان بحاجة إلى 
نوع جديد من الكوادر في عصر التكنولوجيا المتطورة. من قبل؛ لم يكن 
اقتصاد .الإنتاج الكبير يحتاج إلى عدد كبير من الجنرالات في القمة؛ تحت 
إمرتهم جيش كبير من الجنود الذين ينفذون الأوامر في الحرب من أجل 
بسط النفوذ الاقتصادي الفج. هكذا ببساطة. أما التفوق فسيكون شيئا آخر. 
فالشرائح الزرقاء (المستخدمة في الإلكترونيات المتطورة ‏ المترجم)؛ سوف 
تحتاج إلى خريجين واسعي الخيال؛ قادرين على التفكير الخلاق. وباختصار, 
سيحتاج التفوق إلى طبقة جديدة من الضباط المؤهلين. 

في | شكل لاكاسوي «مجلسا استثقائيا للتعليم» ٠‏ وضي أول تقري 
صادر عن المجلس قُدم لرئيس الوزراء: ورد أن المدارس اليابائية في 0 
تدعو إلى الأسى»: العنف؛ التسرب؛ هاجس الامتحانات؛ النمو الفظيع لمراكز 
ومدارس التقوية (جوكو) ‏ وكلها أعراض للعجز والقصور الشامل. كيف 
استجاب ناكاسوني لهذا؟ بمزيد من التعليم والتوجيه المعنوي ومزيد من تدريب 
المعلمين. تقرر أن تقوم الفصول الدراسية بتحية علم الشمس المشرقة 
(هينومارو متقحصممتط) وتردد نشيد كيميجايو هتزإهع1د1ةآ 1‏ على الرغم من أن 
هنا وذاك غير معترف به دستوريا. وسيجري تبسيط عملية مراجعة الكتب 
المدرسية؛ وهي العملية التي أثارت كثيرا من الجدل: فالمؤلف يقدم الكتاب. 
ليقبل أو يُرفضء دون مناقشة:؛ بل دون أن يعرف الأسباب على أي نحو. 

وهنا نصطدم بواحدة من أكبر تناقضات اليابان في أواخر القرن العشرين: كان 
على النظام التعليمي أن ينتج خريجين ذوي شخصية طردية متميزة: ولكنهم يجب 
آلا يكونوا أناسا يتجاهلون واجباتهم إزاء الدولة والتقاليد الجميلة؛ وفكرة أن يكون 
الإنسان يابائيا التي تعززها الدولة وما إلى ذلك. ولكن كيف تتمكن الأمة من إنجاز 
الإنتاج الاجتماعي لأغراد يتميزون بالتفكير الحر والتوجه التجريبي؛ بالطريقة 


تنشئة النيهونجين 


نفسها التي كانت تنتج بها في الماضي رجالها المخلصين في الساموراي والجنود 
والبحارة وعمال المصانع؟ عبر ناكاسوني عن أدائه المميز في شأن هذا التناقض: 
حيث كان متفانيا في إيمانه بالخصخصة التي هي الموضة في زمانه؛ ولكنه في 
الوقت نفسه كان يحبن الإشراف الصارم للدولة على النظام المدرسي. 

ترك ناكاسوني منصبه في رئاسة الوزارة العام 19417. ومن بعده سمعنا حلولا 
كثيرة لهذا التناقض/الأحجية: التوسع في التنوع والاختيار؛ اهتمام أقل 
بالامتحانات وأكثر بالمحيط الإنساني. وأصبح من الواجب أن تنتهي الإجراءات 
الإدارية والتنظيمية المراهقة والتجانس والتلقين والحفظ عن ظهر قلب. وضي 
نظام أقل تنافسية. يخصص وقت أكبر لتكوين الشخصية مثل الرياضة وأنشطة 
أوقات الفراغ. ويجب إحياء المجالس المحلية للمدارس. ومن الواجب أن تتجه 
الإصلاحات من القاعدة إلى المراتب الأعلى: وليس العكس. ولكن على الرغم من 
أننا الآن في العقد الثالث من الإصلاح التعليمي الثالث؛ فإنه لم ينجز من هذه 
الإصلاحات في الواقع إلا قليل. ولا شيء من هذا القليل وجد حلا للسؤال 
المركزي على أي نحو. وذكرني الأشخاص الذين قدموا إجابات علي؛ وهم كبار 
المسؤولين البيروقراطيين في وزارة التعليم» بأرينوري موري وتفكيره المشوش. ولا 
تزيد إجاباتهم على كونها سطورا أولى في دراما لن تصل إلى نهايتها إلا ضفي 
القرن الواحد والعشرين. وباعتراف الوزارة نفسهاء فإن المعنيين كانوا يتحسسون 
طريقهم» مجربين هذا الحل أو ذلك وهم في ذلك لا يختلفون عن دعاة التربية 
الحديثة الأوائل إلا قليلا. 

على بعد ساعة ونصف الساعة بالقطار غربي طوكيو؛ توجد جامعة 
جديدة: اسمها جامعة تسوكوبا 58ناكآنا5ت1. وقد بنيت هذه الجامعة لتكون 
طبعة يابانية من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا .11.1.1 ؛ حيث التركيز 
على الأبحاث العلمية الأساسية؛ وتفريخ المكتشفات الجديدة في مجال 
التكنولوجيا المتطورة؛ وهو المعهد النمطي الذي تحتاج إليه اليابان وهي تلج 
مرحلة تطورها الاقتصادي المقبلة. غير أن تسوكوبا لا يمكن أن تقارن 
بنظيرها الأمريكي (.36.1.1): والسبب الأساسي هو معدن الطلاب الذين 
يرسلهم النظام التعليمي لمدرجات تسوكوبا ومعاملها. ومن ثم تفتقد 
تسوكويا الشحنة الثقافية الفكرية اللازمة, وهو افتقاد يتضح للمرء حين 
يتمشى في حرمها الجامعي؛ يمثل وضوح هندستها المعمارية غير الموحية. 


اليايان: رؤية جديدة 


ورئيس جامعة تسوكوياء واسمه ليو إيزاكي أعلوو8 مع.آء حائز على جائزة 
نويل في الفيزياء؛ وأحد نجوم العلماء الباحثين في شركة 1181/4 العاف . وكان 
إيزاكي قد عاش في أمريكا ار كبيية ومقيزين عاماء :وهر يكيل كتاياتة سكن 
أسماء مثل سقتراط وتوما الأكويني وروسو وجون ديوي. وشي محادثته المفعمة 
بالحيوية يرد كثيرا ذكر «الاستقلالية» و«الفردية». عندما زرت إيزاكي أبدى 
رضاه عن الطلبة اليابانيين: قال لي إيزاكي: «ولكننا نريد أن ننتج قمما فضي 
مسار العلم. في أمريكا يمكن أن تصادف أشخاصا من العاملين على الآلات 
الحاسبة في المتاجر ممن لا يعرفون أبسط العمليات الحسابية. ومع ذلك 
أنتجت أمريكا أكثر من مائة وخمسين من الحائزين على جائزة نوبل ضي 
العلوم. إن مستوى الإنسان المتوسط عندنا في اليابان أفضل كثيرا بالمقارنة 
بنظيره عندكم؛ ولكن ليس لدينا إلا خمسة حائزين على جائزة نوبل في 
العلوم: أي أن النسبة: ثلاثون إلى واحد». 

توقف إيزاكي قليلاء فسألته ما الذي يمكن أن يحدث لليابان إذا شرعت 
المدارس في تخريج دفعات من الخريجين ذوي الشخصية المتفردة؛ وكيف 
يمكن لمثل هؤلاء أن يوضعوا في أماكنهم في الماكينة الكبيرة ‏ الشركات, 
الجهاز البيروقراطيء وحتى في الجامعات؟ 

وجاء رده: «في أيامنا هذه؛ يُقبل حوالى أريعين في المائة من خريجي 
المدارس الثانوية في الجامعات,. ولا أعتقد أننا نستطيع أن نعلم كل هؤلاء 
ليكونوا مثقفين متفردين. إننا نتحدث عن جامعة مختارة: فأنت تختار أكثرهم 
موهبة. والاختيار أمر لا مندوحة عنه». 

توقف إيزاكي مرة أخرى. فسألته إذا كان مقصده الحديث عن خلق نخبة 
جديدة. وإذ سمع كلمة نخبة؛ بدا عليه الارتياح. 

وقال: «هذا هو مربط الفرس . نخبة تقدر بحوالى عشرة في المائة من 
المجموع. فلكل مجتمع نخبة. ثمة قادة وأتباع. والنظام الياباني معد 
لإنتاج الأتباع». 

وجاء ردي: «ولكن النخبة ليست شيئًا يمكن أن يوجد بناء على خطة: وإن 
شرعتم لخلق نخبة جديدة؛ فهل يمكن أن يأتي أفرادها مختلفين عن بعضهم 
البعض؟ إنما سيقف الجميع في صف السلطة التي اختارتهم. ولا يكون 
للنخبة قبول إلا بقدر ما يتمايز أفرادها». 





تنشِئة ١١‏ نيهونجين 


ويبدو أن إيزاكي لم يكن ليهتم بشيء من هذا. من المعروف عنه أنه كان 
المتحدث الأول باسم الإصلاح التعليمي الشالث. قدم لي لمحة عن مدارس 
المستقبل ‏ أو بالأحرى هي مدارس المستقبل من وجهة نظر القائمين عليهاء 
إلا أن كلامه لم يكن وصفا للمستقبل بأي حالء ولكنه كان وصفا للماضي. 
كان يتحدث بلغة عصرية لا لبس فيهاء ليس عن نظام جديد؛ أو حتى عن 
نظام معدل؛ ولكن عن النظام الإمبراطوري القديم: حين كان التعليم والدراسة 
شيئين منفصلين تماماء وحيث لم يكن ثمة أي مشكلة تعالج من القاعدة 
فصاعدا . ذفي عالم إيزاكي؛ تعودالمعرفة مرة أخرى لتكون هي السلطة. 

استطرد إيزاكي بإصرار: «الأمر أكثر بساطة فضي مجال العلم. نحن بحاجة 
إلى أسلوب أفضل لاختيار البشر. ومن بعدء ثمة التعليم الجمعي؛ ولكنني أكثر 
اهتماما بتعليم الصفوة ‏ البحث العلمي؛ كما تعرف». 

6 6 

من المستحيل أن نشارك إيزاكي والأجانب المعجبين بالمدارس اليابانية 
أفكارهم التي يتحمسون لهاء حيث يرون أن الإصلاح التعليمي يعني الإبقاء 
على ممارسات تمييزية وقمعية وضعت أسسها أقلية أوليجاركية حاكمة تنتمي 
إلى القرن التاسع عشرء وأحكمت ضوابطها الديكتاتورية العسكرية؛ وإن تكن 
هده الممارسات: مندث خمسين عاماء فقدت مشروعيتها مؤفقتا لوقت قصير. 

ولكن يبدو أن التعليم غير وارد في أفكار ليو إيزاكي عن المستقبلء؛ وذلك 
لأسباب من بينها أنه لم يعد من الممكن إحكام الرقابة على المعرفة. وسبب آخر هو 
أن ثمة طاقة ة هائلة كامنة في القاعدة. فالنظام المدرسي أشبه بمارد في قمقم لم 
يفتح بعد. وقدر كبير من هذه الطاقة سلبي ومشوه وحرون. ومع ذلك» إذا قمنا 
بجولة شي هذا النظام فإننا سنصادف كنوزا نادرة. فثمة خلف واجهة التجانس ما 
يوحي بأن اليابانيين: طال الزمان أو قصرء سيدركون انهم بشر ذوو شخصيات 
متفردة قبل أن يكونوا يابانيين؛ وتلك حقيقة راسخة لن تتغير أيا كانت الوسائل. 

على مسافة ساعة من طوكيو بقطار الضواحي؛ توجد مدرسة تسمى جيونو 
موري (مدرسة غابة الحرية)» التي أطلق عليها هذا الاسم لأنها محاطة بعدد 
كبير وكثيف من أشجار الصنوبر. زرتها في عصر يوم من أواخر الشتاء؛ في 
الوقت الذي كان ينتهي فيه اليوم الدراسي. من الصعب المبالغة في وصف. غرابة 

ما رأيت. عندما فتحت الباب الأمامي جاذيا إياه في مقاومة الريح؛ اسدقبلت 


اليابان: رؤية جديدة 


بأصوات صاخبة متنافرة: صيحات عالية؛ وآلات موسيقية ووقع أقدام مهرولة؛ 
وأبواب تصفق. وأقفال تّصكء. وأصوات بشرية:؛ تغني وتضحك وتتجادل وتتناقش. 
وبينما أتبادل الحديث مع مدير المدرسة؛ كان عازف منفرد يتدرب على الفلوت 
في الغرفة المجاورة. وكان المدير ‏ يوتاكا إندوه ‏ رجلا نحيفاء يبدو عليه إرهاق 
العمل؛ يرتدي حلة متواضعة؛ ويبدو أنه لا يلقي بالا لكل ما حوله. 

بدأ إندوه كلامه قائلا: دإن هدفنا هو تربية النشء لأن يكونوا بشرا 
حقيقيين: وليسوا مجرد يابانيين فحسب. نحن نعمل على تنمية وتطوير الفكر 
والذكاء؛ والحياة الوجدانية والعاطفية؛ والإرادة التي يستطيع الإنسان بها أن 
يوجه عقله وجسده نحو غاية وهدف ‏ مثل أعلى. يجب أن يكون الطالب عند 
تخرجه قد اكتشف نفسه؛ وتوفر على إرادة مستقلة ليكون حرأ». 

توقف إندوه قليلا ليرى استجابتي: ثم استطرد: «وكل هذه الأمور طبيعية 
إذا كانت العملية التعليمية تُعد إنسانية الإنسان أمرا مهما. ولكن في السياق 
الاجتماعي الياباني, تعتبر هذه أهدافا غير مألوفة». 

وفي الخارج: عبر نافذة غرفة إندوه. كان شيء بين الثلج والمطر قد بدأ 
يتساقط من السماء على غابة الصنوبر الكثيفة موحيا بأصداء شتوية خشنة. 
وعلى مسافة ساعة من هناء توجد مدينة طوكيو وقاعات الامتحانات التي يتعين 
على طلاب مدرسة غابة الحرية أن يجتازوها إن أرادوا أن يواصلوا الدراسة في 
الجامعة. وعن لي للحظة؛ أنه لأمر يشق على النفس أن نعد أناسا لعالم لم 
يجدوه: وعبرت لإندوه عما يجول بخاطريء؛ فأجاب: «دعني أقدم لك بعض 
الأرقام. يتخرج من مدرستنا الثانوية كل عام مائتان وأربعون طالبا. يقبل منهم ما 
بين خمسين وستين في الجامعة فوراء ويلتحق ما بين عشرين وثلاثين بكليات 
الدرجة الثانية. وينشغل سبعون بالتحضير لامتحانات القبول: ويلتحق سبعون 
آخرون بالمدارس الفنيةء بينما يجد عشرون وظائف على الفور». 

سألت: «ولكن كيف يتمكنون من المناطسة5؟» 

فأجاب: «إذا كانت لك جذورء تستطيع أن تنبت فروعاء كذلك إذا زودت 
الطلاب بالمعارف الأساسية؛ فلن يجدوا صعوبة في الإعداد للامتحانات, 
وبجهد أقل من الآخرين». 

كان إندوه في ستينيات عمره.؛ واحدا من أبناء خيل كان أصغر من أن 
يخوض الحرب العالمية الثانية, ولكنه ناضج بقدر يتيح تذكرها . وثمة عدد 





اث شه التي تج 8 


كبير من أمثاله. من جيله من اليابانيين: آناس عاشوا حياتهم يكفرون عن 
إخفاقهم في النضال ضد الديكتاتورية» والحرب. و«الثوابت» الأيديولوجية 
التي لا تمس/*). وبعد هزيمة اليابان في (الحري ب العالمية الثانية) اشتغل 
إندوه لمدة عشرين عاما في مدرسة خاصة تقدمية في طوكيو: إلى أن قرر 
أنه على الرغم من كل النواياء فإن هذه المدرسة (مثل غيرها كثير) لا 
تستطيع أن تقناوم أن تكون مهمتها هي تحويل الطلاب إلى مجرد أدوات 
لأداء الامتحانات. 

ثم, في أواكل الثمانينيات؛: أنشأ إندوه مدرسة جيونو موري (مدرسة غابة 
الحرية): بعد أن جمع لها اكتتابا قدره أريعة بلايين ين: أي حوالى ٠١‏ مليون 
دولار. كان نصفها لا يزال ديناء غير أن هذا الاكتتاب مكن المدرسة من اجتياز 
الحاجز الهائل في طريق تعليم بديل. ذلك أن المدارس الخاصة لا تكون مؤهلة 
لطلب دعم حكومي إلا إذا كانت تتوفر على حياة أربعة بلايين ين. والآن: يبلغ 
عدد التلاميذ طي مدرسة جيونو موري ألفا ومائتينء من أول مراحل التعليم ما 
قيل الجامعي إلى الثانوية العامة. قال إندوه: بعد أن قدم شرحا للأرقام: 
«نحن نحاول أن ندرب التلاميذ على التفكير والنظر في الأمور؛ وهو الشيء 
المطلوب لتقييم حال المجتمع؛ والتأثير فيه». 

ولج وكيل المدرسة باب الغرفة: وهو يصغر رئيسه إندوه بسنوات عدة: كان 
الوقت متأخراء والوكيل يدعوني لحضور بروفة حفلة موسيقية (ريسيتال) 
يُحضّر لها تلاميذ الصف العاشرء تقام في قاعة دار البلدية بعد يومين. 

تجمع الكورس الذي سيقوم بالأداء في الجيمنيزيوم؛ وسرنا من مكتب 
إندوه إلى الجيمنيزيوم عبر نوع من الفوضى المحكومة. استقيلنا أحد الطلاب 
بقذف كرة سلة نحونا تلقغها وكيل المدرسة بذراعيه؛ واندفع تلميذ آخر نحوه 
بحركة مصارعة يابانية حتى كادت قدمه تصيب وجه الوكيل: وقابل الوكيل كل 
هذا مبتسما ومحاولا ألا ينقطع خيط الحوار بينناء ولم يلبث أن ودعنا عند 
باب الجيمنيزيوم: واختفى وسط كوكبة من الطلاب. 

بدأت أتساءل هل مدرسة غابة الحرية هي تعبير مبالغ فيه. محاولة 
بلا هدف ‏ هل هي نوع من الخروج المتعمد على النظم المرعية كرد فعل 
لجمودهاء وإن تكن عاجزة تماما عن أن يكون لها أي تآثير في المستقبل. 
[الي6) في الأصل الإنجليزي (برومامعل! له مختهط عاعداظه) (المترجم). 





اليابان: رؤية جديدة 


وفي الجيمتيزيوم: كانت أصوات الفرقة تختلط بتبادل الأحاديث والآراء 
حول الخطوات التالية للعمل. كانت الصيحات والضحكات تختلط بأصوات 
استعدادات الآلات الموسيقية. وعلى الجدران ظلال وبقع من ألوان» وعلى 
الأرض أسفلها أكوام من كتب سائبة متناثرة» والألوان الزاهية في كل مكان؛ 
فلم يكن أحد يرتدي زيا رسميا. 

وفجأة؛ بدأت أصواتهم ترتفع مالغناء. كورال من خمسين تلميذا مع عزف 
أوركسترا يتكون من حوالى نصف هذا العدد. وبدأ الصوت يتصاعد ليفاجئنا 
بمقطوعات من أعمال موتسارت (2ةأناهوء؟1) وفيفالدي (01000) ثم (كدعم 
أ88). أدرت وجهي بعيدا وقد غلبني الانفعال. كانت الفوضى قد انتهت ليحل 
محلها تناغم فوق الخيال؛ يملأ الحجرة حتي ليخيل للمرء أن النوافن تكاد لا 
تحتمل ويكاد ما بداخلها أن ينفجر ليغلب الأمطار والثلوج في الخارج. 

كنت في شوق لأن ألتقي بهؤلاء التلامين. إنهم أكثر اليابانيين الذين 
صادفتهم إشراقا وبهجة. 





لله 


: 4[ 


ويخامر الفتى شعور. كأن 


روحه وجدت لنفسها سكنا ا 

كانت عتيقة الطراز. وإن كان إيجارها أقل مما 
سوسكي ناتسوه © كز إتوقم, وكان 5 , ئألة لماء. 
«كوكوروى ١9١14‏ 3 : أتوقع 5 ن لي صديق يسكن بالقرب منها 


غريبا. 


أسوار.في القلوب 


في العام الأخير من إقامتي في طوكيو؛ انتقلت 


. من شقة في حي يسكنه الأجانب إلى حي آخر في 
وسط المدينة؛ وإن كان لا يزال محتفظا بطابعه 
. القديم. وكان سمسار العقارات المحلي (ضودو سان 
2000-5) واسمه شيينو؛ شريكا لوالده في العمل. 
. وكانت الغرفة التي يعملان فيها مزدحمة بالمكاتب 
: 1 والكراسي» وخزانات الملفات, وآلات الفاكس 
والتليفونء والدفايات المتحركة؛ ومنضدة قهوة 
صغيرة مغطاة بمفرش بلاستيكي؛ تنجز الأعمال 
حولها وعليها. وتبلغ مساحة الفرفة ستة تاتامي 


3 حمام فسيح في الغرب. وعلى النافذة في الواجهة 
. ألصقت لوحات ورقية عليها كتابة يدوية سريعة 
٠.‏ تعلن عن الشقق المعروضة للإيجار. 


وكان ثمة واحدة إيجارها 0 ألف ين: أي 


: حوالى ٠‏ دولار في ذلك الوقت؛ في حارة في 


مينامي أوياما هتصدلزمة خسدمن/3. والأرجح أنها 


اليايان: رؤية جديدة 


دلا قالها شيينو الابن» وهو شخص نحيف عصبيء في الحلقة الخامسة 
من عمره. واستطرد: «لن تعجبكء ما رأيك في...» 

قاطعته: «ولكن يعجبني ما سمعته عن هذا المكان». 

وجاء رده: «الحق أنها ليمست نظيفة»؛ وقطب وجهه؛ وأشعل سيجارة. 

«هذا أمر يمكن عنلاجه. ما المانع أن نلقي نظرة؟» 

«معذرة يا سيد: إنها ليست المكان الذي يلائمك: معتمة جداء ضفي جوها 
رواكح تثقل عليكء إنها ليست لك». 

وكنت على وشك أن أواصل إلحاحي؛ عندما تدخل شيينو الأب. بعد أن بدأ 
يفقد صبره. كان قصير القامة, هادئٌ الطبع: في الحلقة الثامنة من عمره؛ من 
الجيل الذي خاض غمار الحرب» وكان يلبس سترة قديمة لونها رمادي حائل كلون 
شعره القصير الخشنء وكان يسكن في غرفة صغيرة في الطابق العلوي؛ ومن 
عادته أن يكنس الشارع أمام المحل كل يوم بعد الفجر مباشرة. 

ارتفع صوت الرجل العجوزء موجها كلامه نحوي بقدر ونحو ابنه بقدر: 
«هده الشقة ليست للأجانب» كما أن صاحب الملك يسكن في الشقة المجاورة 
مباشرة: ولن يسمح بوجود جايجين (أجنبي) في تلك الشقة». ولكن الرجل 
العجوة لل رلبتةاق ابتسسه: 

أخيراء وجدت نفسي في بيت قديم غيرث عوامل الزمن والتقلبات الجوية 
لونه ومظهره؛ وني الطريق كان شيينو قد أكد لي: «إنهم سبق أن أسكنوا أحد 
السادة الأجانب». وكان البيت قائما فيما بقي من أملاك إحدى عائلات 
طوكيو العريقة؛ هي عائلة يامادا 08نسدلا؛ في زقاق هادئ يضم دستة 
مساكن. والبيوت؛ مع شدة تلاحمها وتداخلهاء نماذج معجزة للمعمار الشعبي. 
وفي سكني لا أستطيع أن أرى الجيران ولا يستطيعون هم أن يروني؛ مادامت 
الستائر الورقية مسدلة والأبواب الخشبية مغلقة. أما إن متح أي منهاء فإن كل 
الخصوصيات تصبح مكشوفة في دفيقة واحدة. 

كان ثمة مظلة كثيبة من البلاستيك المموج تمنع الشمس من دخول المطبخ: 
وهو المكان الوحيد الذي يطل على الشارع. كانت أشبه بستارة قديمة من 
الحصير؛ تحجبني عن أنظار الآخرين: وتحدد مجال رؤيتي غلا أرى إلا عددا 
محدودا من هوائيات التلفزيون وشريحة صغيرة من السماء. سألت السيدة 
يامادا ذات يوم إن كان بإمكاني أن أنحي تلك المظلة. 


أسوار في القلوب 


أجابت؛ وقد زايلها لطفها المعهود: «هذا مستحيل». 
فقلت لها إنني لا أبالي أن تمتد أنظار الجيران عبر هذه النافذة: وقلت 
«وعلى كل حال؛ إنه المطبخ: ليس إلا». 
فأجابت: «الأمر لا يتعلق بامتداد أنظار الجيران إلى الداخل؛ ولكن أن يمتد 
نظرك إلى الخارج. ويمكن أن يتسبب ذلك في تعكير صفو الجيران جميعا». 
كان الجيران من عائلات موظفي الطبقة المتوسطة العاملين ضفي الشركات 
الكبرى (821011160). ولم يهدأ فضولهم إلا بعد أن قمت بجولة لتقديم نفسي 
لهم في مساء يوم سبت؛ (وكان البعض قد أشار علي بأنني يمكن أن أتجاهل 
تقديم طبق الحساء الساخن التقليدي الذي يقدمه السكان الجدد عادة 
لجيرانهم). وظللت أعتبر ساكنا جديدا لفترة: لكن لم يلبث أن قبلني الجيران 
بالتدريج كجزء من بيت ياماداء ومن ثم كجزء من القرية: التي لها عنوان 
تتشارك فيه جميع بيوتات الزقاق؛ وهو عمه0طن-2 وحاههك تطهذل! . 
كانت الحارة ضيقة؛ ويمكن فيها تقبل واحتمال بعض السلوكيات الخاصة, 
ولكن بعد عملية تحضير مطلوبة لإقرارها. فمشلا؛ كان ثمة شخص يعزف 
الهارمونيكا في الأمسيات: ومنزل آخر لديه مجموعة رائعة من تسجيلات 
موسيقى الجان. وضي تمام الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل كل يوم 
يعود أحدهم من العمل على دراجة ذات رفرف سائب وفرامل ذات صرير. 
معروف). وكل هذا مقبول؛ ولكن من غير المقبول أن أنشر غسيلي في شرفة 
شقتي في الطابق العلوي؛ء بسبب قطرات الماء التي يمكن أن تتساقط على 
السطح القصديري لاجار. اعتُبر هذا تعدياء لأنه لم يحدث من قبل. 
وي الخريف» دلف إلى الحارة سائق سيارة نقل صغيرة: وفي مؤخرة السيارة. على 
غير كل ما هو متوقع: توجد نار موقدة في وسطها حجارة متوهجة تشوى عليها 
البطاطاء ويأتي صوت الرجل مكبرا في ميكروفون مخرخش يرد أغنية ريفية قديمة: 
بطاطا مشوية معسلة 
مشوية على الحجر 
بطاطا مشوية؛ لذينة وحلوة 
اقول خانية؟ 


بطاطا مشوية: معسلة... 


اليابان: رؤيةجديدة 


وبعد ناصيتين (من مدخل الحارة) توجد بوتيكات موشينو وجان شارل دي 
كاستلباجاك عدزةط[عاكة0) 6ل وعاتقط-صمع[ مة مصتطه8405: ثم تحفة 
معمارية «ما يعد حداثية» منجزة بالأسمنت المسلح المصقول بلا دهان؛ من 
تصميم المعماري العصري تاداو آندو 4200 18090. وعند منعطف الشارع 
يوجد مطعم كيهاشي أداءة5ن>1 الفخم الذي يديره رجل شديد الوسامة 
والتهذيب؛ مولع بارتداء السترات ذات صفي الأزرار: والقمصان من ماركة 
إيسنّي مياكي غ18 نره 155‏ وهي قمصان ذات ياقات عالية؛ من نمط 
عصري مستوحى من خطوط أزياء عصر الميجي. وهذا المدير عاد من بعثة 
لفرنسا ليجمع: في مطابخ مطعمه؛ بين المعارف التي حصلها هناك والتقاليد 
المحلية. 

في عصر الإصلاح الميجي كان عدد سكان اليابان يبلغ حوالى ٠٠١‏ مليونا 
ثمانون شي الماكة منهم فلاحون يتطلعون ليوم يصبحون فيه أوائل من يعرفون 
بين قومهم ك ديابانيين,!*). 

وفي الوقت الذي اتخذت فيه مدينة إدو القديمة اسم طوكيوء كان عدد 
سكانها أقل من المليون؛ ثم أخذت في النمو ليصبح عدد سكانها مليونين في 
نباية عطتئر اليجي: قم اربعة ملايين تترييا في ٠‏ 147 ومو الغام الذي [نخري 
فيه أول تعداد عام عصري. وضي أغسطس ١5140‏ كان نصف سكان المدينة: 
الذين كان عددهم قد بلغ سبعة ملايين: قد ماتوا أو شتتوا في الأقاليم. ولكن 
عدد سكان طوكيو عاد إلى التزايد ليصبح سبعة ملايين مرة أخرى في 21507 
ثم عشرة ملايين بعد عقد من الزمان. وفي الستينيات. كان متوسط عدد 
العائلات التي تترك القرى القديمة قاصدة طوكيو وغيرها من مدن شاطئ 
الباسيفيك أكثر من الماكة كل يوم. واليوم أصبحت طوكيو هي أكبر تجمع 
مدتي في العالم. حيث يعيش حوالى أربعين مليونا من البشر ويعملون فضي 
مساحة تيعد أطرافها عن مركزها عشرين ميلا. ْ 

لقد جاء التحديث ليجعل من طوكيو مدينة لأرواح بشرية فقدت موطنها . 
ومع بداية عصر الميجي في : أصبحت «العاصمة الشرقية» الجديدة 
المركز القوي الذي لم يسبق أن توافر لليابان قطء المركز المفناطيسي الجاذب 


(*) نسبة إلى «اليابان» بين علامتي التتصيص»: ٠‏ وهضي الصورة التي تفرضها دواكر الرجديين 
والبيروقراطيين؛ بالاضافة إلى رجال الاحتلال الأمريكي. راجع الفصل الأول (المترجم). 











أسوار في القلوب 


ومجاله جميع الجزر اليابانية. حتى الإمبراطور نفسه كان مهاجرا واقدا. 
وائتلفت في طوكيو الرسميات المميزة للساموراي مع ما استجد من أشياء 
غريبة لخلق مقولات غريبة على اليابانيين العاديين: الإحساس بالبعد؛ وعدم 
الألفة؛ والقلق المدينيء وفي الأعماق كان الإحساس بالعزلة الذي أصاب سكان 
المدينة الجدد انعزالا عن الذات؛ لأنهم حولوا أنفسهم إلى «آخرين». 

وبين السهل المحيط بطوكيو؛ والمسمى كانتو 0غهفكا: وفي اتجاه الجنوب 
الغربي وصولا إلى سهل آخر يحيط بأوزاكا وكيوتو يسمى كانساي أل ذ لكل 
يوجد ممر محدود يسمى «أوموتي نيهون دامطئه عامتتده» (واجهة اليابان). 
ويظل هذا الممر. بعد قرن وريع القرن من عمليات تحديث عاصفة؛ تجسيدا 
لما نعنيه عندما نتحدث عن اليابان واليابانيين. إنه الواجهة وساحة العرض 
«للمعجزة» اليابانية. يعيش ثلثا سكان اليابان في هذه المساحة التي تقدر ب ١‏ 
في الماكئة من مجموع مساحة الجزر. تنتج هذه المساحة ثلاثة أرباع الإنتاج 
الصناعي لليابان؛ الأمر الذي يجعل هذا القطاع الكاكن على الحافة الأمامية 
للبلاد مكافئا لنصف الحجم الاقتصادي لألمانيا. هنا مقر كل بنوك الدولة 
تقريباء وشركات التأمين؛ والأسواق المالية؛ والمكاتب الرئيسة للشركات 
الكبرى؛ والناشرين والجامعات ووسائل الإعلام والمنشآت الصناعية. وإن كان 
ثمة عدد قليل من المنشآت الكبيرة التي أقامت مكاتبها الركيسة في أماكن 
أخرى (مثل ماتسودا التي تنتج سيارات مازداء وكوماتسو التي تنتج معدات 
البناء): فإنها تحرص على أن يكون لها حضور قوي في طوكيو لتكون قريبة 
من المركز البيروقراطي للسلطة. 

توجد مدن أخرى تشبه طوكيوء منها باريس مثلا؛ التي يفد إليها عدد كبير 
من الفرنسيين قادمين من أقاليم بعيدة: وإنما ليصيبوا شهرة أو يكوئوا ثروة 
ليمعودوا إلى بلداتهم التي لم يهجروها في الحقيقة قطهء أو ريما 
يغادرون باريس إلى منتجعاتهم أحيانا. صحيح أن باريسء مثلها مثل طوكيو, 
تعتبر قرية شديدة التضخم: ولكن هذه هي الصفة الوحيدة التي تجمع بينهما. 
فالفرنسيون لا يصبحون غرياء على أنفسهم عندما يذهبون إلى باريس. بينما 
هكذا أصبحت أجيال عدة من اليابانيين الذين ذهبوا إلى طوكيو. 

لقد خلق العصر الحديث للعاصمة اليابانية؛ شأنها في ذلك شأن مدن 
أخرى على ساحل الباسيفيك؛ وجهين متمايزين؛ أو بالأحرى ‏ خلق للمدينة 


اليايان: رؤية جديدة 


وجها مكشوفاء وآخر خفيا وداخليا. أصبحت طوكيو مدينة مليكئة بما هو 
مأخوذ عن أماكن أخرى: من الغرب (مطاعم فرنسية؛. صالات للرقص» 
واجهات من القرميد على الطراز الفيكتوري) أو مأخوذة عن القرية (منازل 
ريفية من الخشبء أحواض لزراعة الأرز في خلفية المنازل). كان المرء يذهب 
إلى طوكيو ليصبح جزءا من اليابان الجديدة ‏ يعمل في مؤسسة جديدة 
كبيرة؛ يهذب شعره؛ ويلبس الفراك. ويتحول الوافد الجديد إلى واحد من ذوي 
«الياقات العالية» غير أنه في الوقت نفسه ينسحب من المدينة الحديثة؛: من 
ظاهر طوكيو المنظور إلى طوكيو الخفية الداخلية. فطوكيو اليوم مدينة 
المطاعم الصاخبة؛ والعمارات الشاهقة المليكة بالبارات. والشوارع العريضة 
الممتدةء والمجمعات المعمارية للمكاتب والوزارات؛ ومحلات الموضة. ولكن على 
مبعدة خطوات قليلة من أي تقاطع رئيسي؛ تفضي الطرق الجانبية إلى أحياء 
مكتظة بالسكان تتطللها حارات ضيقة؛ حيث يتجول الرجال في الأمسيات 
وهم يلبسون «البيجامات والشباشب». وقد عرفت صديقا يسكن على بعد 
خطوات من ميدان روبونجي '(028م1805: وهو من أكثر ميادين العالم ازدحاما 
وحركة وإضاءة؛ اعتاد أن يصحو كل صباح على صياح الديكة. 

«حتى في المدينة: ستعثر على الريشف»؛ هذه ملاحظة سجلها كورت سينجر 
لم510 ناكا في كتابه: «المرآة والسيف والجوهرة: هندسة الحياة في اليابان» 
عأآ عمعسعجرهل 01 لطعصووء © عط" نلع؟عل اده نورق تنمسألا هذا 
الكتاب الصغير الصادر في العام 5 يظل حتى الآن من بين أكثر ما 
يسمتطيع أن يكتبه أجنبي نفاذا إلى أعماق اليابان. ومغزى هذه العبارة واضح؛ 
ولكن هذا المثل الياباني الذي أخذه عنهم سينجر ليصف حال المدينة؛ لم يعد 
ينطبق اليوم كما كان في الوقت الذي كتب فيه كتابه. فلم يعد أهالي طوكيو 
اليوم غرباء عن أنفسهم: كما لم يعودوا في خصومة مع ما سبق أن اعتادوا 
عليه. وبحكم الواقع الديموجراضي المباشرء أصبح ماضيهم في مدينتهم. ولم 
يعد الاستعانة بماضي اليابان أو بالغرب الذي اعتادوا التشبه به. ضروريا 
للتعريف بهذا الجانب أو ذاك من المدينة. إن طوكيو اليوم تصبح ببساطة؛ 
طوكيو؛ فلا هي ساحة عرض (لما هو غربي)؛ ولا هي مدينة بها حنين للريف. 
وبالمثل؛ بدأ اليابانيون المحدثون يتقبلون حقيقة أنهم يابانيون كما هم فضي 
الواقع ‏ يتزاحمون معا شي العمارات السكنية والمكاتب؛ وهم بالتأكيد مختلفون 


أسوار في القلوب 


عن بعضهم البعضء حيث لم يعد بينهم التمائل الذي يسم القرويين: واختفى 
الطين من مدأسهم. 

في ثمانينيات القرن العشرين؛ صدرت رواية للكاتب هيكاري أجاتا أنة!:11 
8 عنوانها: احتفال عائلي 21 لإانسه1 لى؛ تحكي عن أم وأبنائها يعيشون 
في حي يجري تطويره وتحديثه. واليوم ينتصب فندق من ثمانية عشر طابقا على 
أرض كانت ملكا للأسرةء وتزحف حالة الإحساس بانعدام الجذور المدينية. يقول 
الراوي: «كان هذا الحي يعطي دائما إحساسا بالفوضى».؛ لكنه يستطرد : 

«ومع ذلك كنت دائما أحس بالارتياح كلما عدت إليه من غابة العمائر الشاهقة. فقد 
كان حيا تمتزج فيه برقة ونعومة الرماديات والبنيات» وكانت الألوان الطبيعية لطيفة 

ولكن أهالي طوكيو يكشفون أحيانا عن بقايا تعلق وحنين لشوارعهم 
الخلفية (أورا دوري). خما تزال البيوت القديمة غير المجهزة بوسائل 
الراحة ‏ ويا حبذا لو كان الزمان والتقلبات الجوية قد نالت منها ‏ ملاذا 
وسكنا. وفي الأثناء. تمثل الكرة الحديدية التي تستخدم في هدم المباني 
واحدة من أكبر المحن التي نزلت بالمدينة في العصر الحديث. وأصبح من 
الأمور العادية أن نرى أحياء كاملة تختفي في أسابيع قليلة» وفي مكان 
المنازل الريفية تقوم مبان جديدة من ألف نوع وطراز. ومكان الأخشاب 
بألوانها من جميع درجات البنيات والرماديات: تفد الخرسانة المسلحة 
والجرانيت المظلل بسواد الفحم؛ وهي خامات ما بعد الحداثة التي يفضلها 
المعماريون اليابانيون. 

في أثناء إقامتي في طوكيوء. حركت هذه التغييرات إحساسا ملموسا 
بالتسارع المثير لعمليات تحديث اليابان. فقد كان من الممكن أن أغيب عن 
سكني أسبوعا واحداء وأعود لأجد أن شيئا مختلفا يقوم مكانه؛ وقد بني 
نصفه بالفعل. ويتكرر المشهد مرارا وتكرارا. مشهد الهدم وإعادة البناء 
في المدينةء الذي يمتد ليصيب أساليب حياة اليابانيين وطرائق عملهم 

«نحن نحيا حياة بلا حرية؛ وننوء بأعباء غير طبيعية؛ ونعاني عبء نظام 


العام ؟1917. ويستطرد: 


اليابان: رؤية جديدة 


«أين قيمتنا كبشرة ليس لدينا ‏ بين تسابقنا إلى المصانع في ثلج الصباح 
الباكر: واتدفاعنا إلى بيوتنا تحت نجوم الليل ‏ أي فرصة للاستمتاع بالحياة. 
نحن نعيش حياة غير آدمية». 

وجدير بنا أن نلاحظ أن فكرة إنكار إنسانية البشر وردت مبكرة ومتواترة 
في كتابات اليايانيين المحدثين. وتوحي عبارات مثل: «أعباء غير طبيعية» 
«نظام غير عقلاني». بأن الأجيال الأولى لليابانيين المحدثين أدركوا في الحال 
أن شيئا غريبا وخارج السياق؛ بل شيئا شاذا ومنحرفاء يكمن في قلب عملية 
تحولهم ليصبحوا «اتيابانيين». كانت المعاناة الأساسية لاهو حديث؛ هي 
تجرية الرحيل أو الغرية؛ وهي التجربة المشتركة لملايين النازحين إلى المدن. 
فهل فقد هؤلاء: على نحو ماء أنفسهم وإنسائيتهم عندما هجروا قراهم 
ليصبحوا ساموراي المستقبل؟ 

فضي روايته كوكورو «معامكا: 1514: يقدم سوسكي ناتسومي 505 
نات صورة حادة ومثيرة لشخصية طلائع الساراري الطموحين من 
خلال شخص يسميه ببساطة ك. ك. الذي ترك قريته ليقيم في طوكيو. حيث 
انخرط في البحث عن «الطريق الحقيقي»؛ وإن كان لا يعرف بالضبط ماهو 
الطريق الحقيقي. وهو يبذل جهدا ليتأهل بإرادة لا تقهر. ويُعمل «التركيز 
الذهني» إلى درجة تفوق الطاقة. ويكرس نفسه لاستيعاب «المفهومات 
العصرية»؛ وهو في الوقت نفسه مكرس بالقدر نفسه للاحتفاء بالرموز 
التعاولية للقادني الساموراي الذين يجلدون أنفسهم كبرياء؛. مزدرين كل 
أشكال الدعة؛: ومحتضنين كل المشاق والآلام من أجل الطريق (دو 00)؛ من 
أجل الفضيلة والمهابة الرجولية:. 

وفطي ذلك: كان سوسكي يستشرا ف المستقبلء لأن هذه الشخصية ليست 
غريبة عن أنظارنا . قفي زمائنا هذا فإن مطمح هذا الشخص هو أن يرتدي 
الزي النموذجيء البدئة الكحلية والقميص الأبيض. ويحتل منصبا في المراتب 
التالية للقمة في مؤسسة مثل تويوتا أو توشيبا ‏ مدير قسم؛ مساعد مدير 
قطاع؛ أو أي مسؤولية واضحة المعالم. ولأن الخط الفاصل بين ما هو عام وما 
هو خاص مرسوم بوضوح في مثل هذا الموقع المتميز, فإننا نرى في هذا 
الشخص أيضاء التداخل الغريب بين الاقتصاد والسيكولوجي الذي ريما تنفرد 
به اليابان الحديثة. فبطل رواية سوسكي يضحي بكل شيء ليصنع من نفسة 





أسوار في القنوب 


يابانيا حازما صعب المراس وفقا لتقاليد يراها مراوغة. حتى إن استفرقته 
تماما. ولكن البطل يصبح خلال هذه المحاولات ‏ ووفقا لما يقول الراوي 5 
مجردا من إنسانيته. «أقيموا أسوارا في قلوبكم ضد الخواطر الهائمة 
والأفكار البعيدة» ‏ تلك إحدى قواعد حياة الساموراي الموصى بها منذ قرون 
عدة. والمقصود هنا إقامة أسوار ضد الأفكار العادية. ونتبين أن هذه هي حال 
المحارب الياباني العصري نفسها أيضا. فثمة شيء مجاف للإنسانية في المثل 
الأعلى المفترض أن يكرس نفسه من أجله. 

ذهبت ذات مرة إلى مبنى إداري في طوكيو لمقابلة رجل يدعى تيروتاكا 
كاواباتاء وهو سليل عائلة من الساموراي. كان كاواباتا نحيفا وَخَّطّ الشيبٌ 
شعره؛ يشغل وظيفة في الإدارة العليا لدوائر الأعمال؛ وعلى الرغم من اقترابه 
من سن الستين؛ فإن حيويته وحركته تجعلانه يبدو أصغر كثيرا. كنا في قاعة 
في الدور الأرضي ذات أرضية خشبية تشبه أرضية ستوديو للباليه. كنا نتفرج 
على التدريبات التي ينظمها مساء الأريعاء في رياضة ال يايدو 12100؛ وهي 
شكل قديم من رياضة الكندو 156000 «المبارزة». ويينما نحن نشرب الشاي 
الأخضر ونتجاذب أطراف الحديث, كان ستة من رجال متوسطي العمر, 
يلبسون زيا متماثلا؛ يتدربون على أداء الحركات المحددة التي تتركب منها 
رياضة اليايدو؛ كل منهم يكرر بدقة متناهية حركاتها وإيقاعاتها القديمة. 
وكأنهم يستدعون ذاكرة مختزنة في الأذرع والسيقان. كانت الوجوه مفرغة من 
التعبير. الشفاه مزمومة, والأعين نصف مغلقة وباستشناء الأصوات الصادرة 
بين برهة وأخرى لاصطدام السيوف أو ارتطام الأقدام العارية بالأرض 
الخشبية, باستثناء ذلك كانت الفرفة صامتة صمتا تاما. همس كاواباتا: 
«الموضوع هو أن تتحرك حركة تبلغ أقصى حد من الكمال والجمال. وهذا 
شيء يجب أن تتعلمه. ليس بإمكانك أن تبتدعه». 

لم يكن كاواباتاء في ذلكء من الهواة؛ وإنما كان معنيا بالحياة خارج هذه 
القاعة المغلقة التي كنا نجلس فيها. قال: «أنا أستخدم في تسيير الأعمال ومع 
الأصدقاء التكنيك نفسه الذي أستخدمه في اليايدوء فأنا دائما مستعد 
للاستجابة. ويرغب اليابانيون في حماية أنفسهم من تغيرات الحياة؛ ولكن من 
لمهم أن يتعلموا التكنيك اللازم لذتك». وواصل الحديث في هذا السياق إلى أن 
انتهى الطلاب من تدريباتهم. كانوا عاملين في شركات أسماؤها مألوفة لدي. 


اليابان: رؤية جديدة 


وكان من الغريب أن يكون من بينهم مديرون في شركات شحنء ومندويو مبيعات 
لنتجات كيماويةء وموظفو أمن؛ يتبارزون كل اثنين مختارين معا بسيوف خشبية. 
ولكن هنا نجد السيد ك: الشخصية التي رسمها سوسكي؛ ثمانون عاما من 
المشابرة والعمل المجزي. المحارب من أجل المؤسسة: المفروض فيه أن يدير 
أعماله المكتبية ويتعامل شي مبيعاته بعزيمة الساموراي نفسهاء الذي كان فيما 
مضى يجوب أرجاء اليابان» وهو مفعم بأسمى دافع؛ وأصفى فكرء وبإرادة نابعة 
من الأعماق. 

غير أن تلامين السيد كاواباتا لم يكونوا ليتوفروا على هذه السجايا. كانوا 
على نحو ما يفتقرون إلى الجسارة المنشودة؛ كما يفتقرون إلى الوضوح 
والعزيمة. وهي حقيقة كانت أكثر وضوحا في وجود كاواباتاء بكل حيويته 
وجاذبيته. باختصارء كانت ملاحظات كاواباتا مألوفة تماما. ولكن ما الذي 
كان هؤلاء الرجال يريديون أن يتعلموه حقيقة من أستاذهم في هده 
التدريبات؟ إيماءات ولفتات عريقة وموحية تأتي من بعيد؟ كيف تكون 
الحيوية؟ كيف يكون الإحساس بالعمل والحماس له5 كيف يكونون يابانيين 
صالحين وفقا للقواعد المطلوية» على مثال ك. بطل سوسكيء وعلى مثال 
السيد كاواباتاء كيف يخلصون أنفسهم مما هو عادي وعامي؟ 

هي أسفل سفح جبل فوجي»؛ يوجد مكان يسمونه معهد التدريب الإداري 
عنما ناقم] عستستة]' أعدمعع 3 166 . ويبدو هذا المكان أشبه بمعسكر 
لتدريب مجندي الأسطولء والحقيقة لا تختلف عن ذلك. ثمة ساحات للتدريب 
على المشية العسكرية؛ وسواريء وعدد من أبراج الميكروفونات» وخطان من 
عنابر الشكنات يشكلان حرف رآ أنشئّ معهد التدريب الإداري من أجل 
المحاربين الفاشلين الذين لم ترضّ شركاتهم عن أعمالهم في التسويق أو 
الإنتاج أو ببساطة بسبب سلوكياتهم. يستيقظ النزلاء في السادسة صباحا. 
ولا يسمح لهم بالانصراف إلا في التاسعة والنصف مساء. وتنظم لهم 
مسيرات ليلية لمسافة خمسة وعشرين ميلاء وأخرى أقصر نسبيا وأسرع 
لمسافة خمسة عشر ميلا أو نحو ذلك. ويطلق المتدريون على معهدهم «معسكر 
جهنم» محصق 1اعط؛ وعلى هذه المسيرات «السير على أرض جهنم». 

وكان رئيس المعهدء ياسو موتوهاشيء؛ رجلا قوي الشكيمة ذا شعر فضي. وكانت 
أفكاره عن رجال الساراري مثيرة للاهتمام. يقول: «يهدف التدريب» باختصار:؛ إلى 





أسوار في القلوب 


جعل المتدرب يكتشف روحه: روح العمل الجاد الدؤوب. من الصهب أن ينهض رجل 
الساراري بما يعهد إليه بإخلاص وحماس. ونحن نفوص في أعماق نفسيات 
متدربينا. وأهم نقطة نتبينها هي أن الناس ليسوا على صلة حميمة بأنفسهم. إنما 
هم ينهضون بما يوكل إليهم: لأنهم مضطرون إلى ذلك. ونريد أن يتبين المتدربون 
إلى أي حد حياتهم كثيبة ومفرغة من المشاعر الصادقة». 

في كل يوم يعيشه المرء في اليابان؛ يرى رجال الساراري في طوكيو وأوزاكا 
وكوبي وغيرها من المدن الصناعية على طول شاطيّ المحيط الهادي. وضي كل 
مكان نرى الصراع الدائر لاجتياز الفجوة المتزايدة التي تفصل بين المشالي 
والواقع؛ الانفصال نفسه عن المهمة القومية الكبرى لتعظيم الإنتاج الاقتصادي, 
والتخسين ننه عي الواف من أجل الغذور على حاكن اليتى هذا الاتقصال 
عرضا متوطنا في العالم الصناعي؟ ولكن في اليابان وحدهاء حيث يتداخل 
الشأن العام والشأن الخاص إلى هذه الدرجة: تلح على الناس فكرة أن توفير 
الحالة النفسية الملائمة أمر ضروري وحيوي ليس فقط من أجل نجاح 
الاقتصاد القومي؛ ولكن من أجل الوجود والحياة في «الواجهة اليابانية». فما 
يزال الياباني يفترض الانطلاق للحياة من القناعات الداخلية نفسها التي كانت 
تحرك الساموراي. ولكن لم يعد ثمة إلا عدد قليل من رجال الساراري تتوافر 
لديهم الحماسة والمشاهر التي يتحلى بها رجال السيف من أمثال تيروتاكا 
كاواباتا . هكذاء فإن غياب الدوافع الملائمة يعتبر مرضا يصيب الأمة. 

ومن الميثوس منه أن يفهم الأجانب ذلك؛ الأجانب الذين يعتبرون أن 
رجل الساراري النموذجي هو الشخصية الأصيلة. فمحارب الشركة 
الدؤوب هو الحلية المركزية في «اليابان» التي صنعت في خيالنا. وتلك 
صورة بغيضة:؛ لأنها تجعل من اليابانيين ‏ وفق تعبير سوسكي - كاتنات غير 
إنسانية» ومن ثم مرهويةء والواقع مختلف تماماء وهو الواقع الذي أدركه 
عامل الميناء في طوكيو (المشار إليه آنفا)؛ وكما تبينه المقارنات المألوفة 
الخاصة بالإنتاج بين العمال اليابانيين ونظرائهم الأمريكيين. الواقع أن 
ليس ثمة شيء بطولي في رجل الساراري الذي يكدح ويظل يكدح أبدا. 
عندما أبدى الطبيب النفسي ماساو مياموتو ملاحظات عن عدم كفاءة 
العمل في وزارة الصحة؛ أجاب المدير العام بكلمات فيها وصف لماح للنظام 
كما هو ضفي الواقع: «إن تراكم عدم الكفاءة هو الذي يفضي إلى الكفاءة». 


اليايان: رؤية جديدة 


وتصدر الحكومة اليابانية كتابا مهما عتوانه سممهل سأ معط وسحلة5: يأخذث 
على عاتقه أن يشرح للأجانب معنى «المحارب» ه78 حين تُستخدم كصفة 
للعاملين في الشركات - وترجع أهميته إلى خلوه تماما من الأسطورة النمطية. 
توخي الكتاب بأن ثمةء في الحقيقة. سمة غير إنسانية في رجل الساراري» 
وإن يكن ليس لهذه السمة علاقة بالقدرات الفائقة النابعة من الإرادة. على 
غلاف الكتاب صورة رجل متوسط العمرء تنتشر حوله أشياء مختلفة: 
صحيفة؛ كومبيوتر. صندوق الوجبات؛ شريط مترو الأنفاق, ويوحي الغلاف 
بآن الرجل المرسوم في المركز هو انُنتج النهائي المصنوع من هذه المكونات 
المرسومة حوله. يشرح الكتاب بالدقة جميع أوجه حياة الساراري. فرجل 
الساراري الشاب يحمل هذا النموذج من حقيبة الأوراق؛ ورجل الساراري في 
المراتب الوسطى يحمل هذا النموذج الآخر. ورجل الساراي فوق الخمسين من 
عمره يحمل هذا النموذج الثالث. وعلى رجال الساراري في المراتب الوسطى 
أن يتحملوا ويتعاملوا مع مشكلات الرئاسات التي لا تراعي المنطق؛ 
وا مرؤوسين الأنانيين. والرهونات الكبيرة: والزوجات المخادعات. وفي أماكن 
أخرى من الكتاب؛ شرح للابتسامات الست المختلفة التي يبتسمها رجال 
الساراري؛ وي موضع آخر النظام الذي ينظم به رجال الساراري من مختلف 
المراتب جلستهم في سيارة يركبونها. يقدم الكتاب كل هذه النقاط كما لو كانت 
قوانين: وهي بالفعل كذلك على نحو ما. ويسود الكتاب نبرة ثقة ويقين بأن 
هذا هو ما يتسم به اليابانيون ولا يحيدون عنه وذلك شاهد على روح التواؤم 
الصارم التي يخضع لها رجال الساراري. 

ورجل الساراري الملتتوسطء الذي يقترب من سن المعاش. يتحول إلى 
«متفرج» اعااء5 0077طثثتاء إلى شخص يعتبر لا لزوم له, ويعطي مكتبه لمدير 
أصغر سناء بينما يقضي السنوات الأخيرة من خدمته في أحلام اليقظة: 
وعندما يحال إلى المعاشء: سيطلق عليه اسم شهرة آخر شديد القسوة؛ ألا 
وهو «نفاية المصائع». ويصف الكتاب الصغير رجال الساراري في هذه 
الكريكلة يصزائحه اسففائية: 

يتحول رجال الساراري في الحلقة السادسة من عمرهم إلى الانشغال بالهايكو أو 
البونسايء أو غيرها من الفنون التقليدية. حيث يبدأ عدد كبير منهم في الإحساس بضيق 
عالمهم الإنساني فيلجأون إلى ذلك ليملأوا الفراغ الذي يحسون به في حياتهم اليومية. 





أسوار في القلوب 


أول لقاء لي مع رجل ساراري خارج العمل حدث ذات مساء مطيرء حيث كدث 
أتعثر فأسقط عليه؛ كان ذلك بالقرب من إحدى محطات مترو الضواحي؛ 
وأمطار الربيع تنهمر غزيرة؛ نظرت إلى أسفل فرأيت رجلا في بدلته الزرقاء 
ممددا على أرض الشارع: كان في أواسط عمره. وقد ظهرت التجاعيد على 
وجهه قبل أوانها. كان ثملا ومبتلا تماماء ولكن على قيد الحياة. وعندما فتح 
عينيه واكتشف أن ثمة شخصا أجنبيا يحماق فيه من أعلى: حاول أن يلتقط 
أنفاسه وأن يتماسك, وكأئنا انخرطنا معا في لقاء عمل روتيني. 

لا يستطيع المرء أن يستخلص نتائج كثيرة من مثل هذا الحادث الصغير. إن 
مرأى رجال الساراري الشاربين المهرولين للحاق بالقطارات الأخيرة يعتبر من 
المناظر المألوفة في المدن اليابانية. ولكن هذه بالضبط هي النقطة التي أتوقف 
عندها. يجب أن نركز على حقيقة أن الشرب بعد ساعات العمل في رفقة الزبائن 
والزملاء هو جزء لا يتجزأ من روتين رجل الساراريء بل إنه من لزوميات المهنة. 
وأن يكون المرء شاهدا على العادات الحياتية لرجل الساراري من قربء لأمر يعادل 
التحقق من الهوة الكبيرة التي تفصل الصورة التي تروج لرجل الساراري (كنموذج 
رشيع في التفاني وضبط النفس). والواقع الذي غالبا ما يكون متدنيا. 

لفترة طويلة؛ ظل المثل الأعلى الذي يجسده «المحارب من أجل الشركة», 
خدعة؛ ليس فقط للأجانب الذين يرون الأمور من الخارج مثلنا. وإنما خدعة 
أيضا لليابانيين أنفسهم حيث تتابعت أجيال كثيرة من اليابانيين المتطلعين على 
شاكلة السيد «ك» (بطل رواية سوسكي). وعلى مدى قرن وريع القرن بعد أن 
قررت الأقلية الأوليجاركية الحاكمة أن تجعل من اليابان أمة من الساموراي, 
خاض اليابانيون النضال باستخدام الأسلحة الأكثر رفاهة؛ ومحاولين أن 
يتواءموا مع الصورة المرسومة لليابانيين. وفي سنوات إقامتي ضي اليابان كان 
إنقاذ المحارب من أجل الشركة صناعة رابحة. وكان معهد التدريب الإداري 
عند سفح جبل فوجي معروفا باعتباره أعتى معسكرات جهنمء ولكن كان ثمة 
عدد كبير من الشركات الأخرى التي تخصصت في غرس وتنمية الروح 
العميقة لرجل الساراري في متدربيها. فهل صحيح أنه من الممكن أن يستحث 
كائن من كان في غيره مكنونا روحياء أو أن يغرسه:؛ أو حتى أن يستحدثه؟ أم 
أن الجهود المبذولة نفسها تفترض أن يكون المتدريون سلعا: مجرد «مادة 
بشرية»»: وهو التعبير الذي أطلقه معهد جبل فوجي على متدربيهة 


اليابان: رؤية جديدة 


في رواية سوسكي؛ عجز السيد دك» عن أن يصبح نوعا عصريا من 
السامورايء ومهما 1 من جهدء فإنه لم يستطع أن يتنكر لإنسانيته؛ لمشاعرم 
وهشاشته وتردده وما أشبه ٠‏ وفي النهاية يتبين السيد دك» أن ضعفه الحقيقي 
يكمن في نزوعه إلى الهرب يعيدا عن تعقيد العلاقات العادية بين البشر في 
الماضي المثالي بعيد المنال» ماضي المحاريين الأشاوس. وبين الخوف من 
مواجهة الحياة كفرد منعزلء واستحالة أن يجد عونا في نظام المحاربين 
الساموراي؛ أقدم «ك» على الانتحار. 

والسؤال هو: ألا تشي تلك الصناعة. صناعة رجل الساراري؛ بالفكرة 
نفسها بالتحديد. ألا وهي أن ساموراي الشركة ليس إلا صورة خيالية؛ بل 
إنها لصورة مدمرة؟ فعندما حولت الأقلية الأوليجاركية الحاكمة أسلوب 
حياة المحاريين إلى ميثاق اجتماعي: أصيب بالاضمحلال؛ وكما يحدث مدل 
هذه المثل: فإنها تتحول إلى مجرد شكل مفرغ من المضمون. يسمي 
اليايانيون العقود الأولى التي أعقبت الحرب «العصر الذهبي» لرجل 
الساراريء تكن هذا ليس إلا وهماء غلم يكن للموظفين اليابائيين عصر 
ذهبي أبداء وأقصى ما حدث هو فترة وجيزة من القبول والإذعان. لقد 
أسسى معهد التدريب الإداري عند سفح جبل فوجي في 117317: وهذا تاريخ 
يُفترض أنه كان ذروة ذلك العصر الذهبي. حينذاك: في أواخر ستينيات 
القرن العشرين؛ كان قد بدأ النقاب يُكشف عن حقيقة خديعة اليابانيين 
العصريين التي طال أمدها. 

والساموراي حامل الحقيبة» شخصية وجدت ضي الماضي القديم» في 
15 وذلك تاريخ ميكر في عصر سلام التوكوجاوا أقدم أحد الحارونة: 
من منطقة قريية من كيوتوء على اتخاذ قرار غير مألوف, إذ أقلم عن 
الاشتغال بالسيفء وأعلن لعشيرته: «سنكف عن كسب عيشنا بالسيف, 
نستطيع أن نجني أرباحا هائلة بكرامة وشرف. ساشتفل بإنتاج الساكي 
وصلصة الصوياء وستزدهر أعمائناء. ووقع هذا الكلام على آذائنا يوحي بأنه 
إعلان تجاري وإن يكن في غير زمانه. ولكن قائله. سوكوباي ميتسوي 
1115101 501205 أثيت أنه كان رجلا ذكيا بارعاء فتلك الكلمات كانت هى 
الإعلان التأسيسي لما أصبح اليوم أقدم مؤسسة صناعية في العالم (وهي 0 
قرا قحمل اشم عافلة مؤشسها): 





أسوار في القلوب 


بعد أن بدأ عصر الإحياء الميجي؛ وعندما سحب الحكام رواتب الأرز 
(الجراية) من الساموراي. وسرحوهم لكسب رزقهم بأنفسهم في المجتمع 
الجديدء اندفع هؤلاء الجنود القدامى للتوظف في المنشآت الناهضة للعصر, 
وسرعان ما اشتغلوا بالأعمال المكتبية في الشركات المرموقة؛ كما أصبحوا 
عمالة ماهرة في ترسانات بناء السفن ومصانع الذخيرة. مصانع الآلات 
المسماة (بلغة زماننا هذا) الصناعات الإستراتيجية. وما كانوا ليآبهوا بالفوارق 
بين العمل شي المكاتب أو العمل شي الورش والمصانع: وإنما كانوا (كما ظلوا) 
جماعة المحاريين معا. 

وكان الساموراي المسرحون هم: بالدقة. نوع العاملين الذين تحتاجهم أآمة 
في عجلة. كانوا يؤمنون بالولاء ويتوضرون على قدر من إدراك فكرة الهدف 
القومي. وكان من الطبيعي أن يحملوا معهم قواعد التفكير والسلوك الخاصة 
بالساموراي. فرجال الساراري الأوائل كانوا هم أول يابانيين محدثين يُكافاون 
بالترشي والعلاوات المنتظمة. وأصبحت الشركة هي البيت والعشيرة (آي عذ)؛ 
وأصبحت المشاعر نحوها ترجمة حديثة للإحساس بالانتماءء الذي كان جزءا 
من سمات المحاريين في جيش السيد الإقطاعي المحلي (دايميو «لإدسنتهل). 
ولكن لم يكن ثمة العدد الكاضي من الساموراي. فقد كانت الصناعات تنتشر 
وتتوسع؛ وتبحث عمن يعمل فيها. الأشخاص العاديون لم يكن يتوافر لديهم إلا 
فليل من الفضائل القديمة: كما كان يفهمها الساموراي» فضلا عن فكرة 
الهدف القومي؛ ومن ثم فإن قصة جنود الشركات تعود في جوهرها إلى كيفية 
علاج اليابان لهذه المشكلة: حيث شجهت العوام على أن يتمثلوا «العادات 
الجميلة» الموجودة في قانون الساموراي. 

وعندما بدأ النظام الحديث يأخذ شكله النهائي؛: في العشرينيات من 
القرن العشرين؛ لم يعد الولاء للشركات تطورا طبيعيا للولاء القديم: وإنما 
أصبح ولاء تشتريه الشركات؛ فتلك صفقة تمليها الحكمة. وجاء الوعد بتوفير 
العمل مدى الحياة لينتج مديرين ومستخدمين مستعدين للتفاني في خدمة 
الشركات المرموقة: ولم تكن تلك الشركات تبحث عن المواهب؛ وإنما عن 
شخصيات من طينة خاصة: طينة قابلة للتشكيل. ولم يكن يهمها ما الذي 
تعلمه طالب العمل في المدرسة:؛ وإن كان لابأس من أن يكون قد تعلم بعض 
المهارات الأولية وقواعد الانضباط الأساسية:؛ ويجري تدريب العاملين, 


اليابان: رؤية جديدة 


بالإضافة إلى إتقان القدرات العملية المطلوبة؛ على المرادف الوظيفي للتريية 
الأخلاقية؛ أي القيم التي ترسخها الشركة: قيم الشخصية الحقيقية لموظف 
شركة سوميتوموء: وأشباهها. وإذ يستوعب الموظفون الجدد هذه الدروس؛ 
يصيحوا كائنات اجتماعية (شاكاي جين مأزلنه»ل502)؛ أي أعضاء معترفا بهم 
في المجتمع. 

أما عن العوام القادمين من الريف ‏ خشاش الأرض ممن لم يسبق لهم أن 
جلسوا على كرسي أو لبسوا بدلة ‏ فإن الشركة الحديثة كانت بالنسبة لهم كيانا 
فيه شيء من منزل العائلة. وشيء من قراهم القديمة. واستمدوا الإحساس 
بالوضع الاجتماعي من شركاتهم. وما كانت هوية مديري المكاتب أو اليد العاملة 
في المصانع لتعرّف بمهاراتهم الفنية؛ أو حتى بأوضاعهم الوظيفية؛ وإنما كانت 
تعرّف بانتمائهم إلى شركاتهم فحسب. وعندما تكون الشركة هي بيت العائلة 
وهي القرية: فإنه ليمن من الصعب أن نفهم أماكن الإقامة وعنابر النوم التي 
تهيكها الشركات لعامليهاء والزيجات التي ترتبهاء وغيرها من الممارسات الواقعية 
في المدن اليابانية: التي تحار فيها عقول العامة والخاصة. ومن ثم فإن أي رجل 
ساراري جادٌ يقدم نفسه للآخرين؛ يضع اسم الشركة في البداية: (كما يوضع 
اسم العائلة في البداية ‏ في اليابان) فيقال: «أنا من شركة سانكاي للبواخر, 
واتانابي». أو «أنا من نيسان: فوجيموتو». 

هكذا حلت قيم الشركة ومعابيرها محل قيم الحياة المدنية ومعاييرهاء 
هذه الأخيرة التي لم تتطور في اليابان الحديثة أبدا. لم يعد أحد يستطيع أن 
يغير شركته بمثل ما هو عاجز عن تغيير أسرته وعشيرته؛ فذلك يعني أنه وقع 
في خطيئة تجعل من المستحيل أن ب يطلب وظيفة في أي مؤسسة كبيرة أخرى. 
وليس لشخص أن يترك العمل في الشركة إلا ليعيش حياته خارج النظام؛ وهو 
اختيار أقدم عليه البعضء وإن كان ذلك دائما يعني الولوج في درب أقل أمناء 
وضي حياة خارج دائرة الصفوة. 

وكانت دائرة الصفوة صغيرة. ضفي يابان ما قبل الحرب, كان المؤوسسات 
الكبيرة التي تقوم بدور قاطرة المجتمع؛ لا توظف إلا أقل من ثلث القوى العاملة. 
وضي اندفاعها للحاق بالغربء بنت اليابان عددا قليلا من الصناعات الحديثة: في 
النسيج والتعدين والصلب وبناء السفن. بينما تركت بقية الاقتصاد على حاله - 
بدرجة أو بأخرى ‏ لقد أصبح لليابان وجهان: أصبحت؛: كما تدعي بحقء دولة 





أسوار في القلوب 


صناعية ناهضة: وأثبتت ذلك بالهزيمة البحرية التي ألحقتها بالروس بعد خمس 
سنوات من بداية القرن العشرين. ومن الجانب الآخرء ظلت اليابان دولة غير 
متقدمة. ومن عجب أن هذا الوضع الأخير ما يزال سائدا ومحجويا جيدا في 

الوقث ذاته في الوقت الراهن؛ على رغم أنه ماثل مباشرة أمام أعيننا. ذلك أن ما 
نعتبره شركات نمطية يابانية. شركات لها أناشيدها الخاصة وزيها الموحد, 
وروبوتاتهاء ومطاعمها النظيفة المتزلقة, لا يزيد عددها على واحد في ا مائة من 
المجموع الكلي للشركات. أما البقية ‏ نعني تلك المنشآت التي يقل رأسمالها عن 
مليون دولار: والعمالة فيها تقل عن ثلاثمائة فإنها تقدم تنتج نصف الإنتاج 
الصتاعي الياباني؛ وتنهض بثمانين في ال ماكة من تجارة التجزكة في اليابان. 

ضخلف الأسماء المألوفة تلدى المستهلكين كافة: سونيء تويوتاء إن إي سي 
يوجد في أسرها عدد كبير من مقاولي الباطن؛ حيث الوظائف غير مضمونة 
وظروف العمل لا تسر. وشركة هوندا على سبيل المثال تتحكم في بضعة آلاف 
من الموردين: ويسمى هذا نظام المنشآت التابعة. ابتدع هذا النظام في أثناء 
ثلاثينيات القرن العشرين لمضاعفة إنتاج الذخيرة:؛ وما كانت اليابان تقوم اليوم 
بتصدير هذا النظام: فإنه يصير معروفا بقدر أو آخر لدى الموظفين 
البريطانيين والأمريكيين المشتغلين في فروع للشركات اليابانية الكبرى. 
ويتحكم مقاولو الباطن في ورش القاعات المنزلية: المساكن العائلية التي تقو. 
بأعمال التجميع أو الدمغ أو التقطيع أو التغليف في السلم الإنتاجي. فإذا 
دخلت أحد هذه البيوت ستجد ماكينة واحدة محشورة في غرفة معيشة 
مفروشة بالحصير. ويتداول العمل على ماكينة الأسرة هذه الرجل وزوجته 
وابنته والجيران في ورديات منتظمة. وتعد ورش غرف المعيشة هذه التي 
تعمل بالقطعة ‏ بمثات الآلاف. 

ومايزال اليابانيون حتى الآن؛ وكما كانت الحال منذ قرن مضى؛ يعملون 
في ورش صغيرة بعيدا في الحواري الضيقة في المدن أو في أطراف طرق 
غير ممهدة في الأرياف .وقشغل المنشآت الصغيرة عددا يتراوح بين عامل أو 
اثنين ليصل بعضها إلى توظيف ثلاثمائة. ولكن هذه المنشآت تعد بالآلاف. 
وعلى الرغم من أنها تحتل موقعا هامشيا في مشروع التحديث؛ فإنها كانت 
ركيزة الاقتصاد الياباني. واليوم؛ يقوم صغار مقاولي الباطن بتشغيل حوالى 
ثلثي القوى العاملة في الصناعة. 


اليابان: رؤية جديدة 


ولا يتمتع بميزات «المحاربين» الأصلاء في الشركات, با معنى الكامل 
للكلمة؛ إلا قلة من اليابانيين. حوالى خمس القوى العاملة. وضي مجال 
الصناعات الإلكترونية المتطورة: تزيد مرتبات وأجور العاملين فيها بنسبة 40 
في المائة على المرتيات والأجور في الشركات الصغيرة. غير أن عالم 
الاقتصاد. كما كان منذ 1554: هو عالم التطلعات الكبرى؛ فالشركات 
الصغيرة والمتوسطة تبذل أقصى ما في طاقتها لتقلد الشركات الكبرى في 
الصناعات الإلكترونية المتطورة. ورجل الساراري: شأنه في ذلك شأن 
الساموراي: يعتبر مثلا أعلى تحتذيه الجمهرة الغالبة من الناس العاديين: 
الذين لا يحلمون بأكثر من أن يصبحوا مثله. 

فما موضوع هذا الحلم5 تبدو الإجابة عن هذا السؤال واضحة. إنه المرتب 
والعلاوات والأجور الإضافية والمنح: علاوة طبعا على الضمان. ولكن يظل 
السؤال: لماذا يرغب البعض في التمثل بأولئك الذين يسعون لأن يصبحوا «غير 
آدميين»5 في البداية: في زمن السيد «ك»»؛ لابد أن كان السبب ببساطة هو 
الانتماء. لأن رجال الساراري الأوائل كانوا هم اليابانيين المحدثين: أساليبهم 
غريية وروحهم قومية. وبعد الحرب ظل السبب هو نفسه بشكل أو بآخر: كان 
رجال الساراري هم القوة الدافعة للأمة في سعيها لتحقيق أهدافها التي 
أعيد تعريفها مجددا. وفي هذا السياق: يصبح من الممكن فهم الحلم: حلم 
الهوية: فمن ذا الذي لا يرغب في التميز بالمعيار الذي يحدده المجتمع: أيا كان 
هذا المعيار؟ ولكن هل يمكن لحلم أن يستمر حتى على هذا النحو الذي يكشف 
عنه الواقع القاسي؟ وهل يرغب المرء في التميز عندما يصبح التميزء بالمعنى 
الحرفيء هو الانخراط شي العمل إلى درجة إهلاك النفس؟ 

ع ع 

في الصباح الياكر لأحد أيام شهر يوليو من العام 1440: وضي فندق 
ناجوياء وقف السيد أيشيي تحت الدش ليستحم. وجون إيشيي أتط؟1 دنال 
رئيس قسم في مؤسسة ميتسوي وشركاه؛ في السابعة والأربعين من عمره؛ 
يجيد اللفة الروسيةء وكان في ذلك الصباح يستعد لقيادة جولة تعدد من زبائن 
الشركة الروس؛ في مصنع ينتج آلات الورش. غير أن السيد إيشيي لم يُقدر 
له أن يكمل حمامه. حيث سقط تحت الدش ومات في الحال بسكتة قلبية. 
وكان الرجل قد قام بعشر رحلات إلى روسيا في أثناء عامه الأخيرء بل إنه. 


أسوار في القلوب 


حقيقة؛ كان عائد! لتوه من آخر هذه الرحلات: وسبق له أن اصطحب عددا لا 
يحصى من الأفواج الروسية إلى مختلف أنحاء اليابان. وقامت الشركة بعد 
وفاته - بقليل ‏ بتقديم تعويض لعائلته قيمته ١٠١‏ مليون ين: حوالى ريع مليون 
دولار. وبعد عامين. أصدرت إحدى محاكم طوكيو حكما بأن تدقع الحكومة 
لأرملة السيد إيشيي معاشا سنويا قدره مليونا ين مدى الحياة. واستندت 
المحكمة في ذلك إلى اعتيار أن إيشيي كان ضحية لما يسمى كاروشي تطوهمهكا؛ 
أي الموت بسبب الإرهاق في العمل. 

لم يكن مصير جون إيشيي أمرا غير مألوف. ضفي العام الذي توفي فيه 
قدر عدد ضحايا الكاروشيء أي أوئئك الذين يموتون بسبب ضغوط الإرهاق 
في العمل قّدر بعشرة آلاف مستخدم كل عام وذلك وفقا لتقدير إحدى 
منظمات مساعدة أسر ضحايا الكاروشي. والحق أنه كانت قد صدرت أحكام 
مشابهة قبل موت إيشييء ولكنها كانت تتعلق بحالات عمالة بدنية في شركات 
صغيرة. أما حالة جون إيشيي ذهي الأولى التي فيها اعترفت اليابان رسميا 
بأن محاربي الشركات الكبرى يمكن أن يموتوا بسبب التفاني في العمل. 

وذكرى ضحايا الكاروشي غالبا ما تلاحق عائلاتهم: فالزوجة مثلا (أو 
الزوج): تتذكر بعض التدّر التي لم تنتبه إلى مدلولاتها: الشعور المزمن بالتعب, 
فترات الصمث غير المفهومة:؛ الأرق؛ الصداع: النظرات الزائفة؛ وأحيانا يكون 
الضحايا قد تركوا إيحاءات بأنهم يدركون حقيقة ما يحل بهم: وإن كانوا - 
على الطريقة اليابانية المعهودة ‏ يخفون ما يعانونه عن الآخرين. وغالبا ما 
تنكاب العاكلات أحاسيس بأن الشركة والدولة قد خانتاهم, ولهذا السبب 
تخوض كثير من عائلات الضحايا معارك طويلة في المحاكم لانتزاع اعتراف 
بالسبب الحقيقي في موت الضحية. 

فى 154/4: كوّن عدد من المحامين وأساتنة الجامعات والأطباء «المجلس 
القوو 2 للدفاع عن ضحايا الكاروشي» لأعصده©) عمدعقع2آ لهمم ةلآ 
تطومعة؟! له وتصعاه 1 و2: وأعد المجلس خطوط تليفون تتلقى المكالمات 
العاجلة من مختلف أنحاء البلادء وتقدم المشورة والنصح للعائكلات 
المتضررة. وسرعان ما شعر العاملون في المجلس بفيض الشكاوى يغرقهم؛ 
حيث تلقوا في اليوم الأول ١76‏ مكالمة. وبعد عامين؛ كان ثمة ٠٠٠١‏ قضية 


في سجلات المجلس. 


اليابان: رؤية جديدة 


وأصدر المجلس أيضا كتابا بعنوان: كاروشي: عندما يموت المحاريون من 
أجل الشركات 10165 177011101 غ12ه0م001) غطا صعط/1آ :أطوه:2 1 . ونورد فخيما 
يلي فقرة وردت في ذلك الكتاب من يوميات رجل في الثالثة والأربعين من 
عمره يسمى توشيتسوجو ياجي 281ل تاق لاقال!اة10: 

ماذا لو فكرذا في العبودية: في الماضي والآن؟ 

في الزمان الذي مضى:؛ كان العبيد يسكئون في مراكب ليرّحلوا إلى العالم الجديد. ونكن اليست 
قطارات الضواحي في زماتنا التي تختئق بعبوقها البشرية أكثر لا إنسانية؟ 

ثم, آلا نستطيع ان نقول إن جيوش اليد العاملة المشتغلين اليوم في الشركات هم في الحقيقة 
عبيد بكل معنى الكلمة؟ 

إنهم يباعون ويشترون بالمال. 

وتقدر أثمائهم بساعات العمل. 

وهم عاجزون عن رفع أصواتهم امام من يعلوهم. 

ولا يكاد يكون لهم رأي في تقرير اجورهم. 

وهؤلاء العبيد المعاصرون لا يتمتعون حتى بأبسط ما كان يتمتع به عبيد الأزمئة الغابرة؛ ألا 
وهو الحق في تناول العشاء مع عائلاتهم. 

تلك ملاحظات وردت على لسان شخص يكتشف معاني تتناقض مع أشياء طال 
تصديقه لهاء أشياء تتعاق بمعنى حياته؛ وتبرز مشقتها. غير أن الفكرة المهمة 
فيما اقتبسناه أعلاه هي فكرة لم ترد في هذا النص. فهذا النص لا يحتوي 
على أي شيء يشير إلى التفاني المنسوب إلى رجل الساراري؛ وإن كانت 
تحتوي على الكثير مما يوحي بأن الشركات الكبرى العصرية ضي اليابان لم 
تكن فط الجماعة الخيّرة كما يصورونها. وتذكرنا كلمات ياجي بكلمات عامل 
الميناء الذي كتب شكواه من ظروف العمل غير الإنسانية في 1577.: فكلاهما 
يصف علاقات قائمة على فكرة مجافية تماما لروح المصرء فكرة الانقسام 
إلى من هم أعلى ومن هم أدنىء: حيث من هم أدنى لا حول لهم ولا قوة. 

صحيح أن ثمة بشرا يموتون من إرهاق العمل في أماكن أخرى غير 
اليابان» وغالبا بالأعراض والأمراض نفسهاء ولكن يجب أن نكون واضحين 
أن الأمر في اليابان وثيق الصلة بأخلاقيات العمل اليابانية, تلك التي 
تحظى بكل هذا الإعجاب في الغربء والتي لها جذور عميقة لا يحسدون 
عليها في العصر الإقطاعيء فقد كان بيروقراطيو حقبة إدو (الإسم القديم 


أسوار في القلوب 


لطوكيو) على وعي تام فيما يبذلون من جهد ليجعلوا من الأغلبية/الرعية 
جمعا من المنتجين الكادحين المغلوبين على أمرهم. وشعارهم في ذلك: «لا 
تدعهم يعيشون: ولكن لا تتركهم ليموتوا». كان البيروقراطيون يبقون على 
العوام في حالة يرثى لهاء بينما هم يفرضون فكرة مفارقة عن الالتزام 
الأخلاقي: حيث الفضيلة تُقاس بكمية الفاكض المحصوليء والوفاء للآباء 
يعني تسديد الضرائب ودفع الإتاوات من محصول الأرز. ولم تكن إشاعة 
نظام قيم الساموراي لتفضي إلا إلى تأكيد الالتزامات المرعية. وهذا هو 
السبب في أن أصحاب الأعمال اليابانيين يفضلون التقاليد والعادات 
الجميلة على حكم القانون: ولهذا السببء فإن قضية جون إيشيي؛ 
الموظف الثاني في شركة ميتسويء كانت من بين رجع الصدى لأصوات 
تتردد منن القدم. 

كان توشيتسوجو ياجيء حين كتب يومياته؛ يعمل في وكالة إعلانات في 
سنينة ملوكرو متجصرعنة في الإعلان عن العقارات. وجاءت وفاته في 1141 
بالذبحة القلبية؛ بعد قليل من كتابة الفقرة الواردة أعلاه؛ وهي نتيجة غير 
مباشرة لجنون المضاربة على الملكية العقارية الذي بدأ مع اقتصاد الفقاعة 
:0011نت ثأناانانا (انظر الفصل الأول) في 219180 واستمر حتى نهاية ذلك 
العقد. وضي العامين الأخيرين من حياته. كان على ياجي أن يعمل على 
ملاحقة فيض الارتباطات الجديدة: ويدير فرعا ماليا جديدا للشركة؛ وأن 
يعمل وقتا إضافيا لتعويض انخفاض مرتبه؛ نتيجة لإجراءات تخفيض التكلفة 
الإنتاجية. ولأن منزله يبعد ساعتين عن مكان عمله؛ فإنه نادرا ما كان يعود 
إلى بيته قبل منتصف الليل. 

وتلك حالة تحمل السمات المألوفة لممارسات الإدارة اليابانية. 
فالضفوط لتقليل التكلفة ضغوط دائمة بدرجة أو بأخرى. والعمل 
الإضافي. خاصة إذا كان في دورة اقتصادية قويةء عمل إجباري أو شبه 
إجباري. ولأن هذه الممارسات ضرورية للمنافسة في الساحة العالمية, فإنهم 
يطلقون عليها «الإغراق الاجتماعي»؛ بمعنى استخدام معايير أكثر 
استغلالية للإبقاء على أثمان المنتجات أدنى من أثمان نظائرها المنافسة. 
وقد رأيت مصنعا لإنتاج معدات البناء يعمل كل العاملين فيه ثلاثين ساعة 
إضافية كل شهرء 7١‏ ساعة كل عام. أي أن كل ستة عمال يقومون بعمل 


اليابان: رؤية جديدة 


سبعة. ويتعبير آخرء فإن مجموع العاملين. وعددهم :43٠١‏ يقومون بعمل 
ما يزيد على خمسة آلافء لو لم يكن ثمة عمل إضافي. 

ولم يحكم القضاء لميتسوي ياجي ذهةلا 6نا3/]5: أرملة موظف الإعلانات 
هذاء بتعويض في قضية كاروشي بعد معارك استمرت عامين مع وزارة العمل. 
ولا يستطيع المرء أن يلوم الوزارة لعجزها عن التعرف على الأعراض الكاروشية. 
فالحق أنها تعرف» ولكن لا تعترف بحالة الإرهاق في العمل إلا إذا كان الضحية 
يمارس عمله لمدة 4؟ ساعة قبل موته مياشرة: أو ست عشرة ساعة يوميا طيلة 
الأيام السبعة السابقة على وفاته. وحتى 15971؛ لم تعترف السلطات إلا بحق أقل 
من مائة ضحية من بين الآلاف الذين يرجح أنه كانت لهم حقوق مشروعة مند 
الختراع مصطلح كاروشي في /1 على يد الدكتور تتسونوجو يويهاتا 00[0ناقات1' 
أت وهو طبيب اشترك في تأسيس مجلس عائلات الضحايا. كانت قضية 
ميتسوي قضية مهمة؛ ولكن لم يعترف منذ صدور الحكم فيها بحق أي مدع في 
قضايا أخرى الضحية فيها أحد رجال الساراري. 

عندما اخترع الدكتور يويهاتا مصطلح كاروشي؛ عرّفه كما يلي: 

إنه الحالة التي تغضي فيها اليات العمل الضار نفسياء حين تسثمر؛ إلى الإخلال بالإيشاع العادي 
للحياة والجهد المبذول؛ وتنتهي بانهيار يسبب الموت. 

طبق المجلس هذا التعريف على حالات العاملين الذين يموتون بين سن 
الثلاثين والتاسعة والخمسين. بسبب السكتة أو بغيرها من أمراض القلب» 
وعددهم خمسون ألفا كل عامء والنتائج التي توصل إليها المجلس تقول إن 
"٠‏ في الماكة من هؤلاء يعتبرون ضحايا الكاروشي. وعادة ما يعتبر ذلك 
تقديرا متواضعا. 

إن ظاهرة الموت بسبب الإرهاق في العمل (كاروشي) إحدى التجليات 
المعبرة عن التكامل غير المألوف للنظام الياباني. فأسعار الأراضي المرتفعة 
تجبر العاملين على تقبل السكنى بعيداء في منازل ضيقة ومكتظة؛ ثم 
الاحتشاد مسافات طويلة في وسائل المواصلات المكدسة؛ مع تحمل أعباء 
أقساط العقارات المرهقة؛ وافتقاد وسائل الترويح: ويدفع كل هذا إلى 
الانخراط في العمل الشاق والإضاضي. وفي مثل هذه البيثة غير الواعدة: نرى 
الأهالي ‏ في سعيهم لتهيئة أفضل الفرص لأبنائهم ‏ يدفعون أطفالهم لمزيد 
من الدراسة في مراكز التقوية؛ بالإضافة إلى الواجبات المنزلية التي تستغرق 


أسوار في القلوب 


ساعات طويلة. وحيث يكون من الصعب نقل الأبناء من مدارسهمء يضطر 
الآباء إلى القبول بما يسمى «تنشين فونين عنهدة منطكهها». أي انتقال الوالد 
(ورجل الساراري) للعمل في مدينة أخرى تاركا أسرته حيث هي. ولا توجد 
إحصاءات دقيقة من مصادر مسؤولة لهذه الحالة؛ ولكن المعروف ‏ عامة ‏ أن 
موظفي الشركات الإداريين والتنفيذيين الذين يعيشون بعيدا عن أسرهم 
لا يقل عددهم عن نصف مليون؛ وهؤّلاء في الصف الأول من المهددين بالموت 
إرهاقا (بالكاروشي). 

ذات مساء؛ في الشتاءء؛ ناقش توشيرو يوياناجي أقةصدئزء1] معتطاده1؛ 
المحامي في مجلس الدفاع عن ضحايا الكاروشي؛ هذه الظواهر في مقر 
المجلسء الذي يقع في أحد شوارع طوكيو الضيقة: يقول: في سبعينيات القرن 
العشرين؛ كانت ظاهرة الموت ‏ إرهافا ‏ مركزة في عدد محدود من الفكات: 
الصحافيين: العاملين ضي ورديات الليل» سائقي التاكسي. ولكن العدد تزايد 
بعد صدمات ارتفاع أسعار النفط؛ عندما بدأت الشركات تتحدث عن «خفض 
عدد العاملين الإداريين». ويضديف: وضي تسعينيات القرن نفسه؛ «أصبحت 
المشكلة في كل مكان». وساعد التحديث التكنولوجي على انتشار ظاهرة 
الكاروشي؛ حيث أفسح فضي المجال لتخفيضات قاسية في قوة العمل. على 
سبيل المثالء خفضت شركة نيسان موتورز قوة عملها بنسبة ١0‏ في ا ماكة بين 
العامين ١586‏ و/158. ولكن لم تكن شركات السيارات وحدها في مثل هذا 
الإجراء. وعلى الرغم من المكانة الخاصة لهذه الشركات في اليابان: فإنها 
النموذج الساكدء وكذلك حياة العاملين فيها. وفيما يلي وصفة لروتين الحياة 
العائلية كما ورد على لسان زوجة أحد العاملين في شركة تويوتاء في شهادتها 
أمام مجلس الدفاع عن ضحايا الكاروشي: 

ورديات الليل مرهقة للغاية. أعيش وأسرتي في غرفتين صغيرتين (غرفة مساحتها اريعة ونصف 
تاتامي: والأخرى ستة تاتامي)؛ ومطبخ: ولديئا طفلان عمرهما سنة واحدة وثلاث سئوات. وعندما 
يريد زوجي النوم؛ لا يستطيع الطفلان أن يرفعا صوتهما أو يلعباء فضاذ عن البكاء. لذلك نحرص 
على أن نكون خارج المنزل» وناخن معنا ما يلزم من غذاء وغيارات للأطفال؛ لنقّضي الوقت في المنتزه. 
وهنا تمثل الأمطار مشكلة حقيقية: مما يضطرنا إلى الذهاب لزيارة الجيران أو الأصدقاء؛ ممن 
يعمل عائلوهم في الوردية الأخرى. هكذا نحاول التعاون فيما بيننا. وبعد حوالى ثلاثة أيام من بدء 


فترة وردية الليل يصبح زوجي»: بسبب الإرهاق: متعكر المزاج» ويضقد أعصابه بشكل غير عادي. وهو 


اليايان: رؤية جديدة 


يظل على هذه الحال نفسها اياماء على الرغم من أنه لم يأخن حظه من النوم المريح لمدة أسبوع,. 
وأحيانا اتنبه لأجد نفسي؛ وبشكل عفويء؛ أقف وقد ضممت كفي في صلاة صامتة؛ وعيناي تتابعان 
زوجي المرهق وهو في طريقه إلى العمل. 

في 1997 أعلنت الحكومة أنها تنوي تخفيض ساعات عمل المستخدم 
الملتوسط إلى ١6٠١‏ ساعة كل سنة, وذلك بحلول 191917. وفي العام الذي 
أعلنت الحكومة فيه هذاء كان عدد ساعات العمل الفعلية ‏ وفقا للتقدير 
الحكومي  7٠٠١‏ ساعة. وبالمقارنة نجد أن الرقم في الولايات المتحدة هو 
وضي ألمانيا .١1105٠‏ وكان ما أعلنته الحكومة ‏ حينذاك ‏ جزءا من 
خطة أكبر تهدف إلى جعل اليابان رائدة فيما يسمى «رايفو سوتايرو 
10 12110-1»: أسلوب الحياة. وهي فكرة كانت تجد حظوة لدى الحكومة 
حينذاك. ولكن غالبية الخبراء استقبلوا الخطة بكثير من الشك. فعلى كل 
حالء كانت الحكومة تتكلم عن تخفيض عدد ساعات العمل؛ وكذا تخفيض 
أسبوع العمل إلى خمسة أيام منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين. 
وإحدى المشكلات في هذا الصدد.ء وإن لم تكن أهمهاء هي صعوبة التحكم 
في ساعات العمل الإضافية: أيا كانت الإجراءات التي تتخذها الشركات 
لتخفيض ساعات الورديات المنظمة. 

والعمل الإضافي إحدى السمات الأساسية للإغراق الاجتماعي الياباني. 
ذلك الذي يتجلى في أشكال مختلفة. فثمة العمل الإضاضي المدفوع الأجر, 
وكذلك العمل الإضاضفي الذي ينتظر أن يقوم به رجل الساراري في منزله: 
والعمل الإضاضي الناتج عن أن بعض العاملين لا ينتظر منهم أن يقوموا 
بإجازاتهم المقررة. وتقوم الشركات بإقامة الدعوى القضائية ضد المستخدمين 
الذين يرفضون العمل الإضافي. غير أن الأكثر أهمية ‏ من كل هذا هو 
العمل الإضافي غير المسجل المعروف باسم «العمل في خدمة المؤسسة», الذي 
يقوم به المستخدمون دون تقاضي أي أجرء كتعبير عن الولاء. وحتى الحسابات 
الحكومية تذهب إلى أن عدد ساعات العمل الحقيقية؛ التي تتضمن العمل 
الإضافي؛ وصلت في بداية تسعينيات القرن العشرين إلى ١٠١‏ للمستخدم 
في المتوسطء و١١71‏ للذكور. وتذهب دراسات أخرى إلى أنه يمرور السنين: 
أوصلت ساعات العمل في خدمة المؤوسسة مجموع ساعات عمل كثير من 
رجال الساراري إلى ما يزيد على ٠٠٠٠١‏ ساعة في العام. 





أسوار في القلوب 


وتوشيرو يوياناجي: محامي أسر ضحايا الكاروشيء غير متفائل طيما 
يتعلق بتغيير هذه الممارسات. لأن لها جذورا شديدة العمق. يقول: «أشك في 
إمكان إجراء أي تغيير في النظام السياسيء أو جوهر النظام الاقتصادي: 
وهما المجالان اللذان يجب أن يبدأ بهما التغيير. ليس ثمة رغبة في رؤية 
حقائق حياة الناس العاديين, لأنه لا توجد رغية في تفيير أحوال معيشتهم». 

أعطاني المحامي يوياناجي رقم تليفون أسرة أوجاوا 0883178): التي تعيش 
في شقة من ثلاث غرفه قاكمة في أخر خط أحد قطارات ضواحي طوكيو. 
وتعرفت على تاكاماسو أوجاواء وهو ربعة؛ أصلع؛ في التاسعة والخمسين من 
عمره؛ وهو لم يكن أحد ضحايا الكاروشي با معنى الكامل للكلمة. ذلك أنه كان 
قد نجا من الموت الذي كان يتهددده بسبب أزمة أصايته قبل ست سنوات من 
تعرفي به؛ ولكنه ولج بعد ذلك هو وأسرته حياة من العذاب والإحياط. 

.كان أوجاوا يعمل في شركة صغيرة تشتفل في المنتجات الكهربائية: شرائط 
التسجيل. واللمبات, والكيماويات, والأوراق المعالجة. وحين تُعبأ للبيع بالجملة: 
فإن وزن بعض العبوات يصل إلى مائة باوند؛ وكان أوجاوا يوصل الطلبات للزيائن 
في دائرة تتطلب قيادة السيارة لمسافة مائتي ميل يوميا. ووفقا لبطاقات جدول 
عمله؛ كان أوجاوا يشتفل ١١‏ ساعة كل يوم: بالإضافة إلى ثلاث ساعات تقريم 
يقضيها في المواصلات. وكان يأخذ إجازة يوم السبت مرة كل أسبوعين؛ ولكنه 
كان يقضي هذا اليوم في ضبط دفاتر حساباته. 

قبل الانهيار الذي أصابه بأيام: لاحظت عليه زوجته يوشيكا أعراض توتر 
حادء لم تفهم دلالتها إلا فيما بعد. ومن قبلء كان كثير الشكوى من الصداع؛ 
وكثيرا ما يغفو في مقعده ويتتفس بصعوبة في نومه. وفي الأمسيات التي سبقت 
8 مارس 1987 مباشرة؛ كان يتحامل على نفسه بصعوية من العشاء مباشرة إلى 
الفراش. عاجزا عن الصمود ساعته المألوفة أمام التلفزيون. في ذلك اليوم؛ بينما 
كان أوجاوا يناقش مع مسؤوله في العمل مشكلات أحد الزيائن المتعبين؛ أحس 
بألم فظيع مفاجئ في رأسه؛ ثم انهار في غيبوبة استمرت ثلاثة أسابيع. 

كان من الصعب النظر إلى أوجاوا مباشرة؛ وهو جالس في كرسي بعجل 
بجوار منضدة المطبخ؛ وقد أصاب الشلل الجانب الأيمن من وجهه؛ والجانب 
الأيسر من بدنه: كانت ملامحه كبيرة دائرية.ء وشعره قصيرا دب فيه الشيب.,. 
وكانت صورته قبل سنوات قليلة تبرزه شخصا موفور الصحة ورياضيا. أما 





اليابان: رؤية جديدة 


زيادة وزنه فلم تحدث إلا بعد تئك الأزمة. كان يحكي ما أصابه بعبارات 
متلعثمة. وفي ركن من المطبخ: تستند مضارب الجولف التي كان يستخدمهاء 
في حقيبة جلدية كبيرة. 

توقف بعد قليل؛ وبدأت يوشيكا تتكلم: 

«بعد الأزمة. ذهبنا لمقابلة رئيس الشركة لنتحدث معه؛ ونطلب أن تسديد 
نفقات المستشفى من أموال التأمين ضد العجزء فرد علينا في البداية قائلا: 
أنا متفهم: ولكنه في زيارتنا الثانية له قال: لا نستطيع الاستجابة لطليكم. 
وبعد ذلك أبلغتنا الشركة أن زوجي يجب أن يستقيل دون أي ضمانات. وأخيرا 
عاد إلى المنزل بعد ثلاثة عشر شهرا في المستشفى». 

وإذ تملك أوجاوا الضيق من هذه التفاصيل: والتقت نظراته بعيني؛ قال: 
«عقد قران ابني الكبير منذ يومين». وانكسرت ملامح وجهه إلى شيء بين 
الضحك والبكاء. لست متأكدا . 

التقطت يوشيكا طرف الحديث ثانية؛ ليصل سردها إلى مجلس الدفاع عن 
ضحايا الكاروشي؛ الذي ساعدها على تقديم طلب لمكتب الرعاية الاجتماعية 
المحلي؛ والمكتب العمالي للمدينة» ووزارة العمل؛ وأفتت الوزارة إن أوجاوا سبق 
وقام بإجازات كثيرة في أيام السبت؛ طلم يعد له حق الاستفادة من تعويضات 
العجز. لم تصدر أحكام أو قرارات نهائية بعد بخصوص كل هذه الطلبات. وي 
الأيام التي رأيتهم فيهاء كانت يوشيكاو تحاول أن تأخذ نسخا من ملفات .خدمة 
أوجاوا في الشركة وهي الملفات التي تحتجزها الشركة والحكومة. 

قال أوجاوا مقاطها مرة أخرى: «هذه أمور تأخن وقتا طويلا جداء ونحن 
لدينا في حياتنا ما يشغلنا». 

وانكسر وجه أوجاوا مرة أخرى. وبدا للحظة؛ كما لو كان طفلا كبيرا لا 
حول له ولا قوة. وفي هذه المرة تيقنت أنه أقرب ما يكون إلى البكاء. 

بن يزيا يننا 

طرأ تحول أساسي في مفهوم الحداثة بعد 1944. كان تحديث اليابان, 
حتى هزيمة دولتها الإمبراطورية: وسيلة لتحقيق غاية. احتاجت اليابان إلى 
التصنيع لكي تتمكن من الصمود في وجه الأجانب؛ ومن ثم يمكن أن يقال إن 
التحديث كان وسيلة للمحافظة على الهوية والثقافة و«التقاليد» ولكن هذه 
الفكرة لم تلبث أن تحولت إلى الاتجاه المعاكس بعد الحرب. أصبح التحديث 


أسوار في القلوب 


هو الهدف. و«التقاليد» هي الوسيلة. وثمة أسلوب آخر لاتعبير عمات حدث: 
في النقطة التي يلتقي فيها الاقتصاد والسيكولوجيا توجد الأيديولوجياء قبل 
الحرب كان ثمة أيديولوجية الإمبراطورية» وبعد الحرب أيديولوجية التنمية: 
وأطلق بعض الممتعضين على هذه الأخيرة «١يديولوجية‏ الإنتاجيزم متطججع1*, 
تعبيرا عن الهاجس الجديد الذي تملك الناس؛ هاجس تعظيم إجمالي الناتج 
القومي 0100106 22610081 055ئع . كان المنتقدون كشيرين: والحق أن آفاق 
«الإنتاجيزم» كانت تبدو رمادية؛ ولكن بالنسبة للكثرة الغالبة كانت أيديولوجية 
الإنتاجيزم تعتبر تحررية بالقياس لما كانت عليه الأمور من قبل. فقد أعطت 
لليابانيين المهزومين شيا يناضلون من أجله. شيئا مختلفا عن أمجاد الدولة 
الإمتراطورية: وسرعان ما أقضت ايديولئجية القميّة إلى :اسطورة العصئر 
الذهبي لرجل الساراري. 

ولم تكن أسطورة العصر الذهبي مقصورة على النضال في مكان العمل؛ ذلك 
أن اليابانيين أصبحوا أيضا مستهلكين؛ لأول مرة. وكان هناك النفوذ الكبير 
للأمريكان؛ الذين طوروا نهجهم الخاص لجنون الاستهلاك بعد الحرب. أصيب 
اليابانيون بالذهول حين رأوا السلوكيات المرتاحة الرخيّة لجنود الاحتلال 
الأمريكيين؛ وفيض أفلام هوليوود بعد الحرب الزاخرة بالفيللات الفسيحة 
المتناسقة والأدوات المنزلية التي لا يصدقها عقل: فهذا هو أسلوب الحياة 
العصرية؛ الاستقلالية. وبعد أن بدأ تنفيذ مخطط مضاعفة الدخل القومي؛ بعد 
المظاهرات المعادية لاتفاقية الدفاع المشترك 81/170 في ١151١؛‏ تحول الهاجس 
القومي من إعادة البناء إلى التنمية المتفوقة؛ وأصبح الاستهلاك فعلا وطنيا لا 
يقل عن الوفاء بمقطوعية العمل في الشركة. 

ولكن الاستهلاك كان دائما مهمة معقدة بالنسبة لليابانيين. وعندما بدأ 
اليابانيون يتحولون إلى مستهلكينء كان وراءهم في مجال الاستهلاك ماض 
متفردء ولهذا الماضي نتاكجه غير المتوقعة, الممتدة حتى وقتنا هذا . : 

على مدى قرون عدة: كان التقشف أكثر من مجرد عادةء كان فضيلة 
أخلاقية, وقيمة جمالية؛ وأخيرا مقولة قانونية. في فترة حكم التوكوجاواء 
فرح الشوجون حتودا صائمة على الألتيتلاك: وخاضة الأسديلذك 
البذخي الفاضح. صحيح أن التجار كانوا منفمسين في الملذات في أحياء 


(*) اختصار ل اعنالمعم لأهدمتاهم ووممع (المترجم) . 





اليايان: رؤية جديدة 


اللهو بالمدن الكبرىء بغض النظر عن وجود قوانين تبيح أو تمنع هذاء 
ولكنهم كانوا الطبقة غير المحترمة في اليايان الإقطاعية: بل أدنى 
الطبقات. ثم حدث؛ في العصر الحديثء؛ جنون استهلاكي في أثناء 
عشرينيات القرن العشرين: وهي سنوات ذروة التأثر بالغرب وتقليده في 
فترة ما قبل الحرب. حيث كانت قد ظهرت لأول مرة طبقة متوسطة 
مدينية. ولكنء حتى في ذلك الوقت؛ ظل هناك شيءغير لاتق في هذا 
المعزد: فقن فانالأدمكيلذاف عقر فيك هزدنا اما ؤخاضنا أنضاء يمفتى 
أنه كان من الأنانية وحب النفس. وكان يوحي بأن المرء يفكر في نفسه بعيدا 
عن حب الإمبراطور ومصلحة الدولة. 

بعد الحربء أصبح أن يستهلك الإنسان: يعني أن يعلن عن استقلاله 
الذاتي؛ وتكن ذلك كان إعلانا لخداع النفس. فقد كانت علاقة الاستهلاك 
ب «الذاتية» التي كانت موضوع نقاش بين المأقفين أقل من علاقته بنزوع 
اليابانيين إلى الحلم. شي البداية المبكرة. نسبياء بدأت ظاهرة الخلاط 
الكهربائي؛ ولابد أن الاندطاع لحيازة خلاط شي أوائل خمسيئيات القرن 
العشرين كان شيئا مثيراء فاليابانيون الذين ما يزالون على قيد الحياة 
وشهدوا تلك الظاهرة يتذكرونها جيدا. والمفارقة الغريبة هي أن الأغذية 
التي يمكن معالجتها بالخلاط لم تكن موجودة في الأسواق حيتذاك: 
هذهبت شالبية الخلاطات من المتاجر رأسا إلى الرفوف العلوية؛ وكأنها 
أيقونات مخبأة تعد بتحقيق الحلم بحياة مختلفة. وحدث الشيء نفسه مع 
السيارات. فلم تنتشر ملكية السيارات إلا في أواخر خمسينيات القرن 
العشرين: ولكن حيازة رخصة قيادة سيارة كانت دلالة على ارتفاع المكانة 
الاجتماعية قبل ذلك بكثير. وأصبح السائق؛ الحائز رخصة؛. شخصا 
معروفا في الأحياء المدينية. 

تسارع الإيقاع في أواسط الخمسينيات: مع التطور الذي حدث في 
الاقتصاد. ولم تلبث موضة الخلاطات أن تحولت إلى رواج الأجهزة 
الكهربائية. أي الهرولة إلى حيازة الأجهزة المنزلية من جميع الأنواع: المكائس 
الكهربائية: الشلاجات:؛ ... إلخ. وبعد عشر سنوات جاءت موضة «مايكارا 
12 (تلفزيوني الملون)؛ و122101118 (جهاز التكييف) وهكذا . وابتدع أحد 
كتاب الإعلانات لفظ ناندهط221؛ (أي منزلي): وكان هذا المصطلح أكثر من 


أسوار في القلوب 


مجرد عنوان إعلاني؛ فضمير الملكية (81م-23) يتضمن الإدراك اللماح 
للتوجه الجديد نحو الإشباع الذاتي. وسجلت الصحف العام 19717 بوصفه 
العام الأول لظهور مصطلح 2ع081؛ (كةه نإقاء سيارتي). 

وتكشف السيارة (222108) عن شيء أكثر من مضامين الظاهرة 
الاستهلاكية. فمن بين المخترعات الحديثة: لا يوجد ما يفوق السيارة في 
القدرة على حرث الأرض المليئكة بالكوابح الكونفوشية القديمة. غفي أي مدينة: 
كبيرة أو صغيرةء يستطيع المرء أن يندفع مخترقا الشوارع المكتظة بسلوك 
عدواني فردي غير معروف صاحبه:؛ مغلقا على نفسه بمعزل عن العالم 
الخارجي ‏ بأعبائه والتزاماته ‏ بمجرد غلق النواهذ. ومن المؤكد أن هذا 
يساعد على تفسير الشعبية المستمرة التي تحظى بها السيارة في دولة لا تكاد 
شوارعها تتسع لعدد السيارات التي يملكها الناس؛ كما يساعد على فهم ماذا 
نلاحظ أن أناسا يتمتعون بكل هذا القدر من التهذيب العفوي الموروث. 
يتصرفون بمثل تلك العدوانية والوحشية وهم خلف عجلة القيادة. وبعد 
سنوات قليلة من إعلان الصحف اليومية عن عام المايكاء أصبحت السيارة 
تعرف باسم هاشيرو كيوكي أعامل! بستطققط؛ أي السلاح الجامح. 

ويتضمن الازدهار الاستهلاكي شكلا آخر من مفارقات الحياة في يابان ما 
بعد الحرب. ذلك أنه لم يؤد إلى أي شيء يحدث تفييرا في إحساس رجل 
الساراري باستة لاليته. وإنما لم يحدث إلا نوع من الانسحاب إلى الحياة: 
الخاصة. وهذا أمر يختلف عن الاستقلالية. وشكل الحلم والاستهلاك. حيث 
يغذي كل منهما الآخرء ثنائية مكلفة. وبالطبع كان رجل الساراري هو الذي 
يسدد هواتير المقتنيات المنزئية المدينية. وعوضا عن إبعاد العمل عن السكن؛ 
أصبحت الحياة الاستهلاكية الجديدة الثغرة التي عادت لتدخل منها الشركات 
المنازل مرة أخرى. لم يُرسم الخط الذي يفصل الحياة العامة عن الحياة 
الخاص مرة أخرىء وإنما استمر طمسه. وأصبح من المألوفء في أثناء جنون 
السيارة في العقدين السادس والسابيع من القرن العشرين: أن تنتزع الردهة 
الأمامية في مدخل البيوت المدينية المكتظة لتتحول إلى جراج للسيارة: وذلك 
تعبير بالغ الدلالة على حقيقة ما حدث لرجل الساراري في عصره الذهبي. 

تصاعد الخط الاستهلاكي موصولا بقوة بين هاجس ضمائر الملكية في 
ستينيات القرن العشرين: ومهرجان الاستهلاك الصاخب في ثمانينيات القرن 


اليايان: رؤية جديدة 


نفسه. وضي أواخر الثمانينيات: كانت المنتجات قد تطورت لتصل في النهاية 
إلى أشياء من نوع مراحيض بالكومبيوترات؛ أنابيب لمعجون الأسنان مزخرفة 
بالدهب... إلخ؛ وهي أشياء توحي بأن الثقافة الاستهلاكية قد وصلت إلى ما 
ب ار نقد وضل التظارف دن تحقيق التحلم الاسهتااكي إلى درج ان 
مناؤل المدن اليابانية أصبحت تضيق بسكانهاء بينما تزداد اختناقا بالأشياء. 
وأصبح التخلص من القمامة والنفايات واحدا من الهموم القومية الكبيرة. 
وعندما وصلت إلى اليابان: وجدت أن كمية الزيالة والنفايات بدأت تضيق بها 
مقالب الزيالة الاصطناعية التي كانت قد حفرت في خليج طوكيو. وسميت 
مواقع تراكم القمامة هذه؛ بكل جدية: «جزر الحلم». 

ولكن الاستهلاك. على نحو ماء استعاد سمته الخطرة التي كان عليها في 
الماضي السحيق. صحيح أن المستهلكين اليابانيين هم الذين دوا التضخم الذي 
كان من عوامل الزيادة الهاكلة في الواردات: ومن ثم تخفيف حدة مشكلة تجارية 
كانت قد وصلت إلى مرحلة حرجة؛ كل هذا صحيح: ولكن الاستهلاك الحديث كان 
أشبه بالتجاوزات الاستهلاكية لرجال المدن الإقطاعية القديمة: حين كان الشوجون 
لا يوافق على سلوكيات التجار الأغنياء في إدو وأوزاكاء لأن الاستهلاك يكشف عن 
التفاوت بين الناس؛ وهذا بالضبط ما فعلته تجاوزات ثمانينيات القرن العشرين. 

من الأقوال الشائعة أن ٠١‏ في الماكة من اليابانيين ‏ بعد الحرب ‏ اعتقدواء 
لفترة طويلة؛ أنهم جزء من الطبقة المتوسطة: وتلك استحالة؛ غير أنها على كل 
حال أداة تعريف لعقيدة شائعة. والأقرب إلى الحقيقة أن نقول إن الفوارق 
الاجتماعية تطمسء كما هو الشأن في كثير من المجتمعات البدائية لدضع شر 
الحسد. وتحجيم الحسد تقليد قديم في اليابان: بينما يعرف الجميع أنه كامن 
مباشرة تحث سطح التماثل الظاهري. كان الاستهلاك في العقدين الخامس 
والسادس من القرن العشرين يجري في إطار التمائل؛ التمائل في حيازة الجميع 
الخلاط ط والتلفزيون. لكن الأمور اختلفت في ثمانينيات القرن العشرينء حيث 
لا يقتني كل إنسان سيارة مرسيدس مفروشة بفراء المنك. أو صحبة زهور 
تلشوفة 5 أوراق النقد الدولارية. لم يكن الاستهلاك في ثمانينيات القرن 
العشرين مصدره العمل الجاد والدؤوب؛ وإنما المضاربة في العقارات والأوراق 
المالية؛ التي خلقت طبقة جديدة من الأغنياء المحدثين ذوي المظهر المثير. أي 
الطبقة التي أطلق عليها نطء:1: الاثم في اللهجة الدارجة لذلك العقد. 


أسوار في القلوب 


وإذ سقط قناع التمائل بين الجميع؛ بدأ يظهر أن محارب الشركة ناكر 
ذاته, آخر المتوائمين المحدثين في اليابان؛ قد أصبح كائنا تجاوزه الزمن: بل 
أصبح كائنا فيه شيء من البلادة والغفلة. 

# اي 

ولفهم تلك الحال؛ يجب أن نعود لنلقي نظرة سريعة على سبعينيات القرن 
العشرين؛ عندما تلقت اليابان بعض الضريات القاسية التي سميت شوكو 
ناكلكا0ا5 . أعيد تقييم سعر الين بالنسبة للدولار بعد عقدين لمصلحة الين. ثم 
بدأ الأخن بنظام تعويم أسعار التبادلء ثم جاءت أولى صدمات النفط»؛ 
وأحدثت الصدمات فوضى اقتصادية شديدة. ولم يحسن المهندسون 
البيروقراطيون لما سمي شركة اليابان المتحدة عهآ 12232 التعامل مع هذه 
الصدمات. انخفضت معدلات النمو وارتفعت معدلات التضحم.: وتعين على 
طوكيو أن تُضيّق على النهم الاستهلاكي للحد من الارتفاع المجنون ضفي 
الأسعار. وعمدت الشركات إلى الكمون خلف متاريسهاء كما عادت البطالة 
إلى الظهور لأول مرة منذ الارتباك الاقتصادي الذي شهدته أواخر 
الأربعينيات. وبالمناسبة: كانت تلك الفترة هي التي بدأت تظهر فيها حالات 
الكاروشي (حالات الموت بسبب إرهاق العمل). 

وسرعان ما أفاقت اليابان من الصدمات؛ وعاد الاقتصاد حرا مرة أخرى 
إلى مسيرته في أواسط السبعينيات؛ ليتواصل النمو سنوات عدة قادمة. كانت 
اليابان تخوض معركتها بتوازنات حساسة؛ بهامش أضيق ومظهر متواضع؛ 
غير أن اليابان لم تَّفقٌّ تماما من الصدمات؛ ولذلك فهي ما تزال عالقة 
بالأذهان. ولأول مرة بدأ اليابانيون يفصلون بين الشؤون الاقتصادية والحالة 
السيكولوجية. اهتز اليقين في إمكان أن يستمر النمو الاقتصادي إلى غير 
حدود؛ باعتبار ذلك مقولة تمت إلى الماضي. وحتى قبل الصدمات:؛ كان كثير 
من اليابانيين قد بدأ يطرح الأسئلة حول التكاليف الإيكولوجية والإنسانية 
لهاجس الإنتاجيزم 111502 6: ومن ثم أصبح مجرد الاستجابة المادية لمعنى 
الحياة لا يبدو كافيا. حينئذاك: كان الاقتصاد الياباني قد ولج مرحلة النضج؛ 
(ولم تكن الصدمات إلا لهذا السبب)»؛ وبدأت إعادة التفكير في وضعية الفرد 
ودوره عوضا عن الفكرة الجمعية القديمة. لهذا فإئنا نحتاج؛ من أجل فهم 
هذه اللحظة المتفردة: إلى اجتهادات الباحثين الاقتصاديين والسيكولوجيين 


اليابان: رؤية جديدة 


معا. قال أحدهم: «بعد الصدمات النفطية؛ لم نعد نؤمن بفكرة التقدم بلا 
حدود. لقد فقدنا المرشد الهادي». 

تلك كانت حال اليابان بالضبطء وقد فقدت المرشد الهادي؛ والعقيدة 
اليقينية» عندما بدأت مرة أخرى تهيد النظر في معنى الحداثة, وتطلب الأمر 
بعض الوقت؛ عشر سنوات بالتحديد, ليبدأ اليابانيون تفهم الطريق الذي 
اختاروه. بعد أن أصبحت بينهم وبين تلك اللحظة مسافة بعد كافية. كان من 
أهم الأسئلة: هل كانوا يريدون ‏ حقا ‏ أن ينهجوا طريق المقاتل من أجل 
الشركة ليصيحوا يابانيين عصريين بحق؟ وهل كانوا بحاجة إلى الشركة 
الكبيرة كما قُدمت لهم: بصفتها تجسيدا للقرية والعشيرة؟ 

في ربيع '1597, نشر رجل السياسة إيشيرو أوزاوا 0283/8 0ننأطه1: وكان 
نجما صاعدا في الدوائر السياسية المحافظة؛ كتابا مهما عن مستقبل اليابان» 
عنوانه: «مشروع ليابان جديدة تقول 2167 3 :101 الستدم811)» ونورد فيما 
يلي بعضا من الملاحظات اللماحة الكثيرة التي وردت في هذا الكتاب عن رجل 
الساراري كمثل أعلى: 

يجب تحرير الشخصية الفردية للعاملين من اسر الشركات. ولن يُقدر لنا أن نشهد ميلاد 
مجتمع غني بالحركة والتنوع إلا إذا أصبح كل فرد قادرا على الفعل المستقل. 

إن أسلوب توظيف العاملين ليس؛ بأي حال؛ نتاجا تقليديا للنهج اليابائي؛ إنما هو شيء نشا ونها 
في أثناء فترة التنمية السريعة... ولم تعد اليابان قادرة على مواصلة السباق. نحن الأن في مرتبة 
الولايات الملتحدة نفسها كقوة اقتصادية. ولم يعد من المناسب استمرار الإطار الاجتماعي المرتبط 
بالتنمية السريعة. 

لم يسبق أن فكر عضو واحد في النخبة السياسية: هما بالنا بشخص 
في مكانة أوزاوا ونفوذه؛ لم يحدث أن فكر في هدم أسطورة الساموراي 
العصري؛ ساموراي الشركة:؛ وإنما أقدم أوزاوا على ذلك بعبارة موجزة 
مباشرة لسبب بسيط. هو أن اليابان لم تعد قادرة على تحمل تكلفة 
«العادادت القديمة الجميلة». فضلا عن أن هذه العادات لم تعد مفيدة: في 
ظروف الاقتصاد الانتقالي (من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة النضج). 
وتمدنا إحصاءات العمالة بتفسير واضح. تقدّر الإحصاءات اليابانية نسبة 
البطالة بحوالى ؟/: فإذا أضفنا عوامل أخرى من نوع الجالسين متفرجين 
5 58/111007 وغيرها من العوامل التي تندرج تحت مقولة: «تراكم 


أسوار في القلوب 


نقص الكفاءة». فإن معدل البطالة يزيد إلى ثلاثة أمشالء وذلك وفقا 
لتقديرات بعض الخبراء الذين يرون أن هذه النسبة ستستمر فضي الزيادة 
إلى أن تستعيد اليابان عافيتها الاقتصادية. يقول أوزاوا : «لقد أصبحت 
الحاجة ملحة إلى أن يتغير وعي الناس فضي اليابان». ويذهب أوزاوا إلى أن 
الأمر ملح؛ لأن العمل في شركة مدى الحياة. وعلاوات الأقدمية؛ وبقية 
قواعد عمل الساموراي في صيفغتها العصرية؛ كل هذا لم يعد ميزة: وإنما 
أصبح عائقا . 

ولكن ما الذي كان يقصده أوزاوا بالضبط؟ ومن الذي سيقوم بإجراء هذه 
التغييرات الهائلة5 غالبا ما كانت التغييرات تحدث في اليابان من أعلى 
وليس من أسفل: على نحو أوتوقراطيء لا ديم قراطي. وهنا يكمن أشد 
التغفييرات ضرورة. كتب أوزاوا ما كتب بصفته مسؤولا كبيرا في الحكومة 
المركزية؛ كرجل من رجال «القمة». كرجل ينتمي إلى «التقاليد العظمى» 
05 أدعمع: فخماذا عن اليابانيين العاديين الذين ينتمون إلى «التقاليد 
الصغرى» 201]1025ا 16غ)51.1 كان أوزاوا على حق فيما يتعلق بالتعبير عن 
الحاجة إلى تغيير الوعي. ولكن من أي شيء يتركب أو يتشكل هذا التغييرة 
في هذا الصدد. كان ثمة أناس كثيرون أسبق من أوزاواء كثير من رجال 
الساراري وعائلاتهم؛ وجيل « الجنس البشري الجديد». فمن المستحيل تغيير 
النظام كما اقترح أوزاواء دون وضع حد لاعتماد الناس على السلطة؛ الذي 
تعهده القادة اليابانيون بالغرس والرعاية على مدى الزمن. فتلك مرة أخرى, 
هي أشد الحاجات إلحاحا على الإطلاق. والسؤال الأهم هو: هل سيقبل 
رجال مثل أوزاواء وأصحاب الشركات التي توظف جيش رجال الساراري: 
هل سيقبلون مثل هذا التغيير؟ ولهذا السؤال وجاهته. إن كثيرا من الدلائل 
تشير إلى هذا الاتجاهء في الوقت الذي هاجم فيه أوزاوا أسطورة المحارب 
من أجل الشركة, 

في »191١‏ نشر أكيو كويزو1050؟1 110ل وهو أحد رجال الساراريء كتابا 
آخر متميزاء عنوانه: مذكرات موظف في بنك فوجي «دآالا علصد نزب1 د غه لرمعع1 . 
لم يسبق أن كُتب إلا القليل عن حياة رجل الساراري والعلاقات الحقيقية بينه 
وبين الشركة التي يعمل فيها. حطم كويزو جدار الصمت الثقيل الذي كان 
جائما فوق صدور محاربي الشركات؛ ثم تقدم بعده عدد آخر من رجال 


اليايان: رؤية جديدة 


الساراري» الذين قدموا شهادات شخصية مباشرة لمعاناتهم في صناعات 
السيارات والصحافة والنقل والشركات الكبرى للتآمين على الحياة, تلك 
المنشآت التي تشكل شركة اليابان المتحدة 10 ههمة1. ولم تكن تلك الشهادات 
قصصا تعبر عن انسجام سائد أو هدف موحدء وإنما كانت وفق تعبير كويزو» 
قصصا عن «أعمال السخرة» تحتشد بمديرين متسلطين, ونقابيين فاسدين: 
وانتحار الموظفين السامين: وحوادث الموت إرهاقا (كاروشي))؛ وأعباء «العمل 
في الوقت الإضافي». والتخصصات الوظيفية التأديبية: والموظفين الذين 
ينفون إلى الأماكن والجزر النائية؛ لأنهم تجرأوا على التفكير المستقل. 

كان أكيو كويزو رجلا يصعب الحصول عليه. وفي كل مرة أتصل بمكتبه 
كانوا يجدون حجة أو أخرى: هو في اجتماع: هو في رحلة؛ أو لم يأت اليوم 
إلى العمل. وأخيرا تمكنت من الاتصال به في منزله. قال نعم: لم يعد البنك 
يسمح لي بتلقي مكال مات تليفونية. ثم تقابلنا في قاعة استقبال أحد فنادق 
طوكيو؛ اتضح أن كويزو رجل متواضع في الخمسينيات من عمره. لا ينبت 
شعره إلا في النطاق الأسفل من رأسه فيصففه على نحو يغطي به صلعته. 
وعندما قدم بطاقة تعريفه؛ كان بها كلمات بسيطة: أكيو كويزو. موظف فضي 
بنك فوجي ؛ ثم لاشيء عن مرتبته الوظيفية, أو القسم الذي يعمل بهء لا شيء 
يدل على مكانه في الهرم. 

بدأ كويزو العمل في بنك فوجي؛ وهو من البنوك التجارية الكبيرة: في 
بداية تنفينذ مشروع مضاعفة الدخل في ٠‏ . وتزامن بدء نشاطه العملي مع 
ما أسماه «بداية الإنتاج الكبير»: وهي فترة المنافسة الطاحنة بين البنوك 
للحصول على حسابات المدخرين: التي تمد الصناعة برؤوس الأموال السهلة 
المستقرة: اللازمة لتحمل تكاليف «المعجزة». وقد أدى ذلك إلى تضاعف أعباء 
العمل مرات عدة مع كل تقدم تكنولوجي . وفضي كتابه؛ يتذكر كويزو ‏ في 
مستهل عمله في البنك ‏ مشروعا ل «زيادة الكفاءة». 

وضع تقييم لكل فرع حسب الأهداف التي تحددها الإدارة العلياء وبالمقارنة مع الفروع الأخرى. 
وتضمن هذا التقييم زيادة عدد العملاء والودائع وحسابات التوفير وودائع المرتبات المباشرة وغيرها. 
وكان على الموظفين المكلفين برعاية العملاء المتميزين ان يقوموا بعشرين زيارة أو اكثر كل يوم. كذلك 
كان يتعين إنهاء خدمة خمسة وعشرين في المائة من موظفي التسويق؛ وعشرة في المائة من مجموع 


العاملين على مددى السنوات الثلاث التالية. كما كان تخفيض التكلفة يعني الحد من صرف الأقلام 


أسوار في القلوب 


الشاخرة المريحة (أقلام البول بوينت). وتخفيض الإضاءة؛ و إسقاط مكافآت العمل الإضافي بلا 
مقدمات. ويعد خمسة وعشرين عاما من يدء هذا النظام: فإنه ما يزال معمولا به حتى الآن. 

اهتم كويزو منذ البداية بالأسلوب الذي يُعامل به بنك فوجي موظفيه. 
وسرعان ما صعد إلى مركز القيادة في النقابة المحلية, غير أن ذلك كان 
ضارا بمستقبله في البنك؛ ثم أغلقت أبواب الترقي في وجهه؛ يسبب 
إصراره على إثبات حقه في تقاضي أجر العمل الإضافي كاملا ثم بسبب 
معارضته لتجاهل البنك تنفيذ الشروط الحكوميةلظروف لعمل؛ على 
قصورها. وليس بمستغرب أن أمروا بنقله خمس مراتء أغلبها من فرع 
ريفي ناء إلى فرع ريفي آخر مشابه. وإذ عجزوا عن التخلص منه: 
لأسباب من بينها مسائدة مديري الفروع بفضل عمله الجاد؛ فإن البنك 
حاول دطنه بعيدا. 

كان كويزو بعض نتاج مرحلة أعقاب اتفاقية الدفاع المشترك 1/50 
كان يعلق آمالا على أن تتغير اليابان في تلك اللحظة الحاسمة: ولكنه عاش 
مخيب الآمال منذكذ وحتى الآن. غير أن كويزو تبين أن النظام لن يدوم 
طويلا؛ ومن بين أسباب ذلك أن البنوك والشركات الكبرى أصبح لها 
طموحات عالمية جديدة. وفي كتاب مذكرات موظف في بنك فوجي يقول كويزو: 
«إن هذا النوع من التناقض: الاعتماد على شروط عمل فير مقبولة 
عالمياء مع التطلع للتحول إلى شركة عالمية؛ هذا التناقض لا يمكن أن 
يستمر إلى الأبد». ٠‏ 

ويينما نحن نحتسي القهوةء استطرد كويزو شارحا هذه النقطة: «عندما 
تدخل أي مؤسسة فإن العلاقة السائدة هي ما يسمونه علاقة جيري ‏ أون 
-1:ذع: وهي نوع العلاقة القديمة التي تولد فيها الالتزامات والواجبات التي 
يجب ااحترامهاء فيما بعد. ويشيء من التفصيلء: بينما توزع الإدارة العطف 
والرواتب (أون 08) على الموظفين: فإنها تخلق الالتزام بالواجب (جيري 
أأع). وهكذا تضعف الحس الاستقلالي لدى الموظفين؛ هكذا تدور عجلة 
العمل فضي اليابان. ولكنك لا تستطيع أن تفرض هذه النوعية من السلوكيات 
إلى ما وراء البحار». 

كان كويزو شغوفا بمتابعة شرح فكرته؛ استطرد: «بعد الحرب فُرض أيضا 
في أماكن العمل الأسلوب العسكريء؛ فنحن تنطلق على مدير الفنرع اسم 


آليابان: رؤية جديدة 


(أوياجي أعدلاه): وهو تنويع على اسم الأبوةء ويحدث هذا في غالبية 
الشركات الكبرى. والتعبير مأخوذ عن الجيش: حيث يمكن أن تطلق أسم 
أوياجي على قائد الفصيلة. والأمر الصادر عن قائد الفصيلة (أوياجي) لا 
يناقشء وقد بدا استخدام التعبير بعد الحرب الروسية ‏ اليابانية. حيث 
أغضى إلى تعزيز الروح العائلية, أي اعتبار الجيش هو العائلة». 

وتساءئت؛ ماذا عسى أن يحل محل هذا النظام الذي بدأ يخبو. وما كان 
كويزو ليعرف أيضا. قال: «لا أتصور أنه سيصير إلى شيء شبيه بما في 
فرئسا أو أنئانيا أو الولايات المتتحدة: وإنما سيكون شيكا يابانياء وليس كي 
ذهني صورة محددة:؛ والشباب أفضل في وضع الأشياء في التطبيق. ولكن ما 
حدث في عصر الميجي ينبئنا بفكرة معينة؛ وهي أن ساموراي المراتب الدنيا 
تعلموا أشياء من الغربء ولكنهم لم ينقلوا ما تعلموه كما هو؛ وإنما أعادوا 
تشكيله؛ وسيحدث هذا مرة أخرى عندما يجري تغيير النظام إلى شيء مقبول 
عالميا على الصُعد الاجتماعية الأخلاقية والمعنوية». 

عندما نهض كويزو استدار نحويء وكأنما ليترك وراءه رسالة مطمئتنة؛ 
قال ببساطة: «إن قوة الماضي فضي اليايان تضعف». وكانت تلك نظرة 
حصيفة للأمور. فقد أصبحت الاضطرابات في أوساط العمالة المأجورة 
والمديرين من السمات الواضحة للاقتصاد: شأنها في ذلك شأن أمريكا 
وغيرها. حينذاك كانت الظاهرة في بداياتها. كانت الشركات قد بدأت 
تفصل مديرين في مناصب سامية:؛ وهم المحاريون المجربون من أجل 
الشركات الكبرى. كما تراجعت الشركات عما سمي «نايتاي 121]21»: وهي 
ضمانات التوظف التي كانت تشمل طلاب السنوات النهائية في الجامعات؛ 
والتي كانت تّراعى مراعاة لا تقل صرامة عن ضمان الوظيفة مدى الحياة. 
ووجد الئاس أن الحياة من دون الأمن الذي كان يكفله النظام القديم ليست 
سهلة. غير أني لا أشك في أن كويزو كان على حقء كان الماضي يسير في 
طريق الاضمحلال. 

في أثناء عامي الأخير في اليابان التقيت مرات عدة بباحثين في شركة 
ريكروت انان 1 (أي شركة تجنيد الكفاءات). وغالبية الأجانب الذين لهم 
علاقات بهذه الشركة يعرذون أنها كانت وراء إحدى الفضائح السياسية في 
أواخر الثمانينيات من القرن العشرين: ولكنها كانت ذات أهمية مركزية في 


أسوار في القلوب 


نظام التوظيف الياباني؛ فقد كانت تساعد الشركات في الاتصال بالخريجين 
الذين هم في سبيلهم إلى دخول سوق العملء ومن ثم اتخذت ذلك الاسم. 
والسبب في الشراء الذي أصابته ريكروت في الثمانينيات من القرن 
العشرين؛ هو أن الأمر كان يزداد إلغازا على الشركاتء؛ فيما يتعلق بالكفاءات 
التي تريد توظطليفها. ومن ثم كانت شركة ريكروت سلسلة مهمة في النظام. 
والباحثون الذين قابلتهم كانوا شبابا من المديرين العصريين شديدي الأناقة: 
في مجموعة تسمى «معهد تخطيط العمل». وكانت مهمتهم هي تقديم 
الاستشارات للشركات الكبرى عن أفضل الطرق لجذب مديري المستقبل 
العصريين. وكان هذا المعهد قد بدأ عمله في 1584: وأصدر كمية هائلة من 
البحوث والإحصاءات: كما أصدر مجلة دورية ضخمة تدور كل مادتها حول 
فكرة واحدة: مثل: كيف يقضي الأوروبيون أوقات فراغهم. ولا نعدو الحقيقة 
إذا قلنا إن مهمة العاملين في هذا المعهد هي ببساطة: تقديم أنفسهم 
وجيلهم لأولئك الذي ل يفهمونهم. 

ومن اللافت لالنظر أن نجد. بين الأشخاص الذين كانوا يترددون على 
تلك الدورات التدريبية وعددهم يتراوح من ١7٠١‏ شخصاء نجد جوا 
شائعا من عدم الاحترام غير المسبب للنظام السابقء الذي كان الآباء 
والأسلاف قد قبلوه. وهو النظام الذي كان قد أنتج مجتمع الوفرة الذي 
أصبحوا يتمتعون به. ولكن هذا الجو كان نوعا من الإحساس الذي يشارك 
فيه الجميع؛ ومن المعطيات التي لا تنافش. في أول مرة زرت المعهد. سألت 
أحد الشخصيات القيادية عن مهمته. قغضرب على صدره برفق ورد 
بالإنجليزية قائلا: «أنا السيد الشركة؛ مجند ضفي دوائر الأعمال». ضحك 
الجميم: فلم يعد الناس في تصوري يستخدمون هذه العبارة. وأضافت 
إحدى الزميلات: «إلا على سبيل السخرية». وهي سيدة في أواخر 
المشرتيات هن مره 

ولكن السخرية قناع يخفي الإلفاز وغموض المعاني. أحسست خلال 
الاجتماعات أن هؤلاء الناس يجدون صعوية في البحث عن مساحة تسمح 
بمعرفة حتى أنفسهم: فضلاعن فهم آبائكهم وما أنفقوا عمرهم في سبيله: 
شهؤلاء أناس يعملون بجد أيضاء ولكن ليست هذه هي القضية. وإنما كانت 
المجموعة تحاول؛ من بين أشياء أخرى: أن تعالج فكرة إمكان أن يعيش الناس 


اليايان: رؤية جديدة 


حياتهم بأساليب مختلفة. وذلك أمر لم يحدث في حياة اليابانيين منث 
السنوات الأولى لفترة ما بعد الحرب. 

سأل أحدهم في إحدى الجلسات: «ماذا توجد ظاهرة الكاروشي (الموت 
من إرهاق العمل)5» ويستطرد: «لا توجد إجابة عن هذا السؤال». 

تدخلت مقترحا: «الناس يعملون فوق طاقتهم. لأنه لا توجد في داخل 
نفوسهم آليات تمكنهم من أن يقولوا ل». 

وجاء سؤال آخر: «لماذا إذن نجد الشباب مختلفاث» 

وسرعان ما اندطعت المجموعة في مناقشة بلغة يابانية سريعة. وتطوع أحد 
الأعضاء الشباب ليشرح لي: «نحن الآن نطرح السؤال؛ ما الشركة؟ ولماذا كان 
الناس يفكرون على نحو يفضي إلى شيء مثل الكاروشي؟» كانت المناقشة 
جزءا من دراسة طويلة يشرفون على نهايتهاء دراسة تنفذ إلى قلب المشكلة: 
العلاقة بين رجل الساراري والشركة. 

قال قائد المجموعة: «كان ثمة الشركة ورجل الساراري الذي ينتمي إليهاء 
ولكن لم يعد الناس يشعرون بالولاء نفسه. وبالتالي فعلى الشركات أن تكتشف 
أسلوبا جديدا للإدارة. وأصبحت القضية هي كيف يمكن إحداث تغيير أساسي 
على نحو يجعل الشركات هي التي تنتمي إلى مستخدميها؟ وتلك مشكلة تواجه 
معظم الشركات؛ فالشركات؛ ببساطة؛ لا تعرف كيف تتعامل مع البشر». 

تميزت تلك المجموعة بسمة خاصة:؛ ذلك أنه على الرغم من كل هذه 
التأملات الفكرية؛ فإن الأعضاء كانوا من المتشككين؛ ذلك أن الأشخاص 
الأكبر سناء مثل أكينو كويزو. ممن عايشوا النظام فترة طويلة» كانوا أكثر 
تفاؤلا ‏ فيما يتعلق بالتغيير ‏ عن الأعضاء الأصغر سناء وهم أولئك الذين 
يفترض أن ينشأً التغيير من داخلهم؛ وربما يرجع ذلك إلى أنهم لم تتواضر 
لديهم الثقة الكافية في أنفسهم وهم يرون أصدقاء لهم يتخرجون لتتلقفقهم 
الطاحونة المألوفة, كانوا مثل أجيال عدة قبلهم»؛ يظهرون بوضوح المزيج 
الوجداني الياباني المألوف: الرغبة بلا أمل. ولكن؛ في خلال عام من 
الاجتماعات والمقابلات في شركة ريكروت: كانت شركات كبرى من توع 
هوندا وتويوتا ونوموراء ذلك النوع من شركات الشرائح الكومبيوترية الزرقاء 
التي تغبطها الأخريات؛ كانت قد بدأت تجرب أنظمة جديدة للأجور 
والمرتبات والترقيات: القائمة على الجدارة وعقود العمل القصيرة الأجل, 


أسوار في القلوب 


التي تترك للناس حرية الانتقال من وظيفة إلى أخرى: أي أناس يكرسون 
ولاءهم لآنفسهم. 
# ا 

ذات مرت قمت برحلة إلى شاطى بحيرة بيواكو 0ل815/3, وهي كبرى بحيرات 
شمال شرقي كيوتوء حيث كان يتدرب أربعون شابا من الجنسين؛ بعد التحاقهم 
مباشرة بالعمل في شركة تورايء وهي شركة كبرى في مجال الألياف الصناعية. 
كان يوما من أيام أبريل الدافئة؛ بعد قليل من ظهور نتائج التخرج في الجامعات, 
وخلف منصة وميكروفون: كان يقف رجل ذو شعر رمادي يرتدي بدلة لونها أزرق 
سماويء (سروال وجاكيت قصير طراز أيزنهاور). وعلى جيب الجاكيت العلوي 
بطاقة بيضاوية تحمل أسمه: مونيشي ةن . 

وكان السيد مونيشيء. وهو رجل ساراري متقاعد؛ يجمع بين دوره كشاويش 
تدريب؛ وصفته كمستشار للمعسكر. قسم السيد مونيشي الدفعة إلى أريع فرق: 
ويختار كل فريق من بين أفراده مندوب مبيعات وموظفة استقبال؛ ورجل ساراري؛ 
وكاشو (رئيس غضريق). وكان برنامج التدريب بسيطا: يدخل مندوب المبيعات, 
يحيي موظفة الاستقبال؛ يطلب مقابلة الكاشو (رئيس الفريق)؛ يصطحبه أحدهم 
إلى مكتب رجل الساراري؛ رجل الساراري يبحث عن رئيس الفريق ويحضره؛ 
انتهى. ضي هذه الأثناء: كثير من الانحناءات: وتبادل بطاقات التعارف, وكلام عن 
الطقسء وحديث حول العملء وما إلى ذلك. تستغرق هذه المسرحية الهزلية 
القصيرة بضع دقائق. وأحيانا كان الممثلون يتهامسون إلى درجة تكاد لا تسمعهم. 
بعد النهاية؛ يقوم السيد مونيشي بعمل التقدير وإعطاء الدرجات. 

يعلن: «فريق أ؛ أسلوبكم حسن.ء ولكنكم نسيتم مناقشة السعر والمواعيد؛ 
وهذه أمور مهمة. مخصوم درجة واحدة». 

تظهر الدرجات على سبورة: فيتململ الشبان والفتيات الجالسون حول 
منضدة الفريق أ. يواصل السيد مونيشي: «الفريق ب؛ مندوب مبيعاتكم لم 
يقدم بطافة تعريقه. مخصوم درجة. ولم يقم الموظف الكتابي بتقديم بطاقته 
في الوقت الصحيح؛ مخصوم درجة». 

وهكذا: نسي واحد من أفغراد فريق آخر أن يقول: «شكرا جزيلا»»: عندما 
قدم له الزائر بطاقته, مخصوم درجة. وقام آخر بوضع البطاقة التي قدمت 
له في جيبه: مخصوم ثلاث درجات: ذلك أن بطاقة التعارف يجب أن تظل 


اليابان: رؤية جديدة 


موضوعة على المنضدة بين الطرفين طوال ال مقابلة. وترك شخص آخر حقيبته 
نصف مفتوحة في أثناء لقائه مع رجل الساراري. مخصوم درجة, 

رفع أحدهم يده. 

«عرقت أن بطاقة التعارف لا تقدم لموظفة الاستقبال؛ أليس كذلك5» 

«هم م م م» هكذا ظهرت ححيرة النيد مونيشي وهو يحاول حل اللغز: هذا 
صحيم. ولكن إذا لم تقدم بطاقتك لموظفة الاستقبال؛ فكيف يمكنها الإعلان 
عن شخصية الزائرة وأخيرا توصل إلى الإجابة: «ضي رأيي؛ أنه من الأفضل 
أن تقدم بطاقتك لموظفة الاستق بال أيضا. ولكن ليكن ذلك في أول زيارة 
فقط. وعلى كل حال: هذا موضوع يحتاج إلى مزيد من البحث». 

بعد قليل: انتحيت جانبا بشاب يسمى يازوهيكو تاكيباياشي؛ الذي كان 
مندوبا للمبيعات في فريقه: وكانت قد خصمت منه درجة أو اثنتان ‏ وكان 
متأثرا جدا لهذا السبب قال: «من الصعب ضبط التوقيت؛ وأن أقول ما أريد 
قوله بينما أستمع إلى الطرف الآخر. وصيغ التأدب صعبة أيضا». 

فسألت: «ما الذي جعل صيغ التأدب صعبةؤ» 

أنا لست معتادا على احترام اللغة. كذلك إتمام الجملة بوضوح أمر صحب». 

كان وافدا مستجدا من جامعة هوكايدو؛ وكانت نشأته في تلك الجزيرة 
الرعوية الشمالية ذات الطقس البارد. كان متحفظاء وهي صفة متوقعة من 
ابن اسرة ريفية؛ شأنه في ذلك شأن ملايين قبله؛ ممن انتقلوا من الريف إلى 
المدينة. وكان تاكيباياشي يريد أن يعمل في قسم التسويق. ولكن لماذا يريد أن 
يعمل في شركة توراي بالذات5 «الخريجون السابقون الذين تخرجوا في 
الجامعة: ممن ذهيوا إلى العمل في الشركات الصناعية:؛ كان واحد منهم قد 
عمل في شركة تورايء وعاد إلينا ليترك فينا انطباعا جيدا». وما هو هذا 
الانطباع؟ «عرفت أن من يعمل في توراي تؤخن آراؤه في الاعتبار؛ ويمكن أن 
تعمل ما بحب 

وعلى مدى اليومين اللذين قضيتهما في معسكر تدريب توراي: كان 
المتدريون يلعبون بالصلصالء يشكل كل منهم آلة فلوت تقليدية: وكانوا يلعبون 
بالكلمات: كانوا يطلعون نصف أفراد الفريق على خريطة أحد المصائع؛ ثم 
يكلفون باستخدام الوصف الشفهي فقطء بأن يشرحوا للنصف الآخر كيفية 
الوصول إليه. وكانوا يجرون مكالمات تليفونية لمختلف أقسام الشركة: ويكتبون 


أسوار في القلوب 


رسائل عمل؛ ويسجلون المواعيد ويجدوئونها لاد لكل واحدة من هذه 
المهمات: كانوا يدرسون كتبا سميكة تربط النصوص المكتوبة بالصور 
التوضيحية؛ على طريقة كتاب رجل المرتب في اليابان سقصدل صذأ صهالة نزتتدلهد5 
وسألت: هل يمكن أن أرى كتابا من هذه الكتب؟ والإجابة لا؛ لأنها ليست 
للتداول إلا بين «الناس في داخل المعسكر». 

كان يجري تدريبهم ليصبحوا كاكنات اجتماعية (مأز تهقكلة56). وصنع آلة 
فلوت يعلمهم شيئًا من القدرة على الخلقء: والعمل كل بمفردهء وكانوا يتعلمون 
أيضا كيف يمكن أن يكون الخطاب والتواصل مع الأغراب. وفي تمثيل تلك 
السيناريوهات؛ كانوا يبدأون في التعرف على قواعد السلوك في دوائر 
الأعمالء وهي القواعد التي كانت على القدر نفسه من البساطة والصرامة 
والدقة؛ كما كانت مراسيم بيروقراطيي عصر التوكوجاواء التي صدرت منذ 
قرون لضبط سلوك الساموراي وحياة القلاحين. 

عندما بدأت زيارتي لمعسكر التدريب؛ استقبلتني جماعة من المسؤولين في 
شركة توراي؛ الذين لهم جميعاخبرة سابقة مع المتعدين: الذين يبدأون 
حياتهم العملية في الشركة. وكان يبدو لهم أنه لم يجد جديد تحت الشمس:»: 
غير أن أحد المديرين من بينهم لم يوافق على ذلك تماما .كان رجلا ربعة ذا 
ملامح صارمة؛ على عينيه نظارة معدنية: قال: «أرى شخصياء أن الأجيال 
الناشئة لديها بعض الأفكار المتعلقة بالرغبة أو عدم الرغية في البقاء في 
خدمة الشركة لمدة طويلة. ما يزال الأمر غير واضح: فهم غير ملتزمين وغير 
قادرين على اتخاذ القرار». 

وقابلت شابة تسمى يوكيكو هاياشي»؛ لم تكن من النازحين من الريف؛ ولكن 
مولدها ونشأتها كانا في طوكيو. تخرجت في قسم الاجتماع في جامعة واسيدا 
5 : وهي جامعة خاصة مرموقة فضي العاصمة. وكانت هاياشي قصيرة 
القامة؛ يقظة؛ ترتدي ملابس شبابية فضفاضة (كاجوال): وعلى الرغم من انها 
تخرجتء فإنها كانت ما تزال تتصرف بنوع من العفوية وعدم الاكتراث الذي يميز 
الطلاب الجامعيين. وليس من الصعب تصورها وهي تسير حاملة على ظهرها 
حقيبة مليئة بالكتب. قالت: «بالنسبة لي؛ كامرأة؛ الأولويات تختلفء فأنا أعطي 
الاعتبار الأكبر للجو السائد في داخل الشركة؛ ولا أهتم إلا قليلا باسم الشركة 
وإنما يهمني ‏ بصفة خاصة ‏ أن أكون في شركة أعمل فيها بحرية». 


اليايان: رؤية حجديدة 


لم تكن هاياشي تختلف في ذلك عن تاكيباياشي. وعندما تساءلت إن كانت 
تعتبر نفسها مختلفة عن جيل والديهاء أجابت: «قليلاء الناس يريدون أن 
يعملواء ولكنهم يريدون أيضا أن يستمتعوا بوقتهم: فالمسألة ليست هي أن 
يختاروا بين هذا وذاك: فآنت تعمل لتعيش؛ وليس العكسء؛ والأمور في طريقها 
إلى ذلك؛ وهذا ما آأرجو أن تأخذه الشركة في الاعتبار وتتقبله». 

ريما كانت هاياشي؛ وقد حزمت أمتمتهاء وتوجهت إلى المعسكر القريب من 
بحيرة بيواكوء ريما كانت قد تركت وراءها بعض الأصدقاء الذين خابت 
آمالهم؛ بل ريما تكون قد -خلفت وراءها بعضا من نفسهاء مصابا بخيبة الأمل. 
ولكنهاء على كل حال؛ لم تكن قد نهجت طريق اللاعودة في الالتزام تجاه 
شركة تورايء: وكان رجل الساراري الصارم القسمات على حق فيما قال؛ إلا 
فيما يتعلق بتوقعها لمسار المستقبلء الذي يحتوي على شيء أكبر من المزيج 
المألوف: مزيج التشاؤم والرغبة. 

سألت: «هل سيغير الشباب الشركات أم أن الشركات هي التي ستغيرهم؟» 

وكانت الإجابة: استكون مسيرة فضي اتجاهين: فهذه الشركة؛ شأنها في 
ذنك شأن غالبية الشركات الأخرى؛ تتمسك بالأساليب القديمة. وقبل أن 
أجيء: كان تفكيري أثئني أريد أن أغير هذه السلوكيات؛ ولكن من الصعب أن 
يتم ذلك بسرعة؛ ومن الناحية الأخرىء لا مناص من التغيير». 





أله 
الأرض في الأعالي؛ وخلقوا 


عا ما من الظلال والأشباح, * 


الكائنات شحوبا. 
جونيشيرو تانيزاكي 


السعادة في ركن خفي 


عندما تبتسم ميشيكو فوكوشيما معلنطء/1 


| 08تأونهانا: وهي غالبا ما تيتسمء تضيق 
عيناها حتى تكادا تبدوان مغمضتين: وتزداد 
٠‏ الخطوط على جانبي عينيها وضوحا. كانت 
السيدة فوكوشيما ضثيلة الحجم؛ نشيطة؛ في 


الثانية والستين من عمرهاء عندما قابلتها في 


:-' أواكل تسعينيات القرن العشرين. وأشاء الحديث 
معهاء كان فضولها يمتزج بشيء من الارتباك 


محدثها. وكان مكتبها في أحد أحياء طوكيو 


'. السكنية: غرفتين مزدحمتين بالكراسي القابلة 
+ للطيء رضوف الكتب والملفات؛ وحوافظ بكرات 
: الأفلام, كما توجد منضدة كبيرة نوعا ما ذات 
أرجل قابلة للطي. من النوع الذي يمكن أن يوجد 
وشي اقصى الأعماق: وَضعوا 5 في قاعة اجتماعات مدرسية. 
النساءء. ليجعلوهن أشد :: 
كشيرات مثل فوكوشيما: فهي سيدة لها 
.. استقلاليتهاء شقت طريقها في الحياة بجهدها 
في تمجيد الظلال والأشباح: | 


5 ..: الخاص. وهي تعي تماماء مثلما يعي الآخرون 


وليس في اليابان أواخر القرن العشرين نساء 


اليابان: رؤية جديدة 


جميعاء أنه لا توجد إلا نساء قليلات أصغر منها سناء في الجيل الناشئ؛ يمكن 
أن يقبلن النظام الذي التزمت به في حياتها منذ الصغر. فهي أشبه بعاشقي 
تسلق الجبال: تشعر بالسعادة لما أنجزت؛ وإن كانت تحس بالوحدة أيضا. ولا 
يبدو آن ثمة أي واحدة أخرى تتساق الجبل خلفها في الطريق إلى القمة. 
شهدت فوكوشيما في حياتها كثيرا من المراحل المختلفة التي مرت بها 
اليابان الحديثة. ولدت في مزرعة خارج طوكيو في العقد الرابع من القرن 
العشرين: وهي واحدة من ستة أطفال أنجبتهم العائلة. وكانت تعتبرء شأنها 
في ذلك شأن بقية البنات والنساءء الأم والجدة والأخوات ‏ من ممتلكات 
الأب. كن ينهضن بأعمال المنزل وشؤونه؛ ولكن عليهن الطاعة في كل الأمور 
خارج البيت ‏ بما في ذلك الزواج؛ طبعا. ومن بين ذكرياتها الأولى؛ الشكاوى 
المريرة التي كانت تسمعها من الزائرات من العمات والخالات؛: عما يحدث من 
أزواجهن وأقارب أزواجهن. 
«كنت في السادسة من عمريء عندما قررت ألا أتزوج بهذه الطريقة»» هذا 
ما قالته فوكوشيما هي حديث معي؛ واستطردت: «قررت أن أكمل دراستي؛ 
وأبني مستقبلي. ولكن أبي وأمي ما كانا ليوافقا على أن أتعلم تعليما عاليا. 
حيث كان من رأيهما أنه لا حاجة لي بذلك؛ فالتعليم العالي يخص الإخوة 
الذكور وحدهم. وكانا يتصوران أننيء إن أكملت تعليميء فلن يتقدم أحد 
للزواج مني». 
توقفت فوكوشيما قليلاء وقد غلبتها الذكريات. واستطردت: «هكذا؛ لم 
أعلن عن رغبتي أبدا . كنت دائما البنت المطيعة؛ ولكن في داخلي كانت الرغبة 
في الهروب تتعاظم أبدا». 
أنقذت الحرب فوكوشيما مما كان قد كُتبّ على الأم والعمات والخالات 
اللواتي لم يواتهن الحظء جاء الاحتلال شفقضى على نظام البيوت الكبيرة 
التقليدية (16): وأقر. في أواسط خمسينيات القرن العشرين: مبدأ تعليم الإناث 
جميعا يكل مراحله. وشرعت فوكوشيما تشق طريقها في جامعة طوكيو. وذات 
يوم: شاهدت فيلما بعنوان «الماس والرماد» للمخرج البولندي أندريه وايداء 
تدورقصته حول شاب مقاتل في حركة المقاومة. بعد انتهاء الحرب. وجد أن 
صفته كمقاتل جسور في صفوف المقاومة لم تعد ذات قيمة؛ وليس في حياته ما 
يملأ فراغها. وتجاوبت حال هذا الشاب ومحنته مع تجربة فتاة كانت قد عُذيت 





السعادة في ركن خفي 


في سنوات ما قبل الحرب على الشعارات الوطنية. وظل هذا الفيلم مصدر إلهام 
لكثير مما تتابع من تجارب في حياة فوكوشيما. 

في العام الذي رأت فيه فوكوشيما ذلك الفيلم؛ تزوجت طالبا في كلية 
الهندسة: يسبقها بعام في الدراسة؛ وأنجبت منه طفلا. ولم يكن الزواج ‏ على 
غير المألوف في ذلك الزمان ‏ مرتبا من خلال خاطبة: وزيارات ومقابلات 
غبية؛ ومغاوضات عائلية. وإنما اختارت فوكوشيما زوجهاء الذي وعد باحترام 
استقلاليتها. ولكن اتضح فيما بعد أن الزوج: وفق تعبير فوكوشيماء كان 
«يابانيا جداء. والتحقت فوكوشيما بالعمل طي شركة إنتاج صغيرة: ولكن 
الأعباء المنزلية سرعان ما تصاعدت. ولم يحسم الوضع العائلي؛ وريما لم يكن 
ذلك غريبا جداء إلا من خلال مسألة المكتب. 

قالت فوكوشيماء وهي تضحك ضحكة هادثة: «تبدو القصة عجيبة؛ ولكن 
الحق أنني كنت أريد مكتبا خاصا لي. أشار زوجي إلى مكتبه قائلا: استخدمي 
هذا؛ إنه ملكنا. ولكني كنت أريد مكتبي الخاص. كنت أريد عالمي الخاص». 

ولجت فوكوشيما عالمها الخاص في سن الحادية والثلاثين: ؛ طّلقت في 
,؛ وذلك أمر آخر نادر الحدوث في ذلك الزمان ‏ ولم تعد مندكن؛ من 
ممتلكات عائلة الزوج أو عائلة الأب. وبينما كان الجيران يتهامسون. شقت 
فوكوشيما طريقها ككاتبة سيناريو ومخرجة لأفلام تسجيلية. كان العمل شاقاء 
تحركات وانتقالات مستمرة؛ ومعدات ثقيلة: وطاقم من العاملين الرجال؛ 
وسكن في غرف فنادق رخيصة. إنه عالم على المرأة أن تثبيت فيه جدارتها 
للصمود في غمرة ما تحدثه من ردود فعل مقلقة. ولكنه أيضا واحد من 
المجالات القليلة التي إن تمكن شخص من إثبات نفسه فيه؛ يصبح لا مجال 
للتمييز بين الرجال والنساء أو لتفضيل أيهما على الآخر. 

دفعت فوكوشيما ثمن استقلاليتها غاليا. لم يسمح لها برؤية ابنها بعد 
الطلاق إلا بعد أن مات زوجها. مات بالسرطان في وقت ما من أواخر 
ثمانينيات القرن العشرين ‏ وهي لا تذكر التاريخ بالضبط. وكان ابنها في 
الخامسة والثلاثين من عمره عندما التقيا ثانية. وكان قد غاب عن ناظريها 
ثلاثين عاما متواصلة. 

نستطيع أن نقول إن فوكوشيما لم تكن أبدا نادمة على اختياراتها. غير 
أنها كانت تبدو على حافة الأسى عندما تستعيد تجارب حياتهاء وإن كانت 





اليابان: رؤية جديدة 


لا تفارقها الابتسامة. قالت لي فوكوشيما وهي تحدثني عن إنهاء زواجها: «ما 
شعرت بشيء:؛ وما أعتقدت في شيء:؛ وإنما : أردت فقط أن أتنفصل». وقالت 
في إحدى المناسبات: «لقد عانيت الكثير, ولكني كنت لا أفعل إلا ما أريد». 
وضي مناسبة أخرى: قالت: «أنا راضية بما جادت حياتي به علي ولا أحمل 
أعباء أحزان فوق الطاقة. أستطيع أن أقرر هذا الآن: بعد أن بلغت هذه 
السن. لقد الخترت طريقي بإرادتي: وهو اختياري ومسؤوليتي». 

وأن يخرج المرء عن العادي والمألوف في مجتمع نسيجه معقد كالمجتمع 
اليابانيء لهو أمر دائما ما يكون درامياء وهذا أقل ما توصف به تجرية 
حياة فوكوشيما . وهذا أيضا ما يمكن أن توصف به حيأة النساء العصريات 
في اليابان. لم تبن النساء اليابانيات معا شيئا مشتركا يذكر. وإنما 
اكتشفت هذه المرأة أو تلك طريقها بمفردها. وأن تخطو 0 خارج دائرة 
التواؤم المكتظة بالواقفين فيهاء ما يزال اختيارا لمسار مجهول وموحش 
ومحفوف بالمخاطر. 

قد يكون من السهل تصور فوكوشيما عضوا نموذجيا في حركة نسوية 
اكتمنسا في أي بلد غربي(*). ولكن في اليابان؛ تعكس تجارب حياة 
فوكوشيما مشكلات أكبرء لا تقتصر على المشكلات التي تتصدى لها الحركات 
النسوية وحدها. فاليابان؛ التي يتملك مجتمعها معتقدات ثابتة عن التمايز 
بين من هم أعلي ومن هم أدنى؛ وبين من هم داخل الجامعة ومن هم 
مستبعدون خارجهاء هذه اليابان كانت وما تزال: قاسية على نسائها قسوة 
واضحة. حيث كانت النساء؛ وما يزلن» ضحايا للرجال قرونا عدة. غير أن 
النهج النسوي لم يثبت أنه هو الإجابة الكافية. غالبا ما كانت النساء 
مشاركات في النيل من أنفسهن ‏ عن عمد وباستمرار. هذا فضلا عن أنه في 


(*) الحركات النسوية قاع تلت /1107 ]1611111115 حديثة نسبيا في البلاد الغرد بية المتقدمة, وهي 
تتميز عن الحركات النسائية القديمة 11201/61116115 17/0111611 التي نشطت في أواخر القرن 
التاسع عشر؛ وظلت تعبر عن مجموع حركات المرأة عموماء ولكنها كانت تركز بصفة خاصة على 
الحقوق السياسية, أي حق الاشتراك في عمليات الاقتراع العام والترشيح للهيئات النيابية 
الديموقراطية:؛ وكذا الحق في تقلد جميع الوظائف والمهن والمسؤوليات العامة. ولكن مع حركات 
الشباب الحديثة. التي نشطت منذ أواخر الستينيات» ظهر جيل جديد أكثر راديكالية من القيادات 
التسائية تتوسع في تعريف مجالات المطالبة بالمساواة مع الرجل وتعتمد أكثر على جهود النساء 
ونضالهن تمييزا تهن عن الأجيال السابقة؛ التي كانت تعتمد أكثر على جهود الرجال الذين يتعاطفون 
مع حركات المرأة (المترجم). 








السعادة في ركن خفي 


اليايان ‏ أكثر من أي مكان آخر ‏ يعاني الرجال مثلما تعاتي النساء؛ وأنه في 
كل عمل من أعمال القهر فإن القاهر والمقهور كلاهما ضحية. 

ولكن المشكلة الأكبر بين رجال اليابان ونسائها المشكلة التي تكمن خلف 
الاختيارات الراديكالية المندفعة للسيدة فوكوشيماء هي الافتقار شبه الكامل 
الى مشاعر الحب التي يمكن رؤيتها في اليابان المصرية ‏ أي الغياب 
الموحش للتعاطف بين الجنسين. عندما قابلت السيدة فوكوشيماء كان أكثر 
ما لفت نظري هو شجاعتها والعزلة التي اختارتهاء ووقوفها بكبرياء خارج 
دوائر التمييز ضي الحياة اليابانية. ولكن اختيارهنا لحياة مستقلة ‏ وأن تأخذ 
مسؤوليتها بيديهاء كما تقول لم يُضف إلى محنتها العاطفية شيثئا. فعلى 
حد تعبيرهاء كانت حياتهاء حتى أثناء الزواج: فارغة. وضي التحليل الأخير: 
تجلت شجاعة فوكوشيما في صدقها البسيط الجسور؛ في الحديث عن 
نفسها ومجتمعها. 

ومشكلة غياب المشاعر الحميمة؛ التي هي جزء من نسيج المجتمع الياباني» 
لا تجد لها حلا لا فضي الزواج» ولا خارج الزواج» فالمشكلة جزء من التركة 
التاريهية؛ فماضي اليابان هو الذي جعل منها أرضا يربط أهلّها المشاعرٌ 
الحميمة بنوع من الفساد. وأن يجد المرء حلا للمشكلة ‏ أن يكتشف الحب 
والمشاعر . الحميمة ثم يعلنها ‏ يعني أنه تمكن من الهروب من شبكة العلاقات 
المقررة في الواجهة العصرية للمجتمع الياباني 08ئأط 000016. 

في رواية قصيرة بعنوان زمن النجوم عمنلا' تداق صدرت العام ,1948٠‏ 
نرى فتاة صغيرة في أحد شوارع المدينة؛ تحاول تفادي الشقوق بين بلاطات 
رصيف (يرمز إلى الشبكة الاجتماعية)» التي من المفروض أن يلتزم كل ضرد 
في اليابان الحديثة بمكانه فيها. تبدأ القصة: «كانت الطفلة تسير بطريقة 
غير سوية؛ وهي تحاول أن تتجنب شقوق الرصيف»: بينما يتجاوزها الكبار 
في سيرهم؛ غير مبالين بما هي عليه من ارتباك ثم: 

بينما هي تحاول أن تتفادى الشقوق التي لا تتوافق مع خطواتها الطبيعية ومع كل خطوة 
تخطوهاء كان جسم الطفلة وكأته يدرك غياب الحب في عالم لا يبالي بوجودها على الإطلاق - 
افتقارا ما كانت لتستطيع أن تقبله: ولا أن تتواءم معه بأي حال. وما تفعله الآن في الحقيقة هو 
انها تبحث عن جدور كل هذه الآلام التي أصبحت لسبب لا تعرفه؛ جزءا من حياتها؛ يوما بعد يوم 


وياطراد: منث وعت لأول مرة أن احتياجاتهاء إلى ضمة صدر أو رضعة خديء لا يسٌتجاب لها. 


اليايان: رؤية جديدة 


والتشوف للمشاعر الحميمة؛ يعد من بين أهم الأفكار المحورية للثقافة 
اليابانية العصرية: وليس سبب هذا أن اليابانيين» على نحو ماء غير قادرين 
على الحب؛ فثمة عدد لا حصر له من الروايات والأفلام والمسرحيات التي 
تصف مجتمعا يجعل الرجال والنساء غير قادرين على التعبير عن تطلعهم 
للحب والمشاعر الحميمة؛ لأن التعبير عن الحب يعد من بين أشياء كثيرة 
أخرى ‏ أقصى التجليات لتأكيد الذات الفردية. 

عندما قابلت ميشيكو فوكوشيماء كان يبدو أن النساء في اليابان 
أصبحت أمامهن فرص للاختيار اكثر كثيرا من الفرص التي أتيحت لها. كما 
كان يبدو أن المخاطر في حياتهن أصبحت أقل. وكان ذلك من النتائج 
الواضحة لأواخر الثمانينيات. ضفي 1187: أقر مجلس الدايت (البرلمان) 
قانون تكافوٌ الفرص. كان الاقتصاد السريع النمو (اقتصاد الفقاعة غاططه0ط 
'إ2امدمعة) قد أتاح مجالا أكبرأمام النساء لشغل وظائف ذوي الياقات 
البيضاء. وأصبحت النساء قوة يعمل حسابها في السياسة الداخلية. وليس 
من الصعب تصور أن وضعية النساء في اليابان ‏ كوضعية نظيراتهن في 
غيرها ‏ قد بدأت تتغير. 

ولكن أثبتت الأيام أن ثمانينيات القرن المعشرين لم تكن إلا خدعة 
قاسية: وذلك عندما بدأ الهواء يتسرب من الفقاعة الاقتصادية. وقد كانت 
النساء أول من بدأ الاستغناء عنهن في الركود الاقتصادي التالي. ثم 
شرعت الشركات تقاوم توظيفهن بالجملة. وفي الحي السياسي ناجاتاشو, 
بدا وكأن النساء ضعن؛ وأصواتهن اختنقت. ولم يجد قانون تكافوٌ الفرص 
شيئاء وما كان ليفوت على فطنة أحد منذ البداية؛ أن القانون لم تكن به أي 
بنود جزائية: وإنما كان مجرد مرشد للعمل. وفي :١1596‏ وصلت نسبة 
الخريجات اللاتي فشلن في الالتحاق بأي عمل إلى 7١‏ في الماكة. 
وهكذاء ما زالت استقلالية المرأة تتطلب الثمن الكبير الذي دفعته 
ميشيكو فوكوشيما . 

ضمت أشهر البعثات التي أرسلتها اليابان إلى الخارج: بعد الإصلاح 
الميجي: خمس فتيات تتراوح أعمارهن بين السادسة والرابعة عشرة: كانت 
مهمتهن أن يتعلمن ويتشرين عادات نساء الطبقة العليا في الغرب. وبعد 
عودتهن استعرضن. لأول مرة منذ قرون: عادات اجتماعية جديدة أمام النساء 








السعادة في ركن خفي 


اليابانيات. وعلى كل حالء لم تكن النواياء في الأصل. صحية؛ فإرسال بضع 
فتيات اتلقي تعليمهن في الغرب لم يكن إلا بندا في برنامج إظهار اليابان 
كأمة متمدنة جديرة بأن يعقد الغرب معها معاهدات متكافكة. 

ومن المفيد أن ندرس الثمانينيات وفي أذهاننا شيء من تاريخ ذلك الوقت. 
كانت اليابان تستعرض على العالم فجأة؛ انفتاحا للنساء في مجالات 
الاقتصاد والجهاز البيروقراطي والنظام السياسيء لأن ذلك جزء من معنى أن 
تصير عاميا. كما كان ذلك يتماشى مع الوفرة والنفوذ العالمي. ولكن الجوهر 
كان دائما غائبا. وما كان التشجيع الذي قوبلت به النساء في الثمانينيات إلا 
شبيها بذلك الذي قوبلت به منذ قرن: فكلها أمور تتعلق بالمظهر. 

وللتوجه الأنشوي تاريخ طويل في اليابان. في نوفمبر ١١15؛‏ وقد شارف 
عصر الميجي على نهايته؛ عرضنت مسرحية إبسن ,بيت الدمية 201105 .4 
©1015 في طوكيو لأول مرة. وبعدهاء ولأكثر من عشر سئوات» دار النقاش 
بين النساء اده إن كانت نورا على حق حين أقدمت على تَحَدي زوجها وترك 
المنزل. وتعتبر نساء اليوم أن تلك المناقشات. التي اختلفت فيها الآراء 
واحتدمت الفا لاك والإثارة التي صاحيتهاء إنما كانت بداية الحركة 
النسوية في اليابان. فتلك كانت أول مرة تناقش فيها النساء أفكارهن الخاصة 
عن دورهن ومكانتهن في المجتمع. وقند ضريت شخصية نورا على الوتر 
الحساسء لأن مكانة المرأة في داخل البيت أو خارجه كانت هي جوهر مشكلة 
المرأة ضفي اليابان» وما تزال هي كذلك حتى اليوم: أين مكان المرأة اليابانية؟ 
ولكن المشكلة حينذاك هي بعينها المشكلة الحالية أيضا: المشكلة هي أنه لم 
يحدث أي تغير ضي المجتمع يدعم اختيارات استقلالية النساء ‏ النساء اللواتي 
على شاكلة ميشيكو فوكوشيماء ولا يوجد شيء يبرر وجود أي إجابة أخرى. 

المشكلات النسائية الخاصة بالاستقلالية والمساوأة في اليايان وشكاده 
مفعدة: سيت الدور الذي أوكل: إلى المرآاة في الماضي. ضفي الماضي عرفت 
المرأة تعريفا مقصودا من جانب الرجال بأنها مواطن من الدرجة الثانية, 
وكاكن 2 أدنى. غير أن النساء لم يكن بلا دور أو نفوذ. ويمكن مقارنة 
ذلك بما يجري في مسرح الكابوكي؛ حيث يقوم الرجال بالأدوار النسائية. 
فالمرأة ليست مؤهلة لتمثيل حتى نفسهاء وذلك لأنها امرأة. فالمرأة مثلها مثل 
الكوروكو 0عا0نتاكا: وهي كلمة تعني حرفيا «الشخص الأسود»» هذا الذي يلبس 


اليابان: رؤية جديدة 


السواد ليغير المناظر ويستعجل الممثلين في مسرح الكابوكي. والفكرة هي أن 
الشخصء رغم الوجود على المسرح: إلا أنه لا يرى. 

فالمنظرون الأيديولوجيون في عصر الميجيء؛ وقد تملكتهم فكرة العائلة ‏ 
الدولة: أعطوا للوضعية المرأة في المنزل مضمونا سياسيا واضحا. وكما كانت 
الحال في عائلة ميشيكو فوكوشيماء فإن مكان المرأة هو داخل البيت: ومكان 
الرجل خارجه. ولكن كان ثمة تناقض ما يزال بلا حل: وهو أن النساء يشكلن 
جزءا مهما من قوة العمل. وعلى الرغم من هذا الانفصام التقليدي بين ما هو 
مثالي وما هو واقعي؛ فإن الوضعية الرسمية للمرأة كانت مسألة تخضيع 
للأيديولوجيا. ولتغيير هذه الوضعية: يتعين تغيير الطريقة التي تسير بها 
الأمور في اليابان» وليست هذه مهمة يسيرة. صحيح أن وضعية المرأة تغفيرت 
تغيرا كبيرا منن هزيمة الدولة الإمبراطورية. على الأقل من الناحية القانونية, 
ولكن المواقف القديمة إزاء المرأة ما تزال متجلية؛ وتجرية حياة فوكوشيما 
بعدالحرب دليل كاف على ذلك. 

جددت الحركة النسائية في اليابان نفسهاء كما حدث في بلاد أخرى. في 
سبعينيات القرن العشرين؛ حيث بدأت الحركة تربط بين التمييز القائم على 
الجنس والجوائب الأخرى الأكثر اتساعاء مثل التنشثة النفسية للبنات: 
واستقلالية النساء الوحيدات. ثم أضيفت مشكلة «الذات الداخلية للمرأة 
التقليدية» (كلأط5218ه0 ناتهط أاننا). ولم تلبث الحركة النسائية أن انهارت. والآن 
يقول أعضاؤها إنها كانت ضحية لاستخدام الصورة الحسية للمرأة في الإعلام 
والإعلان بلا رحمة أو هوادة. ومن المؤكد أنهم على حق في هذا الاتهام. ولكن 
التفسير الأفضل للضعف الذي أصاب الحركة النسائية هو أنها استهدفت أشياء 
قريية جدا من البناء السلطويء ومن ثم واجهت النساء بمهمات شديدة الصعوية. 
وكادت الحركة النسائية أن تختصر إلى ما أسمته إحدى قيادات الحركة فى 
السبعينيات؛ حركة «مطالبة بالحقوق والمناصب» وتلك أشرب إلى نوع من 
الحركات النسائية المستوردة التي لم تكن تقترب منء المشكلات الخاصة بالنساء 
اليابانيات أو تعالجها. ولم تليث أن أصبحت حركة المطالبة بالحقوق والمناصب 
هي الطابع المميز للحركات النسائية والنسوية في الثمانينيات والتسعينيات. 

في اليابان مثل يقول «للرجال المكانة: وللنساء السيطرة» (,أه[ أعقصةد]1 
كنال 0561): وهو مثل قديم: ولكنه راج كثيرا منن الثمانينيات. وما تزال 


السعادة في ركن خفي 


عضوات الحركة النسائية المحافظة يستشهدن به لدعم اعتقادهن بأن المرأة 
يجب ألا تتخلى عن وضعيتها التي كانت؛ وما تزال: تتمتع بها في المجتمع. 
فالنساء يستطعن أن يقنعن بأشكال متواضعة من المساواة في إطار اللامساواة 
الأوسع: أو عليهن مواجهة عبء مشكلة «الذات الداخلية للمرأة التقليدية». 
وضي التحليل النهاكي ليس لمقولة «للرجال المكانة؛ وللنساء السيطرة» إلا بريق 
أجوف. فما الذي يمنحه هذا الكلام أكثر من حرية وهمية مقابل استمرارية 
قمع الهوية؛ وطمس الذات الفردية للمرأةة إنه ليس إلا رشوة معنوية ولكنها 
رشوة تتقبلها نساء كثيرات. 

ولم تلبث أن أثبتت فبتت أواخر القمانينيات وما بعدها أن الأحوال عادت إلى 
قسوتها مرة أخرى. ذلك أنه: بعد أن تبخرت فرص الاختيار السهلة التي 
أتاحها اقتصاد الفقاعة. عادت نساء وفتيات الأجيال الجديدة لتحجم عن 
الإقدام على عمل اختيارات جادة. وبدا كما لو كن تراجعن عن حاضرهن. ولم 
تعد لديهن رغبة خاصة لتحمل مسؤوليات كانت تتحملها نساء مثل ميشيكو 
فوكوشيما . ولم تكن لديهن القدرة على فهم جيل الحركة النسائية السابقة. 

وبدا كما لو كن يرفضنهنء وكما لو كانت نساء الجيل الأحدث للثمانينيات 
والتسعينيات؛ قد خرجن على عجل من ظلال الماضيء؛ وقد أصبن بالإحباط 
بسبب فكرة أنه كتبت عليهن الحياة في أطر وحدود أضيق. 

في الفترة نفسها التي تعرفث فيها على ميشيكو فوكوشيماء تقابلت مع امرأة 
أخرى أصغر منها بكثير اسمها نويوكو. كانت في الخامسة والعشرين من عمرها. 
كانت متعلمة تعليما ممتازاء وبدأت حياتها العملية قبل ذلك ببضع سنوات؛: في 
بنك اليابان المركزي؛ وتلك بداية مبشرة يحسد عليها أي خريج حديث. ثم بدأت ٠‏ 
الحياة تنساق بها في دروب أخرى: عامان في مكتب مورجان ستائلي في طوكيو؛ 
وعام مع مستورد للزجاج التشيكي. . وحين قابلتها كانت تعمل في قسم البحوث 
التابع لمكتب سمسرة أمريكي .كانت قد بيدأت تلك الرحلة بحثا عن حياة مستقلة 
خاصة. ولكنهاء حسب تقديرهاء لم تجد راحتها في عالم كانت تتصور أنه واعد. 
كانت نوبوكو تمثل اليابان الجديدة؛ اليابان التي أصبحت دولية: غير أن نوعا من 
الاضطراب الواضح يجتاح حياتهاء نوع من القلق الذي يصيب مسافرا بغير دليل. 

كانت نوبوكو تشعر بالملل تجاه الرجال الذين من جيلها. لم تكن قد تزوجت 
وهي تخطو في سنوات عمرها الحرجة. وفي ذلك الأمرء ليست اليابان 


اليابان: رؤية جديدة 


متسامحة؛ يُطلق على النساء في أوائل العقد الثالث صفة «كعكة عيد الميلاد» 

حت الطلد عابون في او حتى سن الخامسة والعشرين: ليقل الطلب بعد 
ذلك. و تتزايد السن التي تعتبر فيها الكعكة غير طازجة: ليقترب الآن من 
0 والعشرين أو القلافين, ويشكل عام أصبحت السن القصوى للطلب 
على المرأة غير محدد. بالدقة. وفي التسعينيات» تزايدت نسبة النساء بين 
الخامسة والعشرين والتاسعة والعشرينء اللاتي لم يتزوجن بعد زيادة كبيرة: 
لتصبح حوالى الثلث. ولكن نساء مثل نويوكو ما يزلن يتعرضن لمزيد من 
الضفوط من العائلة والأصدقاء. بل ومن أنفسهن. 

«تعم» تتزايد سن الزواج عموما».؛ هذا ما قالته نوبوكو عندما فتحت 
الموضوع معهاء وأضافت: «ولكن الجيل الجديد: بعد أن رأى ما حدث لجيلناء 
يمكن أن يكون قد وصل إلى نتيجة أنه الأفضل التبكير بالزواج» يمكن أن تقو 
بنات هذا الجيلء دون أن يتعمقن في الخلفيات؛ إنه من ضياع الوقت أن نعمل 
من أجل مجتمع رجاليء ما دام المجتمع لا يتغير». 

والانطباع الذي تتركه نوبوكو دائما فيمن يراهاء هو أنها في حيرة تجاه 
اختياراتهاء كما لو كانت تعرف أن ثمة اختيارات أفضل ولكنها فوق طاقتها. 
ولم تكن فخورة بحياتها وصفتها كامرأة؛ ولا كانت هذه الحياة جديرة بأن 
تنحاز لها وتدافع عنها على طريقة ميشيكو فوكوشيما التي كانت تتنحاز 
لحياتها وتدافع عنهاء بصراحة واستقلائية وبكامل الإحساس بال مسؤولية. 

قالت لي نوبوكو ذات مرة: «تصلنا معلومات كثيرة جدا. وأمامنا اختيارات 
كدير جداء ولكننا لا نعرف كيف نقيّمها . ويبدو كما لو أن المرء يسير في مخزن 
للعاديّات: فيه كثير من التحف القيمة؛ وكثير من المشفولات الزائفة. فإن كان 
الشخص لا يعرف شيئا عن العاديات. فإنه لا يستطيع أن يميز هذا عن ذاك» 
هكذا حالنا. ما الأشياء التي لها قيمة؟ وما الأشياء المزيفة؟ نحن لا ندري...» 

كي 

كانت المرأة ذات نفوذ وقوة في اليابان القديمة. ويتضح هذا حتى في أساطير 
الخليقة الأولى؛ التي تصور إلهة الشمس آماتيراسو 0ا8108]6133: حامية كونية 
لليابان. كانت أماتيراسو (إلهة السماء المشرقة) متألقة في طفولتهاء بينما كان 
أخوها الأول؛ سوانو ‏ أو إلها شقيًا للعواصف. من سحب أنفاسهما ولدت الآلهة 
التي تدعي العائلة الإمبراطورية أنها من أسلافها. لكن سوازانو ‏ أو ذا الجلال 


السعادة في ركن خفي 


والهيبة والسرعة ‏ لم يكن لطيفا مع أخته. حيث كان يخرب زراعات الأرز في 
أراضيها وينتهك حرمة قصرها. وكانت مشكلته مألوفة: كان مثل سائر الرجال 
اليابانيين منذكذ. يفتقد والدته. وفي النهاية, أبعد سوازانوا ‏ أو إلى أراضي 
المناطق الواطئة: وعادت الأضواء التي تشعها أماتيراسو بلا عائق. ١‏ 

وثمة كثير من الشواهد توحي بأن معتقدات الخليقة الأولى هي أساطير 
مجتمع أمومي. والمعارك التي تصورها هذه الأساطير يمكن أن تمسر بأنها تعبير 
عن انتصارات حققتها الجماعات التي تقودها النساء على الجماعات التي 
يقودها الرجال. وكان يَنَظّر إلى النساء على أنهن أقرب من الرجال لما هو سحري 
وقدسي. وبعض النساء اللاتي عاشت أسماؤهن في الأساطير الموروثة كُنْ 
شامانات (طبيبات/ساحرات): وزعيمات لعشائرهن في الوقت نفسه. حكمت 
تلك النساء يابان مختلفةٌ اختلافا كبيرا عن يابان العصور التالية. ولم تكتب أولى 
الروايات التاريخية الواقعية إلا بأقلام الرحالة الصينيين في القرن الثالث 
الميلادي. ومن بعض ما ورد فيها: «في سلوكياتهم العادية ولقاءاتهم: لا يوجد 
تمييز بين الآباء والأبناء ولا بين الرجال والنساء». وكان الرجال والنساء معا في 
ألفة مع دنيا الطبيعة, في حبورهم: وجسارتهم: وعرفانهم بالخير. وديانة الشينتو 
(المعتفدات الدينية الشعبية التي تقدس قوى الطبيعة) كانت ترى الآلهة في كل 
مكان ‏ في الشمس والقمر. ومحصول الأرزء ومياه النهر. وتكائرت المعتقدات 
التي تقدس قوى الخصوبة. وما كان أحد ليخفي أو يموه على مشاعر الحب 
والود الحميم. وتوحي العلاقات بين الجنسينء وتقاليد الزواج القديمة: ببراءة 
ساكن جنات عدن. 

في القرن الثامن الميلاديء جمع الباحثون ما يعّد أعظم مجموعة من 
الأشعار اليابانية: «المانيوشوء مختارات من عشرة آلاف ورقة» ,نالأة1/13['0 عا 
و6[ 0لوقنامط1' داع" 1ه نأإع010)دث عطا. مداخل المجموعة عددها أربعة 
آلاف وخمسمائة؛ كتبها شعراء ذوو خلفيات متنوعة: من أمراء الشعر الكبار 
إلى النبلاء العاديين» ومن ذوي الأصول المتواضعة إلى مجهولي الأسماء. 
ونستطيع من محتوى المدخل الآتي أن نستنتج أن الشاعر بنت ريفية: 

«من الأفضل أن تذهب بعد الفجر 

فالأعشاب تحت شجيرات الكريز وأعواد القنب ما تزال مبللة بالندى 


ولا ابائي إن كانت أمي تراك» 





اليابان: رؤية جديدة 


تصور هذه الأبيات منظرا سمي يوباي 1/0681 (التسلل الليلي)؛ وهو 
مصطلح خاص بشباب المحبين المخطوبين. تنام الفتاة الريفية المخطوبة في 
مكان من المنزل يسهل الوصول إليهء لتشجيع الفتى الريفي على المجيء في 
الليل؛ ليعبر عن رغبته في الزواج بالبقاء حتى الصباح. وهذه السطور القليلة: 
التي ما تزال بمثل نضارة الندى الذي تصفه. يمكن أن تقرأ ضيها تطلع 
الشاعرة إلى تحقيق رباط العمر. 

في أيامنا هذف ثقد تُقدّر مجموعة عشرة الآلاف ورقة 3 تقديرا عاليا بفضل 
احتوائها على هذه المقطوعة الشعرية وأمثالها. فهذه المجموعة ينظر إليها 
كسجل للمشاعر المتأصلة في قلوب اليابانيين وأرواحهم. إنها سجل لتعبير 
أهل البلاد عن الحب والصلات الإنسانية الحميمة قبل أن 5 تفرض على 
اليابانيين المعابير الأخلاقية الكونفوشية بغرض وضع الطبقات بعضها فوق 
بعضء والتمييز بين الرجال والنساء. ولكن البراءة القديمة كانت قد بدأت 
تختفي حتى أثناء تجميع المختارات ‏ تحت اليد الثقيلة للنفوذ الصيني. 
وشهدت نساء اليابان فترة ازدهار قصيرة أثناء عهد هيان سفاعظ (54لا - 
5 وهي الفترة التي ظهر فيها: كتاب الوسادة عأووظظ 11007ز5 1:6 
وحكاية جنجي أزدء© 064 1816 106, وغيرهما من الكلاسيكيات الأدبية كرد 
فعل لمواجهة ضغط المعتقدات الأصولية المستوردة. ثم جاءت بعد ذلك التقائيد 
العظيمة لحقبة الشوجون والساموراي؛ التي كادت تطمس ثقافتها ملامح 
المجتمع القديم طمسا تاما. 

تواءمت النساء في بيوت المحاربين مع أقصى أنواع التمييز بين داخل 
البيت وخارجه. كانت الزوجة حبيسة الفرف الداخلية النائية (ناكاه) ضي بيت 
الساموراي؛ ومن ثم كانت تسمى أوكو ‏ سان 0160-5813: أي الشخص في 
الداخل. ولم يكن اشتراك النسوة في الحياة العامة (أكاناته-عاهمه) أمرا 
واردا على الإطلاق. وينبه العالم النفساني ماساو مياموتو 0/12520 
00 إلى تأمل كلمة مثيرة للاهتمام في هذا الصدد.ء ألا وهي: أنشين 
متطقهخ؛ ومعناها الحرضي «الأمان»», أي الإحساس بالراحة والسكينة. ويعير 
عنها في الحروف المصورة برسم لامرأة داخل البيت. 

في ثقافة السامورايء لم يكن ثمة مكان للحب أو بالأحرى لم يكن له مكان 
معلن. والعلاقات الحميمة كانت مرتبطة بالسرية؛ وبالضعف أيضا. وكان 


السعادة فين ركن خفيٍ 


الزواج نوعا من الارتباط بين البيوتات: وكأنه نوع مبكر من الاندماج بين 
شركتين. وهذا هو الأسلوب الذي كانت تتم به الزيجات في أوروبا في العصر 
الوسيط . ولكن في الأساطير والتراث الأدبي ما يدل على أن الحب في الغرب 
كان مختلفا عن الحب في الشرق. وبصفة عامة؛ فإن مظاهر الحب الاحتفالي 
التي اخترعها فرسان العصور الوسطى تتناقض بشدة مع الرؤية اليابانية 
الأكثر حسية: فاليابانيون لا يرون في الحب إلا جوانيه الجسدية؛ بعيدا عن 
أي أفكار أو تصورات لمشاعر تتجاوز ما هو حسي. ولكن؛ من المؤكد أنه كان 
ثمة حب مثالي في اليابان أيضاء كما كان ثمة حب جسدي في أوروبا. والفارق 
الحقيقي بين الاثنين هو أن الحب كان يُعبّر عنه علنا في الغرب بينما أصبح 
الحب في اليابان أمرا شديد الخصوصية. 

أكثر الممسرحيات شعبية: التي كتبها أكبر كتاب المسرح في العصر 
الإقطاعي مونزايمون شيكاماتسو 5)ةتصةعل1طن) «ممتاعة2م810: عنوائتها: 
الانتحار حبا في أميجيما هسأزنسة غ2 دعل كتاذ 1.07 16" . وفيهاء يقع 
جيهايء وهو تاجر ورق؛ في حب وصيفة تسمى كوهارو. ولا يستطيع جيهاي 
أن يجمع بين حبه لكوهاي وإخلاصه لزوجته. فهو رجل يغلبه الأسى في أغلب 
مناظر المسرحية: لأنه من الضعف بحيث لا يستطيع أن يجد مخرجا من 
مأزقه. ولكنه يصبح بطلا عندما يتعاهد مع كوهارو على الانتحار. فالحياة 
واجب. ولا يستطيع الإنسان أن يجد حريته ويحقق الحب المطلق إلا بالموت. 

في 117/7, قام أحد الدارسين للكلاسيكيات الصينية؛ واسمه إكن كاببارا 
14 معاكاظ: قام بنشر أحد الكتب المعروفة لعصر إدو؛ عنوانه: أونا 
دايجاكو ناءلو12218 012118 (دروس موسعة للنساء)ء وهو كتاب يشبه نظائره 
التى جمعت فيها معايير السلوك المقصود بها إرشاد مختلف الطبقات في 
عصر إدو. فكما كانت تُوجه الإرشادات إلى الفلاحين بخصوص ما يأكلون 
وأين يحفرون أماكن الغائط؛ كذلك كانت توجه إلى النساء تعليمات لإرشادهن 
إلى السلوك الأمثل لبنات جنسهن: «لا تغفلي»: «لا تكتبي رسائل للشباب». دلا 
تذهبي إلى الأماكن المزدحمة» وما أشبه. ولكن كتاب الدروس الموسعة اكتسب 
القدرة على دوام الشهرة: (ولو جزثئيا) ‏ بفضل توصيف قبيح للمرأة؛ نصه: 

«لانساء خمس نواقص: العقوق والنكد والتشهير والغيرة والجهل. وتصيب 
هذه النواقص سبعا أو ثماني نساء من كل عشرء وهذا ما يجعل النساء في 





اليايان: رؤية جديدة 


مرتبة أدنى من الرجال. فكري في نفسكء. وأصلحي من أخطائك. والجهل هو 
أسواأ النقائص على الإطلاق. وهو الأب الشرعي للأريع الأخريات. النساء هن 
السلبية: والسلبية هي الليل: وهي الظلام». 

هكذا خلقت اليابان: على حد تعبير جونيشيرو تانيزاكي متطه هنال 
لدنص «عالم أشباحها». وهو عالم تحتل فيه النساء أقاصيه السحيقة. 
وإن المرء ليعجب ويتساءل اليوم: أي ذكريات بين الجنسين لما كانت عليه 
القدرات الخارقة لانساء؛ تلك التي دفعت الرجال للإقدام على هذه الإدانة 
الساحقة الماحقة للجنس النسائية والحق أن حجب النساء تماما عن الضوء 
والإشراق يعبر عن خوف لا عقلي؛ بدائي؛ يمت لأسباب الوجود الأولى. وإلا 
فما الذي يدعو إلى حرمائهن بكل هذا التصميم من الشمسء؛ من ذلك المصدر 
الأولي للقوة؛ الشمس التي اعتبرها الأقدمون رمزا لهن؟ 

لم يكن ما احتواه كتاب الدروس الموسعة موجها إلى عدد كبير من 

الناس: أو ريما لم تكن كذلك بركاته وذخائره. ذلك أن أغلبية الفلاحين. 
وغيرهم من العوام؛ ممن هم خارج دائرة التقاليد العظيمة ‏ طيلة العصر 
الإقطاعي ‏ كانوا جميعا متروكين لممارسة ما اعتادوا عليه ضي شؤون 
الزواج والعائلة. وظلت كثير من بقايا المجتمع الأمومي تعيش ضفي الريف. 
بعضها حتى قرننا هذا. وبعد أن كانت زووجات الساموراي قد أغلقت 
عليهن الأبواب لزمن طويل؛ كان يمكن أن يصادف المرء ثقافة مساواة 
معتبرة بين الريفيين العاديين» حيث لم يصبح طرف ملكية لطرف آخر. 
ويمكن لرجل حديث الزواج أن يُستوعب في عائلة عروسه:؛ في تناقض 
واضح مع ثقافات وممارسات الطبقات العليا. لقد كانت حياة القرى شاقة 
داكماء ولكن برغم كل شيء؛ كانت حياة النساء الريفيات أكثر حرية من 
حياة نساء الطبقات العليا. 

وهذا يفضي بنا إلى مفارقة عجيبة من مفارقات العصر الحديث في 
اليايان. كانت النساء من بين الفئكات الأكثر تضررا بعد بداية الإحياء الميجي. 
أدى التحديث إلى إحياء ونشر تقاليد الساموراي؛ ولم يكن ذلك يعني إطلاق 
الحرية: وإنما الحد منها. 

والحق أن الميجي لم يبدا هكذا. ذلك أنه بعد بداية الإحياء مباشرة؛ كتب 
يوكيشي فوكوزاواء الذي كان لديه ما يقول في كل الأمور تقريباء كتب كتابا 





السعادة فى ركن خفي 


بعنوان شين أونا دايجاكو نءلهع 1021 022د0) ستطي» (دروس موسعة جديدة 
للنساء) » فيه رفض حاد وتفنيد صريح لما ورد في كتاب إكن كايبارا . ولكن 
فكرة مساواة المرأة بالرجل سرعان ما لقيت المصير نفسه. الذي لقيته أفكار 
التعليم التحرري والخطاب الديموقراطي وغيرهما من أفكار «المدنية والتنوير» 
ذلك أن وزارة التعليم لم تلبث في 18417: أن خرجت على الناس برأيها الخاص 
في كتاب كايبارا القديم: مطبوعة بعنوان دروس الميجي الموسعة للنساء. وهي 
مطبوعة أقرب إلى الأصل منها إلى كتاب فوكوزاوا . 

ثم صدر دستور الميجي والقائون المدني ليقدم الإطار المؤسسي لوضعية 
المرأة وبموجبه؛ حرمت النساء من العمل السياسي. مثما حرم الطلبة 
والمدرسون ورجال الجيش والشرطة وغيرهم. ويموجبه أيضاء يمكن أن تكون 
للنساء ملكيتهن الخاصة:, ولكن دون أن يكون لهن رأي في إدارة ما يملكن. 
وباستطاعتهن أن يعقدن اتفاقات قانونية: ولكن بشرط موافقة أزواجهن. ولم 
يكن لهن الحق في الطلاق: وهو الحق الذي يتمتع به الأزواج فقط؛ وذلك 
لسبب بسيط؛ هو أن القانون ينص على أن الزوجة من ممتلكات الزوج؛ وظلت 
هذه القوانين معمولا بها حتى 15940., 

ومن بين التلفيقات الكبرى لعصر الميجيء مقولة: «المرأة اليايانية 
التقليدية». فبعد 1614: أصبحت المرأة عموما هي «الشخص في الداخل». 
يجب تعليم المرأة التقليدية: لكي يكون أبناؤها رعايا صالحين للإمبراطور. 
ويجب أن تكون المرأة مقتصدة مدبرة؛ لكي تقدم مدخراتها لتمويل الصناعة. 
وأهم من كل هذاء على المرأة التقليدية أن تعنى بشؤون منزلهاء حيث كلمتها 
في بيتها هي بمنزلة «تسورو نو هيتوكوي عتدقتك 56) 01 للقء عطأ»؛ (نداء 
طائر الكركي)؛ وهو تعبير يعني: في الأدبيات اليابانية القديمة؛ أن لها الكلمة 
الأخيرة. وكانت هذه الترتيبات ضرورية في تركيبة الدولة ‏ العائلة: لأن 
الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء اليابان الأيديولوجية. وكان توصيف وزارة 
التعليم للمرأة التقليدية هو أنها «زوجة صالحة؛ وأم عاقلة»؛ وذلك تعبير رائج 
في أيامنا هذه بمثل ما كان راتجا منذ قرن مضى. وتعتبر المرأة الصالحة 
العاقلة في جوهرها موظفا عموميا. وهذه الفكرة كتبهاء بعبارة موجزة شديدة 
الوضوح: بيروقراطيو وزارة التعليم في مطبوعتهم «دروس الميجي الموسعة 
للنساء» نصها: «المنزل مكان عام: حيث يتعين نسيان المشاعر الخاصة». 


هكذا أصبحت قضية الإشراف على الباب الخارجي للدارء أي استهادة 
التمييز بين العام والخاصء أصبحت من بين القضايا الأساسية التي تواجه 
النساء؛ منذ عصر الميجي وحتى يومنا هذا . 

ولكن؛ في مجال واحد؛ واضح على الأقل؛ يستحيل وضع المخطط الاجتماعي 
الميجي في التطبيق الواقعي؛ فالتصنيع عدو للصورة المثالية للمرأة التقليدية. 
كانت نساء الطبقات الشعبية دائما يعملن في الدكاكين والمحلات التجارية 
والمزارع والصناعات البدائية. كما كان من بينهن الجيشاء في أماكن اللهو 
والترطيه في المدن. وبعد الإحياء الميجي أصبحت النساء ضرورة: ضفي صناعات 
النسيج؛ وهي أول صناعة شقت لليابان طريقا في التجارة الخارجية وحققت 
أكبر جانب من أرباحهاء كانت نسبة قوة العمل النسائية لا تقل عن 6١‏ ضي الماكة. 
وفي أوائل القرن العشرين: أصبحت اليابان هي الدولة الأولى في إنتاج صناعات 
نسيج الأقطان؛ وهي مكانة ظلت تحتلها حتى ولوجها مرحلة المغامرات العسكرية 
الكبيرة في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين. هكذا؛ كان للنساء الفضل في 
أن تحرذ اليابان ‏ لأول مرة ‏ لقب «الدولة الأولى». ومنذئن؛ أصبح اعتماد 
الصناعة اليابانية على الأيدي النسائية الرقيقة الماهرة من التقاليد الراسخة؛ بل 
إنه أصبح تقليدا أكثر وضوحا ورسوخا في عصرنا هذا: عصر الأجهزة 
الإلكترونية الاستهلاكية؛ وتجميع الشراقح الكومبيوترية ( /إ[تاتااعدقةه وأداء). 

والتناقض ببن ما هو مثالي وما هو واقعيء أعطى أهمية خاصة ليناء ما 
أسماه قادة الحركة النسائية في السبعينيات: «الذات الداخلية للمرأة 
التقليدية»!*). ذلك أننا لا نستطيع أن نتجاهل بخفة ما في الصورة المثالية 
الملفقة من جاذبية؛ فقد كان للنساء دور معترف به؛ حتى وإن كان رسميا - 
مقتصرا على المنزل. كان للمرأة دورها المتفق عليه في المجتمع؛ وكان لها مكان 
في مقولة «أن يكون المرء يابانيا». وكانت لها مساهمتها في بناء اليابان 
الحديثة. كانت هذه حوافز قوية للنساء كما هي بالنسبة للرجال. وهي 
الحوافز نفسها التي ما تزال تتجلى الآن فيما يصيب النساء من ارتباك؛ وفي 
عبارات من نوع «للرجال المكانة. وللنساء السيطرة». 
(*) إن مقولة اليجي السابقة «المرأة اليابانية التقليدية», كانت نوعا من «التقاليد العظيمة» المرهقة 
لعصر الميجي. فكلمة «اليابانية» تتضمن إلغاء الفوارق الفردية؛ والنظرة القومية المتصاعدة؛ وبذلك 
تتناقض بشكل أساسي مع مقولة «الذات الداخلية للمرأة التقليدية», التي تنادي بالفردية وتعميق 
الذات؛ لكن مع التأكيد على أن الجديد لا يلغي القديم: الذي قد يكون فيه بعض الجاذبية والبريق. 








في المناقشات والمساجلات التي أعقبت العرض الأول لمسرحية بيت الدمية 
في طوكيوء ظهرت وجهات نظر عدة. طرح الاشتراكيون الأوائل المشكلة 
النسائية في الإطار الأوسع للرأسمالية والملكية: واعتبر المحافظون أن أقرب 
المقولات إلى الصحة هي «الزوجة الصالحة والأم العاقلة»» وتبنى آخرون 
الدفاع عن الأمومة والحق في دعم الدولة؛: حيث اعتبروا أن المرأة التي تحمل 
وتنجب الأطفال تنهض بعمل حكومي عام. ودافعت الشاعرة أكيكو يوزانو 
وصودهلا معاعات عن المساواة واستقلالية النساء على الطريقة التى يمكن أن 
تتقبلها بارتياح الحركات النسوية الغربية. 

وما تزال أكيكو يوزانو تعد بطلة في عيون النساء اليابانيات. وما تزال 
الرابطة الانتخابية للنساء اليابانيات تردد في اجتماعاتها أحد أناشيدها. 
ولكن لماذا ارتفعت يوزانو إلى مصاف الأبطال؟ ‏ 

هريت يوزانو من منزل العائلة وتزوجت بعد حب. كانت تكتب شعرا جريكاء 
شعرا ذاتيا وحسيا وفرديا. وأنجبت عشرة أطفال من زوجها الذي كان كاتبا 
متقلب المزاج. يغار من نجاحها. طرحت يوزانو, بحياتها وكتاباتهاء أسئلة 
مهمة؛ منها: ما الدور الذي يجب على الدولة أن تلعبه في تقرير الطريقة التي 
تعيش بها النساء؟ هل يمكن أن يكون الحب والجنس والزواج والعائلة؛ ضفي 
وضع لا تطوله السلطة السياسية؟ ولكن هذه الأسئلة لم تكن هي التي جعلت 
من يوزانو بطلة؛ بل كانت بطولتها نتاج الطريقة التي عاشت بهاء والتي لا 
يضاهيها فيها أحد. كانت أشبه بالأبطال الذين يحطمون الأرقام القياسية: 
وانبهر بهم اليابانيون بعد الحربء البحار الذي دار حول العالم في قاريه؛ أو 
متسلق القمم الجبلية الجليدية... أولئك الذين يتطلع الناس إليهم في 
الأعالي: دون أن يقدموا على منافستهم أو اتباعهم. 

ولكن ماذا عن المرأة التي اختارت دور «الزوجة الصالحة والأم العاقلة», 
في زمن يوزانو وما بعده؟ انتهى أمرهاء وليس في ذهنها أي انتقادات أو 
تحفظات على الأيديولوجية الإمبريالية والنظام الحاكم؛ إلى تقديم الرجال 
والأبناء للحرب في العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين: ثم الوقوف 
على جانبي الشوارع: تهلل في الحشود. ذلك أن الدولة الإمبراطورية قد 
تفضلت ‏ لأول مرة في التاريخ ‏ بإعطائها دورا. وكلمة «دور» تعيد إلى الذاكرة 
المقارنة التي عقدناها آنفا بما يجري على مسرح الكابوكي. فهذه هي المرأة 


اليايان: رؤية جديدة 


اليابانية» أخيراء تتمكن من أن تقوم بدور المرأة. وهذا هو ما أسموه التقدمء 
حتى ولو كان الدور الموكل إليها دورا رديثا. 

أآثارت نورا (بطلة بيت الدمية) لغطا بين اليابانيين» بمثل ما كانت تثيره 
السلع المستوردة غالبا. أصبحت نورا نموذجا للمرأة الجديدة؛ الأنثى 
المدينية؛ وقد انطلقت للنضال؛ خارج الظلال: وأحيانا خارج الباب الأمامي 
للمنزل. ثم ظهرت ابنة المرأة الجديدة في العشرينيات: لتكون هي «الفتاة 
العصرية 82210 1100111». وكان للفتاة العصرية أسلوب حياة ‏ في الصيغفة 
المقبولة شعبيا على الأقل) - بعيدا عن السياسة. ولكن حياتها كانت قد 
خرجت من الداخل المعتم. ومن ثم أثارت ‏ ضمنا نوعا من التحدي 
الاجتماعي. خرجت الفتاة العصرية للعمل؛ ويدلا من الزواج أ8. شربت 
الجن وارتادت النوادي الليلة في حي جينزا 010228: وارتدت ملابس غير 
مالوظة: واقلك عن الاستهلاك بحفاس. 

لم تعرف اليابان ما الذي تفعله بالفتاة العصرية؛ أو (الموجا 10848): كما 
أصبح اسم الشهرة الذي عرفت به؛. اختصارا لكلمتي (1الففع طلذل220). 
وهكذا جعلتها مثارا للسخرية؛ وحرفت مشكلة تحررها النفسي. وضي 
المسلسلات الصحافية الهزلية وصحف الإثارة. اختصرت الموجا إلى كاكن 
إباحي سطحيء عبد للموضة المستوردة. في أواسط عشرينيات القرن 
العشرينء كتب جونيشيرو تانيزاكي رواية بعنوان غرام الحمقاء 10016 .4 
ط[؛ بطلتها موجا طاكشة اسمها نعومي. كانت سلوكيات نعومي؛ بمعايير 
زمائهاء أقرب إلى سلوكيات الرجال. والراوي تتملكه الدهشة من كشفها عن 
أنوثتها. وفي آخر الرواية يتحول الراوي إلى مؤيد للبطلة؛ بينما هي تنام ضي 
ساعة متأخرة: وتقرأ مجلة «فوج عناع8 0 »: وتدير شؤونتها المختلفة وهي على 
سريرها الضخم: الغربي الطراز. 

ولكن كان في حياة الفتاة العصرية (الموجا) جانب نضاليء تشترك فيه مع 
مثيلاتها. وضي نهاية العشرينيات؛ كانت النساء اليابانيات قد كوَنّ حركة قومية 
نساكية للحصول على حق الاقتراع في الانتخابات العامة. وفي 1970 أقر 
مجلس النواب الياباني فانونا يقر هذا الحق. ولكن الجيش الإمبراطوري 
الياباني قام؛ في العام التالي: بالهجوم على الصينيين في منشورياء ليبدأ ما 
أسماه اليابانيون حرب السنوات الخمس عشرة: فاختفت الحركة النسائية, 





السعادة في ركن خفي 


وذهبت النساء للعمل في إنتاج الذخيرة في المصانع؛ ودفع الأزواج والأبناء من 
أجل أن يبلوا بلاء حسنا في خدمة الإمبراطور. وتأجل حق الاقتراع العام 
خمسة عشر عاما إلى أن صدر به قانون على يد قوات الاحتلال. 
* »دي 

في أول انتخابات بعد الهزيمة والتسليم»؛ من دون قيد أو شرطء في أبريل 
15 اشترك في الانتخابات امرأتان من بين كل ثلاث ممن لهن حق 
التصويت؛ وجميعهن طبعا لأول مرة. وفازت تسع وثلاثون امرأة بعضوية 
الدايت (مجلس النواب). لتحتل بذلك المرأة ٠١‏ في المائة من مقاعد المجلس. 
ولكنها نسية لم تتحقق بعد ذلك مرة أخرى. 

وقد شهدنا الشيء نفسه يتكرر في مجالات أخرىء في النقابات 
والنظام التعليمي: شهدنا طفرة حيوية: أعقبها تراجع: ذلك أن يابان ما بعد 
الحرب سرعان ما دفعت النساء مرة أخرى للقيام بجولةجديدة في أداء 
دور «الزوجة الصالحة والأم العاقلة», وأصبحن زوجات تساموراي الشركات 
الكيرى: ثم كائنات استهلاكية: ثم أمهات مشغولات بتعليم أطفالهن. وكانت 
العقود الثلاثة التي أعقبت الحرب هي الفترة الوحيدة في تاريخ اليابان 
الحديث؛ التي شهدت هبوطا في عدد النساء العاملات. 

ولكن المرأة لم تعد إلى وضعية «الشخص في الداخل» مرة أخرى أبداء 
ذلك أن النشاط النسائي كان ملحوظا في السياسات والشؤون المحلية 
والبلدية. وكانت المعارضة النسائية قوية بصفة خاصة في مواجهة تطبيق 
النهج العكسي ضي مجال التعليم: فأجِلنُ على الأقل؛ أسوأ نتائجه. وحين 
اندفعت اليابان في مدارج معدلات التنمية العالية؛ لتصبح بيئتها من بين 
أكشر بيئات العالم تلوثاء كانت مشاركة النساء جوهرية في الحركة العامة 
التي فرضت صدور أول قوانين لحماية البيكة. 

فضي غ50 أقدمت مجموعة من النساء في طوكيو على تكوين جمعية 
للكاتبات: وكانت الكتابة هي النشاط النامي المميز لتلك الفترة. وبعد ذلك 
بقليل قامت إحدى العضوات؛ وهي سيدة في الحلقة الخامسة من عمرهاء 
تسمى يازوكو أواتا 437018 0عاناةهلا: بنشر مقال بعنوان «صحوة ربات 
البيوت وسعادتهم الصغير: ق متعطا لصد جع ؟ ا أبوعدنن1] 012 عمتمععلو سم عل" 
“مم1 أممرة!! انتوق . يصف المقال الصراع الذي تشعر به التساء بين الدور 





اليابان: رؤيةجديدة 


الذي تصدين للنهوض به في الشؤون العامة؛ والدور المنوط بهن رسميا. 
يصف المقال ذلك القدر المتواضع من السعادة: أو ما أسمته أواتا «السعادة 
في ركن خفي تع ممه معلقتط 2 هذ د5ع0لمم113». وفي المقال رؤية نافنة 
للمشاغن الجديدة بالتمرد الاك يعدالحرب» خاصة بين النساء ويكضفت 
عن التوتر الذي ما يزال ينتابهن حتى اليوم بين الحرية والأمن؛ وبين 
الاستقلالية والانتماء: 

أحيانا يسبب لنا اشتراكنا في الحياة العامة بعض المآاعبه مما يشعرنا بأننا قد نكون احسن حالا 
من دونه. ومن جانب آخر فإن انغماسنا في هذا القدر المتواضع من السعادة قد يثير فيئا الشعور بأثنا لا 
نؤدي واجينا على الوجه الأكمل؛ وحتى خمس سنوات مضته كنا جميعا فرادى؛ ومعزولات. ولكن بعد 
خمس سنوات من العمل في جماعات متنوعة: بدأنا نتعود على أن تكون لنا رؤية أوسع وآفاق ارحبه 
نستطيع منها أن نتبين عناصر هذه السعادة المتواضعة. 

ثم كبرت بنات هذا الجيل من الكاتبات لتتشكل من بيتهن الحركة 
النسائية الجديدة (النسوية) في سبعينيات القرن العشرين. ولأن بنت 
السيدة أواتا كانت من بين عضوات الحركة الجديدة: فإنها تفهمت الهجوم 
الذي تعرضت له «الذات الداخلية للمرأة التقليدية». ذلك لأنها هي نفسها 
كانت قد بدأت بطرح هذا الموضوع في مقالها الرقيق؛ لكن بعد أربعين عاما 
مضت منذئكن: دون أن يتحقق أي تقدمء على الرغم من الجهود التي 
أضافتها إلى الحركة بنات الجيل الجديد. فما تزال النساء في التسعينيات 
تعاني الصراع الناتج عن إغراء المشاركة في الحياة العامة: إغراء شيء من 
السعادة في ركن صغير. 

كان من المفترض أن تكون أواخر الثمانينيات حدا فاصلا مميزا بالنسبة 
للنساءء ففي الانتخابات العامة التي أجريث العام :154١‏ اختار الناخبون ما 
يقرب من خمسين سيدة لعضوية الدايت :1 في المائة من المقاعد. وكانت 
تأكاكو دوي 001[ 1'512010'؛ زعيمة الاشتراكيين الديموقراطيين. هي قائدة 
النساء في نخبة ناجاتاشو السياسية. ومن بين الشعارات الشهيرة التي 
أطلقتها السيدة دوي: «لقد تحرك الجبل». ويتضمن هذا الشعار إشارة بارعة 
إلى فصل مضيء في تاريخ النساء اليابانيات؛ إشارة إلى قصيدة كتبتها أكيكو 
يوزانو مصوومل" معللعام في .15١١‏ وهو العام الذي عرضت فيه «بيت الدمية»: 
على المسرح الياباني. وهي أشهر قصائدها: 


السعادة في ركن خفيٍ 


جاء يوم تتحرك فيه الجبال 
ولا أحد يصدقني» أقوتهاء ولا أحد يصدفنى 


نامت الجبال طويلا 
ولكن: في زمان سحيقء كانت كلها ترقص باللهب 


يا أصدقاتي؛ إن كنتم تصدقون 
تصحو النساء النائمات جميعا 
تصحو الآن: وتتقدم 
كان كثير من اليابانيين يعرفون هذه الأبيات؛ كما يعرفون القصة الملهمة 
لحياة يوزانو. في هذه السطور الثمانية تمكنت الشاعرة من أن تعيد إلى 
الذاكرة حيوية النساء اليابانيات في القدم؛ وما أعقبها من معاناة طويلة 
صامتة: ثم التفاؤل المنعش الذي ارتقع هده وانحسر مرة يعد أخرىء منذ 
زمانها حتى أيامنا. لعبت تاكاكو دوي على كل هذه الأوتار. وهكذاء أعلنت 
السيدة الأكثر تعبيرا عن جيل صاعد من النساء المشتفلات بالسياسة:؛ أن 
آمالا كبيرة طال انتظارها قد بدأت تتحقق 
وبقيت من السنوات التالية أشياء قليلة. عنيت النساء بوضع قضايا جديدة 
في الأجندة القومية: السماح بإجازة وضع وتقنينهاء المساواة في المعاملة 
الضريبية؛ تعويض «نساء المتعة» وغالبيتهن من الكوريات والصينيات 
المسجلات كفتيات متعة لقوات الإمبراطور أثناء حرب الباسيفيك. وكان عدد 
قليل من مثل هذه المشكلات قد طّرح للنقاش حتى قبل انتخابات :199١‏ 
وحدث تقدم في علاج بعضهاء وليس كلها . 
غير أن السيدة دوي أخذت الأمور إما بخفة.وإما على نحو غير واثق - عن 
عمد. ضفي تلك اللحظة لم يكن في أحوال المرأة مجال لشعرء وإنما هو 
الإمكان ضقط. واكتفت دوي بدعوة النساء لعمل ما يفعله اليابانيون ‏ عادة ‏ 
عندما يبدو التغيير وشيكا: أن تكتفي بالأحلام لإشباع تطلعاتها؛ وأن تقنع 
بالتعلق يالرموز الجوفاء؛ وأن تقتصر على مظاهر التغيير دون جوهره. 
لم تغير النساء ناجاتاشو (المجتمع السياسي) بقدر ما غيرهن. ففيما عدا 
التصويت معاء في صف بعض القضاياء عجزت النساء عن التلاحم وتكوين 
قوة سياسية ذات فاعلية. ومن دخلت منهن البرلمان: اتجهت إلى أن تحتويها 


اليايان: رؤية جديدة 


2 


الكتل السياسية القائمة جملة: بعضهن لا تكاد تشعر بالتمييز بين الجنسين 
لفرط ما تتمتع به من امتيازات: والبعض الآخر يحجم عن مواجهة النخبة 
التي تسيطر على المجلس التشريعي. كذلك لم تكن عضوات مجلس الدايت 
الجديدات راغبات في الظهور بمظهر راديكالي أكثر مما يجب خوفا من 
فقدان شيء من شعبيتهنء ظطاليابانيون يعرفون جميعها المثل القائل «أعداء 
النساء هن النساء» ((22ده ا أعلة) 0 01128. هذا المثل الذي يصعب تجاهله 
بدعوى أنه تشهير فج من طرف أعداء المرأة؛ بينما هو من بين تراث «المرأة 
اليابانية التقليدية»» ومن بين المعايير التي بنيت وزينت بعد الإحياء الميجي. 

قالت واكاكو هيروناكا فكلهده:1]1 معلدعلة/1: «أنا لا أريد أن أعتبر نفسي 
متجرد امرأة فحسبء وإنما أفضل أن أعتبر نفسي إنساناء كما لا أحب أن أثير 
(قضايا المرأة)؛ فأنا لست مهتمة بها بشكل خاص». وكانت وكاكاو هيروناكا 
عضوا في مجلس الشيوخ الياباني؛ وفي التاسعة والخمسين من عمرهاء 
عندما أعلنت ذلك. وهي سليلة أسرة عريقة: أنيقة الملبس: سافرت كثيرا. 
قالت لي ذات مرة إنها كانت في شبابها تشبه بتي فريدان مدلءع] نناء8 : 
«امرأة من الطبقة العلياء لم تحقق ذاتها». كانت مطلعة على أعمال إبسن 
وبطلات مسرحه من أمثال نورا وهيدا جابلر. وسبق لها أن عاشت في أمريكا 
لفترات متقطعة على مدى عقدين.: مبتدئة بإقامة شي مزرعة بولاية نيو 
هامبشير بعد تخرجها في الجامعة العام /190. 

من بين ما قالته لي: «أثناء إقامتي في أمريكاء بدأت أتأمل اليابان على 
البعد لأول مرة». واستطردت وهي تقول في معرض المقارنة: «تشعر النساء 
في الغرب بأوجه الشبه بينهن وبين بطلات مسرح إبسن؛ ولكني لا استطيع أن 
أتتخيل أن والدتي كان يمكن أن تشعر بالشعور نفسه:؛ غفي اليابان» وعلى 
الرغم من أن وضعية كل من الزوج والزوجة كانت مرسومة ومحددة بعناية؛ إلا 
أن الزوجة كانت هي التي تدير العائلة: وكان ثمة مهام كثيرة تقوم بها ضفي 
البيت وفي الجماعة». 

واستطردت: «ثم أمعنت التفكير في حال المرأة الأمريكية. في مزرعة 
نيوهامبشير؛ كانت السلطة للزوج: ولكن الزوجة لم تكن تقل عنه نفوذاء كان 
لكل دوره؛ وأعتقد أن لهما المكانة نفسها. فعندما يكون للمرأة دور فإنها تكون 
واثقة من نفسها. وكانت تلك وضعيتها في اليابان مند قرن مضى. هكذا كانت 


السعادة في ركن خفي 


أمي. كان ثمة عدد كبير من السيدات القويات أثناء عصر الميجي؛ نساء يعتمد 
عليهن: على الرغم من النظام الإقطاعي». ١‏ 

بعد لحظة صمت,. قالت هيروناكاء وهي متجهمة: «حدث التغيير 
بعد الحرب». 

«ماذا حدثة» 

«فقدث النساء القوة الداخلية». 

«النساء فقدن القوة الداخلية؟ وما السبب في ذلك5» 

«كوابح المجتمع وضغوطه تعطي النساء قوة: وتعطيهن نوعا من الكبرياء. 
تتنافى مع وضعية نورا في مسرحية بيت الدمية؛ بعد أن تركت عائلتها. وهذا 
ما أعنيه عندما أقول إنني لست من النوع الذي ينشغل بالمطالبة بالحقوق». 

“ا عا كي 

تعرفت على واكاكو هيروناكا في ظروف تدعو إلى التفكيرء حيث كانت 
تحاضر في مدرسة لتعليم النساء الراغبات في الاشتغال بالسياسة؛ وهي 
المدرسة الأولى من نوعها في اليابان؛ وريما هي المدرسة الأولى من نوعها في 
العالم؛ أنشأها أحد أحزاب المعارضة؛ حزب اليابان الجديدة: بعد انتخابات 
كانت هيروناكا معلمة غريبة في نوعهاء فلأنها من عائلة أعيان؛ كانت 
تميل إلى اتباع مراسم تقاليد الساموراي العظيمة؛ ولم يكن من بين طالباتها 
إلا عدد قليل ممن يتمتعن بهذه الخلفية الاجتماعية الثقافية نفسها. كانت 
تدعو إلى صيغة خاصة من «للرجال المكانة؛ وللنساء السيطرة». ومن أجل 
ذلك؛ من أجل تمثل النساء لتقاليد الساموراي؛ كانت النساء بحاجة إلى 
مدرسة يتعلمن فيها كيف يشتغلن بالسياسة. 

ولكنء ماذا كانت.النساء العاديات يعملن في الواقع؛ حين كانت هيروناكا 
تلقي محاضراتها؟ في وقت ما من أواسط السبعينيات؛ غيرت نساء اليابان 
نمط ما بعد الحرب؛ وعدن إلى العمل بأرقام كبيرة. وبحلول العام :156١‏ كان 
ثلثا النساء يعملن: 0" مليون امرأةق ٠‏ في المئة من مجموع القوى العاملة. 
ولكن لنلق نظرة أكثر تمحيصا على بعض الأرقام الأخرى. كانت ريع النساء 
العاملات في ١55١‏ يشتغلن بعض الوقت؛ وهن يشكلن 8١‏ في الماكة من 
مجموع العاملين بعض الوقت من الجنسين معا. وفي الخمسة عشر عاما بين 
0 و1590.ء وهي الفترة التي تحولت فيها اليابان إلى دولة صناعية كبرى, 





اليابان: رؤية جديدة 


تضاعف عدد النساء اللاتي يعملن بعض الوقت. ولم يعد لمن يعمل بعضص 
الوقت إلا قليل من المزاياء إن وجدت أصلا. وفي دولة لا تزيد فيها أجور 
النساء عن نصف أجور الرجال تقريباء تتقاضى المرأة التي تعمل بعض الوقت 
ثلاثة أرباع أجر المرأة المشتغلة كل الوقت:وهذا يزيد قليلا على ثلث أجر 
الرجل؛: غلا عجب أن نكتشف أن الطلب على العمالة النسائية لبعض الوقت 
أصبح: على نجو ماء غير محدود . ويحلول العام :194١‏ أصبح أمام كل طلب 
عمل نسائي لبعض الوقت ثلاث فرص مفتوحة: وعلى الرغم من أن الركود 
الاقتصادي ‏ الذي تبع ذلك العام قلل من الطلب على العمالة؛ فإنه لم يغير 
من الأمر شيئاء حيث ظلت النساء العاملات بعض الوقت في الصناهة أشبه 
بالكوروكو 11010! على مسرح الكابوكي: وجودهن أمر حيويء وإن كان ثمة 
تغافل عن هذه الحقيقة. 

ولكنء لماذا أصبحت الأمور هكذا؟ وكيف تمكنت اليابان من تحويل النساء 
إلى نسخة جديدة لعاملات النسيج في عصر الميجي؟ 

قالت لي واكاكو ذات مرة: «إن النظام الضريبي لأي بلد يعبر عن نظرة 
هذا البلد الحقيقية إلى كثير من أموره». وإذا افترضنا صحة وجهة النظر 
هذه؛ فإنه يتعين علينا أن نتأمل النظام الضريبي الياباني الذي يجعل المرأة 
تتمتع بقدر من الإعفاء الضريبيء إذا كان أجرها يقل عن مليون ين في العام 
(حوالى عشرة آلاف دولار)» ويعاقب المائلات التي تحقق فيها المرأة أجرا 
يزيد على ذلك. وهذا ينطوي على حافز واضح: يشجع النساء على العمل 
بعض الوقت؛ بمثل ما يصرفهن عن السعي للوصول إلى مراكز قيادية. إن 
العقلية التي أملت هذا الوضع هي أشبه بعقلية رب البيت الذي يعطي زوجته 
مصبروق حيبهاوتنطلق الشماء على هده الوضعة اسم تجداز اللدون ين 

ضي حديثهاء كانت واكاكو هيروناكا تعبر عن رضائها عن النظام الضريبي؛ 
لأنه حسب قولهاء يشجع النساء على العمل. صحيح أنه عمل لبعض الوقت؛ 
ولكنه يتعامل مع المرأة معترفا بفرديتهاء وليس باعتبارها مجرد عضو في 
عاتلة ‏ وهذا في رأيها ‏ هو الشيء المهم. غير أن النظام الضريبي هو 
الدليل الأكمل على أن المرأة ليست إلا ترسا في آلة معقدة التركيب. ولتغيير 
هذا النظام يتعين تغيير أسلوب تشغيل آلة الصناعة, والشروع في هدم مفهوم 
«المرأة اليابانية التقليدية» كدعامة اجتماعية. وما يزال تعديل قانون الضرائب 





السعادة في ركن خفي 


مطروحا على اليرلمان. وسيجد حلا إن آجلا أم عاجلا. ولكن من الصعب 
التنبؤ بموقف نساء من نوع هيروناكا عندما تّحل القضية. 

دخلت انتخابات 196١‏ والسنوات التي أعقبتها ذاكرة اليابانيين باعتبارها 
فترة «اؤدهار المادونا ههه 72223008282 116 »: وهذا تعبير اخترعته الصحف 
القومية للتقليل من شأن نتاكج الانتخابات: مثلما سبق وكان موقف الصحف 
من الفتاة العصرية «مودان جارو» في عشرينيات القرن العشرينء والحركة 
النسائية (أو النسوية) بعد نصف قرن. وكانت ماريكو ميتسوي 1/3110 
818101 هي المادونا التي لفتث الأنظار أكثر من أي واحدة أخرى من نمطها. 
ولأنه كان من الصعب تجاهل أقوالها ومواقفهاء فإنه لم يكن من السهل أيضا 
تجاهلها باعتبارها رمزا حيا لازدهار المجتمع النسائي المشتغل بالسياسة. 
وبعد انتخابات 1940: اعتادت الصحف اليومية الكبرى أن تطلق عليها اسم 
«المادونا الأولى» (جونسو مادونا 28ه5:300 مقممع) . 

«نحن بحاجة إلى إستراتيجية جديدة: وتحديد أولويات جديدة: وأفكار 
جديدة: وأساليب جديدة لوضع القضايا على جدول الأعمال. الآن لا توجد 
قوانين لها أي فاعلية, كما لا توجد أي سياسات عامة. علما بأن القضية التي 
لا تُطرح: ليست قضية على الإطلاق». هذا ما قالته لي ميتسوي. 

والسؤال هو: ماذا يحدث لمن تقول مثل هذه الأشياء من النساء: ما الذي 
يحدث لنساء على هذا القدر من الذكاء والأمانة والصدق مع أنفسهن؛ ومع 
اليابان؛ إلى دررجة تجعلهن قادرات على رؤية الهوة التي تفصل بين ما هو 
مثالي وما هو واقعي؛ قادرات على تبين أن شكرة «للرجال المكانة وللنساء 
السيطرة» لا تفضي إلا إلى نتائج جد هزيلةة 

كانت ميتسوي في الرابعة والأربعين من عمرهاء نحيلة القوام: متعبة أبداء 
ولكنها نابضة بالحياة دائما. يرى المرء في ملامح وجهها الواضحة الحادة: 
الشمس القديمة مشرقة. كانت هي فتاة الريف بقدر ما كانت وكاكو هيروناكا 
فتاة المدينة. وهيء؛ أي ميتسويء تنحدر من أسرة فقيرة؛ ابنة بقال من فقراء 
الشمالء لم تعرف عدم المساواة إلا بعد أن جاءت إلى طوكيو بعد إنهاء 
دراستها الجامعية ‏ للبحث عن عمل. وكانت ميتسويء مثلها في ذلك مثل 
هيروناكاء قد عاشت في أمريكاء ولكنها أمريكا من نوع مختلف : طوقتها كانت 
موزعة بين المسيرات ومتاريس الشوارع: وانضمت إلى حركات الدفاع عن 


اليابان: رؤية جديدة 


حقوق الإجهاضء وتكافؤ فرص العمل؛ وقضايا البيئة. وحين تتذكر ميتسوي 
تلك السنوات ‏ التي قضتها في أمريكا ‏ فإنها تصف حالة يقظة ونهوض, 
حيث أدهشتها النساء الأمريكيات بما تجلى في حركتهن من روح الانتماء؛ 
حسب قوله. وأعتقد أنها تقصد ما تميزن به من حسم ورفض للسلبية. وكانت 
في أثناء وجودها في أمريكاء أن نظرت ميتسوي إلى اليابان على البعد, 
ورسمت أول مخططاتها السياسية. 

عندما رشحت ميتسوي نفسها لعضوية مجلس مدينة طوكيو؛ حرصت على 
أن تيخوض المعركة بمنأى عن طابور المرشحات الكثيب لنساء يلبسن ملابس 
حمراء صارخة: وينصب اهتمامهن على قضايا المرأة. وعندما كانت تتحدث 
إلى جمهورها من النساءء؛ لم تكن مقولة «للرجال المكانة وللنساء السيطرة» 
تعني أكشر من جدار المليون ين: وتحمل عبء العمل المنزلي كاملاء كانت 
تتحدث بلغة يابانية مباشرة وصريحة وبسيطة؛ متخففة من تراكيب التأنيث 
والتذكير اللفوية في الخطب الشائمة. وبعد أن نجحت في الانتخابات العام 
١ 1‏ أجبرت المجلس على أن يسقط من وثائقه الرسمية التعبيرات القديمة 
التي تحط من شأن المرأة. ورفضت الاشتراك في تناول الشاي الأخضر 
بالطريقة التي تقدمها السيدات المسنات أثناء جلسات المجلس. ولكن هذه 
كلها لم تكن إلا إشارات بدء؛ أثناءهاء كانت ميتسوي تناضل من أجل تعديل 
قوانين الملكية؛ والحماية من العنفء وإساءة المعاملة المنزليةء وتسعى إلى تكوين 
تحالف بين النساء المشتركات في الهيكات التشريعية على الصعيد القومي؛ ثم 
سعت بعد ذلك إلى الترشيح للبرلمان (الدايت). 

وأشهر ما عرف عن ميتسوي هو خروجها من الحزب الاشتراكي 
الديموقراطي؛ في 57 :؛: حين أعلنت فجأة عن اتهامها لعدد من الزملاء 
بالتحرش الجنسي. أصيب المجتمع السياسي بصدمة شديدة؛ وشعر مؤيدوها 
بالخيانة. كان الحزب الذي استقالت منه هو حزب السيدة تاكاكو دوي؛ وكان 
هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن تسلكه ميتسوي للحصول على دعم مالي 
يمكنها من شق طريقها في السياسة على النطاق القومي. 

شرحت ميتسوي الموقف لجمهور مؤيديها ذات مساء قائلة: «لا مجال 
لناقشات حرة أو تبادل حر توجهات النظر في صفوف الاشتراكيين 
الديموفقراطيين: ويستحيل أن تنبت أفكار ديموقراطية في هذا التنظيم 





السعادة في ركن خفي 


الجامد. وإذا توقعنا أن يقدم الاشتراكيون الديموقراطيون أي سياسات 
ديموقراطية؛ فإننا نكون واهمين». وإنني لأتذكر ما جال بخاطري آنذاك: وهو 
أن عيتسيى قد بخسيك: ف تلك الليلة. امو ممتقلها السياس ومسصيلها 
كامراة يابانية. فتلك كانت اللحظة التي ولجت فيها ميتسوي عالم العزلة 
والوحدة الذي كان في انتظارها طوال الوقت. ولم تلبث أن أصبحت طبعة 
أخرى من نمط تكرر من أمثال أكيكو يوزانو. الشاعرة الأولى المدافعة عن 
قضايا المرأة. وميتشيكو فوكوشيماء المخرجة السينمائية التي هجرت عاثلتها. 

وكان من الطبيعي أن تخفق محاولة ميتسوي الوصول إلى مقعد في 
البرلان» كمرشحة مستقلة؛ لا يساندها أي جهاز سياسي كبير. ويمكن أن 
يوحن عليها بعض المواقف المسرحية؛ واستيراد كثير من أفكارها من الخارج 
(وتلك غلطة مألوفة). وفي كُّتّبها ‏ وقد صدر لها الكثير ‏ أبدت إعجابها 
بالأمريكيين لنظامهم التشريعي؛ وبالنرويجيين: لما حققوه بالفعل من ضروب 
المساواة. وعملت لقاءات.مع مادلين كونين؛ وقت أن كانت حاكمة لولاية 
فيرمونت؛ وجرو هارلم برونتلاندء رئيسة وزراء النرويج. وإني لأتخيلهاء ضفي 
مثل هذه المقابلات: وهي منحنية أمام محدثتها انحناءة التلميذ أمام المعلم. 
قدمت ميتسوي نساء أجتبيات إلى اليابانيات كنماذج تحتذى. ولكنها لم تكتف 
بذلك؛ وإنما سارت بأفكارها إلى نهايتها المنطقية. كانت قد حاولت استكشاف 
عالم مهدم ثم شرعت تعمل على إصلاحه وإعادة بنائه. صنعت من نفسها 
إنسانا جديرا باحترامها. وكل هذه أمور عظيمة القدر والقيمة. 

اي 

في 1997ء تزوج الابن الآكبر للإمبراطور: وولي العهدء ناروهيتو 
واتطنتتة]!؛ من مواطنة عادية تسمى ماساكو أوادا 07/202 0ل201253. كانت 
أوادا في التاسعة والعشرين من عمرهاء تشغل وظيفة في وزارة الخارجية: 
درست اللفويات في هارفارد . وقضت الصحف وشيكات الإعلام يوما 
مشهودا في صحبة أوادا-سان: وهو الاسم البسيط الذي عرفت به لدى كل 
اليابانيين. سردت الصحف ووسائل الإعلام القصص عن كل شيء: حتى عن 
أحذيتهاء وحقائب يدهاء وأرديتها: قصصا توحي بالقداسة؛ ثم جعلت من 
احتفالات الزواج نوعا من العروض المسرحية الأخلاقية ‏ شبه الدينية - عن 
النساء في اليابان. 





اليابان: رؤية جديدة 


كانت ماساكو أوادا شيئا جديدا في العائلة الإمبراطورية: سيدة عصرية 
مكشوفة على الغرب؛ أمامها مستقبل في السلك الديبلوماسيء؛ وذات ملكات 
ومؤهلات ثقافية لا تشعر أنها بحاجة إلى إخفاء شيء منها. وتلك أمور يمكن أن 
تكون مثارا للإعجاب والتهليل. ولكن وسائل الإعلام: التي ما كانت لتشرد بعيدا 
عن وجهة النظر الرسمية: كانت قد عقدت العزم على طمأنة اليابان إلى أن 
المقامات محفوظة؛ والحدود قائمة. هكذا. كانت اللقطات التليفزيونية عن تعليم 
أوادا في الخارج: واللغات المتعددة التي تتحدثهاء وأصدقائها الأجانب؛ كانت كلها 
تنتهي عادة بتعليق من نوع: «ولكنها تستطيع الطهو أيضا» أو «وهي أيضا ست 
بيت ماهرة» وبعد أسابيع من إعلان الخطوبة الإمبراطورية. ظهرت الصحيفة 
الكيرى «أساهي شيميون «تناطت0أدا5 أطذفظ» وعلى صدر صفحتها الأولى مانشيت 
بالخط العريض يقول: «ولي العهد يأسر قلب أوادا بعد أن وعد يحمايتها». 
والسؤال هو: حمايتها ممّن؟ والإجابة كما يفهمها الجميع: يحميها من وكالة 
شؤون البيت الإمبراطوري لإعددعى 110156010 1اهتاءم1؛ راعية الشؤون 
الخاصة للأسرة الإمبراطورية. وكما يعرف الجميع أيضاء كانت هذه الوكالة 
بتقديسها الأعمى للمراسم القديمة؛ قد تسببت قبل سنوات في إصابة 
الإمبراطورة؛ والدة تاروهيتوء بانهيار عصبي. 

وتجمع الروايات على أن أوادا حاولت أن ترفض عرض الزواج الذي تقدم به 
الأمير بقدر ما استطاعت: إلى أن وصلت الضغوط عليها ‏ من العائلة المالكة, 
ومن عائلتها هي؛ ومن وزارة الخارجية ‏ إلى درجة لم تترك لها خيارا. بعد ذلك, 
بدأت تتشكل قصتها كشخصية عامة. بدأت القصة بالإشارة إلى «مهمة 
دييلوماسية إمبراطورية»» مجرد تغيير ضي الوظيفة؛ لأنه كان يتعيّن على أوادا أن 
تحتفظ ‏ على تحو ما بدورها الوظيفي. وانتهت القصة بعد شهور قليلة: بتقديم 
شروح وتفسيرات؛ إجابة عن أسئلة من نوع: لماذا تتطلب القبعات والماكياج موافقة 
من وكالة شؤون البيت الإمبراطوري؛ وكذا تحديد أطوال ملابسهاء وعدد 
الخطوات التي يجب أن تتأخر بها عن زوجها عندما يسيران معا 

والدرس المقصود واضح ومألوفء هو أن المؤسسات ما تزال هي التي تغير 
الناس في اليابان» كما كانت الحال دائماء ولن يحدث العكس أبدا. وحتى 
المظهر الخارجي ل «أوادا» يؤكد هذا : فالمظهر مهم جدا في ثقافة تؤكد على 
أن للشكل أهمية لا تقل عن الجوهر. تحول هندامها من أزياء رضيعة الذوق 





السعادة في ركن خفي 


إلى ملابس عجائز العقيلات: وتحول وجهها الذي كان مفعما بالحيوية 
والنشاط: إلى وجه تعلوه ابتتسامة نمطية معقدة ومنهكة؛ من نوع تلك 
الابتسامات التي تكسو أقنعة «نوه» القديمة المحفوظة شي المتاحف كجزء من 
الموروثات القومية الثمينة. 
علّقّت النساء. خاصة من جيل أواداء أهمية رمزية كبيرة على الزفاف 
الملكي. والحق أن ذلك كان خطأ من البداية: فأي زواج ملكي هذا الذي يمكن 
أن يشير إلى تغيير أساسي في حياة الرجال والنساء معا؟ وكان سوسكي 
ناتسومي سابقا لوقته حين قدم لنا صورة معبرة للفرد الذي يعيش بمنأى عن 
الحب في اليابان المعماصرة؛ إذ ورد على لسان الراوي في رواية كوكورو 
ملاحظة تفيد المعنى نفسه فيما يخص بطل الرواية السيد «ك»؛ حيث يقول: 
«كان كما لو كان قلبه قد طَّلي بطبقة كثيفة من الطلاء الأسود؛ لدرجة تمنع 
الدم الحار من النفاذ إلى داخله». وشي هذا يصف سوسكي صياغة المشاعر 
والعلاقات الحميمة على طريقة الساموراي. وتلك هي الفكرة التي قُصد أن 
يخدمها ذلك الزواج الملكي: ألا وهي: مراسم الماضي مطبقة في الحياة 
الحاضرة؛ إعلاء اعتبارات الإجلال والتبجيل فوق مشاعر الحب الفردي. 
ولم تبدأ النساء في بناء حياة مهنية لها مستقبل إلا بحلول التسعينياءت 
وصلت نسبة النساء في المحاماة إلى '' في الماكة؛ وضي الهندسة الكيميائية إلى 
”3 في الماكة؛ ومن بين كل مائتي مهندس مدني كان ثمة امرأة واحدة. وضي 
الوقت الذي عقد فيه قران أوادا-سان على أميرهاء لم تكن النساء تحتل إلا 
أقل قليلا من ؟ في الماثة من المناصب الإدارية. (وهذه النسب تمثل تحسنا 
ملموسا). ولكن الصورة التي كانت تقدم حينذاك عن النساء ‏ مثل النمط 
المتنفذ الواثق من ذاته. النساء اللاتي لهن حضور طاغ ومراكز مهنية عليا. 
ومجلات النسوة اللاتي اخترن نمط الحياة منفردات متباعدات ‏ لم تلبث أن 
اعتبرت صورة للمظهر؛ للسطح: للواجهة: للعرض (052016). أما الداخل غير 
المنظور (018): فقد ثبت أنه مظلم اله كبير. فكيف يمكن أخذ موضوع 
تقدم المرأة بجدية في مجتمع لا يكاد يسمع عن دور الحضانة؛ وفيه لا تفتح 
رياض الأطفال أبوابها إلا في ساعة متآخرة من النهار وتغلقها في ساعة 
مبكرة من المساء: على نحو لا يتلاءم مع مواعيد المرأة العاملة. واليقاء في 
وظيفة مدى الحياةء والترقية بالأقدمية ‏ وهما من السمات المميزة للعمل في 


اليايان: رؤية جديدة 


الشركات ‏ ليست؛ بكل بساطة؛ ميسرة للنساء. كذلك لم تُبتدع للنساء جلسات 
الشرب والمنادمة التي تنعقد بعد العملء ولا الرحلات الطويلة اليومية بين 
أماكن العمل وأماكن السكن المترتبة على ارتفاع أسعار أراضي البناء. هكذا 
نرى أن تغيير وضعية النساء تعني اليوم: كما كانت تعني دائماء تغيير جوانب 
كثيرة أخرى في النظام. 

وحدث أن ناقشت هذه الأفكار مع كاي إيتوي '[1]0آ لإدكاء زميلتي في العمل 
أثناء سنوات خدمتي شي مكتب الهيرالد تريبيون. وتصادف أن كان ذلك ضي 
لحظة مواتية: حيث كانت قد أجرت لتوها شقة جديدة ولكنها كانت عاجزة 
عن توقيع العقد إلا بضمان من والدها. قالت كاي بمرارة: «يمكن أن يضمنني 
أمّ أكبر مني سناء ولكن من المستحيل أن تصلح لذلك أخت كبرى». 
واستطردت: «لقد ثبت أن كل ما قيل عما أنجزته النساء اللاتي بدأن فضي 
الثمانينيات لم يكن إلا حديثا أجوف؛ ليست أمامنا مَثُلّ نحتذي بهاء ولا أحد 
يشرع قوانين تحمينا» وعندما حدثتها عن ميشيكو فوكوشيماء قالت: «إن أي 
إنسانة من هذا النوع تبدو غبية في نظر الجيل الأصفر من النساء» حيث 
يمكن أن يقلن: «لقد تنازلت فوكوشيما تنازلات أكثر من اللازم » ولكن من أجل 
ماذا؟: طهن لا ينتمين إلى أي شيء قدمته. وهن لا يدركن قيمة العمل الجاد أو 
التضحية من أجل تحقيق الذات. ومن الصعب جدا أن تعيش امرأة وحيدة ضي 
اليابان. طنحن نعيش شي مجتمع صنع للأتباع». 

ومجتمع الأتباع لا يمكن أن يزدهر فيه الحب والعلاقات الحميمة. 
والشخص التابع: في التحليل الأخير.ء شخص عاجز عن الحب؛ كما هو عاجز 
عن جذب المحبين. 

في 1997: تعرفت على سيدة أقامت مشروعا مربحا من التتصدي 
للمشكلات العاطفية التي يعانيها سكان المدن في اليابان. وأعتقد أن هذا 
المشروع لم يكن ممكنا إلا في هذا الوقت بالذات. عندما أصبحت هذه 
المشكلات أكثر مما كانت في أي وقت مضى يي بدا أن اليابانيين 
أصيحوا مستعدين لمواجهة هذه المشكلات. هكذاء, تعتبر ساتسوكي أوهيوا 
8 كأاتاقاة5 من علامات زماتها .لم تكن مشخصنصة في العلاج النفسي, 
وإن كان عملها من النوع نفسه تقريبا. قالت لي موضحة بمجرد أن التقيت بها 
في مكتبها: «إن مهمتتنا هي أن نقدم لزيائننا مشاعر الحب الإنساني». ولكن 





السعادة فى ركن خفي 


من هم هؤلاء الزيائن؟ تجيب أوهيوا: «زيائننا أناس يرغبون في الاستمتاع 
باتحياة. وهم مفعمون بمشاعر الحب الإنساتي». 

غير أن المشروع الذي أقامته أوهيوا لم يكن من النوع الذي يمكن أن 
نقصبوره. وضعت أوهيوا على الشركتين اللتين أنشاتهما لافتتين: المركق 
الركيسي للخدمة الفعالة؛ الرئيس الناجح. وإذا فهمنا شيئا من هذا التجمع 
الغريب المستعار من كلمات أجنبية؛ فإن هاتين اللافتتين توحيان بأهداف 
معيتة. كما يوحي ذلك شكل السيدة أوهيواء وهي سيدة متأنقة انفعالية: 
شعرها خفيف منسقء ونظارتها كبيرة: وهي صريحة ذات عزيمة» معتزة 
بنفسها لأنها استطاعت أن تسيطر على الروح المحافظة والحذر الذي يتسم 
به اليابانيون في خطابهم العام. قالت: «في 

الثمانينيات: كان الناس قد بدأوا يتحدثون عن أهمية الكائنات البشرية 
وأهمية الفرد. ولكن اليابان استمرت تهتم بالثروة المادية فحسب. ولم يكن 
عند الناس أي أفكار عن الحياة بأي طريقة أخرى. أو عن كيفية التواصل 
وتيادل المشاعر مع الآخرين؛ وتأكيد فرديتهم؛ فقررنا أن نقدم خدمات 
حقيقية: وليس مجرد فكرة». 

بدأت أوهيوا تدريب رجال الساراري؛ بعد التأكد من أن عددا كبيرا 
منهم لم يكن لديه أقل فكرة عن كيفية التفاعل مع الآخرين. كانوا قد تريوا 
ضي نظام مدرسي دقيق وصارم؛ ثم اجتازوا مراسم الترقي في الشركات 
الكبرىء وغالبيتهم كان قد تزوج وبدأ في تكوين عائلته. ولكن تكوينهم 
كشخصيات إنسانية لم يكن مكتملا. بدأت أوهيوا تعليم طلابها الأشياء 
نضسها التي يقدمها معهد الإدارة الذي عند سفح جبل فوجيء مثل قواعد 
اليروتوكولء التحكم في الصوت حسب المناسبة؛ إلى غير ذلك. ولكنها لم 
تليث أن تبينت أن هذا النوع من التأهيل لم يكن كافياء ومن ثم أعادت 
التفكير في الموضوع. 

قالت: دإن المادة التي نقدمها لا يمكن فهمها من دون فهم الكائنات 
اليشرية:؛ ومن ثم؛ نحاول أن نقدم شرحا لآليات الجسد: جوهر الرغبات 
اليشرية وعلى أي نحو تتجلى؛ وجوهر المشاعر البشرية وكيف تتفير. هذه 
أساسيات. ثم نعلم الناس كيف يعبرون عن أنفسهم. ولكن الحرية المطلقة في 
التعبير عن الذات يمكن أن تُختزل إلى مجرد أنانية؛ وبالتالي» عليناء قبل أن 





اليابان: رؤيةجديدة 


نعلم الناس كيف يعبرون عن أنفسهم. أن نعلمهم المبادئ الإنسانية : كيف 
يتعايشون مع الآخرين: وحتى كيف يبتهجون ويسعدون بإسعاد الآخرين». 

حققت أوهيوا نجاحا في مهنتها الغريبة الطريفة: مهنة تحويل المحرومين 
من إنسانيتهم إلى بشر إنسانيين. ومن خلال تعاملها مع رجال الساراري: 
اكتشفت حاجة بشرية أخرى: يمكن أن نسميها «استأجر عائلة»؛ وتلك هي 
آخر مسلسل الخدمات التي تقدمها. ذلك أنهاء حين واجهت ما يعانيه سكان 
المدن اليابانيين من فراغ وتشتت وأسى شامل ودفين: بدأت تقديم خدمة 
إضافية؛ حيث قدمت ممثلين مدفوعي الأجر (تسميهم «مُرَفّْهِين») للزبائن 
الذين يفتقدون تواجد بعض أفراد العائلة في المنزل » سواء أكان لهذا الافتقاد 
أساس حقيقي أو مجرد رغبة. والخدمة الأكثر انتشارا هي تقديم زوجين 
شابين وطفلهما لرجل مسن وزوجته. ويلي ذلك في الانتشار الحالة العكسية, 
وهي رغبة زوجين شابين في أن يكون لأطفالهما جدود . والحالة الثالثة, 
الرجال أو النساء الذين يعيشون فرادى؛ ويرغبون في الإحساس بالعائلة (مثل 
أن يطلب رجل امرأة وطفلها ليخرج معهما في نزهة). 

كان أمام أوهيوا قائمة انتظار فيها مائة زبون. على كل منهم أن يدفع في 
الزيارة الأولى (.خمس ساعات) ١١٠١‏ ألف ينء: حوالى ١٠٠٠١‏ دولارء ولكن عليه 
أن يدفع مبلغا أقل في الزيارات التالية (مرتين أو ثلاثا كل شهر). وتقول 
أوهيواء إن هذه عملية ليست مجزية من وجهة نظر البيزنس. وتضيف: 
«وتأمل ألا يطلب الناس هذه الخدمة كثيراء وإلى أمد غير محدود. ولكئنا 
نقدمها لأن الناس في حاجة إليها الآن». 1 


«لماذا 5» 
«هذا هو نوع المجتمع اليابائى. إن الحب شىء أساسى فى أى مجتمع: 
8 1 5 د 0 
ولكنه منسي هنا». 


«ولكن لماذا يشعر الناس بهذا الآن؟» 

عادت أوهيوا إلى نقطة البداية. قالت: «كانت اليابان وما تزال» بلدا يعير 
فيه الكبار عن حبهم بتقديم الهدايا المادية. وكناء ونحن في الحلقة الرابعة 
والخامسة من أعمارنا؛ أطفالا نتلقى الحب في شكل أشياء. وقد فعلنا الشيء 
نفسه مع أطفائنا بعد أن أصبح لنا أطفال. فما الذي حدث في الثمانينيات؟ 
أدرك الناس أشياءء؛ من بينها أن السلع المادية وحدها لا تجلب لهم السعادة, 





السعادة في ركن خفي 


وبدأوا يدركون ما سبق أن فاتهم . أو ما كانوا محرومين منه دائما. وما يزالون 
لا يعرفون كيف يتعاملون معه بعد فهم غير وائقين. ولكن «تأجير عائلة» كان 
واحدا من الأشياء التي أقبلوا عليها». 

وإنه لأمر غريب حقاء بكل المقاييس؛ أن يستأجر أحد أناسا يؤنسون 
وحدته؛ ولكن ليس من الصعب أن نفهم الدافع خلف مثل هذه المغامرة ‏ 
وقد نغير رأينا يعد أن نأخذ في الاعتبار رأي أوهيوا عن التكلفة التي 
دضعها اليابانيون من إنسانيتهم في سعيهم إلى التفوق الاقتصادي بعد 
الحرب. في 19577: أصدر عزرا فوجل 70861 18218: وهو باحث في جامعة 
هارفاردء كتابا بعنوان: الطيقة المتوسطة الجديدة في اليابان ةمقل 
595 211001 وفيه عرض لثقافة رجال الساراري في فترة ما بعد 
الحربء بعد دراسة استمرت عاماء عاشه الباحث في إحدى ضواحي 
طوكيو. وعلى الرغم من أن أسلوب الكتاب فيه استحسان واضح لهذه 
الثقافة؛ فهو يصف معاناة العاكلات المدينية من بعض أعراض الاختلال: 
حيث يصف حالة الغربة بين الأزواج والزوجات. ولا يتوقف الكتاب عند 
مجرد وصف لتوزيع العمل بين الرجال والنساء. وإنما يصف أيضا نوعا من 
تقسيم الوعي بينهما: 

عندما يعود الموظف إلى بيته فإنه يشعر شعورا عميقا بالحرية: فالبيت هو مكان الراحة 
والاسترخاء... وفي جميع الأحوال؛ لا تعرف الزوجة ‏ عموما . إلا قليلا عن النشاط اليومي لزوجها 
في العمل؛ وإن عرفت فاهتمامها أقل. وعادة ما تكون المهمات الموكولة إلى الزوج في الشركة محدودة, 
والمشكلات التي تهم الزوج في العمل لا تعني شيئا يذكر بالنسبة للزوجة. وحتى لو أبدت زوجة 
فضولية شابة اهتماما بعمل زوجها؛ فإنه يجد صعوبة في شرح عمله بطريقة تستطيع أن تفهمها 
زوجته... ولأن الزوجة منفصلة عن عالم زوجها وحياته اليومية على هذا النحو بينما هو لا يكاد 
يعرف شيئا عن نشاطها في مجتمعهاء فإن مساحة الاهتمامات المشتركة بينهما تكاد تكون مقصورة 
على الأطفال والأقارب. 

والوقوف طويلا لتأمل أحوال الخلل العائلي والحالات القصوى للحرمان 
مز الكده إن هو إلا رسم لصورة أمة ف جالة معإناة وهي صورة يمكن 
أن يسقطها البعض عن الحساب باعتبارها تزيداء وليس هذا مقصدي. 
ولكننا يمكن أن نلاحظ هذا الحرمان الشامل من الحب؛ على قسوة هذه 
الملاحظة في مجتمع طال به أمد تحويل العلاقات الإنسانية» حتى أكثرها 





اليابان: رؤية جديدة 


خصوصية: إلى أمور شكلية في خدمة الروابط السياسية. قرأ غالبية 
اليابانيين العاديين السسّفّر العظيم للأيديولوجية الإمبراطورية: كوكوتاي ذو 
هونجي 110831 مد تهامعاه؟1 (أي الاحترام والعطف). ككتاب مرشد 
للحياة حتى 1546. وقد .حرص مؤلفو هذ! الكتاب أن يُعتووا قدر العلاقة 
الخاصة بين الزوج وزوجهء خوفا من أن ينال الحب من المشروع 
الأيديولوجي. حيث يرون أن الحب والذات الفردية يجب نبذهما 
باعتيارهما من الأفكار الغربية غير الركرب ضيهاء التي تمثل خطرا على 
التناغم الاجتماعي. ليس للمائلة أن تقو. م على «أشياء مثل الحب الفردي أو 
المتبادل»»: وإنما يجب أن تقوم على «الاحترام والعطف» وم يختلف الأمر 
بعد 1540., فماالذي يحدث للثناس عندما يكون الحب دا اليايان 
اليوم غارقة في العواقبء فنحن لا نستطيع أن نفهم قبول الذوق العام فيها 
لغرائب الأمور من كل نوع دون الإشارة إلى دعاوى التطهرية الكونفوشية 
العتيقة الموروثة؛ طالمدن اليابانية مشبعة بعروض العهر (لإطمهرعمدته2) 
على نحو أكثر كثافة مما هي ضي أي بلد آخر عرفثه. وبالتالي؛ ليس في 
هذه المفارقة ما يدعو إلى الدهشة. 

عادة ما نصف اليابان بأنها المجتمع الذي يخدم الشركات الكبرى ولا 
يخدم الإنسان الفردء ويتلخص هذا الوصف ضي العبارة المتداولة منث أمد 
طويل: «اليابان غنية» واليابانيون فقراء». هما المقصود هنا؟ المقصود هو أن 
الأعباء المادية الملقاة على كاهل اليابانيين (أشكال التضحية والحرمان فضي 
الحياة اليوميتة: والضقوط الرهقة الفروضة عليهم لكي يتواعمواء وكلها 
معروفة وتشد الانتبام)» يجب أن نفهم أن هذه الأعباء تتر تب عليها نتائج أكثر 
بكثير مما هو ظاهر للعيان. صحيح أن الأعباء المادية كاسحة؛ ولكن علينا أن 
نفترض أن الأعباء الروحية ليست أقل منهاء وإلا فإن علينا أن نقنع أنفسنا 
بالصورة الأخرى. صورة «اليابان» الخيالية التي دعينا إلى تصديقها. 

ا 

يمكن إجراء مقارنة جديرة بالاهتمام بين النساء اليابانيات اليوم والنساء 
اللاتي كتبن الأعمال الكلاسيكية المعبرة عن الازدهار الحضاري الثقاضي في 
بلاط هيان 11130 . كانت النساء أكثر تحررا من الرجال في الزمان الذي 
كتبت فيه شيكيبو موراساكي علدقم س8 ناطل1ز5, حكاية جنجي عل5ة1' عطل 





السعادة في ركن خفي 


أزد»6 04. حينذاكء؛ كانت النساء هن اللاتي يجرين استخدام الشكل الجديد 
للكتابة اليابانية (هيراجانا 11:88308]) الذي كانت له آثار تحررية. هذا بينما 
كان الرجال ما يزالون عبيدا للتقاليد الصينية. كانوا يحفظون عن ظهر قلب 
النصوص المقدسة المأخوذة عن الصينيين» ويقلدونها في رسائل عقيمة 
وأشعار منظومة جوفاء: باستخدام لفة صينية قديمة عمرها خمسة قرون. 
ولم يكونوا ليستخدموا الكتابة ‏ بالهيراجانا ‏ إلا في الأمور الماجلة أو 
الحسية, وفي هذه الكتابات يتخفون بأسماء نسائية. كانت النساء مجددات, 
بينما كان الرجال أسرى للأصولية. 

ويحدث اليوم شيء مشابه؛ فالنساء اليابانيات يسافرن خارج البلاد أكثر من 
الرجال. وهن أكثر إقداما على خوض تجارب أكثر تنوعا في حياتهن المهنية. وهن 
الأكثر فضولاء وتبدو عليهن مظاهر التحرر السيكولوجي أكثر من الرجال ؛ ذهن 
أوسع خيالا؛ وفي حياتهن أكثر حركية ومرونة ومغامرة؛ رأيت هذا بوضوح فور 
وصولي إلى طوكيو. وتفسير ذلك بسيط؛ فليس مطلويا من النساء أن يشاركن 
بشكل مباشر في الحياة الاقتصادية؛ التي هي قلب العقيدة الأصولية الجديدة. 
ومتوسط مدة الخدمة المتصلة بين النساء في الوظائف لا تزيد إلا قليلا على 
سبع سنوات. والنساء في أيامناء مثل نظيراتهن في بلاد هيان» لسن مقيدات 
بالأعراف الاجتماعية القديمة ‏ بالصرامة نفسها ‏ المفروضة على الرجال؛ وهن 
آكثر استجابة لاتجاهات رياح التغيير الاجتماعية والثقافية. 

من المفيد أن نوسع دائرة المقارنة. فلم تكن النساء الأرستقراطيات في 
عصر هيان مستقلات حقيقة. وكانت الحرية التي يتمتعن بها هزيلة؛ بل إنها 
كانت؛ على نحو ماء زائفة. والحال في أيامنا هذه ما تزال كما كانت؛ باستثناء 
عدد محدود من النساء. فبعد قليل من الترددء لا تلبث الغالبية أن تختار؛ بدلا 
من الاستقلال» صيغة مريحة ورّضيّة من الوضعية المتدنية؛ وهو ما أسماه 
جونيشيرو تانيزاكيء الأركان القصية الداخلية في الحياة اليابانية. وفسرت 
كاي إيتوي الأمر حين ذهبت إلى أنهن لا يفهمن امرأة تظهر من بينهن؛ لتكون 
مثل ميشيكو فوكوشيماء فهذا النموذج بالنسبة إليهن لغز غامض. 

وأضاقت النساء اليابانيات»؛ لترتفع شكاواهن: بأصوات تزداد حدة؛ من 
القصور العاطفي للرجال: ويخلعن عليهم عبارات تصفهم بالبلادة الوجدانية, 
وإثارة المللء والتجرد من التعاطف الإنساني؛ ولهذا تؤجل الكثيرات موعد 





اليايان: رؤية جديدة 


الزواج» أو تستبعد فكرة الزواج على الإطلاق. كما يفسر ذلك لماذا يترددن 
كثيراء مثل نوبوكو؛ قبل أن يجتزن عتبة الدار إلى حياة تتلخص في عبارة 
«للرجال المكانة وللنساء السيطرة» 1ال 0561[ ,أ0[ أع02105. وفي مثل هذه 
الشكاوى؛ كما فضي أعراض الترددء أو في السنوات القليلة المعدودة للحرية 
الزائفة . في هذا وذاك يمكن أن نعثر على إلماحات تشير إلى المستقبل. 

فما الذي تعنيه النساء اليابانيات بسخريتهن من الرجال باعتبارهم مثيرين 
للملل؛ وعاجزين: إلى أجل غير منظورء عن نزع الأقنعة؟ ما جوهر انتقادهن 
للرجالة بالتاكيد: ئيس انتقاد النساء مقصورا على الرجال بالذات: ولكنه 
يشمل أيضا انتقاد خضوع الرجال للأصولية الاجتماعية؛ وهذا شيء محتلف. 
ويبدو أن لسان حالهن يقولء إن النساء اليابانيات لا يمكن أن يحققن تقدما 
في المجتمع الياباتي: حتى يحرز الرجال تقدّماء ولا يستطيع أي منهما أن 
يتقدم حتى يتم التخلي عن فكرة «السعادة الصفيرة» وفكرة «المرأة ذات 
السيطرة» وإن تكن ضي المكانة الأدنى. والأرجح أن النساء سيقدن اليابان إلى 
إيجاد حل لهذه المعضلة الحيوية. وإن تمكنت النساء اليابانيات من حل هذه 
المعضلة. إن ذلك سيكون بفضل الأفكار التي تصدت لنشرها ميشيكو 
فوكوشيما وماريكو ميتسويء والحركة النسوية في سبعينيات القرن العشرين: 
وهي أنه لن تتغير أحوال النساء إلا بجهودهن لتغيير أنفسهن. وإن تحقق ذلك» 
فإن النساء سيتمكن من صياغة حركتهن النسوية المتميزة,. حركة نسوية يابانية 
تلمرة الأولى. 





6 


ألم 
لا تستطليع اليابان أن تتقدم 
دون ان تأخذ أشياء عن 
الغرب. ولكنها تتظاهر بأنها 
دولة من الدرجة الأولى؛ بل 
إن اليابان تبذل ما فوق 
طاقتها: لكي ثَُ واحدة من 
دول الدرجة الأولى: وهذا 
هو السبب في أن اليابان, 
في جميع المجالات؛ تبني 
واجهة لتظهر كدولة من 
الدرجة الأولى: وتخدع 
الآخرين فيما يتعلق بما 
-خلف الواجهة. 

سوسكي ناتسومي 

وماذا بعد, 1١905‏ 


«الأسمنت» والديموقراطية 


في الاتجاه الجنوبي الغربي من طوكيوء. يخرج 
طريق قديم ورد ذكره كثيرا في القصص 
والروايات يسمى طريق «توكايدو» بني في أثناء 
حكم شوجونات التوكوجاوا ليريط العاصمة 
القديمة إدو بمدينة أوزاكا (المركز التجاري)؛ 
وكيوتو (مقر الإمبراطور). كان طريق توكايدو هو 
العمود الفقري لليابان في عصرها الإقطاعي 
المتأخرء. مثلما كان طريق «أبيان» بالنسبة 
للإمبراطورية الرومانية. وكان هو الطريق الذي 
تسير فيه مركبات حكام الأقاليم متمتتهل؛ وهم 
في طريقهم إلى إدو ليقيموا بعض الوقت في 
العاصمة. وخُلّد ذكر هذا الطريق في رسوم 
هيروشيجي: وفي كتابات ساخرة من نوع 
(مقامات شوسر).؛ معروفة باسم «ساق المهرة». 
وتوجد صورة فوتوغرافية التقطت قبل الإحياء 
الميجي: ويظهر فيها كطريق ترابي عريض 
تصطف على جانبيه أشجار الصنوير الباسقة. 
وفي وسط الصورة يقف اثنان من الساموراي 
شعرهما معقوض ويمتشقان سيفيهما. كما يظهر 


اليايان: رؤية جديدة 


عدد من العوام بعضهم يحمل السلال على أطراف عصي على الأكتاف., 
والبعض الآخر يرتاح على جانبي الطريق. وعلى الرغم من أن هذا الطريق 
أصبح اليوم من الصعب تمييزه وسط شبكة الطرق المتفرعة من العاصمة:؛ فإن 
طريق توكايدو ما يزال يحتفظ بمسلكه القديم؛ وينتهي طرفه الشمالي بالنفاذ 
مباشرة إلى حي الجينزا؛ ليكون هو أشهر شارع تجاري في طوكيو. 

وطريق توكايدو هو حدود اليابان الحديثة التي تفصل السواحل عن 
الدواخل. وفي المنطقة الواقعة بين توكايدو والمحيط الهادي:؛ بنى اليابانيون 
واجهة بلادهم (أوموتي نيهون 015082 012016). وكل ما بقي في البلاد هو 
الأراضي الخلفية (أورا نيهون ههطاثه 0:نا). والحق أن الإحياء الميجي لم يكن 
هو الذي خلق هذا التقسيم الداخليء ذلك أن الإحياء كان نقطة تحول نحو 
نوع من الثورة الجغرافية. ضحين كانت اليابان تتعلم من الصين؛ كانت الأراضي 
الساحلية على شواطتٌ المحيط الهادي هي الأراضي الخلفية لليابان» بينما 
الأراضي الريفية الواقعة على بحر اليابان كانت هي الواجهة. وعندما ولت 
اليابان وجههاء قبل الغرب في القرن التاسع عشر؛ أصبحت الخلفية هي 
الواجهة؛ والمكس بالعكس. وعلى أحد جانبي طريق توكايدو أخذ اليابانيون 
بالتحديث. بينما على الجانب الآخرء كان من المفترض أن يظلوا في أماكنهم. 

واليوم» يُنظر إلى تعبير أورا نيهون (الدواخل والأراضي الخلفية) كلفظ 
غير مهذب. ومنعت شبكة البث الإذاعي الحكومي استخدامه منذ بضع 
سنوات. فقد كان يعني؛ في وقت ماء القرى الفقيرة على طول شواطىئٌ بحر 
الياياق: العزولة عن المشية: والعرظة للفواصف الذاحية القادقة من سيبيريا . 
ولكنء عندما يستخدم تعبير أورا نيهون اليوم؛ فإنه يتضمن معاني أكبر من 
كونه منطققة جغرافية؛ والترجمة الأفضل هي «اليابان المخبأة»: إنها يابان 
بساتين الخيزران: وأحواض الأرز والدروب الضيقة: يابان اليراعات المضيئكة 
ورواكح الأعشاب الجافة: ونبين الأرز الشعير. وبعبارة أخرىء؛ إن اليابان 
المخبأة (أورا نيهون) هي يابان القرية,. هي كل ما حاول اليابانيون المحدثون أن 
يتناسوه. وثمة تعبير آخر اكتسب في تطوره القدرة على التعبير عن هذا المعنى 
بالضبطء ألا وهو: إيناكا 10812: وقدشرح لي أحد الموظفين العاملين في 
الريف أن الحروف الدالة عليه مستعارة من رسوم تقليدية ترمز إلى حوض 
أرز على حافته بيت ريفي. ومعناه في القاموس الذي أستخدمه: «بيت المرء. 





«الأسمنت» والديموقراطية 


بيت الأهل». وأنبأني أحد المزارعين أن معناه: «ما ليس طوكيو». وعلى كل 
حال: فإنه يعني اليوم «الريف»: ولكن إذا سألت أي واحد من سكان المدن 
العاديينء. فمن الأرجح أن يقول لك إن الكلمة تعني: «المناطق الزراعية» أو 
«مناطق القلاحين»: بما تتضمنه الألفاظ من إيحاءات وجدانية. 

يمكن أن يعيش المرء في اليابان سنوات عدة: دون أن تتجاوز تحركاته 
طريق توكايدو. وتشجع اليابان مثل هذه الوضعية: لأنها ظلت شديدة التمركز 
لفترة طويلة, ولأن «الواجهة اليابانية» (أوموتي نيهون) ما تزال ترغب في 
إقناعك بيأن اليابان العصرية التكنوقراطية هي اليابان. وغالبا ما اكتشفت؛: 
في أثناء رحلاتي مع أصدقاء يابانيين من طوكيوء في الطريق إلى جزيرتي 
كيوشو أو هوكايدوء أو إلى أماكن أخرى بين هذه وتلك؛ أن هؤلاء الأصدقاء لم 
يسبق أن زاروا هذه الأماكن قط. يمكن أن يكونوا قد عرفوا هونولولو أو 
نيويورك»؛ ولكنهم لا يعرفون سابورو أو كانازاواء أو حتى نيجاتا؛ التي تقع على 
بعد ساعتين فقط بالقطار السريع من العاصمة. ولكن المرء لا يستطيع أن 
يتقبل بسهولة الرضوخ لقدرة المدينة على جذب الناس لاستمرار الحياة فيهاء 
ويفهم -حتى المدينة نفسهاء لأن اليابان» عندما أصبحت بلدا حديثا جعلت كلا 
من الريف والمدينة مرآة للآخر. 

على مدى أجيال عدة؛ ظل تعبير أورا نيهون (اليابان المخبأة) بمعنى «ما 
ليس طوكيو». هو كل ما تمثله طوكيو؛ هو التعريف الأمثل. ذلك أنه بالنسبة 
لملايين من الوافدين على المدن من الأرياف؛. أصبحت القرى القديمة هي 
الملاذء وبالنسبة لخيالهم: هي الأوتاد التي زبطت إليها كل الأمور» لتظل على 
حالها . كان لابد أن تظل القرى واقفة على حالها لسبب بسيط؛ هو أن المدينة 
في حركة لا تتوقف. وأن يظل الإنسان يعود بذاكرته إلى القرية؛ حتى وإن كان 
قد همجرهاء إن هو إلا إجراء دفاعي لمواجهة ما في المدينة من فوضى؛ 
وجيران غرباء؛ وإحساس بالعيش في عالم من الأشياء والأفكار المستعارة. 
فكيف حدث أن أناسا يُقال إنهم عازفون عن التغييرء أصبحوا مقنتعين؛ بل 
معتقدين إلى حد الهوس. بالجري وراء كل ما هو جديد في المنتجات 
والموطمات والتوجهات؟ ومن الممكن أن يكون هذا السؤال قد طّرح في أي وقت 
خلال العقود الكثيرة الماضية؛ وكان يمكن أن تكون له الإجابة نفسهاء وهي أن 
الريف الذي لا يتغيرء كان له حضور دائم في مخيلة سكان المدينة. والمنزل 





اليابان: رؤية جديدة 


الريفي ملحق به ما يسمى كورا 10158: وذلك مبنى جدرانه سميكة له نافذة أو 
ناخذتان صغيرتان؛ حيث تودع العاتكلات الريفية مخزونهاء وموروثاتها الثمينة. 
هذه هي اليايان المخيأة (أورا نيهون): الأراضي الواقعة خارج طريق توكايدو: 
إنها خزانة (كورا) اليابان الحديثة, حيث ما تزال العادات القديمة مصونة 
وغير مفسدة: وحيث المشاعر الإنسانية (نينجو): والأحاسيس المدفونة تحت 
شكليات الحياة الحديثة لا تختتق بفعل الأسوار التي في القلوب. 

هكذاء لم يكن طريق توكايدو مجرد خط حدود جغرافية: أو فاصلا بين 
نمطين اقتصاديين مختلفين. وإنما هو أيضا يشكل نوعا من الحدود العاطفية, 
إن هو إلا تجسيد مادي لشيء آخر غير منظور. ذلك أنه: بين اليابان العصرية 
واليابان غير العصرية: يوجد ما هو أكثر من طريق قديم؛ يوجد نوع من التوتر 
بين وجهين لشخصية قومية منقسمة. ظل اليابانيون دائما مشغولين بالتفكير 
في واجهة اليابان» في ذلك القسم من اليابان المتغرب؛ ذي السمات 
السامورائية المعصرنة؛ كعالم بلا مشاعر: عالم عقلاني: علمي. محاسبي. 
رأسمالي»؛ ذكوري. أما في اليابان المخبأة, فإن اليابانيين يرون فيها ما هو 
جمصعي ومشبع وملهم وعاطفيء وأنثوي: كل ما يعتبرونه الجانب الأكثر صدقا 
وفطرية وطبيعية في أنفسهم. 

أشهر رحلة في الكتابات اليابانية الحديثة؛ وهي رواية الريف الجليدي 811019 
00102117 تبدأ أحداثها في محطة أوينو 670[] للسكك الحديدية في شمال 
شرق طوكيوء وتنتهي ضفي اليابان المخبأة (أورا نيهون). «اجتاز القطار النفق 
الطويل ليخرج إلى الريف الجليدي». هكذا يبدأ ياسوناري كاواباتا 1011لا5هلا 
الفقرة الأولى لأفضل رواياته وأكثرها شهرة. ولا يغيب معنى هذه 
البداية البسيطة عن غطنة أي إنسان ياباني: فالريف الجليدي هو سجل للمسار 
الواصل بين عالمين. بطلها ياباني عصري مغترب تماما عن حياته في طوكيو؛ إنه 
ناقد لفنون الرقص؛ لم يشهد في حياته عرضا للباليه؛ وبجوار عين ساخنة في 
الجبال اليعيدة الباردة» تفتح فتاة الجيشا الياب أمامه ليدلف إلى حياة طبيعية 
رغدة وحميمية. وفي هاتين الشخصيتين يكمن التنافر بين ما فعله اليابانيون 
بأنفسهم: وما كانوا عليه في السابق. وإذ تغطي أحداث هذه الرواية فترة زمنية 
طويلة عبر العقدين الثالث والرابع من القرن العشرين؛ فإن قدرة الريف الجليدي 
على التأثير في القارئ مستمدة من توصيفها وتصويرها للحواجز والحدود 





«الأسمنت» والديموقراطية 


المستحيلة: استحالة النفاذ إلى الماضيء وهو ماض يعبر كاواباتا باسم كثير من 
الياباتيين المحدثين عن الأسى من أجله. 

لا جدال في أن اليابان ستظل تحتفي بمشاعر عاطفية نحو ريفهاء مثلما 
يحتفي الأمريكيون بلقاءات ساحة البلدة في الغرب الأمريكي التي لن تعود؛ 
وكما يحتفي الإنجليز بالحياة ‏ التي لن تعود ‏ في أكواخ الصوان والقرميد. 
وعلى كل حال؛ فإن الانقسام الكبير الذي يفصل الريف عن المدينة في طريقه 
إلى الانتهاء. ولا يرجع هذا لمجرد أن المراكز الحضرية تتضخم وتمد زوائدها 
النامية في كل اتجاه؛ وإن كان هذا يحدث بالفعل؛ ولكنه يرجع أيضا إلى أن 
اليابانيين يتقبلون الحقائق التي أوردتها رواية كاواباتا: وهي أنه لا عودة إلى 
الوراءء ولئيس أمامهم إلا أن يتقدموا من حيث جاءوا. وهكذاء أصبحت واجهة 
اليابان ودواخلها تبدو كأجزاء من بلد واحدء كما أن اليابانيين قد كفوا عن 
النفاذ بأبصارهم عبر طريق توكايدو لاكتشاف هويتهم. 

وفي رواية صيد الخراف الجبلية ع185) مععط5 711110 ل؛ الصادرة في 
7 لؤلفها هاروكي موراكامي !8/18 أعلنائة11, وصف لرحلة قطار 
أخرى إلى خارج طوكيو؛ وهو وصف متميز جدا (دون أن تفقد رواية كاواباتا 
تفوقها).: وإن بسبب الغياب الكامل لأي مشاعر. في أثناء الرحلة لا يكاد 
الراوي يهتم أدنى اهتمام بالنظر إلى خارج النافذة: بينما يستفرق في محاولة 
فهم التاريخ المبهم للقرية التي يقصدهاء كما هو وارد في كتاب يكتشف أنه 
مفكك وسطاحي وغير مثير للاهتمام. ثم تأتي ملاحظة للراوي: «الحق أن 
جونيتاكي امهل اليوم هي قرية مملة جداء وسكانها يقضون: بعد العودة 
من العمل» أربع ساعات في المتوسط أمام التلفزيون؛ قبل الإخلاد إلى النوم». 

# »ا 

تقنع بلدة كاكيا دره كل في واد بين مجموعة من التلال النائية في 
مقاطعة شيماني 1 جنوب غربي هونشوء كبرى الجزر اليابانية. وإن 
كانت كاكيا ليست من الأماكن المشهود لها بنشاط غير عادي؛ إلا أنها واحدة 
من أكثر بلدان مقاطعة شيماني حيوية. وهي بلدة نوبورو تاكيشيتا 7/0011 
لانطمع 11 ؛: رئيس وزراء اليابان ضفي أواخر الثمانينيات» وفيها اشتغلت عائلته 
بتقطير مشروب الساكي (الخمر الياباني المفضل) منذ 1817. وقد كان 
تاكيشيتا عطوفا على بلدته طوال سنواته كأحد كبار السياسيين في طوكيو؛ 





اليابان: رؤية جديدة 


بل عطوفا أكثر من اد فالتلال على جانبي الطريق الموصل إلى البلدة 
لأميال عدة: سفوحها مقسناة بالأسمنت بعناية؛ كما أن جوانب الأنهار والترع 
في المنطقة مبطنة بالأسمنت أيضا. وفي شوارع القرية وحواريها الضيقة 
البعيدة عن الطريق الرئيسي توجد لافتات وإشارات مرور لا يوجد مثيل لها 
إلا على أهم طرق السفر السريعة. وثمة كوبري يوصل إلى عدد قليل من 
المزارع المتناثرة على طول الوادي؛ يمكن أن يتسع لسيارات ساعات الذروة في 
العاصمة طوكيو. والحق أن عطف السيد تاكيشيتا جعل من كاكيا شيئًا يثير 
الضحك. ولكن. لا وجود للفقرء فكل منزل له إيريال تلفزيوني؛ وفي كل دربٍ 
خاص يوصل إلى منزل؛ توجد سيارة من آخر طراز. والمحلات والدكاكين على 
طول الشوارع التجارية؛ وهي صغيرة: مليئة بأحدث البضائع والأجهزة القادمة 
من الجانب الآخر لطريق توكايدو. 

ويمكن أن تكون بلدة مثل كاكيا قد اتخنذت أشكالا شديدة التنوع في 
لحظات مختلفة من الماضي .كان يمكن؛: وقت أن كانت إدو هي العاصمة؛ أن 
تكون بلدة تزرع الأرز؛ بل إنها كانت بالطبع هكذا. ولكن؛ لابد أن فلاحيها 
كانوا يشتفلون بعمل بضعة أشياء أخرىء ريما مثل الورق» أو المنسوجات أو 
الفضاريات أو المشغولات الحديدية؛ وأنهم كانوا يجرون تبادلا تجاريا بين هذه 
المنتجات ومنتجات القرى الأخرى المجاورة:؛ التي كانت تصنع أشياء مختلفة. 
حينزاك؛ لابد أن كاكيا كانت لها شخصيتها الذاتية: بل قدر من الاستقلالية: 
في إقليم كان يتمتع بدرجة من الاكتفاء الذاتي؛ هذا طبعا دون أن اتعفل 
تدخلات الموظفين البيروقراطيين من العاصمة وإتاوات الأرز التي تسدد 
للإقطاعي المحلي (الدايميو). صحيح: ربما وجدت بعض منتجات من صنع 
المراكز التجارية الصاعدة حينذاك؛ ولكنها كانت قليلة. 

ولابد أن كاكيا تغيرت بعد الإحياء الميجيء؛ لتصبح جزءا من اليابان 
الحديفة. وضي اليابان الحديثة تُتّخِن كل القرارات في طوكيوء ولا مكان 
للاستقلائية الذاتية, أو لنظام تجاري محليء أو أي شكل من أشكال الهوية 
الجهوية. وحينذاك؛ كانت المؤسسات الجديدة البعيدة الكبرى تغرق السوق 
المحلي بمنتجاتهاء بالإضافة؛ طبعاء إلى الواردات القادمة من الغرب. وبالتالي؛ 
لابب أن تختفي الصناعات البسيطة العاجزة عن المنافسة؛ ويندمج المنتجون 
المحليون القادرون على تقديم منتجات تصمد في السوقء في الاقتصاد 





«الأسمتت» والديموقراطية 


القومي الحديث؛ بتدفقات نقدية من مستثمرين من بعيد . ولابد أن الإنتاج 
المحلي كان يقدم الأشياء نفسهاء ولكن تلك الأشياء تباع في أماكن بعيدة: 
والأرباح التي حققها لا تعود إلى كاكيا. 

أسرعت طوكيوء بعد /187: بتحويل الفلاحين إلى ملاكء. بمثل ما أسرعت 
إلى فرض الضرائب عليهم؛ وهي ضرائب لم تعد ثفرض على الدخل السنوي 
- كما كانت الحال أيام الدايميو - وإنما فُرضت ضريبة عقارية على الأراضي 
حسب تصنيفها؛ بغض النظر عن محصولها. كان الإقطاع قد انتهى؛ ولكن 
الاقتصاد النقدي والإصلاح الزراعي في عصر الميجي لم يفضيا إلا إلى نوع 
جديد من البؤس الجمعي. باع كثير من الفلاحين أراضيهم قطعة بعدأخرى, 
وأرسلوا بناتهم للعمل في المصانع: وخلقت ديون الرهونات؛: وحبسهاء عددا 
كبيرا من المستأجرين الفقراء من جانب. وملاك أغنياء ريويين من جانب آخر. 
ويمكن أن نتخيل كاكياء حينذاك؛ وقد اكتظت بفلاحين منهكين ومعدمين 
ريفيين متبطلين: متبطلين لأن نزع الملكية كان يتم بمعدل أسرع من قدرة 
الاقتصاد على خلق فرص عمل جديدة. وسط كل مظاهر التحديث. ظل فلاح 
كاكياء حييث كان داثماء وإحدى قدميه في الماضي؛ في قاع الكوم. 

هذا هو الطريق الذي جعل طوكيو «تخدع الآخرين فيما يتعلق بما خلف 
الواجهة». لم تقدم الترتيبات الاقتصادية الجديدة للقرى إلا قليلا. وأوضاع 
الأراضي الريفية العقارية التي أقرها الميجي ثبت أنها كانت واحدة من أفدح 
أخطاء يابان ما قبل الحرب؛ وأكثرها مأساوية, إذ قامت بدوركبير في دفعها 
إلى الحرب. أبقى فقر الريف السوق المحلية ضعيفة؛ وجعل توسيع السوق عبر 
البحار ضرورة متعاظمة. في :117١‏ كان ١‏ في الماكة من الفلاحين مزارعين 
بالمشاركة؛ ليست لديهم القدرة على شراء شيء ذي قيمة؛ ولكن أحلامهم 
متعلقة داتما بالأرضء ومن ثم؛ حدث في هذه الظروف الصعبة أن تعاطفت 
معا الفكات الثلاث: الفلاحون اليائسون؛ وقادة الصناعة ضيّقو الأفق, 
والعسكريون المتحمسون؛ وتضافر حماس الجميع لبناء إمبراطورية توسعية. 

وتغيرت الأمور مرة أخرى بعد الهزيمة فضي 0 . وكان الإصلاح الزراعي 
من بين أهم السياسات الفعالة التي جاء بها الاحتلال الأمريكي؛ وحين جاء 
النهج العكسي نال من أشياء كثيرة إلا الإصلاح الزراعي الذي ظل محصنا. 
ألفيت الملكية الفائبة للأراضيء ومُلّك مستاجروهاء وتزايد النزيف البشري 





اليايان: رؤية جديدة 


من الريف إلى المدينة بعد الحرب؛ كما سبق أن أشرنا. ولكن طوكيو أحسنت 
إدارة الأحوال المعيشية في الريفء بل جعاتها مريحة؛ بانتهاج سياسات دعم 
أسعار المنتجات الزراعية وحمايتها في وجه الواردات الأجنبية؛ والإعانات 
المالية, والإنفاق بسخاء على الأشغال العامة. وكان هذا تحولا هائلاء حيث بدأ 
الريف ينهض ويعيش حياته بعد قرون من العكس. 

ولكن طوكيو عادت إلى خديعة العالم مرة أخرى بعد الحرب؛ لأن ثمة أمورا 
معينة لم تتفير. لم تصبح كاكياء شأنها في ذلك شأن بقية الريف اليابانيء جزءا 
من الاقتصاد العصري الذي هو معجزة يابان ما بعد الحرب. ظل الريف؛ إن صح 
التعبير يدور الزمن فيه بإيقاع الفلاحين. وحتى يومنا هذاء ما تزال كاكيا تحت 
وصاية الدولة وتابعة لهاء لهذا ما تزال توجد صناعتان في كاكياء بالإضافة إلى 
تقطير الخمر الذي تشتغل به عائلة تاكيشيتاء ألا وهما: زراعة الأرز( 46 وصناعة 
البناء؛ بدعم من الحكومة المركزية. وإحدى هاتين الصناعتين أقدم من الأخرى, 
ولكن كلتيهما انعكاس لتقاليد قديمة راسخة. 

كان نوبورو تاكيشيتا متورطا في كثير من الفضائح في الوقت الذي زرت فيه 
كاكيا؛ وكل منها أكثر إفصاحا من الأخرى عن أمراض الساسة والسياسة في 
طوكيو. وعلى الرغم من أن اليابان كانت قد فاض بها من أضعاله؛ وكان قد أبعد 
عن منصبه منذ فترة طويلة: فإنه ظل محتفظا بمكانته كراع داكم لبلدته كاكيا. 
شفي شوارع كاكيا ومتاجرهاء بدا كأن الجميع يتقبلونه كرمز يجمع بين الزعيم 
السياسي والدايميو التقليدي؛ وابن الريف الذي لم يفقد عواطفه الإنسانية؛ حتى 
بعد أن ذهب للحياة في المدينة العصرية. ولم يكن أهل القرية ليصدقوا أخبار 
الفضائح ‏ أو هذا ما يقولونه. كان تاكيشيتاء في الليلة السابقة لذهابي إلى 
كاكياء قد قام بزيارة لها استمرت بضع ساعات,. وكان قد ألقى خطابا في قاعة 
البلدية؛ وصدقه المستمعون حين قال لهم إن الصحف وشبكات الإذاعة والتلفزيون 
هي التي شبركت قصص الفضائح. وأكد الأهالي المحليون ‏ لي مرة بعد أخرى 
أن تاكيشيتا رجل جدير بالاحترام والثقة. وإن كانوا قد رفضوا أن يصررحوا لي 
بأسمائهم الشخصية:؛ وعندما سألت البعض عن الأشياء الأخرى التي حدثهم 
عنها في خطابهء أجابوا باقتضاب. إنني يمكن أن أعرف هذا من الصحف؛ وهي 
بالناسبة الصحف نفسها التي فبركت الفضائح. ا 


[لن6) تريجو أن يأخذ القارئ في الاعتيار 1 الزراعة. في اللغة الأمريكية ٠‏ هي هي صناعة (المترجم). - 








«الأسمنت» والديموقراطية 


كانت قاعة البلدية مبتى حديثاء وتم أكن على موعد سابق مع العمدة: 
ولكنه استقباني في غرفة مكتبه الفسيحة البسيطة بمجرد أن أعلنت أنني 
أريد أن أتبادل معه حديثا عن تاكيشيتا. كان العمدة: يوشيو أوتشياي متطوه 1 
أخلطء0, في السابعة والستين من عمره؛ أي في عمر تاكيشيتا نفسه تقرييا. 
يعلو عينيه حاجبان كثيفان: وخطوط وجهه واضحة وعميقة. قال لي العمدة 
بتواضع طفولي: «ريما أتجاوز حدود الأدب إذا قلت إنني كنت صديقا للسيد 
تاكيشيتاء ولكن عندما كنت في العشرين من عمريء كنا معا في أحد نوادي 
الشباب». هذه الحقيقة في ذاتهاء من وجهة نظر العمدة؛ تضفي عليه 
صلاحيات خاصة. وقال لي العمدة أن وزارة البناء مع إدارات مركزية أخرى 
كانت تمنح كاكيا ٠٠١‏ مليون ين على الأقل كل عام: وهذا مبلغ يقارب نصف 
ميزانية البلدة. وهذه حقيقة في ذاتها لها دلالتها الواضحة أيضاء وبعد أن 
أغضى العمدة إلى بهاء انفرج وجهه عن ابتسامة. 

كانت ابتسامة العمدة أوتشياي من نوع تلك الابتسامات الماكرة التي يقدمها 
الريف للجانب الآخر من اليابان. والناس في كاكيا تقبل المنح والحسنات التي 
تقدمها لهم طوكيوء لأنهم في حاجة إليها؛ ولكن يبدو أن ليس من بينهم من يشعر 
بالامتنانء لسبب بسيطء هو أنهم كانوا يفضلون القدرة على الاستغناء عنها. ولا 
يوجد واحد من بينهم؛ ربما ولا العمدة نفسه؛ مخلص في محبة الرجل الذي 
أرسل كل هذا الأسمنت إلى كاكيا. وما كان أحد منهم ليعترف بعدم محبته؛ وأظن 
أنهم لا يرغضونه؛ على الأقل في العلن. وعلى كل حال؛ لم يكونوا يعبرون عن 
مديحهم إلا بفتور. وكان الناس يفضلون أن يتحدثوا عن الساكي الذي تصنعه 
العائلة, وهو الخمر التي لم يعبر أحد عن إعجاب خاص بهاء وكأن الساكي يرمز 
إلى الرجل. وعندما زرت معمل التقطير (وهو مكان فيه دنان قديمة وأذرع 
خشبية ضخمة لتحريك السوائل خلف جدران من الجص والطفلة)؛ لم يكن ثمة 
من يريد الحديث عن تاكيشيتاء فسألتهم عن الساكي؛ وبعد لحظة تردد طويلة, 
تكلم شاب يرتدي مريلة ويضع على رأسه طاقية:؛ قال: «لا أستطيع أن أقول لك 
إنها ليست جيدة؛ لأنه ليس من المفروض أن أقول ذلك؛ ولكن...» واستأنف بعد 
لحظة سكوت أخرى: «نحن معمل تقطير صغير». 

ومائتا مليون ين: أي حوالى > مليون دولارء مبلغ لا يستهان به كدعم 
لميزانية بلدة تعداد سكانها 4٠٠١‏ نسمة. هكذا نرى أن المدرسة حديثة البناء 





اليايان: رؤية جديدة 


مُعتنى بصيانتها جيدا؛ وكذا أضواء الشوارع؛ ونقطة الشرطة, وكل المباني 
والمرافق التي أنفقت عليها طوكيو إلى أن استكملت جميع مشروعاتهاء وبداً 
الإنفاق يتجه إلى بناء الكباري ذات الدعامات الصلبة والأسوار المعدنية 
القوية. وضي هذا الصدد؛ تعد كاكيا بلدة متميزة؛ فهي بلدة رجل ذي شهرة 
طويلة في جمع الأموال والتبرعات السياسية؛ وتبديدها. غير أنه توجد ضي 
جميع أرجاء الريف الياباني بلدان أخرى أموالها أقل ولها المشكلات نفسهاء 
تتقبل إعانات طوكيو بامتعاض حدر وغير معلن. ولم تعط النقود القادمة من 
طوكيو؛ حتى لبلد مثل كاكياء القدرة على أن تعيش حياتها. فهذه البلدة؛ مثلها 
مثل كثير غيرها من يابان الدواخلء شبيهة بشخص يعيش على معونات 
صندوق الضمان الاجتماعي وإن في ثوب فشيب. 

لم يفقٌ الريف الياباني مق وحة المحطدق الكاسحة التي بدأت بعد 
الحرب؛ فعدد سكان إقليم شيماني 1256هاطا5 اليوم أقل مما كان سنة ١949‏ - 
بنسبة ١١0‏ في المائة ‏ وهذا انخفاض كبير إذا أخذنا في الاعتبار أن مجموع 
0 سكان اليابان تزايد بنسبة ثلاثة أرياع ما كان عليه خلال هذه الفكرة, 
3-0 شيماني من بين أشد الأقاليم فقراء ولكنها - فيما عدا ذلك - لا تعتبر 
حالة استشائية. وغالبية أقاليم اليابان الواقعة خارج طريق توكايدو, الي 
يفصل بين عالمين: تنخرط في صراع لا يتوقف عاما بعد عام بل يوما بعد 
يوم ضد عوامل التعرية والتآكل الاقتصادية والاجتماعية. 

ومن بين أشهر السياسات التي انتهجها نوبورو تاكيشيتا؛ ما أطلق عليه 
«فوروساتو 1050]0نا"1آ»: وفن كلمة يابانية تعني قرية العائلة. كلمة فيها كثير 
من عبق الماضي» وهي من المثّل الأخلاقية الريفية العليا التي استعادها الناس 
إلى الذاكرة في أثناء السنوات الأخيرة لعصر الميجي. وكان ينظر إلى قرية 
العاكلة داكما كملاذ يلجأ إليه للابتعاد عن التصنع والعادات الأجنبية - وكل ما 

تب عليها ‏ الابتعاد عن «الآخر»»: الذي كانت اليابان الحديثة تحاول أن 

تتشبه به. وفي أوائل القرن العشرين: عندما كانت كلمة فوروساتو هي صيحة 
الخضب التي رفعها دعاة الأيديوتوجيا المعادية للفرب. روج أستاذ ياباني ضي 
طوكيو فكرةٌ لإيقاف زحف المدينة الحديثة: دعا اليابانيين إلى مقاطعة المدن 
ورفض إمدادها بأي قوة بشرية جديدة. وحينذاك. يمكن أن تختفي المدن من 
الوجود؛ وتعود اليابان مرة أخرى لتكون هي اليابان. 





«الأسمنت» والديموقراطية 


وكان ترئيس الوزراءالسابق تاكيشيتا خطة لإنعاش الريف الياباني» وإن 
تكن ليست بالخيال الجامح نفسه للأستاذ الياباني. منح تاكيشيتا كل قرية 
وبلدة في الريف. وعددها ,7٠١‏ منحة من الخزانة العامة قيمتها حوالى 
مليون دولارء على أن تنفقها من أجل أن تجعل الريف أكثر جاذبية لسكان 
المدن. فما الذي فعلوه؟ قامت إحدى القرى بتنظيم جولات بالهليكوبتر 
للمقيمين فيها. واشترت قرية أخرى ذهبا. وأرسلت قرية ثالثة بعض ربات 
البيوت لقضاء عطلاتهن في أوروبا. وأنفقت إحدى القرى نصف ما هبط 
عليها من أموال المنحة على دراسة لمعرفة كيف تنفق النصف الآخر. وعلى 
الرغم من أن تاكيشيتا كان في التحليل الأخير؛ يحاول أن يشتري أصوات 
الناخبين بأسلوب من أكثر الأساليب فجاجة: فإنه من المثير للاهتمام أن نتأمل 
إلى أي مدى يصل رئيس وزراء في أواخر القرن العشرين؛ في تلمسه لنقاط 
الضعف التي يمكن أن ينفن منها في الوعي الشعبي. والموضوع الأكثر مدعاة 
للاهتمام هو مدى عدم قدرته على فهم خيال سكان المدن أو فهم الناس 
القاطنين في القرى العتيدة. 

عد كا 

إن من يعبر إلى الجانب الآخر من طريق توكايدوء لأول مرة: يداخله 
إحساس بأنه يعبر الحدود إلى دولة أخرى. صحيح أن المدن المبعثرة مكتظة 
بالطراز نفسه من البناء الرخيص والسيارات والمحلات التجارية ولافتات 
النيون وصالات الألعاب التي يمكن أن يصادفها المرء على طول شاطئ 
الباسيفيك. وصحيح أيضا أن البلدان التي يصادقها المرء على طول الطرق 
الرئيسية هي طبعات مصغرة من الشيء نفسه. بينما الأعمدة الكهربائية 
الخرسانية التي تحمل طيما بينها كثيرا من الكابلات والأسلاك المتشابكة التي 
تحجب الرؤية: وهي المناظر نفسها التي نراها في طوكيو أو أوزاكا أو ناجوياء 
كل هذا صحيح: ولكن الحال في جملتها مختلفة؛ لأن دواخل اليابان ليست إلا 
مستعمرة للواجهة. ذلك أنه؛ إذا تمكنت طوكيو من إقصاء الريف عن اليابان 
الجديدة الطموح؛ فإنهاء أي طوكيو. تمكنت أيضا من تحويل الجانب الآخر من 
طريق توكايدو إلى منطقة هامشية داخلية. ضفي الدواخل لا يوجد شيء 
عصري يمكن اعتباره ابنا حقيقيا لهذه الأرض. فهذه المناطق تستعير ثوبا من 
الهندسة المعمارية الحديثة والمصنوعات العصرية الموجودة في اليابان الجديدة 





اليايان: رويةجد تديدة 


بالطريقة نفسها التي سبق أن أخذت بها الهند وسنغافورة عن بريطانيا 
الإمبريالية صناديق البريد الحمراء والعمارة الكلاسيكية الجديدة؛ على نحو 
غير مريح: يوحي بعدم التناسق وبالتضارب والتشان: 

كثير من دواخل اليابان (أورا نيهون) ما تزال لم تمس؛ وغير مكتظة؛ وعلى 
فطرتها. فثمة قرى مقصية تماما عن جنون الحياة في طوكيو أو أوزاكا توكد 
الإحساس بأنها موجودة في غير زمانها كما في غير مكانها. ضفي مقاطعة 
ياماجاتاء على مسافة كبيرة من مقاطعة شيمانيء؛ توجد ثلاثة جبال يقدسها 
البوذيون والشينتويون. من أعالي أحد هذه الجبال: تستطيع أن تنظر جنوبا لترى 
سهولا فسيحة, عليها أحواض الأرز مطرزة حوافها بأعشاب وحشائش صيفية. 
وبينما تتأمل المنظر: تبدأ في تفهّم شيء من الدافع للإبقاء على هذا الريف على 
حاله؛ ويداخلك إحساس كأنك تنفن بناظريك لترى قرونا سابقة. ومن منا لا 
ينجذب إلى حلم إيقاف عجلة الاندفاع التكنولوجيء أو حتى إعادتها إلى الوراءة 

ولكن عندما يرى ا مرء اليابان الحديثة تنفق أموالا للإبقاء على اليابان 
القديمة. لكي تظل على حالهاء فلا يملك إلا أن يشعر بقسوة مثل هذا العمل. 
لأنه يحول الريف إلى متحفء كما يحول سكانه إلى معروضات أثرية؛ الهدف من 
الإبقاء عليها هو إعطاء الآخرين وهما بأنهم لا يزالون مبقين على أصالتهم. 

وفي الريف اليابانئي بعض القرى منسيةء حيث ترى محطات البنزين مهجورة 
والشوارع خالية حتى في وسط النهار. وتوجد قرى نائية أخرى في الجبال؛ 
يهجرها سكانها إلى الوديان في أثناء شهور الثلج الطويلة؛ ولا يعودون إلى قراهم 
إلا في أثناء موسم الزراعة. وفي هذه القرى شيء يستثير خيال أهل المدن: بمثل 
ما في القرى الأخرى في - الريف الثلجي أيضا - التي تأتيها معونات سخية 
تكفي لجعلهم يدفئون الشوارع ضي الشتاء. صحيح أنه لا يوجد إلا عدد قليل من 
القرى حياتها ميسرة مثل كاكياء ولكن يوجد عدد كبير منها يعيش نحت رعاية 
زعماء سياسيين من أهلها شقوا طريقهم ليحتلوا مراكز مهمة في طوكيو؛ 
وبالتدريج. تتاكد حقيقة أن الريف الياباني مريض يعاني داء متزايدا . وثبقي 
المعونات وأموال الدعم المريض على قيد الحياة (وعلى سبيل المثال تتلقى مقاطعة 
شيماني دعما ومعونات من طوكيو تصل قيمتها إلى أربعة أمثال ما ترسله إليها 
من ضرائب). ولكن المعونات لا تستطيع أن تبقي محطات السكك الحديدية 
مفتوحة؛ ولا السكان في منازلهم: ولا الشباب في قراهم. 





«الأسمنت» والديموقراطيهة 


في جزيرة كيوشو توجد قرية جبلية تسمى أوجوني ندناع08: محاطة 
بغابات أرز كثيفة. ولابد أن تكون أوجوني قد مرت بتجارب الزمن الماضي,» 
حين كان الريف يعج بالعاطلين: وبفلاحين فقدوا أراضيهم: ولسنوات طويلة: 
كانت البلدة يبهجها أن ترى أبناءها يذهبون للعمل في المدن. وبعد الحرب: 
أطلقوا على الشباب الذين يذهبون للعمل ضفي المدن اسم «الدجاج الذي يبيض 
بيضا ذهبيا»». لأنهم كانوا يرسلون جزءا من أجورهم إلى ذويهم كل شهر. 
واستمرت الحال هكذا إلى العام 1570 أو نحوهاء وكان عدد سكان أوجوني 
حينذاك حوالى 15 ألفا. ثم انحسر المد. وعندما قمث بزيارة إلى هذه القرية 
بعد ذلك التاريخ بثلاثة عقود؛ كان عدد سكانها قد انخفض إلى عشرة آلاف» 
كما لم يعد من بينهم من يتكلم عن الدجاج الذي يبيض بيضا ذهبيا. 
وأصبحت أذون الصرف البنكية التي يتسلمونها من الشباب أشبه بالحوالات 
البريدية التي يرسلها الباكستانيون أو الفلبينيون المغتريون العاملون في الشرق 
الأوسط إلى ذويهم. وفي ,154١‏ كان عدد الحاصلين على شهادة الثانوية 
العامة فضي القرية مائة وخمسين: جاءت ١٠١٠٠١‏ شركة تطلبيهم للعمل. وترك 
نصف هؤلاء الطلبة القرية بمجرد أن انتهى العام الدراسي؛ وتسرب من بقي 
منهم إلى خارجها - أيضا - في أثناء الشهور القليلة التالية. وتحلم أوجوني 
اليوم بالإيقاء على شبابها في أرضهاء أو في إعادة من تركها إليهاء وهي 
عملية يسموتها «خلفا در». وتوجد حالات «خلفا در قليلة في هذه المنطقة أو 
تلك من الريف اليابانيء» ولكن أوجوني تكاد لم تشهد حالة منها. وعندما 
زرتهاء كان متوسط أعمار سكانها خمسين عاما. وكانت محطة السكة الحديد 
يها قد أغلقت قبل ست سنوات, بينما كان المسؤولون ضفي البلدة يبذلون 
جهودا مضنية للإبقاء على خط الأوتوبيس الذي حل محل القطار. 

وفي محاولة للبقاء على قيد الحياة؛ تخترع القرى كثيرا من الخطط 
والمشروعات الوهمية؛ التي غالبا ما تعكس رغبات كافية لاستعادة شيء من 
الاستقلالية والهوية الغابرة. في أوجوني 1«لاع0: على سبيل المثال: أطلعني 
الناس على نمط معماري محلي من ابتكارهم: حيث السقوف قباب مصنوعة من 
عروق خشبية معشقة؛ تجدد الأمل في إحياء الطلب على أخشاب الأرز. وثمة 
معمل ألبان جديد ينتج نوعين من الجبن: «شيدر» و «جودا» وقد ألصق على 
العبوات بطاقات فاخرة بالفرنسية والإنجليزية. وفي أماكن متفرقة من الريف 





اليابان: رؤية جديدة 


يمكن أن ترى بساتين كروم؛ ومعامل تقطير مشروبات؛ وفي الفناء الداخلي 
للمنازل شجيرات البرتقالء ومزارع لأنواع غريبة من عيش الغراب. وثمة أمثلة 
أخرى لمشروعات وليدة الخيال الجامح. إذ عمدت إحدى القرى في يأماجاتا 
4 ؛؛ رحلت غالبية نسائها إلى المدن: إلى استيراد فتيات قلبينيات 
ليتزوجن مائتي ضلاح لا يجدون زوجات. وقرية أخرى أكثر طموحا وبحثا عن 
الشهرة: في إقليم توياما 10/3128 زرعت آلافا من زهور الكاميلياء ونظمت عيدا 
سنويا للزهور؛ ثم أقامت مسابقة قومية لمؤلفي الأغاني. وأصدرت أوراق 
يانصيب, الجوائز فيها قطع أرض في زمام القرية. وفي أثناء زمن اقتصاد 
الفقاعة أنفق أحد مشاهير الممثلين ١١‏ مليون دولار على مشروع (فاشل طبعا) 
لشراء قلعة من إسكتلنداء وتفكيكها وشحن أحجارها حجرا حجرا عير سيبيريا؛ 
ثم تجميعها في ممتلكاته لجعل قريته؛ في هوكايدوء أكثر جاذبية. 

عندما اقتربت من إنيوكوشي أذننا 1001 وهي القرية التي زرعت الزهور 
وأصدرت أوراق اليانصيب, أوحى منظر البيوت المبنية بالأخشاب والجصء ذات 
الأسقف القرميدية؛ بأنني في طريقي إلى مجتمع يتمتع بالرفاهية. كان الوقفت 
ربيعاء وأحواض الأرز تفيض بمياهها حتى أبواب البيوت وحواف الطرق. ومع 
ذلك كانت إينوكوشي نسخة مألوفة من قصص قرى الريف الياباني. كان عدد 
السكان قد انخفض بمقدار الثلث عما كان عليه في :150١‏ ومدرسة القرية 
المبنية بألواح الخرسانة المسلحة؛ التي بحاجة إلى الترميم؛ تتسع لعدد يتراوح بين 
"٠‏ و١٠‏ تلميث؛ ولكن المسجلين فيها ١6١‏ فقط. ومظهر المدرسة يذكّر بنظائر 
يمكن أن يراها المرء في أوروبا الشرقية:؛ والفناء الإسفلتي مليء بالتشققات 
والانبعاجات؛ وقد فعلت فصول الشتاء القاسية فعلها فيه. 

وعلى جانب الطريق كان فلاح عجوزء لوحت الشمس بشرته؛ يرش حقله 
بعبيد حشري من أسطوانة يعلقها على كتفيه. انتظرت بجوار جراره إلى أن 
انتهى من عمله. كان اسمه يوشيو كوباياشي. ولم يبد أنه اندهش لرؤية أحد 
الأجانب يقف على رأس حقله. كان قصير القامة وإن يكن قوي البنية» ضفي 
ظهره انحناءة خفيفة مثل كثير من أبناء جيله؛ بفعل سنوات عمره التي قضاها 
في شتل الأرز. وعلى القرب كانت زوجته تشتغل في صمت بنزع الأعشاب 
الضارة من خطوط الزراعة؛: وعلى رأسها قبعة من القش وحول عنقها وكتفيها 
وشاح: وفي ساقيها حذاء طويل من المطاط. 





«الأسمنت» والديموقراطية 


كانت للسيد كوباياشي قصة مألوفة أيضاء اثنان من أولاده يعملان ضفي 
الحضرء أحدهما في مدينة بعيدة: والآخر على مسافة ساعتين من القرية. 
ولم يبق في القرية لمساعدته إلا ابنه الكبير الذي يقوم بالتدريس في مدرسة 
قريبة: وفي الربيع والخريفء. يعتمد كوباياشي على مساعدة أهل القرية في 
مواسم الزراعة والحصاد؛ وهي عادة ريفية قديمة. كان يمتلك هكتارا واحداء 
أي حوالى فدانين ونصفء ولم يكن ذلك كافيا للوفاء بضرورات معيشته. قال 
لي إنه بحاجة إلى زراعة أرض تتراوح مساحتها بين ٠١‏ و١٠‏ هكتارا لتسيير 
أموره. فما الذي يجعله يستمرة لم يُخف كوباياشي دهشته عندما سمع 
السؤال؛ أجاب: «أنا ولدت هناء وهذا هو المكان الذي أعرفه وآلفه وأحبه. 
ألست أنت كذلك5» أجبت ليس بالضرورة: فجاء رده: «على كل حال؛: هذه 
قريتي» وهنا داري وأرضي؛ أخذتها عن آبائي وعلي أن أحميها». 

في اليابان اليوم يكاد لا يوجد أحد يستطيع أن يفي بضرورات حياته 
اعتمادا على العمل في الفلاحة دا ريما أقل من واحد في المائة من 
العائكلات. غالبية الفلاحين يعتمدون جز تيا على دخل من مصادر أخرى: 
الشغل في المصانع: العمل المؤقت؛ والحوالات البْريدية . هكذا يعد السيد 
كوباياشي إنسانا نادراء إنه المواطن المثالي للريف الياباني العتيد: رجل يعيش 
حياة غير عملية بروح عالية. محترم لمشاعر الإنسانية الأصيلة: والعادات 
والتقاليد الموروثة. ولو لم يكن كوباياشي موجودا ‏ هكذا ذهبت بي أفكاري ‏ 
لاخترعه القادة السياسيون في العاصمة طوكيو. ونَفَرُ أو اثنان من كبار 
الباحثين: وأبناء جيله من الضائعين المقيمين شي المدينة: ولكنهم كانوا قد 
اخترعوه بالفعل: فهم يقدمون الدعم لأسعار الأرز الذي يزرعه: والجرار 
والمبيدات التي يستخدمهاء ولقريته كلها . 

لم أجد في قرية إينوكوشي سوى مصنع واحد. في نهاية طريق ترابي؛ 
بالقرب من معبد معتنى به لطائفة الشينتو. كان مصنعا صغيرا يستخدم 
النفايات المعدنية لصناعة لافتات وعلامات الطرق. ولفترة طويلة خلتء كان 
وجود مصنع صغير أو اثنين من المعالم المألوفة لاقتصاديات القرية. ولكن؛ في 
هذا الضدد صغير دواخل اليابان: يمكل ما تقيرت المستعمرات على مدى 
السنوات الطوال. على طول الطرق الرئيسية يمكن أن نرى أحواض الأرز على 
حافتها مصنع كبير وإلى جواره ساحة لوقوف السياراتء ثم مزيدا من الحقول 





اليايان: رؤية جديدة 


ومصنعا آخر. وفي بلدية أكيتاء في الشمالء؛ تفوقت الصناعة على الزراعة 
كمجال أساسي للنشاط الاقتصادي في أواسط الثمانينيات. وفي خلال بضع 
سنوات؛ وصل الإنتاج الصناعي إلى خمسة أمثال إنتاج المنطقة من الأرز 
والفاكهة. ورحب الناس بفتح مجالات جديدة للعمل: طبعاء ولكن حصيلة 
التغيير الذي جاءت به الصناعة لم يكن في جملته إيجابيا. فغالبية المصانع 
المتنائرة على مدى النظر شي ريف إقليم أكيتا تشتغل بتجميع السلع 
الاستهلاكية الإلكترونية: وهي الأشياء التي كانت اليابان قد شرعت فضي 
صناعتها في ماليزيا وإندونيسيا. وكانت تلك هي الحال في جميع أرجاء 
الريف الياباني. لأنه عندما تصبح الصناعة الحديثة لها الاعتبار الأول: إن 
الريف الياباني: في سعيه للحصول على مزيد من الاستثمارات اليابانية 
يصبح منافسا لجنوب شرق آسيا وكوريا الجنوبية والصين. 

والواقع أن الدواخل اليابانية هي باستخدام مصطاحات الاقتصاديين ‏ 
منطقة اقتصاد صناعي جديد: أي منطقة من مناطق العالم الثالث تبذل قصارى 
جهدها لاجتذاب رؤوس الأموال والتكنولوجيا المتقدمة. وباعتبارها إحدى مناطق 
العالم الثالث؛ يُعد الاستثمار في الريف الياباني من وجهة نظر شركات العاصمة 
أمرا مكلفاء وغاليا ما يخسر الريف الياباني في المنافسة مع المناطق الأخرى 
للاقتصاد الصناعي الجديد؛ لأن العملة المستخدمة فيه؛ وهي الين؛ هي ضي 
الحقيقة عملة الأمة الغنية على الجانب الآخر من طريق توكايدو. قابلت ذات مرة 
في طوكيوء رئيس مجلس إدارة شركة تصنع المواتير الكهربائية الصغيرة؛ من 
النوع الذي يستخدم في أجهزة المطبخ وشبابيك السيارات: وكان قد ضرغ لتوه من 
عمل استثمارات لإقامة مصنع جديد تابع لشركته في تايلند. ومن بين تكاليف 
الشركة الجديدة إقامة مساكن للعاملين ومصاريف طائرة خاصة تنقل المدير من 
اليابان إلى تايلتد ‏ ذهابا وإيابا. وبينما كنت أتأمل معه خريطة جغرافية للتعرف 
على المشروعء: سألته عن السبب الذي يجعله يدفع كل هذه النفقات في بلد 
خارجي وليس ضي الأقاليم اليابانية. أجاب: «ليس ثمة سوى أمرين اثنين تختلف 
فيهما تايلند عن الدواخل اليابانية؛ الأول أن تايلند أرخص كثيراء والثاني أنك ضي 
تايلند تحتاج إلى جواز سفر». 

وقد دكرني رئيس مجلس الإدارة هذاء بأول رحلة إلى الجانب الآخر من 
طريق توكايدو؛ حين طرت إلى إيزومو: وهي مدينة صغيرة على شاطئٌ بحر 





«الأسمنت» والديموقراطية 


اليابان» لعمل لقاء مع عمدتها الجديد, تتسوندو إيواكوني نصناءلة/17 00مناقاء 1 . 
كان العمدة رجلا غير عادي. شب عن الطوق في بلدة منشته؛ ثم أبلى بلاءحسنا 
في العالم الواسع خارجهاء وأخيرا عاد إليها مرة أخرى, إنه حالة خاصة, 
شديد الاعتزاز بإنجازاته؛ من بين أولكك الذين اغتريوا ثم عادوا . كان قد حصل 
على درجة علمية من جامعة طوكيوء ثم اشتفل في البنوك التجارية. وبعد 
ثلاثين عاما في طوكيو ونيويورك ولندن وباريس؛ عاد إيواكوني إلى بلدته 
إيزومو وني نيته ألا يقضي فيها سوى عطلة قصيرة. ولكنه سرعان ما ترك 
مشاغله ليستقر فيهاء ورشح نفسه لمنصب العمدة: ونجح في الانتخابات. 
والحق أن إيواكوني كان من بين المسؤولين اليابانيين القلائل الذين قابلتهم ممن 
تفهموا الريف الياباني على حقيقته؛ وربما يرجع ذلك إلى أنه رأى كثيرا من 
العالم الخارجي فأصبح أكثر قدرة على التأمل والمقارنة. 

قال لي إيواكوني ونحن ضي القاعة المتواضعة لبلدية إيزومو: «لقد اكتشفت؛ 
بعد ثلاثين عاما في الخارج: أن بلدتي لا تعد جزءا من دولة متقدمة:؛ إنما هي 
تكرار للنفط الذي تصادفه في العالم المتخلف». 

# ا 

ولا يوجد أناس كثيرون: على جانبي طريق توكايدو؛ ممن يحبون أن 
يعترفوا بأن العمدة إيواكوني على حق في ملاحظته. ولكن الحقيقة واضحة؛ 
في تجلياتها الكبيرة والصغيرة؛ وهي الصدق في أذهان الناس (حيث يبدأ 
وينتهي مفهوم الاستعمار)؛ بمثل ما هي واضحة وصادقة في القرى وعلى 
امتداد الطرق. وبالنسبة للمسافرء يمكن تشبيه اليابان على الجانب الآخر من 
طريق توكايدو بأفريقيا أو أمريكا اللاتينية. حيث يلاحظ أن آثار أقدام المركز 
الإمبراطوري تخف بالتدريج كلما ابتعدنا. وقد ساد الاعتقاد طويلا بأن 
الاختيار الأمثل للسفر من نيروبي في شرق أغريقيا إلى لاجوس في غربها؛ أو 
من ريو في شرق أمريكا اللاتينية إلى جواياكيل في غربهاء هو عن طريق لندن 
في الحالة الأولى أو ميامي ضي الحائة الثانية. لأن طرق الاتصال عبر القارتين 
إما محفوفة بالمخاطر وإما أنها غير موجودة أصلا. ولا تزال الصلة بين 
الأقاليم المختلفة للدواخل اليابانية (إيناكا 13010) على الحال نفسهاء كذلك 
هي حال الناس العاديين حين يحاولون فهم أنفسهم؛ والمقاطعات في الدواخل 
اليابانية وحدود غالبيتها مرسومة وفقالما كانت عليه حدود أملاك 





البابان: رؤية جديدة 


الإقطاعيين المحليين القدامىء أشبه بمواقع على محيط عجلة؛ ترتبط كلها 
بأذرع تمتد إلى العاصمة طوكيوء وليس بيعضها البعض. 

وفي اليابان المعاصرة نوع من التباعد الموروث منذ القدم؛ كانت الإقطاعات 
تضمر نفورا عنيدا تجاه الإقطاعي المحلي (شوجون).؛ والبيروقراطية 
العسكرية في إدو. ولكن كل إقطاعية كانت تتمايز عن الأخرى. والأراضي 
الوعرة له لخن 01 تشجع على التجارة والاتصالات البعيدة؛ بل كان ثمة منافسات 
وغيرة وعزلة ٠‏ وتوجد قرى كثيرة في الريف الياباني لم تمر بها طرق توصلها 
بالعالم الخارجي إلا في عشرينيات القرن العشرين. وفي مقاطعة توياما 
8 6 توجد منطقة أرضها من الجلاميد والصخور العائية والانحدارات 
المروعة تسمى توجا 1082؛ ومعناها في اللغة الياباتية القديمة «العقاب» 
وكان الشوجون (الإقطاعي المحلي) يرسل المنفيين المحكوم عليهم إليها. حيث 
الهروب مستحيل. وما تزال هذه الأراضي تتنائر عليها بيوت ريفية 3 ومخازن 
للغلال؛ ذات أسقف من القش والخيزران: تبدو كأنها 0 إلى عصر غابر: أو 
كأنها رسوم بالأحبار القديمة: لا تتبينها الأعين إلا بعد ذوبان الثلوج. 

في صيف ,١147١‏ ذهب أحد المصورين ممن كانوا قد اتجهوا إلى استخدام 
الألوان الزيتية بالأسلوب الغربي؛ إلى جزيرة هوكايدو الواقعة في أقصى 
الشمال؛ ونفن منظرا طبيعيا فيه العديد من الملامح المميزة. تصور اللوحة 
غابة بكرا من أشجار باسقة ذات جذوع كثيرة الالتفاف والعقد. وضي وسط 
الملنظر درب ترابي يشق الغابة؛ تتباطأ في منتصفه كوكبة من الفرسان. وعلى 
البعد عند النقطة التي يغيب ضيها الدرب عن البصرء يُرى عمود تلغراف 
مرسوم بعناية. وهذه اللوحة تصور ال موقع الذي هزم فيه جنود الإمبراطور 
مقاومة الجزيرة الأخيرة للإحياء الميجي. وصورت لتخليد ذكرى اكتمال 
الحكومة المركزية بسلطتها ونفوذها على الأقاليم. وعندما عاد المصور إلى 
طوكيو؛ ووضع على لوحته اللمسات الأخيرة: أهداها إلى وزير الحربية. 

من السهل أن نتفهم الأسباب القوية التي دفعت لإقامة مركزية الدولة بعد 
. وكان الشعار الذي رفعته طوكيو بمجرد استعادة الإمبراطور لسلطاته 
هو «القضاء على الهان 35 (أي الإقطاعات المحلية) وإقامة المقاطعات». 
وأنجز هذا بسرعة في١1417.‏ وبتحويل الإقطاعيات إلى مقاطعات. مال ميزان 
السلطة الحساس بين الدايميو والشوجون لمصلحة المركز بشدة: ومنذكذ تصر 





«الأسمنت» والديموقراطية 


طوكيو على تأكيد هذا التوجه. فقد كان قادة الإحياء الميجى حريصين على 
القضاء على هوية الأقطاغياك زهان الضلحة الر' القوي التعدين» كانواء 
بلغة أيامنا هذه. بناة أمة. ولكن» وكما نعرف جيدا في زمائنا هذاء تفضي 
محاولات القضاء على الهوية المحلية إلى دفع الناس إلى مزيد من التمسك 
بتمايزاتهم» وغالبا ما تفضي؛ لا إلى خلق أمة واحدة: وإنما خلق أكثر من أمة. 

في الأيام الأولى للتتحديث, استٌقبلت مواقف الريفيين بمزيد من الهزء 
والسخرية. في الريف؛ ابتكر الناس حكايات عن الأصوات التي تصدر عن 
القطارات في أثناء الليل: وتخيلوا أن السرير الحديدي إن هو إلا جهاز لشي 
الآدميين: وأن أعمدة التلغراف على صلة بأعمال السحر المسيحي. ومن السهل 
الخلط بين هذه التخيلات ومشاعر العداء للأجنبي. ولكن مشاعر العداء 
لالأحانب ايسا من السهل أن يساءفهمها : لسن بالضترؤزة أن يكون الريفيون قد 
رغبوا في قص ضفائرهم والجلوس على الكراسي ووضع القبعات على رؤوسهم 
لمجرد أن المركز ‏ العاصمة؛ المستعمر ‏ اتخن قرارا بأن تلك هي الطريقة التي 
تدخل بها اليابان العصر الحديث. ولكن الواقع أن التحديث جاء بأشياء غير 
مرغوبة في الريف. حيث كان يعني التخلي عن التقاليد الصغيرة المألوفة من أجل 
أشياء عظيمة: والتحول إلى نمط الساموراي العصري. كذلك كان التحديث يعني 
(121-0) الالتحاق بالغرب؛ والالتحاق بالغرب يعني بدوره التخلي عن آسيا 
-1001511. وأن يقاوم الياباني التخلي عن آسيا لإرضاء ميوله الشخصية: ولمواصلة 
تطوره الطبيعي يعد أمرا يخضع لمنطق الرجل العادي أكثر من أن يكون جزءا من 
الشعور بالعداء للأجانب. 

ولليابان تقاليد طويلة ومعروفة في كراهية الأجانب. ولكن الوم ف 
اليابان وما صاحبها من شوفينية كانت اختراعا مدينيا وليس قروياء إنها 
عنوان التقاليد العظيمة؛ لا التقاليد البسيطة:؛ ذلك أن المدينة هي التي جرت 
فيها عملية التشويش الذهني لليابان فيما يتعلق بمعنى أن يكون المرء يابانيا. 
وغالبا ما يقال للأجنبي إنك لم تُقابّل في الريف إلا بكثير من الصمت 
والفظاظة, (وماذا تكون كراهية الأجانب في صورتها الخالصة أكثر من هذاة) 
ولكن: بمضي الوقت ستصبح القرية غير مخيبة للرجاء. وهذا كلام يسري 
على الريف أيتما كان: ولكن من المؤكد أنه لم يعد يسري على الريف الياباني 
بدرجة أكبر من الأماكن الأخرىء بل ربما أقل. والعداء للأجانب لا يزال أكثر 





اليايان: رؤية جديدة 


وضوحا في االمدن الكبينرة الواقعة على شاطئ الباسيفيك مما هو في أي 
قرية في أعماق الريف. وفي الريف اليابانيء على المرء أن يظل قادرا على 
التمييز بين الكراهية لما هو أجنبي؛ والكراهية لما تفرضه العاصمة طوكيو على 
محيطها الريفي. ْ 

لقد مضى مائة وعشرون عاما منن رسم مصور عصر الميجي لوحته 
التذكارية التي تمجّد حملات طوكيو الأولى للقضاء على الشخصية المحلية 
وما ؤلنا قادرين على تبين نجاح هذه الحملات في تمائل مناظر مختلف جهات 
الريف في يومنا هذا. زحف التنميط بطيكا. ولم يحدث أن عم التجانس 
والقبح جميع الجزراليابانية ‏ بعد أن كان من قبل واضحا بين طريق توكايدو 
وشاطئ الباسيفيك ‏ إلا بعد الحرب العالمية الثانية: فالهندسة المعمارية خليط 
متناضرء ولوحات الإعلانات والنيون؛ ومقابر السيارات القديمة والخردة 
المترامية الأطراف؛ وغابات أعمدة الخرسانة المسلحة؛ هذه معالم تميز توسع 
السلطة السياسية والاقتصادية نفسها الذي أوحت به هذه اللوحة من عصر 
الميجي؛ وهي السلطة التي جعلت الدواخل اليابانية في توجه معاكس للوفرة 
التي نتجت عن التحديث. غفي جميع أرجاء اليابان توجد التوقيادت نفسها 
والنمط نفسه من المحلات التجارية: والأفلام نفسهاالتي تُعرض في 
السلاسل القومية لقاعات العرض. وكل هذه تستفز وتثير النفور نفسه الذي 
سبق أن أحدثته «المدنية والتنوير». وجعلت معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة 
في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ‏ لعبارة «الرتابة ضي قلب التنوع» 
وقعا مألوفا في جميع أنحاء البلاد. وما تزال هذه العبارة تتواخر على الأسماع 
حتى اليوم. وهي من بين الأسباب التي تجعل ساني الدواخل اليابانية 
يبتسمون ابتساماتهم الماكرة. 

# و 

كانت اليابان الحديثة: وما تزالء يتملكها هاجس السرعة والتعجل. وكثير 
من الأخطاء التي وقعت يها أثناء القرن المنصرم؛ يمكن إرعاجها إلى إحساس 
دفين بالتعجل. وهي الأخطاء التي من بينها الإقدام على محو الهوية المحلية 
عوضا عن احتوائها. ويجب أن يكون واضحا أن القادة اليابانيين في اندفاعهم 
السريع لم يكن في ذهنهم أي شيء يتعلق بالثقافة أو التقاليد أو السمات 
الموروثة. وإنما كانت البداية هي الرغبة القوية للحاق بالغرب؛: وهي رغبة كانت 





«الأسمنت» والديموقراطيهة 


انعكاسا لإحساس بالدونية والقلق والخوفء. ثم جاءت الهموم التي تملكت 
طوكيو في القرن العشرين: الإمبراطورية واقتصاد الحربء ثم إعادة البناء 
والتنمية السريعة بعد الهزيمة. هذه كلها أمور عززت تعجيل الاندفاع نحو قلب 
العصر الحديث من البداية. 

هكذا «خدعت» طوكيو الآخرين: بدا كأنها شرعت عامدة تطلق من البداية 
يابان للواجهة: ويابان ثانية خفية في الخلفية. ولكن الحقيقة هي أن توزيعا 
جغرافيا متناسقا للأصول الإنتاجية لم يكن من بين الأهداف التي أعطيت 
اعتبارا كافيا من البداية؛ وهو هدف من الطبيعي أن يتوقعه الآخرون في مشروع 
للتحديث,؛ أنجزته اليابان بكل هذا الوعي والتصميم. ومع الوقتء لم تتغير 
الوضعية؛ إلا إلى الأسوأء لم يهبط الاقتصاد فورا إلى حالة من اختلال التوازن؛ 
انتشرت الصناعات الأولى في أرجاء الجزر اليابانية منجذبة انجذاب ال مغناطيس 
لأقطاب غنية بقوة العمل والخامات اللازمة. ولكن؛ في سنوات الميجي الأخيرة, 
وبخاصة في العشرينيات من القرن العشرين؛ عندما جاءت الصناعات الثقيلة 
على تنطاق واسع؛ تأكدت ملامح الواجهة؛ وتركت الدواخل في الخلفية. تغيرت 
الأقطاب الجاذبة؛ وشرعت القوة العاملة تبحث عن فرص العمل في مصانع 
الواجهة وتجلى التركيز الاقتصادي في المواقع القريبة من المواني والأسواق. وفي 
الثلاثينيات؛ من القرن نفسه: بنت اليابان أربع مناطق صناعية كبيرة. وعلى 
الرغم من التغييرات التي شهدها الاقتصاد الياباني؛ فإن هذه المناطق لا تزال 
هي القلب. والوحيدة من بين هذه الأربع التي لا تقع على شاطئ الباسيفيك 
(الموجودة شمالي جزيرة كيوشو): يمكن اعتبارها محطة أخرى على طريق 
التوكايدو. لو افترضنا مد الطريق العتيد عبر الجزيرة. 

وبعد الحرب؛ عندما وصلت الهجرة الداخلية لشواطيٌ الباسيفيك إلى 
معدلات رهيبة؛ تفاقمت الحال في الريف الياباني إلى درجة أثارت اهتمام الأمم 
المتحدة. وفي أواسط الستينيات قام فريق من خبراء الأمم المتحدة بجولة في 
البلاد. شبيهة بالجولات التي يقومون بها في الدول الجديدة في أفريقيا وجنوب 
شرق آسياء نصحوا على أثرها طوكيو أن تبني شبكة من الطرق والسكك 
الحديدية والكباري؛: تدمج أرجاء الجزر اليابانية في الوطن الواحد . ومما ورد 
في تقرير هؤلاء الخبراء أنه «بعد إنجاز بناء هذه الطرق والمواصلات: ستتفير 
صورة اليابان». ومنذئن أصبحت فكرة «يابان جديدة» أو «سياسة جديدة تجاه 





اليابان: رؤية جديدة 


الأقاليم» شعارا سياسيا دائماء قادرا على جذب أصوات الناخبين؛ لأن الناخين 
في المدن يشعرون بأن حياتهم المختنقة أصبحت,؛ عاما بعد آخرء لا تُحتمل؛ ولأن 
الناخبين ضي الريف يشعرون بأن اليابان الحديثة قد أهملتهم. 

وليست اليابان متفردة في مركزيتها الشديدة: فتلك ظاهرة مألوفة في 
العالم النامي ‏ في ماليزيا وإندونئيسيا كما شي البرازيل والمكسيك. وضرنسا 
نموذج آخر جدير بالمقارنة: فهي تعاني أيضا من النزوح السكاني والتمركز 
الصناعي وندرة القاطنين في القرى. ولكن فرنساء كدولة متقدمة: لا تعاني 
مثلما تعانيه اليابان من مشكلات؛ فاقتصاد فرنسا وعلاقاتها الخارجية وحياة 
الفرئنسيين: كل هذه لم تصبها تشوهات بسبب أسلوب تحديث الصناعة؛ ولكن 
الأمر يختلف بالنسبة لليابان: التي لديها مشاكل تتعلق باستيراد سلع ومنتجات 
خارجية أكثر من العادي والمألوف. كما أنها لا تستطيع أن تزيد استهلاكها 
كثيراء لا في المدن حيث إن المكان لا يتسع؛ ولا في الريف حيث إن الدخل لا 
يكفي. كما لا تستطيع اليابان وللأشحات يها أن تقال فسادزانها بشن 
محسوس. ونادرا ما تُتاقش هذه المشكلات خارج اليابان. ولكن العالم 
الخارجي؛» سواء فهم أو لم يفهم؛ يعرف النتاكج جيداء قال لي العمدة إيواكوني 
ذات مرة: «إن المركزية الشديدة ليست هي مشكلة اليابان الأولى؛ إنما هي 
الخلافات التجارية الدولية التي تتسبب فيها». ويستطرد : «ولكن إن لم نتمكن 
من إيجاد حلول لاختادل التوازن الداخلي؛ فإننا سنعجز عن إيجاد حلول 
للمشكلات الخارجية». 

ومن الكتب المرموقة في هذا الموضوع كتاب بناء يابان جديدة ه كوستلاندظ8 
قصةل 2169, الذي نشر العام 19177.ء والمؤلف هو كاكوي تاناكا أعنامافك] 
8" صائع الزعامات السياسية العليا في يابان ما بعد الحرب. تُشر الكتاب 
قبل توليه منصب رئيس الوزراء. وقدم الكتاب المشروع الكبير لإجراء إعادة 
صياغة كاملة للجزر اليابانية: على النحوالذي يليق بأقوى رجال السياسية 
المحدثين. مس المؤلف بيسر مشاعر الناخبين العاديين: الرجال والنساء الذين 
كانت رؤوسهم تدور بفعل سرعة دوران عجلة التنمية والتغيير بعد الحرب. كان 
تاناكا ابنا عنيدا لأرض نيجاتاء لم ينس أبدا أصله القرويء ولم تخفت مشاعره 
الريفية الدفينة؛ بل إن صوته ذات مرة ارتفع بأغنية شعبية ريفية دارجة في أثناء 
حضوره اجتماعا لصندوق النقد الدولي. وفي كتابه بناء يابان جديدة كتب تاناكا: 





«الأسمنت» والديموقراطية 


إن التحول الجمعي السريع لحياة المدن أوجد عددا كبيرا من الناس الذين لم يستمتعوا قط 
بمناهج الحياة الريفية؛ مثل صيد الأرائب في الجبالء أو صيد الشبوط الأصفر شي الترع والجداول» 
هؤلاء الذين لا بيت لهم إلا شقة ضيقة في مدينة كبيرة هائلة. فكيف: والحال هكذاء يمكن أن ننقل 
إلى الأجيال القادمة خصائص وتقاليد الأمة اليابانية؟ 

كان تاناكا طموحا. كان يشتفل بالمقاولات قبل الحرب؛ وعندما أصيح ركيسا 
تقدم باقتراح طموح «لإعادة تشكيل الأرخبيل الياباني»» كما لو كان الأمر يتعلق 
ببيت عادي في ضاحية مدينية مكتظة. ووعد بنشر اللامركزية في جميع أرجاء 
اليابان لإعادة بناء سكن الشعب الياباني: الذي كان قد ضاع ودُمر. ولكن على 
الرغم من كل ما عبر عنه الكتاب من حنينء لم يخجل المؤلف من طرح اقتراحات 
تتعلق بالسياسات العامةء حيث ذهب إلى ضرورة مراجعة قواعد الانتفاع 
بالأرض؛ وإعادة توطين الصناعات؛ وبناء روابط وصلات لم يسبق أن وجدت: 
طرق وسكك حديدية وأنفاق وشبكات اتصالات طال الحديث عنها سنوات 
وسنوات. تدّرع صانع الزعامات العتيد باختلال توازن الخريطة الاقتصادية 
للافصاح عن رغبته في جذب إكبر سناعة من المناطق الفقيرة لليابان إلى دائرة 
اليابان السريعة النمو التي كان هل ري 7 

وعلى الرغم من أن معاوني صائع الزعامات ومرؤوسيه هم الذين صاغوا 
عبارات الكتاب وكتبوها من أجله؛ فإن «بناء يابان جديدة» تتجلى فيه رؤية 
واضحة لا تصدر إلا عن قائد عظيم: (أو هذا ماكانت تمد به شخصية تاناكا). 
ومما يجعل للكتاب جاذبية خاصة ‏ حتى بعد مضي أكثر من ربع قرن على 
تأليفه ‏ أثنا على ألفة بروح السخرية والتبسط التي أضفاها تاناكا ومريدوه ‏ 
في السياسة والصناعة ‏ على المهمات العملية المطروحة بصراحة في كتاب 
يخاطب الناس العاديين. وما تزال هذه الروح تتجلى في كل مكان في اليابان؛ 
لأن اليابانيين اعتبروا تاناكا مهندس «دولة الإنشاءات»»: إن لم يكن هو مبدعها. 

ودولة الإنشاءات هي قلب نظام ما بعد الحرب فضي اليابان. وهذه الحقيقة 
تساعد على فهم سعي طوكيو المحموم لتحقيق تنمية اقتصادية سريعة بأي 
ثمن. وهذا ما نقصده حين نصف الديموق راطية اليابانية بأنها نوع من 
«سياسة الفلوس». كما أن هذا هو السبب في أنناء أحياناء نصور اليابان 
كسفينة بلا دفة؛ أو كآلة خرجت عن السيطرة. صحيح أن ثمة أشخاصا في 
مراكز التحكم والتوجيه: السياسيون:؛ والمسؤولون البيروقراطيون» ورجال 





اليابان: رؤية جديدة 


الصناعة, أي الثلاثي الذي تونّى زمام الأمور في اليابان منذ العشرينيات 
(باستثناء فترة الحرب). ولكن: منذ رئاسة تاناكا أصبحت الآلة أكبر من 
مسيّريهاء أصبحت كأنها فرانكنشتين. 

ولا تتمتع آليات دولة الإنشاءات بأي قدر من الشفافية. ومن الصعب - 
حتى على اليابانيين ‏ أن يتبين الناظر قلب البصلة من خلال كل شرائحها - 
كما يقولون. غير أن المخطط العام للنظام بسيط: تبدأ الأمور في طوكيو: 
حيث يجري الإنفاق بسخاء على مشروعات الأشغال العامة؛ من خلال عقود 
بمكات البلايين من الدولارات بعد مناقصات شكلية؛ مراعاة للمظاهر. 
وتساعد هذه المشروعات في إرضاء جمهور الناخبين؛ أو على الأقل ضمان 
نصيب لهم يرتزقون منه؛ وذلك على الرغم من المبالغة الشديدة في الإنفاق؛ 
لأن جزءا من نفقات كل تعاقد لابد أن يذهب إلى دعم النظام السياسي. بداية 
تقتطع نسبة مئوية معتبرة من كريمة التورتة؛ وفي المراحل التالية: تقدم شركة 
المقاولات والإنشاءات منحا وتبرعات كبيرة للحملات السياسية: وأخيرا يجري 
تأجير وتوظيف السياسيين المتقاعدين؛ أو الذين على وشك التقاعد من 
النظام الذي ليست العملية الانتخابية إلا جزءا منه. 

وإذا أخذنا في الاعتبار أن كل الأموال التي تُنفق هي أموال دافعي الضرائب 
اليابانيين» فإن دولة الإنشاءات هي من دون أدنى شك . أكبر مثل على الفساد 
الحكومي في الدول المتقدمة. ولإعطاء صورة واضحة لهذا النظام؛ يقدم الباحث 
الاقتصادي جافين مكورماك عألننتترهن0ء81 015 الأرقام التالية: في ١5517‏ 
أنفقت طوكيو ١٠؟‏ بليون دولار على إنشاءات الأشغال العامة: أي ما يقرب من 
نصف الميزانية العامة كلها. وبالمقارنة بالولايات المتحدة؛ وأخذا لعدد السكان ‏ 
في البلدين ‏ في الاعتبار» فإن نصيب الفرد الياباني من هذه النفقات يبلغ مرتين 
ونصف المرة نصيب نظيره الأمريكي. وإذا أخذنا في الاعتبار النسبة بين 
مساحتي البلدين؛ فإن الإنفاق الياباني يصبح قدر الإنفاق الأمريكي ١"‏ مرة, 
ولا غرابة أن أثقلت دولة الإنشاءات كاهل اليابانيين بدين وطني عام هائل وصل 
عند نهاية 1194 إلى 8,/ تريليون دولار» وهذا ما يعادل أكثر من ريع الناتج 
السنوي لليابان. وبمنظور مقارن نستطيع أن نقدر فداحة هذا الدين إذا عرضا أن 
الاتحاد الأوروبي يشترط على الدول الأعضاء ألا تزيد نسبة الدين المحلي لكل 
منها على ١‏ في الماكة من مجموع الناتج السنوي لها. 





«الأسمنت» والديموقراطية 


لم يخترع تاناكا دولة الإنشاءاتء وإنما كل ما ضعله هو أنه وضعها تحت 
السيطرةء حيث حمل «نظام 2١1500‏ (الذي جعل حكم الحزب الواحد أساسا 
للسياسة اليابانية). حمله إلى نهايته المنطقية. وفي أثناء العام الأول لتوليه 
منصب رئيس الوزراءء ارتفعت ميزانية الأشغال العامة بنسية الثلث. وما إن 
استقرت الأمور لسلطاته؛ إلا وكان اليابانيون قد اخترعوا مصطلحا جديدا 
لتوصيف أسلوبه في العمل؛ ألا وهو كوزو أوشوكو ل010ط03 020ك1: ويعني 
الفساد البنيوي, أي الفساد الذي ضرب بجذوره فضي الأرض وامتدت أذرعه 
في كل مكان إلى الحد الذي لم يعد عائقا أمام النظام أو حتى مخلا بسمعتهة؛ 
وإنما أصبح النظام هو الفساد البنيوي والفساد البنيوي هو النظام. وهذا هو 
ما أصبح مسموحا به لليابانيين كبديل عن نظام ديموقراطي حقيقي وفعال. 

نحن نتذكر تاناكا اليوم باعتباره صانع الزعماء الذي تصدر قائمة فضائح 
كبار المسؤولين مع شركة لوكهيد في منتصف السبعينيات. ولكن الأمر مختلف 
بالنسبة لأبناء الريف اليابانيين من جيله الذين لا تعتبر رشاوى شركة لوكهيد 
بالنسبة لهم إلا أمرا ثانويا للغاية. فالسيد تاناكا بالنسبة لهم شخصية مبجلة؛ 
فهو الذي منح نيجاتا د وهي مقاطعة عائلته؛ طريقا بريا لطوكيوء وخطا 
حديديا فائق السرعة يخترق أحواض الأرز المحيطة. كأنه يذكرنا بقنوات 
الإمبراطورية الرومانية المعلقة ذوق الريف الإيطالي. وتعد مدينة نيجاتا ‏ الواقعة 
على بحر اليابان شاهدا حيا على المشروعات القومية الكبرى التي بدأها تاناكاء 
طهي مدينة غنية؛ تضج بالنشاطء وتنبض بالطموح والصناعة. وهىي محسودة من 
كل الأقاليم الأخرى. ولكن في المواقع الأخرى تتكشف تلك المشروعات على 
حقيقتها كبئر فساد حكومي لا قرار لهاء فحتى اليوم؛ يوجد في جميع أنحاء 
اليابان عدد لا يحصى من الطرق التي لا توصل إلى أي مكان ذي شأن: والكباري 
التي لا تستخدم؛ وحواجز الأمواج التي لا لزوم لهاء ومشروعات استصلاح 
اراهن عي ناروسة, ونتسات غير مكتملة البناءء ومراكز تكنولوجيا مهجورة 
يُقال إنها كانت تهدف إلى تقريب الريفيين والبسكاء من التكنولوجيا العالمية 
(هاي تك). وكل هذه مشروعات لم يكن لها نتائج تُذكر في تعزيز اللامركزية 
في اليابان» وإنما عززت جميع مواقع وثروات ونفوذ المقاولين. 

وقد كان لرئيس الوزراء تاناكا كثير من الورثة السياسيين؛ من أشهرهم 
ياسوهيرو ناكاسوني؛ رئيس الوزراء معظم الثمانيتيات. ونويورو تاكيشيتاء 





اليايان: رؤية جديدة 


الذي يمتلك وعائلته معمل تقطير الساكي في كاكياء وهو الذي تولى منصب 
رئيس الوزؤراء بعد ناكاسوني. ونحن غالبا ترجع الفضل لسلسلة قادة ما يعد 
الحربء وكذا للمسؤولين البيروقراطيين الذين ساندوهم: نرجع الفضل لهؤلاء 
وأولثك باعتبارهم المديرين الأكفاء ‏ وإن كانوا مثيرين للملل ‏ لنهضة اليابان 
إلى مرتبة دول الوفرة. صحيح أننا لا يمكن أن ننكر الوفرة التي حدثت. ولكننا 
لا يمكن أن ننكر أيضا الدمار الذي يكاد يكون شاملا؛ دمار البيئة الطبيعية 
والمحيط الإنساني لليابان. ضواجهة اليابان؛ بين طريق توكايدو و شاطئ 
الباسيفيك لا تعاني فقط الإضراط القبيح في التشييد والبناءء وإنما تعاني 
أيضا أن البناء كان رديئاء وهي حقيقة كشف عنها الزلزال الذي ضرب كوبي 
في 1540. أما الدواخل والخلفية اليابانية: فهي موزعة بين أن تكون أراضيها 
موضعا لدهن نفايات المدن الضارة والسامة: أو أن تكون ملاعب جولف 
ومنتجعات عشوائية. بهذه المناسبة: غالبا ما تُنَّهم اليابان بأنها تسيء إنفاق 
مساعداتها الخارجية مراعاة لمصالح شركاتها. وهكذا تعامل طوكيو الدواخل 
اليابانية (11.1.58) فيما وراء طريق توكايدو. فالمشروعات التي تُوكل إلى 
الشركات الكبرى في طوكيو وأوزاكا تعد من بين القنوات الرئيسية التي تقدم 
خلالها طوكيو مساعداتها للريف الياباني. 

وتعد حماية البيكة أحد الموضوعات المهمة التي أعلن تاناكا التصدي لهاء 
وذلك موضوع يدعو إلى السخرية في زمانه, كما هو في زمانناء إذا عرضنا 
التكلفة الإيكولوجية الفادحة التي دفعتها اليابان لتحقيق النجاح. فلم يبق ضفي 
اليابان سوى نهر واحد لم يقيموا عليه سدوداء وذلك موضوع مثير لخلافات 
مستعرة بين مقاولي البناء وحماة البيئة؛ وسٌويت جبال لتمهيد الأرض لملاعب 
الجولف: وسّميت أمراض جديدة بأسماء مدن يابانية: فثمة داء ميناماتا 
15 ملحن رأ وهو نوع من التسمم الزكبقيء وداء يوكاييشي 
عقوع5 1ل تان تتوعاءآه0/: وهو مرض يصيب الرئة بسبب النفايات الكيماوية. 

وما تزال دولة الإنشاءات ماضية؛ كأنها مندفعة بالتحكم الآني؛ وهذا من 
بين الأسباب التي تجعل المقاولين الأجانب يكادون لا يحققون نجاحا يُذكر في 
الحصول على عقود بناء في اليابان. وثمة حقيقة مقلقة في جوهر الأمر. هي 
أن جنون اليناء أصبح لا يكاد يمت بصلة لاحتياجات اليابانيين لتحصين 
معيشتهم؛ أو توجهات رغباتهم. استمرت أعمال البناء. سواء دعت لها الحاجة 





«الأسمنت» والديموقراطية 


أم لاء من أجل الإبقاء على ماكينة الإنتاج تدور في فترة ما بعدالحرب. هذا 
هو السبب في أن طوكيو لم تجذب الدواخل (أورا نيهون) للدخول في 
الاقتصاد الحديث؛ بقدر ما عملت على فرض الاقتصاد الحديث على هذه 
الدواخل؛ وهو السبب في أن القنوات المحفورة تحت سطح الترية وسفوح 
التلال في كاكيا (بلدة نوبورو تاكيشيتا) كلها مغطاة بالأسمنت. 
# ا 

كان اليابانيون؛ وما يزالون» يضمرون نوعا من الأسى الدفين مصدره 
الأسلوب الذي انتهجوه لتحديث أنفسهم. وكان الريف هو الذي أضمر هذا 
الأسى والتأنيب الصامت بابتسامته الماكرة» ونظرته الصامتة المحدقة نحو 
ا مدن فيما وراء طريق توكايدو. ويبدو أن الإحساس بالأسى من الحاضر 
الحديث؛ بل الذي يمكن أن يصل إلى نوع من النفور من الذاتء ييدو أن هذا 
هو جوهر أفكار تتضمنها مصطلحات مثل فوروساتو 5240:نا (بلدة العائلة 
القديمة)؛ وتعني الريف كملاذ ومأوى وضمير وحلم يستعيد فيه اليابانيون ما 
كانوا عليه يوماء ويعيشونه من جديد. 

كذلك ينم اليابانيون عن نوع آخر من الانتقادات الصامتة الموجهة للغرب, لا 
نقصد كراهية ورفضا للغرب, ولكنها بالأحرى نوع من الأسى مصدره العادات 
والأشياء التي أخذتها اليابان عن الغرب: الروح المادية المتجلية في زحف 
الشركات الكبرى؛ والعداء للطبيعة؛ تلك الأمور التي أزاحت روح الألفة القديمة 
وحلت محلها. وهذا هو السبب الذي يجعل اليابان قادرة على تدمير الغابات 
المطيرة وصيد الحيتان؛ في الوقت الذي تقدم فيه نفسها لنا باعتبارها حامية لما 
فقدناه من معايير التكافل والتكامل العضويين مع الطبيعة. ولا نستطيع أن نتفهم 
العبث الذي ألحقته عمليات التحديث باليابان دون أن نراه كانعكاس لأنفسنا. وكل 
ما فعلته اليابان هو أنها سارت بالدعاوى الغربية للسيادة على البيئة الطبيعية في 
الكوكب إلى نهايتها القصوى ‏ المخيفة. 

«وإذا وصلنا إلى حيث نحن الآن. فإننا لا نستطيع التراجع» هكذا كتب 
جونيشيرو تانيزاكي. وكان ذلك العام '197: بعد ستة عقود من دخول اليابان 
العالم الحديث؛ وقبل ستة عقود من وقتنا الراهن: 

وعلى كل حال؛ لا ضرر في أن نعتبر سوء الحظ الذي أصابناء والخسائر التي عاتيناها ‏ مقارنة 


بمواطني الغرب... لضد واجهتنا مدنية أرقى؛ وكان عليئا أن نرضخ لهاء وأن نتنكب طريقا للحياة 





اليايان: رؤاية جديدة 


انتهجناه آلاف السنين... ولو كنا تُركنا وحدناء فريما ما كنا لنحقق تقدما ماديا يُذكرعما كنا عليه 
منن خمسمائة عام... ولكن؛ كنا سنسير في الاتجاه الذي يناسبنا. ريما كنا نحقق تقدما شديد 
البطء؛ ولكن ليس من المستبعد أن كنا قد اكتشفنا بأنفسنا المرادفات التي تناسبنا للتروتي والراديو 
والطائرة المحاصرة؛: ولكانت هذه المرادفات ليست أدوات مستعارة عن غيرنا؛ وإنما ريما كانت هي الأدوات 
النابعة من ثقافتنا؛ والمناسبة لناء 

ووختع اليابانيون أنفسهم ‏ على نحو ما فيما يتعلق بالطبيعة: والحق أن 
توحّد اليابانيين مع العالم الطبيعي كان قد انتهى قبل مجيء الغربيين بوقت 
طويل. جاء الانفصال الحاسم عن الطبيعة مع استيراد الثقافة الصينية؛ كما 
نبه إلى ذلك الباحث سابورو أيناجا 1602888 5861010. فمنذتن: أصبح لكل من 
الطبيعة والإنسان كيان متمايز عن الآخر. وأصبحت الطبيعة ملاذا وملجأ من 
فساد المجتمع البشري ومعاناته. وأصيحت صومعة الباحث والحكيم أقرب 
إلى أن تكون غاية دينية وأدبية. ولكن ال ديامازاتي م)هتمصعلا (أي الملاذ في 
الجبل): تسبب في أنواع خاصة من المعاناة لشعب اجتماعي جدا: ألا وهي 
معاناة الشعور بالوحدة. وبمجيء القرن الخامس عشرء أفضى الالتجاء إلى 
ملاذ في البرية إلى زيارات طقسية للطبيعة كرمز. ثم أصبحت بيوت الشاي 
ورعاية الحدائق وتنسيق الزهور وما أشبه. أصبحت,. وما تزالء هي فنون 
الثقافة الرفيعة؛ تحديدا. أصبح تذوق الطبيعة مرادها لترويض الطبيعة, 
والطبيعة المروضة أصبحت عملافنيا مُصاغا وتحايلا مصنوعا. 

ولكن: هل كان السيد تانيزاكي على حق برغم كل شيء؟ وهل صحيح أن 
اليابانيين ما يزالون غير قادرين على العودة5 هذان يعتبران من بين أهم 
الأسئلة التي يطرحها اليابانيون بانتهاء القرن. صحيح أن اليابانيين لن 
يتمكنوا أبدا من استعادة توحدهم القديم مع العالم الطبيعي؛ على الرغم من 
وضوح الرغبة في استعادة الماضيء والحق أنه؛ بالنسبة لأي فرد مناء لا يوجد 
شيء يمكن أن نعتبره طبيعة بكرا . ولكن لا يوجد سبب (من ناحية المبدأ على 
الأقل) يجعلهم لا يستطيعون إعادة النظر في النزوع الغربي لقهر الطبيعة؛ أي 
التراجع قليلا واستكشاف بدائل لما اعتبر مسيرة إلى الأمام. ولأن اليابانيين 
يأخذون عن الغربيين عاداتهم بمثل ما يلبسون ثياباء فإنه من المقبول جدلا 
أنهم في وضع يفضّل غيرهم في أن يطرحوا جانبا تلك الممارسات 
والفرضيات التي لم تعد صالحة للاستمرار. 





«الأسمنت» والديموقراطية 


من النادر أيضا أن نصادف شخصا في الريف لا يتصور أن التجديد 
الاقتصادي فكرة جميلة؛ فالكل راغب في التجديد: ولكن الدواخل اليابانية 
تعتبر خروجا على المألوف في العالم المتقدم: باعتبارها مكانا ما يزال الناس 
العاديون فيه يستطيعون أن يطرحوا السؤال: «ولكن؛ أي نوع من التجديد5» 
فلأنهم مُيعدون: تتاح لهم الفرصة لأن يخطوا خطوة إلى الوراء؛ ليمعنوا 
التفكير في مفهوم للتقدم أكشر ثراء من أي شيء يمكن أن يتصوره أهل 
الواجهة اليابانية (أوموتي نيهون). وإذا عدنا إلى الوراء؛ شي الستينيات, 
عندما بدأت حقبة التنمية السريعة؛ اختارت طوكيو عددا من المواقع لتكون 
«مدنا صناعية جديدة»؛ أما أولئك الذين لم يقع عليهم الاختيار فقد شعروا 
بأنهم مبعدون. وعندما شرعّت في التجوال عبر طريق توكايدو؛ بعد خمسة 
وعشرين عاماء رأيث الملبعدين يحصون النعم التي عادت عليهم. وإذ يولي 
اللبعدون أنظارهم ناحية شاطئ المحيط الباسيفيكي؛ فإنهم لا يرون إلا دمار 
البيئة؛ وجنون الاستهلاكء واكتظاظ المدن: والتضخم المرضي للضواحي 
وضياع الهوية؛ والفراغ الروحي في كل مكان. أما أولئك الذين في الناحية 
الأخرى من طريق التوكايدو, فإنهم أيضا أدركوا أبعاد الشمن المدضوع طبعا. 
ولكن المدعوين كانوا قد فرغوا من التهام الوجبة. أما أولئك الذين لم يشتركوا 
في الوليمة؛ لا لسبب إلا أن أحدا لم يدعهم: فقد أتيحت لهم الفرصة لاقتراح 
طريق آخر للمستقبل. 

ضما الشيء المفتقد؟ ولماذا تبدو أي فكرة بديلة لتعريف التقدم كما لو كانت 
حلما خرافيا ينفي الأنانية» نوعا آخر من أحلام السماحة التي تلقى هوى في 
نفوس اليابانيين؟ والإجابة: إن الشيء المفتقد الذي هدمه عصر الإحياء؛ هو 
الاستقلالية. وهي الصفة نفسها التي كُبتت في الفرد الياباني. وكما أن الفرد 
الياباني مبرمج للإذعان للتوجيهات الهابطة عليه من أعلى فقط (بينما هو 
يقاومها بينها وبين نفسه)ء كذلك وبرمجت مقاطعات اليابان السبع والأربعون. 
وقد أدرك الأمريكيون هذا بعد الحربء ومن ثم أعطى الاحتلال الاستقلال 
المحلي أولوية خاصة في قائمة إصلاحاته. ولكن السلطة التي آلت إلى 
المحليات لم تلبث أن فُقدتء شأنها في ذلك شأن أشياء كثيرة أخرى فُقدت 
منذ بدء حقبة النهج العكسي. وتتجلى نتائج كل هذا اليوم في جميع أرجاء 
اليابان» حيث تقتصر سلطات الإدارات المحلية الكبيرة على تنظيف المدافن 





اليايان: رؤية جديدة 


والجبانات وتنفيذ أوامر الحكومة المركزية. وبيعد سنوات كثيرة من المنازعات 
أصبحت حرية المحليات شي التصرف في ميزانياتها لا تتعدى الثلث؛ كما لا 
يستطيع محافظ المقاطعة أن يغير موقع محطة أتوبيس دون إذن من طوكيو . 

ولكن السلطة المركزية لم يحسم الخلاف حولها أبداء شأنها في ذلك شأن 
رغبة الفرد ضفي الاستقلالية. فقد كان ثمة ثورات وتمرد الفلاحين في العصر 
الإقطاعي؛ وفي الزمن القريب: ثمة أشكال المقاومة الملتصاعدة في القرن 
والبلدان لهاجس تنمية إجمالي الناتج القومي وتداعياتها الاجتماعية 
والاقتصادية والبيكية. والحق أن ثمة تقليدا متصلا درج عليه من هم أدنى 
ضد من هم أعلى. وقد تأثر بهذا التقليد ضي العقدين الثامن والتاسع من 
القرى العشرين جيل جديد من القادة السياسيين على الجانب الآخر من 
طريق توكايدو؛ من بينهم أيواكوني» عمدة إيزومو وأكثرهم شهرة هو موريهيرو 
هوزوكاوا واكقعاهة110 معتطتره كا . 

كان هوزوكاوا شخصية لها جاذبية خاصة؛ وسلوكيات دمثة وخلفية 
أرستقراطية:؛ وهو سليل أسرة من أسر الدايميو التي حكمت كوماموتو 
00 وهي هان (الإقطاعية أيام الشوجون 41[) في جزيرة كيوشو 
وقت أن كانت العاصمة هي إدو. وتولى هوزوكاوا على مدى اثني عشر عاما 
مناصب عدة في العاصمة طوكيوء في الحزب الديموقراطي الليبرالي؛ كما 
في الحكومة؛ ليكتشف أن العاصمة كانت غارقة إلى أذنيها في «شؤون 
سياسية صغيرة». من قبيل جمع التبرعات وممارسة الفسادء إلى درجة لا 
تترك لها وقتا للاهتمام «بشؤون سياسية كبيرة»» أي التصدي للمشكلات 
الأساسية التي يعاني منها اليابانيون. وفي '19/1: ترك هوزوكاوا مكائه في 
الدايت (مجلس النواب): وانثّخب محافظا لمقاطعة كوماموتو. عاد ليبدأ؛ على 
حد تعبيره؛ «ثورة من الهامش». ورطع شعارا جريئا هو: «ألغوا التقسيم الإداري 
إلى مقاطعات. وأعيدوا الهانات». ولا يعبر هذا الشعار عن حنين العودة إلى 
الماضي؛ وإنما هو تعبير عن رغبة في تصحيح مسار «الدولة البيروقراطية في 
اتجاه ما يشعر به الناس من خيانة للمصالح المحلية». فقد كان هوزوكاوا 
حريصا على إحياء استقلالية الهان أكثر من اهتمامه باحياء الهان في ذاتها . 

ولم يمض وقت طويل إلا وشهد هوزوكاوا بنفسه بشائر ثورته؛ فعلى نحو ماء 
كان هوزوكاوا ‏ بالاشتراك مع آخرين في معسكره ‏ أشبه بالساموراي الذين 





«الأسمنت» والديموقراطية 


تضافروا من مختلف أرجاء اليابان ليقودوا حركة الإحياء ضد حكم الشوجونات 
المنهار. وتلك جزئية تاريخية ساعدت على استقطاب الوئع الشعبي بهم. فقد 
دافع هؤلاء المعاصرون. مثلما دافع الرعيل الأخير من الساموراي (على الأقل 
إلى أن تخلوا عن وعودهم الأولى). عن فكرة بديلة للسلطة؛ بل إن هوزوكاوا 
وصحبه غالبا ما كانوا يتحدثون عن نموذج جديد تماما ‏ عن «ولايات متحدة 
يابانية». وبفضل هذا التوجه؛ تطورت في مدينة إيزومو صناعات نظيفة, 
لتصبح: وفقا لتحقيقات الصحف والمجلات القومية؛ أكثر المدن اليابانية ملاءمة 
لحياة البشر. كما تحولت جزيرة كيوشو إلى «جزيرة السيليكون,!*)2. التي 
أصبحت تنتج 4١‏ في الماثة من شرائح الكومبيوتر التي تنتجها اليابان؛ وذلك 
يعادل عشر الإنتاج العالمي. نجح هوزوكاوا في إقامة معايير صحية للبيئة, 
أصبحت نموذجا يحتذى على الصعيد القومي. وصرح لي ذات مرة قائلا: «لم 
يكن النجاح في تقديري مرادفا لخلق مدينة أخرى على غرار طوكيو أو أوزاكا. 
فارتفاع المباني ليس مقياسا للتنمية الصحية للمدن». 

في أوائل التسعينيات؛ أرسل هوزوكاوا إلى طوكيو مجموعة من التوصيات 
السياسية تهدف إلى نقل السلطة من العاصمة إلى المقاطعات والمحليات. وكانت 
هذه التوصيات ثمرة سبع سنوات في التفكير والتدبير . وكان رؤساء الوزراء 
السابقون قد اطلعوا؛ منذ أوائل الخمسينيات؛ على إحدى وعشرين مذكرة 
تحتوي اقتراحات مشابهة؛ وهي حقيقة أحاطني هوزوكاوا بها علما بعد أن 
أرسل مذكرته. وقد رهضت مقترحاته كما رفض جميع ما قبلها . وفي تلك 
اللحظة قرر هوزوكاوا العودة إلى ساءحة السياسة القومية. وسرعان ما استقال 
من الحزب الليبرالي الديموقراطي لينشئ حزب «نيهون شينتو» لوألا 
60 أي حزب اليابان الجديد . وضي يوليو 1991 انشخب رئيسا للوزراء. 

واكتسب هوزوكاوا شهرة عالمية باعتباره الرجل الذي أنهى ثمانية وثلاثين 
عاما من حكم الحزب الليبرالي الديموقراطي. وكانت حكومته ائتلافا من 
سبعة أحزاب صغيرة متشاحنة:؛ لم تستمر في الحكم إلا أقل من عام واحد. 
ومن حقنا أن نتساءل عما حققته هذه الحكومة أكثر من تحطيم قبضة 
الليبراليين الديموقراطيين. والحق أن هذه الحكومة لم يُتّح لها الوقت الكاضي 
(*) إشارة إلى وادي السيليكون في أمريكا الذي تتركز فيه التكنولوجيا والصناعات الإلكترونية 
المتطورة [المترجم). 





اليابان: رويةجد جديدة 


لخوض المعركة المركزية؛ معركة سلطة العاصمة طوكيوء ومن ثم؛ ظلت مشكلة 
ميزان القوى بين واجهة اليابان ودواخلها قائمة بغير حل. وما تزال قضية 
استقلالية وهوية المحليات (أي مشكلة بناء الديموقراطية): ما تزال مشروعا 
بعيد المدى. ولكن انتخاب هوزوكاوا يظل؛ برغم كل شيء؛ لحظة تأكيد قصيرة 
لإلحاح مصائح الهوامش على مركز النظام الياباني. 

قابلت هوزوكاوا فضي طوكيو أثناء حملته السياسية من أجل ركاسة 
الحكومة: وذلك في مقر قيادة «نيهون شينتو»»؛ الذي 8 حديث التكوين 
حينناك. وضي مواجهة الباب الأمامي للمقرء كانت لافتة ملصقة كبيرة؛ 
مكتوب في أعلاها : «قبل أن تموت اليابان» وفي أسفلها: «غيّروا السياسات. 
ليتغير التاريخ». خرج هوزوكاوا من مكتبه لتحيتي؛ ووقفنا دقيقة أمام الملصق. 
وتحدثت معه عن فرية كاكيا وعن عدد قليل آخر من الأماكن التي زرتها مند 
آخر مرة التقيت به. ثم سألته إن كان لا يزال يحتفظ بأفكاره نفسهاء بعد أن 
عاد إلى العاصمة؛ عن واجهة اليابان ودواخلهاء وعما إذا كان الجانبان يمكن 
أن يكتشفا طريقا أكثر صحية للمستقبل. 

وجاءت إجابة هوزوكاوا مثيرة للدهشة حقاء؛ وفيها يكمن السبب في 
انتخاب اليابانيين لهء حيث إنها تصف المهمة التي يبحثون اليوم عن شخص 
آخر ينهض بهاء كانت الإجابة: «نحن على حافة شيء ماء؛ وقد عدت إلى 
طوكيو للقضاء عليهاء بطريقة أو بأخرى». 








الجز. الثاني 


مج الاخرين 


أله 
لا يقتصير دور الماضبي على 
أنه قوة تشدنا إلى الوراء. 
إلى زمن مضى. قفي الماضي 
ذكريات بعينها. كان لها 
زنبركات قوية عندما تمسها 
ايديناء نحن الذين نعيش في 
الحاضر. تتوتر فجأة. ولا 
تلبث آن تدفعنا للأمام إلى 
المستقبل. 

يوكيو ميشيما 


معيد الرواق الذهبي. كوؤوا 


الووح المسافرة عبر التاريه 


لليابانيين تقويمان لقياس الزمن. فثمة أولاء 
نظام الجنجو «اناكلاة 0تزلاءق8 0[!, القائم على 
فترات حكم الأباطرة: التي يختار لكل منها اسم 
عند بدايتها. فالعام الأخير من حكم الإمبراطور 
هيروهيتو كان هو العام الثالث والستين من عصر 
شوا /85]10019. ومن بعد شواء بدأت السنة الأولى 


. من عصر هيساي 3:دك!1: التي هي بداية فترة 


الإمبراطور أكيهيتوء ابن هيروهيتو. وتواريخ 
الصحف. وإيصالات مواقف السيارات؛ وفواتير 


. المطاعم, كلها مكتوية وفقا لنظام الجنجو. أما 


التقويم الآخر. وهو التقويم الجريجوري(*'. فإنه 
يستخدم في الأمور التي يرجح أن يراها أجانب 
مثل التقارير السنوية؛ والبيانات الصحافية, 
ونماذج معينة من الأعمال الحكومية. ويبدو كما 
لوكانك النظرة الرسعية كعبر اسار الحظطي 
للزمن مسارا غير أصيلء أو تعتبره مسارا شكلياء 
افتراضياء بينما الزمن في اليابان يجب ألا يكون 
خطياء وإنما يجب أن يسير في مسارات دورية؛ 
*) اسفن عندنا بالتقويم الميلادي (المترجم). 1 





اليابان: رؤية جديدة 


وكذا يجب أن يسير التاريخ. وهكذا تظل حياة اليابانيين متناغمة مع فترات 
حكم الأباطرة؛ وتواتر الأجيال. ونهاية عصر كل إمبراطور أشبه بلحظة 
الحصاد. وكل شيء؛ حتى التقويم.؛ يعاود اليدء من جديد. 

وينظر كثير من كبار السن اليابانيين إلى نظام الجنجو باعتباره أمرا 
طبيعياء كالآتي: 

«متى رشحت نفسك للوظيفة لأول مرة: يا سيد واتائابي 5 

«كان ذلك في شوا 11:. 

أ 

«متى بدآت تمارس فن التصوير؛ يا سيد سوزوكي؟: 

مشوا الا 

ثم يمكن للسائل أن يشترك مع السيد واتانابي أو السيد سوزوكي في 
عملية مربكة تستلزم العد على الأصابع: «لنفكر قليلاء شوا 57: هي ....؛ 
هي .»١1577/‏ أما شوا "١‏ فحسابها أسهل . ذلك أنه بعد مضي عشرين سنة 
من بدء حكم هيروهيتو تجعلنا في ١146‏ (محطة حسابية سهلة)؛ إذن 
فالسنة هي 1541. 

أما الأجيال الجديدة من اليابانيين» فهي غير معتادة على استخدام نظام 
جنجو. وإذا كان كبار السن يتوقفون قليلا لعمل مثل هذه الحسابات؛ لأنهم غير 
معتادين على التقويم الروماني (الميالادي)؛ فإن الشباب يصادطون متاعب مشابهة: 
لأنهم نادرا ما يستخدمون النظام القديم. ومن غير المحتمل أن تصادف من يقول: 
«تخرجت في جامعة توداي في السنة الثالثة لعصر هيساي» .)١1997(‏ والحق أن 
نظام الجنجو ليس ضاريا في القدم؛ وإنما بدأ في العام 1819 كأحد «تقاليد» 
العصر الإمبراطوري الحديث؛ تقليد ما يزال على قيد الحياة دون أن تكون له 
فائدة تذكرء كشيء لا يحدث إلا الارتباك بين حين وآخرء وليس لبقائه سوى 
سبب وحيد هو أن الذين يحكمون يفضلون الإبقاء عليه. إنه عامل إضافي آخر 
يذكر اليابانيين بأن عليهم أن يعتبروا أنفسهم مختلفين عن غيرهم, أنهم أمة 
متميزة؛ يعيشون معا تحت مظلة الإمبراطور. ضابط إيقاع الزمان. وكتابة التاريخ 
بمقياس فترات حكم الأباطرة تنبئنا بسبب تعدي الماضي على الحاضر في 
اليابان: تلك إرادة أولي الأمر. كذلك ينبتنا هذا القياس بالمكان الذي يؤكد فيه 
هذا الماضي وجوده: إنه في تفكير العامة. 





الروح المسافرة عبر التاريخ 


من المعتاد التنويه بأن اليابانيين يتحركون بألفة ملحوظة بين الأشياء التي 
جاء بها العصر حيث يبدو أن لا شيء يشير دهشتهم. لا شيء مكتوب له 
الدوام؛ وذلك المفهوم يعزوه اليابانيون إلى التقاليد القديمة؛ أو الفكرة 
البوذية القائلة إن كل شيء عابر. وليس أسهل من دعم وجهة النظر هذه؛ 
فاينما وليت نظرك إلى مدينة يابانية. فإنك ستشهد أشياء تهدم؛ وأشياء 
أخرى تقام في مكانها. وفي الحي المجاور لسكنيء رأيت صفا من المنازل 
الخشبية يُهدم لتحل محله ساحة انتظار للسيارات؛ ولم يلبث أن أقيم على 
هذه الساحة سلسلة من المحلات التجارية التي تبيع للمستهلكين؛ ومنفذ لبيع 
الوجبات السريعة. متوسط عمر المبنى السكني في طوكيو هو ثمانية عشر 
عاما. وفي بلدة أيزى 150؛ جنوبي العاصمة؛ ظل يعاد هدم وبناء المعبد الكبير 
لديانة الشنتو كل عشرين عاما ‏ منذ العام 16١‏ ميلادية. وليس المهم هو 
المبنى في ذاته؛ ولكن طريقة البناء المرعبة: فالأسلوب الذي أعيد به البناء لم 
يتغير عبر الأجيال. 

دعاني كيشو كوروكاوا انلطانخاد ناكا مذك1أ؟1. وهو مهندس معماري له 
فلسفته وتكوينه الثقافي القوي المهجن. دعاني ذات يوم أثناء وجودي في 
مكتبه لزيارة بيت الشاي الياباني التقليدي الذي يملكه. وما كانت لتفوتني مثل 
هذه الدعوة لمكان قد لا يعدله مكان آآخر في تجسيد ثقافة الساموراي بكل 
طقوسها ومراسمها الثابتة. قبلت الدعوة بكل سرور. متصورا أنني سأشهد 
نوعا من منتجعات المحاربين النائية في الريف, وسألته: «أين بيت شايك؟» 
فأجاب: «في أكاساكا». التي هي واحدة من أكثر أحياء طوكيو ازدحاماء 
واستطرد: «في الطابق الحادي عشر من عمارتي السكنية» ثم ابتسم؛ شعورا 
بالرضا عن نفسه لأنه علمني شيئا جديدا عن اليابانيين. 

بعد سقوط سور برلين؛ أصبحت المقارنة بين اليابان وإيطاليا من الأفكار 
الشائعة. فكلا البلدين كان مجمدا في أثناء الحرب الباردة؛ ورأى كلاهما أن 
مؤسساتهما السياسية أصيبت بالفساد نتيجة لذلك. ولم تكن تلك المقارنة بلا 
جدوى: إذ رأى البلدان أن عليهما أن ينفضا عن كيائهما هذه الحال وينهضا من 
جديد. غير أن الاختلافات بدت وكأنها تفوق التشابهات. فالماضي بالنسبة 
للإيطاليين يعتبر من الثوابت التي لا يتطرق إليها الشك؛ فهو مجسد في المكتبات 
والأبنية الحجرية وأبهاء الكنائس والنافورات الرخامية؛ الماضي موجود في كل 





اليابان: رؤية جديدة 


مكانء وظاهر تماما للعيان. وفي الحياة المعاصرة: للماضي مكانته وشرعيته التي 
لا جدال حولها. 

وتبدو المفارقة صارخة مع اليابان بماضيها الخفي الهش. وفي هذا 
الصدد. لا يتمتع اليابانيون بمثل الثقة التي يتمتع بها الإيطاليون. إن ما يبقى 
من ماضيهم لا يزيد عن كونه فكرة في الأساس. ولكن: كيف يعبر اليابانيون 
عن تلك الفكرة؟ إن الفكرة التي ظلت محتفظة باحترامها على امتداد التاريخ 
الياباني؛ والتي من المفترض أنها تميز اليابانيين عن سائر البشر؛ هي: الروح 
اليابانية. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة قديمة قدم اليابان» فإننا نستطيع أن 
نحدد «الروح: بمعناها الذي شاع بين القوميين الأوروبيين في القرن التاسع 
عشرء فهذا المعنى هو الذي استلهمه دعاة التحديث في عصر الميجي لإعادة 
التعريف بأنفسهم بالمصطاحات الحديثة: إنهاء كما يمكن أن يسسيها 
الأوروبيون: «عبقرية القومية».: إنها الحضارة؛ الدم والأرض والعرق والمكانة. 
هذا الذي طالت تعبئة معنويات اليابانيين للاعتماد عليه من أجل أن يتعرذوا 
على هويتهم اليابانية. 

في أواخر ستينيات القرن العشرين: قبل عامين من انتحار يوكيو ميشيما 
1م811 مانالا زاره أحد المراسلين الفرنسيين في منزله على شاطىٌ 
البحر. جنوبي طوكيوء ليجري معه حديثا للتلفزيون الفرنسي. كان الكاتب 
الروائي ميشيما حينذاك قوميا متحمساء ومع ذلك كان مسكنه مبنيا على 
طراز غربي واضح. وقد أبدى المراسل دهشته لما شاهد: الأبواب الفرنسية 
والشرفات ذات الأسيجة الحديدية المشغولة: وتمثال للاله أورفيوس يزين 
الحديقة. وسأل صاحب الدار: «كيف تفسر حقيقة أن منزلك ليس فيه شيء 
ياباني مميزة» 

أجاب ميشيما: «إن ما لا تستطيع أن تراه هناء هو الشيء الياباني المميز» 

وثمة ما يمكن أن نستخلصه من ذلك؛ وإن يكن قليلا. ونحن لا نريد أن 
نصدّف اليابانيين ككائنات بشرية غريبة لا تهمهم شؤون دنياهم؛ ولا ينزعجون 
إذا شب حريق أو حدث زلزال يدمر المساكن والممتلكات؛ فالنزوع للإحساس 
بأن كل شيء مؤقت ليس إلا وليد الواقع العملي: مثله في ذلك مثل أشياء 
كثيرة أخرى. فطقوس إعادة البناء في أيزي لها جذورها المؤكدة في توافر 
مواد البناء التقليدية: الخشبء والقش المعطن؛ لا يميزها شيء روحاني خاص. 





الروح المسافرة عبر التاريخ 


وفي المدن الحديثة:؛ فإن النزوع للإحساس يعدم الدوام ليس على صلة 
بالبوذية أو بروح القومية؛ بقدر ما ترجع أسبابه إلى رخص أسعار البناء 
وسياسات دولة البناء . ومن ثم يجب ألا نحمل «الروح» معاني أكثر مما 
تحتملء فهي ليست إلا إبداعا من صنع اليابانيين: إنها خصوصية يابانية ‏ 
مثلها في ذلك مثل خصوصية حساب التاريخ عندهم. 

وكان ميشيما على فهم تام بحقيقة سجن الماضي الذي وضع اليابانيون 
أنفسهم فيه كما كان على وعي بفكرة الروح الكامنة فيه. وقد كرس ميشيما 
السنوات الأخيرة من حياته (ثم انتحاره على طريقة سيبوكو)؛ للروح اليابانية؛ 
التي منها تشكلت هويته. وعلى كل حال؛ فإن ميشيما كان قد فهم في فترة 
مبكرة من حياته؛ أن الشيء الذي لم يتغير أبداء على مر القرون؛ كان هو القوة 
التي وضعته في ذلك السجن. وإن تلك القوة الآسرة هي التي شرع اليابانيون 
في القضاء عليهاء هذا العبء هو الذي بدأوا يزيحونه عن كاهلهم. 

يمكن أن نعرف الكثير عن الروح اليابانية من الطريقة التي بدأت بها 
الفكرة. والاسم القديم للروح اليابانية هو ياماتوا داماشي مالصفلا 
1511ائ»؛ وكلمة ياماتو هي الاسم القديم لليابان؛ أو أحد أسمائها, وهي 
كلمة تطلق على الجبال اليابانية التي عندها يُقسم الفضاء بين الأرض 
والسماء. ولكن كلمة ياماتو تعز تعني في الحقيقة الدولة اليابانية التي أسسها 
جيمو !1111ل الأستبارا طون د الأول الذي ينحدر من أصل إلهي. 
وشكذا تعلتي كلمة بامتاتو البايان:ذات الحبضارة الإمبراطورية: وذلك شبب 
يجعل القوميين ما يزالون يتعلقون بها. غير أن فكرة الروح اليابانية لم تولد 
بمولد دولة ياماتوء وإنما ظهرت بعد عدة قرون:؛ بعد أن كانت اليابان قد 
أخذت عن الخارج كثيرا من مقومات ثقافتها: أخذتها من الصين أولا عبر 
كورياء ثم من الصين مباشرة فيما بعد . 

وفضي واحدة من الأساطرة القديمة: اقتطعت الآلهة جزءا من شبه 
الجزيرة الكورية والحقوه بالجزر اليابانية . ويرجح أن في ذلك إشارة لإحدى 
موجات الهجرة الكبيرة القادمة من الأرض القارية. وليس ثمة ما يفصل 
اليابان عن أراضي القارة الآسيوية إذا كان الأمر يتعلق بما أخذته من كوريا 
والصين. كان لليابان ثقافتهاء وهي تقافة مزارعين بسطاء لهم جذورهم في 
الجماعة الريفية. واكتشف الرحالة الصينيون الأوائل أنه لم يكن في اليابان 





اليابان: رؤية جديدة 


نظام أخلاقي متماسك. كما لم يكن ثمة تراتب اجتماعي أو تمايز بين 
الإنسان والطبيعة. وكانت لغتهم شديدة البساطة. وكان اليابانيون يحبون 
الشراب والرقص.ء ويأكلون يأيديهم وأصابعهم من صحاف مصنوعة من 
الخيزران. تلك كانت اليابان في الأصلء اليابان قبل ياماتو. أما الاسم؛ وهو 
أول اسم اتتخذته اليابان: فكان : «أرض الأرز الوضير»؛ وكان ضيها كثير مما 
يثير الإعجاب. ولكنها لم تكن لتصمد أمام بلاد القارة: التي كانت ثقافاتها, 
بالقطع: أكشر مادية. أخذت اليابان عن كوريا الأدوات والأسلحة الحديدية, 
فضلا عن موجات المهاجرين. وفي القرن الرابع جلب كاتب كوري نظام 
الكتابة الصينية. وبالقياس للكوريين والصينيين كان يبدو اليابانيون ذوي 
نزوع انسحابيء؛ أنثوي. ولم تكن ثقافتهم أبدا مقتحمة:؛ بمثل ما اقتحمت 
ثقافات القارة «الجزر اليابانية». 

ويعد الأمير شوتوكو 55010161: الذي كان وصيا على العرش وحاكما للبلاد 
في القرن السادس الميلادي؛ أعظم من استعار عناصر ثقافية من الخارج: 
على الأقل حتى عصر الميجي. فهو الذي أعاد تخطيط اليابان وفقا للنموذج 
الصيني. ومما يذكر له أنه أعطى لليابان أول دساتيرها. وهو الذي أعاد 
ترسيم الإمبراطور؛ وصعّد مكانته من كونه الأول بين أقرانه إلى العاهل 
الإلهي؛ تينو 11020'؛ الكاكن الأعظم؛ الأسمى. بل إن شوتوكو هو الذي اختار 
تليابان اسما جديدا هو نيبون 15005]!: ومعناه أرض الشمس المشرقة ‏ 
مشرقة طبعا ‏ عندما تّرى من أرض القارة. 

وليس من الصعب تفهم كل هذا القدر الهاكل من العناصر الثقافية التي 
استعارتها اليابان من الصين. وجاء التجديد وكيدا لسكان تلك الجزر المعزولة 
الذين كانوا قانعين بحياتهم الريفية. ولكن عندما تصل عملية الأخذ عن ثقافة 
أخرى إلى مثل هذا الشمولء؛ فإن ذلك يفترض التسليم بقصور الثقافة 
المستعيرة. وكان للاستعارة من الصين تداعيات مصيرية بين اليابانيين: قصبغ 
الثقافة اليابانية بالطابع الصيني الأبوي (البطريركيء الذي أهم عناصره 
التراتب الكونفوشي: وسيادة الرجل على المرأة» ونظام الأنساب الأبوي)؛ كل 
هذا كرض على خضارة يرجح أنها كانت لها جنورها في نظام العشائر 
الأمومية. ولم تستطع اليابان أبدا أن تتجاوز عوامل التوتر التي سببتها الموجة 
الاستعارية الكبرى الأولى» فضلا عن عناصر التوتر التي أحدثتها الموجة 





الروح المسافرة عبر التاريخ 


الثانية التي جاءت بعد أكثر من ألف عام. إنها على نحو ماء تشكل جزءا من 
القوة الكامنة المحركة للتاريخ الياباني. ذلك أن اليابانيين» منذ عهد شوتوكو 
لم يكفوا أبدا عن محاولة الإجابة عن السؤال: من نكون؛ وما هويتنا بالضبط؟ة 

ويفضي هذا إلى الوصول إلى إدراك أثمن ما قدمه شوتوكو لليابانيين؛ 
وأكثره بقاء على الزمن؛ وريما هو الأكثر إثارة للأسى. ولم يكن مستعارا على 
الإطلاق. وإنما هو تحديدا ‏ الروح اليابانية النابعة من رحم اليابان فالأمة 
اليابانية التي أغرقت في الفيض الصيني؛ ولم تعرف لها مكانا على ظهر 
الكوكب إلا مستندة إلى أرض القارة؛ هذه الأمة ما كانت لتملك إلا إمعان 
التفكير في التساؤل عن مركز ثقلها؛ وهكذا تركزت أفكارهم على دواخلهم؛ 
في محاولاتهم لاكتشاف الكينونة اليابانية؛ فيما يتصفون به من مثابرة, 
وشسجاعة؛ وتفان؛ وفيما تتميز به الروح من نبل. وما كان أحد يحظى بكل هذه 
الشمائل كما كان يحظى بها أهل ياماتو القدامى: قبل أن تتحول ياماتو إلى 
«نيبون». إن الروح هي التي جعلت اليابانيين متفردين. وبعد بضعة قرون ‏ من 
إصلاحات شوتوكو ‏ صاغ اليابانيون شكرة جديدة, عاشت. مع بعض 
التعديلات. لتصل إلى العصر الحديث. وهي: كاراجي؛ ياماتو داماشي 
لتاعتتصفل مافتصولا ,عا سكل وتعني: كان ثمة «أشياء صينية» ولكن كانت 
«الروح يابانية», الروح التي لا تتبدل؛ لكل زمان ومكان. ومنذئنء واليابانيون 
مهتمون بأخن ما هو مادي من الثقافات الأخرى؛ بينما هم يرفضون: بإصرار: 
مبادئ الغير. 

وأول من استعرض عظمة تلك الروح المحلية؛ هو ياماتو تاكيرو 840نلالا 
110 1» وهو شخصية أسطورية يقال إنه سليل أحد أباطرة القرن الأول. 
وقد ظهر اسم هذه الشخصية لأول مرة في الكتابات القديمة؛ عندما طلب 
منه أبوه أن ينبه ويوبخ أخاه التوأم, لأنه يتغيب عن الماكدة العائلية مما يوحي 
بعدم الولاء للعرش. وينطلق ياماتو تاكيرو لتنفيذ التوجيه الملكي؛ ثم يعود دون 
أن تظهر علامة على ظهور الأخ الشقيق التوأم على المائدة. فيسأل 
الإمبراطور: «كيف أبلغت شقيقك الأوامر5» فتأتي إجابة ياماتو تاكيرو مباشرة 
وقاطعة. انتظر ياماتو خارج المنزل إلى أن رأى شقيقه ذات صباح؛ ويعلن: 
«قبضثت عليه؛ قطعته إرباء ومزقت أوصاله: ولففت الأشلاء في حصيرة. 
ورميتها بعيدا». 





اليابان: رؤية جديدة 


هكذا كان ياماتو تاكيرو رجل مبادئ لا يلين» وهو في الوقت نفسه لا 
مباديّ له على الإطلاق. كان يذبح كل ما يعدها عناصر الشر التي تقف في 
طريقه من أجل إشاعة الاستقرار في الأرض التي حمل اسمها. فقد سافر 
إلى جزيرة كيوشوء متفكرا في هيئة فتاة جميلة: ليحظى بدعوة على العشاء 
من واحد من قيادات المتمردينء: ثم قام باغتياله وهو يتعشى معه. تظاهر 
بصداقة زعيم آخر من زعماء المتمردين؛ واقترح أن يتريضا معا بالسباحة؛ ثم 
يخرج ياماتو تاكيرو من الماء أولاء ويتظاهر بالإعجاب بسيف هذا الزعيم؛ ثم 
يقدم على ذيح هذا الزعيم المجرد من كل سلاح عندما يخرج من الماء. ومهما 
قيل عن أساليب ياماتو تاكيرو؛ فإن تفانيه في خدمة أرض الآلهة كان مؤكدا. 

ومآثر ياماتو تاكيرو مسجلة في أول كتب أنتجتها اليابان. ومنها سجلات 
الأحداث القديمة 1 دع عدم 05 18620805 عط وأخبار الأيام اليابانية 
وة ل 01 10165ه011:0)؛ وهما من كتب القرن الثامن التي تحتوي على تجميع 
لقصص الخليقة وأساطير ياماتو القديمة. ومن سخرية التاريخ أن مثل هذه 
الكتابات ما كانت لتظهر إلا بعد أن أخنت اليابان بطريقة الكتابة الصينية؛ 
وبينما يدعي اليابانيون أنهم محليون جدا فكرياء ووجدائياء فإن التأثيرات 
الكونفوشية تهترقهم تماماء ولم يكن ذلك إلا بعضا من التراث الذي خلقه 
شوتوكو: وهو تزويد اليابان بوسائل لمعرفة الذات؛ من خلال الآخرين. 

تشكل التاريخ الياباني من شرائح بعضها فوق بعضء ولكن لا تغطي أيها 
ما قبلها تماماء وإنما يتجه كل منها وجهة جديدة: وفي تلك الشرائح 
المبكرة؛ نستطيع أن نتبين المؤشرات الأولى عن حساسية اليابان العصبية 
الكثيبة ضي علاقتها بالعالم الخارجي؛ هذه العلاقات التي تُشكل 
بالاستعارة من الخارج:ء يوازنها ضرب دفاعي محليء إنها المراوحة الدائمة 
بين الإعجاب بالأجنبي وكراهيته. 

وكثيرة هي الأمور التي آلت إليها «الروح المراوغة عبر التاريخ». كما كان 
يسميها القوميون قبل الحرب في ثلاثينيات القرن العشرين. حينذاك. كانت 
اليابان تغفير كل ما سبق أن استوردته من الخارج؛ لتجعله من ذاتهاء كل شيء من 
البوذية إلى البيسبول. وقليلة هي الأمور المستمدة من الروح اليابانية التي لا 
تحتوي على قدر من المأساوية» مأساوية الشعور بالنقص المتنكر في نقيضه؛ 
وماساوية الحالة الإقطاعية الت تجاوزها 'اثرمن وعظاهر الحرمان الضاحية: 





الروج المسافرة عبر التاريخ 


ومأساوية العنف السيكولوجي الذي تمارسه اليابان تجاه شعبهاء وعدوانيتها 
الصارخة المستهينة بالآخرين: ومن بين سمات زمانناء كما سبق أن اقترحت: 
الموت البطيء لهذه الروح بين أولئك الذين يفترض أنهم يملكونها (وإن كانت هي 
التي تملكتهم ‏ طبعا). ولكن علينا أن نتابع تلك الظاهرة الآسرة وهي تجتاز 
سنوات العصر الحديث. قبل أن يأتي الوقت الذي نشهد فيه ذهابها. 
او 

كان الساموراي؛ على مر العصور؛ هم متعهدي إمداد الروح اليابانية 
بعناصر وجودها. صحيح أن مثاليتهم نابعة في معظمها من صندوق الكنوز 
الصصيني؛ وإنما بمقدار. كذلك كان الساموراي وطنيين أشاوس» يتملكهم 
الحنين إلى ياماتو القديمة. وأعظم مآثرهم هي أن يكرسوا الروح اليابانية في 
واقع أعمالهم. وفي النهاية تجاوزوا كل ما أخذوه عن الصينيين, أي أنهم 
جعلوه يابانيا. أصبحت كونفوشيتهم هي تلك الشبكة الهائلة المركبة من 
الواجبات والالتزامات المعروفة باسم جيري - أون 007 1101 أ كما أصبحت 
بوذيتهم هي بوذية زن 11ن//. 

فى منتصف القرن السابع عشر. سجل احد علماء الكونفوشية؛ واسمه 
توكو ياماجا 3ا:11ائلا 5010: أصول قواعد الساموراي لأول مرة. وأطلق 
على هذا السجل اسم بوشيدو 311]11010!. ومعناه «مرشد المحاربين». وتلك 
كانت لحظة نادرة في التاريخ. فاثناء حياة ياماجاء كانت أسرة توكاجاوا 
الحاكمة قد أنهت الحروب التي طللما شفلت بها طبقة المحاربين؛ وعين عدد 
كبير من الساموراي الذين اعتزلوا مهنة الحرب حكاما للأقاليم. وانخرطوا 
في صفوف بيروقراطية إدو الضخمة. وعمد سكان المدن المتيسرون إلى تبني 
تقاليد الساموراي؛ وإن في شكل مبتذل. حيث وظّفت تقاليد المحاربين لخدمة 
مصالح مادية صغيرة. وهكذا أخذت فكرة الساموراي عن الكينونة اليابانية 
الساكنة في الروح. أخذت في الانتشار. وكان تسجيل قواعد العشيرة القديمة 
خطوة في اتجاه صبغ اليابان من القمة إلى القاعدة في قالب الساموراي. 

ومن بين مريدي سوكو ياماجاء واحد من الساموراي اتخذه مؤلف قصة 
لا؟ ساموراي 11ألانخ][ تانالات ل لزاترن"] ملا له ماقا مل *ل, قائدا لهم؛ وتلك هي 


(*) في الأصل الإنجليزي «أ1اا»!. والكلمة (اليابانية) سبق ذكرها. وهي الاسم الذي كان يطلق على 
الساموراي الذي تصعلك بعد أن انتهى زمانه وفقند سيادته. 





اليايان: روؤية جديدة 


أشهر أساطير الأدب الياباني؛ وهي تحكي عن أحداث حدثت في العامين 
,17١70١‏ أي في منتصف عصر إدو. وتصور هذه القصة أقصى ما 
وصلت إليه فكرة الروح باليابانيين. ماذا عن الطقوس العملية التي تعيش رغم 
انتفاء الغرض منها؟ تقوم الأجيال التالية بتثبيتهاء فتجعل منها رموزا مقدسسة, 
ولنتأمل حبكة قصة لا4 ساموراي. 

شهر أحد الإقطاعيين المحليين (دايميو) سيفه في مواجهة موظف كبير 
يعمل ضي خدمة الشوجون (الحاكم العسكري المركزي) لأنه أهانه. فتصدر 
الأوامر لهذا الإقطاعي بأن يقتل نفسه بالانتحار على طريقة سيبوكو. ومن ثم 
يتحول رجال الساموراي التابعون له إلى مقاتلين مشردين بلا قائد أو مأوى. 
وللتعبير عن الولاء لسيدهم المتوفى؛ يقرر المحاريون قتل ذلك الموظف المركزي؛ 
وهم يضحون في سبيل ذلك بكل شيء؛ فيتقبلون هلاك الآباء والأمهات 
والزوجات والأطفال. وأخيرا يوقع الساموراي بخصمهم في كمين نصبوه 
تحت سقيفة في داخل قصره ‏ ويقتلونه بالسيف. هكذا يعتبرون أبطالا بسبب 
الوضاء لقائدهم. ولكنهم أيضاء يحق عليهم الموت على طريقة السيبوكو باسم 
الولاء الأكبر: الولاء للشوجون. 

وقد شُغل مثقفو الساموراي بالجدل حول أحداث هذه القصة؛ حتى عصر 
الإحياء الميجي؛ أي بعد حوالى قرن ونصف من صدورها. وخاض كاتبو 
الأطروحات الفلسفية في تبين الحق من الباطل والصواب من الخطأ بكل 
الطرق. واكتسبت قصة 4 ساموراي شعبية هائلة بين العوام. وأصبحت لها 
شهرة مثل شهرة رواية الفرسان الثلاثة في الغربء لتظل واحدة من الأساطير 
القومية تليابان. ومع ذلك فإنها حكاية تثير الأسى لانعدام الحس والشعور. 
وهي تصور مجتمعا مكرسا لاستكصال الموقف الفردي باسم إعلاء شأن 
الروح. ولا يمكن تحجيم المدى الذي وصل إليه الشر في مثل هذا المجتمع إلا 
بإعمال أدوات العنف المتاحة. 

ومن الأمور اللافتة للانتباهء شي الحديث عن الروح اليابانية؛ الطريقة التي 
تستخدم بها لإخفاء المشاعر والتمويه على الشخصية. وتعتبر قصة 
4 ساموراي من أوضح الأمثلة على هذا . يضحي المحاريون بأسّرهم في 
شرف اسم المتوفىء صحيح أنه موقف لا يستثير تعاطفا كبيراء ولكن جدلاء 
دعنا نتقبل هذه المقدمة. وإذ يقدم المحاربون على هذا الفعل الصحيح بكامل 





الروج المسافرة عير التاريخ 


وعيهم: فإنهم يتقبلون أيضا أقصى العقوية عليه. وهذا النوع من التعسف 
اللاعقلاني ينطوي على ذلك النوع من إنكار الذات الاستحواذي. 

ومن الأمثلة الموضحة لذلك الحكم بقتل الذات بالانتحار على طريقة 
سيبوكو. وفي 815 1: أي بعد عام من الإحياء الميجيء. طرحت الحكومة 
الجديدة للمناقشة موضوع تجريم هذا الأمر (مثلما جَرّمت أمور أخرى عدة) 
لأنها يمكن أن تثير امتعاض الغربيين: وضيما يلي عيّنة مما قاله المداطعون عن 
هذا الطقس الانتحاري؛ في المجلس الإمبراطوري الجديد. 

إن الانتحار على طريقة سيبوكو له جذوره في الطاقة الحيوية لهذا البلد المقدس؛ إنه المزار 
المقدس للروح اليابائية «ياماتو داماشي». 

إن الانتحار على طريقة سيبوكو هو جوهرة على جبين بلادناء وهو من أسباب سموها وتفوقها 
على البلاد الأخرى الموجودة وراء البحار. 

والأكثر مدعاة للدهشة: ما قيل: 

لماذا نقضي على تلك العادة لمجرد أن في ذلك محاكاة لتخنث الأمم الأجنبية؟ 

هل يتعلق الأمر حقا «بتخنث» الآخرينة؟ لا يمكن أن تكون هذه هي 
القضية ‏ بالطبع. وإنما القضية كانت هي «تخنث» اليابان. هي تلك الروح 
اللينة الانسحابية التي طال دفنهاء والتي كانت من سمات اليابانيين قبل ظهور 
ياماتو. لنتأمل الصورة الكلاسيكية للساموراي كما تُقدم لنا؛ الوقفة المتصلبة, 
والسيف مشهر.ء و(أهم من كل هذا) النظرة الشزراء الحادة والقم المزموم 
المقوس لأسفلء باختصارء المظهر المتجهم الذي من دونه يفقد السماموراي 
هويته. ويمكن أن نرى هذه الصورة حتى أيامنا هذه في أشياء مثل الأضلام 
والإعلانات. ومن أمثلة ذلك: اشرب جيكيكان؛ خمر الساموراي!» وذلك إعلان 
كان واسع الانتشار أثناء سنوات إقامتي في طوكيو. وها هو السامورايء نراه 
في ذلك الإعلان؛ في كل أبهته الذكورية وهو يضرب المنضدة بكأسه ملقيا 
الروع شي القلوب. ثمة شيء في شخصية الساموراي ‏ كما نعرفه ‏ مثير 
للخوف بمثل ما هو مثير للإشفاق ومثير للضحك. جميعا وفي الوقت نفسه. 
لأن هذه الشخصية: في التحليل النهاكي: في حالة تمثيلية. مجرد مسرح. 
تمويه على جوانب من الشخصية اليابانية؛ مثل العطاءء والطبع الأنثوي؛ إن 
شثناء وهي أمور جديرة بأن تثير الإعجاب لا الخجلء وما تزال لها تجلياتها؛ 
على الرغم من كل الجهود التي تبذل لإخفائها. 





اليايان: رؤية جديدة 


قد يبدو أننا مندفعون (أو أننا نطلق عموميات لا جدوى منها) حين نذهب 
إلى أن أمة بأسرها تعاني من عقد نفسية جماعية: بسبب السبيل الذي 
تقدمت من خلاله عبر التاريخ. بما شي هذا التاريخ من شرائح تخفي ملائح 
البدايات الأولى» وعلى كل حال؛: فقد ظل الأمر مطروحا كسؤال لا مهرب منه 
منذ الإصلاح الميجي؛ أي منن تحول جميع اليابانيين إلى ساموراي. في العقد 
قبل الأخير من عصر الميجي؛ نشر الباحث الغربي المرموق المتتخصص في 
بدايات اليابان الحديثة؛ لافكاديو هيرن 2نذه21 010هع]آضاء مقالا يعنوان 
«الابتسامة اليابانية 11ر5 12002686 ع1», حاول فيه أن يشرح اذا يبتسم 
اليايانيون عند عودتهم من الجنازات: وعندما يضريبهم سادتهم الغرييون؛ 
وعندما يطردون من الخدمة في أحد البيوت الأوروبية. ويرى هيرن أن هذه 
الابتسامات لا تخفي وراءها روح استهانة أو خبثاء وإنئما وراءها الارتباك 
العميق نفسه الذي ضغط على وجدانهم قبل نحو ألف عام. رأى هيرن الفراغ 
في قلب روح الاندفاع اليابانية من أجل تحقيق الحداثة: ووصف ببصيرة نادرة 
حنيتهم الذي لم يلبث أن ظهر واحتوى الياباني؛ الذي عاد إلى روح 
السامورايء هذا الحنين الذي يعود الآن بعد مضي قرن لتعويض ما فقدوه: 

إلا أن هذا الماضي؛ الذي ينزع الجيل الجديد اليوم إلى احتقارد لابد أن تعود اليابان يوما 
للتطلع إليه.... ستعود اليابان لتتعلم كيف تأسى على طاقتها المنسية للاستمتاع بالمتع البسيطة, 
والمشاعر المفقودة بفرحة الحياة الخالصة: والمحبة المطهرة الحميمة القديمة مع الطبيعة: والفن 
التجريدي الرائع الذي عبر عنها. وستستعيد اليابان إلى ذاكرتها كم كانت الدنيا تبدو حيئذاك 
جميلة ومضيئة... وستذرف الدمع أسى على أمور كثيرة» وستعتمل دواخلها بالدهشة لأمور كثيرة 
ولكن بأسى. وريما ستصيبها الدهشة اكثر من اي شيء آخر حين تتأمل وجوه الآلهة القدامى؛ لأن 
البسمة على تلك الوجوه يوما ما شبيهة باليسمة على وجهها هي. 

كان المنظرون الذين وضعوا حجر الأساس في بناء اليابان الحديثة 
يتميزون بالحصافة وحسن التدبير في استخدامهم للروح اليابانية. وكما 
المخنا من قبل كان عضر المنجي هو العمل والكرية الناسية لاتنسينات 
الرغبات واستنهاض الطموحات. ولكن الدولة الجديدة كانت على درجة من 
الكفاءة مكنتها من الوصل بين النموذج الذي صنعوه بفكرة ياماتو القديمة. 

كان استدعاء الروح اليابانية في عصر الميجي نموذجا للمواصفات الكاملة 
للعواطف الريفية الفجة. فأن تتمجد شخصية الريفي الذي ما يزال الطين 





الروحج المساقرة عبر التاريخ 


بين أصابع قدميه: لأمر يبقي الناس في أماكتهم: وإن ذلك لقمين بأن ينحرف 
ببعض ما لديهم من تطلعات وأحلام وهم يتحولون ليصيروا على نموذج 
الساموراي الحديث. أعاد منظرو عصر الميجي اختراع شخصية أسطورية 
للتعبير عن هذا الجانب الروحيء آلا وهو الفلاح الممسمى كينجيرو نينوميا 
اإتحطمه 811 معززهن؟1. كان السيد كينجيرو هو التجسيد الأمثل للبذرة البرية ‏ 
مثبتا في أرضه؛ متفانيا ضي عمله؛ شاكرا لكل من يعلوه؛ مستعدا أيدا للسعي 
من أجل الحصول على ين واحد. إنه المرادف الياباني لجوني آبلسيد الأمريكي 
لمءدء امك (110طه1 . رفع المنظرون اليابانيون لعصر الميجي السيد كينجيرو: 
بدرجة أو بأخرىء إلى مرتبة القديسين. وعندما جاء جنود الاحتلال 
الأمريكيون في 1540: وجدوا تماثيل لكينجيرو في كثير من القرى اليابانية, 
وهو يحمل على ظهره حطبا ويقرأ كتابا في الوقت نفسه. (كان كينجيرو 
الحقيقي فلاحا من عصر إدو؛ ترقى بأعجوبة إلى وظيفة ناظر زراعة عند 
الإقطاعي المحلي). 

ومع تتابع سنوات عصر الميجيء؛ تحول البعث الروحي ليصبح ذا مضامين 
مناهضة للغرب بوضوح: ونظم دعاة الحقوق المدنية والديموقراطية الأغاني 
والأهازيج الشعبية التي تندد بالمعاهدات غير المتكاضّة. وكما سبق أن أحاط 
اليابانيون أنفسهم بالأشياء الصينيةء كذلك جلب عصر لمجي فيضا من 
الواردات الأمريكية والأوروبية. وهكذاء فشعار «الأشياء صينية ولكن الروح 
يابانية» ‏ أصبح «الروح يابانية والأشياء غربية». واكون يوساي ‏ وهي فكرة لن 
يجد أي ياباني عادي صعوبة في تقبلها . 

وإذا كان لليابان حدود جغرافية واضحة:؛ فهل لها حدود أخرى بالدرجة 
نفسها من الوضوح؟ ومع ذلك؛ اكتشفت اليابان في القرن العشرين كما في 
القرن السادس؛ أنه في اللحظات الحاسمة من تطورهاء فإنها تبدو كما لو 
كانت لا حدود لها على الإطلاق. ومن المؤكد أن من بين الملامح الواأضحة 
لعصر الميجي أنه كان تكرارا دقيقا للنموذج الذي أرساه شوتوكو ألا وهو: 
صورة مرسومة ليابان جديدة: تستعير الكثير من خارجهاء مع تشبث عنيد 
بروح منفردة هي انعكاس حاد لإحساس داخلي بعدم القناعة والرضا. وضي 
التحليل الأخير؛ فإن الإحياء الروحي؛ مرة أخرى؛ هو إقامة الحدود التي كان 
يبدو أنها ضاعت. 





اليابان: رؤية جديدة 


جاءت الروح التي استنفرتها الصفوة في عصر ال ميجي متلفعة بفكرة 
ال« كوكوتاي» نهاداكاه»1, فبفضل فكرة الكوكوتاي التي كانت تومض في 
أذهانهم: تمكن اليابانيون خلال نصف القرن الذي بدأ في 1848 من هزيمة 
الصينيينء ودحر الأسطول الروسي: وفتح كورياء والقيول بالتحدي الغربي في 
الحرب العالمية الثانية. وضي فصل سابق؛ أوردت تعريفا لمصطاح كوكوتاي وفقا 
للترجمة المعتمدة بأنه «الروح القومية». وحتى الآن: لم يتصد أي مؤرخ لتقديم 
تعريف محكم لكلمة كوكوتاي. ولا حتى من بين أولئك الذين أبرزوا أهمية هذه 
الكلمة. ومنذ أن تم التوصل إلى هذه الفكرة في أواخر عصر إدو؛ فإن 
التساؤل الجوهري الذي أحاط بها هو: هل من الضروري أن نعتبر لها معنى 
متفردا واحدا؟ ذهب المعلم يوكيشي فوكوزاوا إلى أن لكلمة كوكوتاي معاني 
مراوغة لا تفل في ذلك عن مراوغة كلمة «القومية». ولكن الكلمة تعني عند 
آخرين «السياسات القومية»: بل ويذهب البعض إلى أنها هي «الكيان الروحي 
لليابان»: وكأن طوكيو تستعير الفكرة من روماء ولعلها شيء من قبيل 
«الإحساس بالأمة» ‏ وذلك شيء ليس من الضروري أن نفهمه؛ بل أن نشعر 
به. وما كان حتى مستشارو الإمبراطور ليكونوا على يقنين منه. هل الكوكوتاي 
لها مضمون لا يتغير5... لاء بل إنه يتغير مع الزمن. كل له كوكوتاي خاص به, 
البريطانيون والفرنسيون والأمريكيون... لاء إنه يخص اليابانيين وحدهم. 
وآخر المحاولات التي بذلت لتوضيحه؛ وأكثرها جدية؛ هي تلك التي وردت في 
كتاب صدر العام :١9117/‏ بعنوان كوكوتاي نو هونجي 1101081 20 181لاء01؟1: له؛ ما 
للكتاب المقدس من تبجيلء ويُرجع إليه كثيراء وكان بمنزلة الأطروحة 
الأيديولوجية الأساسية لفترة الحرب. والكوكوتاي في هذا الكتاب متفردة 
وسرمدية؛ برغم كل شيء: «وضاءة مشرفة على مر تاريخنا كله». 

في سيرته الذاتية: أورد المخرج السينمائي أكيرا كوروساوا 411:8 
78 قصة شديدة الغرابة عن اليوم الذي أعلنت فيه اليابان عن 
هزيمتها. كان قداستدعي إلى الاستوديو (الذي كان يشتغل فيه بإخراج أفلام 
دعاكية للسلطة الدكتاتورية). وذلك للاستماع لخطاب الاستسلام الذي 
سيلقيه هيروهيتو. وفي طريقه إلى الاستوديو في شوارع طوكيو؛ بدا كما لو 
أن كل الناس الذين رآهم كانوا على استعداد للموت من أجل الإمبراطور, 
الكوكوتايء الروح اليابانية النبيلة. «كان الجو مفعما بالتوتر والجزع: بل كان 





الروج المسافرة عبر التاريخ 


ثمة أصحاب دكاكين أخرجوا سيوفهم اليابانية من أغمادها وجلسوا يحملقون 
في أنصالها العارية». استمع كوروساوا الشاب للإمبراطور من الراديو؛ وكان 
واحدا من بين ١‏ مليونا من اليابانيين الذين يسمعون صوت الإمبراطور لأول 
مرة. ثم غادر الاستوديو: يقول كيروساوا: 

في طريقي إلى منزلي؛ مجتازا الشوارع نفسها التي جئت منهاء كان المنظر مختلفا اختلافا تاما. 
كان الناس في السوق التجاري يروحون ويجيئون في صخبء وجوههم مليثة بالبشر, كأنهم يُعدون 
لعيد في اليوم التالي. 

وثمة قصص كثيرة أخرى مشابهة تحكي ما حدث في ذلك المساء من يوم 
0 أغسطس من 1946. يتذكر البعض الشوارع الخالية وأصوات النحيب 
تأتي من خلف الأبواب المفلقة. ولكنهم يتحدثون داكما عن حزن ممتزج 
بإحساس أكيد بالارتياح. فكيف يمكن أن يتغير اليابانيون بمثل هذه السرعة؟ 
يجيب كوروساوا عن هذا السؤال بقوله: «ضي زمن الحربء كنا جميعا أشبه 
بالصم البكم». وكان ثمة صحافي فرنسي حاضر بين العدد القليل من 
الفربيين الموجودين: عبّر عن هذه الحالة بقوله: «كان ثمة شيء هائلء قد 
انكسر لتوه: لقد سقطت القضية الكبرى اعتمدت اليابان على الروح للتغلب 
على التفوق المادي للعدو. أما الآن: فقد أصبح اليابانيون وجها لوجه مع شعور 
بالنقص يستحيل تجاهله. ولكن لنتأمل كلمات كوروساوا مرة أخرى: إنه في 
فقرة واحدة يكشفء ليس ضقط عن مدى الشمولية التي كانت عليها فكرة 
الروح؛ ولكنه يكشف أيضا عن مدى ما كانت عليه هذه الفكرة من ضحالة. 
وكذا الأمرء وما يزالء منذ استسلام اليابان في الحرب وحتى الآن. 

ماتت فكرة الكوكوتاي (الروح القومية) مع القضاء على الجيش 
الإمبراطوري في ١546‏ .: ولكن الموت لم يكن إلا كلاما في الأوراق الرسمية. 
صحيح أن الأمريكيين كانوا حريصين على قتل الكوكوتاي بأسرع ما يمكن» 
وأن الجنرال ماك آرثر صادرء بعد بضعة أشهر من احتلال طوكيو؛ الصيفة 
التي كانت معتمدة أيام الحرب لفكرة الروح القومية (كوكوتاي نو هونجي). كل 
هذا صحيم. ولكن فكرةٌ لها كل هذه الأهمية بالنسبة للأسلوب الذي كانت 
تحكم به اليابان» لا يمكن القضاء عليها وإلقاؤها في «مزبلة الماضي» كما لو 
كانت أمرا عسكريا أو مرسوما عاديا. وإنما كانت كوكوتاي أيديولوجية مسلما 
بهاء أشبه بخبيئة غير مرئية. هكذاء بعد عام من مصادرة أركان حرب ماك 





أليابان: روؤية جديدة 


آرثر ذكر كوكوتاي نو هونجي؛ أعلن مجلس الوزراء الياباني أن «الروح القومية» 
مازالت سليمة. وهكذاء أطالوا عمر فكرة الكوكوتاي. مثلما أبقوا على 
استخدام تقويم جنجو. وتتجلى تلك المسلمة الأيديولوجية - التي أطالوا 
عمرها ‏ في أفكار من نوع محارب الشركة:؛ وفكرة «الديموقراطية اليابانية» 
(اسم الشهرة الذي أطلقه نادي الكريزانثيمم على النظام السياسي المستحيل 
الذي خلقته النخبة بعد الحرب) والحق أنه يستحيل ادعاء أن نظاما مختلا 
وظيفيا يمكن أن يصبح لاتقا وظيفيا بمجرد إعطائه اسما جديدا. ولكن 
تصور وجود نسخة يابانية للديموقراطية أمر يتقبله الكثيرون. حتى بين 
اليابانيين. وهذا التصور يتضمن اعتقادا بأن اليابانيين يستطيعون: على نحو 
ماء أن يخترقوا بأسلويهم المتفرد أكثر المثل الإنسانية تماسكا . 

وعندما كان المحلل النفسي روبرت ليفتون يلتقي الشباب الياباني فضي 
أواخر خمسينيات القرن العشرين وأوائل الستينيات. فإنه اكتشف أن هؤلاء 
الشباب كانوا طاقدي الثقة تماما في أمور الروح اليابانية والروح القومية. 
وكانت كلمة كوكوتاي بالذات غائبة تماما من لغة ما بعد الحرب» ويقول ليفتون 
إن هؤلاء الشباب كانوا: «يستبعدونها باعتبارها من الدعاية العسكرية:؛ بل 
إنهم كانوا يرونها مشيرة للضحك». ولكن الضحكات التي طرقت أسماع 
ليفتون؛ كانت أشبه بالابتسامات التي كتب عنها لافكادو هيرن؛ كانت ضحكات 
تخفي أمورا. صحيح أن اليابانيين بعد الحرب لم يجدوا أنفسهم في فكرة 
الكوكوتاي وأشباههاء ولكنهم لم يهتدوا إلى أي شيء آخر يعوضهم عنها . كانوا 
ضائعين في نوع من ضراغ العقيدة. وتبين ليفتون: المحلل النفسيء. أن وراء 
ضحكات الشباب الذين كان يلتقيهم: يكمن ذلك التوتر القديم الدائم الذي 
يستشعره كل ياباني: 

ذلك التوتر الناجم عن صراع الاتجاهين المتناقضين اللذين يلاحقان الفكر الياباني: أولهما 
النزوع القوي إلى استعادة ايديولوجية كوكوتاي وجعل الأمور تعود إلى ما كانت عليه من جاتب: ومن 
جائب آخر النزوع المضاد للانفلات التام ابتعادا عن كوكوتاي بكل مخلفاتها وتجديد كل شيء. 

إن أهم ما يثير الاهتمام بشأن الكوكوتاي ونشر تقاليد الساموراي ليس هو أن 
آثار هذه وتلك ما تزال لها تجلياتهاء حتى في وقتنا هذاء وإنما هو أن عملية نشر 
تقاليد الساموراي كانت في حقيقة الأمر عملية فاشلة. فقد ظلت الجهود تبذل 
بغير هوادة على مدى خمسة وسبعين عاما في هذا الاتجاه؛ ولكن المهمة 





الروح المسافرة عبر التاريخ 


لم تكتمل أبدا. وكما تبين ليفتون: لم تسفر محاولات فرض الروح اليايانية إلا عن 
إطالة عمر أكثر أنواع الانقسام عنادا بين اليابانيين, بل وضي داخل كل ياباني: بين 
حال اليابانيين كما هم في الواقع؛ والحال التي ينبغي أن يكونوا عليها؛ وكذا بين 
فهم الإنسان نفسه بصفته يابانيا بالدرجة الأولى؛ وبين فهمه نفسه بصفته إنسانا 
بالدرجة الأولى: وذلك انقسام قديم قدم فكرة ياماتو داماشي نفسها . إنه أيضا 
الانقسام بين التقاليد العظيمة والتقاليد الصغيرة. لقد طورت اليايان المنورة 
الإمبريالية الرسمية لذاتها وثقافتهاء وهي ملحمة يحتشد فيها الأمراء والمحاربون 
وأبطال الوحدة القومية؛ وكل من يضربون المثل على الولاء وغيره من الفضائل 
الكبرى. منن ظهور البشائر الأولى للروح القومية. ولكن خط التقاليد الصغيرة 
يظل هو الآخر متصلا متألقا عبر التاريخ. 

ولنعرض باختصار لأسطورة أخرى من أساطير عصر إدو: كان بطلهاء 
سوجورو 808050 كبير قرية يقيم بالقرب من ناريتا شمالي العاصمة في 
مستهل القرن السابع عشر. نشأت المشكلة عندما فرض الإقطاعي المحلي 
مزيدا من الضرائب على الأرز؛ إلى درجة دفعت القرية إلى المجاعة؛ وعندما 
فشلت الالتماسات التي قدمت للمسؤول الحكومي المحلي؛ أقدم سوجورو على 
مخاطرة السفر من القرية إلى إدو لمواجهة الإقطاعي نفسه في مسكنه الآخر 
في العاصمة. ولكن مسعاه فشل مرة أخرى؛ ولم يبق أمام سويجورو إلا أن 
يسعى لمقابلة الشوجون. الأمر الذي كان يعرضه بالقطع للإعدام, ذلك أنه 
في تراتب الأمور؛ يبدأ حق سوجورو في تقديم الالتماسات. كما ينتهي أيضاء 
عند أعتاب من يعلوه مرتبة واحدة. تقول القصة: 

لم يكن يملا قلبه إلا فكرة واحدة, أنه بالتضحية بحياته نفسها؛ يكون قد نهضن بمسؤوليته 
كاملة للتخفيف من معاناة الفلاحين وإنقاذ الجماهير من المخاطر. فيا لها من إرادة لا تلين: ويا لها 
من شجاعة لا نظير لها! 

كلل مسعى سوجورو بالنجاح بعد أن دس الشكوى في صندوق قمامة 
قصر الشوجون. اكتشفت الشكوى ورفعت للشوجون الذي أمر برضع الضرائب 
الإضافية عن كاهل الفلاحين؛ ولكن سوجورو حكم عليه بالصلب هو وزوجته 
وأبناكه الأربعة؛ لأنهم «تعاملوا مع السلطة العامة بخفة». 

واسطورة سوجورو وليدة التقاليد الصغرى: الأطراف لا المركز. ولن 
تجدها على قائمة القراءة في أي مدرسة إعدادية يابانية. أما قصة 40 





اليابان: رؤية جديدة 


ساموراي. فإنهاء خلافا لذلك: تأتي من التقاليد الكبيرى للساموراي؛ وهي 
خُدرس لكل تلمين ناشي في اليابان. فما الخلاف بين الأسطورتين؟ ما الذي 
تجده في التقاليد الصغرى؟ لا نجد شواهد أو أدلة على وجود محاربين 
عابسين متجهمين بروحهم اليابانية. فالمشاعر في فلب قصة سوجورو هي 
إرادة البقاء في مواجهة غرائب المخاطرء وهي ما يميز الروح الإنسانية بعامة, 
وليس في ذلك شيء غريب أو ياباني بخاصة. 

استمرت حكاية سوجورو تحكى مرات ومرات يخطئها الحصر. وعلى 
الرغم من أنها غير مذيلة بخاتم رسمي بالإقرار والموافقة؛ فإنها ظلت تشق 
الدروب الوعرة عبر القرون إلى يومنا هذا. لقد أصبح سوجورو إلها من آلهة 
ديانة الشنتو. وبنهوض الثقافة الشعبية في المدن؛ أخيراء رسمت صوره 
بالطباعة الخشبية التقليدية» وجرى تشخيصه على مسرح الكابوكي. وكان 
قدر عودته إلى الظهور في أيامنا هذه أمرا كاشفا عن الكثير. ثمة معبد يحمل 
اسمه. وفي أواخر ستينيات القرن العشرين؛ عندما استولت حكومة طوكيو 
على أراض في ناريتا لبناء مطار دولي جديد؛ بدأ الفلاحون ومؤيدوهم من 
الطلبة حركة احتجاج ما تزال مستمرة حتى اليوم. وتلك واحدة من أكثر 
النزاعات الطويلة الأمد في العالم السياسي لما بعد الحربء إنها مواجهة من 
الطراز الأول بين التقاليد الكبرى والتقاليد الصغرى. لقد أصبح على ناريتا 
حراسة مكثفة مثل الحراسات المضروبة حول قصور الحكام الدكتاتوريين. 
وهي أول وآخر ما تقع عليه عيون الزائرين عند مجيتهم إلى اليابان أو 
مغادرتهم إياها. وهكذا؛ ومن دون أن يتبين غالبية الزائرين أصل الحكاية 
وتفصيلهاء إن الصراع بين التقائيد الكبرى والصغرى هو أول ما يستقبلهم 
وآخر ما يودعهم وهم يمرون في قليها. 

إن حركة فلاحي ناريتا لَحركةٌ نابعة من إحساس رائع بالتاريخ: إذ اختاروا 
سوجورو منث البدءء أبا وقديسا. 

د ع 

وحنين اليابانيين إلى الماضي أمر غير مستفرب. ولكن:؛ لا نكاد نعثر على 
أمم أخرى تستطيع أن تعي رؤية نفسها وهي يعاد خلقها وتشكيلها مرات عبر 
التاريخ: من «يابان» ياماتو: إلى يابان شوتوكوء إلى يابان الساموراي : ثم يابان 
الطواكف في عصر إدوء وأخيرا يابان العصر الحديث؛ وكل «يابان» من هذه 





الروج المسافرة عبر التارييخ 


«اليابانات» أشبه بطبقة طلاء تعلو سابقتها. وهكذاء نستطيع أن نقول إن 
التاريخ جعل اليابانيين ويا للغرابة: بغير مأوى: تتقاذفهم أحداث القرن 
العشرين: وهم يتشرذمون: إذ يلجون «يابانا» ليست في قائمة الأحلام والرؤى. 

يحتضن اليابانيون هذا الحنين؛ تلك العاطفة التي تميزهم: ولكنها على 
الرغم من كل شيء؛ تضعف بمرور السنين. لقد جعل اليابانيون: ردحا من 
الزمن؛ من أنفسهم خبراء هذا الحنين؛ بل علماء؛ ولكن؛ ثمة أنواعا كثيرة من 
الحنين؛ لسيب بسيط: هو أن ثمة أكثر من يابان تهفو إليها نفوسهم: ثمة 
الحنين الوهمي؛ رغم جماهيريته. لحقبة «سلام التوكوجاوا». ويظل حنين 
النواة القومية المتطرفة قويا لروح جماهيريته القديمة. وثمة الحنين لجماليات 
فنون السامورايء يذكرنا اعتزاز كيشو كوروكاوا ببيت الشاي الذي يمتلكه 
بذلك الحنين. وأكثر من كل هذاء ثمة الحنين ليابان البساطة التي وجدت قبل 
أن يغطي طلاء ياماتو أديمها. 

في أواخر السبعينيات قامت مجموعة من اليابانيين ببناء مركب بدائي 
طويل؛ للإايحار به من شمالي لوزون 1114010 في الفلبين: إلى الطرف 
الجنوبي من جزيرة كيوشو. وعلى نحو ما قام به العالم المستكشف النرويجي 
ثور هاريدال في رحلة كون ‏ تيكي؛ كان من المفترض أن تثبت الرحلة 
اليابانية ما يسميه بعض الباحثين «نظريةالأصول الجنوبية», تلك التي 
تذهب إلى أن أسلاف اليابانيين الأوائل» أو بعضهم على الأقل؛ جاءوا 
مهاجرين عبر المحيط من جنوب شرقي آسياء أو من جزر المحيط الهادي. 
قام المركب برحلته؛ ولكن يبدو أن أحدا من اليابانيين لم يتأثر بنتائجها. 
اليوم يتمدد جسم السفينة خارج أحد المتاحف البحرية القائمة على خليج 
طوكيو. كتلة خشبية تتال منها عوامل الطبيعة. اصطحبني لرويتها أحد هواة 


النحت المرموقين. 
سألته: «ماالذي أثبته أولئك الذين أخذوا المركب إلى الفلبين وأبحروا به 
عائكدين لليابان9». 


هز رأسه وأجاب ساخرا: دلا شيم على الإطلاق». 
كان مشروع تلك الرحلة البحرية مثالا حيا على ما سمي نيهونجين رون 
110111011 وهي كلمة يابانية تعني «محاورات عن اليابانيين» أو «نظرية 
اليابانيين». تطرح نيهونجين رون السؤال القديم المتجدد: من هم اليابانيون؟ 





اليابان: رؤية جديدة 


حظيت المحاورات بشعبية هائلة, بدءا من ستينيات القرن العشرين وصولا 
إلى أواخر الثمانينيات من القرن نفسه. انتشر مروجوها في كثير من برامج 
وعروض السهرة في التلفزيون. كما كتبوا كثيرا من الكتب التي حققت أكثر 
توزيع. ومن الأمثلة النمطية لمنتجات نيهونجين رون: كتاب صدر العام ١9586‏ 
بعنوان المخ الياباني سصتةد8 ع5عصدمدل ع1 الذي استهل كالآتي: 

يبدوانئي اكتشفت ما يفسر الأوجه المتفردة والأوجه العامة للثقافة اليابانية؛ لماذا ينهج 
الياباتيون هنا السلوك المتميز؟ وكيف شكلت الثقافة اليابائية ملامحها الخاصة وطورقها؟ اعتقد ان 
مفتاح الإجابة عن هذه الأسئلة يكمن في اللغة اليابانية؛ أي ان «اليابانيين يابانيون لأنهم يتكلمون 
الياباتية». ولقد خلصت من أبحاثي إلى أن اللغة اليابانية هي التي تشكل النموذج الوظيفي للمخ 
الياباتي؛ الذي يشكل بدوره الثقافة اليابانية. 

ويدعي المؤلف؛ تادانويو تسونودا 151002008' 120300010': الحائز دكتوراه 
في السمعيات والصوتيات. يدعي التجرد في بحثه العلمي؛ ويعبر عن دهشته 
حين قوبل كتابه باهتمام عالمي. ولكن من الواضح أنه كان أقل حياء عند 
التعبير عن فرضيته الأساسية: التي هي في الوقت نفسه النتيجة التي خلص 
إليها؛ وهي أن اليابانيين متفردون. وتلك هي نقطة البدء بمثل ما هي نقطة 
الختام لدى جميع خبراء نظرية اليابانيين. 

والحق أن نظرية اليابانيين لم تكن إلا شعوذة؛ ومحاكاة مثيرة للسخرية 
للاستقصاء العلمي. وكان رجل اليخت محقا في قوله: لن تستطيع أي رحلة 
عبر بحر الصين الشرقي أن تقيم الدليل على أي شيء يتعاق باليابانيين: كما 
لن تستطيع ذلك أي رسوم للمخ أو أي ألاعيب أخرى يقوم بها خبراء 
النيهونجين رون. وقد استخدم المفاوضون في المحادثات التجارية تنويعات 
على هذه النفمة مع الأمريكيين: الذين ضاقت صدورهم:ء من نوع: الجليد 
الياباني يختلف عن الجليد في أي بلد آخر؛ (ومن ثم يتعين على اليابان أن 
تحظر استيراد أدوات الانزلاق المصنوعة في الخارج). كذلك أمعاء اليابانيين 
أطول من أمعاء الغربيين (ولا تستطيع أن تهضم اللحوم المستوردة). وهكذاء 
تعتبر نظرية اليابانيين» بين الأجانبء نكتة سخيفة تحمل معاني العداء 
للأجانب. والحق أنها كذلك, حتى حينه. 

ولكن الأمر لا يتعلق بكراهية الأجائب فحسبء فما المقصود بنظرية 
اليابانيين؟ وما الذي تنبئنا به؟ إن هذه النظرية نتاج زمنها: فمن غير المتصور 





الروح المسافرة عبر التاريخ 


أن ينشغل أي ساموراي متحمس أو أي قومي في وقت الحرب بمثل هذه 
المشكلة. فبالنسبة لهذا أو ذاك كانت المعادلة بسيطة: «إن روحنا المتفردة تعنى 
أئنا لسنا صينيين». ثم بعد ألف سنة تعني «نحن لسنا غرييين». هذا ما يجب 
التأكيد عليه. ولم يكن أبدا للجغراضيا أو الأنثرويولوجي أي صلة بأن يكون 
اليابانيون هم اليابانيين. 

صحيح أن اليابانيين متفردون؛ غير أن المنظّرين فشلوا في شرح الخطوة 
التالية في منطقهم: فاليابانيون ليسوا وحدهم المتفردين: أي أنهم ليسوا 
أكثر تفردا من غيرهم. ومن ثم: فإن نظرية اليابانيين لا توحي إلا بما حاولت 
أن تدحضه: وهو أن الإحساس بالتفرد ا الذي أوحت به الروح 
اليابانية. هذا الإحساس يحتضر. بمثل ما تحتضر الفكرة القديمة للروح 
اليابانية نفسها. 

إن نظرية اليابانيين «نيهونجين رون» تخبو كقاعدة من قواعد السلوك 
والعمل ‏ إن صح التعبير. وأعتقد أنها تنتهيء لأن فكرة تفرد اليابانيين لا 
يمكن الإبقاء عليها أكثر من ذلك. لقد أنهكت الروح اليابانية تماما ضي 
ثمانينيات القرن العشرين: أو بتعبير أفضلء؛ لم تعد ثمة حاجة إليها. 
باختصار. كانت شعبية الفكرة ترجع إلى أن اليابانيين لم يكونوا قادرين على 
تعريف أنفسهم كمختلفين عن آخرين. وكان التحدي الذي يواجههم: هوآن 
يوضحوا لأنفسهم؛ كما لغيرهم؛ حقيقة هويتهم الخاصة. وفي محاولة تنظير 
النيهونجين رون يتفحص اليابانيون ماضيهم مرة أخرى. ولكن المحاولة لم تكن 
إلا نوعا من العلم الزائف والحنين الرخيص. والحقيقة أن اليابانيين لا يزالون 
يبحثون عن روح ليست هي الروج القديمة ‏ ياماتو داماشي؛ وإنما هي روح 
أمة عصرية؛ وهو ما لم يتحقق قط. ومن ثم؛ لايزال اليابانيون يرغبون في 
إعادة اكتشاف ماضيهم: لكنهم لا يرغبون في العودة إلى الحياة فيه. 

لم تتقيل اليابان أبدا فكرة «فترة ما بعد الحرب». لارتباطها حرضيا 
بالحرب؛ وأعلنت يدءا من خمسينيات القرن العشرين نهاية تلك الفترة كلما 
سنحت فرصة. في العام 1507؛ أطلقت الصحف على الطفرة الاقتصادية 
حينناك اسم «طفرة جيمو» 0012 111010ز1أل تيمنا باسم أول الأباطرة 
الأسطوريين. وأعلنت طوكيو أن فترة ما بعد الحرب قد انتهت. ثم شهد 
العام 15574 دورة طوكيو الأولمبية؛ وهو العام نفسه الذي انضمت فيه 





اليايان: رؤية جديدة 


اليايان إلى منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي: وهي بمنزلة نادي الأمم 
الملتتقدمة. وبعد عامينء وضع البنك الدولي اليابان في قائمة البلاد 
المتقدمة. وكان من المفترض أن يكون أي واحد من تلك الأعوام نقطة تطلع 
اليابانيين للخروج من الماضي؛ ولكن شيئًا لم يتحققء لم يكن العام ١5041‏ 
ليختلف اختلاضا يذكر عن العام 1560.؛ ولا العام 15107 عن العام 19717: 
العمل المرهقء: الطفرات الاقتصادية؛ والأهداف القومية يعاد صياغتها 
دائما بمعايير مادية. ظل الإحساس بالضياع وفقدان الهدف . لفترة ما بعد 
الحرب ‏ مستعصيا على العلاج. 

وأخيراء تدخل اليابان عصر ما بعد حربها. وليس هذا لأن اليابانيين قد 
حققوا التكاذؤ الاقتصادي مع الغربء أو لأن الحرب الباردة قد انتهت؛ أو لأن 
سيطرة الحزب الديموقراطي الليبرالي على الحكم قد اهتزت, أو لأن 
الإمبراطور هيروهيتو قد مات,؛ فالعلامة الفارقة الحقيقية التي تنبئ بمرحلة 
جديدة بالنسبة لليابانيين ليس لها معيار سهل القياس. وقد ساعدت أحداث 
هذا الزمان ‏ كل بطريقة ‏ ساعدت اليابانيين على تحرير أنفسهم من عبء 
الإحساسس بالدونية. ومن عبء الماضي: :ولا نعني الماضي القريب محسب» 
الماضي الذي تمتّل في الحرب وعبادة الإمبراطور. وإنما أيضا ماضي الروح 
اليابانية التي طال احتباس اليابانيين فيها. 

والحادث أن اليابانيين ليسوا متفردين في التوزع بين السعي للتحرر من 
الماضي والارتباط بالحنين له. فتلك هي الحالة الإنسانية العامة ونحن في 
نهاية ألفية وبداية أخرىء إنها النعمة والنقمة اللتان تختلطان في نفوسنا 
جميعا. فنحن جميعا نخطو إلى الأمام بلا خرائط أو مخططات. ولكن؛ إلى 
أي حد يشعر اليابانيون: أكثر من غيرهم: بجسامة الحال في هذا المنعطف؟ 
فقد كان الماضيء بالنسبة إليهم: ليس مجرد مرشدء ولكنه كان ناموس الحياة. 

إنه الشيء الذي أبقوا عليه سليما لا يمس؛ عوضا عن الصروح 
الحجرية والتماثيل. 

وإذ يشعر اليابانيون بأن السبل تفترق بهم عن كل ما مضى,؛ فإنهم 
ينجذبون إلى الفكرة الْحدثة الفامضة: التي تذهب إلى أنهم هم أول رواد 
عالم ما بعد الحداثة؛ فهم الذين اختتموا التاريخ. ووصلوا إلى أقصى مرافئ 
العصر الحديث. ومن ثم فهم الذين يقفون عند «نهاية التاريخ». إن اليابان 





الروج المسافرة عبر التاريخ 





وهي تطن طنين الرتاية الخفيض لماكينة الخياطة. أصبحت مفرغة من 
الأيديولوجيا والصراع: تبخرت المعاني: واستّعيض عن الحقيقة الواقعية 
بحقيقة افتراضية. تلك هي الأفكار التي حظيت بشعبية كبيرة؛ والتي ظهرت 
في المتعطف بين أواخر ثمانينيات القرن العشرين واؤاكل التسمينيات عن 
القرن نفسه. غير أنها ليست إلا «ياباناء أخرى من صنع الخيال. وليس ثمة 
علاقة بين هذا الكلام وحقيقة الحال» وليس ثمة ما هو أكثر سخفا منه 
كقراءة لماضي اليابان وحاضرها. إنها «يابان» حسب توصيف استشراق نادي 
الكريزانثيمم؛ وقد دضعت خطوتين إلى الأمام وألبست سواد ما بعد الحداثة, 
وقدمت «كمشروع» سلعة جديدة للاستهلاك ضي عصرنا . 

كان اليابانيون قد بدأوا عصرهم الحديث بقراءة أعمال روسو وجون 
ستيورات مل. وغيرهما من مفكري التنوير, ولم يلبثوا أن نحوا الأفكار والكتب 
جانباء وأقاموا صرح اقتصاد حديث؛ ولكن ما بنوه لم يكن مجتمعا حديث 
(كما تدل على ذلك الشواهد الكثيرة). وبعد الحرب؛ جعل اليابانيون من 
أنفسهم مواطنين لا رعاياء ولكنهم لم يبنوا مجتمعا مدنيا يمارسون فيه حقوق 
المشاركة, وأصبحوا يمتلكون آليات ديموقراطية؛ ولكن ليست الديموقراطية 
هي التي يمتلكون. وأيا كانت أفكار المرء عما بعد الحداثة, ضإن اليابانيين 
ليسوا لها مؤهلين. وإذا نحينا جانبا غلاف التكنولوجيا المتطورة وأحلام 
المستقبل المغفرقة في الخيال؛ فإننا سنكتشف أن آفاقهم غالبا ليست بعد 
حداثية. وإنما هي قبل. 

فأين اليابانيون الآن: وإلى أين يتجهون؟ هذا سؤال منطقيء ولكن يجب أن 
نكون على حذر ونحن نحاول الإجابة عنه. إن اليابانيين يقفون على حافة 
عصر تنويرهم الياباني المتآخر. وهم على وشك أن يصيروا؛ أخيراء أكثر شبها 
بنا. تلك فرضيات قديمة ومألوفة في الغرب. وإذ يشرع اليابانيون في إعادة 
صياغة أنفسهم ومجتمعهم: فإن الأيام يمكن أن تثبت صحة هذه الفرضيات, 
أو ربما ينتهج اليابانيون سبيلا مختلفا تماماء وذلك إمكان مثير للتفكير, 
خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن الغرب نفسه شرع الآن يتساءل إن كان 
التنوير قد تنكب طريقه: أو إن كان ثمة خطأ في هذا الطريق منذ البداية؟ 

ولكن صياغة الأمر على هذا النحو يمكن أن تمحو معالم المشكلة كلهاء 
فليست المحاولة التي تبذلها اليابان هي أن تكون مثلناء وأن تظل تستعير مناء 





اليابان: رؤية جديدة 


ولكن المحاولة هي أن يفهم اليابائيون إلى أين وصلواء وأن يواصلوا مسيرتهم 
من حيث هم؛ دون أن يلجأواء لأول مرةء إلى تقليد أحد أو الاستعارة منه: 
وهي أن يتقبلوا ماضيهم بكل ما فيه: كشيء مضى. ولا يستطيع أحد أن 
ينتزع؛ وينحي؛ من الماضي الأجزاء التي يعتبرها أخطاء. كما لا يجدي المضي 
في احتضان أحلام وردية خرافية للمستقبل. فاليابانيون ليسوا مجرد فلاحين 
بسطاء سذج يزرعون الأرزء إنما هم أيضا الشعب الذي استعار من الصين, 
وعاش نظام طوائف صبارمة: ثم استعار من الغرب وخاض الجرب ضده. 

وريماء إذا أخذنا كل هذا شي الاعتيار لا نبعد عن الحقيقة كثيرا إذا 
اسحخاصنا من ذلك أن اليابائيين شيلجون المستقيل بيساطة: بان يكوتوا اكثر 
شبها بأنفسهمء وأن يجدوا الرضا والراحة؛ لأول مرة؛ داخل جلدهم. 








للم 

عزمث على الا اأنطق 

باسمك؛. 

وليس لك أن تلومني أبدا. 
شاعر مجهول 
من المانيوشوء 


(مختارات من عشرة آلاف ورقة) 


الكتاب الحادي عشرء حوالى 
العام 5 هلام 


)0 اللاشي غ6 المقدس 


كانت الإمبراطورة ميشيكو؛ واسمها قبل الزواج 
ميشيكو شوداء وهي ابنة صاحب مصنعء؛ كانت في 
الحادية عشرة من عمرها في العام الذي 
استسلمت فيه اليابان في الحرب العالمية الثانية, 
6 :؛ ومع ذلك؛ فإنها ظلت دائما تتذكر الحرب 
بوضوح غير عادي. وفي 11806: بعد أن كان قد 
مضى على زواجها من ولي العهد ستة وعشرون 
عاماء كتبت ميشيكو قصيدة (تانكا) وهي خماسية 
شعرية؛ من واحد وثلاثين مقطعاء عن الزمن الذي 
عاشته كلاجئة من أوزاكاء عنوانها «الرعد»: 

أتذكر تلك الأيام 

أيام الطفولة المبكرة 

في القرية؛ عندما... 

كنت أحصي اللحظات؛: 

بين وميض البرق... وهزيم الرعد 

عندما تزوجت ميشيكو الأمير أكيهيتو؛ ولي 
العهدء في 1504: كانت أول فتاة من العامة 
تدخل البيت الإمبراطوري. ولكنها في شعرهاء 
كانت تلتزم بالتقاليد النبيلة التي كانت مرعية من 





اليايان: رؤية جديدة 


زمن يرجع إلى ماقبل القرن الثامن في ال «مانيوشو» (مختارات من عشرة 
آلاف ورقة)؛ وهو تراث يحتوي موردا شعريا هائلا من الأناشيد الخفيفة إلى 
القصائد الصاخبة؛ وكل ما بين هذه وتلك. وتعد قصيدة «الرعد» من بين 
الاستشاءات المتميزة. حيث تحتوي نزوات الطفولة وجهالتهاء وتستثير ومضات 
وعي الصيا الأولى بالقوى التي تستعصي على الفهم. تعبر قصيدة «الرعد» 
عن لحظات خارج مسيرة الزمان: ومواقع خارج المكان. 

عندما كتبت ميشيكو قصيدة الرعد كان يفصلها عن العرش خمس 
سنوات؛ ولكنها كانت قد تجولت في غرف ودهاليز قصر فوكياج: مقر 
الإمبراطور؛ فترة تكفي لتستشف جوهر ما أطلقت عليه يابان ما بعد الحرب 
(بنوع من الرغبة في التطهر)» المؤسسة الإمبراطورية. وتمكنت ميشيكو, 
بحدس لم يتواضر لأي واحد في البيت الإمبراطوري ‏ فيما تعيه الذاكرة ‏ 
تمكنت من ضهم بعض من خوائه المميز؛ واحتجابه عن الأنظارء وادعاءاته 
بالسرمدية؛ وتجسيده للجوهر والروح. 

يقع قصر فوكياج وسط أرض خضراء في قلب طوكيوء عقار شديد 
الاتساع ومركزي في المدينة. ليحدد ويحيط بالحركة والنبض اليومي 
للعاصمة؛ ومع ذلكء لا يمكن رؤية القصر . ليس القصر كله قط وإنما أطراها 
منه ‏ إلا خلال نقاط رؤية قليلة من الطوابق العليا لناطحات السحاب القائمة 
في الشوارع الكبرى القريبة. وعلى الرغم من كل ذلك «الحضور» فإن القصر 
ليس موجودا على الإطلاق؛ وإنما ليس ثمة إلا الإيحاء. في كتابه إمبراطورية 
الرموز قمع أ5 01 عنام يصف رولان بارتء الفيلسوف وعالم السيميولوجيا 
(علم الدلالات): يطلق على ذلك «مفارقة طوكيو الثمينة». كتب بارت عن 
العاصمة اليابانية قائلا: «إن لها مركزا». ويستطرد: 

غير ان هذا المركز فارغ... تتجنب سيارات التاكسي؛ في مساراتها السريعة المنطلقة مثل طلقات 
الرصاص؛ تتجنب هذه الدائرة: وتدور حولها. أما صدر الدائرة؛ وهو التجلي المنظور لما هو خاف عن 
الأنظار فيحجب ذلك هاللاشيء» المقدس. هكذاء بنيت إحدى أقوى مدينتين عصريتين حول حلقة 
معتمة من الأسوار والجداول والسطوح والأشجار ليس مركزها سوى بقايا فكرة؛ ما تزال باقية هناء 
ليس نتكون مركز إشعاع للسلطة والنفوذ؛ ولكن لكي تضفي على مجمل حركة المديئة دعما من 
فراغها المركزي: مجبرة حركة المرور على الدوران الدائم. وهكذاء كما يُقال لناء ينتشر الإيحاء الخيالي 


دائريا فى انحناءات؛ وبعود مرجعا أصداء القلب الفارغ من البداية. 
يا في ويعود مر ب الفارغ من البدالي 





«اللاشيء» المقدس 


إن المفارقة التي اكتشفها بارت في طوكيو الحديثة؛ وهي وجود مركز فارغ 
يدور حوله كل شيء؛ هذه المفارقة موجودة منذ القرن التاسع؛ أي منذ أن 
تمكنت أسرة فوجيوارا 101/212 من تأسيس عائلة ملكية وراتية استمرت 
حتى العام 1140: عندما تمكن الشوجون الأول من الاستحواذ على السلطة, 
وبدأ بذلك العصر الإقطاعي. ومنذئذء وعلى مر القرون؛ أضفى الإمبراطور 
شرعية على الحكومات الدكعادروة المدنية والعسكرية, بينما بقي هو فضي 
عزلة باهتة متزايدة وا التوكوجاوا هذا الوجود الإمبراطوري الباهت, 
الذي يمكن في ظله وضع أي إمبراطور تحت السيطرة بضوابط يحددونها. 
وكانت هذه هي الخلفية التي تجاوزها إمبراطور الميجي؛ وهو شخصية فارقة 
لم يُخف مراميه؛ فقام بتغيير المشهد وتنحية أصباغ الوجه والواجهة؛ والخروج 
من الظل. ولكن النخبة التي خلقت اليابان الحديثة تحت مظلته ظلت ولوعة 
ومتعلقة بجو الفموض القديم: حيث كان «الرجل الخفي فوق السحاب» أداتهم 
التنظيمية الكبرى حين شرعوا في خلق الدولة ‏ العائلة بعد الإصلاح الميجي. 

وأقطاب اليمين في اليابان مناورون متمرسون في اللعب على طول 
المسارات الدائرية للأيديولوجيا والأساطير التي تحيط بعرش الكريزانثيمم. 
وأذكر أن أحدهم: وهو الموسيقي الراحل توشيرو مايوزومي هتتداز10' 
أتنالاءةنا/إ11 فسر لي الأمر (عندما كان الإمبراطور هيروهيتو يتين في 
خريف 5 1 رشاكلا: «الإنبراظور ليست له اي سلطات: :ولعته مدر كل 
السلطات». والحق أن هذه هي الصيغة القائمة منذ القدم: والتي استخدمت 
بشكل واسع بعد العام 1140 لإعفاء الإمبراطور هيروهيتو من أي مسؤولية 
عن حرب الباسيفيك. كما أن هذا يكشف أيضا عن شيء من ذلك الفراغ 
الذي وصفه بارت والصمت الذي ألمحت إليه ميشيكو في قصيدتها (التانكا). 

وحتى في الوقت الحاضرء بعد أن مات هيروهيتو وجلس على العرش 
أكبهيتو؛ زوج ميشيكو (ورقمه في التسلسل الإمبراطوري 0؟1: وهو رقم يوحي 
بالقداسة والبركة؛ إذ سبقه 4؟١‏ إمبراطورا من سلالة جيمو 11201 1ل» وهو 
الذي أقام أسلافه في السماوات العلا) يظل الفراغ الإمبراطوري والنظام 
الذي يبقيه؛ أشبه بأحجية «زن كوان» صده»1 م126*). ئمة إمبراطور يجلس 
في مركز اليابان» غير أنه لا يوجد عرش في داخل قصر ذوكياج» كما لا توجد 


)2 ايان 5 777 “ابحجية يمحن فيهاالمرشحون للرشينة في مذهب بوذية ذن الياياني, تكاد له يكون لها 
حلء؛ اشبه بأحجية من الذي يستطيع أن يصفق بيد واحدة. 








اليابان: رؤية جديدة 


إمبراطورية خارجه. يبدو كما لو أن كلا من القصر وساكنه ليس إلا إناء فارها 
يمكن وضع أي شيء وأي معنى فيه .ولكن هيروهيتو كان استثناء. لأنه لم يكن؛ 
برغم كل شيء: مجردا من النفوذ. كما وجدت إمبراطورية خارج القصرء برهة 
من الزمن. 

هكذاء يرد السؤال على ذهتنا: ما معنى الإمبراطور في زمائنا هذا؟ 
ومن الذي سيكونه أكيهيتوة وماذا ستكون مكانة القصر الإمبراطوري؟ من 
لمهم والمشير للفضول طرح هذه الأسئلة. ليس لأن الإمبراطور ما يزال 
يحتفظ بمل تلك الأهمية في اليابان: والحق أنني أعتقد أنه ليس كذلك, 
بل الأرجح أنه عاد إلى المكانة الأقل أهمية: بل إلى الظل؛ كما كانت حال 
أسلافه قبل 14874: غير أن الإجابات عن هذه الأسئلة توحي بشيء عن 
المرحلة الانتقالية التي تمر بها اليابان: حالة الانتقال من هاجس النظر 
دائما إلى الخلفء إلى التطلع للأمام. من الروح العتيقة إلى روح الأمة 
العصرية: الروح الإنسانية العادية. 

ولابد أن يكون أكيهيتو مشغولا بطرح هذه الأسئلة على نفسه أيضا. وما 
أيسر أن نفترض هذاء فهو أول إمبراطور يبدأ حكمه كإنسان وليس كإله. 
ووفقا لدستور ما بعد الحرب. ليس الإمبراطور إلا مجرد «رمز لوحدة 
الشعب الياباني». وقد عمد جميع أسلاف أكيهيتو إلى تعزيز هذه الفكرة 
الشديدة الأهمية بالنسبة للشخصية اليابانية المرسومة. فما الذي سينتهي 
إليه أمر أكيهيتو إذا عجز عن القيام بهذا الدورة وما الذي ستنتهي إليه 
اليابان واليابانيون؟ 

320000 

مات الإمبراطور هيروهيتو في تمام الساعة 1,57 من صباح يوم 
يناير 1545. ويبدو أنه كان ثمة شيء شبه رسمي يتعلق بالطريقة التي 
رحل بها عن عالمنا: شيء يوحي بأن المرحلة النهائية لمرضه كانت متوفّعة 
وتحت السيطرة. وبعد ذلك؛ دارت مناقشات واسعة حول نظرية راجت عن 
موت مرسومة خطواته وإيقاعاته, جوهرها أن إدارة القصر الإمبراطوري 
(كونايشو 14112810150) خططت لكل شيء: بما فضي ذلك لحظة رحيل العاهل 
الياباني. والحق أن تصور رجل مسن في السابعة والثمائين كمجرد جسد 
تسري فيه عصارات الحياة إلى أن تجيء اللحظة المحددة: في اليوم 





«اللاشيء» المقدس 


والساعة: هذه الصورة تفترض عدم وجود أحاسيس أو مشاعر للحاشية 
والخدم الإمبراطوري. ولكن كثيرين تبنوا هذا الرأي الذي لا يمكن 
إسقاطة تهاما من الاعتبان, 

كان هيروهيتو قبل سنوات من خريف ١544‏ يعاني ضعفا وهزالا بينا. 
أجريت له جراحة: وقلَ ظهوره في المناسبات العامة. ٠‏ وضي أثناء الصيف راجت 
شائعات أنه خسر معركته مع سرطان البنكرياس: كان الجميع على علم بأنه 
يعاني هذا المرض وإن لم يعلّن عن ذلك شيء. ٠‏ في يوم سبت من شهر سيتمبرء 
أصدرت إدارة القصر الإمبراطوري (الكونايشو) بيانا موجزا: تقيًا الإمبراطور 
دماء وهو في حالة حرجة. ولم يحدث في أسوأ لحظات تاريخها أن صدر عن 
هذه الإدارة شبه الكهنوتية كلام صادم لليابانيين بمثل هذا الوضوح ‏ كان 
اليوم 26 . وهو الرمز الكودي الرسمي والمعروف على نطاق واسع لتاريخ الوفاة 
المتوقعة ‏ كان اليوم ©" يقترب. 

يعود ذلك الخريف إلى الذاكرة. كشهور كثيرة متتالية يسقط فيها مطر 
خفيف بلا توقف. لم يكن الأمر كذلك طبعاء ولكن ذلك الخريف الذي ما يزال 
حيا في الذاكرة؛ بدا كايام متتابعة اصطفت فيها مظلات المطر وتداخلت فوق 
الشوارع والطرق المحيطة بالقصر الإمبراطوري. بدأت الجماهير تتقاطر 
وتحتشد طور إعلان البيان الرسمي. كانت الجموع التي جاءت تدعو وتبتهل 
توفّع على قوائم موضوعة على مناضد مصفوفة تحت خيام ممتدة؛ كان 
البعض يبكي؛ وقد تطلعوا بأبصارهم يحاولون النفاذ داخل البوابات. البعض 
ينحني. والبعض يتكلمء والبعض يشخص بذهول. أعاد المنظر إلى ذاكرتي 
صورة صحافية ترجع إلى وقت ما من الثلائينيات: التّقطت في موسم كثيب 
كهذاء حيث كان الرجال الذين يرتدون معاطف المطر الداكنة يقفون في 
صفوف ثلاثة متراصة:؛ متوجهين نحو جسر نيجوباشي نتاف ه1010 وهو 
الجسر الحجري المنمق المؤدي إلى ساحات القصر. وكأن كل شيء على حاله 
لم يتغير على مدى نصف قرن من التاريخ والحرب. 

من مكتب صحيفة الهيرالد تريبيون الواقع شمال القصرء وقفت أرقب 
صفوف الناس؛ وهي في طريقها لتقديم فروض الاحترام والتبجيل. وسرت 
مرات معهم إلى الساحة المرصوفة بالحصباء بالقرب من البوابة الشرقية. 
قابات شخصية نقابية متقاعدة؛ يسمى كاميزابورو تاكيوشي 0تناطلفتت 111لا 





اليايان: رؤية جديدة 


أطعناععلة'1': كان قد قدِم من يوكوهاماء على بعد ساعة ونصفه بعد أن سمع 
ما أذاعه التليفزيون عن حالة الإمبراطور. قال الرجل: «لقد كنت طيلة حياتي 
أنتمي إلى اليسار. ولكن في مثل هذه اللحظات. لا مكان للسياسة, 
فالإمبراطور هو كبير العائلة اليابانية». وضي صبيحة يوم آخر من تلك الأيام؛ 
يوم بارد يتساقط رذاذه بكثرة: التقيت برجل ساراري في الخامسة والعشرين 
من عمره يسمى هيروميشي هاشيزومي: قال: «لم أصدق قط أن الإمبراطور 
كان إلها كما كان يعتقد أبي وجديء ولكن الآن: والإمبراطور يصار الموت, 
تحققت أنه هو الذي كان يحفظ للأمة وحدتها». 

سمعت كثيرا من مثل هذا الكلام. حدثت أحداث كثيرة منذ 1418: ولكن ‏ 
خارج القصر على الأقل ‏ يستطيع المرء أن يتخيل الإمبراطور كأداة السلطة 
التي عمد قادة الإصلاح لخلقهاء عندما انتقلوا به من زوايا النسيان ضي كيوتو. 
وأعلنوه ملكا عصرياء وإلها. 

غير أن مشاعر أولتك الذين كانوا يقفون حول بوابات القصر لم تكن 
بالقوة نفسها في الأماكن الأخرى. كان الناس يلتزمون بحالة من ضيط 
النفس (جيشوكو ناكاناا5أ): ولكنها كانت حالة غريبة. ألفيت احتفالات 
الحصاد.ء والحفلات الرسمية:؛ وأجلت مواعيد الزفافء ولم يقم أبطال 
السومو في ذلك الموسم بالسير في موكب انتصاراتهم؛ وحذفت كلمات من 
نوع «التهاني» و «الميلاد» و «الجديد» من الإعلانات وتغليف السلع. ولم يلبث 
ضبط النفس (جيشوكو) أن أصبح أكثر تعقيداء حيث كان يربك الاقتصادء 
ويثير شكوى التجار. قام عمدة شيوعي بالتوقيع على إحدى فوائم التمنيات 
بالشفاءء فأجبره الناخيون على تقديم اعتذار. أجلت حفلات موسيقى 
الروك غير أن نجوم الغناء ومنظمي الحفلات أخفوا السبب لأنه تقليدي 
وعتيق جدا. وراجت أخبار أن سلسلة محلات سوبر ماركت ميتسوكوشي 
(التي كانت تتعامل مع الأسرة الإمبراطورية لفترة طويلة) سحبت من 
محلاتها صنف «معجون السمك الأحمر»؛ وهو صنف يطلب في الاحتفالات 
والمتاسبات. ولكن مديرالمحلات احتج وقال إنه لم يسحب الصنفء. وكل ما 
هنالك أن الصنف انتهى. هكذاء امتزج الأسى بنوع من الرفض؛ ولكن في 
النهاية. تغلب ضبط النفس مستندا إلى القلق العميق الناتج عن الإحساس 
بعدم القدرة على التواؤم. 





«اللاشيىء» المقدذس 


من المعروف أن الكونايشو (إدارة القصر الإمبراطوري) هي الحارس 
الأمين الشديد الحرص على العائلة الإمبراطورية. ومهمتها الرئيسية هي 
إدارة شؤون القصرء ومن بين مهامها مراعاة المراسم واحترام التاريخ 
المحفوظ والتربية الصارمة للأطفال. تمكنت الكونايشو من المحافظة على 
هيبة المظاهر بالتعامل برفق وصرامة مع الجماهير القريبة من جسر 
نيجوباشي. ولكن فيما عدا ذلك. بدا كأن الكونايشو عاجزة تماما عن 
التعامل مع الموت المرتقب للإمبراطور. وحتى موته؛ كانت الإدارة تذيع بيانات 
إحصائية عن حالته: النبض, الحرارة: كمية الدم التي فقدها وكمية الدم 
التي نقلت إليه: شي توليفة فريدة من الابتذال وعبارات التبجيل التي أصبح 
وقعها أشبه بوقع كلمة تتكرر تكرارا لانهائيا كتمتمة بلا معنى. وضي صصدر 
الصفحات الأولى للجرائد القومية اليومية: ترف أخبار تحرك وعاء أو إناء 
طبي؛ أو التغذية بجذور النباتات الشافية: أو نجاح الإمبراطور في مص 
مكعبات الثلج الصغيرة. 

أقيمت مراسم جنازة هيروهيتو؛ بعد شهر من وفاته؛ في حديقة عامة 
سميت على اسم الإمبراطور ميجي. ولاحقت الجنازة صفوف من الموسيقيين 
يعزفون ألحانا عتيقة ومتنافرة. كانت الطقوس والمراسم مدروسة يلفها 
الغموض: كأنها تذكّر الضيوف الأجانب بأنهم دعوا ليستبعدوا. ولكن الحاضر 
لم يلبث أن أثبت حضوره؛ ذلك أن الحفيظين على الإمبراطور كان عليهم أن 
يراعوا الفوارق الدستورية بين ما هو ديني وما هو دولاتي؛ ضفي وسط المسيرة 
الجنائزية: توقف الموكب فجأة؛ وأسدلت ستائر تحجب عن الأنظار صلاة 
وطقوسا يقوم بها كهنة الشينتوء تاركين مئات من كبار الضيوف يحملقون في 
حاجز أبيض تحت وابل أمطار ثلجية غزيرة. 

وقام طاقم مصوري التلفزيون الياباني الرسمي بوضع كاميرات على 
جانبي الستارة المركزية. وفضي نشرات الأخبارء رأى المشاهدون ‏ فيما بعد 
على شاشات التلفزيون: لقطات عامة لكل واحد من القادة الأجانب الدين 
اقتربوا من النعش ليقدموا مراسم التبجيلء ولكنء إذا انحنى الضيف أمام 
النعشء وأغلبهم انحنى فعلا: فإن الكاميرات تعرض صورة من قريب 1056© 
دنا لهذه اللفتة؛ وتظل على الشاشة وقتا أطول. ويعود العرض إلى الاقطات 
العامة في أثناء عودة الضيف إلى مقعده: ليبدأ المعلق التلفزيوني بتعليق من 





اليابان: ريه جديدة 


نوع: «نرى على الشاشة رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية السيد جوزيه 
سارني»: ويستطرد : «وفي أثناء وجوده شي طوكيوء سيسعى الرئيس سارني 
لإعادة التفاوض بشأن بعض من ديون بلده لليابانء والتي يبلغ مجموعها 
أكثر من ستة عشر بليون دولار». وبعد ذلك تنتقل الكاميرا والتعليق إلى 
امُعزي التالي. 

كانت وفاة الإمبراطور درسا شي الولع القديم بتقديس الموروثات والمظاهر, 
كذلك كانت نتاجا لما أصبحت عليه اليابان الحديثة؛ وهي يابان ليست واثقة 
تماما إن كانت تجمع بين حدافة الثروة والتعلّق بالتقاليد؛ أو هي اليابان الغنية 
فحسب. لم يكن ثمة من يعرف كيف يمكن التعامل مع حدث ليست له سابقة 
إلا منذ اثنين وستين عاماء صحيح أن رجال الدولة عكفوا على دراسة الصور 
الفوتوغراضية والأغلام والتقارير الصحافية القديمة؛ ولكن لم يكن قد بقي فضي 
السلطة إلا نفر قليل جدا ممن يستطيعون تذكر ما حدث عند موت 
الإامبراطور تايشوء والد هيروهيتو, أو تذكّر التقاليد التي روعيت حينذاك 
وكيف أخرجت للناس. 

لم ينصب أكيهيتو إمبراطورا إلا بعد وضاة والده بعامين: وفي هذه الأثناء 
طفا على السطح كل أشكال الارتباك التي شعرت بها اليابان في التعرف 
على نفسهاء وضرّخ الموقف تهاويل من كل نوع: تفاخرت إحدى المدارس 
الخاصة في مقاطعة شيماني بأنها أحيت تقليدا قديما كان موجودا قبل 
الحرب؛ وهو تلاوة المرسوم الإمبراطوري عن التعليم. ونادى اليمين المتطرف 
بحركة إصلاح جديدة ترمي إلى استعادة القدسية الإلهية للإمبراطور, التي 
كان هيروهيتو قد تخلى عنها بعد الحرب. أما شراذم اليسار المتطرفء التي 
كانت تغط في نومها منذ أعوام. متحصنة في أوكارها العبثية النائية: فقد 
قاموا من نومهم وقد أغشى النهار عيونهم: وأطلقوا تهديدات بقذف القصر 
الإمبراطوري بالقنابل. 

التقى الجميع عند نقطة على الأفق؛ فلم تكن كل تلك التجليات إلا 
مداخلات في حوار قومي طال تأجيله. أحيانا كان يبدو أن اليابان قد نسيت 
أي عام في التقويم تعيشء ولم يكن ذلك إلا لأن كثيرا مما كان يجب أن يقال 
عن الإمبرطور وعن الماضيء قد أغفل طويلا دون أن يُقال. والعامان اللذان 
انقضيا بين موت هيروهيتو وصعود أكيهيتو إلى العرش كانا موسما طويلا 





«الناشيء» المقدس 


للشك والتمماؤل؛ بين نهاية حقبة وبداية أخرى. أشبه باللحظة التي تفصل 
بين البرق والرعد. 
ا 

في الأيام الأخيرة من العام 1977 كان والد الإمبراطور هيروهيتو قد 
توفي يوم عيد الميلاد. ليصعد هيروهيتو إلى العرشء ويبدأ عصر شواء أي 
عصر السلام المستنير. وفي الأيام الأولى من العام الجديدء نشرت مجلة 
نيويورك تايمز مقالا لمراسل في طوكيو اسمه كينوزوكى آداشى عءغانا10005ك1 
زراندلتق :ولا تفلك إلا إن تشعر بإمجاب وذهقة دما درق يتظرة زاجمةها 
تضمنه هذا المقال من سخرية ومفارقات. جاء في ال مقال: 

يصعدإلى العرش في اليابان إمبراطور شاب» حطم أكثر من تقليد جامد من التقاليد التي 
كائت مرعية طيلة حكم 1١‏ من أسلافه؛ في وقت بدأ يرتفع فيه لأول مرة صوت الرأي العام في 
يلده؛ وحين اصبح حق الانتخاب حقيقة. ويبشر كل هذا يأحداث مهمة على الجائب الآخر من 
المحيط الباسيفيكي. 

إن اليابان التي تتفتح عليها عينا الإمبراطور الجديد وهو يعتلي العرش؛ تختلف اختلافا كبيرا 
عن ذلك البلد الذي تفتحت عليه عينا والده. تولى الوالد السلطة عندما كانت دولته ما تزال في 
قبضة حفنة من رجال كبار السن: عرفوا في العالم باسم رجال الدولة الأكابر. واليوم يمضي هؤلاء 
الأكابر ليصبحوا في ذمة التاريخ. و/لأول مرة منن قرون, تلف الظلال التي تزداد كثافة الفئة 
العسكرية الحاكمة؛ وها هو واحد من قياداتها: الجنرال بارون تاناكا يتخلى عن مهنته العسكرية 
ليحترف السياسة. هذا وقد تجاوزت اليابان اليوم المرحلة الأولى للتصنيع. 

وعلى عرش هذا البلد الحديث؛ يصعد أمير شاب في الخامسة والعشرين من عمره؛ وقد مر 
بتجربتين كبيرتين لم يمر بمثلهما أي واحد مئ أبناء السماء الذين صعدوا إلى عرش ياماتو طوال 
خمسة وعشرين قرناء هو تاريخ الأسرة الإمبراطورية. التجرية الأولى مع العالم الخارجي؛ والثائية 
مع الحب. 
كان قدرا مكتوبا على كل إمبراطور لليابان منذ الميجيء أن يبدأ بداية 
جديدة كرائد للتحديث. كان إمبراطور الميجي هو الذي أطلق حركة التقدم 
الكبرى إلى الأمام. أما ابنه تايشوء الذي كان مصابا باضطرابات متزايدة 
طيلة حياته بعد اليلوغ, حتى إذا جاءالعام 0١‏ كان قد بلغ درجة من الوهن 
استدعت قيام هيروهيتو بدوره وواجباته كوصي على العرش. ولكن عهد 
تايشوء من 1517 إلى 1511ء كان على الرغم من ذلك متميزا بليبراليته 


اليايان: رؤية جديدة 


وحماسه ثتيارات التحديث الأوروبية. ولم تكن «ديموقراطية تايشو» إلا خاصلا 
زمنيا قصيراء ولكن العنوان يثير الحنين؛ ونوعا من الإعجابء في أيامنا هذه 
حتى بين الشباب الذين هم أصغر من أن يعرفوا شيئا عنه. 

وكان للإمبراطور هيروهيتو مجال ريادة أيضاء كما لاحظ مراسل مجلة 
نيويورك تايمز: الحب والسفر. وعندما قام بجولة في أورويا العام ١1؟155,‏ 
كان أول وريث لعرش اليابان يسافر إلى خارج البلاد؛ وكان استقباله في 
اقصبر ياكجهام في لندن انبعشيالا أسستاوريا: ثم اد زوااجنة يدق قلات 
سنوات ليكون؛ وف قا لما ذكره الصحافي أداشي: «أول حالة زواج عن حب 
عرفها تاريخ البيت المالك». فقد كان هيروهيتو (على الرغم من اعتراض 
الموظفين الرسميين المعنيين) قد ساهم بنفسه في اختيار عروسه؛ الأميرة 
ناجاكو؛ إذ توارى خلف ستار ليرقب حفلة شاي دعت إليها الملكة الأم عددا 
من المرشحات. 

هكذاء كان هيروهيتو مثل والده وجده في زمانهماء كان هو العاهل 
التقدمي بمعنى الكلمة في يناير /15951. صحيح أن عينيه كانتا على الصين: 
حتى منذ أن كان وليا للعهد؛ حين كانت قد بدأت عملية بناء ترسانة السلاح 
الذي سيغير العالم بعد قليل. ولكن الجو العام؛ خارج قصر فوكياج: وريما في 
داخل القصر نفسه:؛ كان ما يزال جوا مشيعا بلييرالية تايشو. 

غير أن «مغامرات» هيروهيتو مع النساء والأجانب تتضاءل إذا قورنت بما 
ففله نجله. تامد اكيهيتو على يدى معلمة أمريكية من جماعة الكويكرز 
115 قادمة من فيلادلفياء وهي أكثر من جعل منه إنسانا ذا توجه عالمي. 
أما رحلاته؛ هقد امتدت من وايومينج في الولايات المتحدة إلى بيرو: ومن 
إيران إلى إسبانيا وأضغانستان. أما تعرفه على الآنسة ميشيكو شودا فهو أكثر 
أسطوريةء في ملعب تنس في كاروزاوا 1101223978 وهو منتجع صيفي يفضله 
رجال الإرساليات الأجنبية. وقبل الزواج (وحتى بعد الزواج بفترة ليست 
قصيرة). لقي الزوجان إعراضا من إدارة القصر الإمبراطوري (كونايشو), 
إعراضا ليس أقل صرامة مما سبق أن واجه هيروهيتو. ولكن هذا جعل 
القصة كلها أكثر جاذبية لدى اليابانيين العاديين. أصبحت كاروزاوا مزارا تحج 
إليه الشابات الرومانسيات من «سيدات المناصب»؛ وأصبح التنس محيبا في 
أوقات الفراغ. 





«اللاشيء» المقدس 


ولا عجب أن برز أكيهيتو كشخصية إمبراطورية أخرى ساعية للتحديث. 
وللوهلة الأولى: نلاحظ المساحة الضكئيلة التي تحركتها حدود التغيير على 
مدى ستين عاما. ظلت معابير الحب والسفر واللقاء مع الآخرين ومواجهة 
النفس - ظلت هي الآفاق التي ترمز إلى التغيير. وبينما يتهيأ أكيهيتو للجلوس 
على عرش أسلافه: بدا كأن اليابان تحاول مرة أخرى وضع رجال الدولة 
الأكابر في قلب التاريخ. وبدأ صوت الرأي العام يرتفع مرة أخرى في 
السياسة. غير أن رجال الدولة الأكاير في أواخر الثمانينيات كانوا أبناء 
شرعيين مباشرين للجيل السابق. وبينما ارتفع صوت الرأي العام في 
الثمانينيات كما سيق وارتفع في العشرينيات»؛ لم يكن واضحا من الذي يسمع 
هذا الصوت. 

يجسد أباطرة اليابان المحدثين طبيعة التغيير في هذا البلد؛ وإن لم يكونوا 
أدواته. من عصر إلى عصرء تبدو ظواهر الأمور كأن ثمة 3 تقدماء ومع ذلك لا 
تقدم؛ تماما مثل المدن اليابانية؛ التي يمكن ملاحظة التغييرات فيهاء بينما 
تبدو المدن كأنها لا تتغير. وحال الإمبراطور؛ نفسه؛ تعكس بوضوح شديد تلك 
الحقيقة الملغزة: حقيقة أمة هي دائما على حافة تغيير هائل؛ حالة صيرورة: 
والآفاق مثيرة ومحبطة معا. ولكن أكيهيتو ريما يكون مختلفاء ريما يكون هو 
النقطة التي تنكسر عندها السلسلة. كان هيروهيتو هو آخر الأباطرة الآلهة. 
وتلك .حقنيقة تنبئنا بشيء عن روح وعصر أكيهيتو, الذي يمكن أن يكون نقطة 
فارقة؛ بلا عودة. 

بعد وضاة الإمبراطور هيروهيتو أطلق عليه. وفقا للتقليد الذي اتبع أخيراء 
اسم عصره ‏ عصر الصيرورة (شوا)ء أي أطلق عليه الإمبراطور شوا . 
وسرعان ما اختار القاكمون على شؤون القصر الإمبراطوري اسم العصر 
الجديدء هايساي أعوأع1:؛ ومعناها تحقيق السلام . ولم يكن ذلك من بين أكثر 
ابتكارات ال «كونايشو» توضيقا. إذ تبين اليابانيون أن هذا العنوان يُعَبّر عنه 
كتابة بحرفين غير متتاسقين, بمثل ما هو في الإنجليزية تعبير عن معنى 
تجريدي وغير مناسب. فهو ليس إلا تعبيرا عن مبدأ مراوغ تكرسه جميح 
الهيئات الرسمية في كل العالم. وفسر المراقبون اختيار اسم هايساي كتعبير 
عن استمرار الالتزام الذي قطعته اليابان على نفسها بعد الحرب؛ بأن تتخلى 
عن حقها في شن أي حرب . ولكن هذا النوع من السلام كان قد تحقق فعلا؛ 


اليابان: رؤية جديدة 


وإذا كان ثمة سلام منتظر فإنه السلام مع الماضيء إنه سلام بين اليابانيين 
بعضهم يعضاء كما هو سلام بين اليابانيين وجيرانهم. كان لابد من وضع شيء 
ما في داخل «الفراغ المقدس»» وهذا يضعنا أمام أحجية أخرىء ذلك أن هذا 
الشيء: لأول مرةء لن يكون فيه ما يمكن تقديسه. 

قضى أكيهيتو سنوات كثيرة يطور ملامح صورته الإمبراطورية. استخدم 
في أحاديثه لفة أقرب إلى العامية. على خلاف والده؛ وغالبا ما كان يوجه 
خطابه للناس العاديين؛ خاصة الشبابء؛ ويلبس ملابس عصرية ويرمي كرة 
الافتتاح في مسابقات الربيع للبيسبول. وتلك كلها إشارات إن فات مغزاها 
على الأ جانب. فإن اليابانيين يفهمون ما وراءها بالسهولة التي يفهمون بها 
لوحات الإعلانات. كان ثمة ما يوجي بقدر من التوتر بين أكيهيتو وخبراء إدارة 
القصر الإمبراطوري (الكونايشو). فقد سمح الإمبراطور بزواج ابنه الثاني, 
على الرغم من أن ابنه الأكبر وولي عهده:؛ ناروهيتو. ظل أعزب, الأمر الذي 
يعد من وجهة نظر خبراء التقاليد ‏ تجاوزا خطيرا. بينما المسؤولون الذين 
يحبذون ميول أكيهيتو يبتسمون؛ ويتحمسون للمقارنات التي كثيرا ما تُعقد بين 
أكيهيتو والأمير شارلز. 

كان اكيهيتوء وهو ولي للعهد؛ ينظم الشعر كثيرا. وفي 15857 نشر ديوانا - 
بالاشتراك مع ميشيكو ‏ يعنوان النور ]1أئؤأءآء يضم مجموعة من قصائدهما 
من نموذج خماسيات تانكا وفيما يلي قصيدة خماسية مأخوذة عن مجموعة 
من ثلاث قصائدء عنوانها «في أثيوبيا» (1571): 

عندما أرى أشجار الأكاسيا 

وأعشاش الطيور 

تتدلى من فروعها 

بأنني في أفريقيا 

وضي العام 1946: ها هي خماسية أخرى بعنوان «عودة الأمير ناروهيتو من 
جامعة أكسفورد»: 

بعد أن قضى 

عامين في جامعة 

في بلد أجنبي 


«اللاشيء» المقدس 


ها هو ولدي» 

يعود إلينا الآن مرة أخرى 

قد تبدو هذه عيارات مرصوصة على الورق بلا طعمء ولكنها تخدم هدفا 
معيناء مثلها في ذلك مثل كثير مما صدر عن القصر الإمبراطوري من نظم 
في زمانه. لم يحدث من قبل أن ورد في هذه الأشعار ذكر لأشجار الصمغ في 
شرق أطريقيا أو لقاعات الدراسة الإنجليزية. ولكن لم يحدث من قبل كذلك 
أن أخث أحد الأباطرة على عاتقه أن يجعل من نفسه بشرا دنيويا. وتبديل 
صورة الإمبراطور يكفي لتغيير النظام الإمبراطوريء أو لعل ذلك كان خداع 
نظر. على الأقل: كان أسلوبا لمعالجة واحدة من المشكلات الجوهرية لعرش 
الكريزانثيممء مشكلة الاستمرارية في اليابان المتغيرة. ولكن تبديل الصورة 
ليس كافيا لتغيير الماصي؛ فالصدق مع الماضي كان مشكلة أخرى من 
مشكلات العرش. 

## # 

ثمة ثلاث صور مشهورة تعبر عن التقدم الذي تحقق في أثناء حكم 
هيروهيتو: الأولى من الثلاثينيات؛ تصور هيروهيتو في سترة عسكرية بروسية 
الطراز وحذاء عالي الرقبة. يمتطي صهوة جواده الأبيض الشهير. والصورة 
الثانية فضي سبتمبر 1546 أي بعد شهر من الهزيمة والاميتسلام. تصور 
هيروهيتو في بدلة صباحية خفيفة؛ يقف بجانب الجنرال ماك آرثرء الذي 
كان كي زي عسكري كاكي بلا رباط عنق؛ ويداه مدسوستان في جيبي سرواله 
الخلفيين. الصورة الأخيرة التقطت بعد ذلك؛ ريما في أواخر الأربعينيات أو 
في فترة الخمسينيات؛ وفيها يجلس هيروهيتو وأمامه ميكروسكوب؛ يرتدي 
معطف المعمل الأبيض فوق بدلة ساراري بسيطة: معلنا بذلك عن اهتمامه 
بدراسة الأحياء الماكية. 

وربما يتعين على الكونايشو أن تضيف صورة أخرى للرموز الثلاثة 
القديمة (المرآة والسيف والجوهرة) التي ترمز إلى العرش. والصورة التي 
يتعين إضافتها هي صورة التحرياء. كان هيروهيتو فنانا بارعا في تغيير 
مظهره:؛ كان أستاذا في فنه ولم يتخل عن دوره على المسرح إلا بوفطاته. أما 
الدور الموكل لأكيهيتوء فإنه أقل دراماتيكية بما لا يقارن؛ ومن ثم تمكن من 
اداكه بدهاء أكبر ولكن جوهر الأداء واحد. فالإمبراطورء مثله مثل الحرباء 





اليابان: رية جديدة 


التي تواصل الحياة طويلا يغير غذاء. كلاهمما يفير لونه للتوافق 
مع محيطه. 

باستشاء خطبة استسلام اليابان (ضي 1540). تعتبر الخطبة التي ألقاها 
هيروهيتو في أول يناير ١547‏ أشهر خطبه. ولم تأت فكرة هذه الخطبة من 
القصرء وإنما جاءت من مقر قيادة الجنرال ماك آرثر. كذلك لم يكتب 
هيروهيتو هذه الخطبة؛ وإنما كتبها الأمريكيون. ولم يكن هيروهيتو إلا واحدا 
من ثمانية اشتغلوا في كتابة تلك الوثيقة بدءا من المسودة الأولى؛ وانتهاء 
بالصياغة الأخيرة. 

اتسمت الخطبة بالتشويش. شأنها في ذلك شأن الكلمات التي تقال على 
مضض. استّهلت الخطبة بالحديث مطولا عن الإمبراطور ميجيء النبع 
الأصيل للقومية اليابانية الحديثة؛ واستطردت لطمأنة الأمة على أنها منذكذ 
ستتمتع بالديموقراطية التي وعد بها جده عندما أصدر قسم الميثاق #عاتتهدك) 
1. وقرب الخاتمة: يعلن الإمبراطور كأنه يلقي ملاحظة عابرة: 

إن العلاقات القائمة بينئا وبين شعبنا كانت: وما تزال: تقوم دائما على المحبة والثقة المتيادلة. 
إنها عملاقات لا تقوم على مجرد موروثات واساطير. وهي لا تستند إلى فكرة مضئّلة تذهب إلى ان 
الإمبراطور مقدس: وأن الشعب الياباني شعب أرقى من الأجئاس الأخرى؛ مقدر له أن يحكم العالم. 

اعترف هيروهيتو بأنه بشرء بكل ما استطاع أن يحشده من كرامة 
مغلولة. وميع ذلك؛ فإن مقايضة هذه العبارات التي جرت مع 
سلطات الاحتلال في الكواليس كانت شاقة؛ ومن المؤكد أنها كانت واقعية 
إلى أدنى حد. 

كأن الجنرال ماك آرثر مع اللوبي الياباني في واشنطن قد قرر؛ حتى قبل 
أن تستسلم اليابان: إنقاذ الإمبراطور من المصير الذي يؤول إليه من يتقرر 
محاكمتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب. هكذا أريد للتاريخ أن يسجل ‏ حتى لو 
كان ذلك غير مقنع تلكل ‏ أن ابن السماء ‏ سابقا ‏ كان لا حول له ولا قوة ضي 
مواجهة أولئك الذين أشعلوا الحرب باسمه. كان ذلك الخطاب ‏ خطاب تخلي 
هيروهيتو عن قدسيته ‏ جزءا من صفقة ما بعد الاستسلام. سرعان ما رأى 
هيروهيتو في هذه الصفقة تنازلا مفيدا في المفاوضات الجارية حول مجرمي 
الحرب؛ وفي محاولاته المحمومة ‏ وإن انتهت إلى الفشل ‏ لإنقاذ الدستور 
الذي ورثه هيروهيتو عن جده. 





«اللاشيء» المقدس 


دشن هيروهيتو حياته الجديدة بهذا الخطاب. حيث استيدل خوذته 
العسكرية البروسية بقلنسوة المفاوض. وفي ذلك اليوم وضع على رأسه القبعة 
اللينة التي بدأ يرتديها رجال الساراري بعد الحرب. سار شوطا طويلا نزولا 
من مكانه فوق السحاب, لأن الأمريكيين كانوا قد خططوا لتحويله من إله 
معبود إلى بشر عادي. كان هيروهيتو هو التجسيد الحي للنهج العكسي. وضي 
يوليو 1947 أبلغت واشنطن الجنرال ماك آرثر رسميا أن الإبقاء على النظام 
الإمبراطوري هو سياسة الاحتلال. وجاء في خطاب رسمي مكتوب: 

«وعلى ذلك» يتعين على القائد الأعلى أن يساعد سرا على أن يجعل من الإمبراطور إتساناء 
وينمي شعبيته. ويتعين (بقاء هذا التوجيه سرا لا يذاع على الشعب الياباني». 

وأعقب ذلك جهد جهيد . وأصبح هيروهيتو بعد التعديلات أشبه بغرٌ 
بريء: أشبه بطفل ضحم الجثة مغلق الرأسء: يشغل وقته بعمل أي شيء في 
الحديقة:؛ أو العبث بالميكروسكوبء: يغمغم ويتمتم عند ملاقاة رعاياه 
السابقين وتحيتهم؛ وهم الذين لم يكن يُسمح لهم برؤيته من قبل. وتلتقط 
له الصور وهو يقرأ جريدة 5ما5 كمه ذةا5 (أي النجوم والأشرطة)؛ وهي 
الجريدة العسكرية الأمريكية اليومية؛ ويقوم برحلات بالقطارات العادية 
إلى جميع المحافظات باستثناء اوكيناوا!*). وكان هيروهيتو قد نُشَىٌ على 
التحدث بلغة عتيقة؛ حتى أن إذاعة خطبة الاستسلام استدعت ترجمتها 
إلى لغة الحديث العادية. ولكنه تلقى دروسا ليتمكن من الحديث إلى 
مواطنيه بلهجة دارجة عصرية. ولم يلبث أن عرف باسم السيد آه سو 
ديسوكا معاناقة 50 ل .2/11 (أو السيد أنت لا تتكلم). لأن تلك كانت هي 
العبارة التي يستخدمها عندما يخاطب الناس العاديين الذين دخل 
في صفوظهم. 

من ناحية معينة: كانت عملية إعادة خلق شخصية الإمبراطور سهلة: أو 
هكذا بدت الأمورء فلم يبق إلا القليل من السجلات الرسمية لأنشطة 
الإمبراطور خلال الأسبوعين اللذين يفصلان بين إعلان الاستسلام ودخول 
الجيش الأمريكي المنتصر إلى طوكيو؛ فقد كان رجال الحرب قد قضوا على 
كل الوثائق تقريبا. بعد الهزيمة؛ فرض الجنرال ماك آرثر رقابة على جريدة 
ستتارق1ة اند ستريبس؛ لضمان حذف أي إشارة لدور هيروهيتو في أثناء الحرب. 


6 توجد في ى أوكيناوا أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في اليابان (المترجم). 








اليابان: رؤية جديدة 


ومهد ذلك لعملية إعادة كتابة للتاريخ لا يجرؤ على مثلها إلا ستالين 
(وبالمناسبة؛ لم يعترض ستالين على هذه العملية مثلما لم يعترض عليها غيره 
من قادة الحلفاء)؛ والحق أن طموح الاحتلال كان بغير حدود في محاولته 
إعادة صياغة اليايان. 

كان يمكن أن يُغتفر لأمريكا ارتكاب هذا الخداع الطموح: لولا الغم والدمار 
الذي لحق باليابانيين منذكن وطوال نصف قرن. بإعفاء الإمبراطور من 
مسؤوليته؛ دشن الاحتلال الأمريكي بضربة واحدة ثقافة عدم الإحساس 
بالمسؤولية التي تعاني منها اليابان حتى الآن. أصبح من الممكن إلغاء التاريخ. 
وتعين على اليابانيين العاديين أن يخوضوا المعركة بعد الأخرى ضد صناعة 
الصور الزاكفة التي تُقَدَّم لهم عن مسؤوليهم وحكامهم. قضت شريعة 
المنتصرين أن يبدأ مشروع إعادة صياغة الدولة بمسرحية فوازير. تسللت روح 
عدم الإحساس بال مس ؤولية في جميع المجالات: السياسة: التعليم؛ 
الدبلوماسية؛ وغير ذلك. كانت المظاهر والعروض التي تُقدّم هي التي تهم؛ أما 
الجوهر ففير وارد . 

كيف كان يفكر هيروهيتو في كل هذا؟ يعفينا هو نفسه من البحث عن 
إجابة, لأنه كان لديه المزيد يقوله في اليوم نفسه الذي أنكر ضيه قدسيته؛ إذ 
قدم لليابانيين مقطوعة خماسية (تانكا) بمناسبة العام الجديد. وذق تقليد 
بدأ مع بداية عصر الميجي في 1815. وما ورد في هذه المقطوعة يختلف 
اختلافا مذهلا عما ورد في الخطاب التي اشتغفله هو وماك آرثر. تقول 


الخماسية؛ 
ما أشجع شجرة الصنوير 
التي لا تغير لونها 
بشعل ثلوج الشتاء 


وما أحق رجال اليابان 

أن يكونوا غابة صنوبر ١‏ 

في هذا القصيد. المكون من إحدى وثلاثين مقطوعة خماسية: رأي في 
كيف يتعين على اليابانيين أن يفعلوا في كل شؤونهم تحت الاحتلال. هناء 
ينصح هيروهيتو اليابانيين: تحملواء ولكن احتفظوا بسلامة الروح. في 
السطرين الأخيرين يرسم الشاعر صورة مسبقة واضحة لمحاربي الشركات 





«اللاشيء» المقدس 


في مرحلة ما بعد الحرب: الفرد جزء من المجموع؛ كل فرد لا يتمايز عن 
الآخر. كانت القصيدة بمنزلة مرسوم إمبراطوري؛: موجز ومعبر. 

بعد أربعة عقود؛ بدا هذا الاستهلال الشاعري كأنه هدية مريرة قُدمت من 
الأب لابنه. غفيهاء يكشف هيروهيتو عن نواياه لفترة ما بعد الحرب: وقف عجلة 
الزمن ‏ الزمن السياسي والزمن التاريخي ‏ وتأجيل تطور اليابان واليابانيين. ولا 
يمكن إغفال دور الأمريكيين في هذا: فقد جعلوا من مؤسسة القصر 
الإمبراطوري جزءا من الزمن الذي أوقفت مسيرته ضي الخرب الباردة. بعد خلاثة 
وثكلاثين عاماء وفي توافق غريب. يرحل هيروهيتو وتنتهي الحرب الباردة: في 
اللحظة نفسها تقريبا. كان العرش ما يزال مركز المناظرات والمساجلات. وفي 
قلب هذه المساجلات؛ تقف الغابة العتيدةء غابة أشجار الصنوبر التي لم تفير 
لونها قطء غابة المتفانين في خدمة الإمبراطور أو ال «تنّو» 16000. 

كان عدد التنيويين!*) كبيرا قبل الحرب؛ حيث كانوا عنصرا بارزا وثابتا 
في المشهد السياسي والأيديولوجي. من بينهم أساتذة جامعيون شقوا 
طريقهم للترقي بافتعال مداخلات لدعم الأيديولوجية التنيوية (أي 
أيديولوجية النظام الإ براطوري). وابكدعت نظريات عن الدولة 
والتفسيرات الدينية يمكن بمقتضاها إقالة وزراء وتعديل في الإستراتيجيات 
العسكرية: وتغييب الناس في السجون. وأشهر المساجلات في هذا الفيدم 
تفجرت في أواسط الثلاثينيات: تلك التي تركزت حول السؤال: هل يُعتبر 
الإمبراطور أحد أركان الحكم (كما يتعين ذلك بنص دستور الميجي).؛ أم أنه 
كائن إلهي تتجاوز سلطته صساكهيات الدولة الدنيوية (كما تؤكد ذلك 
الأيديولوجية القومية)5 وكانت المساجلة حول «نظرية أحد أركان الدولة» 
نوعا من المناورة السياسية للتأثير في الاختيارات الإستراتيجية العسكرية. 
وتسللت المساجلة كالفيروس؛ مخترقة المراتب العليا للسلطة؛ لتفضي إلى 
نوع من التحدي غير المباشر لسلطة هيروهيتو. وضي معرض حسم هذا 
الموقف. أكّد سيادته إصدار حكمه الإلهيء المصيريء بأن اليابان حين 
تخوض الحربء فإنها يجب أن تتحاشى الاتحاد السوفييتي وتتجه جنويا 
لضرب الصين وجنوب شرق آسيا. 


)2 التنيويون اى الات" نسبة إلى الإمبراطور أو دعموةء1» وهكذا طهم بمعنى الإميراطوريين نسيبة 
إلى الإمبراطور “أو الملكيين؛. أي دعاة الملكية. 








اليابان: رؤية جديدة 


ومن بين أشهر دعاة النظام الإمبراطوري (التنيويين) في فترة ما بعد 
الحرب: رجل يسمى هيديكي كازي عق3] أعلدء18110. اشتغل كازي مستشارا 
لاثنين من رؤساء الوزارات: وكان نصيرا فظا واستفزازيا للنظام الإمبراطوري 
الحق: كما كان في أجل صوره قبل الحرب. قابلت الرجل عشية اعتلاء 
أكيهيتو العرش. كان مكتبه في عمارة عصرية قبيحة؛ مكتب مزدحم وغير 
مرتب ولكن الأرضيات من خشب مصقول وتاتامي؛ والنوافذ تغطيها ستائكر 
موشاة برقة من ورق الأرز (شوجي). بدأ كازي حديثه معي بقوله: «يؤسفني أن 
أقول إن أكيهيتو بدأ مسيرته في اتجاه خاطئ». وأعقب ذلك بكلام يستحق أن 
نورده بشيء من التفصيل: 

يحاول أكيهيتو ان ياخن سمة ملك غربي؛ ويمكن أن نفترض ان ذلك سسيكون على الثمط 
البريطاتي» وهذا أمر خاطئ تماما. فالبيوت المالكة في الغرب هي اساسا عائلات احتفالية ترفيهية. 
ولعلنا نستطيع أن نقول إن الملكة اليزابيث هي راعية الكنيسة الإنجليزية: ولكنها لا تقوم بتنادية 
الطقوس بنفسها. فهي ليست الوسيط بين السماء والأرضء كما هي حال بابا روما. اما في الشرق» 
فليس من المفروض أن ترى العامة الشخصيات الذين لهم قدسية. ولكن ها هو أكيهيتو في هذا العام 
كما في الماضي؛ يصافح الشباب؛ ويسمح لابنه الثاني بالزواج بيئما ما يزال ولي العهد أعزب» وهذا 
خطاأ بالغ. تحن نتطلع إلى أن يكون أاعضاء العائلة الإمبراطورية حراسا على التقاليد اليابانية 
ذلك دورهم. وكنت اود ان أرى اكيهيتو يعود إلى كيوتو ويحيا حياة الاعتزال؛ ولكن عوضا عن ذللك» 
نراه يحاول أن يكون ملكا عصريا ينافس نجوم التليفزيون. 

والحق أن كازي على حق: فصورة ملك من الغرب هي تحديدا ما يريده 
أكيهيتوء ففي عصر «تحقيق السلام» لا يوجد مكان لجدل تلمودي عقيم 
حول مكانة الإمبراطور ودوره؛ كما لا مكان للكلام الفارغ حول الأسلاف 
المقدسين. كذلك لم يعد ثمة مكان في الحاشية لأكثر الأتباع تفانيا للعرش. 
انتهى زمان المؤمنين الصادقين. غير أن ثمة شيئا شديد الأهمية يشترك فيه 
أكيهيتو مع آخر التنيويين. إنه؛ مثلهم: يريد أن ينظف ويزيل الوصمات التي 
علقت بمؤؤسسة القصر الإمبراطوري بفعل والده. وهو مثلهم: أيضاء إذ يريد 
أن يتحاشى الأسثلة التي خلفها والده: الأسئلة المتعلقة بمسؤولية القصر 
الإميراطوري وذنوبه. وهو مثلهم: أخيراء حيث يرى أن تجميل الصورة يمكن 
أن يكون كافيا. 


نا تن ين 





«اللاشيء» المقدس 


اعتلى أكيهيتو العرش بعد طقوس كثيرة؛ بلغت الأريعين عداء في العام 
الذي سبق تنصيبه في نوفمبر :1494١0‏ وبلغت تكاليفها 46 مليون دولار - من 
الخزانة العامة. وأنفق لا أقل من خُمس هذا المبلغ على طقس معين يسمى 
«دايجوساي» 102110531 طقس تغطي مرأسمه ليلا بطوله: يدخل فيه أكيهيتو 
حالة اتحاد روحي مع معبودة إلهية سامقة؛ أماتيراسوء ربية الشمس القديمة. 
ونشرت الصحف القومية تقارير إخبارية عن هذه المراسم في وقتها؛ ولكن 
بخلاف ذلك؛ لم يبد أن أحدا ألقى بالا للموضوع: فقد عمدت يابان ما بعد 
الحرب. يابان الإنتاج واللامبالاة السياسية:؛ والشباب المغترب, والإنفاق 
الاستهلاكي. عمدت إلى مواصلة إيقاع مسيرتهاء منسابة إنسياب مد البحرء 
فوق طقوس اعتلاء العرش. 

يذهب بعض المؤرخين إلى أن طقس دايجوساي؛ المأخوذ عن طقوس 
الحصاد؛ يرجع إلى العام ١6١‏ قبل الميلاد؛ أو ربما بعد ذلك بقليل. يتطلب 
الطقس وجود حقل مقدس لزراعة الأرز الذي سيقدمه الإمبراطور الجديد 
للآلهة. تطوّر الطقس على مر القرون؛ ولكنه لم يحظّ بأهمية خاصة إلا بعد 
الإصلاح الميجي. كانت الخصوبة؛ دائماء هي الموضوع. ولكن على مر الأزمنة: 
يختلف الأرباب والربات المشتركون في الطقس من دايجوساي إلى آخر. ولم 
تدخل أماتيراسو الصورة إلا بعد إقامة النظام الإمبراطوري في القرنين 
السادس والسابع. 

يعد سلوك الإمبراطور في أثناء ممارسة طقس الدايجوساي سرا لا 
يُناقش. حتى فيما بين التنيويين. وهذا هو كل ما يعرف عنه: في المساءء 
يدخل الإمبراطور كوخا بسيطاء ويتمدد على سرير مقدس. والسرير 
موضوع على مقعد كان يحتله في وقت سابق الإمبراطور المتوفى. وتوجد 
في المكان أنثى واحدة على الأقل من سيدات البلاط طيلة هذه الليلة. 
وحينذاكء يندمج الإمبراطور مع روح الرية أماتيراسو أي يصبح إلها. 
تنتهي الاحتفالية السرية في صبيحة اليوم التالي: وعندكن يقدم 
الإمبراطور القرابين للآلهة؛ أرزا وعصيدة وساكيء مأخوذة كلها من حصاد 
السكل القسن: 

هل يضاجع الإمبراطور تلك الأنثى؟ يقول بعض الباحثين؛ إن هذا يحدث. 
والإيحاءات الجنسية عجيبة؛ وهي على كل حال من بقايا مجتمع من المزارعين 


اليابان: رؤية جديدة 


القدامى الذين على الفطرة؛ ولكنها إيحاءات قد تثير حرجا في المجتمع 
الياباني العصري السامورائي المتأفف. 

الأنشى هنا موجودة لتجديد روح الإمبراطور الجديد . ولكن؛ هل يتقمص 
هو الآخرروح سلفه: مؤكدا بذلك أن هذا الشبل من ذاك الأسد5؟ هذه الفكرة 
دعث أحد الباحثين في أواسط السبعينيات:؛ إلى افتراض وجود «روح 
إمبراطورية واحدة» تتجسد في إمبراطور بعد الآخر على مر الزمن. يقول 
البعض إن جثمان الإمبراطور الراحل كان يوضع على المقعد المقدسء؛ فهل 
كانت الروح السرمدية تنتقل عندما يقوم الإمبراطور الجديد باحتضان جثمان 
سلفه5ة ذهب البعض إلى أن هذا كان يحدث أيضا. 

وثمة تفسيرات عدة لمفزى طقس دايجوساي: بعدد الآلهة اليابانية 
تقريبا . لا يعرف أحد معنى محددا لهذه الاحتفالية؛ ولا يوجد أحد 
يستطيع أن يقطع بأن طقوس احتفالية دايجوساي التي أقيمت لأكيهيتو 
تراعي الموروث التاريخي مراعاة دقيقة. الماضي هو كل شيء في اليابان؛ 
وهو لا شيء. إن طقوس دايجوساي هي المثل الحي لتلاعب الدولة الحديثة 
بالماضي» لتزكية نفوذ وسلطان التقاليد والتراث. صحيح أن طقوس 
الخصوبة عرفت في كل مكان: فإمبراطور الإنكاء الذي كان شبيها شبها 
غريبا بالكونفوشيين. من وجوه معينة» كان هو الذي يغرس «البذرة الأم» 
(كينو! نمتلأتنالن)؛ مستخدما مجرافا من الذهب الخالص. ولكن اليابان هي 
البلد الوحيد الذي ما يزال فيه رأس الدولة يقود مثل هذه الاحتفاليات. 
وأول دايجوساي سجله التاريخ حدث في العام ١1م.‏ ثم لم يلبث أن توقف 
العمل بهذه الطقوس إلى أن بعثت مرة أخرى في عصر التوكوجاوا في 
أواخر القرن السابع عشر. أما لحظة تأليه الإمبراطورء فيبدو أنها حدثت 
بعد الإصلاح وليس قبل؛ وهي من ابتداع التنيويين المجتهدين في أثناء 
سنوات الميجي والتايشو. 

في 1995١‏ 0 هذا العرض لقطعة من الماضي الملفقء شأنه في ذلك شأن 
الطقوس الشينتوي!*) في جنازة هيروهيتو: كان فيه تجاوزات دستورية 
0 00 والاعتمادات الحكومية. ولكن إدارة القصر الإمبراطوري 
(كونايشو) كانت في أيدي نَمَّر من بقايا نبلاء ما قبل الحرب المتشبثين 


(* ) نسبة إلى شينتو عقيية دينية شعبية ع اليايان (الترجم). 





«اللاشيء» المقدس 


بالماضي تشبثا شرساء ممن أطلقت أيديهم تماما لتنظيم احتفاليات ومراسم 
اعتلاء العرش. تفجرت الخلافات؛ خلافات لم تقتصر أسبابها على مجرد 
تبديد الأموال في الدايجوسايء: سبعة عشر مليونا من الدولارات لبناء كوخ 
أكيهيتو البسيطء الذي اتضح أنه مركب من ثلاثين مبنى تعلوها سقوف من 
السمار مقامة على أراضي القصر الإمبراطوري. كان الموضوع كله مشهدا 
وعرضا ضخما ليابان ما بعد الحربء يابان ما تزال تعيش في تلك الأيام من 
خريض 1546 يابان غير مسكهة للتسليم هي نظاح ما قبل الحرب ‏ إلا على 
مضض ‏ وهي لا تسلم إلا بالقدر الذي أجبرت عليه. 

قبل أسبوعين من بداية تلك الاحتفالية: قدم أحد الأعضاء الاشتراكيين 
في المجلس التشريعي (218) خمسة أسئلة لرئيس المجلس: أشار في واحد 
منها إلى أحد الكتب الدراسية في فترة ما قبل الحربء ورد فيه وصفا , 
للدايجوساي باعتباره «حدثا إلهيا يتوحد فيه الإمبراطور مع أوجيمي تمساعه00 
(أعظم آلهة الشينتو). كما تتجلى فيه حقيقة أن اليابان أمة فوق البشر». وهنا 
يسأل عضو البرلان : «هل من الممكن إلغاء مثل هذا التعريف القديم إلقاء 
واضحا وقاطها؟ وإن كان ذلك ممكناء فما التغييرات التي يمكن أن تطرأ على 
احتفالية دايجوساي هذا العام,؟ ١‏ 

مضت أيام دون أي رد ضعل رسميء ولم يأت الرد إلا قبل يومين من بداية 
الاحتفال: وقد جاء باللغة الملتوية التي تسم كل منطوقات الكونايشو. لم يذكر 
شيء عن تغيير الطموسن؛ وإنما قبل للنائب: «لوحظ وجود التوصيف الذي 
أشرت إليه:؛ ولكن كفن أن مرد دٌ ذلك هو الظروف الخاصة لزمانه». وضي 
المساء على شاشات التلفزيون: وضي نشرة الأخبار: أذيع موجز عن الموضوع؛ 
من جملة واحدة قبل النشرة الجوية: «أدلى متحدث رسمي حكومي اليوم 
بتصريح قال فيه إن الإمبراطور أكيهيتو لن يجري تحويله إلى إله في أثناء 
احتفالية دايجوساي القادمة». ش 

وحفلت الاحتفالية نفسها بكثير من مسافات بق كونفوشية مرسومة. 
أجلس رؤساء الدول وكبار الزوار في مكان تفصله عن المنصة التي 0 
عليها أكيهيتو وميشيكو مسافة تزيد على مائتي قدم,ٍ وينخفض أريع أقدام عن 
أرضية المنصة. وعلى خشبة المنصة نفسهاء ٠‏ رفع مقعدا الإمبراطور 
والإمبراطورة مسافة ثلاث أقدام أخرى؛ ليكونا أقرب إلى السماء (وإن يكن 





اليابان: رؤية جديدة 


ذلك أقل من العشرين قدما التي ارتفعها هيروهيتو عند اعتلائه العرش). 
استمر الاحتفال نصف ساعة فحسب. ولم ير شيئا يُذكر منه إلا أولئك الذين 
اشراأبوا بأعناقهم بشدة. ولابد أن ذلك أدخل السرور في قلوب كونايشو, 
لأنهم بذلك التلاعب بالمسافات والفراغ أجبروا الأجانب. بدرجة أو أخرى. أن 
يكونوا في وضعية المتعبدين. 

بعد الاحتفال: ذهبت لمقابلة رجل من التنيويين؛. اسمه سيزابورو ساتو 
0 ه#نتاطةأه5, كان أصلع رزيناء نحيل الوجه: لا يحتمل الأجانب 
بسهولة. خاصة الأمريكيين: ولكنه انفعل بشدة عندما أنبأته أنني حتت 
لأتحدث معه عن الاحتفال: أجاب بحدة: «الحق أن الاحتفال كان بسيطا 
جليلا يشيع الإحساس بالجمال والسكينة. لم يكن شديد الإبهار كما لم 
يكن رتيبا مملا. لم تكن هناك موسيقى: وتم كل شيء وفقا لما هو متوقع 
تماما ‏ لا أكثر ولا أقل». 

قلت لساتو إنني شاهدت الاحتفال بالفعل. صحيح أنه كان جليلا؛ ولكن 
ربما يرجع ذلكء وإن جزئياء إلى أن أكيهيتو كان يبدو كأن الأمر لا يعنيه: ضفي 
أثناء كثير من الطقوس بدا كأنه يريد أن يشمر أكمام الكيمونو الفضفاض 
ليلقي نظرة على ساعة يده. كان هيروهيتو في شبابه يعتبر هذه المرتبة 
المقدسة التي وضعوه فيها أمرا يدعو إلى السخرية؛ ولكنه لم يكن ليعبر عن 
ذلك إلا لخاصته؛ وإن يكن بالتأكيد ‏ استفاد من ذلك في تعزيز نفوذه 
وسلطانه. ومن ثم؛ لمحت لساتو أنه للمرة الأولى: ريما يكون لليابان إمبراطور 
غير مندمج في هذا الدور. 

اندفع ساتو متسائلا: «هل حقا يتعين على الشخصية العامة أن تؤمن 
بمعنى وجوهر الاحتفالية التي تقوم بعرضها؟ يكفي أن يقوم بالطقوس 
والشعائر؛ فالقضية التي تثيرها ليست في بالي. والإجابة عن السؤال هي: لا 
أعرف.: ولا يهم». ١ ١‏ 

«هل صحيح يا سيد ساتو؛ هل صحيح أن الأمر لا يهم5» 

«إن اليابان دولة قومية؛ وكل دولة قومية تحتاج إلى أساطيرها الخاصة 
لتوحيد الناس فيها . وأنتم الأمريكيين لكم أساطيركم: الدستورء, 
الديموقراطية؛ الحلم الأمريكي؛ طريقة الحياة الأمريكية. والإمبراطور نوع من 
الأمناظين أيضنا»: 





«اللاشييء» المقدس 


كان ذلك اعترافا مذهلا يصدر عن رجل في شهرة ساتوء وكان مؤشرا 
على أن أشجار الصنوير تغير لونها أخيراء وأنه يتعين على أكيهيتو أن يتطهر 
مما علق بالزي والأحذية العسكرية لوالده من روائح عطنة. لم يحدث قط أن 
اعترف الكونايشو بعدم ألوهية الإمبراطور. وظل التنيويون على مدى نصف 
قرن يتعللون يأن ما جاء في خطبة رأس السنة حول هذا الموضوع كان 
مفروضا (والحق أنه كان كذلك: على نحو ما). والآن: تقلّص الإمبراطور 
ليصبح أسطورةء أو نوعا من الغرائب الملونة» مثل الأشياء التي تجذب السواح» 
أو جرد مؤد لدور ترطيهي. 

قلت: «إن هذه أمور شديدة الاختلاف عما كان يُعتبر هو الحقيقة في أثناء 
الفترة الانتقالية السابقةء!*). وسألت: «ماذا تغير أيضاء؟ة ا 

«من الأمور المهمة أنه عندما رحل الإمبراطور تايشو واعتلى العرش 
الإمبراطور شواء لم تحضر الاحتفال شخصيات أجنبية سامية: لم يتحضر 
سوى الدبلوماسيين الأجانب الموجودين في طوكيو. أما هذه المرة» فقد حضر 
مائة وسبعون من كبار الزوار. ولكن هذا أمر طبيعي:؛ فاليابان أمة قوية». 

تطلب أحد طقوس احتفالية ارتقاء العرش أن يضرب أكيهيتو بقدمه 
نموذجا لكرة أرضية صغيرة ملقاة عند قدميه ثلاث مرات: كتعبير رمزي عن 
سيطرته على الكون. فمن يعرف متى بدأ هذا الطقس5؟ إنه يفوح براكحة 
أطماع ما قبل الحرب. وأبقى عليه الكونايشوء واختيرت لحظة مناسبة؛ 
خاصة أن غالبية الأجانب المائة والسبعين ‏ الذين كانوا يجلسون على مستوى 
أدنى من الإمبراطور ‏ يرجح أنهم لم يلاحظوا شيئًا. هذه الحركة غير المرئية؛ 
أصبحت تعبيرا دقيقا عن ضآلة ما يمكن أن يفهمه المدعوون عن مدى أهمية 
حضورهم بالنسبة لليابان. 

شهدت الفترة الانتقالية(**) لحظات ثقيلة ومربكة. تفجرت المشاعر في 
بعض البلاد التي لها ذكريات أكثر وضوحا من الأمريكيين: رفضت أستراليا 
إرسال ممثل رسمي عنها لحضور جنازة هيروهيتوء ولم ترسل نيوزيلنداء بعد 
مناقشات ومساجلات حامية؛ إلا موظفا ضئيل الشأن. وصدرت الصحف في 
)*) المقصود فترة انتقال العرش: بين وفاة أحد الأباطرة, حتى اعتلاء الإمبراطور التالي العرش (المترجم). 
(**) نذكر القارئ بأن فترة الانتقال الأخيرة: من الإمبراطور هيروهيتو إلى الإمبراطور أكيهيتو 
استمرت عامين (1989 - )١1551‏ (المترجم). 








اليايان: رؤية جديدة 


لندن عند وفاة هيروهيتو بمانشيتات تبدأ ب «هيروهيتو يرحل حاملا ذنوبه 
إلى قبره» (في جريدة ديلي تلجراف): وصولا إلى مائنشيت في صدر إحدى 
الصحف الشعبية يصرخ: «فليذهب الوغد إلى جهنم». 

ولم يكن كل هذا إلا جانبا واحدا من سير الأمور. حققت اليابان ما كانت 
تبغيه من الفترة الانتقالية: على الأقل فيما يتعلق بالشكل؛ إذ حظيت؛ عند 
نهاية القرن؛ بقبول العالم الخارجي للعرش الإمبراطوري. وكانت طوكيو منذ 
وقت طويلء قد تعودت على شراء الأشياء التي لا تستطيع أن تنتجها. هكذاء 
تمكنت اليابان الجديدة من الاستفادة من الوفرة والبراعة التكنولوجية لتعزيز 
نفوذها. وعند موت هيروهيتوء يستطيع المرء أن يقيس درجة احتياج هذا البلد 
أو ذاك للعملة الصعبة: يما أبداه من مظاهر الأسى والحزن. هكذاء أعلنت 
حكومتا الهند وكوباء من بين بلاد أخرى: أياما للحداد العام في بلادها. 

كان فتور المشاعر الشعبية تجاه القصر أمرا ملحوظا بوضرح في أثناء 
الفترة الانتقالية؛ تلحظه العين في كل مكان. اصطحبني أحد الباحثين 
الأمريكيين إلى حانات ميدان روبونجي في أثناء مرض هيروهيتو؛ ولاحظ 
بارتياح: «ألا ترى أن جميع المحلات كاملة العدد؛ مثل كل الأمسيات والليالي 
الأخرىا». ونبهني أحد سماسرة الأوراق المالية الإنجليز إلى أن السوق ربحت 
6 ضي الماكة بين اليوم الذي تقيّأ فيه هيروهيتو دماء واليوم الذي مات فيه. 
ومرّ بي في مكتبي أحد المراسلين الصحافيين الإيطاليين؛ وضم كفيه مصافحا 
نفسه وملوحا بهما نحوي؛ وهتف: «هل تعرفء لقد استعلمت عن كل الخطوط 
الجوية والمنتجعات التي تقع على بعد ساعات قليلة بالطائرة؛ فماذا وجدت؟ 
وجدت أن عطلات نهاية الأسبوع في فترة اعتلاء العرش محجوزة كلها طوال 
الشهور الخلاثة الماضية». 

وإذ ازدحمت المطارات واكتظت البارات: لجأت الدوائر الرسمية اليابانية 
إلى الكذب؛ زعمت أن الأمة بأسرها كان يمكن أن تكون عند بوابات القصرء 
لو أنها استطاعت. ولكن هذا الزعم لم يؤد إلا إلى اتساع المساطة وتزايد 
الفتور بين القصر واليابانيين العاديين. يُذكر أنه عندما اعتلى هيروهيتو 
العرش, بلغ عدد اليابانيين الذين اصطفوا في شوارع طوكيو وكيوتو وناجويا 
ستمائة ألف. بينما قدرت الدوائر الرسمية؛ بدقتها المعهودة؛ أن العدد ضي 
كان ١1١,447‏ . ولكن الرسميين اندضعوا يتعللون بأنه لم يكن التلفزيون 





«اللاشيء» المقدس 


قد وجد في تلك الأيام. ولم تكن هناك زحمة مرور. كما أنه لم تُبذل جهود 
حكومية هذه المرة لحشد الجماهير (وإن يكن هذا قولا جانبه الصدق). 

في أشناء طقوس اعتلاء العرش» ذهبت مرة أخرى أنقّب عن مزيد من 
المعلومات والأخبار في الدوائر القريبة من القصر. عرفت أن سبعة وثلاثين 
ألفا من رجال الشرطة كانوا منتشرين في المدينة. وفي يوم احتفال دايجوساي 
نفسه: قابات أحد رجال الساراري يرتدي زيا رياضياء ظل يتفادى النظر في 
عينيء يحملق بعيدا أو يطيل النظر إلى حذائه الرياضي. قال«لم أكن قط 
مهتما أو مقتنعا بمثل هذه الأمور». فهل كل هذه الاحتفالية غير ضرورية؟ من 
رأيه أنه لم يكن هناك اختيارات أخرىء وقال: «يتعين علينا أن نقيم هذه 
الاحتفالات لأننا يابانيون. ولكنها مكلّفة: وينفق عليها من الضرائب التي 
ندفعها. وعلى كل حال أثا نمست متاأكدا». ١‏ 

وتبادلت حديثا مع سيدة في منتصف العمر تملك محلا تجاريا في حي 
جينزاء قالت: إن اعتلاء العرش حدث مهم بالنسبة لجميع اليابانيين: ولكن 
كان عليهم أن يقسموا الاحتفاليات إلى جانب ديني وآخر قومي. وكان يجب أن 
ثقام الشعائر الدينية بطريقة أكثر كتمانا. والملاحظ أن إجراءات الأمن كثيفة 
جدا . وهذا أمر يدعو إلى السخرية؛ ولا أستطيع تحمله». 

ورأيت رجلا قوي البنية يرتدي سترة رياضية من الجلد؛ جاء من 
هوكايدو ليتفرج على مباراة رجبي لاإطقل1. سألته إن كان يحب أكيهيتوء 
فبدا كأنه يبحث عن شيء يقوله؛ ثم أجاب: «بصراحة لا أستطيع أن أقول 
نعم أو لا»» وإجابة عن السؤال هل يعتقد أن النظام الإمبراطوري نظام 
جيد؟ أجاب: «أنا متاكد آننا بحاجة إليه؛ فهذا نظام قومي مناسب. ولكنني 
لا أرغب في أن أخوض . الآن ‏ في حديث عن الحرب؛ أو عن مسؤولية 
الإممبراطور. ولا أظن أننا كنا سعداء بحكم الولايات المتحدة لنا بعد 
الحرب. ولكنني لست متأكدا أيضا إن كانت حالنا كان يمكن أن تكون 
أفضل لو أننا انتصرنا في الحرب». 

وقابلت فتاتين من تلميذات المدارس الثانوية في زيهما الأزرق الشبيه بزي 
البحارة. قالت الأولى: «لم نقض وقتا طويلا في مشاهدة الاحتفاليات». هل 
ذلك لأن الأمر ئيس مهما بالنسبة لها؟ قالت الأخرى: «نحن لا نكاد نتكلم عن 
هذه الأمور في المدرسة: الإمبراطور واحتفالات اعتلاء العرش؛ وكل هذه 





اليايان: رؤية جديدة 


الأمور. تغير الإمبراطور من شوا إلى أكيهيتوء ولكن حتى الآن لم يتفير أي 
شيء آخرء. 

لم يكن من السهل تفسير هذه المقابلات. ولم يكن خافيا أن عددا كبيرا 
من اليابانيين لم يكن ليهتم بالأفعال الوقورة التي يؤديها أكيهيتو. ولكن 
الجماهير الباكية عند القصر من جانب؛ وحركة المرور اللامبالية المحمومة 
في الشوارع الكبرى المحيطة بالقصر من جانب آخرء كانت كل منهما انعكاسا 
للأخرى. إن هذين التوعين من المشاعرالمتعارضة والمعلنة جنبا إلى جنب في 
الوقث نفسه يوحيان معا بالجوهر المزدوج لصورة الإمبراطور المجردة منذ 
عصر الميجي: القبول المطلق للامبراطور يتخذ شكل تنزيهه عن عالم 
المحسوس. فالمفترض أن يكون الإمبراطور في التحليل النهاكي؛ أقوى ما يكون 
بوجوده في نفوس رعاياه. ذات مرة؛ قال لي هيديكي كازيء؛ وهو من التنيويين: 
«يجب ألا يبدي الناس اهتماما حسيا فائقا بالإمبراطورء يجب أن يكون أشبه 
بالعم الكبير؛ الذي يعيش في وجداننا». 

ثمة نوع من الاعتماد الطفولي على الآخر متضمن في تلك الفكرة: 
فالطفل الرضيع ينمو عنده شعور بالاعتماد السلبي على الآخر في شكل 
ارتباط عاطفي مقصور على الأم. واعتماد الطفل الرضيع على التحصينات 
الوقائية التي توفرها هذه الرابطة الحميمة يبلغ ذروته عندما تبلغ رغبة 
الطفل في الاحتضان الآمن أقصاها. هذه قاعدة عامة. ولكن ما يميز 
اليابائيين هو القبول الاجتماعي لهذه الرغبة في إطار المشاعر المشروعة 
للبالفين. صحيع أنه يجب الحذر في تعميم هذه النقطة؛ ولكن بحث الكبار 
عن الاعتماد السلبي على الآخر يعن أحد المكونات النفسية التي لها جذورها 
في مجتمع شديد التعلق بالعلاقات الاجتماعية الهرمية. حيث أعباء البالغين 
شديدة الشقلء والمطابقة تكاد تكون كاملة بين دفء المشاعر مع التعرض 
للمخاطر من جانب؛ وعالم الفرد الخاص المستور والخفي. 

لاتوجد ترجمة للمصطلح آماي 20086 الذي يعرف هذا الشعورء أو 
الصيفغة المصدرية له: آمايرو 01124610. في كتابه تشريح سيكولوجية الاعتماد 
على الآخر ععتتلسعرء(1 /ه برسدمغهسخ عد" :)١91/1(‏ يقيم الباحث النفسانئي 
تاكيو دوي الدليل على أن الآماي مكون أساسي للبنية النفسية لليابانيين: 
حيث يسعى الشخص البالغ إلى آخر أيام الحياة لإعادة إنتاج ذلك المجال 


«الناشيء» المقدس 


العاطفي المغلق الذي أتاح لهم؛ وهم في سني الطفولة الأولى؛ إطلاق العنان 
لرغباتهم وإشباعها بغير حدود. والآماي عند الكبار يُعبّر عنها في: النزوع 
للامبالاة. والتمرد والاجتراءء ويؤكد دوي أن الآمايرو صفة يتسم بها البشر 
جميعاء وإن لم يسموها باسمها . ولكن اليابانيين: 

وفعوا الآماي إلى مرتبة الُثل؛ واعتبروا أن عالما تسوده الآماي هو العالم الإنساني بحق؛ وأن 
النظام الإميراطوري يمكن اعتباره الشكل الأساسي المؤسس لهذه الفكرة. 

وبعد ان تخلى الإإمبراطور نفسه من عقيدة تأليه ذاته: ليصبح «رمزاء للشعب الياباني؛ بعد ذلك 
فقطل أمكن الكشف عن الآماي المتوارية في قلوب كل اليابانيين. 

لقند شهد زماننا انهيار النظام الإمبراطوري كأيديولوجيا... ولكن هذا لا يعني بأي حال . أن كل 
شيع في طبيعة النظام قد انتهى. 

والحق أن دوي توصل هنا إلى فكرة مهمة: ما تزال سيكولوجية الاعتماد 
على الغير باقية. ولا نستطيع أن نتحدث عن الاستقلالية دون إثارة مشكلة 
الاعتماد على الآخر. ومن ثم: يجب أن ننظر إلى مظاهر الفتور واللامبالاة 
نظرة حذرة. والحق أن النزوع للاعتماد على الآخر يتعزز خلال مؤسسة 
الإمبراطور. ولكن التحليل الذي يقدمه دوي فيه مشكلة: حيث لا مكان فيه 
للسياسة والتاريخ. وبتجنب التعرض للسياسة والتاريخ: يفترض وجود سمة 
خاصة باليابانيين» شيء في الحضارة والثقافة والتقاليد والروح. ومفاد هذا 
تأكيد أن سيكولوجية الاعتماد على الآخر لا يمكن أن تتفير. وفي التحليل 
الأخير. ليس هذا إلا تنويعة استشراقية أخرى عن اليابانيين. 

ذهبت لمقابلة البروفيسور دويء: وهو رجل نحيلء كان في أثناء الفترة 
الانتقالية في السبعين من عمره. أثناء الحديث قلت له إن أحد المفكرين 
المحافظين المرموقين وصف الإمبراطور بأنه نوع من الأساطير. وهنا اندفع 
دوي قائلا: «لقد تعمد هذا الشخص استخدام كلمة «أساطير». هذا هو 
تفسيريء أراد أن يعطي انطباعا بأنه لا يؤمن إيمانا حقيقيا بالنظام. يشعر 
الناس بالحرج عندما يوجه إليهم شخص أجنبي ‏ مثلك ‏ سؤالا يتعلق 
بمشاعرهم تجاه الإمبراطور. ومن الأمور المسلم بها بصفة عامة ‏ أننا يجب 
ألا نخوض في أي لغط حول الموضوع». 

وعبّر دوي عن ضيقه بالمعلقين الإخباريين: الذين غالبا ما يستخدمون 
تعبير «الإمبراطور الرمز»»؛ فهم لا يستخدمون عبارة تعني: حسب تفسيره؛ 


اليايان: رؤية جديدة 


«شيئًا خفيفا». «شيئًا لا وزن له. وليس هو الشيء الحقيقي». واستطرد: 
«كأنهم يريدون أن يحموا أنفسهمء: كأنهم يقولون إنه ليس إلا دمية؛ وليس 
إميراطورا حقيقيا. هم يشعرون بأن أي حديث إيجابي عن الإمبراطور.ء حديث 
عفى عليه الزمن. ويريدون أن يقللوا من قيمة النظام والتقاليد». 

صورة رجل لا وزن له: تترابط أطرافه بأشرطة فوق أشرطة من الكيمونو 
الذي يرتديه ‏ ذكرتني هذه الصورة بشيء سمعته قبل أيام من أحد الأساتنة. 
قال لي إن بعض طلابه قارن احتفاليات اعتلاء أكيهيتو للعرش بحفل تقيمه 
البتات الصغيرات كل عام في الربيع. ويقدمن عرضا يستخدمن فيه دُمى على 
شكل الإمبراطور والإمبراطورة في العصر الإقطاعي. 

«بالضيط!ء صاح دوي: «هما في نظر الناس ذمى». 

لم يكن دوي ليرغب في الحديث عن مشاعره الخاصة. كان يتفادى أسئلتي 
بخبث بينما يعبث بأصابعه في قاموس قديم في حجره. وكان يبدو حريصا 
على اجتياز مآزق هذا الحوار, كأنما يريد أن ينتهي هذا الكلام وأن أنصرف 
أنا أيضا. وعندما نهضت لأنصرف: وجهت إليه السؤال بلا مواربة: «د. دوي؛ 
هل أنت أيضا تشعر بالحرج5». سكت لحظة ثم قال: 

«يمكن أن أقول لك إن الأمر لا يعنيني؛ مثلما يتظاهر بذلك الكثيرون»». 
وامستطرد: «وتكن هذه الإجابة يمكن أن تكون...» وسكت لحظة يبحث عن 
كلمة يعبر بها عما في نفسه؛ ثم ضحك عندما وجدهاء فأضاف: «يمكن أن 
تكون مضللة». 

وسبق أن كان البروفيسور دوي قد فكر في موضوع الجماعات السياسية 
الراديكالية؛: وكيف كان الشعور بالاعتماد على الآخر (آماي) منتشراء حتى أنه 
تجلى أيضا في مواقف هذه الجماعات. كتب دوي في كتابه «تشريح سيكولوجية 
الاعتماد على الآخر» أنه منن العصر الإقطاعي حتى الآن «كانت روح مقاومة 
السلطة في كل زمان تستخدم العائلة الإمبراطورية نقطة للبدء». 

وليمن هذا كلأما دقيقا. فمهما كانت تلك العادة النفسية منتشرة: لا يمكن 
أن نعزو إليها وحدها روح المقاومة في اليابان» ولا يمكن أن نبخس قيمة آللاف 
من الانتفاضات الفلاحية ضي أثناء العصر الإقطاعي المتأخرء وكذا انتفاضات 
الجماعات السياسية الحديثة - بأن نعزوها بيساطة إلى هذه العادة النفسية. 
صحيح أن عددا كبيرا من زعماء الفلاحين لجأوا إلى الإمبراطور لكي يتدخل 





«اللاشيء» المقدس 


في صفهم ضد أمراء الإقطاع المحليين: كذلك لجأ العامة للامبراطور عندما 
انهار حكم التوكوجاوا . ولكن لا هذا ولا ذاك جعل من هؤلاء أو أولئك تنيويين. 
كان الإمبراطور يمثل قوة سياسية حينذاك. ويبدو أن دوي عرّف ظاهرة 
واضحة للعيان. حدث مرة ومرات في اليابان» كما في غيرها من بلاد شرق 
آضيا أن كانف حمافات العارضنة اككر اتشفالاً بإفطاذ سواقف يطولية من 
حرصها على اتخاذ مواقف عقلانية يمكن أن تحظى بالقبول العام؛ وتفضي 
إلى اعتلاء السلطة. فقد كانت السلطة أبعد ما تكون عن أفكارهم. ولكن ما 
علاقة كل هذا بعادة الاعتماد على الآخر (آماى)؟ وما علاقته بالمشكلة الأكثر 
تعقيدا؛ مشكلة عدم النضج السياسي؟ 

كان ثمة جماعة راديكالية تسمى شوكاكوها 2طتاكلةءإ[ناط')؛: ومعناها عصبة 
القلب المركزية: والتتي كانت ما تزال لها نشاطها في أواخر الثمانينيات. أعلنت 
العصبة مسؤوليتها عن عشرات من أعمال الإزعاج والتخريب في أثناء الفترة 
الانتقالية بما فيها إطلاق قنابل بدائية لتسقط في الأراضي المحيطة بالقصر 
الإمبراطوري. تمكنت من الالتقاء برجل يتخذ اسم يوشيهيزا فوجيوارا 
كلمن ”1 وسأطتطمو0؛ وهو أحد قادة عصبة القلب المركزية؛ في حي رث من 
أحياء شمالي طوكيو حيث كانت العصبة تحتل مبنى قديما ذا أبواب حديدية 
وتحيطه متاريس من أكياس الرمل. على قدر ما فهمت؛ كانت شوكاكوها 
واحدة من الشراذم التروتسكية الهامشية المتطرفة. وكانت شوكاكوها ترى» من 
بين أمور أخرى؛ أنه في أثناء حكم أكيهيتو ستعود اليابان مرة أخرى ‏ 
بالتاكيد ‏ دولة عسكرية: وأن الإمبراطور الجديد سيقود غزوا يابانيا جديدا 
للبلاد المجاورة. 

تساءلت ماذا يمكن أن تكون علاقة فكرة د. دوي المتعلقة بالاعتماد على 
الآخر (آماى) بتلك الطائفة الهامشية المشوشة: إن كان ثمة علاقة. وكيف 
يمكن أن تنسجم مثل هذه العلاقة مع العالم الكبير. كان فوجيوارا منخرطا 
في حديث طويل وممتد وإن يكن غير مترابط: بينما أنا أطيل النظر إلى وجهه 
باحثا عما خلف التجاعيد والإرهاق والهم الدفين. رسمت مخياتي له صورة 
إنسان أفنى عمره متذرعا بأساليب غير مشروعة تشبثا بفكرة سياسية 
مشروعة ولا غضاضة من الدفاع عنهاء وهي أن اليابان ستكون أفضل من دون 
الإمبراطور. وهو موقف أسسه على تركيبة من الدوافع الوجدانية التي كانت 





اليايان: رؤية جديدة 


قد تحولت منن زمن طويل إلى قفص يحتبس فيه. غير أني لم أصل إلى 
اقتناع بأني وجدت ما كبن يد ا . وبعد كل سؤال؛ كان فوجيوارا يستطرد 
في إلقاء خطبته بشكل معقد م مستعينا بأريعة مجلدات سميكة الغلاف 
مسجل فيها تاريخ المغامرات السياسية لعصبة القلب المركزية - إلى أن 
أقاظفة يسؤال آخر: 

ولكنه قال شيئًا مثيرا للاهتمام في أثناء هذا اللقاء. أعلن بعد ساعة: «إن 
لم نناضل ونكاطح ضد الإمبراطور؛ فسيصاب الجميع بخيبة الأمل. وبيفضل 
نشاطنا لم تسر مراسم احتفالات اعتلاء العرش على النحو الذي كانوا 
يتوقعونه. اضطربت؛ ولم تمض بيسر. هذا هو الشيء المهم. لقد نجحنا 
تحايكا اماه 

# عي 

قبل قليل من مراسم دفن هيروهيتو في فبراير 1146: وضعت محطة 
811 وهي إحدى محطات الهيثة العامة للإذاعة في بوسطن 285 - 
وضعت في برنامجها فيلما تسجيليا عنوانه: هيروهيتو: ما وراء الأسطورة 
طانوك8 عط لمتطء8 :مغتآدامطللكل أنتجته هيئة الإذاعة البريطانية 8800 . وتستئند 
مادة الفيلم إلى كتاب للكاتب الصحافي إدوارد بهر “داء8 50ه9ل8؛ وهو 
مراسل إنجلو ‏ فرنسيء له سجل كبير في العمل مع وكالة رويترز ومجلات 
تايم ولايف ونيوزويك وغيرها من المؤسسات الصحافية. يستندالكتاب إلى 
مراجع من اليوميات والمذكرات وغيرها من المراجع الموثقة لتأكيد حقيقة أن 
السيد «أنت لا تقول شيئاء (أي الإمبراطور الراحل)؛ ذلك الهادئ المراوغ 
المحب لحدائقه وميكروسكوبه وأسرته. لم يكن في الواقع إلا القائد الأعلى 
المتورط تماما في تخطيط وتئفين حرب الباسيفيك. 

عرض فيلم ما وراء الأسطورة في بريطانياء ومر الأمر بلا مشاكل. أما في 
أمريكا فقد أثيرت ضجة غير أخلاقية بين الكتاب والباحثين حتى قبل أن 
يُعرض الفيلم. وتعالت الصيحة: «هذه مهزلة». سار مثل هؤلاء النقاد 
الراسخين في العلم في ركاب حملة بدأها إدوين رايشاور - الذي كان حينذاك 
قد أحيل على الاستيداع من مناصبه الجامعية والديبلوماسية. أصر رايشاور 
على أن كتاب إدوارد بهر يجب أن تصادره الرقابة. وفي حديث مع صحيفة 
نيويورك تايمز قال: «كلام فخارغ: هناك خطأ مطلق في توصيف مركز 


دا للاشيء» المقدس 


الإمبراطور وسلطاته. فلم تعرف اليابان أي إمبراطور له أي سلطات حقيقية 
لقرون عدة. وإنه لأمر مجاف للذوق السليم ولجادة الصواب أن لا يقال هذا». 

ومما يدعو للسخرية حقا أن تتردد مثل هذه اللجاجة في بلد تصل فيه 
حرية القول إلى أقصاها. ولكن لا عجب؛ فإن أمريكا هي البلد الذي يضع فيه 
كبار العلماء. من أمثال رايشاور. أنفسهم بكل طواعية وحماسة في خدمة 
واشنطن في النصف الثاني من القرن العشرين. عرض ظيلم هيروهيتو: ما وراء 
الأسطورة في موعده. ولم تلبث أن خفتت الضجة التي أثارها رايشاورء بعد أن 
خرجت على الملأ بواحد من أشهر العروض التي قدمها نادي الكريزانثيمم. 
وكان العرض ممخزياء شأنه في ذلك شأن كل ما فعله رايشاور ومشايعوه في 
التعليم والإدارة من أجل أن يعيد الاعتباز للرجل الذي باسمه عانى كل هذا 
العدد من البشر. 

ولم يكن ما وراء الأسطورة: الفيلم والكتاب. منزها عن أي خطأ . ولم يتوان 
النقاد عن بذل الجهد للتفتيش والكشف عن الأخطاء في سرد الوقائع 
وتفسيرها. ولكن لم يكن ثمة إلا عدد محدود من الأخطاء الصغيرة التي تم 
تصيدها؛ غير أن هذه لم تكن المشكلة. حقيقة المشكلة هي أن واشنطن 
وطوكيوء على مدى خمسة وأريعين عاماء ظلتا تحاولان طمس أي فكرة أو 
إشارة إلى أن هيروهيتو يتحمل أي مسؤولية عن سلوك اليابان ضي الحرب. 
ولم تكن أي محاولة في ذلك الاتجاه تقابل بأقل من تعرض صاحبها لنيران 
القتناصة وستار من قذائف النقاد؛ التى لا تتوقف إلا بعد أن تكون المحاولة قد 
هك وذقدرت معناذا قيتها اناف 7 

حدث ذات مرة؛ في إحدى زياراتي لأمريكا في أثناء عملي في طوكيوء أن 
وجدت في إحدى مكتبات مدينة نيويورك كتابا عنوانه هيروهيتو مغلطهطاط ‏ 
كذاء ببساطة ‏ صدر العام 19/4: ضمن سلسلة من ١61‏ كتابا تحمل عنوان 
قادة العالم ال ماضي والحاضر غ)ءوع:2 يق )وه 16920685 7780108 . في مستهل 
الكتاب مقال افتتاحي بعنوان «عن فن القيادة»» كتبه المؤرخ آرثر م. شليزنجر 
الاين ل نمع ماوة[ان5 .ل “انات[ة . كان الكتاب صغيرا فيه كثير من الصورء 
ومحررا خصيصا «للشباب». 

يحتوي كتاب هيروهيتو على موجز دقيق للمسار الرئيسي لتاريخ 
الإمبراطور. في المقدمة؛ يتحدث شليزنجر بفصاحة عن قدرات القادة: 


اليايان: رؤية جديدة 


«القادة بالفعل ‏ القادة الذين نقدمهم في هذه السلسلة». وعلينا أن نأخذ هذه 
العبارة المغفلوطة بروح الفكاهة؛ لأن جوهر التاريخ الرسمي للرجل الذي 
يقدمونه شي الكتاب كانت تتملكه روح سلبية عازفة عن الكلام والعمل» حيث 
يشعر الإمبراطور ضي زمن الحرب بأنه وحيد ومعزول وينسحب إلى داخل 
غرف قصر ظوكياج الخافتة الإضاءة: لا يصدر أوامرء لكنه مذعن دائتما. وهو 
لا يكف عن محاولة إزالة الأوساخ حيث يذهب متلقيا لنصائح مستشاريه. 
وفيما يلي صورة هيروهيتو التي تُقدم لاستهلاك الطلبة الأمريكيين: 

كان هيروهيتو يحس باتراحة والرضا وهو يجمع عينات للأحياء المائية اكثر مما يحس بهما وهو 
يعالج شؤون الدولة. 

وحجيوا عنه تفاصيل «الحادث الصيني»؛ وهو التعبير الذي يطلقه اليابانيون على الحرب التي 
اخاروها ضد هذا البلد... ويبدوآته لم يُحط علما قط بوقائع مذبحة نانجينج. 

وكان دور هيروهيتو في الحرب يكاد لا يُذكر, إذ اختارأن يقضي معظم وقته في القصر, 

إن دور الباحث المهتم بالعلوم البيولوجية الذي صور به الإمبراطور بعد 
الحرب هو دور شرير حقيقة:؛ إذا أخذنا في الاعتبار الأصول الشاذة لهذا 
الدور. فمنذ كان وليا للعهدء أثبت هيروهيتو أن له حوافز قوية للبحوث 
البيولوجية: ولم يكن ذلك من قبيل الهواية. وإنما كان هيروهيتو مستميتا 
في البحث عن استخدام العلم في الأغراض العسكرية: كان حادا وقاسيا 
وملحا في حث أساتذته على تطوير أنواع من الفطريات والفيروسات 
لاستخدامها في الحرب البيولوجية. ومن ثمء كان تصنيع القذائف البكتيرية 
القاتلة التي جُربت في الصين في أثناء اجتياح أراضيها القارية. حينذاك 
كان هيروهيتو قد أقر تكوين الوحدة سيئة السمعة ١"الاء‏ وهي كتيبة 
متخصصة في الحرب الجرثومية؛ وهي الوحدة الوحيدة في الجيش التي لم 
تكن تتحرك إلا بأوامر إمبراطورية. 

أما عن بقاء هيروهيتو في القصر لأوقات طويلة؛ فإن سبب ذلك هو أنه 
كان قد أصدر أوامره بأن يُقام بناء لأركان الحرب الإمبراطورية العليا على 
أراضي القصرء وتلك كانت غرفة العمليات العسكرية للإمبراطور هيروهيتو. 
واحتل هذه الغرفة لأول مرة عشية أحداث الاغتصاب في نانجينج: التي 
اغتّصبت فيها عشرون ألف امرأة صينية: وقّتل في المذبحة أكثر من مائتي 
ألف شخص. وعلى الفورء كاف هيروهيتو الضباط الذين أشرفوا على هذه 





«اللاشيء» المقدس 


العملية الرهيية (التي كان يقودها جنرال من أصهار الإمبراطور). وتُشرت 
شهادات شهود عيان لأحداث نانجينج بعد الأحداث مباشرة: وارتفعت 
صيحات الاستنكار والغضب من كل أنحاء العالم (وفي اليابان نفسها). ومع 
ذلك. وعلى نحو غريب. يُقدم إلينا ساكن القصر على أنه شخص لا يعرف 
شيكًا عما حدث. 

عشية جنازة هيروهيتو الشديدة البرودة. نشرت صحيفة ماينيشي 
شيمبون 511126108 221110111 قصة رجل يسمى أريستيدس جورج لازاروس 
اغآ عتزلهه) ونل1أوسَث؛ وهو ضابط متقاعد منذ مدة طويلة يقطن 
إحدى ضواحي نيويورك. حركت اللحظة ضمير لازاروس؛ الأمر الذي دفعه 
للتخفف مما يثقله بسرد هذه القصة لمراسلين في مكتب الصحيفة في مركز 
روكفلر. لم يكن في ذهنه موضوع كبير برؤية رسمية أو معارضة. كان 
لازاروس ضابطا بحريا ومدعيا غاما عسكريا ضمن الفريق القائوثي في 
محاكمات جرائم الحرب في طوكيو التي أجريت فيما بين 1547 و 19548. 
يتذكر لازاروس أنه عندما بدأت المحاكمات؛ طلب منه أحد المسؤولين في 
حكومة الرئيس الأمريكي الأسبق ترومان أن يبذل محاولة خاصة مع 
الجنرال هيديكي توجوء رئيس الوزراء الشهير لهيروهيتو في وقت الحرب. 
بكائل قي زنزانته في سجن سوجامو 51182770 في طوكيو؛ ويشرح له أهمية 
أن يشبت ارتكابه للجرائم التي سيرد ذكرها في محاكمته. وذلك من أجل 
إنقاذ هيروهيتو وإعادة بناء اليابان تحت ولايته. وفي ذلك كان لازاروس أنه 
قد أدى واجبه دون أن يغيب عن ذاكرته عدم ارتياحه لتلك الأوامر. وكما 
نعلم» علق توجو في حبل المشنقة؛ تنفيذا للتكليف الأخير الصادر إليه ضي 
خدمة الإمبراطور. 

وضع المؤرخون؛ على مدى سنوات طويلة؛ المسؤولية على كاهل توجو. ثم 
جاء لازاروس ليفيدنا كشاهد عيان على هذا الأمر؛ ويروي لنا كيف وضع هذا 
التطبيق. ولكن تلك القصاصة الصغيرة من أوراق التاريخ التي قدمها 
لازاروس: شأنها في ذلك شأن كثير من الأدلة المتعلقة بدور هيروهيتو في 
سنوات الحربء مرت دون أن تحظى في الواقع بأي اهتمام. 

وتلك عادة قديمة: ومن أمثلة ذلك: من بين الوثائق القليلة المهمة عن 
هيروهيتو التي نشرت قبل وفاته: مذكرات سوجي ياما 51181598104 





اليايان: رؤية جديدة 


8 ووهى مجموعة تقارير كتبها رئيس أركان حرب جيش 
هيروهيتو اجيس سوجي - ياماء وشهرته «باب الحمام» كناية عن 
ملامحه الصماء غير المعبرة. كان سوجي ‏ ياما عنتريا عالي الصوت؛ انتهت 
حياته بالانتحار العام 1440. وعلى الرغم من كثرة حركات سوجي - ياما 
المظهرية: فإنه كان يسجل سرا كثيرا من المحادثات التي تجرى بينه وبين 
الإمبراطور وهو يدير دفة الحرب. ومن أكثر ما ورد في هذه السججلات 
دلالة: تأكيده أن هيروهيتو لم يكن فحسب على علم تام بالخطط التي ترسم 
للهجوم على بيرل هاريورء وإنما طلب أيضا في يناير :154١‏ عمل دراسة 
جدوى سرية تلفكرة. كان ذلك مفاجأة مذهلة قمينة بأن تغير فحوى التاريخ. 
ومع ذلك, عندما نشرت مذكرة سوجي - ياما في ذلالاء مرت دون أن 
تحظى بأي اهتمام على جانبي الباسيفيك. 

معروف أن اليابانيين يفرطون في كتابة يومياتهمء والمذكرات اليومية سمة 
ووظيفة لفرديتهم الشديدة الخصوصية. وبالنسبة للسياسيين ورجال 
القصروغيرهم من الشخصيات العامة تعتبر السجلات الشخصية في هذه 
المذكرات نوعا من الحماية التي قد يحتاجون إليها ضي الجو التآمري السائد 
في الدوائر العليا. وتستند غالبية التقارير والقصص التي زويت عن هيروهيتو 
إلى هذه اليوميات ‏ بعد كل ما أجري من عمليات إتلاف وحرق المستندات بعد 
انتهاء الحرب: وهذا على الرغم من كل ما أصابها من تزييف وإعادة صياغة. 
حيث لم يبقَّ الكثير مما يمكن الرجوع إليه. تمكنت التقارير الرسمية عن 
الأحداث؛ والمسودات المشوشة التي كتبها المؤرخون والمساندة السوقية لأجهزة 
الإعلام والميدياء من إثبات وجودها الطاغي على التحديات المشتتة التي لم 
يقربها أحد تقريبا. 

وإلكن بعد موت هيروهيتو تغيرت الأمورء لم يعتل أكيهيتو العرش إلا بعد أن 
كانت قد نُشرت ست من اليوميات الشخصية التي تصف حياة هيروهيتو 
و اهتماماته. وأحيانا كلماته؛ ودوره ضي إدارة شؤون الحكم. وكُتّاب هذه 
اليوميات الستة: ريس وزراءء وسكرتير مجلس وزراء؛ ومسؤول عسكري رفيع 
المستوى: وثلاثة من رجال الحاشية. ولم تكن هذه إلا الأكثر شهرة مما نشر 
من مذكرات بعد موت هيروهيتوء ذلك أنه برحيل الإمبراطور حدثت ثفرة في 
جدار التعتيم. فمن مختلف أركان وأرجاء البلاد.ء شرع الباحثون والمحاربون 





«اللاشي»» المقدس 


القدماء كبار السن والمعلمون وأرامل ضحايا الحرب وبناتهم - شرعوا جميعا 
في عمل البحوث ورجمع المذكرات وتسجيل الشهادات. وسرعان ما أصبحت 
القطرات سيلا جارها. 

وأهم هذه الوثائق قُدُمت على لسان هيروهيتو نفسه. عند بدء الحرب»: 
كان هيديناري تيراساكي 16:25011 111068811 دييلوماسيا يابانيا في واشنطن: 
تدل جميع المظاهر على أنه كان ليبراليا شديد التعاطف مع الغرب. (وإن كان 
يبدو أنه كان جاسوسا بارعاء الأمر الذي يجعلنا نشك في جميع المظاهر). 
بعد الحرب كُلّف تيراساكي بمساعدة هيروهيتو في التعامل مع الجنرال ماك 
آرثر. في تلك في الأثناء كتب تيراساكي مذكرات عرفت فيما بعد باسم 
المونولوج 6ا18400010, وهي سجل للمحادثات التي دارت بين هيروهيتو 
وتيراساكي وأريعة آخرين من موظفي القصر. 

ويعد المونولوج وثيقة متميزة. وإذ كان هيروهيتو في مستهل ١545‏ منشغلا 
بهسموم أن يعتبر مسجرم حرب؛ فإنه جمع عددا من معاونيه لعمل بروقة 
للإجابات التي يمكن أن يرد بها على أسئلة ممثل الاتهام العسكري. واتخذدت 
البروفة شكل توجيه أسثلة والإجابة عليها. وخلال خمس جلسات على مدى 
ثلاثة أسابيع: أجاب الإمبراطور على أسئلة تفطي العشرين عاما الأولى له 
على العرش. وحرر تيراساكي طبعة مختصرة لما حدث في هذه الجلسات 
وتركها لابنته عند وضاته العام .110١‏ نشرت الابنة ما تركه والدها بعد تسعة 
وثلاثين عاما من وفاته - على صفحات مجلة شهرية أولاء ثم بعد ذلك ضي 
كتاب يحتوي على مذكرات تيراساكي الشخصية. 

تعمد هيروهيتو أن يقدم نفسه باعتباره ملكا دستوريا: أي رئيسا شرفيا 
للدولة ليس له إلا نقفوذ محدود على الحكومة والجيش. ولكن كتاب المونولوج 
يقول شيئا مختلفا. هذا هيروهيتوء الملك الإله المحارب؛ الذي يؤكد سلطته 
وإدارته للمؤسسة العسكرية. ها هنا الرجل في قلب اللعبة: ها هنا رجل 
صغير وضيع النفس متورط تماما في مؤامرة الحرب والسياسة. وفي المقدمة 
التي كتبها تيراساكي للمونولوج: لم يتخذ موقفا فيما يتعلق بإدانة هيروهيتو أو 
تحميله المسؤولية: وإنما اكتفى بترك الإمبراطور يعبر عن واقع حاله. 

كان هيروهيتو سليل أباطرة الإصلاح: وإن بطريقته الخاصة. فقد كان 
حريصا على إيقاف تدهور سلطة الإمبراطور ووضع حد لحكم الأحزاب كما 


اليابان: رؤية جديدة 


كانت الحال أيام حكم والده الضعيف. وفي المونولوج يحدد هيروهيتو اللحظة 
التي بدأ فيها ينفن هذا المشروع. في أواسط 9 , بعد أقل من عام على 
اعتلائه العرش, أقال هيروهيتو رئيس وزرائه. وكان ذلك علامة على التحول 
الكامل عن مسار «ديموقراطية تايشو»: وتنصيب حكم على رأسه إمبراطور 
قوي (وسرعان ما يضم جهازا عسكريا فعالا). ومنذئن. عكف هيروهيتو على 
تنفين أحلامه لإقامة الإمبراطورية بحماس متزايد؛ ممارسا تحريك أحجار 
الشطرنج السياسي في الداخل؛ ومتابعا ‏ بالبرقيات الشفرية ‏ تفاصيل 
العمليات والتحركات العسكرية في الخارج. 

واخييراء ثمة صدع من المسعب ةربه في المحتاولات اترسسية التي بذلت 
لتجميل صورة الإمبراطور؛ هو مجافاتها للواقع. تلك مهمة شديدة الصعوبة 
نظرا لثُدرة الأدلة والوثائق. ولن يتمكن المؤرخون الرسميون أبدا من تفسير 
لماذا بذل ماك آرثر ورايشاور وغيرهما من أعضاء لوبي طوكيو كل تلك الجهود 
الخفية لمصلحة هيروهيتوء لو أنه كان حقا ذلك الرجل الذي يصورونه متفرجا 
بعيدا عن الأحداث لا حول له ولا قوة؟ لقد أصبح التاريخ الرسمي بعد 21595١‏ 
أقل ما يكون إقناعا وإلزاما للآخرين؛ وهو يبدو أشد ما يكون ضعفا وخواء. 
وبفضل ما جاء في المونولوج وغيره من الوثائق الجديدة التي أصبحت متاحة, 
أصبح من الممكن رسم صورة تبقىء: للرجل وعصره ‏ صورة حقيقية تصمد في 
وجه محاولات تفييرها. 

قبل شهر من موت هيروهيتو: اقترح هيتوشي موتوشيما أداقما1!؟ 
ناه عمدة ناجازاكي؛ في خطاب له أمام مجلس المدينة؛ أنه قد 
آن الأوان لكي يتخفف اليابانيون من عبء الحساسية المفرطة تجاه موضوع 
ذنوب الإمبراطور. على الرغم من أن موتوشيما كان كاثوليكي الديانة طيلة 
حياته؛ وكان حينذاك في السابعة والستين من عمرهء فإنه كان 
يابائنيا صميماء بل كان طيلة حياته السياسية عضوا في الحرب 
الديموقراطي الليبرالي أيضا. في معرض الإجابة عن أحد أسئلة أعضاء 
المجلس؛ قال موتوشيما: 

لقد انقضى ثلاثة وأريعون عاما منن نهاية الحرب؛ واعتقد أنه تيسر لذا وقت كاف للتفكير شي 
طبيعة تلك الحرب. ومن قراءاتي لما كتب في الخارج وما كتبه المؤرخون اليابانيون ومن واقع خبرتي 


في الخدمة المسكرية أعتقد أن الإمبراطور يتحمل مسؤولية الحرب بالفعل. ولكن شاءت إرادة 





«الناشيء» المقدس 


الأغلبية العظمى من اليابانيين والقوات المتحالفة أيضا أن يعفى الإمبراطور من تحمل نتائج تلك 
ا مسؤولية ليصبح رمرًا للدستور الجديد. وفي رأيي أننا يجب أن نظل متمسكين بهذا الموقف. 

أفصح موتوشيما عن ملاحظاته تلك بتواضع يوحي بأنها من قبيل النتائج 
التي تم التوصل إليها سافا. والحق أن الأمر كان كذلك في نظر الكثيرين. وكل 
ما في الأمر هو أن موتوشيما نطق علنا بالحقيقة التي لا تقال جهرا. وتدفقت 
إلى بلدته الساحلية الجبلية حشود ممثلى الميديا الرئيسية يتساءلون عما دفعه 
إلى أن ييوح بهذا المنطوق. كما احتشد أعضاء عشرات الفرق والطواكف 
اليمينية المتطرفة تسد الشوارع والطرق» مطالبة إياه بالاعتذار واستنكار ما 
قال؛ والاستتابة من الخطأ في حق الإمبراطور الإله. ولم يلبث أن جاء المشهد 
الختامي بعد عام في شكل دنيوي خالص: حيث تمكن أحد المتطرطين 
اليمينيين من إصابته إصابة كادت تودي بحياته» برصاصة نفذت من رئتي 
العمدة المسن. ١‏ 

جاء حادث إطلاق النار على موتوشيما مؤشرا إلى أن اليابان ما تزال 
مكانا غير آمن ‏ وأن قُوى يمينية تُبعث كامنة تحت السطح مباشرة. غير أن 
الأحداث الواقعية كشفت عن أشياء أخرى. إذ كان موتوشيما بعد خطبة 
المجلس مباشرة قد أصبح بطلا. ووصله أكثر من سبعة آلاف رسالة تؤيد 
وجهة نظره. وخلال بضعة شهور وقَّع حوالى أربعة آلاف من المواطنين على 
عرائض تدعم حقه في التعبير عن آرائه. ويمكن أن نحسن فهم حادث 
إطلاق الرصاص الذي أعقب ذلك كاندفاعة حنين لزمن مضىء كاستثناء 
يثبت قاعدة جديدة. 

نشر موتوشيما الخطابات التي وصلته في وقت لاحق. وكانت في جملتها 
شهادة حية على المشوار الذي قطعه اليابانيون منذ أن كانوا يجبّرون على عبادة 
الإمبراطور. كما كشفت هذه الخطابات عن صدع قاتل آخر في عملية تجميل 
صورة الإمبراطور. وكانت دلالة على ما يكنه لوبي طوكيو من احتقار لليابانيين 
العاديين؛ إذ تصور أعضاء اللوبي أنهم يستطيعون إعادة تعليب القائد الأعلى 
للقوات اليابانية وبيعه لرعاياه السابقين كرجل سلام ضعيف. الحق أن اللوبي 
بالغ في تقدير قدرته على استغفال الناس. ثبت أن عددا كبيرا جدا من الناس 
كان يعرف هيروهيتو واليابان التي خاضت الحرب على حقيقتهما؛ ولم تكن 
الرسائل التي كتبها عدد قليل منهم إلا نوعا من الجزاء أيضا. 





اليابان: رؤية جديدة 


ومن الوثائق التي نُشرت قبل موت هيروهيتو أيضاء يوميات كويشي كيدو 
0 أاوذه>1: وهو حامل أختام القصر في أثناء الحرب: وهو أرستقراطي 
وصديق للإامبراطور منذ الطفولة؛ وأقرب مستشاريه. وكانت أجزاء من 
يوميات كيدو قد تشرت على فترات بدءا من 1546. وقد احتوى الجزء الذي 
نشر العام ١941/‏ على مذكرة سريةء موجهة إلى هيروهيتو من كيدو: يستحث 
فيها سيده على التنحي. وكان ذلك في أواخر العام ١56١‏ . قال: 

إن لم تتنح فإن النتيجة النهائية هي أن العائلة الإمبراطورية هي وحدها التي ستعفى من 
المسؤولية. وسيترتب على ذلك استمرار حالة من البلبلة وعدم التيقن:؛ الأمر الذي أخشى أن يتسبب 
في إحدداث جرح لا يندمل. 

والحق أن كيدو كان بعيد النظر. فقد استمرت حال البلبلة وعدم اليقين 
طيلة ما بقي من عمر هيروهيتو. وهي ما تزال حتى يومنا هذا تتجلى فضي 
الإصرار على رفض القادة اليابانيين الاعتراف بما حدث ضي الماضي. وسنرى 
إن كان الجرح القديم الذي أصاب العرش سيظل باقيا أبدا. ولن تأتي الإجابة 
عن هذا التساؤل إلا عندما تقرر اليابان الرسمية الاعتراف بحقيقة ما حدث 
أمام كل العالم. 

قام اكيهيتو بثلاث رحلات إلى الخارج في أثناء سنوات الحكم 
الشلاث التي أعقبت اعتلاءه العرش ‏ وكل من هذه الرحلات معتنى 
بضبط معاييرها وأداتها. في رحلته إلى جنوب شرقي آسيا والصين» 
حيث لم يسبق أن ذهب أي إمبراطورء اقترب أكيهيتو من التعبير المباشر 
عن الاعتذار عن سنوات الحربء أكثر بكثير مما فعل أبوه. وفي رحلة 
لاحقة للولايات المتحدة؛ عاد الإمبراطور والإمبراطورة للصورة التي كان 
يفضلها أكيهيتو عندما كان وليا للعهد: ملابس بسيطة فضفاضة 
ومحادثات ودودء وتناول العشاء مع جو ديماجيو 10112188810 106. وضي 
ذلك كانت الرسالة التي بعث بها أكيهيتو إلى مواطنيه واضحة الدلالة: 
نحن الآن في عصر جديد: وهذه يابان جديدة: يابان يلقى إمبراطورها 
القبول من الآخرين. 

غير أن الاعتذار الذي طال انتظار بقية بلاد آسيا له لم يأت قط. كما أن 
أي عشاء مع أحد تجوم البيسبول لا يمكن أن يعوض قط عن قرار مفاجىٌ 
اتخذته طوكيو فيما بعد بإلغاء زيارة كان مقررا أن يقوم بها الإمبراطور 


«الناشييء» المقدس 


والإمبراطورة إلى بيرل هاريور في 159١‏ بمناسبة الذكرى الخمسين 
للهجوء!*). وهكذاء فإن الدرس المستخلص من هذه الرحلات الثلاث ليس 
خافيا أيضا؛ وهو: أي محاولات لتجميل الصور والمظاهر لا يمكن أن تعوض 
عن كتابة صادقة للتاريخ. 
000 

إن عادة التفكير في الماضي كتسلسل لعصور أباطرة؛ تذوي بالتدريج. 
مثلها في ذلك مثل التأريخ وفقا لتقويم جنجوء فكلاهما إشهار للحالة 
اليابانوية» لأن كليهما يعتبر أن الإمبراطور هو الكائن الذي تتمحور 
حوله اليابانوية (أو حالة كون الناس يابانيين). وأكشر اليابانيين تحذلقا 
يعتبرون الانتقال من عهد إلى عهد نقطة مرجعية تاريخية. بعد أشهر 
قليلة من دفن هيروهيتوء: دعت هاناي موري 14011 22036 إلى مأدبة 
عشاء بمناسبة مرور هلا عاما لها كمصصمة أزياء. كانت قد وصلت 
لتوها من مقرها الأساسي في باريسء وكانت تبدو كشأنها داكما رشيقة 
ومثيرة. وكانت تبدو فرنسية أكثر منها يابانية. ولكن كلماتها كانت مثيرة 
للدهشة؛ أعلنت لضيوفها: «لقدانتهى عصر شوا ‏ آن الأوان لأن أعيد 
تقدير ذاتي». 

كان من بين الحجج التي تذرع بها الجنرال ماك آرثر لحماية 
الإمبراطورء تحذيره من «اضطرابات عنيفة في صفوف الأمة اليابانية» 
إذا أدين الإمبراطور كمجرم حربء «إذا قضيتم عليه. فستتحلل الأمة 
اليابانية»؛ هذه كانت نصيحته لواشنطن. وتلك آراء موضع شك كبير: 
فريما لم تكن لتحدث أي اضطرابات: أو ربما كان اليابانيون يرحبون 
بمثل هذه الاضطرابات. ولكن المؤكد أن قرار واشنطن الإبقاء على 
الإمبراطور ومساندته قد ساعد على تأخير مولد الإحساس بضرورة 
التعددية وتوسيع مفهوم اليابانوية: لمدة لا تقل عن خمسة وأربعين عاما. 
هكذاء كان موت هيروهيتو بمنزلة انفراجة نفسية كبيرة لليابانيين» وهي 
انفراجة فيها مشابهات لتلك التي ولدها الاستسلاء!**). إن تنوع الأفكار 
والانفتاح فيما يتعلق بالهوية الوطنية كلاهما غريب على اليابانيين: 
(*) الهجوم الذي شنته اليابان لتدمير الأسطول الأمريكي هناك؛ وبدء حرب الباسيفيك (المترجم), 
(**) القصود استسلام الجهاز العسكري الياباني إثر هزيمته في الحرب العالمية الثانية (المترجم). 












اليابان: رؤية جديدة 


لا لسبب إلا لأنهما كانا محظورين منذ القدم. وإن لم أكن مخطتاء فإن 
مدام موري لم تكن تشعر بالحزن لموت هيروهيتوء بقدر ما داخلها شعور 
بأنها تتجدد . 

لم يعد التغلب على التأثيرات السلبية لنظام الإمبراطور يعني التخلص 
منه. فقد تجاوزنا تلك اللحظة منن وقت طويل. وإنما يتطلب الأمر تفيير 
مركز الإمبراطور بين اليابانيين. وكان توصيف هيروهيتو في دستور ما بعد 
الحربء كمجرد رمزء هو تحديدا صارما لدور الإمبراطور. ومع ذلك تمكنت 
إدارة التقتصر الإمبراطوري (كونايشو).» بالتواطؤ مع النخبة الحاكمة؛ من 
التلاعب بالمسار لتبقى الأمة محاصرة: والأخرون مستبعدين. وهكذا ظل 
هيروهيتو حتى آخر أيام حياته الحاجز الياباني الأخير في وجه كل ما هو 
وارد من الخارج. 

ولكن؛ ماذا يوجد فضي جعبة أكيهيتو ليملأ الفراغ الذي حدث الآن؛ بعد 
أن تحول الفراغ المقدس أو «اللاشيء المقدس» إلى: لا شيء مقدس8؟ 
الثابت أنهء على الرغم من أن والده وجده ووالد جده: بدأوا حكمهم 
جميعا كرواد للحداثة. فإنهم فشلوا جميعا بدرجات متفاوتة في الوفاء 
بما وعدوا في البداية. ويواجه الإمبراطور الجديد الفرص نفسها 
والمخاطر نفسهاء؛ كان يمكن تصور أن الإمبراطورء في أثناء الفترة 
الانتقالية. سيسمح لليابانيين بأن يرفعوا الحصار القديم عن أنفسهم, 
وأن يهدموا بعض ما بناه أسلافه من قيود . هذا على الأقل ما وعد به. 
كان يبدو حريصا على أن يقيم نظاما ملكيا بورجوازيا بديلا عن أقدم 
نظم الملك ‏ الإله في العالم. ولكن نجاحه ضفي إنجاز هذه المهمة الطموح 
يتوقف على الطريقة التي يتجاوب بها عندما يشرع اليابانيون في إعادة 
كتابة تاريخهم وتصحيحه. ومما يلفت النظر كثرة الإشارة إلى بريطانيا 
في أثناء فترة اعتلاء أكيهيتو للعرش: فبريطانيا مثلها مثل اليابان دولة 
جزر؛ وهي تشبه اليابان أيضا في أنها ليست ولوعة بالأجانب. كذلك ضي 
بريطانيا نظام ملكي يحمل كثيرا من آثار الجروح القديمة: الجروح 
الإمبراطورية؛ ولكنها تمكنت من مواصلة الحياة. 

في أحد أيام السبت من ديسمبر :»159١‏ ركبت القطار فائق السرعة 
المتجه إلى كيوتو. لم يكن يفصلني عن موعد وصول أكيهيتو وميشيكو, 





«اللاشيء»> المقدس 


إلا بضع ساعات. اللذين كانا قد سبقا لقضاء نهاية الأسبوع في كيوتو 
جوشو (القصرالإمبراطوري القديم). في اليوم السابق كانت قد انفجرت 
قنبلة, (تحية ومجاملة من عصبة القلب المركزي) هادمة جانبا من جمعسر 
الطريق الذي سيسير فيه موكب السيارات الإمبراطورية. ولكن الإميراطور 
والإمبراطورة وصلا بسلام. وفي كيوتو ‏ التي كانت مقرا للأسلاف 
الكثيرين الغامضين المسلوبي السلطة للإمبراطور أكيهيتو ‏ كان من المقرر 
أن تجرى آخر المراسم التي بانتهائها تكون عملية الانتقال الإمبراطوري 
قد اكتملت. 

في الصباح التالي؛ وكان يوم أحد خريفيا شديد البرودة: كان 
تلفزيون كيوتو منشغلا بإذاعة عروض كلامية لتغطية أحداث صعود أول 
ياباني إلى الفضاء الخارجي؛ وهو مراسل لإحدى محطات البث؛ دفعت 
شبكته مبلغ ١١مليون‏ دولار للروس مقابل مقعد في مهمة فضائية 
علمية. وعند الظهيرة ذهبت إلى القصر في سيارة أجرة: لأجد نفسي 
وحدي: حيث لم يكن ثمة إلا قوات آمن وحراسة عند مدخل القصر. 
وضي فندق بالاس سايدء القائم عند الحدود الغربية للحدائق المحيطة 
بالقصرء سألت الاستعلامات عن الطريق الذي سيسلكه الإمبراطور, 
فلم يكن هناك من يعرف. وعند الغداءء. مسألت طالبين يجلسان إلى 
المائدة المجاورة. فهزا أكتفاهما بلا مبالاة. انصرف أحدهما ثم عاد 
ليقول: «الطريق المقابل». 

فسألت: «الطريق الشرقي5» 

انصرف ثم عاد ثانية ليقول: «لاء الطريق الجنويي!» 

وبعد الثانية مساء بقليل: بدأت الشرطة تشد حيلا سميكا من 
النايلون بين أعمدة الإضناءة على الطريق الجنوبي. وعلى مدى الساعة 
التالية تكاثر الناس الذين تجمعوا إلى أن شكلوا صفين أو ثلاثة ليصل 
مجموعهم ربما إلى ألف شخص. اعتنت الشرطة بتنظيمنا كما يعتني 
الراعي بقطيعه. لكي ينشروا الصفوف بنظام على طول الحبل الحاجز. 
ثم توقفت حركة المرورء وفي الساعة 0؟, ', أي بعد خمس وعشرين 
دقيقة من الموعد الرسميء مرت السيارة الملكية. وهي ليموزين سوداء 
يابانية الصنع تحمل الإمبراطور والإمبراطورةء وتسير بسرعة لطيفة. 





اليابان: رؤية جديدة 


وندت عن الجمهور تنهدات مسموعة: وتعالت صيحات قليلة متفرقة: 
«بانزاي!» ورأيت اليد اليسرى للإمبراطورة ميشيكو وهي تلوحها بوهن 
في قفازها الرمادي بلون الحَمّام. ولم تلبث أن غابت السيارة الليموزين 
عن الأنظار بعد أن عبرت بيوابات القصر. 

انتهى كل شيء في أقل من دقيقة. استرخى رجال الشرطة: وبدأوا 
يترثرون. تركوا البوابات الخشبية الحائلة العالية مفتوحة: ونشروا حواجز 
حديدية متحركة مدهونة باللونين الأسود والأصفر أمام البوابات. وبعد بضع 
دقائق تفرق الجمع: وانتهت تلقائيا عملية الضبط والربط التي كانت مفروضة 
طيلة الساعتين السابقتين. وتحرك الناس في كل اتجاه كقطيع تشتت. كان 
الغسق يقترب؛ والإمبراطور الرمز يقر في بيت أسلافه. 








"9 


للم 


نحن غارقون حتى العنق في .. 


الشقافة الغربية, ولكننا 
غرسنا بذرة ضكيلة. وبمثل 
ما تضرب البذرة بجذورها 
في الأرض وتنموء فإننا 
نشرع في إعادة خلق 
أنفسنا. 

كنزابوروأو 


فى المحادثة, !189 أ 


الحلم المستسر 


يسكن يوشيرو كاتو غ13 منتطوه11آ محاطاء 


: هو وزوجته كازوكو معلناتة>1, بلوحاته أعلى بناية 


مهجورة من بروكلين. تقع البناية في مواجهة 
صف من أرصفة الشحن المهجورة: وأفق ترتسم 


. عليه الظلال الداكنة لأبنية مانهاتن الساحلية. 
وهو رجل نحيلء؛ ذو وجه متغضن متوتر الملامح 
وشعر أشيب يتدلى إلى كتفيه. وفطي منتصف 


جمجمته بقعة صلعاء مستديرة. وبالمعاير 
التقليدية: يتملك كاتو نوعٌ من الخيال الدنس. 
كان كاتو فى ستينييات القرن العشرينء على 
رأس جماعة عرفت بإقامة ما كانوا يسمونه 
«الاحتفاليات»»: وهو ما كان يعرف في اللغة 
الدارجة الأمريكية حينذاك ب «التقاليع 
الفاضحة». كان أعضاء الجماعة يرتدون بدلا 


زرقاء مما يلبسه رجال الساراري» وأقنعة بلا 


عيون أو ملامح معبرةء مثل وجوه التمائيل 
الإغريقية. في واحدة من تلك التقاليع الفاضحة 
كان أعضاء الجماعة يجثون عندمدخل مزدحم 





اليابان: رؤية جديدة 


لإحدى محطات مترو الأنفاق ويخلعون ملابسهم تماما وهم يطوفون حول آلة 
ميكانيكية للاستمناء (من اختراع كاتو). وفي عرض فاضح آخر؛ كانوا يلفون 
امرأة عارية تماما في ثوب بلاستيكي شفافء ويحملونها على الأعناق 
ويجتازون بها عريات خط مترو يامانوتي. وهو خط المترو الداكري حول مدينة 
طوكيو. 

ماذا كان موضوع تلك العروض الفاضحة؟ الخيال الجامح والنزوات 
والشهوات. كما هو واضع: والنساء؛ وهي موضوعات ما تزال واضصضحة في 
أعمال كاتو. ويقدم كاتو تفسيرا لما كان يفعله في أثناء الستينيات؛ فيقول إن 
تلك العروض كانت نوعا من التعبير عن المحاكاة اليابانية البائسة والمهينة 
لأمريكا بعد الحرب. كان التصنيع والهلع الاستهلاكي يجعلان من اليابان 
«مكانا شبيها بسفينة خضاءء لا يصلح لسكنى الآدميين». كانت اليابان تفقد 
تقاليدها القديمة التي لم تكن تفصل الناس عن الطبيعة. ولو كانت هذه 
المدينة قطاراءعلى حد قوله: لقفز خارجه. يقول: «كان التجرد من الملابس 
يعني تبذ ما هو غربي؛ لأجعل من نفسي ممثلا للطبيعة. وإذ كنت أقدم إبداعا 
ضنياء طإنني أستخدم بدني لإبداع الطبيعة نفسها». 

كانت اللوحات التي تزدحم بها الجدران في مسكن كاتو مثيرة للدهشة 
والعجب: خيال سريالي مع عربدة لونية؛ فيها نساء جالسات,؛ واقفات.؛ أو 
نائمات: أحيانا عاريات: وأحيانا في الكيمونو. أحيانا في الشوارع: وأحيانا 
أخرى في مطابخ حديثة أو غرف تقليدية. ثلاثون عاما تفصل بين العروض 
الفاضحة وتلك اللوحات؛ ولكن من دون تغيير يذكر. فما يزال كاتو يتمسك بما 
يبدو أنه أقصى درجات الرفضء وإن اختلفت الوسيلة: ما يزال يحتج على 
الطريق الذي اختارته اليابان» وينعى اليابان التي خسرها : يابان ما قبل 
الميجي وما قبل السامورايء اليابان التي كانت يوما ماء على حد تعبيره: «بلدا 
تلنساءء بلدا كان الرجال والنساء فيه أحرارا». كذلك انتهت الفكرة القديمة 
عن الإنسان في الطبيعة؛ ويقول كاتو إن هذه الفكرة قد تلاشت هي الأخرى, 
واصيئسث النساء تير علن أن يُصيرن رخالاء مكنا بينقاطة . ١‏ 

تعرض إحدى اللوحات سيدة تجلس خارج باب أحد البيوت التقليدية؛ وهو 
بيت ليس له داخل: قفي الداخل لم يكن ثمة شيءء اللهم إلا بيتا آخر وسماء 
أخرى زرقاء قوق السطح. وسحابة أخرى إلى أحد الجوانب. وبينما أتأملها 





الحلم الميتسر 


قال كاتو: «لم يعد لليابانيين أعماق لا شعورية, لا قلبء ولا عقل؛ لم يبق إلا 
الظاهر. لم يبق إلا الشكل الخارجي». 

قد يبدو عجيبا أن أبدأ هذا الفصل عن الثقافة اليابانية من فوق سطوح 
بيت في بروكلين؛ وحكاية عن فنان كُتب عليه أن يظل غير معترف به؛ (سواء 
أكان هذا ما يستحقه آم لا)» لأن مفعول الصدمات التي كانت تحدثها 
خروضة!الماتحة انين منة ستوانههدة .شير أن الجازان كذفت كقيرا من 
الفنانين الذين عاشوا في المنفى منذ /185. وعندما سألت كاتو عن سبب 
مجيئه إلى أمريكاء أجاب: «لا يستطيع الناس أن يكتشفوا حقيقة هويتهم 
وهم يمعنون النظر في الآخرين وليس في أنفسهم. ولا تستطيع أن ترى 
نفسك وآنت في اليابان». 1 

كنا كنا ين 

قد يبدو أن رؤية المرء نفسه مهمة بسيطة؛ ولكن تلك كانت أكبر هموم 
الإبداع الفني طيلة العصر الحديث. هكذا كان الأمر مع كل المثيرات الأخرى 
في عصر الميجي: في التعليم والسياسة والعادات الاجتماعية لبلد يحاول 
تحديث نفسه. ولكن لا توجد معايير مقبولة, ولو ظاهرياء يمكن الرجوع إليها 
لقياس مدى نجاح المرء في رؤية نفسه: التي ما كانت تستطيع أن تنتج 
مؤسسات أسيء اقتباسهاء أو نوايا أسيء توجيههاء كما حدث مثلا في التعليم 
والسياسة. أما الفن والأدب فقد كانا بحاجة إلى ثورة أصيلة؛ فأى شيء دون 
ذلك لا يصلح. كان على الكُنَّاب والفنانين أن يستكشفوا الاستقلالية التي 
يتطلع إليها ويلمحها الناس العاديون دون أن يتمكنوا منها. فإن لم يتمكن 
الأدباء والفنانون من ذلك. فإنهم لن يكونوا أدباء أو فنانين؛ ولن يكون إنتاجهم 
إلا افتعالا وتزييفا. وتلك حالٌ ما تزال معالمها واضحة حتى يومنا هذاء فأن 
يرى الإنسان نفسه ما تزال مهمة لم تتحق حتى الآن؛ إلا نادرا . لثُلق نظرة 
على اللوحات والتماثيل والأضلام التي ينتجها اليابانيون: كم هي تنويعات على 
الأنماط والموضات الغربية. مفرغة من أي رؤية ملهمةء ولا حياة فيها؛ مثلها 
في ذلك مثل الأشعار التي كان ينتجها المثقفون المقلّدون لكل ما هو صيني في 
القرون الخالية. 

في 71 استعانت طوكيو بفنان أكاديمي إيطالي اسمه أنطونيو فونتانيزي 
أكك14101ا0] مأصماك : ليقوم بتدريس التصوير الزيتي للدفعة الأولى من المصورين 





اليابان: رؤوية جديدة 


اليابانيين. كان فونتانيزي ينتهج في أعماله أسلوب بارييزون 5:16 دمعلطنة8, 
ويحبّن تصوير المناظر الخارجية من الطبيعة مباشرة. وذات مرة كلّف تلاميذه 
بالنزول إلى المدينة لعمل اسكتشات. فلما عادوا في اليوم التالي إلى أستاذهم 
كانت أوراقهم بيضاء. قالوا إنهم لم يروا شيئًا يستحق الرسم: لا معبد ولا خلوة 
ولا رواق» ولا فرع شجرة مزهرء ولا سرب أوز على صفحة الثلج الهابط من 
السماء. روى هذه القصة المصور شو آساي 4591 0110): الذي أصبح من الفنانين 
المرموقين لعصر الميجي. ولابد أن آساي رأى في هذه القصة الشيء الأساسي 
الذي كان يفتقده: الشيء الذي كان يتعذر عليه التقدم من دونه. ولابد أنه أدرك 
أن فونتانيزي ما كان ليستطيع أن يعلمهم هذا الشيء. وذلك هو مغزى هذه 
القصة: كانت مدينة طوكيو غنية بالفعل: هكذا عاتبهم واستحثهم الأستاذ. 
ولكنهم كانوا عاجزين عن رؤية هذا الثراء؛ ذلك أنه لكي تستطيع أن ترى العالم» 
يجب أولا أن ترى نفسك. وأن تفهم مكانك فيه. 

كان شو آساي وزملاؤه الطلبة يدرسون التقنيات الغريية؛ كما يدرس 
المهندسون تقنيات الحديد المصهورء وكما يدرس الأطباء علوم الصحة الغربية. 
كانوا يتعاملون مع مشكلات ميكانيكية (فرشاة الزيت: القماش المشدود؛ خواص 
الألوان الزيتية)؛ كما يتعاملون مع مشكلات تتعلق بالشكل (الضوء الداخلي؛ الكتلة 
والفراغ). غير أن المهمة الأكثر صعوبة كانت تكمن في مستوى أعمق؛ فال مهندس 
يستطيع أن يبني جسرا حديديا وفقا للشعار الميجي «الروح يابانية والأشياء 
غربية». كذلك استطاعت الفئة الحاكمة أن تقيم صرح البناء السياسي. ولكن 
شعار «الروح يابانية والأشياء غربية) (واكون يوساي)؛ يصعب تطبيقه على 
الفنون» ضعملية الإبداع الفني تضع الفنان في تعارض تام مع مثل هذا الشعار. 
وليس معنى ذلك أن المصور أو الشاعر أو الرواكتي يجب أن يتخلى عن يابانيته, 
أبدا. إنما عليه أن يكتشف شيئًا آخر مختلفا عن التقاليد المتضمنة في مصطلح 
«الروح اليابانية». فعليه أن يكون غنانا قبل أي شيء آخر. وهذا هو السبب في أن 
الثقافة كانت؛ وإن جزتئياء مشكلة سياسية منذ الإصلاح الميجي؛ وضي أن عملية 
الرؤية العادية أصبحتء على نحو ماء نوعا من الخطيكة. 

فماذا كانت التقاليد؟ ماذا كانت مكونات الفن قبل بداية العصر الحديث؟ 
الإجابة شديدة التعقيد؛ ولكن إن أردنا التبسيط لقلنا إنه الشكل فقطء؛ الشكل 
الشنية الكادق صغرها نين [الضمون. هيم أئة مع أهناية جحفية إدى كانت 





الحلم الميتسر 


ثقافة شعبية مفعمة بالحيوية قد بدأت تنمو وتتطورء من النوع المألوف لدينا 
اليوم في أعمال الطباعة التي أبدعها يوتامارو وهيروشيجي وهوكوساي. أما 
طباعة الكتل الخشبية والمسرح الشعبي امُسُتمد من وقائع الحياة اليومية, 
فإنها كانت جزءا من التقاليد الصغرىء لا من التقاليد الكبرى. وكانت حفلات 
الشاي وغيرها من فنون الساموراي هي الأنماط الأساسية؛ ولا يطلب فيها 
من المرء إلا إتقان الحركات التي كانت تؤدى في الماضي. كان فن التصوير 
يعني الالتحاق بمدرسة معينة؛ والتعلم من السيد الأستاذ كيف يميد الفنان 
إنتاج المناظر المأخوذة من التقاليد الصينية. والشيء نفسه يسري على الشعر, 
فالقصيد الكامل من نمط هايكو ن12[1!: المكون من ١1‏ مقطعا في بحر من 
السكون: كان أشبه برسم تجريدي مطرز في كيمونو حريري فاخر. والعناصر 
الأساسية لمسرح «نوه» هي الوجوه المقنعة؛ والبلاغة الطنانة؛ والحركات 
المرسومة التي يكاد يعجز عن تأديتها البشر. وترجع أصول الرواية اليابانية 
إلى القرن الحادي عشرء حيث كانت حكاية جنجي (جنجي مونوجاتاري 
دادع مهه81 أزد) هي أول رواية في العالم. ولكن شخصيات سرد ما 
جرى (وذلك من مرادفات عنوان العمل نفسه) كانت شخصيات مسطحة: 
مشكّلة من عروض لأعراف مستعادة: ولا توجد حبكة. والناقد كوجين كارتاني 
على حق إذ يقول: «إن مونوجاتاري نمط يُقلد ويتكرس لا أكثر ولا أقل». 

ولولا أن هذه الأعراف امتدت بها الحياة زمانا أكثر مما يجبء لكان بينها 
وبين غيرها من فنون ما قبل العصر الحديث مشابهات كثيرة. فهي لا تعكس 
أي وجهة نظرء ولا تعبر عن أي تجربة فغردية ذات فاعلية أو قدرة على 
التغيير. وبمصطلحات الفنون التشكيلية: إنها تفتقد البعد الثالث؛ أو المنظورء 
وليس المقصود بالمنظور هنا نوعا من مهارة الرسامين أو أسلوبا من أساليب 
التصميمء وإنما المنظور باعتباره عملية استكشاف سيكولوجية. إن تصويرا 
بالفرشاة والحبر ليس إلا تشخيصا تسطيحياء إنه فكرة عن الشيء؛ أكثر من 
كونه معالجة تشخيصية للشيء. إنه لا يقول ضمنيا: «أنا أقف هناء وهذا ما 
أراه». فالفنان لا يعنيه أين يكون؛ فهو مجرد ناسخ: فهو قد يرسم أوزة في 
الثلج؛ ثم يُكرّم ويبحصل على جوائز لتميزه وإتقانه؛ دون أن يكون قد رأى أوزة 
في حياته . ومثل هذه الأعمال لا تفتقر فحسب إلى المنظور والرؤية؛ وإنما 
يغيب عن صانعها أيضا العالم من حوله كإطار مرجعي. 





اليابان: رؤية جديدة 


ومما يدعو إلى الدهشة حقا السرعة التي بدأ بها الفنانون طريقهم إلى 
الحداثة, وهو مشوار قطعه الغرب في قرون. بد؟ الشعراء يخطون قصائدهم 
من الطبيعة؛ ويكتبون عن عمال المصانع وعن الشوارع العطنة في المدينة. 
ورحل شو آساي وغيره من تلاميذ فونتانيزي إلى مستعمرات الفن الفرنسية 
وعادوا ليصوروا زارعي الأرز الكادحين: ونساء يقرأن الصحف بطريقة تعبر 
عن الانفعال الجديد والنشوة بالهواء الطلق. فماذا يمكن أن يكون أكثر 
مناهضة وتحديا للتقاليد من الطبيعة مقدمة برؤية الفنان نفسة؛ جرى 
إبداعها في داخل هذه الطبيعة نفسها؟ 

ليس من الصعب أن نكتب سيناريو الأحداث التي تشابعت مع انفجار 
المشهد الثقافي. كان الفنانون الجدد هم الذين طرحوا بحدة. أكثر من 
الآخرين:؛ الأسئلة التي كانت من قلب اهتمامات العصر: ما الصورة التي 
سيكون عليها اليابانيون المحدثون؟ وأي نوع من الفردية تميزهم”؟ وهل 
سيرحبون بها أم سيقمعونهاة ولما كنا قد اكتشفنا كيف جاءت الإجابة عن هذه 
الأسئلة: فإننا لن نعجب كثيرا للعداء الثقاضي للأجانب الذي أعقب الحماس 
الأول الذي قوبلت به الحداثة في القرن التاسع عشر. بل إن رد الفعل هذا 
كان له نظيره الغربي. بعد عامين من وصول أنطونيو فونتانيزي إلى طوكيو, 
وصل إرنست فينولوزا 1620110858 ]1310265 إلى طوكيو؛ وهو خريج حديث من 
هارفاردء لتدريس الفلسفة. لم يلبث طينولوزا أن أصبح أحد متعهدي الفن, 
وقام بجهد كبير لترويج الموضات اليابانية (جابونيزم) التي افثّتن بها الغرب 
في أواخر القرن التاسع عشر. وروج فينولوزا لفكرة إغلاق الأبواب ضي وجه 
«لعنة الفن الغربي». حيث يجب ألا يقف شيء عائقا في وجه استمرار 
اليابانيين في إنتاج فنهم وحرفهم الفنية. كما كانوا يفعلون دائما. 

ذهب فينولوزا إلى أنه يجب المحافظة على هن التصوير الياباني «التقليدي 
الحقيقي»؛ لكي تبزغ من اللقاء بين الشرق والغرب صيغة تجمع بينهما لتخلق 
فن المستقبل. وأعلن فينولوزا: «إن أعظم عبقرية فنية تعصر الميجي» كان أحد 
مصوري اللفاكف المنسيين؛ يربي دود القز ويزخرف الأواني الخزفية؛ في 
الوقت الذي تقدم فينولوزا لإنهاضه وإعادته إلى النشاط. وإنه لأمر طيب أن 
يكتشف المرء قيمة في تقاليد فنية كان اليابانيون يتعجلون نبذهاء ولكن من 
غير المقبول أن يترتب على ذلك افتراض ضرورة أن يوصد الفنانون اليابانيون 





الحلم المبتسر 


عالمهم على أنفسهم. كان فينولوزا مستشرقا بكل معنى الكلمة؛ وهو الذي قام 
فيما بعد ببناء ورعاية مجموعة الأعمال الفنية اليابانية الشهيرة في 
متحف بوسطن. وظل يدعو إلى فكرة أن تواصل اليابان سيرها إلى الأمام 
ببوصة الحبر والحرير. 

تمكن فينولوزا من أن يجعل الفن الياباني يعي ذاته. لم يظهر مصطلح «نيهون 
جا 11100-50» (فن التصوير الياباني) إلا بعد وصول التأثيرات الغريية. وإد 
جمع فينولوزا الفن التقليدي الياباني بتقنيات غربية مختارة بحذر؛ فإن الثمرة 
الناتجة كانت هزيلة؛ وهي التي أطلق عليها اسم «التصوير الياباني الجديد». وإذ 
كان هذا الأسلوب غير معروف خارج اليابان» فإن ذلك يرجع إلى أنه ولد ميتا. 
كان غير متجاوب مع المحيط والموضوع بعيدا عن الإيحاء بأي نفحة إبداع ٠‏ وعلى 
كل حال؛ لم يفضٍ «التصوير الياباني الجديد» إلى شيء: إذ سرعان ما تكفل 
القوميون المتشددون الرجعيون بتنحيته؛ حيث تملكهم الذعر من أن يفقد 
اليابائيون الصلة بعالمهم الروحي وبالروح القومية اليابانية (الكوكوتاي). لم تختف 
التأثيرات الغربية أبدا؛ ولكن الفنانين الذين أقدموا على استكشافها تم إقصاؤهم 
كمعارضين للثقافة «الرسمية» على امتداد العصر الحديث كله أو معظمه. لم يكن 
القوميون المتشددون ليعرفوا الطريق الوسط. ضالفن والثقافة يجب أن يسايرا 
الأيديولوجياء وكلها أدوات في يد الدولة. 

كانت ردة 3 الفعل ضد الثقافة الغربية نتيجة استفزازء وإن بقدر. كان كُتَّابٍ 
عصر الميجي وفنانوه قد وخزوا كبرياء القوميين» ووقعوا في واحدة من أكبر 
أخطاء عصرهم. حين ذهبوا إلى أن كل ما جاء به الغرب أرقى مما كان في 
اليابان. ولو أن هذه الفكرة لقيت قبولا لألقى اليابانيون كل التراث الماضي 
باعتباره غير صالح: ولأصبحت الثقافة مستوردة أيضا. ولكن تبني النهج 
الموضوعي ل «غلوبير» أو «زولاء لا يجعل من المرء كاتبا (أو فنانا) واقعيا أو 
طبيعيا. وتبينت قلة من الفنانين أن ما كانوا يبحثون عنه في الطبيعة 
والبورتريه والحبكة والشخصية: لم يكن إلا أنفسهم. لقد فاتهم استيعاب 
الدرس الأساسي الذي يقدمه الغرب, ألا وهو أن الهدف الأخير لكل المعارف 
هو: الرفض الخُلاق. 

يُعتبر الفن القصصي منظارا جيدا نستطيع من خلاله أن نتبين معالم 
التطور الثقاضي في العصر الحديث؛ ذلك أن سرد الوقائع القصصية يكشف 





اليابان: رؤية جديدة 


عن كثير من تفاصيل مسار الفكر الياباني. حظيت روايات الكتاب اليابانيين 
بشعبية كبيرة بعد الإصلاح الميجي؛ غير أن الحصيلة الأولى للإنتاج الروائي 
لم تكن أكثر من منشورات سياسية كتبها مثقفون وثيقو الصلة بالحركة 
المطالبة بالديموقراطية والحقوق المدنية. صحيح أن تلك الروايات كانت 
مكتظة بشخصيات متشنجة تلقي خطبا ثقيلة عن فضائل الديموقراطية: 
وأنها تعتبر بمقاييس اليوم مملة جداء ولكنها كانت بداية. إنها التعبير عن 
هموم الكاتب بالفرد ودوره في المجتمع؛ جد لو كان تصوير الفرد غير واقعي. 

في 1445, ظهرت رواية في حلقات. غيرت كل شيء. إنها رواية السحب 
المتدافعة 1005© ع«ة)]2:1: بطلها موظف شاب اسمه بونزو 720نا8. كان بونزو 
من النوع المنطوي المتأمل: واحدا من الريفيين الخام الذين وفدوا إلى المدينة من 
الأرياف. ضائعا في اليابان الحديثة؛ لكنه مسرور بهروبه من اليابان القديمة. 
وكان بونزو غير عابئ بالتقاليد الاجتماعية القديمة. يقضي معظم أوقات الرواية 
قابعا في غرفته؛ التي أصبحت أهم غرفة في تاريخ الكتابة الأدبية في عصر 
الميجي؛ لأن الوقت الذي يقضيه بونزو وحيدا فيها كان شيئا جديدا تماما. يقول 
الراوي: «ها هو يدخل البيت الشالث بعد المنعطف. مبنى من طابقين له باب من 
السلك». ويتساءل الراوي: «هل ندخل نحن أيضاة» فندخلء لنلج مجازا هائلا. 
وتُعدٌ السحب المتدافعة, التي كتبها شيماي فوتوباتايء أول رواية يابانية حديثة. 
وهي مكتوبة باللغة الدارجة ؛ وفيها أحس القراء بأول تذوق للعالم الداخلي 
للفرد: للأعماق السيكولوجية. وعبر أحد النقاد اليابانيين. حينذاك» عن ذلك 
بدقة قائلا: «إن شخصيات غالبية الروايات في هذه الأيام تشبه الشخصيات 
المرسومة في الطباعة الخشبية, أما شخصيات السحب المتدافعة؛ فإنهم بشر 
ممن نراهم في لوحات التصوير الزيتي». 

اكتملت حلقات رواية السحب المتدافعة في العام 1844: وهو العام الذي منح 
فيه الإمبراطور ميجي اليابان دستوراء وهو العام السابق نفسه على صدور 
المرسوم الإمبراطوري الخاص بالتعليم؛ وهو المرسوم الذي أعلن أن قيم 
الساموراي هي العليا. كانت اليابان تخطو أولى خطواتها على مسيرتها الكبيرة 
مسيرة التجاوب مع صحة الأيديولوجيا. وبينما يتصاعد وقع الخطوات 
العسكرية: فُرض المزيد من العزلة على فناني العصر. انطووا على أنفسهم حين 
شعروا بأنهم ضد التيار. ولم تعدالمثل العليا للفردية يعبر عنهافي الرواية 





الحلم الميتسر 


السياسية: التي لم تكن مقروءة على أي حال. وكانت «الطبيعة» هي عنوان 
الحركة الأدبية الكبيرة في أواخر عصر الميجي وأعقابه. ولكنء إن كان نفوذ 
«الطبيعية» قد عاش أطول من غيره إلا أنه لم يستمر طويلاء لتحل محله روايات 
الاعترافء ورواية ال «أناء؛ التي أطلق عليها هذا الاسم لأنها تصور العالم 
السيكولوجي للمؤلف تصويرا متجردا وقاسيا. وتقوم رواية «الأنا» بالكامل على 
الأغكار الداخلية الدفينة للكاتب؛: كتعبير مبالغ فيه عن رؤاه الفردية التي تتملكها 
مخاوف الأركان النفسية المفلقة. ومقياس نجاح رواية «الأنا» يقدر بمدى إقناع 
القارئ بأن «الأنا» في الرواية مطابقة ل «أنا» الكاتب. 

ظهرت أولى روايات «الأنا» العام 1911. فإذا أخذنا في الاعتبار أن ذلك 
كان وقت بزوغ «الحداثة» ضي الغرب؛ فإن رواية «الأنا» كانت نوعا من رد الفعل 
الياباني الأصيل ضد قواعد الرواية الواقعية للقرن التاسع عشرء وهي 
القواعد التي كان الكتاب اليابانيون قد تعلموها منذ قليل. ولكن النظر إلى 
رواية «الأنا» بمنظور ما كان يحدث خارج اليابان يفضي إلى رأي آخر. وهو 
أنهاء مع خلفية الحياة اليابانية: كانت نوعا من النكوص. كانت الذات دائما. 
أمرا شديد الخصوصية: منسحبة إلى الداخل ولا يُعبر عنها إلا في كتابات 
من نوع اليوميات. ومن ثم فإن رواية «الأنا» يمكن أن تَمّد سردا قصصيا 
لعملية الانسحاب؛ وسجلا لتقهقر المرء إلى داخل فرديته المغلقة. 

ثمة كُتنَّاب آخرون يعيش تصويرهم لشخصية الفرد حتى اليوم؛ من بينهم 
موري أوجاي 001 801: الذي كان صوته الروائي؛ وهو في عزلتهء يفيض 
موضوعية وناجاي كافو نالةكآ 3821[ بشخصياته الروائية التي تُبذت وتاهت 

هُمشت في اليابان الجديدة. ولكن لا أحد يرتفع بهامته ليرقى إلى مقام 

0 ناتسومي: الذي كان في هنه وحياته أشبه بحالة كلاسيكية الوك عصر 
الميجي المراوح تجاه الحداثة. كان دارسا وقاركا نهما للإنجليزية: وعرف عنه أنه 
بعد سنوات من الدراسة أعلن أن أدب ووردزورث و ويتمان وفيلدينج وديكنز قد 
خدعه: وأن وعودهم خذلته. وعندما تقدمت به السنء كان سوسكي يكتب القصة 
والرواية في الصباح وينظم الشعر التقليدي بعد الغداء؛ الأمر الذي يبدو تراجعا 
جزئيا عن تطلعاته العصرية. 

لكن يجب فهم الحقائق المجردة على وجهها الصحيح. كسر سوسكي القوالب 
الجامدة. وهو الشخصية الأولى في الكتابة العصرية المبكرة في اليابان» كما كان 





اليايان: رؤية جديدة 


رواقيا عظيما بكل المقاييس: ذلك لأنه. بكل بساطة؛ سمح لنفسه بأن تُخدع: 
اكتشف أنه يمكن أن يحب الأدب الإنجليزي؛ ولكنه يظل أدبا إنجليزيا. وعلى حذ 
قوله. لا يستطيع اليابانيون أن يطلبوا من الآخرين أن يتذوقوا خمرهم.: ثم يسلّموا 
برأي الآخرين فيها. كان على اليابانيين أن يتعلموا أن يتذوقوا بأنفسهم وأن يروا 
الأمور بأعينهم. وفي التحليل النهائي؛ لم ير سوسكي بديلا سوى أن يأخذ 
اليابانيون الأمر بأيديهم:؛ ويصنعوا أشياءهم بأنفسهم. 

ويبدو كأن سوسكي قد ولد وَنّشَىْ ليكون مؤهلا للوصول إلى هذه 
القناعات: فهو يبدوء منن طفولته غير المستقرة. كأنه يؤدي بروفة للتنقل بين 
الشرق والغرب, الأمر الذي لاحقه طوال حياته. قضى عامين كثيبين يدرس 
في إنجلترا؛ عانى فيهما الوحدة القاسية؛ وأقسم على ألا يعود إلى الغربة بعد 
ذلك أبداء ولكن لم يلبث أن شعر بعدم الارتياح بعد عودته إلى اليابان. شغل 
منصب أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة طوكيوء في المكان الذي كان يشغله 
لافكاديو هيرن الأمريكي المعروف. ولكن؛ بقدر ما كان يرتفع شأنه في اليابان 
الحديثة؛ بقدر ما ازدادت كراهيته لها. وضي العام :15١4‏ بدأ يكتب الرواية, 
وهو في الثامنة والثلاثين من عمره. 

ابتدع سوسكي في أعماله كثيرا من الشخصيات التي لا تنسى؛ وهي 
شخصيات على شاكلته ومثاله. محتبسة في الأرض القاحلة بين التراث 
والحداثة؛ بين القديم والجديد. اختار سوسكي عنوانا غريبا لروايته الثانية: 
بوتشان سوط د20 وهو الشخصية الرئيسية فضي الرواية.ء شخصية نمطية 
كلاسيكية لعصر الميجي المتأخر: محدث؛ مدع مندفع: وأناني؛ ويعتبر نفسه 
رجلا عصريا. وهو شخص متبرم وضائق بكل ما هو قديمء ولكن دون أن يعي 
إطلاقا اعتماده على هذا القديم. وإذ يواجه بوتشان الآخرين الذين يحاولون 
أن يشقوا طريقهم ويحسنوا أوضاعهم في نظام اجتماعي سريع التغيير فإنه 
يستنتج ببراءة أن «العالم يبدو كآنه لا يتكون إلا من متآمرين وأفاقين لا يكفون 
أبدا عن التآمر والإيقاع ببعضهم البعض». ولا يجد بوتشان راحته إلا مع 
خادمة العائلة العجوزء وهي نمط مبكر لنساء كثيرات يمثلن ما بقي من 
الماضي في الأدب القصصي والروائي الياباني الحديث. ١‏ 

أضحكت رواية بوتشان القراء عندما نُشرت في العام 1507» وما تزال. 
يثير الضحك فيها غفلة الراويء والخلط الذي يقع فيه أثناء سرده للرواية» 





الحلم المبتسر 


بين فضيلة التفرد ورذيلة الأنانية. وهو خلط ياباني شائع. ويتلخص كل ما 
قاله سوسكي في أن كل هذا نتيجة تقليد الغرب تقليدا أعمى بلا تفكير. 
قدم سوسكي معظم أفكاره في رواية بوتشان, ولكنه لم يعبر إلا قليلا عن 
الأسسى الشبيه بأسى مهرج السيرك؛ وهو الأسبى الذي سيعير عنه في رواية 
كوكورو؛ وهي روايته قبل الأخيرة والتي وبها تكون أفضل ما كَتّب. تتحدث 
كوكورو عن طالب تميظ ورجل حكيم يمرفد في الرواية بأنه الأستاذ 
(سنساي). وعلى الربغم من ارتباط الأستاذ بالماضيء إلا أن الحياة في 
طوكيو أتاحت له أن يتخلى عن القيم القروية القديمة. وكان الأستاذ. مثله 
مثل بوتشان. لا يثق ضي سائر اليابانيين المشوشين؛ ويمتبر نفسه أرقى. 
ولكنه أيضا يخلط بين فضيلة التفرد ورذيلة الأنانية, وكان هذا الخطأ 
سببا في عزلته المأساوية. 

التقى الطالب بالأستاذ للمرة الأولى في منتجع صيفي؛ حيث كان «أديم 
البحر في معظم الأيام تفطيه كثرة من الرؤوس السوداء؛ مثل حمام عام». 
يتذكر الطالب أنه تبع الأستاذ ذات يوم في الماء: 

وسبحت خلفه. وعندما ابتعدنا اكثر من مائثي ياردة استدار الأستاذ وكلمني. كان البحر يمتد 
من حولنا. ويبدو أن لم يكن ثمة احد قريب منا. وعلى امتداد البصر, كانت اشعة الشمس القوية 
تسطع على المام والجبال. وشعرت كما لو كان جسدي قد امتلذ بالفرح والحرية؛ وطفقت اضرب 
صفحة البحر ياندفاع وعنف. توقف الأستاذ عن الحركة؛ وطفا على ظهره بسكون؛ فلم البث ان فعلت 
مثله. واصطدمت زرقة السماء الياهرة بوجهي؛ وشعرت كما لو أن نقاطا مشعة تنصب في عيني. 
وصحت: .ما اروع هذاك». 

وبعد قليل ؛ اعتدل سنساي في الماء» وقال: «هل نرجع؟» 

ثمة مشكلة مهمة طرحت فيما وراء هذا الوصف الذي يبدو ظاهره 
بسيطا. كان الأستاذ قد اصطحب الطالب بعيدا عن جمهرة الرؤوس 
الداكنة الطافية؛ إلى مكان يمكن أن يكون فيه المرء وحده. ويلج الطالب 
بشغف علما من المشاعر والأحاسيس النقية الخالصة؛ حيث لا توجد 
علاقات مع الآخرينء وإنما أشخاص متفردون. وبالنسبة للطالب: كما 
بالنسبة للمصورين المحدثين الأوائل» كانت الرؤية والمشاعر هي المدخل 
العريض للاحساس بالذات. وهو لا يفهم هذاء لأنه يشرع في تقليد الأستاذ 
عند أول فرصة تسنح. 





اليابان: رؤية جديدة 


في الثلث الأخير من الرواية» يعكي سنساي للطالب القصة التي هي 
جوهر الكتاب. كان للأستاذ صديق وزميل في الدراسة الجامعية يسمى 
(ك) وكان مؤمنا بحق بفكرة «الروح يابانية والأشياء غربية». ونموذجا 
للساموراي العصري. والأستاذ متعاطف مع كل هذا . يقول الأستاذ: «يجب 
أن تفهم أنه بالنسبة للصديق (ك) كان يبدو أن للماضي قدسية تجعله 
يستعصي على النبذ مثل الملابس القديمة». لكن تشدد (ك) ينال من كماله 
ومن صفاته كإنسان. يتصور الأستاذ أن (ك) يستطيع أن يحب؛ ولكنه 
يقصر عن التعبير والتصرف المواكم. وعندما يكتشف الأستاذ أنه يحب 
المرأة نفسها التي كان يحبها (ك). فإنه ‏ أي الأستاذ ‏ يخطط للظفر بها . 
وينتهي الأمر بانتحار (ك)؛ بينما يضطر الأستاذ إلى الاعتراف بحقيقة 
حاله؛ حال أي كائن بشري ضعيف آخر لا هو أرقى ولا هو أدنى من أي 
شخص آخر. لقد ساق الحب سنساي إلى الإحساس بالوحدة: لأن الحب 
تأكيد للذات. 

كان في الأستاذ شيء من شخصية المستكشف كيرتز كما وجد 
المستكشف «الرعب»: الرعب في قلب الأشياء في أطريقياء كذلك وجد الأستاذ 
«الظلام المعنوي والأخلاقي». توجد مخاطرة في السباحة بعيدا عن الجمهور. 
ولكن أن يكون الإنسان عصرياء لا يعني رفضا شاملا لكل الماضي؛ وإنما يعني 
التخلي عن يقينيات القطيع والمعايير الأخلاقية المفروضة بالقهرء معايير 
الساموراي والفضائل الكونفوشية؛ لتحل الحرية محل كل ذلك؛: مع تحمل 
مسؤولية الاختيار. قال الأستاذ لتلميذه ‏ ذات مرة ‏ إنه ليس ثمة أشرارء 
«فكل امرئ فضي الظروف العادية فيه شيء من الخيرء قل أو كثرء أو هو 
باختصار شخص عادي». وإنما يوجد أناس قادرون على فعل الشرء ولا 
يستثنى من ذلك أحد. 

كان سوسكي لديه ثقة بالنفس تجعله لا يتراجع عن رؤيته النافذة التي 
كونها أثناء حياته وخبراته المتنوعة: ورفض الرؤية السائدة للعالم: كما لو 
كان مشكلا من نقيضين متضادين يستقطبان الأسوأ والأفضل: القرية 
والمدينة: الموروث والحديث: الأجنبي والياباني. فتلك النظرة هي أسوأ ما 
يمكن أن يهدد قدرة المرء على أن يكون ذاته: أي أن يرى ذاته على .حقيقتها . 
لكن غالبية اليابانيين لم يكونوا على الدرجة نفسها من الثقة بالنفس. ولكن 





الحلم الميتسر 


يبدو أنهم اليوم أكثر استعدادا لمواجهة الحقائق التي سبق أن كشف لهم 
تنا تن يزخ 

كان في اليابان طليعة نشطة في العقدين الشالث والرابع من القرن 
العشرين: أو على الأقل إلى الوقت الذي تمكنت فيه الدكتاتورية من إخماد 
حركتها. والتقطت تلك الطليعة خيوط السيريالية والدادية وغيرهما من 
تيارات الفن الأوروبي والأمريكي. وبين هذه الحركات. ظهر تيار آخر: وبدأ 
يتساءل: ما الذي وصلت إليه اليابان بنقلها عن الغرب؟ وفي 1147 اجتمعت 
جماعة من المفكرين ضي كيوتو لمناقشة هذه المشكلة؛ وأطلقوا على موضوع 
المناقشة اسم: «الانتصار على الحداثة». وما يزال ذلك المؤتمر يعد حدثا مهما 
في تاريخ اليابان الثقافي. ولكن كان ثمة مشكلة مألوفة: فالانتصار على 
الحداثة كان يبدو أن معناه النظر إلى الوراء وليس التطلع إلى الأمام. وهي 
نظرة تفترض أن اليابان كان باستطاعتها أن تظل مفهومة باعتبارها متميزة 
عن بقية العالم؛ بما يتضمن أنه يمكن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. 
صحيح أن الانتصار على الحداثة يمكن أن يكون شكرة مثيرة للاهتمام: إلا أنها 
لا يمكن أن تكون أكثر من مجرد فكرة. حيث لم يكن ثمة مجال لإنكار ما أخذ 
في العقود السبعة السابقة. وبينما قادة الفكر يناقشون موضوع الانتصار على 
الحداثة» كان الجيش الإمبراطوري يحتل جنوب شرق آسياء وينشر الحرب في 
داخل الصين. 

تحت سطع الاندفاع للانتصار على الحداثة؛ كانت تكمن مشاعر الأسف. 
ولم يعبر أحد عن هذه المشاعر أفضل من الروائتي جونيشيرو تانيزاكي. كان 
تانيزاكي كاتبا متميزاء ولكنه لم يتمكن أبدا من تجاوز فكرة العالم المشكل من 
أقطاب متضادة؛ فظل يندفع متأرجحا بعنف من جانب إلى آخر وبالعكس» 
وكان ذلك نمطا مألوفا في زمانه. 

في صباه. تُشْنّىْ تانيزاكي على مسرح الكابوكي والكلاسيكيات الصينية؛ 
ولم يكن الغرب ليحظى باهتمامه. ولكنه لم يلبث في العقد الرابع من عمره؛ 
أن أصبح عابدا متعصبا في محراب الأجنبي. نقل سكنه إلى ال «بلاف 
'لأأساقا» في يوكوهاماء وهو مركز الجاليات الأجنبية. وتلقى دروسا في 
الرقصء ودرس اللفة الإنجليزية؛ وجعل من نفسه نجما من تجوم عصر 





اليابان: رؤية جديدة 


موسيقى الجاز. وما كان ليرضيه أو ليقنعه أي شيء من صنع اليابان. وعندما 
دمر زلزال 7 مدينة طوكيوء اعتبر تانيزاكي أن ذلك شيء «رائع». وتطلع 
إلى إعادة بناء مدينة لا مكان فيها للكيمونو ولا للتاتامي المتخلفء وإنما مدينة 
«تسبح فيها كؤوس الشمبانيا مثل قناديل البحر وسط فساتين السهرة والبدّل 
الرسمية والمعاطف ذات الذيل»: 

طرق فسيحة ممتدة ومنسقة؛ وشوارع جديدة مرصوفة ولامعة: وسيول متدفقة من السيارات, 
وعمائر ترتفع شاهقة طابقا فوق طابق في جمال هندسي بديع... وجميع أنواع الإثارة الليلية في 
مديئة عظيمة: مدينة فيها كل أشكال الترفيه والمتعة مثل باريس أو نيويورك. 

كان رد الفعل الأول الذي عبر عنه تانيزاكي ‏ بعد وقوع الزلزال ‏ نمطياء 
حيث اعتبر كثير من اليابانيين أن تدمير طوكيو كان رمزا لتحول سيكولوجي 
وثقاضي شامل. فإذا دمر الماضي ومعيطك آثاره. فقد تعين أن يحل محله كل 
ماهو عصري وجديد ومتقدم؛ ولن تعود الأمة إلى سابق عهدها أبدا. لم يكن 
تانيزاكي وحده في التهليل. 

ولكنه لم يلبث أن عاد إلى سابق عهده فجأة. انتقل ليسكن في كيوتو؛ 
العاصمة القديمة؛, حيث وقع ضي غرام لهجة الكلام المحلية وأصبح من 
المحبين المجذوبين للثقافة التقلدية. وكان أول ما كتبه بعد هذه النقلة رواية 
غرام الأحمق ©1087 10015 4: يسخر فيها من حماقاته السابقة ضي 
أوساط الأجانب. وأعقب ذلك رواية البعض يفضلون شوك الورد 50126 
5ع ناه1ه82: وفيها يَتّعين على البطل أن يختار بين الشرق والغرب. 
في الكتاب السابق (غرام الحمقاء) يقع البطل دائما في حماقة التقليد 
الأعمى للغرب؛ أما في الكتاب الثاني فإن البطل يطلق زوجته العصرية 
الأنيقة الموضة؛ ويخلد بهدوء ونعومة في حياة تقليدية رخية في بيت عتيق 
من بيوت كيوتو. 

أما رواية في تمجيد الظلال 55800175 06 عونة: دلاء التي كتبيت في 
الوقت نفسه تقريباء فإنها لا تعد من بين أفضل أعمال تانيزاكي. وإنما 
ترجع أهميتها إلى أنها تبلور الجماليات التقلدية التي هي في حرب مع 
العصرية بوضوح مذهل ومفرط الحساسية. في عالم باهر الإضاءة 
مستورد من الغربء يقدم تانيزاكي مأثوراته من أشياء خافتة الإضاءة 


ري ىا 


مبهمة ومنسحبة: ويمرر خلال قطبي الضوء والظل تشكيلة مذهلة من 





الحلم الميتسر 


الموضوعات: الهندسة المعمارية: الحمامات, المستشفيات؛ الفنادق؛ الأسنان: 
الصابونء اللاكيه؛ الذهبء والنساء (طبعا): 

نحن الشرقيين: ننشد القناعة في كل ما يحيطناء أيا كان» والرضا بالأشياء كما هي؛ ومن ثم 
فإئنا لا نضيق بالظلمة...؛ ولكن الغربيين مصممون داكما على تحسين أحوالهم: من الشمعة إلى 
مصباح الزيت» ومن مصباح الزيت إلى فانوس الغان ومن فانوس الغاز إلى المصباح الكهربائي. وسعى 
الغربيين إلى مزيد من الإضاءة الباهرة لا يتوقف قطه وهم يبذلون أقصى الجهد للقضاء على أشد 
الظلال خفوتا. 

ثم ينتقل تانيزاكي إلى التعليق بأسلوب فظ على لون البشرة. 

منذ العصور القديمةء نعتبر أن البشرة البيضاء أكثر جمالاء ويهاء من 
البشرة الداكنة؛ ومع ذلك؛ فإن بياض البشرة عندنا يختلف عن نظيره عند 
الأجناس البيضاء. صحيح أن ثمة أضرادا من بين اليابانيين بشرتهم أكثر 
بياضا من الغربيين. كما أن من بين الغربيين أضرادا بشرتهم أكشر سمرة من 
اليابانيين... ولكن سمرتهم وبياضهم يختلفان... ذلك أن البشرة اليابانية؛ أيا . 
كانت درجة بياضهاء يشويها شيء من الإعتام... ولكن بشرة الغربيين» حتى 
الأقل بياضاء يعد بياضا مجلوا رائقا. هكذا؛ إذا ظهر أحدنا وسط جمع من 
الغربيين: فإنه يبدو بقعة كالحجة على صفحة بيضاء؛ ومن ثم نستطيع أن نرى 
كم هي عميقة العلاقة بين الظلال والأجناس الصفراء. 

من الصعب أن نقرأ أعمال تانيزاكي دون أن نصل إلى نتيجة؛ هي أنه: 
في التحليل الأخيرء سائح في بلده. وبمثل ما كان الغرب الذي يتصوره, 
غرب الشمبائيا والفراك وملابس السهرة العصرية؛ كانت اليابان في ذهنه 
نوعا من الخيال. ومن بين أكشر الفقرات مدعاة للدهشة في 
كتاب في تمجيد الظلال؛ ما ورد بخصوص إشارات المرور ومفارق 
الطرق المزدحمة: 

بدا لي كأن مجيء شرطة المرور إلى كيوتو هو نهاية كل شيء. والآن على المرء أن ينتقل إلى مدن 
صغيرة مثل نيشينوميا أو ساكاي أو واكاياماء آو فوكوياماء ليشعر باليابان. 

أليست هذه جولة سياحية استشراقية شاملةة إن انسحاب تانيزاكي من 
العالم الذي حوله مجدول في نسيج كل صفحة من صفحات كتابه. كثيرا ما 
وُجَّه إليه النقد بسبب أن شخصياته ليست لها أعماق؛ ولكن غياب هذه 
الأعماق الداخلية ليس مستغريا. وكما نبه الناقد كوجين كاراتاني: «تحتوي 





اليابان: رؤية جديدة 


روايات تانيزاكي على سلسلة من الطقوس المتكررة»» إنها طبعات جديدة من 
القصص القديمة المسماة مونوجاتاري. 

حدد تانيزاكي أحد الملامح الأساسية للأسلوب الذي واجهت به اليابان 
العالم الحديث. كان الإحساس الشامل بالصدمة إحدى خصائص الكتابة 
اليابانية قبل الحرب. كان اليابانيون هم الآسيويين الوحيدين الذين تبنوا 
المنجزات العلمية والصناعية لحضارة أخرى؛ ومن ثم شرعوا في النهوض 
يمهمة التسكين الواعي لحالتهم الآسيوية في سياق جديد. وفي أعمال 
تانيزاكي؛ تنفصم عرى «الثقافة» أخيرا عن اليابان العصرية؛ وتتخذ شكل 
الملاذ أو الملجا. وقد بلوّر الباحث تيتسو ناجيتا ذلك في قطبي الثقافة 
والتكنولوجياء وهي معادلة تجمع بين الماء والزيت. كانت اليابان تتحرك نحوها 
منن الإصلاح الميجي. وهذا توصيف لماح لإخفاق الفنانين اليابانيين» وللسجن 
الذي وضع غالبيتهم أنفسهم ضيه: إن كان الفن حديثاء فهو ليس فنا يابانيا؛ 
وإن كان فنا يابانيا فهو لا يمكن أن يكون حديثا . 

مع تانيزاكي؛ أصبح الهروب إلى التقاليد هو التقليد. كان أشهر من سار 
على خطاه؛ وإن تزامن جزء من إنتاجه مع إنتاجهماء هما ياسوناري كاواباتا 
ويوكيو ميشيما (الذي كان تحت رعاية كاواباتا). لم يُفلت أي منهما من التأثر 
بالغرب والاتجاهات العصرية. وكل منهما كاتب على أعلى درجة من الأصالة 
الذاتية؛ وإن اختلفا اختلافا كبيرا مزاجيا وأسلوبيا. وكلاهما لم يستسغ 
اليابان الحديثة؛ مثلهما في ذلك مثل تانيزاكي؛ كما أن رأيهما كان مثل رأيه 
في أنه لا يجدر خلط اليابان العصرية بالثقافة. ولم يكن مصادفة أن تشابه 
الاثنان في شيء آخر: الموت انتحاراء انتحر ميشيما على طريقة السيبوكو 
الدراماتيكية العام :117١‏ وانتحر كاواباتا بطريقة أقرب إلى الطرق العادية 
بعد ذلك بعامين؛ حيث مات بالغاز فضي مكتبه. 

اتخذ كاواباتا من الحداثة موقف القبول السلبي. كانت شخصيات رواياته 
منهكة ‏ كل محتبس في مكمن من صنعه؛ يتملكه رهاب الاحتجاز, كل في 
مملكته الوحدانية الضئيلة؛ يتجرع الأسى والعقم والضياع؛ ونوعا من «التطهر 
الحزين» (عن الطير والوحش مامدء ]1 سه 151105 )0). وتتميز جميع كتاباته 
المهمة بأنها تعبير عن ردود أفعال للتعلق بأسباب الحياة اليومية في حدودها 
الهامشية الدنياء المرئية. تجري أحداث رواية عن الطير والوحش ‏ وهي عمل 





الحلم الميتسر 


صغير ولكنه مُكون جوهري في مجموع أعماله ‏ في طوكيوء ولكن المدينة تبدو 
كأنها غارقة ضفي ضياب كثيف. على البعد. العزلة والبُعد يتخللان كل كتابات 
كاواباتا. وفي مسودة مبكرة لسيرة ذاتية يقول كاواباتا إن الحب هو حبل 
إنقاذه. ويستطرد : «ولكنني أحس أنني لم آخذ بين يدي يدي أنثى بدافع 
رومانسي قط... وليست هي الأنثى فقط التي لم آخذها بين يدي؛ واني 
لأتساءل إن كان هذا يسري أيضا على حياتي نفسهاء». 

أكسبت السلبية كاواباتا إعجابا فائقا بال «بيتاي أهائط» أوالفرحة التي لا 
تكتمل؛ وهو موضوع يتكرر كثيرا في التقاليد الجمالية لليابان. كان الحب هو 
حبل نجاته؛ ولكنه لم يحب قط. كان غارقا في الحنين؛ ريما لأن الحنين من 
الأمور التي لا يمكن إشباعها أبدا. وفي الفنء كما في الحياة, كان كاواباتا 
شديد الافتتان بالعذراوات الصغيرات. وتدور أحداث روايته الصغيرة بيت 
الجميلات النائمات وأ )نوعط وسأءعاة عطا 4ه عكتاواظ, الصادرة في 2157١‏ 
حول رجل مسن يتردد على بيت من بيوت المتعة؛ المفارقة الكبيرة فيه؛ هي أن 
فتياته عذراوات؛ محظور على الزائر أن يلمسهن. وكما لاحظ ميشيما في 
عبارة إعجاب بأستاذ شبابه: «العذراء تفقد عذريتها مرة واحدة: ومن ثم إن 
استحالة نيلها استهلال ضروري...». 

أوحت المحاولات الأولى لميشيما أنه ربما يسير في خُطا كاواباتا نفسه 
وينهج دروب السلبية والتباعد. فشخصيات هذه الأعمال شخصيات مرهفة: 
متباعدة: محبة للجمال؛: رغباتها مراوغة ونفسياتها خفية. ولكن ميشيما لم 
يلبث؛ وهو مايزال في العشرينيات من عمره.؛ أن تخلى عن فكرة للحياة 
كتجربة معصومة لا تتأئرء كتومة لا تبوح: وتلك النقلة أسماها فيما بعد العودة 
من الظلام إلى التوجه نحو عبادة الشمس مدى الحياة. ومن ثم تغيير إنتاجه 
تفييرا جذريا. تدور أحداث رواية صوت الموج 159975 04 5050 ع1 في 
قرية صيادين بعيدة؛ بمنأى عن العالم الحديث؛ وهي مأخوذة من التأويل 
الروائي للكاتب الأمريكي هيمتجواي للأسطورة الإغريقية لسة وتسناصهة12 
110 ). ثم صدرت له في 1 رواية معبد الرواق الذهبي عاصدء!' ع1 
10 اقم معل0010 6ط 4ه ؛ وهي رسالة رائعة عن الإبداع والتدميرء عن 
جمال الماضي وحرية الأحياء. وضي الوقت الذي نشر ميشيما هذه الرواية: كان 
مشتبكا في معركته الخاصة بين التبجيل والخلق؛ وفي وقت لاحق؛ وصف 





اليابان: رؤيةجديدة 


«تدمير الكمال التقليدي» كحافز تملكه مدى الحياة. وبدا كما لو أن الرواق 
علامة على شروع ميشيما في تحطيم القوالب: ونبن الهروب للتقاليد. ولكن 
ما حدث هو أن القوالب هي التي حطمته. 
ورواية الرواق تحكي قصة راهب شاب يحطم المعبد الذي يدرس فيه لأنه 
يشعر بالانسحاق أمام جماله. لم يكتب ميشيما شيا تفوق فيه على هذه 
الرواية. لم يكتب بعد ذلك شيئا يرقى إلى مرتبتها أو وضوح رؤيتهاء لأنه فقد 
إرادة التدمير كجزء من الخلق الفني. وبينما صعد ميشيما ليصبح شخصية 
عامة؛ فإنه ‏ هو أيضا بحث عن «الثقافة» كملاذ. وإذ كان قصيرا ونحيفاء 
فإنه وجد في رياضة كمال الأجسام «لغة للجسد». وضي كان رد فعله 
تجاه المظاهرات المناهضة لمعاهدة الدفاع الأمريكية ‏ اليابانية (41/150) 
شديدة الشبه برد فعل تانيزاكي لزلزال 1977: اتجه إلى الداخل والوراء؛ 
وأعلن نفسه عابدا للإمبراطور ونصيرا وداعية تُمكّل الساموراي. وكان يعشق 
الصيحات التي تتخلل تدريباته في رياضة الكتّدو 00ده>1. كتب يقول: «إنها 
صيحة اليابان نفسهاء دفينة في أعماقي؛ الصيحة التي تخجل منها اليابان 
العصرية وتستميت في محاولة قمعها». 
وبعد ذلك ولج ميشيما باب الهزل والمجون. ووقف أمام المصورين ليلتقطوا 
له صورا شي أوضاع ماجنة. وفي 14717 شرع في تشكيل جيش خاص. وما 
كان أحد ممن يعرفه ليصدق هذه «اللخبطات»: أو يعتبرها أكثر من مجرد 
نكات ‏ مهازل يؤديها علناء لا علاقة لها بما يكتب. ولكن في هذا إنكارا تاما 
لما كان في حياة ميشيما من منطق داخلي لا يخفى على الناظرين. في النشيد 
الذي نظمه لجيشه؛ مقطع يقول: 
هيا تدان الأمى مضق 
هيا ندفن الأحلام الباهرة 
في أرض بلادنا ... في الحضيض 
الفزع يكسو وجوهنا عبوسا 
فارق ميشيما الحياة وهو ينعى ديابانا» غائمة في خياله. جاءت النهاية 
مأساوية ومدوية: اقتحم «بقواته» مقرا لوزارة الداع اليابانية في طوكيو؛ 
وأفرغ أحشاءه بسيفه الأثير. صُدم اليابانيون وحزنوا. ولكن بعضا مما قاله؛ 
قبل تلك النهاية بشهور قليلة؛ ربما يبقى على الزمن أكثر من أعماله الأخرى, 





الحلم الميتسر 


وهي كثيرة: قال في حديث له مع روائتي آخر: «إثني أعتلي المسرح وأنا عازم 
على دضع المتفرجين إلى البكاء». ويستطرد : «ولكنهم ينفجرون في الضحك». 

في رواية كاواباتا بيت الجميلات الناكمات, تعود الذاكرة بأفكار الشخصية 
الرئيسة؛ مرات عدة. لآخرين ممن يترددون على الفتيات العذراوات؟ 
ويتسباءل: : «هل يمكن أن يكون حنين المسنين المبتكسين إلى الحلم المبتسر... 
مُخبا في سر هذا البيت5» ولكن ما هو الحلم امُبتسر؟ يجيب كاواباتا عن 
هذا السؤال في السياق الجذاب نفسه لهذه الجملة قائلا: «إنه الحزن على 
الأيام التي ضاعت دون أن نعيشهاه». 

مات ذلك الحلم: الحلم بالماضي كحماية من الحاضرء مات بموت 
ميشيما وكاواباتا. لن يكتب أحد . بعد ذلك أبدا ‏ مثلما كتبا. ولكن ماذا 
عن الحلم المبُتسر الآخر: حلم وضوح الرؤية وتصويراليابان كما هي 
بماضيها الصامت وحاضرها المتتافر النفمات؟ كان الإخفاق في التعامل مع 
هذا الموضوع هو السبب في أن أكثر الروائيين اليابانيين موهبة: لم يكونوا 
بالضرورة أفضلهم. 

ا« 

توجد صورة فوتوغرافية التقطت في الخمسينيات: لفنان ياباني يرمي فناني 
الألوان على قماش مفروش على الأرض فوق سطوح مبنى في طوكيو. القناني 
تتحطم والألوان (تطرطش).؛ ويتشكل تكوين تجريدي. وثمة صورة أخرىء التقطتث 
في الوقت نفسه؛ لفنان ينشر ألوان الزيت على قماش غير مشدود بقدميه. عن 
أي شيء تعبر هذه الصور؟ هل هو فن «التصوير بالحركة» ع 1اأأمتةم دمأنتن 
الياباني؟ وهي التسمية التي أطلقتها نيويورك ‏ حينذاك ‏ على مثل تلك الأشياء » 
أم لعلنا نكون أكثر إنصاغا إذا قلنا إن ذلك كان تعبيرا عن أن اليابانيين كانوا لم 
يتعلموا بعد كيف يرون الأمور بعيونهم ولأنفسهم ؛ أو أنهم كانوا ما يزالون يطلبون 
من الآخرين أن يشربوا خمرهم ويتذوقوها لهم؟ 

في كتابه تاريخ الثقافة في يابان ما بعد الحرب 01 :)1115 لوسغان0 4 
تنقدزة ل 1”0856990, يعرض الباحث شونسوكي تسورومي 111لنا,ناة1' 0166ا05لاا5 
صورة أخرى. وعلى الرغم من أن الصورة تبدو كأن لا شيء فيها يلفت النظر؛ 
وأنها مجرد لقطة عفوية: فإنها تنبئناء بشيء أكثر أهمية عن المناخ الذي كان 
يعمل فيه الفنانون بعد الحرب. في الصورة رجل وامرأة يعبران أحد شوارع 





اليابان: رؤية جديدة 


طوكيو؛ وهما يسيران جنبا إلى جنب . على خلاف ما كان مألوضا من أن 
الرجل يسير في الأمام وخلفه تسير المرأة. يقول تسورومي في كتابه: «ليس 
في الصورة شيء يستحق أن يلفت النظر, ولكن بالنسبة للمصور نفسه؛ لابد 
أنها أعطت له انطباعا بأن عصرا جديدا قد بدأ». 

من الصعب المبالغة في تصوير كم كان اليابانيون يتطلعون إلى بدء 
عصر جديد بعد الحربء كان ذلك التطلع واضحا بين الفنانين بمثل ما هو 
بين الناس العاديين: وكان يسري على المجال الثقافي والجمالي بمثل ما 
يسري على المجالات القانونية والتعليمية والسياسية؛ كما على العادات 
اللاجتماعية العادية مثل الطريقة التى يسير بها رجل وامرأة . في زمن 
الذات المستقلة (شوتاي دساي)ء تأرجح البندول بشدة مبتعدا عن فكرة 
الثقافة كملجأ من الحداثة. وإن كان لأي شيء علاقة «بالتراث الإقطاعي» 
- وهي عبارة كانت منتشرة انتشارا كاسحا يعد الحرب ‏ فإنه يجب أن 
يلجتث من جذوره. 

وهذا أمر مفهوم إذا أخذنا في الاعتبار ما أفضت إليه التركة 
الإقطاعية. ولكن إذا اغترب قوم عن ماضيهم: فإنه يمكن أن يصبحوا أكثر 
ضياعا إذا تبنوا ماضي غيرهم. وهذا ما عله اليابانيون بعد 1140: قطعوا 
بأنفسهم واستسلموا للتيارء فوصلوا في وقت قياسي لما وصلوا إليه من 
فراغ وارتباك حتى اليوم. نبذواء ببساطة. كل ما كان تقليدياء وخلدوا إلى 
عالم «الثقافة الرسمية»: إلى المعارض المتنقلة تحت الرعاية الرسمية 
للدولة؛ وإلى ما استمر من بقايا التطرف القومي 

ونتاكج هذا ادع لكل دن يور ل كيو الا هذه. لم يقتصر فعل 
أفلام أمريكا وموسيقاها وعاداتها على إحداث تحول فضي الثقافة الشعبية 
اليابانية: وإنما تمكنت بدرجة أو بأخرى؛ من طمسهاء وعادت الثقافة لتصيح 
مرة أخرىء مثلما كانت في التجارب المتعثرة لبدايات عصر الميجي... مجرد 
صنف آخر من الأصناف المستوردة: ولم يلبث أن ظهر حنين من نوع جديد؛ 
حنين مصطنع لأيقونات وإنتاج فني من صنع أقوام أخَّر (ميكي ماوس: جيمس 
دين: موديلات الشيفروليه والفورد القديمة برفارفها المجنحة). ووصلت فكرة 
الثقافة كسلعة مستوردة إلى إحدى ذُراها في الثمانينيات 1١98٠‏ بظهور 
(تقليعة) إنشاء حدائق على الطّرز الهولندية والألمانية والكندية والدانماركية 





الحلم الميتسر 


وغيرها. ولكن جوًا من الأسى ظل معلقا فوق مثل هذه المواقع. الثقافة هي ما 
يملكه الآخرون. ويستطيع المرء أن يراها بعد دفع ثمن تذكرة الدخول. 

في بيكة ما بعد الحرب. شهد الإنتاج الفني انطلاقة متميزة. كان 
المصورون والكتاب والسينمائيون والمعماريون ما يزالون يبحثون عن فن أصيل 
من إبداعهم: وكانت طلائع ما قبل الحرب قد خلّفت سجلا نضاليا شاقا 
باعتبارها نوعا من المعارضة الثقاذية الدائمة؛ ولكن ما أبدعته من فن صادق 
وأصيل لم يكن إلا قليلا. وأراد طلائع ما بعد الحرب أن يصوروا على قماش 
خام: ويكتبوا على صفحات بيضاء. واستحث المنظرون الفنانين أن «يبدعوا ما 
لم يسبقهم إليه أحد من قبل» وإذ رفعت اليد الأيديولوجية الثقيلة» أرادوا 
أيضا تجنب خطأ ما قبل الحرب في الخلط بين ما هو «ياباني» بما هوي 
«يابانوي» أقأصهم0ل. 

ولكن الفنانين» شأنهم في ذلك شأن منتجي الثقافة الشعبية ومستهلكيهاء 
تجاهلوا الخطر المقابل؛ خطر اعتبار أن كل ما هو ياباني ليس إلا يابانويا 
181 1: ومن ثم نبذها جميعا. وهذا ما حدث غالباء حسبما يدل عليه إنتاج 
كشير من فناني ما بعد الحرب, الفاقد للاتجاه؛ النادر الجودة. قل سفر 
الفنانين إلى باريس؛ بينما تزايد سفرهم إلى نيويورك. التي أصبحت هي 
العاصمة الفنية الجديدة للعالم؛ ولكن سرعان ما عادت المشكلات المألوفة إلى 
الظهور. تشابه التصوير بالحركة في طوكيو مع نظيره في مانهاتن: كما في 
استوديوهات شرقي لونج أيلاند . ولاعجب أن أصبح فن ما بعد الحرب شديد 
التشتت. عالج الفنانون مشكلات الأوروبيين والأمريكيين من غير أن يسبق لهم 
السير في الدروب التي أفضت إلى تلك المشكلات؛ فجاءت أعمالهم إما فاقدة 
للاتجاه؛ وإما مشتتة في اتجاهات بلا حصرء في الوقت نفسه. أو من زاوية 
رؤيتنا اليوم؛ من الصعب أن نقول أيهما. 

في :١3594‏ أقيم معرض كبير للفن الياباني. لفترة ما بعد الحرب» فضي 
يوكوهاما أولاء وانتقل بعد ذلك إلى نيويورك وسان فرنسيسكو. وكان الاهتمام 
الذي أثاره هذا المعرضء؛ وإن جزئياء يرجع إلى ما لاقاه من فشل؛ فالمعروضات 
مستعارة ومأخوذة عن الآخر ولا تعبر بأصالة عن الذات. وإن كان يمكن أن 
نستشعر في الألوان والقماش والخشب والمعدن ملامح محاولة الوصول إلى 
رؤية واضحة وأصيلة. ومع ذلك فمن المستحيل أن نستنتج ‏ كما فعل بعض 





اليابان: روية جديدة 


المفكرين اليابانيين بعد الحرب - أن اليابان كُتب عليها أن يظل قلبها شارغاء 
تقلّد إلى الأبدء وتستسلم لتأثيرات أي ثقافات أخرى وافدة: ذلك أنه في 
در كل المحاولات الفاشلة؛ وجدت أعمال قليلة عالية الجودة؛ مفرداتها 
يابانية خالصة فيما يتعلق بالتكوين واللون والخط والخامات. أوحت هذه 
الأعمال القليلة بأن آفاقا جديدة تتفتح بعد الحرب. وأنه ليس قدرا على 
اليابان أن تقع في التقليد البائس لما هو أمريكي (الآمر الذي كان يتجلى في 
شوارع المدن). ولا أن تعيد إنتاج ماضيها وتظل محتبسة فيه بغير مهرب. 

من أين جاءت هذه الأعمال؟ في العام 197., أجاب تارو أوكاموتو 21210 
مهس 01.: وهو مصور وناقد: عن هذا السؤال إجابة مقنعة في مقال بعنوان 
«ما التقاليد5» في هذا المقال عالج الكاتب المأزق الذي مر به فنانو ما بعد 
الحرب. بوضوح لم يسبقه إليه أحد كما لم يجاره أحد فيما بعد. هاجم 
أوكاموتو المفهوم الرسمي للثقاضفة منن الإصلاح الميجي. على مدى قرن: قدمت 
اليابان التقاليد كمجوعة من الأشياء البعيدة الميتة» التي لا تصلح إلا للحفظ 
فضي صناديق زجاجية؛ بل إن حكام عصر الميجي اخترعوا تعبير دنتو 2106110 
كمرادف للتقاليد؛ وللدلالة على قائمة انتقائية من شذرات الماضي المفيدة 
أيديولوجيا. يقول أوكاموتو: «هكذا أصبح من المألوف أن يُنظر إلى التقاليد 
باعتبارها أشياء عفا عليها الزمن»» أشياء يوقرها كبار السن؛ ويزدريها 
الشباب. ولكن أوكاموتو يؤكد أنه «يجب أن تظل التقاليد دائما حية ونابضة». 
ورأيه شي ذلك يستحق أن نورده فيما يلي؛ فهو رأي ملهم؛ في لحظة إشراق: 

أريد أن أعتقد أن «التقاليد» قوة دافعة تستطيع أن تدمر الإطار القديم؛ وتفتح مجالا 
لأفكار جديدة؛ وتسمح بظهور فرص جديدة لحياة البشر. وأنا استخدم كلمة ,التقاليد» وفقا لهدا 
النهج المدقق. 

... يجب أن أعيد دراسة اليابان بعينين جديدتين؛ هكذا يمكن أن أتحرر بحق. فمهمتي هي إعادة 
اكتشاف اليابان» فهذا هو ملاذي الأخير من أجل أن أبدع فنا جديدا. 

نحنء على ثحو ماء فاقدو الثقة في الماضي والحاضرء كما نحن فاقدو الطاقة التي يمكن أن 
تدفعنا نحو المستقبل. 

ليس الماضي هوعلة وجود الحاضر وإنما على العكس؛ يجب أن ننظر إلى الماضي كمدخل إلى 
الحاضر... كل منايجب أن يكتشف الماضي بكل طاقته ووجدانه؛ ويراه من زاوية رؤيته للحاضر. هذا 


هو ماأعنيه بكلمة التقاليد. 





الحلم المبتسر 


لو آن أوكاموتو كتب مقال «ما هي التقاليد5» بعد ذلك بريع قرن: لما فقد 
المقال قيمته كإضافة للفكر الياباني في سعي اليابان للوعي بذاتها. وهو ضي 
هذا المقال لم يعالج مشكلة التقاليد لفترة ما قبل الحرب فحسب ‏ «صدفّة 
الماضي الثقيلة» كما أسماها ‏ ولكنه عالج المشكلة شي فترة ما بعد الحرب 
أيضا: مشكلة نبن كل التق اليد . ولكن اهتمامات أوكاموتو كانت تتجاوز الفن» 
لتتأمل وضعية الذات بين الماضي والحاضر. وبين المحلي والأجنبي. وما كان 
هذا ليشق على قوم كانوا قد ألفوا أن يستعيروا من الخارج منذ القرن 
السادسء. كما ألفوا تحويل ما يستعيرون. ولكن أوكاموتو لم تفْتّه ملاحظة 
سمة مهمة لفترة ما بعد الحرب؛ عندما سجل فقدان اليابانيين الثقة في 

وكمصورء استهلم أوكاموتو الأعمال الفخارية لعصور ما قبل التاريخ: ريما 
على النحو الذي استلهم به بيكاسو الأقنعة الأفريقية قبل أن يصور لوحة 
فتيات أطينيون ا0تتزأل3 'ل دن اأنذأهدن12 من.!. ولكن إذا كان من بين مهام 
الفن قطع حبل الأفكار المسلم بها من الماضي (مع تصوير حقائق يابان مع بعد 
الحرب))؛ فإنه أصر على أن يتم هذا بأسلوب مجاف للقواعد الجمالية؛ بل 
وبأسلوب قبيح. كذلك أحب أوكاموتو قاعات لعبة الكرة والدبابيس !اام 
0 كان ناقدا أكثر منه فناناء ولكن ثمة أمظلة مؤثرة من أظكاره ضعت 
في التطبيق. ومن بين أكثرها وضوحا وأقربها إلى الفهم: ما فعلته مدرسة 
سوجيتسو ناقمات508 لفن الإيكيبانا 11:1ائاات]أ, الذي جعل من تنسيق الزهور 
نوعا من الفن «الحي النابض». 

أسست مدرسة سوجيتسو في 1977 على يدي سوفو تشيجاهارا لأأ50 
11801 الأستاذ ضي فن تنسيق الزهور. كانت مشكلة سوفو من نوع 
مشكلات الآخرين أنفسهم: حيث أراد أن يجعل من تنسيق الزهور فنا يتسع 
لفن العمارة الغربي. ومن هذا المنطلق برزت مدرسة سوجيتسو وأثبتت 
حضورا قويا في خمسينيات القرن العشرين. وهذه حقيقة ما تزال واضحة 
حتى الآن في أعمال هيروشي  ]1110511‏ ابن سوفو ‏ الذي آلت إليه إدارة 
مدرسة سوجيتسو في .118١‏ وكان هيروشي قد بدأ مصوراء شديد التأثر 
بآراء وأعمال تارو أوكاموتو؛ ليصبح بعد ذلك مخرجا سينمائيا حقق شهرة 
عالمية؛ ليعود مرة أخرى إلى فن الإيكيبانا. 





اليابان: رؤية جديدة 


وتعد مدرسة سوجيتسو استثاء لأنها تسعى إلى إدماج ما هو حديث في 
الفن التقليدي؛ وليس العكس. وضي هذا مخاطرة واضحة: ذلك أن كفن 
الإيكيبانا بتاريخه الذي يمتد إلى خمسماكة عام: يمكن أن يفضي مباشرة إلى 
الحنين للماضي أو برؤية من الخارج ‏ إلى النظرة الاستشراقية المألوفة. 
غير أن أعمال هيروشي تشيجاهارا (وهي أعمال كبيرة من خامات البيئة مثل 
اليامبو وغيره من المواد ا لطبيعية) تتميز بالقوة والحيوية. . وهي أعمال تتجاوز 
كل ما تعود الناس ا بفن الإيكيباناء وتدضع امُشاهد بعيدا عن التعلق 
بفكرة القن الغربي كمعيار لكل شيء . قال تشيجاهارا لي ذات مرة: «إن 
التقاليد لم توجد تلنظل متمسكين بها أبداء وإنما وجدت لكي نحطمها 
ونتجاوزها. ووصولا إلى الحاضر. خضنا سلسلة من هذه النقلات». 

تحتل مدرسة سوجيتسو في الوقت الحالي مبنى متميزا في حي آوياما 
8 : في وسط طوكيو. وكل أعمال الحجر (ذات طابع حديث؛ ذات طابع 
ياباني) من صنع إيسامو نوجوشي تطعدعة]8 سصتدوآ؛ النحات الياباني/الأمريكي؛ 
الذي كان على صلة لمدة طويلة بتجارب تشيجاهارا. ومع أعمال نوجوشي 
الحجرية: كان ثمة عدد من الأعمال الكبيرة لهيروشي تشيجاهارا . ولا يمكن أن 
تدخل المبنى دون أن تث تشعر بثقة المبدعين في أنهم صنعوا أعمالا تجمع بين ما هو 
جديد وما ينم عن ولاتهم للثقافة التي هي الأصل. 

ذات مرة سألت هيروشي تشيجاهارا إن كانت أعماله قد كفت عن أن 
تكون جزءا من فن إيكيباناء لتصبح من أعمال النحث المعاصر. كان في 
السبعينيات من عمره عندما قابلته» شعره أشيبء وطباعه متفززة وعفوية. 
أجاب: «لا أعرف ماذا تقصدء والتصنيفات لا تهمني». 

واصلت في إصرار: «ولكنني عندما أرى أعمالك أعتيرها فنا معاصراء 
وباستثناء الخامات لا أظن أن ثمة شيا فيها يمت للإيكيبانا بصلة. غما 
شعورك إزاء هذا؟» 

قال: «هذا شيء لا يعنيني بالمرة». 

تن يننا لنت 

لا يستطيع المرء أن يلمح أدلة تأثيرات تارو أوكاموتوء بين روائيي ما بعد 
الحربء بالسرعة والوضوح أنفسهماء فليس في كتاباتهم تصوير تشكيلي 
لتكوينات من أشجار الصفصاف الدامعة؛ والخيزران وعباد الشمس وزهور 





الحلم الميتسر 


كآس الماء: والرّمان والصتوير والكمثرى الصينية. ولكن الصلة بين 
مدرسةسوجيتسو إيكيبانا وأعظم الأدباء اليابانيين بعد الحرب جاءت من 
خلال أوكاموتو, وهذه الصلة تتضح في أوضح تعبيرء في الفترة التالية 
المأخوذة أيضا عن مقال «ما هي التقائيد؟» ١‏ 

إن المهمة العاجلة للفن المعاصر هي الجمع بين ما هو كوكبي وما هو محلي؛ أي أن نفهم الخاص 
برؤية عالمية؛ وأن نصل إلى الرؤى والمفاهيم العالمية القائمة على الخصوصيات المحلية. 

وهكذا صاغ أوكاموتو. في أبسط عبارة وأشدها تركيزاء كيف يمكن إبداع 
ثقافة أصيلة. ودحض كما لم يحدث من قبل؛ الفكرة العنيدة المتخلفة التي 
ترى أن الثقافة شيء يمكن أن يستورده الوكلاء من الخارج: أو أن يتخيره 
البيروقراطيون من مخلفات الماضي المحلي؛ ثم ترج في طول البلاد وعرضها 
كأنها معونة أرز توزع بعد انهيار المحصول. إنما مهمة الثقافة هي اكتشاف 
الدهشة فيما هو مألوف, والتعبير عنهاء والإضافة إلى فنون العالم وآدابه 
تأتي من .خلال «استيعاب معاناة الحياة اليومية ومباهجهاء كما نحسها في 
قرى الأسلاف العتيقة, والأحياء الفقيرة في المدن؛ وعمارات الشقق السكنية 
المكتظة في الضواحي. 

وكان كوبو آبي عطة 1060 وكنزابورو أو 06 0تناطفتهه كا[ هما أفضل 
الرواكيين تعبيرا عن هذا التوجه. كان كل منهما أبعد ما يكون شبها بالآآخر؛ أو 
على الأقل هذا هو الظاهر. قال لي آبي ذات مرة: «أنا لا أميل إلى المحلية 
كأسلوب في السرد الروائي.. .وليس من الضروري أن يكتب المرء عن اليابان 
تحديدا». كانت اليابان في كتابات آبيء: مثلها مثل أيرلندا في كتابات بيكيت, 
وبراغ في كتابات كافكاء لها حضور في كل ثنايا العمل غير أن الكاتب لا 
يتوقف لتوصيفها في أي موضع. ولكن تفكير «أو» على العكس تماماء شمن 
مستهل روايته الأولى الشهيرة: المصيدة طء21) عط الصادرة العام /190: 
يؤكد «كنزابورو أو» على خصوصية كل ما كتبء وعمق جذوره في أرضه: 

كان موسم الأمطار الطويل سببا في دفع أهالي قريتنا إلى حرق جثث موتاهم خارج أبواب 
دورهم... انهارت التربة وحطمت الكويري المعلق, وهو أقصر طريق إلى البلدة المجاورة؛ وأغلقت فصول 
قريتنا الملحقة بالمدرسة الابتدائية: وتوقف وصول البريد؛ وعندما كان يضطر الكبار إثى الذهاب 
للبلدة, فإئهم كانوا يسيرون متعثرين في الدرب الجبلي الضيق الوعر. كان من المستحيل تقل جثث 


الموتى إلى محرقة البلدة. 





اليابان: رؤية جديدة 


تتضمن هذه الفقرة أكثر من مجرد توصيف لموقع جغرافي : القرية التي 
نشأ فيها كنزابورو أو إنما هي المدخل الذي يفضي إلى اليابان الهامشية؛ 
يابان التقاليد الصغرى: اليابان التي تحرص الثقافة الرسمية على إخفائها. 
ومن المعروف أن كثيرا من أفضل ما كتب كنزابورو أوء وبخاصة روايتي 
مسألة شخصية ]1 احدموءط ل والصرخة الصامتة نون غمع1ذ5 مال 
تدور كلها حول أكبر أبناكه وأحبهم إليه. هيكاري أتنف!ذ]1؛ الدي كان يعاني 
خللا طفيفا في المخ منذ ميلاده. أثبتت الأيام أن هيكاري كان منَّة (في 
الحياة كما ضي العمل). لأنه بفضله اتجه كنزابورو أو إلى العالم الهامشي 
الذي أراد الكاتب أن يصوره: كان هيكاري هو الذات أو الضمير الذي ليس 
منه مهرب. قال كنزابورو أو ذات مرة: «أنا مهموم كروائي بالهوامش التي 
يعيش فيها الناس العاديون: أريد أن أكتب عن الذات الداخلية لليابانيين» 
أعني اليابانيين في هذه الهوامش؛ حيث تطورت الثقافة اليابانية الحقيقية 
في موازاة الثقافة الأخرى». 

وبالمقارنة: تعد أعمال كوبو آبي واضحة وكاطتحة: : شخصيات من ساكني 
المدينة ضائعة؛ وغير قادرة على التواؤم: :زوج مشرّد ومخبر مُطلّقه ورجل 
يعيش في صندوق؛ وآخر يفطي وجهه بقناع من الأربطة الطبية. وبطل آخر 
رواياته الكبيرة: سفينة ساكورا تداعلة5 علدة 1116 رجل يعيش في مسكن 
مثل كهف في مدينة تتكدس فيه الأشياء العصرية: فقد كان كوبو آبي يحب 
الأشياء. قال ذات مرة: «أنا شخص تجدبني الأشياء بالذات؛ لا الأفكار». 
وتشتهر رواياته بأنها مليئة بالأشياء المتنائرة والكراكيب المبعثرة؛ التي من 
خلالها نستطيع أن نستشف ونتابع مسار 3 تقدمه (و تقدم اليابان): من الحصير 
المصنوع من القشء والجرادل الخشبية: والملابس القطنية الرخيصة في 

رائعته: المرأة في الكثبان الرملية 5 عدا صا سمسده؟؟7 عط ؟1ذا1ء إلى 

أيواب الصلبء والأسلحة البلجيكية؛ وأجهزة المراقبة والأمن الشخصي؛ 
والكمبيوترات ؛ ضي رواية سفينة ساكورا . كان كوبو آبي يستكشف موضوعاته 
وأفكاره الرئيسية: إحساس الإنسان بالعزلة:؛ الهوية: قيمة الفرد في المجتمع ٠‏ 
بينما يتحاشى الوقوع في المحلية بوعيء ومع ذلك؛ فهو يكتب بلا شك عن 
اليابان» اليابان التي يمكن أن نقول إن كل واحد منا يمكن أن يرى فيها شيئًا 
من عالمه. 





الحلم الميتسر 


ومن الإنصاف أن نقولء إن أيا منهما لم يكن من بين الأساتذة الكبار في 
الأسلوب. مثلما كان مشاهير الروائيين اليابانيين. غير أن اليابان التي كتب 
عنها كوبو آبي وكنزابورو أو؛ لم تكن من صنع الخيال: كما لم تكن تائهة: وإنما 
هي اليابان كما هي فحسب. أو كما عبر عنها «أو» فيما بعد بشكل مباشرء 
قدم الكاتبان: «عهدا معاصرا شاملا ونموذجا بشريا عاش هذا الزمان». 
تمكن الكاهان مع اآخرين من جيلهما من جعل القن الياباتي مشناصسرا يع 
الغرب (وذلك تعبير أثير لدى مصوري ما بعد الحرب). وإذا استعرنا شيئا من 
أقوال يوشيرو كاتوء القاطن ضوق سطوح أحد منازل بروكلين: لقلنا إنهم 
«تمكنوا من رؤية أنفسهم»؛: ومن ثم أمكنهم أن يبدعوا شيئا له قيمة عالمية. 

ينبغي؛ على نحو ماء أن تنتهي الحكاية هناء عند اللحظة التي تمكن ضيها 
الفنانون اليابانيون من حل الطلاسم؛ وتجاوز التعقيدات. وتعلموا أن يروا 
لأنفسهم,: إلا أن هذه لم تكن النهاية. ذلك أن لحظة تأئق تشيجاهارا وكوبو 
آبي وكنزابورو أو. كما فهمنا من زوايا رؤية أخرى: لم تكن إلا لحظة؛ مجرد 
وميض يلمع قبل عودة الظلام. 

عندما حصل كنزابورا أو على جائزة نوبل للأدب العام 1944, دخل فضي روع 
العالم آنه توصل أخيرا إلى رؤية اليابان واليابانيين كما هم في الحقيقة. كان من 
المنعش أن يرى الناس ترجمات جديدة لرواياته. وطبعات جديدة لأعماله . ولكن؛ 
في وطنه كان الأمر مختلفاء فقد كشفت جائزة نوبل ‏ أكثر من أي شيء آخر 
الهوة التي كانت قد تعاظمت بين جيله وبقية اليابان. ففي الوقت الذي كان 
كنزابورو أو في استوكهولم ليتسلم الجائزة؛ كان هو وكوبو آبي: الذي كان قد 
توفي العام 1951 قد أصبحا أشبه بالديناصورات المنقرضة في وطنهما . بعد 
ذلك سارع الإمبراطور أكيهيتو؛ ريما لإخفاء الحرج الذي وقعت فيه اليابان, 
سارع إلى منح كنزابورو أو جائزة إمبراطورية. كان أكيهيتو يقصد التمويه على 
غرية اليابان عن أحسن من أنجبت من الكُئّاب؛ ولكن ما حدث هو العكس, إذ 
جعل أكيهيتو الغربة أيسر وصولا إلى النفوس؛ ذلك أن كنزابورو أو رفض الجائزة 
التي ترمز إلى الثقافة, التي كان يكتب للانتصار عليها. 

لم تكد استكشافات خمسينيات القرن العشرين تؤتي ثمارها ضفي 
الستينيات من القرن نفسه؛ إلا وكانت اليابان قد غيرت تويجهاتها الاقتصادية 
والسئياسية: وبالشكل الحاد المعروف. فالتنفيس والتطهر اللذان أحدقتهما 





اليابان: روية جديدة 


حركات الاحتجاج على معاهدة الدفاع الأمريكية ‏ اليابانية 41/120 : ثم 
مشروع إيكيدا الذي أعقبها ؛ أنتج هذا مجتمعا لا هو قادر على إلهام ورعاية 
فنانيه؛ ولا فنانوه قادرون على دعم مجتمههم ورعايته. حينذاك؛ بدأ كبار 
الفنانين والأدياء لفترة الخمسينيات يكتسبون السمات التي ما تزال حتى 
اليوم: بدأوا يتخذون سمت تماثيل منصوبة في الصحراء. 

استخدم [رئيس الوزراء] هاياتو إيكيدا 11608 110/80 لغة جديدة عندما 
دشن مشروعه لمضاعفة الدخلء؛ لغة تجنب فيها التأكيد على الكبرياء القومي 
والتميز الياباني: أو حتى الإشارة إلى اليابان كدولة ذات سيادة؛ وإنما استخدم 
مغردات التكنوقراطيين والمديرين والإداريين. وكان هذا علامة على تغيير في 
مفهوم الثقافة. فإن كان للثقافة والتكنولوجيا قبل الحرب مفهومان متضادان؛ 
يتحاشى كل منهما الآخر ويختفي منه؛ فإنهما ‏ أي الثقافة والتكنولوجيا ‏ 
أصبحا شيئا واحدا بعد .151١‏ أصبحت منتجات سوني وتويوتا ونيكون تُقدم 
(وتٌقبل من الجميع تقريبا): كأعلام ورموز للثقافة اليابانية الحديثة. أصبحت 
هذه المنتجات هي ما يقدمه اليابانيون لتمثيلهم» تذكارات ورموزا لما يمكن أن 
يتعلمه الآخرون من اليابان. يقول كنزابورو أو في حديث له: «بعد الحرب, 
أصبح لنا ثقافتان نقدمهما للأجانب؛ ثقافة ميشيما الإمبراطورية» وثقافة 
الصناعة. أما ثقافتنا المحلية الأصيلة فهي ما تزال مغمورة ومكبوتة». 

كان كنزابورو أو واضحا في تحديد التوقيت الذي بدأ فيه انهيار الطاقات 
النفسية ليابان ما بعد الحرب. فهو لا يربط هذه النكسة المحزنة بمشروع 
إيكيدا (الذي ما كان ليستطيع أن يهدم المشهد الثقافي ضفي لحظة)؛ وإنما 
بموت ميشيماء العام يقول «أو» إنه حتى ذلك التاريخ كان الأدب وحده 
هو القادر على «تنوير طريق اليابان واليابانيين للثقافة والحقيقة». وهذا 
تحديد دقيقء بالنسبة لما حدث. وإن ما يدعو إلى الدهشة هو أن «أو» اختار 
ميشيما ليكون هو المؤشر التاريخي لتدهور ثقافة ما بعد الحرب؛ لأنه كان 
يحتقر تمجيد ميشيما لثقافة الساموراي الشاهر سيفه. كان كنزابورو أو 
يعتقد أنه على الرغم من كل ما أبداه ميشيما من كبرياءء فإن التميز الياباني 
عنده كان محسوبا لكي يحظى بقبول لدى الآجانب. قال لي ذات مرة: «إن 
ميشيما يلفق صورة لليابان مُعدّة للتصدير. وفي هذا تكمن خيانته الكبرى 
للشعب الياباني والثقافة اليابانية». ١‏ 





الحلم المبتسر 


ما كان ميشيماء في أشد حالات تشاؤمه. ليتنبأ بالخراب الثقافي الذي 
آلت إليه اليابان في أثناء سنوات «معمجزتها» الاقتصادية. أصبحت الثقافة 
بعضا من إنتاج الشركات الصناعية الكبرى . بشكل مباشر بالنسبة إلى 
الثفافة الشعبية؛ وبشكل غير مباشر عن طريق التمويل والدعم المادي 
والأدبي بالنسبة إلى الفنون. نحن لا نعرف الكثير عن فنون يابان الشركات 
الكبرى .120 2م 0ل, ولا عن ثقافة مدرسة تعظيم إجمالي الناتج القومي 
011 فليس في هذا وتلك إلا قليل مما يستحق الاهتمام. وعلى حد 
قول كنزابورو أو: دعنا من «كل سيارات الهوندا هذم»؛ فالثقافة كُتب عليها أن 
تظل قاصرة. وكانت الخمسينيات والستينيات هي «ربيع السينما اليابانية» 
على حد قول أكيرا كيروساواء ولكن لم يلبث ذلك الربيع أن أعقبته «العصور 
المظلمة»: أنواع من الأفلام تصور حيوانات الفراء. وعصابات الياكوزا 
للجريمة المنظمة؛ أو رجال الساراري سيئي الطالع. ولم يظهر روائي أو شاعر 
مهم. أما المصورون والنحاتون؛ الذين ظلوا يُصتَمُون إلى مدارس؛ فلم يعد 
أمامهم سوى خيار مظلم ووحيد؛ هو البحث عن مهمة تكلفهم بها الشركات., 
وهو أمر ما كان ليضمئن لهم الاستقلالية. وكانت قاعات عرض الأعمال 
الفنية إما تديرها المدارسء أو يؤجرها أي شخص يستطيع أن يدفع الثمن. 
ووسط هذا المشهد المحزن. تاه الناس العاديون في قاعات الألعاب 
الإلكترونية. ومجلات الرسوم المتحركة؛ وطوكيو ديزني لاند؛ وأخيرا في 
حدائق وقرى الترفيه التثقيفي. وعرفت اليابان عروض وخدع «الحقيقة 
الافتراضية» في التسعينيات. على الرغم من أن اليابان كانت قد أصبحت ‏ 
حينذاك ‏ ساحة لمشاهدة أرض الأحلاء!*). 

وكما فعل الأمريكيون في أوقات الثراء المحدث - فضي منعطف القرن 
العشرين: ثم بعد الحرب العالمية الثانية ‏ استورد الياباتيون في 
أواخرالثمانينيات؛: ما تصل قيمته إلى بلايين الدولارات من الأعمال الفنية. 
وأشهر المقتنيات الكثيرة الباهظة الثمن. لوحة زهور عباد الشمس للفنان فان 
جوخ. التي اشترتها شركة ياسودا للتأمينات البحرية والتأمين ضد الحريق. 
بمبلغ قياسي 57 مليون دولار من باب التفاخر والمباهاة في أعلى درجاتهما. 
(*)تحشل , هذه الفقرة باسماء متنوعة الأشكال الترفيه التثقيفي أو الثقافة الترفيهية, التي انتشر 
في زمن العولمة. والتي تعرقها جميع العواصم والمدن المهمة في العالم. وإن اختلفت بعض الأسماء 
والتفاصيل. ولعل أشهر هذه الحدائق «حديقة الديناصورات» 0011 نأعكلنملال (المترجم). 


اليابان: رؤية جديدة 


وبنهاية عقد الثمائينيات, أصبحت ست لوحات من بين أغلى عشره لوحات 
في العالم مملوكة ليابانيين. غير أن هذا الإسراف المشهر يتركب في غالبيته 
من الغنائم التذكارية والمشتروات الاستثمارية التي جمعت لتحفظ في الخزائن 
والأقبية. وضي هذه الفترة؛ تكاثر عدد المتاحف التي . خُصصت للفئون الغربية 
واليابانية: ليكتشف البيروقراطيون والمحافظون والعمد وأمناء المتاحف؛ بعد 
بنائهاء أن ليس ثمة ما يوضع فيهاء ؛ هكذا بنيت لتظل فارغة؛ كرموز للعصرء 
وما كان من ينوها ليقصدوا ذلك. 

ولابد أن تكون الساحة الفنية في اليابان اليوم مشابهة؛ من بعض الوجوه؛ 
لما كانت عليه في السنوات التي أعقبت عقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة. ثمة 
كثير من القلق والفوران: وجو تجريب صحيء غير أن الشواهد ما تزال قليلة 
على أن هناك نهضة بين الفنانين اليابانيين: على كل حال ليس بعد. ليس 
ثمة؛ على حد تعبير كنزابورو أوء إلا «بذرة صغيرة». وعلى الرغم من أن 
التعميمات غير دقيقة بشكل عام: فإن المرء غالبا ما يجد بقايا تأثيرات ثقافة 
إجمالي الناتج القومي التي تطمس العلاقة الجوهرية التي كتب عنها تارو 
أوكاموتو العلاقة التي تربط الناس بماضيهم. وإعادة بناء هذه العلاقة بعد 
أن تحطمت مهمة شاقة وعسيرة؛ وهي في التحليل النهائي مهمة سياسية 
بمثل ما هي ثقافية. وبدلا من أن يواجه غالبية الفنانين الشبان هذا الأمرء 
نراهم فضلوا أن يتجاهلوهء فهم يتظاهرون بأنه من الممكن أن يعيش الإنسان 
ويبدع بلا تاريخ بلا شيء يربطه بالماضيء أو ريما أيضا بالحاضر. وهم 
ينعتون أنفسهم بمصطلح يريحهمء. مصطلح حمال أوجه. قد يعني كل شيء (أو 
يعني لاكنيء)؛ فهم يسمون أنفسهم ما بعد الحداثيين. 

وَدَهَل هاروكي موراكامي تصتهءلة1/101 1ك1نا:112؛ وهو روائي معبر عن جوهر 
مايقدمه هذا «الجنس البشري الجديد»: أشهر ما بعد الحداثيين. وهو 
يحظى بشعبية كبيرة شي اليابان وتنشر أعماله على نطاق واسع في الخارج» 
ومن بينها مطاردة خروف بري 01356) ع5 178110 لل؛ الغابة النرويجية 
ونا 0 الرقص؛ الرقصء الرقص 1021126 ل ,12313 . 
وهو يُقَدّم باعتباره وريثا لميشيما. إنه, مثل أجنبي (جايجين) يسوق بضاعة 
روسائه الفاسدة في شكلها الخام» بعض من الاستشراق المحَدّث؛ ذلك أن كل 
ما يجمع بينه وبين ميشيما ليس إلا توجهه القومي وأرقام مبيعات ترجمات 





الحلم الميتسر 


أعماله إلى اللفغات الأجنبية. ويعترف موراكامي نفسه بأنه لم يقرأ ميشيما. 
وهو يأخذ موقفا لا مباليا من الماضي ؛ وليس عنده حل للنهوض بمهام الفنان 
الياباني (أن يفهم نفسه:؛ وأن يتلافى الوقوع في التقليد للآخر أوالتراث 
الميت). ليس عنده إلا الهروب التام من الخصوصية اليابانية. وهو يسعى 
جاهدا إلى توسيع المسافة التي تفصله عن العالم المحيط به؛ عن اليابان 
كمجتمع مثير للجدل؛ لتصبح؛ في النهاية, هي المسافة التي تفصل اليابان عن 
الأجنبي. يقول كامي: «أحب أن أكتب عن اليابان من الخارج: يمكن أن تسميها 
الطبيعة اليابانية التي تبقى بعد أن تكون قد نزعت عنهاء واحدا بعد الآخر. 
كل المكونات المفرقة في «يابانيتها». وهذا كلام فارغ وتناقض لا يُحتمل. 
«المفرقة في يابانيتهاء؟! أليس هذا مدعاة لأن نشك في أن ثمة جولة أخرى 
من الشعور بالنقص الذي يرجع إلى بدايات العصر الحديث؟ وإن هذا لمدعاة 
أيضا لأن نتوقع أن يعود موراكامي قوميا انفعاليا بعد نحو عقد من الآن. 

كتب دونالد ريتشي 16ان161 1000810؛ الناقد المرموق للسينما اليابانية. في 
وصف الانبهار الذي تملك المخرجين اليابانيين الأوائل بالتكنيك الغربي. كانوا 
يستخدمون تقنيات الفلاش باك والتصوير البانورامي وهم غير متفهمي 
الإيحاءات العاطفية والسيكولوجية لمثل هذه الأساليب. تتحرك الكاميرا لتركز 
في لقطة كبيرة ‏ مثلا على رجل يقرأ جريدة عند محطة أتوبيس. تصلح 
اللقطة للحظة روائية مكثفة, لكن الرجل غير ذي صفة: واللحظة غير ذات 
أهمية. إلا أن التركيز على الشكل والافتقار إلى المضمون لم يكن إلا مرحلة 
وجيزة: إذ لم يلبث المخرجون اليابانيون أن انتقلوا إلى إنتاج الروائع» حتى ضي 
أثناء عصر الصمت. ولكن تأثير الأخطاء الأولى كان يكشف عن لحظة البداية. 

ونجد مثل هذه الخاصية في أعمال كُتاب ما بعد الحداثة. وإذ يقرؤها المرء 
يشعر وكأنه يراغب طفلا يلعب بالكبريت»؛ فروايات موراكامي مليثة بالتفاصيل: 
فيها تققارير عن الأحاديث التي تجريء والشقق التي تعيش فيها الشخصيات, 
والدروب التي ساروا فيهاء والمنازل التي أحرقت,؛ وتتعدد أسماء ماركات السلع. 
تدور رواية مطاردة خروف بري حول بحث دؤوب ومدروس عن خروف غامض. 
وفي الرواية عفاريت وأشباح؛ وعشيقات؛ رحلات بعيدة: وآكلات سريعة؛ ومناظر 
جنسية:؛ وفنادق رخيصة. ولكنها لا تزيد عن كونها مجرد عفاريت وأشباح 
وعشيقات ورحلات للريف. والحوارات بلا هدف. والخروف ليس ببساطة 





اليايان: روية جديدة 


إلا خروفا غير عادي. وضي هذا تشبه الرواية أفلام المخرجين الأؤائل في أن 
بناءها الداخلي متناقض: فلا صلة تريط ال معاني بالتكنيك والأسلوب. 

والخيط الذي يريط ما بعد الحداثيين معا هو نوع من العمى الإرادي: 
جهل بالتاريخ يثير فخرهم. ويتحدث موراكامي عن نفسه بصفته «أصيلا»». 
ويضيف شارحا ذلك: «لأنني أخذت على عاتقي أن أخلق وحدي لغة يابانية 
جديدة لرواياتي». وإنا لنتساءل: هل الأصالة الحقة بحاجة إلى أن تعلن عن 
نفسهاة؟ ويفظاظة, يخرج موراكامي كل ما لم يقرأه من دائرة اهتمامه, كما 
لوأن عمالقة الجيل السابق لم يكونوا إلا سّقاة يقدمون النبين الخطأ. 
يصف موراكامي جيل كنزابورو أو بقوله: «نعم: إنهم الحرس القديم: وهم 
تماما مثل قادة الحزب الشيوعي شي أوروبا الشرقية: فكتاب الجيل السابق 
يعيشون في عالم شديد الانغلاق؛ والحق أنهم لا يعرطون ما يجري». وهذا 
قول غير مقبول من كاتب يرفض أن يصور ظروف حياة شخصياته؛ كاتب 
يزعم أنه يكتب عن اليابان: بينما هو يستبعد اليابان الحقيقية من أعماله. 
«عند الوصول إلى طوكيو»؛ يقول الراوي في رواية الغابة النرويجية: «لم 
يكن عندي فكرة عما يجب أن أفعلء الشيء الوحيد الذي كان في ذهني ألا 
أولي أي شيء اهتماما جدياء وألا أسمح لأي شيء أن يكون قريبا مني». 
وهذا شاهد يالغ الدلالة. وماذا يمكن أن يكون معنى هذا إلا رخفض «معرفة 
ما يجري»5 

ومن بين إنتاج جيل موراكامي؛ مما أثيرت حوله ضجة كبيرة؛ رواية صغيرة 
صدرت العام ١15848‏ بعنوان المطبخ <6ن16؟1, من تأليف بانانا يومشيموتو 
0 831123 . تدور أحداثها حول امرأة شابة فقدت عائلتها؛ وهي 
أيضا شخصية ما بعد حدائية: شخصية عصبية في حالة بعد مراهقية 
«كسول ومنحرفة». بلا ماض وليست لديها أي فكرة عن العالم من حولها. 
تحب بطلة الراوية مطبخهاء فهو محراب السلع الاستهلاكية منذ «ازدهار 
ضتاعة الأجيزة اكيوناكيةع عيث تسب الشلاطات والفر يعيتيرات 
وطباخات الأرز الأوتوماتيكية. وكم تحب الراوية أن تعيش هناء بل وأن تموت 
هنا. منث ذ المشهد الاستهلالي؛ تدرك يوشيموتو إدراكا كاملا - وإن كان بغير 
قصد تقريبا ‏ قدر هذا الجيل الذي خُصخص حتى الأعماق: وأصابته الوفرة 
بالغباء والخواء الروحي: ' 


الحلم الميتسر 


والآن: ليس ثمة إلا المطبخ وأنا. هذا أحسن؛ وإن قليلا؛ من أن أكون وحدي... جدبت المرتبة الرقيقة 
إلى المطبخ المضيء؛ الصامت صمت الموت» ولضفت نفسي في البطانية: كالمومياء: ورحت في النوم: 
وطنين الثلاجة يحول بيني ويين التفكير في وحدتي. 

ومن عجب أن كُتابا مثل هاروكي وموراكامي وبانانا يوشيموتوء من ورثة 
سوسكي ناتسومي وكوبو آبي وكنزابورو أو؛ يبدو أن ليس لديهم ما يقدمونه إلى 
اليابان وهي تشق طريقها إلى الأمام. ويزداد عجبنا إذا قارنا هؤلاء الكتتاب 
بأعمال معاصريهم من المعماريين اليابانيين ‏ وبعضهم أصغر سنا من أن يعرف 
عن اليابان مثل ما يعرفه موراكامي أو يوشيموتو. وربما كانت بذرة النهضة التي 
تحدث عنها كنزابورو أو تضرب بجذورها بين هؤلاء المعماريين: ذلك أن أعمالهم 
قد تحديا جاذا لكتاب مأ بعد الحداثة, بل إن أعمالهم توحي بما يمكن أن تثمره 
هذه البذرة الصغيرة في الفنون الأخرى. وأفضل هؤلاء المعماريين يصرون على 
أنهم معاصرونء وأن لديهم من الصلابة والحجج ما يجعلهم يعلنون أن الحنين إلى 
الماضي ليس إلا ضياعا عبثيا للوقت؛ ومع ذلك فهم على إدراك واع بيابانيتهم؛ 
ومتحمسون لهاء وهذا يتجلى في تعاملهم مع الكتلة والفراغ: والأضواء والظلال: 
وإماحاتهم إلى الماضي ٠‏ وشاعريتهم الشعبية أحيانا. والتعرف على أعمال هؤلاء 
المعماريين ثم التفكير في روايات مثل المطبخ أوالرقص؛ الرقصء الرقص يضيف 
خطيئة أخرى إلى أعمال كتاب ما بعد الحداثة: وتلك هي أنه في وسط الخواء 
والجدبء توجد الخصوية أيضا. 

يتذكر كيشو كوروكاوا 1902018152 1515120 وهو أحد المعماريين المرموقين .من 
أول جيل حقق نضجا بعد الحرب ‏ يتذكر ما رأى حين عاد إلى مدينته ناجويا 
بعد أيام من الاستسلام في 1550. وكانت عائلته قد هجرت منها قبل ذلك؛ حين 
عادوا اكتشفوا أن غارات الحلفاء لم تترك المدينة إلا خرائب متفحمة. اصطحبه 
والده في جولة في أحياء لم يعودوا قادرين على التعرف عليها. يقول كوروكاوا: 
كان أبي مهندسا معمارياء كنا نبحث معأ عن موقع نبني فيه مصنعا جديدا. قال 
أبي: «لم يعد لدينا شيء؛ ولكن المعماري يستطيع أن يخلق مدينة جديدة». 
وبالنسبة لي كصبي صغيرء كان ذلك يبدو مستحيلا : كيف يمكن أن تُبنى مدينة 
من لا شيء؟ ولكن مند تلك اللحظة؛ عقدت العزم على أن أسير في خطاه. 

تحكي القصة أشياء مهمة عن الهندسة المعمارية في اليابان» من حيث هي 
استجابة للملابسات والظروف المادية شأنها في ذلك شأن الديكور الداخلي 





اليابان: رؤية جديدة 


والأزياء. وهي من المجالات التي حقق فيها اليابانيون تميزا فائقا. وكان بتاء 
مدن جديدة من بين المهام العاجلة التي نهضت بها اليابان طيلة عصرها 
الحديث. وكانت التنمية العمرانية قبل الحرب ‏ خاصة مع زلزال 1977 - 
كانت مصدر إلهام عدد من نجوم العمارة» نخص بالذكر منهم كونيو مايكاوا 
0 1110ناك1: الذي تتلمنذ على يد لو كوربوزييه. وحين استؤنفت التنمية 
العمرانية بعد الحرب (وتضخمت الاعتمادات المخصصة للأشغال العامة 
تضخما هائلا) .اكتسب المعماريون نفوذا كييرا من الاندفاع المطلق إلى البناء. 
ويستطيع نجم المعماريين أن يصعد في عالم هيمنة السياسة والتجارة على 
نحو لا يتيسر للروائيين أو المصورين. ولكن المكانة المتميزة التي احتلها 
المعماريون لها أعماق أبعد؛ ضفي اليابان كان الفن دائما أكثر ارتباطا بالحياة 
مما هو في الغرب. وإذا أعدنا إلى الذاكرة طقوس حفلات الشايء والمبارزة: 
واليساتين: فإن الفن المعماري أكثر ارتباطا منها جميعا بالحياة: كفن عملي 

لم يقطع المعماريون اليابانيون صلتهم العميقة بالماضيء مثلما فعل كثيرون 
غيرهم. والحق أن المعماريين الممارسين الذين زاروا اليابان - ومن بينهم فرانك 
لويد رايت سرعان ما تبينوا أن المفردات والعناصر المعمارية لمنزل تقليدي 
ياباني يمكن أن يتعلم منها المعماريون المحدثون في كل مكان: استخدام الفراغ 
واللاتمائل: وضبابية جميع الخطوط المحددة. وتفشي هذه المفردات العناصر 
المميزة للفن المعماري الياباني: الغموض ورفض الالتزام ووضع ما هو من صنع 
الإنسان في مواجهة الطبيعة:؛ أو وضع الداخل في مواجهة الخارج. يعبر 
فرانك لويد رايت عن إعجابه بذلك قائلا: أدفع أحد الأبواب المنزلقة جانباء 
فيتحول المكان الخاص إلى مكان عام: وأدفع بابا آخر جانباء فتتحول غرفة 
داخلية إلى ملحق للحديقة. الفضاء محايد؛ وعلى حد تعبير كوروكاوا «الفضاء 
ملتبس». والحق أنها كلمة صائبة: لأن هذا المفهوم للفضاء يشبه اليابانيين 
أنفسهم على نحو ما. 

تشار مناقشات لم تحسم بعد حول السؤال: هل استطاع ميكاوا وأشهر 
تلاميذه؛ كنزو تانجيء أن يحققا شيئا أكثر مما تعلماه من لو كوربوزييه ومايس 
فان در روه؛ وأن ينتجا شيئًا يابانيا أصيلا؟ غير أن تلامين تانجيء ومن بينهم 
كوروكاوا؛ كان لهم موقف حاسم من هذه المشكلة. حيث شنوا هجوما مباشرا 





الحلم الميتسر 


على الأفكار الغربية عن فن العمارة وتخطيط المدن. وبعد أن هاجموا المعايير 
الغربية: بدأوا يعالجون المشاعر العميقة المتضاربة التي ما زالت تعمتمل في 
نفوسٍ اليابانيين تجاه مدنهم: كمدن لا شك في حداتتهاء غير أنها صروح 
وَنْصب للمباعدة والازدواجية: أماكن يعيش فيها الناس مكدسين بكثافة غير 
مسبوقة؛ ولكن الطبيعة عنها غائتبة 

وضي زماننا هذاء تتجلى أصالة المعماريين اليابانيين في أماكن كثيرة من 
لوس أنجليس ونيويورك إلى باريس وأشبيلية. وهي عمارة توحيدية. ويسمي 
كوروكاوا نظريته «التكافلية»: وهي نظام للهندسة المعمارية يكاد يكون نظاما 
فلسفيا. ومع أساتذة يابانيين آخرين:؛ (نخص بالذكر منهم أراتا إيسوزاكي؛ 
وتاداو أندو)ء يربط كوروكاواء في «تركيب أممي جديد». أشياء تراها الثقافة 
الحديثة متعارضة: الناس والطبيعة:؛ العلم والدين: الشرق والغربء المأاضي 
والحاضرء الحدس والمنطق. إنه تركيب يجمع بين الخصوصية والعالمية ؛ 
أصيل فيما بعد حداثيته؛ كما هو أصيل ضفي يابانيته. 

عندما قابلت تاداو أندوء: تلمرة الأولى؛ ارتقى سلالم داخلية صعودا إلى 

الدور الثالث في الاستوديو الخاص به في أوساكاء وخرج من المبئى ليعبر 
ممرا خارجيا ضيقاء ثم عاد فدخل من باب زجاجي ليصل إلى الغرفة ألتي 
كنت أجلس فيها. وما كاد يراني: وبقصد أو بغير قصدء كان قد وجه إلي 
سؤالا:«هل أنا حقا خرجت من المبنى أم أثني داخله طوال الوقت؟ ما 
الداخلي وما الخارجي؟ ما علاقتنا الحميمة بالعناصر الأساسية للعالم 
الطبيعي؟» كان أندو ملاكما سابقاء علَّم نفسه العمارة؛ مبانيه مليئة بردهات 
استقيال مكشوفة؛ وممرات داخلية بلا سقوف. ومشروعه الذي اعتبره فتحا 
عبارة عن صف بيوت من الأسمنت المسلح الخام والزجاج: بني العام 1917/7: 
يتوسطه فناء مفتوح يجتازه ممر معلق في الطابق الأول. وبعد ذلك ياثني 
عشر عاماء بنى في هوكايدو كنيسة لها ثلاثة جدران تنفتح على المروج 
والأشجار؛ ومذبحها محاط بالسماء وبركة ماء ضحلة 

تبادلنا أطراف الحديث ساعات عدة. ثمة شيء في أنف الملاكم؛ وصوته 
يذكرني بمارلون براندوء كما يذكرني هو نفسه؛ على نحو ماء بالمصور يوشيرو 
كاتو القاطن فوق سطوح منزل في بروكلين؛ والمقارنة مع الفارق الكبير طبعا. 
كان أندو أيضا يأسى لما فعلته اليابان بنفسها بعد الحرب ؛ فهي على حد 





اليابان: رؤية جديدة 


تعبيره: «بيكة صناعية محسوية تقطع كل تواصل مع الطبيعة». ومع ذلك؛ فهو 
قاسي الفؤاد مجرد من العواطفء ولا يشعر بأي حنين إلى اليابان قديمة 
تستحيل عودتها . وهو راغب في التعبير عن الخصوصية اليابانية: وهو كثير 
الاستخدام لهذا التعبير ولكن ليس عن طريق استخدام العناصر في كل 
بناياته: أو بمائها بحصير التاتامي أو ستائر ورق الأرز الشوجي 1ز500: وإنما 
هو يعني الحال اليابانية كما هي في الواقع الآن. فهو يس تخدم الصلب 
والزجاج: ويضع توقيعه بالأسمنت المسلح: تماما كما كان كاتو يستخدم 
الأقمشة والألوان الأكريليك البراقة. إنها «خامات عالمية»؛ وأن تكون معماريا 
يابانيا معناه أن تتفاعل معهاء وتقيم حوارا بين ما هو مصنوع وعالم الطبيعة. 

وفي ركن من الغرطة؛ في داكرة ضوء كوة سماوية؛ يوجد نموذج لمتحف 
بنسبة ٠٠١:١‏ كان قد أتمه منذ بضع سنوات على شاطئ البحر الداخلي 
بالقرب من كوبى. وكتب عنه ذات مرة يقول: 

جعلته مكانا عاما وخاصا معاء مفتوحا ومغلقا في الوقت نفسه؛ متوحدا حتى وهو مجرا: تضاد 
المتناقضات المركبة التي لا يستطيع الفن المعماري أن يهرب منها. 

رأيت المبنى؛ فوجدت فيه روح أندو: ضخم ولكئه خفيفه وقور ولكنه في ألفة مع محيطه. هكذا 
جعلني لقائي بأندو أفهم أن المتناقضات التي ذكرها تعبر عن مشاعره كياباني عصري. ورؤيتي 
للمتحف جعلتني أدرك أن اندو قد حسم تناقضاته كما يتفهمهاء تماما كما حسمها في المبنى» لقد 
راى اندو أنه قادر على رؤية نفسه. 

ألقى أندو نظرة على الماكيت: وتساءل بغتة: «كيف نفكر نحن اليابانيين؟ 
هذا هو السؤال الذي طرحته على نفسي عندما بدأت» وقلت إن استطعت أن 
أجيب عن هذا السؤّال بعمل أقدمه؛ فإن ذلك يعني أنني استطعت أن أصنع 
شيئا يابانيا». 








للم 
«أرأيت يا سادداء المولود 
عريان... وليس له اسم». 


«هاهاها!اهذاكلام . 
مضحك يا كو فكل الناس ؛ 


يولدون هكذا». 


«إى ثئعم. كل الناس بلا . 


اسماء وكل الئاس عرايا 


عند مسا يولدون.ء حتى : . 
000 


الإميراطور... وحتى إيتا 


سوسومي : 


نهر بلا جسر؛ 1931 


(*) إيتا #ان: إسم طبقة كانت ' 
قبل العصر الميجى ‏ في أدئى السلم ' 


الاجتماعي: بعد طبقات المحاربين 
والمزارعين والحرضيين والتتجسار . 


وكانت تسمى أيضا طبقة المنبوذين» , 


(عنقام وس #عاوان]الا 2 


لانن أأسسعاص). 


الآخر في داخلنا 


تعرفت في طوكيو على أكيمي ماتسوورا 
111 لفتتاععلة . وهى امرأة كورية ‏ يابائية 
شابة أنيقة وذكية تعرف عدة لفات»: هى 


شركة أزياء فرنسية. ومثل كثير من الكوريين - 


اليابانيين؛ كانت قد غيرت اسمها الكوري الأصل. 
ولدت ونشأت في أوساكاء ثم تلقت تعليمها 
الجامعي في سيول. حين دخلت الجامعة كانت 
في الثامنة عشرة من عمرهاء وكانت هي المرة 
الأولى التي تذهب فيها إلى كوريا. 

تغيرت ماتسوورا في كورياء حيث اكتشفت 
أنها لم تكن كورية حقيقية. وعندما عادت إلى 
اليابان بعد أن أتمت دراستها الجامعية: رأت 
اليابان أيضا بشكل مختلف. تقول: «عتدما 
رجعت؛ اكتشفت بالتدريج جانبا محزنا وباردا ضي 
اليابانيين. حيث تبينت أن ثمة هوة كبيرة تفصل 
بين ما يعلنونه عن حقيقتهم وبين حقيقتهم. 
وتبينت أن الإنسان لا يستطيع أن يكون قرييا من 
اليابائي؛ وأن تكون يابانيا تعني أن تكون ووحيدا». 





اليابان: رؤية جديدة 


أحست ماتسوورا بانفصالها عن الهوية اليابانية (كذات وكموضوع). 
فالمفارقة هي أنها كانت يابانية وغير يابانية معا. عندما ذهبت إلى كورياء 
كانت هي التي قررت أنها ليست كورية (بغض النظر عن هوية أسلافها). أما 
في وطنهاء فإن الوضعية معكوسة؛ كانت ماتسووراء على كل حال؛ يابانية: 
بكل المقاييس» باستثناء شجرة العائلة؛ ولكن اليابانيين هم الذين قرروا أنها 
ليست يابانية. 

تمكنت ماتسوورا بفضل وضعيتها الخاصة أن تكون رؤية واضحة. 
تضمنت رؤيتها لليابانيين (ولنفسها) معاناتهم من مسافة البعد التي 
تفصلهمء ليس فقط عن الآخرين: ولكن أيضا عن بعضهم البعض. تنتشر 
الوحدة انتشارا كبيرا شي اليابان؛ وهي من بين الأشياء الأولى التي يلحظها 
من يقيم هناك. وأن تكون يابانيا معناه أن تكون وحيداء معناه الانفصال عن 
«الآخرين». وانفصال كل اثنين عن بعضهما البعض؛ والانفصال داخل كل فرد 
معناه وجود هوة تفصلء على حد تعبير ماتسووراء بين كيف يقدمون أنفسهم. 
وكيف هم. وتأكيد هذه الفكرة واردء لأن الياباني جعل من نفسه «الآخر». 
وبإحكام شديد . 

وطبعاء ليس من عادة اليابانيين أن يفكروا هكذاء بل إنهم كانوا متعصبين 
تعصبا شديدا تجاه الآخرين: منن بدء تاريخهم المكتوب. وتملكهم هاجس 
غرابة الآخرين؛ فتلك حقيقة نعرفها عنهم جيدا بمثل ما نعرف أنهم يصنعون 
سيارات ممتازة. ونرجع ذلك إلى ما يتسم به سكان الجزر من النزوع لكراهية 
الأغراب: أو هي من نوع كراهية الأجانب التي يستثيرها حكام اليابان في 
لحظات الخطر السياسي: مثلاء عندما جاء الغربيون في القرن السادس 
عشر لنشر المسيحية والأساحة النارية, أو عندما أراد الجهاز الأيديولوجي في 
عصر الميجي أن يوحد الأمة التي بدا كأنها ستتفرق في كل الاتجاهات. ولكن 
الأمر ليس بهذه البساطة؛ فكراهية الأجانب عند اليابانيين وثيقة الصلة 
بتاريخهم» كقوم اعتادوا الاستعارة من الخارج؛ وهي تعكس الطريقة التي يرون 
بها أنفسهم: أو باستخدام تعبيرات الفصل السابق؛: تعكس عجزهم عن أن 
تكون لديهم رؤية واضحة عن أنفسهم. 

فمن «الآخرون» بالنسبة لليابانيين؟ ثمة الغرييون طبعاء وكل من يعيش 
فيما وراء البحار. ثم هناك «الآخرون» بين اليابانيين: هناك طبقة المنبوذين 





الآخر فى داخلنا 


المعروفين باسم بوراكومين 8أتننائلة؟تاط؛ وسكان الجزر اليابانية الأصليين, 
وهم ال «أينو» في الشمالء: وسكان أوكيناوا في الجنوب. كذلك هناك أقليات 
إثنية كورية وصينية تقيم في اليابان. وجذبت الفقاعة الاقتصادية للثمانينيات 
موجة يابانيين قادمين من البرازيل؛ التي تقيم فيها أكبر جالية يابانية خارج 
جزرهم. وقد اعتبر اليابانيون ‏ البرازيليون نوعا من «الآخرين» أيضاء حيث لم 
يعودوا يابانيين خالصين. كما جذبت الفقاعة الاقتصادية أيضا أعدادا كبيرة 
من الأيدي العاملة من جنوب شرق آسياء وشبه القارة الهندية. والشرق 
الأوسط؛ وهم أول موجة من الوافدين من هذه الأنحاء تشهدها اليايان: وغني 
عن الذكر أنهم «آخرون» أيضا. 

وتلك قائمة هائلة: وفيما عدا الغربيين والأيدي العاملة الوافدة من البلاد 
المتخلفة: كلهم آخرون بالداخل: مصنفون كآخرين بدرجة أو أخرى. نبدأ 
بالبوراكومين:؛ الذين لا يكادون يفترقون في شيء عن اليابانيين: الأمر الذي 
يجعل النظرة الدونية نحوهم غبية وغير مقبولة إلى درجة تقرب من العبثية. 
وتتذرع اليابان بالفروق الطفيفة في ملامح الأينو وسكان أوكيناواء لتعتبرهم 
بعضا من حفريات الماضي. أما الصينيون والكوريون؛ فمن الإنصاف أن نقول 
إن اليابانيين من صنعهم ‏ إلى حد كبير ‏ ثقافيا وحضاريا ومادياء (بل وجينيا 
أيضا في حالة الكوريين). وعلى الرغم من أن اليابانيين يستبعدون هذه 
الجماعات. فإنهم جزء من تركيبة اليابانيين: الذين لا يشكلون سلالة بشرية 
بذاتهم: كما يدعون في الغالب؛ وإنما هم جماعة إثنية داخل الجنس المنغولي. 

ولابد أن ثمة نوعا من كراهية الذات تكمن في الطريقة التي يعامل بها 
اليابانيون الآخرين الذين اخترعوهم. فمكانة الصينيين في تاريخ اليابان» على 
سبيل المثالء ليست نوعا من خيال الباحثين. الأمر الذي لا يغيب عن ذاكرة 
الياباني في كل مرة يأكل شيئا باستخدام العودين أو يقرأ كلمة. فاللغة ليست 
في صفهم في هذه النقطة. ومن بين الألفاظ الكثيرة التي يحقرون بها من 
قدر البوراكومين لفظ نينجاي 2821 ذه ومعناها «خارج الجنس البشري» أو 
مختلف عن البشر. فلماذا ‏ على هذا النحو ‏ يصنف اليابانيون أناسا ليسوا 
فقط مثلهم: ولكنهم هم أنفسهم: كما تثبت ذلك بكل تفصيل مكتشفات 
وتحائيل الجينات 5114 أما كلمة «جايجين» فلا تطلق أبدا على الكوريين أو 
الصينيين: ولا حتى على العمال الأجانب الوافدين. ومن المؤكد أن البوراكومين 





اليابان: رؤية جديدة 


والسكان الأصليين ليسوا «جايجين»»: لأن هذا اللفظ يتضمن نوعا من الامتيازء 
كما يدل على ذلك المقطع الأول «جاي» ويعني «خارجيا» والمقطع الثاني «جين» 
ويعني «المشخص». 

قال لي صديق من طوكيو ذات مرة: «نحن نشعر دائما بالنقص عندما 
ننظر تجاه الغربء كما نشعر بالتفوق تجاه آسيا». وهذه حقيقة يمكن قبولها 
بسهولةء فمن المؤكد أن هذا هو شعور كثير من اليابانيين؛ بل إنهم منذ 
الإصلاح الميجي يتساءلون هل هم حقا آسيويونء أم أنهم تركيبة غامضة؛ 
يمكن أن تطلق عليها اسم «أوروبيو آسياء. ولكن فكرة أن اليابانيين سيظلون 
على الدوام ينحنون أمام الأوروبيين باستحياء؛ بينما ينظرون باحتقار إلى 
أقوام يشاركوتهم تاريخا طويلاء هذه الفكرة لا تستقيم: فهي في التحليل 
الأخير تكرار لفكرة الشرق الذي لا يتغيرء إنها من بقايا مفهوم «القدرية 
الشرقية»؛ فالتعصبات والأفكار المسبقة لا تتغير بسهولة أو بسرعة. ولكن 
ثمة شواهد كثيرة على أن اليابانيين غير مرتاحين لانفصالهم عن أنفسهم 
وعن الآخرين. 

في أواخر الثمانينيات: كتبت الباحثة السيكولوجية جوليا كريستيفا كتابا 
بعنوا ان غرياء عن أنفسنا 01015619768 0) 18615ة]5: أبرزت فيه أننا نتعلم 
فكرة قبول الآخرين من خلال التعرف على: 

حال كونثا آخرين مشيرين للقلق؛ لأن تلك الحال هي بالتأكيد التي تنفجر لمواجهة ذلك 
«الشيطان»: ذلك الخطر: ذلك الخوف الذي يتولد بفعل ظهور الآخر منعكسا في قلب ما نصر على 
الإبقاء عليه متماسكا ومتسقاء الا وهو انفسنا. وإذ نعترف بغربتنا الشديدة؛ فإنئا لن نعاني منهاء 
كما لن نستمتع بها من الخارج. إن الغريب في داخلي؛ ومن ثم فنحن جميعا غرباء. وإذا سلمت باني 
غريب» فليسى ثمة غرباء. 

وتستند كريستيفا فيما تكتب» جزثياء إلى الخبرة الشخصية: فهي بلغارية 
يهودية؛ كانت عائلتها قد ذهبت للإقامة في فرنسا. لم يرد ذكر لليابانيين في 
كتابها غرياء عن أنفسنا على الإطلاق: ولكن الكتاب يحتوي على كثير مما يمكن 
قوله لأناس أصبحواء خلال سلسلة من المنعطفات التاريخية؛ غرباء تماما عن 
أنفسهم. والقول إن اليابانيين يتعلمون أن يروا بوضوح من هم؛ يعني بالدقة أنهم 
يكتشفون حالة كونهم «آخرين مثيرين للقلق». أي أنهم يكتشفون الغريب في داخل 
«الأنا المتماسكة المتسقة» وهو المعنى الذي كانت تدل عليه دائما كلمة «ياباني». 


الآخر فى داخلتا 


بين 1874و 1540ء اعتبرت الأفلية المالية الحاكمة شي اليابان أن ملكية 
«الآخرين» أمر ضروري؛ وعلامة؛ على أن اليابان وصلت إلى مرتبة الدولة 
الكبيرى. فضي التحليل النهائي, جاء الإصلاح الميجي وسط العقصر 
الإمبراطوريء؛ وإن كان اليابانيون قد تعلموا أشياء عن بناء إمبراطورية: فإنهم 
تعلموها سن الغربء ولولا ان الحالة ماساوية: لكان من الضحك أن نرى كيف 
أن اليابان الحديثة خاضت مغامراتها الأولى شي هذا المجال وفقا للنمط 
الغربي: الذي اعتبرته اليابان «القانون العام للعالم بأسره». بعد الإصلاح: 
رفضمت كوريا الاعتراف بالكومة ا اليابانية الجديدة. وضي الحال تصاعدت 
الأصوات بأنه يتعين على طوكيو أن تفتح المواني الكورية بالقوة؛ وهو الأسلوب 
نفسه الذي كان قد فتح به الغرب المواني اليابانية. ولم ترخض الفكرة إلا لأن 
اليابان لم يكن لديها القوة الكافية لتنفيذها. ولكنها لم تلبث؛ في العام 1816 
أن أرسلت سفنها الحربية تتنطع بالقرب من الشواطى الكورية؛ تماما كما 
سبق أن فعلت «السفن السوداء» للكومودور الأمريكي بيري/*). وبعد ذلك بعام 
واحد؛ وقعت اليابان وكوريا على معاهدة؛ بموجبها فتحث كوريا ثلاثة من 
موانيها للتجارة اليابانية» وأصبح لليابانيين الحق في الإقامة في كوريا؛ دون 
أن يخضعوا للقانون الكوري. 

كانت لليابان بين .حين وآخر أطماع إقليمية في كورياء عبر تاريخ امتد 
قرونا عدة. ولكن غزو اليابان لكوريا في 11١١‏ كان أمرا مثيرا للسخرية 
(وكانت قبل ذلك بخمسة عشر عاما قد استولت على تايوان: ولن تليث أن 
تتقدم بعد ذلك للهجوم على الصين). كان الدافع الأصلي لطوكيو؛ وإن جزئياء 
هو ضم كوريا إلى حلف معها ضد الغربء وهذه فكرة ما يزال القوميون 
يقدمونها للدفاع عن أسباب التوسع الإمبريالي. ومع ذلك فإن اليابانيين: بعد 
أن احتلوا كورياء كانوا في منتهى القسوة والفظاعة مع الكوريين. يقر رجال 
الدولة اليابانيون أن الوحشية اليابانية ليست مقبولة في اليابان: ولكن لا مائع 
منها في كورياء لأن الكوريين قوم غير متحضرين. 

نحن نرفض عادة ‏ عن حق ‏ الحجج التي يتذرع بها القوميون اليابانيون 
لتبرير اجتياح آسياء ؛ وخوض حرب الباسيفيك: فالقول إن اليابان خاضت 


0 وصبلت سفن الكومودور الأمريكي مايق بيري» » إلى شواطئْ اليابان جنوب طوكيو 1605 . (انظر 
الملحق الخاص بالأحدات التاريخية المهمة). (المترجم). 








اليابان: رؤية جديدة 


الحرب ضد الغرب باسم كل الآسيويين إن هي إلا ذكرة غير مقبولة من واقع 
سلوكيات اليابان الإمبراطورية. ولكن علينا أن نتبين في النفاق المرذول لليمين 
الياباني المتطرف جانبا آخر من التناقضات التي عجزت اليابان عن حلها 
وهي تلج عصرها الحديث. فقد استجابت اليابان للاحتكاك بالغرب؛ ومن 
أجل أن تكون على نسقه؛ بتصنيف الشعوب التي لها ماض لا ينفصل عن 
ماضيها ‏ «كآخرين». وهكذا اعثبر الكوريون أقرباء و«آخرين» في الوقت 
نفسه. وريما كان هذا هو السبب ضفي أن اليابان اعتبرت أنها «ضمت» كورياء 
ولم «تستعمرها». أرادت اليابان أن تطمس الهوية الكورية. وتقضي على 
«التميز الكوري»؛ من أجل أن تدمج الكوريين في المراتب الدنيا للمجتمع 
الياباني. هكذا كانت عملية «ضمء أراضي كوريا تتضمن شيئين متناقضين: 
الانفتاح على الغرب المتفوق جعل اليابانيين ييبحثون عن شعوب أدنى منهم 
ليعاملوهم بقسوة السادة؛ مع الإيحاء بأنهم يأخذون بيد الكوريين معهم في 
مسيرتهم لدخول العصر الحديث. 

أما الصينيونء الذين كان اليابانيون يألفون معرفتهم كتجارء؛ طلم يكن 
لهم وجود إلا في جيوب داخل الموانئ اليابانية. وبالإضافة إلى جالية 
صغيرة من الأيدي العاملة. فإن هذه هي الحال حتى يومنا هذاء وعادة ما 
يُترك الصينيون لشأنهم. أما المقيمون الكوريونء فقد كانوا مختلفين. حيث 
هم عمال زراعيون أو صناعيون: وأخيرا هم رعايا للدولة اليابانية. بعد 
عقد من ضم كورياء كان عدد الكوريين في اليابان قد أصبح أربعين ألفاء 
ويعد ذلك يعشر سنوات ارتفع العدد إلى عشرة أمثاله. وي العام غ5 ,ء 
وصل عددهم إلى مليون وربع المليون: ليتضاعف هذا العدد تقريبا في 
أقاء الحرب: 

كان استيعاب وامتصاص الأقلية الكورية سياسة يابانية رسمية دائماء 
ولكن ثمة مسافة غير قليلة بين السياسة الرسمية والأحوال الواقعية غير 
الرسمية. يقيم في اليابان اليوم حوالى سبعمائة ألف من أصول كورية: كلهم 
تقريبا مولودون في اليابان: اتخذ غالبيتهم أسماء يابانية ويتكلمون اللغة 
اليابائية في منازلهم. مهم في ذلك مثل أكيمي ماتسووراء المشتغلة ضي 
صناعة الأزياء والتي قاباتها في طوكيو. في حالة المحللة النفسية جوليا 
كريستيفاء التي أصبحت مواطنة فرنسية عادية؛ فإن هذا التغيير لم يقضص 





الآخر فى داخلنا 


على أصولها البلغارية: ولا صفتها كيهودية. لم ينته شيء. ولكن هذا لا ينطبق 
على الكوريين الذين في طريقهم لأن يصبحوا يابانيين. 

جاء والد أكيمي ماتسوورا من كوريا للعمل في اليابان في أثناء الحرب. 
وبعد ذلك أسس شركته الخاصة للبناء. لم يكن ثمة أي لبس في هوية 
ماتسوورا الأب: فهو كوري المولد» تزوج امرأة كورية؛ وكون أسرة كورية. لم 
يتوقف والد أكيمي قط عن تذكير أبنائه بأنهم كوريون؛ حتى بعد أن نسوا 
لغتهم. قالت أكيمي في معرض الحديث عن أسرتها: «كنت أعتقد أنني أفكر 
ككورية». ولكن أكيمي اكتشفت؛ وهي في كورياء أنها لم تكن كورية حقاء وبعد 
ذلك اكتشفت ضي اليابان أنها لم تكن يابانية: ولم أدهش عندما ذكرت لي أنها 
قضت السنوات الأولى من حياتها المهنية تتنقل من وظيفة لأخرى: مرة في 
طوكيو؛ وأخرى في سيول؛ ثم في طوكيو مرة أخرىء. وهكذا . 

كل عام؛ يحصل عدد قليل من الكوريين على الجنسية اليابانية» غير أن 
تلك تجرية ثقيلة. وبينما الإجراءات القانونية للحصول على الجنسية واضحة 
ومباشرة؛ فإن تعبير «أن يصير المرء يابانياء» هو تعبير مشحون؛ فالجنسية 
تنزع عن الكوريين تصنيفهم كآخرين في نظر اليابانيين؛ ولكنها تعني أيضا 
أنها تتزع الكوريين من أنفسهم. حيث يجب أن يصبحوا؛ مثل اليابانيين؛ آخرين 
أمام أنفسهم. ومن ثم يتعين عليهم أن يتخلوا ليس فقط عن أسمائهم: وإنما 
أيضا عن ثقافتهم ولباسهم؛ وغالبا ما يتعين عليهم أيضا أن يتركوا الأحياء 
التي يعيشون فيهاء وما شابه ذلك. ولأن الحصول على الجنسية يستتبعها كل 
هذا القدر من فقدان الهوية فإن غالبية الكوريين يفضلون الإبقاء على 
وضعيتهم غير المستقرة» وضعية المقيم الغريب. 

ومن بين أشهر حدثين شهدتهما اليابان» وكان الكوريون طرفا فيهماء ما 
جرى بعد زلزال 1977. بين طوكيو ويوكوهاماء لقي ثمانون ألفا من الناس 
مصرعهم بسبب الهزات الأرضية؛ وما أعقبها من اندلاع «بحر من الحرائق». 
وفي الحال انتشرت شائعات تقول إن الكوريين يشعلون الحرائق؛ ويسممون 
الآبار. ويلقون القنابل؛ ويفتصبون النساء اليابانيات» وينهبون الدكاكين 
اليابانية. ولكنها كانت شائعات كاذبة» ولم تثبت صحة أي منها. ولكن جماعات 
من الحرس الأهلي التي تكونت في الأحياء؛ بدعم من الشرطة والجيش؛ 
قامت بتنفين أحكام إعدام للكوريين بالجملة. تزامن ذلك الزلزال مع الطبعة 


اليابان: رؤية جديدة 


اليابانية تلذعر من الخطر الأحمر الذي أمسك بخناق أمريكا بعد الحرب 
العالمية الأولى. وبعد أن انحسرت موجة الهياج المعادي للكوريين شي اليابان: 
نشرت طوكيو أنباء مغلوطة في داخل اليابان وخارجها تفيد بأن الضحايا 
الكوريين كانوا من النوع «الأحمر» المثير للشغب والعنف. 

ما تزال أحداث العام 5377 مثار خلاف في اليابان وكورياء حيث تختلف 
تقديرات عدد القتلى,؛ ٠‏ وشو و موضوع ما يزال الباحثون يتابعونه من واقع 
السجلات التاريخية. وتتراوح الأرقام بين "١‏ (وفقا للتقدير الرسمي 
للشرطة العام 1977), ل ستة آلاف (وفقا لما ورد في كتابات الباحثين 
اليابانيين والكوريين في السنوات الأخيرة). وعلى كل حال؛ نستطيع أن 
نفترض أننا لا نبعد عن الحقيقة إذا قلنا إن عدد من تُفذت فيهم أحكام 
الإعدام من الكوريين يربو على أريبعة آلافء كما أننا لا نبعد عن الحقيقة إذا 
قلنا إن هذه المذبحة تركت جروحا عميقة في العلاقات بين اليابائنيين 
والكوريين المقيمين في اليابان. 

والحدث الآخر الذي كان الكوريون طرها فيه. حدث في أثناء الحرب 
لكنه لم يطرح على نطاق واسع كقضية عامة إلا بعد نصف قرن: وكان ذلك 
يتعلق بما أسمته السلطات اليابانية في أثناء الحرب (وما تزال تطلق عليه 
حتى اليوم) تعبيرا مخففاء ألا وهو «نساء المتعة». تقصد بذلك الفتيات 
والشابات اللاتي أجبرن على العمل كبغايا في خدمة الجيش الإمبراطوري. 
ومن المعروف أن مثل هؤلاء كن دائما من متعاقات الجيوشء بشكل مقنن أو 
غير مقتنء, منذ أن عرفت الحروب. ولكن اليابانيين أتقنوا وضع هذا 
التقليد موضع التطبيق ‏ كما وكيفاء أي أتقنوه بالمقياس الهمجي - كأنهم 
يتقنون طريقة لصناعة الترانزستورات. كانت إدارة الجيش تنظم سرايا 
البغايا بالكفاءة نفسها التي تنظم بها الشركات فروعها. وتحدد الإدارة 
المسكرية الأسعار وساغات العمل: والوقت المسموح به لكل زيون: 
والاعتمادات المخصصة. وقد شحنت الفصائل الأولى من نساء المتعة إلى 
شنغهاي العام 1978.: ك «إمدادات حربية». لا توجد أرقام موثوق بها تماما 
لعدد النساء «الأخريات» اللاتي أجبرن على الخدمة. ولكن ثمة أدلة تشير 
إلى أن العدد يمكن أن يصل إلى 115 ألفاء في السنوات السبع التالية, 
المي كوريات: 


الآخر فى داخلتا 


أخفيت الحقائق المتعلقة بنساء المتعة حتى العام 9117١؛‏ حين وجد أحد 
الصحافيين اليابانيين ‏ وهو يفتش في ملفات قديمة ‏ صورة فوتوغرافية 
حظر نشرهاء لامرأتين كوريتين تستحمان في مياه تفريعة ضحلة للذهر 
الأصفر في الصين. ولكن الأمر تطلب ستة وعشرين عاما أخرى لكي تتمكن 
النساء الكوريات من طرح القضية على الرأي العام. منع الخوف من الفضاكح 
نساء المتعة من الإدلاء بشهاداتهن علنا حتى العام »159١‏ عندما تقدمت واحدة 
بأول شهادة من نوعها في أثناء نظر قضية رفعت ضد الحكومة اليابانية ضفي 
هذا الشأن. ومنذكن؛ خرجت نساء المتعة من الظلال لتطاردن اليابان كأنهن 
«روح تطلب الثأر»» على حد تعبير أحد السياسيين في طوكيو. وفي العام 
1 : بعد أن كشف النقاب عن الوثائق الرسمية ذات الصلة؛ وبعد أن 
نشرت؛ اعترفت طوكيو بحقيقة أن الجيش الإمبراطوري وحكومة الحرب؛ 
قاما بأعمال التجنيد القهري والخداع والإكراه لتلك النساء في نظام رسمي 
مقنن: وفي العام 60 أقامت طوكيو أخيرا صندوقا لمساعدة عشرات 
الآلاف ممن بقين على قيد الحياة من نساء المتعة ‏ من قوميات عدة. غير أن 
الصندوق لم يلبث أن توقفء. إذ فشل في توفير الاعتمادات الكافية, كما أن 
نشاط رئيس الحكومة الذي انتّخب بعد ذلك رفض أن يقدم الاعتذارات 
الرسمية؛ التي كان من المفروض أن تراهق التمويضات المقدمة. 

حبنت كفيكن من روايات نساء المتعةق ونُشرت في كتاب العام 3556 
ويشبت هذا الكتاب بالدلائل الموجعة عدم كفاية الأحكام القضائية 
والتعويضات المالية في جميع الحالات. فالأحكام القانونية لا تستطيع أن 
تعوض الضحايا عن قسوة الحياة المرة التي كتبت عليهن بعد الحربء كما 
لا تستطيع تعويضهن عن الجراح النفسية والعاطفية التي لا يمكن أن 
تندمل. كذلك لا يمكن أن تعالج تلك الإجراءات الرسمية سلوكيات 
اليابانيين تجاه «الأخريات». فرحلات السياحة الجنسية إلى سيول ومانياة 
وغيرهما تحظى برواج كبير بين الرجال اليابانيين في أيامنا هذه. وضي 
كثير من مدن الأقاليم في اليابان يصادف المرء مجموعات من التساء 
مستجلبات من تايلاند وكوريا والصين والفلبين والبرازيل» بصفتهن «فتيات 
ترفيه» في الملاهي الليلية. حيث غائتيبا ما يحتجز أصحاب هذه الملاهي 
جوازات سفرهن: ويعطلون صرف أجورهن. ومن الصعب أن نعتبر هذه 





اليايان: رؤية جديدة 


السلوكيات تختلف في شيء عن سلوكيات الجنود اليابانيين؛ الذين كانوا 
يقضون الساعة المقررة لهم شي بيوت نساء المتعة. 

وتشابه حياة الكوريين في اليابان: من أوجه كثيرة. حيةة المنبوذين 
(البوراكومين). حيث تطارد الضغوط الاجتماعية غالبيتهم فيضطرون إلى 
إخفاء أصولهم ليعيشواء كما قد يفعل البوراكومين. صحيح أن ثمة كوريين من 
أصحاب الأعمال مثل والد أكيمي ماتسووراء وآخرين ممن يستفيدون من 
صلات عمل يقيمونها مع سيول: أو ممن حققوا شهرة في الرياضة: أو في 
عروض السينما والتليفزيونء ولكن غالبية الكوريين يعيشون على هامش 
المجتمع. وجرت التقاليد على اعتبارهم في ألفة مع القذارة: وأن الوساخة هي 
حالتهم المفضلة. وتلك فكرة تنعكس حتى اليوم ضفي الأعمال المتدنية المتاحة؛ 
والمساكن الباكسة المخصصة لهم. ويقول اليابانيون لأنفسهم: هم يحبون 
الوساخةء هكذا. والكوريون: مثل الأقليات الممتهنة في كل مكان: ليسوا غرباء 
عن الجريمة: غالبيتها جرائم صغيرة؛ ولكن بعضها ليس كذلك. فهم يملكون 
كثيرا من صلات البتشينكو والبنبول؛ والتي يصل عددها إلى ثمانية عشر 
ألفاء وكلها وثيقة الصلة بالعالم السفلي للياكوزا(*). 

ثمة قائمة طويلة من الأشياء المحظورة على الكوريين في اليابان. فليس لهم؛ 
مثلاء أن يأملوا في الالتحاق بإحدى الجامعات المرموقة؛ أو بعمل في إحدى 
الشركات الكبرى. وهم يدفعون ضرائب مثل غيرهم من المواطنين؛ ولكنهم لا 
يستطيعون أن يدلوا بأصواتهم أو يرشحوا أنفسهم لمنصب في العمل العام؛ أو أن 
يكونوا من أنصار أي حزب سياسي. وصحيح أن عندهم حق الحصول على سكن 
مدعوم وغير ذلك من أشكال الدعم الاجتماعي؛ ولكن هذا لا يتحقق بعد جهود 
وإجراءات مضنية: وما يزالون محرومين من التمتع ببعض التسهيلات التي 
تساهم في تمويلها الضراكب التي يدفعونها. كذلك لا يستطيع أي كوري؛ حتى لو 
كان أسلافه يعيشون في اليابان منذ ثلاثة أو أربعة أجيال؛ لا يستطيع حمل جواز 
سفر ياباني. بل يسافر بوثائق سفر كورية؛ ولا يستطيع مفادرة اليابان إلا بعد 
الحصول على تأشيرة عودة. ويتعين على الكوريين: في الواقع العمليء أن يحصلوا 
على تصتريح ‏ رسمي للقيام برحلة خارج اليابان. 


0 أشكال من الألعاب الإلكترونية التي فيها نوع من القمار المقئن واالسهاوة: به. والياكوزا هي المافيا 
اليابانية (المترجم). 











الآخر فى داخلئا 


ولسنوات عدة؛ تؤخذ بصمات الكوريين؛ بشكل دوري؛ بصفتهم أغراباء 
حتى لو كانوا مقيمين في اليابان إقامة داكمة. واعتبر هذا الإجراء. من بين 
الإجراءات الرسمية الأكثر عدوانية تجاه الكوريين؛ ولكن حركة لرفض إعطاء 
«البصمات» لم تظهر إلا في الثمانينيات» وانتشرت بسرعة إلى أن حظيت 
بتأييد صريح من جانب كثير من اليابانيين. وفي العام؟199, أجبرت هذه 
الحركة الحكومة اليابانية على إيقاف أخن بصمات الكوريين؛ وإن استمرت 
مبقية على مخزونها الضخم من ملفات البصمات؛ وجهازها الكبير العامل في 
هذا المجال. 

من بين أوائل من رفض إعطاء البصمات عازفة بيانو تدعى شوي صن 
آي: وهي كورية من الجيل الثاني من مدينة كيتاكيوشو 11أ5لالاكل])1؟1 غربي 
اليابان. كان والد شويء؛ مثل والد أكيميء مولودا في كوريا ومتزوجا من 
سيدة كورية؛ وفي كيتاكيوشوء أصبح راعيا لإحدى أبرشيات المسيحيين 
الكوريين» قابلت شوي (وينطقها الكوريون شه) في مقهى قريب من سكنها 
في طوكيو. كانت شخصية دمثة؛ متواضعة؛ متفانية ضفي عملها. بمجرد أن 
جلستٌ إلى الطاولة في مواجهتهاء تساءلت ما الذي يجعل مثل هذه 
الشخصية تورط نفسها في قضية مثل هذه. كانت هيثتها وسلوكها يوحيان 
بأنها طالبة دراسات عليا مجتهدة. ومع ذلك؛ فإنها لم تكف عن التردد على 
ساحات المحاكم؛ منث أن رفضت أن تعطي بصماتها في العام 154١‏ وكانت 
حينذاك في الثانية والعشرين من عمرها. 

كانت شوي قد أعطت بصماتها مرات عدة قبل أن تقرر الرفضء وكان 
المثال الذي استلهمته شوي هو أختها الصغرى عنهاء التي كان عليها أن 
تعطي بصماتها لأول مرة وهي في الخامسة عشرة من عمرها. 
فأصبحت الأخت الصغرى الأولى الرافضين في اليابان. وقد رخضت 
لسبب لا يُقاوم هو أنها كانت الوحيدة من بين زميلاتها في المدرسة التي 
كان يتعين عليها ذلك. في ذلك الوقت كانت شوي طالبة في الجامعة: 
وذات يوم فاجأتها زميلتها في الغرفة أنها كانت من البوراكومين 
(المنبوذين). ولم تكن الزميلة قد ذكرت هذه الحقيقة لأحد من قبل. 
أصيبت شوي بصدمة قاسية. وتتذكر أنها حينذاك سألت نفسها: «ناذا 
يستمر ذلك الأمر مشكلة؟ » وتستطرد : «وتعلمت من أختي ومن زميلتي 





اليابان: رؤية جديدة 


أنه إذا لم يفعل الناس شيئاء فإن التاريخ سيظل يعيد نفسه؛ وإذ أمعنت 
التفكير فيهماء قررت أن أرخض». 

مثلت شوي وأختها أمام المحكمة؛ التي صرفت الأخت ببساطة لأنها كانت 
قاصراء ولكن سرعان ما أصبحت قضية شوي تحتل مكانا بارزا في الصحافة 
القومية. وبعد أول قضية تُظرت لها أمام القضاء؛ دعيت شوي لدراسة البيانو 
في أمريكاء وانتظرت عاما كاملا لكي تحصل على تأشيرة عودة من السلطات 
اليابانية: إلى أن اضطرت إلى مغادرة اليابان دون الحصول عليها. وحين 
نتهت شوي من دراستها في أمريكاء أصبح واضحا أن المشكلة قد تضخمت 
ووضعت الحكومة اليابانية في حرج كبيرء إذ كان اثنان وعشرون ألفا من 
الكوريين قد رفضوا إعطاء بصماتهم. وعندما طارت شوي من لوس أنجليس 
إلى طوكيو في ربيع العام /14/4: سمحت لها السلطات اليابانية بالدخول دون 
طلب تأشيرة العودة. 

عندما قابلت شوي بعد ذلك بعدة سنوات» كانت قد تزوجت من ياباني» 
وأصبحت أما لطفل ولد فضي اليابيان:» عمره عام. كانت ما تزال على يقين 
من يابانيتهاء وهو يقين وضعته في الاختبارء مثل أكيميء في أثناء زيارتيها 
الوحيدتين إلى كوريا. وضي إحدى المرات التي مثلت فيها شوي أمام 
المحكمة قالت: 

عئدما كنت في الصف السادس, ذهبت مع والدتي إلى سيول؛ لحضور حضل بيانو. كانت هي 
زيارتي الأولى إلى كورياء وإني لأتذكر الرائحة الخاتقة للبشر هناك؛ كما اتذكر رغبتي في العودة إلى 
اليابان باسرع ما يمكن. وذهبت مرة اخرى إلى كوريا في اثناء عطلة الربيع... العام .198٠‏ ذهبت وأنا 
اتوقع أن اشعر بأن كوريا هي في الحقيقة وطن آبائي وأسلافي؛ ولكني ثم البث أن واجهت حقيقة أن 
شعوري بيابانيتي كان مترسخا في أعماقيء وأقوى من اي مشاعر قد أحملها نحو كوريا . 

تشي هذه الكلمات بنغمة نشاز: ذلك أن إشارتها للروائح الخانقة توحي 
بأن شوي كانت تحاول النجاة بترديد كلمات تعبر عن وجهة نظر يابانية 
مستعلية مسبقة تجاه الكوريين. وعلى كل حال؛ فإنها تعترف بخلفيتها اليابانية 
وتؤكدها طيلة حياتهاء ودفعت ثمن ذلك غاليا: كانت شوي وهي بعد طفلة 
صغيرة قد قررت (بغض النظر عن يابانيتها) التشبث بأسمها الكوري» على 
الرغم من مضايقات المدرسين وضغوطهم لدفعها إلى تغييره. وربما كانت تلك 
نقطة البداية في مسيرة المقاومة التي انتهجتها. وحين قابلتها كانت شوي قد 





الآخر في داخلنا 


فقدت حقوقها في الإقامة الداكمة؛: وأصبحت تعيش حياة غير مستقرة 
بتأشيرة مؤفتة؛ في البلد الوحيد الذي تعرفه. 

كانت شوي تبدو قليلة الاهتمام بالسياسة مثلما كانت منن بدأت مشوار 
معاناتها قبل ثلاثة عشر عاما. تقول شوي: «إن إعطاء البصمات ليس هو 
القضية: إنما هو الألم» وليس أمام الكوريين فرصة لإظهار الألم. وهم 
دائما يحاولون إظهار أنهم يابانيون: يتوارون عن الأنظار, ودائما خائفون 
وعلى نحو ماء جعلت حركة الرفض الكوريين يتغيرون: جعلتهم أقل خوفا 
من الكشف عن أنفسهم: أي أقل خوفا من إظهار مشاعرهم صراحة في 
مواجهة المجتمع الياباني». 

غالبا ما تتحدث شوي وغيرها من الرافضين عن الكثير من اليابانيين 
العاديين خاصة من جيل الشباب مثلهم: الذين يشجعونهم على تحدي الضوابط 
القانونية والأعراف الاجتماعية ذات الصلة. وتم تعد المشكلة هل سينجحون أم 
لاء وإئما متى؟ واحتضان اليابان لآسيا يتجلى بالفعل في الاعتماد الاقتصادي 
المتبادل الذي طورته اليابان مع كوريا وتايوان وباقي بلدان المنطقة. وبمرور 
الوقت. سيصبح هذا التطويق الاقتصادي أكثر اتساعا وعمقاء وعندكذ ستصبح 
سياسات التمييز مكلفة جدا ‏ سياسيا وديباوماسيا وتجاريا. وحينذاك سيضطر 
اليابانيون أخيرا إلى التعرف على أنفسهم في الآخرين الذين طالما استبعدوهم. 
ولكن «متى» تتم هذه القصة المرغوبة فصولا؟ الإجابة ليست واضحة. ستتم 
بالتدريج الشديدء لدرجة أنه ربما لا تأتي أبدا اللحظة التي يمكن أن نتحدث 
عنها قائلين: «عندما قُبل الكوريون أخيرا شي اليابان». 

والتعليم من بين الأشياء الأخرى المحظور على الكوريين أن يمارسوها , 
يمكن أن يحصل الكوري على مؤهلات تعليمية: ولكنهم ممنوعون من ممارسة 
المهنة بحكم قانون يقصر المهنة على حملة الجنسية اليابانية. وفي أواخر 
الثمائينيات قام شو إن شيك 51111 18 ناداقء وهو معلم طموح: برفع قضية 
لإلغاء هذا القانون. وفي الجلسة الافتتاحية ألقى شو كلمة؛ استخدم فيها 
مصطلح زاينيشي 2210111 وهو الاسم الذي يطلقه اليايانيون على الكوريين 
المولودين في اليابان: 

كلفني الأمر لكي اتمكن من استخدام اسمي الكوري في المجتمع؛ واحدا وعشرين عاما. أريد 
خلق مجتمع يستطيع فيه الجيل القادم من الكوريين استخدام أسمائهم الحقيقية بشكل طبيعي. 





اليايان: رؤية جديدة 


إذا أصبحت مدرساء سيكون هذا أمرا طيبا بالنسبة للأطفال الكوريين؛ وسيكون عندهم أمل في 
المستقبل. وبالنسبة للأطفال اليابانيين: فإن وجود مدرس مختلف عرقيا سيساعد على تغيير النظرة 
المتحيزة العميقة الجذور ضد الكوريين... إن الأمر يستحق فعلا... من أجل كل الأطفالء إذا أصبح 
الزاينيشي معلمين. 

وي العام 0١‏ أصبح موضوع المعلمين مشكلة سياسية بين طوكيو 
وسيول؛ وهذا الأمر يقدم لنا رؤية للأسلوب المراوغ الذي تعاملت به طوكيو 
(الحكومة اليابانية وليس الشعب الياباني)» لتبديد أي شبهة مساواة. بعد أن 
اجتمع ممثلون عن الحكومتين الكورية واليابانية لمناقشة قضية المدرسين 
الكوريين» أعلنت طوكيو أنها ستلغي الفقرة القانونية الخاصة بجنسية المعلم؛ 
ولكن كان ثمة خديعة. فالكوريون سيعملون بأجور أقل؛ وفي وضعية أدنى, 
حيث سيصنفون في وظيفة كوشي 10551: بمعنى مساعد مدرسء ويكونون 
تابعين للمدرسين (الكيويو «الاهلاء1) اليابانيين. 

# ك# و 

وإذا عدنا إلى «الآخرين» في الداخل؛ فإن البوراكومين هم الحال الأقل 
غربة؛ ومع ذلك فهي الحالة الأكثر غرابة. عكف العلماء على تحليل دمائهم؛ 
وقياس أبعاد رؤوسهم وملامح وجوهم؛ بحثا عن أي أدلة على وجود اختلاف. 
بحثا عن أي حقائق فسيولوجية تبرر التفرقة. كانوا يحاولون إثبات أن 
البوراكومين كوريون جينياء وإن كان من غير الواضح ماذا يريدون أن يثبتوا 
بذلك: أو تعلهم كانوا يريدون إثبات أن البوراكومين ذوو قربى بالسكان 
الأصليين لجزيرة سخالين: وهي الجزيرة الروسية شمالي اليابان. بل إن 
نظرية راجت قبل الحرب مفادها أن البوراكومين هم من سلالة قبيلة إسرائيل 
الضائعة اعه:15 02 166 غ105 6ا). وغني عن الذكر أن كل هذا لم يؤد إلى 
شيء . ويظل البوراكومين نوعا من الآخر الخفي. 

ذهبت إلى أوساكاء حيث يعيش ثلاثة ملايين من البوراكومين؛ وزرت أحد 
أحيائهم عند حافة الجبال خلف المدينة. في طريقي إلى الحي؛ ويعد أن 
قطعت مسافة بين صفوف من المباني السكنية الأنيقة: والحدائق المنسقة: 
بدأت أتساءل متى سأصل إلى هناك حيث لابد أن يكون ثمة ما يشير إلى 
ذلك: جدار, أو أي معالم مشابهة؛ أو تدن مفاجئ وملحوظ في أحوال البيوت 
والدكاكين. ثم رأيت الإشارة؛ كلمات مكتوبة باليابانية على لافتة من القماش 





الآخر فى داخلتا 


على واجهة أحد المباني» مكتوب عليها: احترموا حقوق البشر جميعاء كنت قد 
وصلت إلى وسط الحي. 

يعيش البوراكومين في مجموعة من الجزر تتحلق حول البحر الداخلي 
2 101200: أشبه بأرخبيل الجولاج 380اءمتطاعتة 1328ناع. وتلك حال صنهتها 
مصادفات التاريخ؛ فالبحر الداخلي كان هو مركز التجارة اليابانية على مر 
القرون. يوجد في أوساكا أربعة وأربعون حيا من أحياء البوراكومين؛ كما يوجد 
في هيروشيما حوالى مائتين من أحيائهم الصغيرة. وضي كل أرجاء اليابان؛ 
يبلغ عدد أحياء البوراكومين ستة آلاف. والمركز المديني تحت الجبالء والذي 
كنت بسبيلي لزيارته. هو جزء صغير من هذه الكوكبة من الجزر. 

حتى أواسط السبعينيات؛ كانت بعض ضواحي أوساكا محاطة بمساحات 
من الأراضي البور. ثم لم تلبث موانع التوسع العمراني أن تحطمتء نتيجة 
عملية لندرة الأراضي. بدأ أحد المقاولين المحليين المشتغلين مع السكك 
الحديدية يشتري أراضي لإقامة مساكن لشركته: وسرعان ما بيعت بقية 
الأراضي. والمعالم الوحيدة التي تفصل البوراكومين عن جيرانهم اليوم هي: 
مجرى مائي صغيرء وسور قديم من الأسلاك يمتد على طول أحد جوانب 
منطقتهم السكنية: وبقايا سور حجري متهالك؛ وهي أشياء لا يلحظها المرء 
إلا إذا كان يبحث عنها. ومحطة مترو الأنفاق التي تخدم الحي البوراكي 
تسمى محطة مينو ‏ أو 801120-0, وكانت لوقت طويل بين أقل المحطات 
استخداما في أوساكاء فقد كان القاطنون بالقرب من هذه المحطة يفضلون 
النزول في المحطة التي قبلها أو التي بعدهاء حتى لا يظن أحد الركاب 
الآخرين أنهم من البوراكومين. لكن ذلك السلوكء؛ مثله مثل الحواجز التي 
تحيط بالحيء قد اختفى. 

كان أسلاف البوراكومين يعملون في مهن تتعلق بالحيوانات وموتى البشر. 
كانوا يشتغلون في ذبح الماشية ودبغ الجلودء وحفر المقابر. ويفترض أن 
وضعيتهم تعكس فكرة ديانة الشينتو عن التلوث الرمزيء: ومن ثمء كان يطلق 
عليهم صفة إيتافاا» وهي كلمة قديمة تعني حرفيا «قذارة مكثفة»»؛ أو هي 
النجاسة. ولكن الموسومين بهذه الصفة راج سوقهم؛ وتنافست الإقطاعيات 
على استحواذهم. لأن الساموراي كانوا يعتمدون عليهم في صناعة الدروع, 
والمسروجء والأسلحة المصنوعة من العظام: والأوتار المصنوعة من أمعاء 





اليايان: رؤية جديدة 


الحيوانات. ولم تصبح أوضاع الإيتا مقننة إلا تحت حكم التوكوجاوا. وضي 
مجتمع يتملكه هاجس التراتب الاجتماعي الصارم: لم يكن للإيتا مرتبة. 
ولابد أن إلايتا قد سهلوا على الفلاحين: وإن قلياذ؛ تقبل حياتهم بكل ما 
فيها من حرمان ومن معاملة همجية. ومن هناء وجدت كلمة نينجاي؛ وتعني 
خارج الجنس البشري. كانت مراسيم عصر إدو تطلب من الإيتا أن يضعوا 
رُفَعا من الجلد على ملابسهم؛ ويحظرون عليهم دخول بيوت البشر المقبولين» 
الريومين 1/011115. 

من المنطقي أن أولئك الذين أخرجوا من خريطة البشر كُتب عليهم ذلك 
على مر الزمان: فتلك حال هي؛ بالتعريف؛ ورائية (مثل كل شيء في أثناء 
عصر إدو). شي 141/1 ألغت حكومة الميجي التمييز القديم؛ وجعلت من الإيتا 
«رعايا جددا من العوام». ولكن ما يعلن عنه (تاتيماي 26مع6غ101) شيء 
والحقيقة (هوني 6 ) شيء آخر مختلفء ولم يتوافقا أبدا بعد الإصلاح 
الميسجي. وإذ أعلنت الفئة الحاكمة المساواة بين الجميع: شرعت سجلا 
إحصائيا مفتوحا تسجل فيه الوضعية السابقة لكل شخص في التراتب 
الطبقي الإقطاعي السابق. وأصبحت الإيتا تعرف باسم البوراكومين؛ سكان 
النجوع والكفور التي تضم جماعاتهم المعلنة الهوية. وفي التحليل النهائي لم 
يكن هذا إلا عهد الإحياء الإمبراطوري. ووضع الإمبراطور على قمة المجتمع 
الجديد: لن يكون له معنى إلا إذا كان للمجتمع قاع. 

في العام 14177: طي أثناء الفترة المعروفة باسم ديموقراطية تايشوء جرى 
تنظيم البوراكومين لأول مرة؛ وكانوا واقعين إلى حد كبير تحت نفوذ 
لاشتراكيين المسيحيينء: ومتأثرين بما قرأوه عن الجمهوريين الراديكاليين في 
الحرب الأهلية الإنجليزية. وأسسوا تنظيما اسمه جمعية المساواة 615ا686.] 
110 ورفعوا راية عليها تاج من الشوك يرمز إلى معاناة المقهورين. 

واستهلوا بيانهم التأسيسي بشعار ديا بوراكومين اليابان: اتحدوا». ولكن 
النهوض السياسي الحقيقي للبوراكومين لم يبدأ إلا بعد الحرب. في انتخابات 
العام 1441: فاز البوراكومين بعشرة مقاعد في الدايت (البرلمان). وكان ذلك 
أبرز علامة على صعود مكانة البوراكومين: كما هي بالنسبة للنساء. وانشخب 
جيشيرو ماتسوموتو 040<انا1/845 0أنطء111 (وهو من المناضلين السياسيين 
قبل اللغربء والبطل المرموق للبوراكومين) انتخب نائبا لرئيس مجلس الدايت 





الآخر فى داخلتنا 


الأعلى؛ ليصبح أول بوراكومين يسمح له بدخول قصر فوكياج. والمثول ضي 
حضرة الإمبراطور. ولكنه رفض هذا الشرف. 

كان حي البوراكومين الذي زرته يطلق عليه فيما مضى اسم شهرة هو 
مدينة الأباتشي؛ لأن سكانه كانوا يعيشون في الخيام؛ وما تزال حتى الآن 
توجد في أوزاكا وغيرها من المدن أماكن فيها منازل من الصفيح: ليس بها 
مواسير مياه ولا مرافق صحية لائقة. ولكن تطوير مدينة أباتشي لم يكن 
شيئا غير مألوفء فمنذ الستينيات. خصصت الحكومة ‏ في طوكيو 
والأقاليم ‏ ميزانيات ضخمة لتطوير الأحياء التي يعيش فيها البوراكومين؛ 
وفي العام 1997 كان مجموع الأموال التي كانت قد أنفقت من أجل ذلك 
يتجاوز مبلغ ٠١‏ بليونا. ولولا هذا لما تمكن أهالي أوساكا المتيسرون من 
الحياة ويجوارهم أحد أحياء البوراكومين؛ ولا يفصلهم عته إلا جدول 
صغير. ولكن تبقى المشكلات الأقل وضوحا والأكشر جوهرية؛ دون حل. 
فمستوى أطفال البوراكومين أدنى من مستوى غيرهم ضي التعليمء ويعجزون 
عن مواصلة ما يستطيعه غيرهم. وستتهياً لهم فرص أكبر من غيرهم لأن 
يلتحقوا ‏ بعد أن يكيروا ‏ بعصابات الياكوزا (الجريمة المنظمة في اليابان)؛ 
ويصبحوا مدمنين؛ وجامعي قمامة؛ ومنظفي نفايات؛ وعاملين في مقابر 
السيارات والخردة ‏ أي يصبحوا عاملين في المعادل الحديث للمهن 
الدنيا القديمة. 

هذه المعونات عطلت أذهان كثير من اليابانيين العاديين؛ ربما غالبيتهم: 
عند التفكير في مشكلة البوراكومين؛ (إذا قُدر أن يفكروا فيها أصلا)» 
ليعتبروها شيئًا من بقايا العصر الإقطاعي التي ستختفي من تلقاء نفسها. 
ويبدو من ظاهر الأمور أنهم ربما لم يعودوا ليهتموا بالمشكلة. ولكن هذا ليس 
إلا جانبا واحدا من الحكاية» ذلك أن المعونات أيضا حولت النظرة الاستعلائية 
إلى نوع من النفور. ويوجد كثير من اليابانيين يبذلون جهدا كبيرا لتجنب 
«الآخرين» الذين يصعب اكتشاف أمرهم. ومن الإجراءات الروتينية التي مأ 
تزال تلجأ إليها عائلات الشبان أو الشابات المخطوبين؛ تأجير مخبرين 
ومحققين خصوصيين للبحث عن الأصول العائلية لأسلاف الطرف الآخر. 
كذلك تبين أن الشركات الكبرى ‏ مثل نيسان وميتسوبيشي وموبيل أويل 
اليابانية وغيرها ‏ تبحث في أصول الذين يتقدمون بطلبات للعمل فيهاء 





اليابان: رؤية جديدة 


بالرجوع إلى قوائم تستند إلى السجلات الإحصائية الخاصة بالأسلاف» 
رجوعا حتى سنوات الثلاثينيات . وأصبح إعداد هذه القواكم صناعة مربحة: 
ووصل العدد المتداول منها في وقت من الأوقات تسعاء تنتج وتباع بأسعار 
عالية بواسطة الذين يعملون هم أنفسهم كمخبرين ومحققين في شؤون 
الخطوبة والزواج. ش 

تكونت بعد شهور قليلة من الاستسلام (4غ15١)‏ عصبة تحرير بوراكو, 
كخليفة لجمعية المساواة. وخاضت العصبة معارك قاسية: وإن تكن بأساليب 
فجة أحياناء لمكافحة التمييز وضمان استمرار المعونات الحكومية. ومن بين 
الأساليب الأخرى التي لجأت إليها العصبة:؛ أنها هددت الشركات التي 
تستخدم القوائم في إقامة أقسام لإعلام الموظفين بشأن البوراكومين. ولكن 
المشكلات الأساسية تظل باقية وخفية. مثلها مثل البوراكومين أنفسهم: 
الجهلء والخوف. والإنكار. 

ومن الغريب أن عصبة تحرير بوراكو لا تريد أن يصبح البوراكومين ‏ 
ببساطة مواطنين يابانيين عاديين. فبالنسبة للعصبة:؛ ليس الذوبان في 
مجتمع مبرأ من التمييز هو الهدف. وإنما الهدف هو تحقيق المساواة مع 
تأكيد هويتهم كجماعة. وربما تكون المشكلة هكذا هي مشكلة سلطة القيادة. 
فالذويان الكامل شي المجتمع معناه. طبعاء أن لن يكون ثمة داع لعصبة 
التحرير. تة تقدمت العصبة على مدى سنوات كثيرة بالتماسات للأمم المتحدة 
تطلب فيها الاعتراف بالبوراكومين كأقلية شرعية. ومن ثم تشجع العصبة 
البوراكومين على أن يعلنوا عن أنفسهم وأن يخرجوا للملاً بالكشف عن 
أسلافهم. ومن أجل أن يفعل أي بوراكومين هذاء فليس عليه؛ غالباء إلا أن 
يعلن مكان سكنه. 

حتى وقت قريب كان «الخروج على الملأ» هو بقدر أو آخرء القاعدة بين 
تلامين المدارس. حيث شّجعوا على كتابة بيانات وإعلانات وقراءتها أمام 
المعلمين وزملائهم في الفصول. ولكن «الخروج على الملأ»ء سرعان ما 0 
مناقشات في صفوف البوراكومين. شرع التلامين وأولياء الأمور يتساءلون: ما 
الذي تعنيه هذه الإعلانات إذا كانت تكتب وثقرأ أ لسبب واحد هو أن الآخرين 
يتوقعونها؟ ومثل هذا التساؤل يعكس الاتجاه الآخر الواضح بينهم: رغبة 
الكثيرين: وبخاصة تلك القلة التي أمامها فرصة الحصول على نوعية جيدة 





الآخر فى داخلنا 


من التعليم والعمل؛ رغبتهم في حل المشكلة بالذوبان في محيط اليابانيين 
بالأسلوب الذي ينتهجه بعض الكوريين. 

ويثير الاختيار بين «الخروج على الملأ» و«الذويان في المحيط» كثيرا من 
مشاعر القلق والنكد. ما السبيل لقبول الإنسان لذاته الحقيقية وراحة البال؟ 
فالدويان في الآخرين يعني ترك موضوع التمايز دون حل - أو هو بمنزلة قبول 
التعصبات السائدة» على الرغم من كل الجهد المبذول. والذوبان يتطلب أن 
يعيش المرء في محيط غريب عليه. وفي خوف دائم من أن يكتشف أمره؛ كما 
أنه يولد شعورا بالذنب تجاه من تخلى عنهم من بني جلدته. 

والحق أن الخروج على الملأ ليس بديلا أسهل. يتضح ذلك بصفة خاصة 
عندما ينتقل الأطفال من مدارس حيهم إلى مدارس ثانوية خارج الحي. وتلك 
الخطوة الأولى إلى العالم الخارجي هي التي تذيق النشء الطهم الحقيقي 
للثشمن الذي سيدفعونه. ومن جانب آخر؛ ما جدوى الإعلان إذا لم يكن له 
دلالة حقيقية5 فالبوراكومين ليست فيهم علامات أو سمات إثنية مميزة, ولا 
يربطهم في التحليل الأخير إلا المعاناة وكذا فهمهم الأعمق لليابان ‏ الأمر 
الذي لا يستهان به. 

قابلت في أوساكا أمرأة في الحلقة السابعة من عمرها؛ من المحبذين 
المتحمسين للخروج على الملأء اسمها كيميو كوباياشي تناقفتزةطه؟]1 متسكل 
ولها ابن وابنة. تقول كوباياشي: «من المؤسف والمؤلم أن نضع أبناءنا في 
التجربة؛ ولكننا نريد أن تنشئ جيلا قادرا على الوقوف في وجه التمييز 
والإهانة والتشهير». قاطعتها سيدة ا ا ا تبدأ كما تنتهى 
بالنظام التعليمي. إن القدرة على التعبير عن النفس؛ وتحقيق الذات؛ وخوض 
معترك الحياة. كل هذه أشياء تأتي من التعليم ؛ ولكنهم لا يشجعونها في 
اليابان. وتلك هي المشكلة الكبرى». 

في أوائل الستينيات؛ بدأ الكاتب سو سوميء الذي لم يكن من البوراكومين؛ 
ينشر رواية من ستة مجلدات. عنوانها نهر بلا جسر 10ل طاذ, 11065 116 
ا عن حياة البوراكومين في الربع الأول من القرن العشرين. في المجلد 
الأول يتفتح وعي البطل؛ كوجي:؛ وهو بعد صبي صغير:؛ بالتدريج على كونه 
مختلفا عن اليابانيين الآخرين. وكانت المدرسة هي المكان الذي تعرف فيه هذه 
الحقيقة أولاء وليس المنزل: وذلك من خلال شعوره بالسلوكيات القاسية 





اليابان: رؤية جديدة 


الملتصاعدة ضده من الآخرين. والتحقق من هذا الاختلاف لم يلبث أن أعقبه 
التحقق من أنه ليس مختلفا على الإطلاق. هذان هما الوجهان التوأمان 
والمتناقضان للحقيقة كما تجلت أمام كوجي. 

كانت حياة كيميو كوباياشي على الشاكلة نفسها. قضت طفولة سعيدة في 
قرية بالقرب من كيوتوء وهي لا تدرك أنها إنسان عادي. وهي لاتزال مولعة 
بالقرية التي نشأت فيهاء والتي تقع على شاطئ النهر «وكآنها تطفو فوق الماء 
إذا نظرت إليها في المساء من الشاطئ الآخر». عرفت كوباياشي حكاية 
البوراكومين في المدرسة قبل أن تكتشف, بالمصادفة وهي في الرابعة عشرة من 
عمرهاء أنها منهم. وفي العشرينيات من عمرهاء حصلت على وظيفة في 
مصنع بالقرب من أوساكاء وأصبحت مديرة إنتاج. تتذكر كوباياشي أن رئيسها 
في العمل نبهها ذات يوم إلى آن: «واحدة من الفتيات التي تعمل تحت رئاستك 
تسكن في حي البوراكوء ويس تجسن أن تبتعدي عنها». تعاملت كوباياشي مع 
الفتاة بمودة دون أن تكشف عن نفسها. بعد ذلك بسئوات عدة: وكانت قد 
انتقلت للسكن بالقرب من مينو ‏ أوء أزيلت مساكن الخيام وأقيمت عمارات 
سكنية مكانهاء ولم تكن بعد قد أعلنت عن نفسها. ثم انتقلت للسكنى في واحدة 
من الشقق الجديدة: وبدأت نشاطها العلني في المركز الاجتماعي لحي البوراكو. 

قابلت كوباياشي مع عدد قليل من البوراكومين الآخرين في ردهة 
الاستقبال في المركز الاجتماعي. كنا جالسين عندما انضمت إلى مجلسنا 
سيدة عصبية في متوسط العمر؛ اسمها نوبوكو آوكي أعاهة معاناطاناه[8 . كان 
الكل حريصين على أن أقابلها كانت تضع ماكياجا كثيفاء وتجلس في سحابة 
من دخان السجائر. استحثها اللآخرون على أن تحكي قصتهاء التي كانت قصة 
بسيطة على أي حال. لم تكشف آوكي عن نفسها إلا حديثا. كانت تعمل في 
وقت سابق في بلدية مدينة أوساكاء عندما تلقت رسالة من دون توقيع؛ قبل 
أريع سنوات؛ كانت على حد تعبيرها: «رهيبة» وكان يبدو أنها لا تزال ضي فزع 
من ذكر تلك اللحظة. ولم يكن في الرسالة إلا جملة واحدة تقول بيساطة: «إن 
مكانك هو أن تعملي صانعة أحذية». ولكن آوكي صمدت في عملها في البلدية 
ثلاث سنوات أخرىء قبل أن تتركها وتنتقل إلى حي البوراكو بالقرب من 
الجبال. تقول آوكى: «أردت أن أعمل في مكان لا أخفي فيه شيئاء ومن ثم 
أعلنت عن نفسي». 





الآخر قى داخلنا 


من بين الصفات التي أدهشتني في البوراكومين الذين قابلتهم أن 
إنسانيتهم مكتملة. يمكن أن يتركوا انطباعا قويا بهذا المعنى في أي مكان, 
ولكنهم يلفتون النظر بشكل خاص في اليابان» حيث الشخصية المألوفة تتسم 
بعدم الاكتمال. كان البوراكومين: على الأقل؛ قد أزالوا فيما بينهم مسافة 
الغربة» وهي المسافة التي تفصل اليابانيين بعضهم عن بعض. فهم يتميزون 
بشخصية متكاملة. على السجية. وهم متقاربون ضيما بينهم؛ يشعرون بالقوة 
في الجماعة؛ بل وبالحبورء وهذا بخلاف بقية اليابانيين. حيث لا يجد المرء 
إلا تقاربا مفروضا بين كاتنات شديدة الإحساس بخصوصيتها. وتفسير ذلك 
بسيط وواضح: فالبوراكومين تقبلوا الخلاف ببساطة. 

ربما كان الماضي وحده هو الذي يفسر استمرار الأفكار المتعصبة ضد 
البوراكومين. كان التوكوجاوا يخافون الأغراب الخارجيين (الجايجين) 
لتفوقهم.: وأغلقوا اليابان في وجوههم,: وفي ذلك العصر عمد اليابانيون الى 
عزل أغراب «داخليين» يمكن أن يشعروا إزاءهم بالتفوق: تلك حقاتق التاريخ 
التى توحي بأن البوراكومين صورة معكوسة لليابانيين العاديين. فالقاق الذي 
يحمله البوراكومين بالقهرء هو نفسه القلق الذي يشعر به اليابانيون أمام 
الجايجين. ولا أعرف طريقة للقطع بأن ثمة علاقة بين الحقائق التاريهية, 
لأنه يمكن أن يترتب على ذلك نتائكج حسنة ‏ إذ إن ذلك يوحي بأن اليابانيين 
إذا تخلصوا من مشاعرهم الدونية تجاه الغربيين: يمكنهم أيضا أن يتخلصوا 
من الاستعلاء على الآخرين. 

غير أننا نصادف مرة أخرى المسافة بين الناس المستعدين للتغير؛ وأولئتك 
الذين يحكمونهم. تخف مشكلة البوراكومين بالتدريج» وإن ببطء. فثلاثة أرباع 
البوراكومين؛ من الأجيال الجديدة يتزوجون اليوم خارج مجتمعاتهم. كما 
أنفقت طوكيو بسخاء عليهم. ولكننا نستطيع أن نفهم المعونات فهما أفضل إذا 
اعتبرناها ضمن الجهود المبذولة لدرء مخاطر مشكلة اجتماعية قابلة 
للانفجار. فلا تزال الحكومة ترفض سن قوانين للقضاء على التمييز ضد 
البوراكومين: ومن ثم تظل مشكلة البوراكومين قائكمة كمشكلة نفسية؛ حتى إن 
تضاءلت كقضية اقتصادية. هذا أمر مقصود بالتاكيد. فالقادة اليابائيون 
المحدثون. شأنهم شأن التوكوجاواء يكرسون وهم أن اليابانيين جميعا 
سواسية: ووهم التجانس يتقوى بوجود جزر من الاختلاف في بحر المساواة. 





اليابان: رؤية جديدة 


في أوساكاء حيث يوجد المقر الرئيسي لعصابة تحرير بوراكو. سألت ذات 
مرة أحد المسؤولين إن كان عنده أمل في تغيير وضعية البوراكو. كان الرجل؛ 
واسمه سيجي ناكامورا 2اناتصقعلة1! أز5: يعمل في قسم الأبحاث في 
العصبة. أجاب الرجل بالإيجاب. وكان شديد التفاؤل؛ ولكن لم يكن تفاؤله 
يرجع للأمل في أي سياسات داخلية؛ ولا حتى لأن اليابانيين» بغض النظر 
عن الحكومة: يحتمل أن تقل إثارتهم حول هذه المشكلة. إنما كان ناكامورا 
يرى أن حظوظ البوراكومين مرتبطة بتغيير المكانة التي تحتلها اليابان في 
الساحة العالمية. 

قلت له إنني لا أفهم العلاقة بين هذا وذلك. كان ناكامورا قوي البنية 
فارعا ويرتدي ملابس فضفاضة (كاجوال)؛ مثل طالب دراسات عليا. قال: 
«تريد اليابان أن تكون بلدا «دوليا» بمعنى الكلمة. تريد حكومة طوكيو أن 
تتعاون في الشؤون العالمية, كما تريد الشركات اليابانية أن تتوسع في أعمالها 
عبر البحار. فتطرح المشكلة كقضية من قضايا حقوق الإنسان. والسلوك 
القومي. ومن أجل أن تكون اليابان مقبولة لدى الآخرين. لابد أن تقبلنا هنا؛ 
في الوطن». 

في العام ؟97١1:‏ أصبح ميناموتو نو يوريتومو 0تمماترهلآ 810 مأمسقمل/! 
أول شوجون (الشائد الأعلى قاتل البرابرة). كان يوريتومو يمثل اليابانيين 
الأوائل (ياماتو)ء وهم شعب من (راع الأرز أصبحت له الهيمنة على مناطق 
وسط اليابان في القرون الأولى بعد الميلاد. ولا يزال القوميون المتطرفون 
يستلهمون روح الياماتو كما سبق أن المحناء لأجل قرابة الدم والأرض. وكان 
البرابرة الذين دحرهم يوريتومو يعيشون في زمن سابق في وسط اليابان 
أيضاء؛ ولكنهم كُهروا ورُحزحوا إلى شمال هونشو وهوكايدو. وأولكك هم الأينو 
ولف كانوا صيادين وقناصين وليسوا مزارعين: كما كانوا من الجنس 
القوقازي وليسوا من الجنس ال مغولي. 

واليوم لم يبق من الأينو سوى خمسة وعشرين ألف شخص. وهم يعيشون 
في قرى منعزلة في جزيرة هوكايدو. وإن كان عدد قليل منهم ينزح جنوبا 
إلى المدن الصناعية للعمل كعمال مياومةء يعيشون في أحياء المنبوذين 
والفئات الاجتماعية الدنياء مثل حي سانيا في طوكيو. والتجمعات التي 
يعيش فيها الأينو في هوكايدو معتمة وبائسة؛ يمزقها إدمان الكحوليات؛ 





الآخر فى داخلنا 


وتعيش على المساعدات؛ والاتجار في المصنوعات الحرفية الفولكلورية من 
الخشب والفراء: وهي من عدة وجوه شبيهة بالمعازل التي يعيش فيها سكان 
أمريكا الأصليون (الهنود الحمر) في الولايات المتحدة. وهم مثلهم؛ كتب 
عليهم البؤس والعزلة والاضمحلال. وأينما كانواء فإنهم يعطون انطياعا 
بأنهم في زوايا منسية. 

وفي قراهم؛ يناضل الأينو من أجل الإبقاء على لغتهم وعاداتهم: فثمة 
بقايا لثقافة شفاهية ثرية: ولكن لا يوجد أدب مكتوب. ريما ينجحون في 
هذا السياق؛ ولكن ليس ثمة إلا فرصة ضئيلة في أن يستمر الأينو 
وثقافتهم التقليدية على قيد الحياة إلا كطرائف فولكلورية. بعد أن شرعت 
حكومة الميجي في قصر حدود الأينو على هوكايدو؛ أصيبت الروح الحيوية 
للأينو بجرح قاتل. وعلى الرغم من وجود قادة للأينو مشغولين بالنضال 
للابقاء على هوية قومهم. فإن المرء لا يستطيع أن يلمس إرادة حية 
للبقاء في صفوفهم. وليس أمامهم لكي يعيشوا إلا أن يذوبوا ضي 
الأغلبية (الياماتو). 

يعتبر اليابانيون أن الأينو ‏ إذا خطروا على بالهم أصلا ‏ أشياء أشب*ع 
بالكائنات التي تعرضها الحدائق الترفيهية الثقافية/*). وهم مشغولون بصفة 
خاصة بالمميزات الجسدية للأينو الذين يتميزون بكثافة الشعرء وحدة 
الملامح. وأحيانا بعيون زرقاء. وانكشف أمر عدد من الباحثين كانوا يحفرون 
قبور الأينو ليقيسوا أبعاد الجماجم. ومن بين كل الآخرين بالداخل» كان الأينو 
هم الذين يطلق اليابانيون عليهم أحيانا جايجين. ويشعر شيوجيرو يوزانو 
600 ناننمرأدا5, زعيم الأينو؛ بالمرارة الشديدة من الطريقة التي يعامل بها 
شعبه. وهو يطالب بعقد اتفاقية بين اليابان والأينو تعترف بموجبها اليابان 
بأن جزيرة هوكايدو هي وطنهم. ولكن فرصة ذلك ضئيلة؛ كما لابد أن يكون 
يوزانو متفهما لذلك. وقد أمضى عشرين عاما محاولا أن يوقف بناء سد 
بالقرب من قريته؛ لأن ذلك السد سيدمر مجرى نهر يقدسه الأينو. ومع ذلك 
عندما رفع قضية ضد الحكومة:؛ فإنها رفضت أن تعترف بوجود شيء يسمى 
شعب الأينو أصلا. 
وهى الحدائق التي انتشرت بالقرب من المدن الكبرى شي العالم؛ وتعرض أنماطا من الحياة البائدة 
سواء حياة المملكة الحيوانية البائدة (كحديقة الديناصورات) أو أنماط من الحضارات القديمة 
(كالحديقة الفرعونية) (المترجم). 








اليابان: رؤية جديدة 


ولمدة طويلة» ظلت مشاعر اليابانيين تجاه أهالي أوكيناوا لا تختلف كثيرا 
عن مشاعرهم تجاه الأينو. كان الأوكيناويون زراعا وتجاراء لا يمثلون أي 
خطرء لا من واقع أسلوب حياتهم: ولا هم اتخذوا مواقف عدوانية تجاه 
الياماتو. ولكن على الرغم من ذلكء لابد أنهم كانوا يمثلون خطرا على 
اليابانيين: بسبب نوع من الشعور بالثقة القوية الهادثة في أنفسهم:؛ والتي لا 
تزال من سماتهم حتى يومنا هذاء وضي القرن السادس عشرء أطلق 
إمير اطور الصين على مملكة ليوشو ناا5-ناأآء الأوكيناوية اسم أرض 
التهذيب واللياقة. وضي :155٠‏ قام أحد نشطاء الحقوق المدنية الأمريكيين 
بجولة في اليابان؛ وقال قولة مأثورة تتخلص في أن هذه البلاد مقسمة بين 
الأوكيناويين؛ وغير الأوكيناويين. 

وأصول الأوكيناويين ليست واضحة تماما بالنسبة إليهم ولا بالنسبة 
لليابانيين. وربما كان أول من استقر في سلسلة جزر ريوكو بالزعانا[ا؛ التي 
يعيشون فيهاء جاءوا من جزر اليابان الرئيسية: وريما كان هؤلاء السكان 
الأواكل قد امتزجوا بالأينو في طريقهم إلى جزر ريوكو؛ وإن يكن هذا غير 
مؤكد. وعلى مر قرون طويلة من التجارة مع الصين وكوريا وجنوب شرقي 
آسيا وصولا إلى ما يعرف اليوم بتايلاند؛ استوعب الأوكيناويون كثيرا من 
المؤشرات الثقاضية. ونشأت. جزئياء من هذه الصلات المبكرة؛ نظرية الأصول 
الجنوبية لليابانيين: وظلت أوكيناوا لمدة طويلة تدفع الجزية للصين؛ ولكن إن 
كان الأوكيناويون قد تعلموا شيئا من التيارات الثقافية الإنسانية التي تفسل 
شواطئهم: فإنما تعلموا أن يكونوا على درجة عالية جدا من المرونة تسمح لهم 
بالاحتفاظ بقدر عال من الاستقلالية. حتى عن جار شديد الجبروت. 

في 1104 أنهى إياسو 0ا5ةل[18؛ أول شوجون في عصر التوكوجاواء أنهى 
الوضع المكتميز لأوكيناوا في المنطقة؛. وذلك عندما أرسل قبيلة من المحاربين 
من جزيرة كيوشو لفزو جزر ريوكو. وكان هؤلاء الفزاة هم الساتسوما 
34 »6 الذين سيبرزون فيما بعد كققادة لحركة الإحياء [الإمبراطوري]. 
اختطفت عصابة ساتسوما ملك أوكيناواء إلى كيوشوء وأجبرته على الاعتراف 
بالسيادة اليابانية ثم أعادوه إلى بلده؛ء وبعد أن أغلقت اليابان علي نفسها في 
وجه العالم الخارجي العام 9 : استخدمت عصبة الساتسوما جزر ريوكو 
بابا خلفيا تعبر منه تجارة اليابان الخفية مع القارة الآسيوية في عصر إدو. 





الآخر فى داخلنا 


شهد العصر الحديث أربعة تواريخ تلخص مواقف اليابان الرسمية تجاه 
أوكيناوا. في 1417/4: نحّت حكومة الإصلاح الميجي ملك أوكيناواء وأرسلت 
محافظا من طوكيو ليكون حاكما محليا بدلا منه. وفي 1540١.ء‏ كانت أوكيناوا 
هي الجزء الوحيد من أراضي اليابان الذي دار عليه قتال بين اليابانيين 
والحلفاء الغربيين!*). وضي 1507: وافقت اليابان على مد الاحتلال الأمريكي 
لأوكيناوا لمدة عشرين عاما. والتاريخ الأخير (1977) أبلغها دلالة: على الرغم 
من أن ما حدث فيه ما زال لم يتأكد رسميا: قبل أن تعود الجزر إلى اليابان 
في 1917, عرض الإمبراطور هيروهيتو بشكل غير رسمي على الرئيس 
نيكسون أن يحتفظ بالجزر. 

كتم الأوكيناويون تلك التواريخ في أنفسهم. وإذ وصل المحافظ الياباني؛ 
ونفي آخر ملوك مملكة ليوشو إلى طوكيوء. (والذي جعلوه ماركيزا وواحدا من 
حَمَلَة رتبهم)؛ تحولت أوكيناوا من مملكة إلى إقليم تابع بين يوم وليلة. وتم 
«يبننةء!**) كل شيء؛ ولم تأت الحرب العالمية الثانية إلا وكان مجرد الحديث 
باللغة الأوكيناوية أو مراعاة العادات المحلية تعتبر من الأعمال يعاقب عليها 
القانون؛ باعتبارها نشاطا انقلابيا. والآن يناضل الأوكيناويون؛ مثلهم مثل 
الأينو. للحفاظ على لغتهم وعاداتهم من الاندثار. ولكن: بينما سيضطر الأينو 
إلى قبول وضع ماضيهم في صندوق زجاجي متحفيء فإن الأوكيناويين 
سيكتبون لثقافتهم الحية حياة جديدة. قال لي أحد المثقفين الأوكيناويين ذات 
مرة: يتشبث الأينو بهويتهم» وكذلك نحن الأوكيناويين. ولكن ليس ثمة احتمال 
أن نفقد هويتناء لأسباب من بينها أننا لا نزال نحتفظ بأرضنا. 

لا يستطيع الزمن أن يمحو آثار معركة أوكيناواء التي هي بمثابة جرح 

عميق ومتقيح في العلاقات بين الأوكيناويين و «جزر اليابان الرئيسة,(***] 
بلغ عدد القتلى في هذه المعركة ثلاثمائة ألف: نصفهم من المدنيين: ومن هؤلاء 
المدنيين مات الكثيرون انتحارا بتشجيع من القوات اليابانية ‏ أو على أيديهم 
... ما الذي تعنيه هذه الفظائع التي استمرت ثلاثة أشهر إن لم يكن هو أن 
الجيش الإمبراطوري تعمّد إلقاء مثات الآلاف من الأوكيناويين الأبرياء في 
(**) يبئنة /1:731: أي تحويل كل ما هو غير يابائي إلى ياباني (المترجم). 
(** *) في الأصل الإنجليزي «150101800» : وهو ما يطلقه أهالي أوكيناوا على جزر اليابان 
الرئيسية (المترجم). 








اليابان: رؤيةجديدة 


طريق القوات الغازية لعرقلة تقدمها نحو قصر ضوكياج؟ في 1191: قام 
الإمبراطور أكيهيتوء الذي كان قد تولى العرش قبل ذلك بقليل؛ بأول زيارة 
يقوم بها إمبراطور ياباني لأوكيناوا. وهذه الرحلة التي جاءت بعد عقدين من 
عودة الجزر للإدارة اليابانية: تعتبر أكثر أهمية من أي رحلة أخرى قام بها 
الإمبراطور لدول أخرى. 

كانت أوكيناوا هي المحافظة الوحيدة التي أسقطها هيروهيتو من الجولات 
التي كان يقوم بها في اليابان بعد الحربء وذلك لسبب بسيط: كان 
الأوكيناويون الذين مات منهم مئات الآلاف بسيبه:؛ لا يخامرهم أي شك في 
مسؤوليته عن الحرب؛ بخلاف سكان الجزر الرئيسية. واليوم لا تزال أوكيناوا 
تعامل كنوع من مقالب النفايات الهامشية: فثلاثة أرباع القواعد العسكرية 
الأمريكية في اليابان موجودة هناكء لكي لا تتأذى طوكيو بمنظرهاء وإن تأذت 
أوكيناوا . ويحتل الأمريكيون خمس الأراضي الأوكيناوية؛ وهى القليلة؛ بما ضي 
ذلك جزء كبير من ناها 8]84: العاصمة. 

استمر مسلسل خداع طوكيو بعد الحرب. غني عن الذكر أن الحفاظ 
على اليابان خالية من الأسلحة النووية يكاد أن يكون هاجسا يتملك 
اليابانيين جميعا. ولكن الأوكيناويين تساورهم شكوك في أن طوكيو تسمح 
للأمريكيين بالإبقاء على هذه الأسلحة في أوكيناواء دون إعلان. وتلك 
شكوك دائمة لها ما يبررهاء ولكن الأمر أصيح الآن شيه مؤكد . عندما كنت 
في زيارة للعاصمة ناها في 1544: كان المحافظ قد طار منذ قليل إلى 
واشنطن لمقابلة هنري كيسنجر. وكانت قد بدأت تتسرب بعض تفاصيل 
المفاوضات السابقة على إرجاع الجزر إلى اليابان: طبقا لما قاله مبعوث 
ياباني سابق» حصل نيكسون (من خلال كيسنجر) على اتفاقية سرية من 
طوكيو في 1515 تمكن أمريكاء في حالات الطوارئ؛ من جلب أسلحة 
نووية إلى أوكيناوا بعد إعادتها إلى اليابان» بعد ثلاث سنوات. لم يحدث أن 
أكدت طوكيو أو واشنطن ذلكء؛ لكن مثل هذه الاتفاقية تتماشى مع الطريقة 
التي يتعامل بها الطوفان مع أوكيناوا . ضالرأي العام في أوكيناوا لم يكن أبدا 
إلا على الهامش كما أثبت ذلك مرة أخرى حادث اغتصاب البنت 
اليابانية في 1550 - والذي كان حلقة جديدة في المسلسل؛ وتاريخا لا 


يتمحى من الذاكرة. 





الآخر فى داخلنا 


تنطوي نفوس غالبية الأوكيناويين على شعور بالعداء تجاه الجزر 
الرئيسية, يخفف منه نوع من الحساب العملي لعائد الانتماء إليها. لم يشارك 
الأوكيناويون: إلا بقدر ضئيل؛ في المعجزة الاقتصادية بعد الحربء لأن 
الشركات الكبرى فضلت أماكن أخرى لاستثماراتها على جزيرة مرجانية 
تتوسطها بركة ضحلة تصلها مياه البحر. وتقع عاصمتها على ارتفاع إحدى 
عشرة قدما فوق مستوى سطع البحر. أصبح الاقتصاد كائكنا مشوها ذا ثلاثة 
أرجل لا يحسد عليها: منح ومساعدات من طوكيوء والقواعد العسكرية 
الأمريكيون: والسياحة. ولوقت طويلء كانت القواعد العسكرية هي أهم 
مصادر الدخل وفرص العمل ولكن السياحة من الجزر اليابانية الرئيسية 
تجاوزت ما ينفقه العساكر الأمريكان مع غروب القرن الأمريكي. واليوم؛ يأتي 
أكثر من نصف دخل أوكيناوا من الدعم والمعونات الحكومية؛ وحوالى الريع من 
السياحة؛ وعشرة في المائة من قوات الاحتلال الأمريكية. 

والعاصمة ناها اليوم خليط من رأس جسر عسكريء وأشجار نخيل؛ 
وعمارات شقق مكاتب ذات خمسة أو ستة طوابق طراز الستينيات. وليس لها 
أفاليم داخلية؛ مزارع أو مناجم أو غابات تغذيها. وتشبه ناها اليوم العاصمة 
الفلبينية مانيلا في أثناء حكم ماركوس؛ أو أي مدينة من المدن الصغيرة في 
جنوب شرق آسيا التي نمت حول المنشآت العسكرية الأمريكية. وعلى طول 
الشارع الرئيسي «سانشاين آفينيو» توجد حانات تحمل أسماء (أمريكية) ‏ 
مثل «بافالو» والأثارال «شوجر بويز» 5ل[80 821ناذ: «مون ستون» 
12 و «بيكوا ك» عانوعده. ويختلط بهذه الحانات وكالات الاتجار 
في مخلفات الجيشء. ومحلات الهدايا التي تبيع مجوهرات الشواطىٌ 
المرجانية والأقمشة المطرزة يدوياء والساكي الأوكيناوي. وعند وصولي 
اضطرت الطائرة التي أقلتني أن تؤجل الهبوط وتدور في الجو حوالى نصف 
ساعة لأن المقاتلات الأمريكية النفاثة لها أولوية ممرات الهبوط على كل 
رحلات الطيران التجاري. 

وناها هي المكان الذي تخفي فيه أمريكا واليابان الآليات الكريهة للعلاقات 
التي تربط البلدين بعد الحرب, والتي تعد رؤيتها بمثابة مواجهة ما بقي من 
التبعية الذليلة التي بدأت في العام 1444؛ والتي يحاول اليابانيون إخفاءها 
في طوكيو. والأوكيناويون من جانبهم: يكرهون الوجود الأمريكي (والمحافظ 





اليابان: رؤية جديدة 


الذي انتخبوه في العام 1441: قام برنامجه الانتخابي على المطالبة بتصفية 
القواعد العسكرية الأمريكية)؛ ولكن هذا الموضوع أصبح مشكلة عملية الآن: 
بمثل ما هو أمر يتعلق بالمبدأ والكرامة. فالقواعد: ببيساطة؛ تشغل مساحات 
كبيرة جدا تعوق البناء والتنمية الاقتصادية. 

غير أن الأمريكيين أسدو إلى الأوكيناويين معروفا واحدا بعد الحرب. إذ 
شجعوهم على التفكير مرة أخرى في أنفسهم بعد ستين عاما من «اليبننة». 
ولم يكن ذلك بدافع نبيل أو محبة للآخرين؛ أبدا: إنما أرادت أمريكا فحسب 
أن تهزم ركنا آخر من أركان قومية ما قبل الحرب اليابانية؛ ولكن الأوكيناويين 
استفادوا على أي حال؛ أحيوا لغتهم وثقافتهم؛ وتمكن مثقفوهم الشبان: الجيل 
الجديد من خريجي الجامعات الذين يديرون أوكيناوا الآن ‏ تمكنوا من أن 
يذهبوا للحصول على درجات الدكتواره من جامعات أوهايو وإلينوي. أعاد 
الأوكيناويون اكتشاف أنفسهم في الوقت الذي كان فيه يابانيو الجزر الرئيسية 
لا يزالون يترنحون من الهزيمة» ويجعلون من أنفسهم مجتمعا من سكان مدن 
ضائعين وبلا جذور. 

في العام ,155١‏ صدر كتاب لأحد المشاهير الفولكلوريين؛ هو كونيو 
ياناجيتا مامالا انكل عنوائه عن طريق البحر 564 ع5 1ه بإوث/الا 8 . 
في هذا الكتاب قدم ياناجيتا نظرية الأصول الجنوبية, حيث افترض أن 
اليابائيين يستطيعون أن يجدوا في الأوكيناويين طبعة أصلية لأنفسهم؛ وأن 
يعشروا على الثقافة البكر التي وأدوها عندما تصينوا (أي التحقوا بالثقافة 
الصينية) وتسومروا (أيي انتسبوا للساموراي). ثم تغريوا. ولغة الأوكيناوا 
المسماة شوري 512111 في أنقى صورها؛ ليست إلا لهجة أقدم من تلك 
المستخدمة في الجزر الرئيسية؛ ومن ثم فهي أرق وأنعم. حيث لم تتصلب 
لتصبح «لغة احترامات»؛ كما فعل بها يابانيو الجزر الركيسية. قال لي أحد 
الأوكيناويين ذات يوم: «من الصعب أن تتشاجر بلغة الشوري؛ فهي أرق وألطف 
من أن تستخدم لذلك». وثمة آثار باقية لنظام أمومي» تتجلى ضي مكانة المرأة 
في الأسرة وفي المجتمع عموما. وهم يفضلون الحياة بلا أقنعة. 

مس ياناجيتا وترا حساسا في نفوس اليابانيين. فمنذ ذلك الوقت: بدأ 
الكثيرون ينظرون إلى الأوكيناويين بشيء من الحسد. صحيح أن اليابانيين ضي 
الجزر الرئيسية لا يستطيعون أن يعبّروا عن ذلك بوضوح:؛ لكنهم يجدون ضي 





الآخر فى داخلتا 


الجنوب نوعا من الثقة بالنفس يفتقدونها في أنفسهم: تنعكس على السطح 
في سلوك تلقائي؛ وبنية جسدية وحركية جذابة بشكل خاص لاجيل الجديد 
من اليابانيين. وفي أوائل التسعينيات حدث رواج للموسيقى الشعبية 
الأوكيناوية. والحق أن الأصل الجنوبي لليابانيين لا يعدو أن يكون فرضية 
جذابة. ولكن الماضيء طبعا ليس هو الموضوع. وإنما الموضوع هو البحث عبر 
الماضي عن طريق إلى الأمام ‏ وتلك عادة يابانية مألوفة. يقول الباحث 
شونسوكى تسورومي حوالى :198١‏ «في أوكيناوا يمكن أن نعثر على المفاتيح 
ليس فقط لإعادة بناء ماضي اليابان؛ وإنما أيضا لبناء مستقبلها. وثقافة 
أوكيناواء حيث تلعب ال مرأة دورا مركزيا في الطقوس الدينية كما في تشكيل 
القيم الاجتماعية الأساسية, يمكن أن تساهم في تهذيب المجتمع المتمركز 
حول الذكّر في الجزر الأخرى؛ والذي... فشلء بالهزيمة في الحرب». 
»د 

1 بعد خمسين عاما من فشل المشروع اليابائي الذي خاضت طوكيو به 
الحرب في المنطقة تحت شعار «الدائرة الكبرى للازدهار المشترك لشرق 
آسيا عفنام إاتممده-00 حتمة اموت مانن : عادت اليابان لتصبح 
حاضرة الإقليم . كان فيض رؤوس الأموال اليابانية شي الدول المجاورة قد بدأ 
يجول شاطئ اليابان المطل على الباسيفيك إلى مركب اقتصادي واحد. وضي 
جميع أررجاء شرق آسياء كانت الشركات اليابانية قد شرعت تفكك الارتباطات 
التقليدية بالأرض والأسرة؛ وتخلق طبقة جديدة من سكان المدن المنزوعين عن 
جذورهم ‏ من اليد العاملة غير الماهرة أو نصف الماهرة؛ بشر يبحثون عن 
لقمة العيش بالقرب من منابع الثورة. كان الإنجليز والفرنسيون قد سبقوا إلى 
ذلك وإن على فترات طويلة. هكذا خلقت كل دولة في أوروبا مشكلة العمالة 
المهاجرة من الجنوب إلى الشمال. ومرة أخرى؛ تتكرر الظاهرة في اليابان وإن 
بسرعة أكبر. 

في أواخر الثمانينيات: والاقتصاد الياباني ضي عنفوان نموه المحموم» بدأت 
اليابان تستورد اليد العاملة على نطاق واسع؛ ولأول مرة منذ موجة هجرة 
الكوريين بأعداد كبيرة قبل الحرب. وفي سنوات ١191؛‏ حتى بعد انفجار 
الفقاعة الاقتصادية؛ كان في اليابان حوالى ثلاثمائة ألف من العمال الأجانب 
الموجودين بشكل غير قانوني. ورد هذا الرقم في الإحصاء الرسمي؛ ولكن 


اليابان: رؤية جديدة 


الاقتصاديين والباحثين يقدرون أن الرقم الحقيقي يربو على المليون - بل يمكن 
أن يصل إلى عدة ملايين. وما كانت اليابان لتستوعب كل هذه العمالة وفقا 
لمستوى معيشة العمالة اليابانية. هكذا بدأت تظهر حول المدن الكبيرة أحياء 
عشوائية وكفور: بيوتها أو عششها من خشب الأبلاكاش. وبمرور الوقت؛ ظهر 
العمال الأجانب في كل مكان تقريبا. وفي أواسط التسعينيات: عثر على قائمة 
من أكثر القوائم التي يعتمد عليهاء فيها التصنيف الآتي: 45 ألفا من تايلند؛ 
ألف من إيرانء 8 ألفا من ماليزياء "١‏ ألفا من الفليين... وهكذاء وصولا 
إلى 8 آلاف من باكستان:؛ و آلاف من تايوان. وكما سبق أن قلناء الأرقام 
الحقيقية مضاعفات لهذه الأرقام. حيث إنها مستمدة من الإحصاءات 
الحكومية. ولكن مع الاحتفاظ بالنسب؛ فإنها قريبة من مجمل صورة مجتمع 
العمالة غير القانونية. 

فما الأعمال التي يقوم بها هؤلاء؟ غالبا ما تعمل الإناث كفتيات متعة؛ أو 
خادمات منازل. أما الأغلبية من الذكورء فتعمل أساسا في صناعة البناء. وضي 
العدد الكبير من الشركات الصغيرة والمتوسطة. فالعمالة المستوردة ضرورية 
لهذه القطاعات, ولكن اليابان لم تكن مستعدة على أي نحو للامعتراف 
بوجودهم. ومن الناحية الواقعية, كان هؤلاء العمال الجدد يقيمون في اليابان 
جميعا بشكل غير قانوني. دخل 80 منهم البلاد بفيزات سياحية؛ ليقيموا. 

حدث ذات مرة: ضفي أثناء سفري بالقطار على طول الساحل جنوبي 
طوكيوء أن توقف القطار فضي إحدى محطات الأقاليم. كان ثمة شخصان 
أجنبيان ينتظران وسط جمهرة اليابائيين على الرصيف. كانا من الشرق 
الأوسطء ومظهرهما يختلف في كل شيء عن اليابانيين: ملبسهما أقل تأنقاء 
ولحيتاهما لم تحلقا منن يومين. لم يكن ثمة ياباني واحد يقف بالقرب منهماء 
واليابانيون الذين يقفون على مبعدة؛ ييدون وكأنهم يشخصون بأبصارهم من 
خلالهماء أو يتجنبون النظر في اتجاههما أصلا. وعندما فتحت أبواب 
القطار. سار الذين ترجلوا من خلالهاء وكانهما غير موجودين ‏ وكأنما لا 
يوجد أحد سواي؛ أنا الأجنبي؛ يراهما. 

وتلك بالضبط هي الطريقة التي تعامل بها طوكيو هذه الجحافل التي 
جاءت للعمل في هذا الاقتصاد الذي هو علة وجودها. واحتفظت الحكومة 
بحقوقها القانونية؛: غير أنها لم تستخدم تلك الحقوق لمدة طويلة. ثم في يونيو 





الآخر فى داخلئا 


,؛ أعلنت الحكومة أول قواعد تحكم وجود العمال الذين لا يحملون فيزا . 
قضت هذه القواعد بتوقيع غرامات على أصحاب الأعمال الذين يستخدمون 
عمالة غير قانونية؛ بعد أول يونيوء تصل إلى مليوني ين؛ و؟ سنوات سسجنا . 
ولكن القوانين الجديدة لم تذكر شيئا بخصوص العمال أنفسهم. هكذاء 
بالاقتصار على الإعلان عن عقوبة على أصحاب الأعمال فقط؛ مع رفض 
نشر أي ترجمات لتلك القوانين إلى لغات أخرى. تحافظ طوكيو على جرعة 
من الخوف على مستوى يريحها ويوتر الآخرين. | 
يقول كاتسوو يوشيناري أكغاتطوولا وناقاة؟1: دلا يوجد قانون أساسي؛ ولا 
يوجد قانون عملء ولا يوجد قانون للمهاجرين. كل ما يمكن أن نقوله هو أن 
اليابان قد اعترفت أخيرا يوجود عمالة أجنبية هنا». ورد هذا في حديث دار 
بينناء ضفي المكاتب الرئة لجمعية تسمى جمعية صداقة الشعوب الآسيوية. كان 
يوشيناري فيما قبل. موظفا نقابياء حين بدأ طوفان العمالة الأجنبية؛ وبدأ 
أوياما 8كلا0: وهو الحي الذي يقيم فيه في أقصى شمال طوكيوء يمتلئ 
بالفلبينيين والبنجلادشيين الذين بحاجة إلى مشورة. وكان يوشيناري يتطوع 
بتقديمها. وبعد أن تفاقمت المشكلة, ساعد يوشيناري في تكوين الجمعية؛ 
وتفرغ للعمل فيها مع العمال الوافدين. 
سمعت من العمال الذين عرذني بهم يوشيناري» قائكمة لا تنتهي من 
مشكلات متكررة: أجور لا تدفع؛ وجوازات سفر تصادرء وإصابات عمل لا 
تعالج؛ وفواتير مستشفيات. والطرد من العمل؛ واستدعاء للمثول أمام 
المحاكم؛ وخلافات زوجية... تعرفت في مكتب الجمعية على عامل إيراني 
لحوح: ظل الرجل يردد أن اليابانيين لا يفهمونء وأينما توجهت يقولون: 
«وجهك مختلف, وثقافتك مختلفة. أنت إيراني». ويواصل الرجل قائلا: «إن 
اليابان بلدآسيوي؛ وأنا آسيويء ولكنهم لا يستطيعون أن يفهموا». ولكن 
الحق أنهم يفهمون: كما يؤكد يوشيناري؛ إنما «الموقف الرسمي هو الإبقاء 
عليهم في حالة من انعدام الأمن والأمان؛ لكي يمكن التحكم في أعدادهم 
وفقا لما تتطلبه الظروف الاقتصادية». 
بعد هذه اللقاءات بوقت قصيرء طرح أحد المفكرين الاقتصاديين اليابانيين 
البارزين أربعة خيارات أمام اليابان: بعد أن تساءل: «أي أمة نريد أن نكون؟» 
وطرح الخيارات الأربعة التالية: أولاء يمكن أن تستمر اليابان في السماح لليد 





اليابان: رؤية جديدة 


العاملة الأجنبية بالدخول مع انتهاج سياسة التمييز ضدها . ثانياء يمكن أن 
تقفل الياب في وجوههم. ثالثاء يمكن أن تسمح لهم بالدخول وتدمجهم ني 
مجتمعها. والخيار الرابع والأخير يسميه «التمييز الذكي»: أي جعل إقامة 
العمال الأجانب قانونية. مع عزلهم اجتماعيا. أما هو شخصيا فإنه يفضل 
وضعية تجمع بين الخيارين الثاني والثالث: إغلاق الباب جزئياء حتى يمكن 
تحسين أوضاع الدائرة الواسعة لأفقر الفئات الاقتصادية؛ مع دمج من سمح 
لهم بالمرور عبر الباب المغلق جزئيا. 

والحق أن السؤال الذي يطرحه هذا الخبير الاقتصادي هو سؤال صحيح: 
ذلك أن تعامل اليابان مع الوافدين الجدد سيحدد كثيرا من ملامح 
شخصيتها في المستقبل. لكن الأرضية التي تقوم عليها فكرته لا تدعو 
للارتياح: إذ يفترض أن اليابان مسيطرة سيطرة تامة على مقدراتهاء وأن 
مستقبلها محدد المعايير والقيم . فهذنه الحسبة التكنوقراطية الذكية ينقصها 
حسن الإدراك لما هو حتمي. فالعمالة الأجنبية التي تقتحم أبواب اليابان 
تمثل طلبا اقتصاديا لا مناص منه. وعليه؛ فإن الانتماء في اليابان على متي 
إقرار الحقوق؛ وليس على أسّس صلات الدم أو القرابة والأصول؛ هو أيضا 
أمر حتمي. وفي هذا الصددء فأنا أفضل الأخِن بملحوظة أدلى بها رجل كبير 
السن قابلته ذات مرة في طوكيو. كان الرجل يتابع التقدم الذي تحرزه اليابان 
باستمادة ذكريات جولاته في منتزه أوينو 18:1 1[600: وهو مساحة كبيرة من 
التلال والمروج تحف بالعاصمة. يتذكر الرجل أنه قبل الحرب لم يكن يرى إلا 
الرجال فقطء وبعد الحرب كان يرى الرجال والنساء؛ ثم أصبح يرى الرجال 
والنساء والإيرانيين. 

في مقاطعة نيجاتا 15/118348 قابلت ذات مرة شابا من بنجلادش يسمى 
إلهي محمد نورول 10101 لعدة8/10 أطداك1. جاء من أسرة أطباء في دكاء 
ووصل اليابان ليدرس علوم الكمبيوتر. وعندما تبدد هذا الحلم؛ ذهب إلى 
مدرسة لتعلم اللغة: وضي المساء كان يدرس الإنكا 2كآلاع, وهي نوع من الغناء 
الشعبي التقليدي. وبعد ذلك: عمل في مطعم للوجبات السريعة؛ وهدد 
بالاعتقال؛ وبطالة؛ وعمل في ورشة للطلاء بالفضة, ومزيد من البطالة, 
واحتكاك آخر بالقائون. وعندما قابلته كان يشتغل في صناعة قوالب 
بلاستيك تشركة صغيرة في ميتسوكا 8غ1نا8/1)5, وهي مدينة صناعية صغيرة 





الآخر فى داخلنا 


غير متخصصة في شيء بعينه؛ بالقرب من بحر اليابان. كانت ساعات العمل 
طويلة ‏ ثلاث عشرة ساعة كل يوم ولكنه؛ على كل حال؛ كان يتعلم الصنعة. 

كان نورول ربعة؛ أسمر البشرة؛ وسيماء لطيف الملامح. وكان في السادسة 
والعشرين عندما قابلته يعيش بلا أوراق قانونية: ولكن لا يبدو عليه الهم. كان 
سعيدا في حياته: فقبل خمسة أعوام كان قد تزوج ممرضة تسمى ميساكو 
5]!. ووجد نفسه في وضعية شاذة: فهو معترف به قانونا كزوج ولكنه 
مطلوب كخارج على القانون كمقيم غير شرعي. ولكن صاحب العمل كان 
يحبه؛ وعلى استعداد للانتظار حتى يحصل على الفيزا. يقول نورول إنه هو 
وميساكو يرغبان في إنجاب أطفال بمجرد أن تستقر الأمور. 

كنت أتأمل البلدة». ميتسوكاء ونحن نتبادل أطراف الحديث: مجموعة من 
المنازل التجارية القديمة المتهالكة, وشارع رئيسي فيه حركة؛ ولكن بلا روح؛ 
تصطف على جانبيه معارض مكشوفة لبيع السيارات المستعملة ومنافن بيع 
إلكترونية؛ ومطاعم عائلية ذات واجهات من الكروم والزجاج, جلسنا في 
أحدها نتبادل الحديث بينما نحتسي القهوة. والمدينة تمتد أمامنا وسط أرض 
منبسطة خالية من الأشجار وا اريك وا سيريلانكيين في 
المنطقة وهم فيها الأجائب الوحيدون. قلت قلت: «لايد أنك تث تشعر بالوحشة كما لو 
كنت تسير على القمر». 

ابتسم نورول؛ فققال: الحكاية غريبة. أينما نتجه. ينظر الجميع إلي كما لو 
كنت حيوانا يقولون: «أوكا سان! جايجين» ( يا أماه.ء شخص أجنبي!) 
وأحيانا يقول البعض: «إنك تبدو كما لو كنت تشبه اليابانيين». أو يقولون: 
«شكلك ليس آسيويا». ويستطرد قائلا: لا أعرف بالضبط ماذا يقصدون 
جميعا. تقول زوجتي: «أنت مسلم: علمهم. علمهم أنك إنسان؛ وسوف 
يتغيرون». أنا لا أدري» ولكن ميتسوكا هي وطني. نعم. نعم؛ إنها وطني. 

كانت ابتسامة نورول تلقائية ولا تكاد تغادر وجهه. وعندما نهضنا 
للانصراف أصر على أن يدفع الحساب قائلا: «أنت قادم من بعيد: من 
طوكيو. وهذه بلدي» . وافقتء؛ ولكن بشرط واحدء هو أن يغني لي نورول أغنية 
من أغاني الإنكا في أثناء توصيلي إياه إلى منزلي. 

ولكن نورول غلبه الخجل: ونحن في السيارة. كان نورول يغني الإنكا في 
إحدى الحانات المحلية (كاروكي) ليلتين كل أسبوع؛ ولكن ربما كان يغني بعد أن 





اليايان: رؤاية جديدة 


يشرب عدة كؤوس. والإنكا أغاني حزينة نائحة عن الحياة الصعبة والحب 
الضائع: وهي نوع من الغناء أصبح أثيرا لدي الزوجات اللائي تجاوزن سن 
الشباب. ورجال الساراري الذين كاد ينتهي زمانهم. ١‏ 

وأخيرا؛ رق قلب نورول؛ وغنى: 

كم للدموع من ذكريات 

وكم في القلب من جراح 

احتسي شرابي وحيدا 

أسكب الساكي بيدي 

واستمع إلى الإنكا 

إيه يا ساكي؛ هل تفهمني5 

ساشرب امن الساكن كثيرا 


وكأني أغرق نفسي في الساكي 


كلمات حزينة. وصوت بلا رنين. لكن لغته اليابانية رائعة. 





أله 


كلما هَل تواصل ثقافة مع . 


أخرى: قََ إمكان أن تفسد 
إحداهما الأخرى؛ ولكن؛ من 


جائب آخرء يقل كذلك : 


إمكان أن تكتشف أيهما كل 
ما في الأخرى من ثراء 
ودلالات وتنوع, وتلك مفارقة 
لاحل لها. 


كلود ليغي شتراوس 9 . 


الأحزان الاستوائية, 1١500‏ : 


الفضيلة المراوغة 


قال دوجلاس ماك آرثر ذات مرة عن 
اليابانيين: «إذ أبعدهم موقعهم هناك في شمال 
الباسيفيك. فإنهم لا يعون إلا قليلا؛ أو لعلهم 


لا يعون شيئا على الإطلاق عن الحياة في 


بقية العالم». 
كان ذلك في ه مايو :١150١‏ وكان مقررا أن 


. ينتهي الاحتلال بعد أقل من عام. وكان الرئيس 


ترومان قد أعفى ماك آرثر من منصبه كقائد 
أعلى للقوات المتحالفة. ويعد عودته من طوكيو 
إلى أمريكاء دُعي الجنرال للتحدث عن 


حينذاك بصدد مناقشة معاهدة الأمن التي 


: ستربط اليابان بأمريكا. 


وكان ماك آرثر مستشرقا بكل المقاييس. 
ومثل ملاحظات المستشرقين من قبله: لم تكن 
الأشياء التي قالها في ذلك اليوم تخلو من 
صدق؛ وإنما هي تخلو من الرؤية التاريهخية, 
ومن ثم فهي خالية من الفهم. ولأن ما حدث 
بعد ذلك قد حدث. فإن اليابانيين؛ ما يزالون 





اليابان: رؤية جديدة 


يتذكرون ما قاله ماك آرثئر حتى اليوم. والجدير ذكره أن غالبية اليابانيين: 
من شهد منهم ذتك الزمان ومن لم يشهدء يستطيعون أن يتذكروا بعضا 
مما قاله الجنرال بالنص تقريبا: 

بالقياس بمعايير المدنية الحديثة: فإنهم (اليابانيين) أشبه بصبي في الثانية عشرة من عمره 
مفارنة بتطورئاء حيث نحن في الخامسة والأربحين. 

إن التركة الأمريكية في اليابان مركبة؛ ولكن ماك آرثر في خطابه أمام 
مجلس الشيوخ أبرز واحدا من جوانبها السيكة الطالع والأكثر دواماء وهو أن 
اليابانيين كائنات هامشية وثانوية بالنسبة لنا. ظلت الصورة لصيقة بهم: بين 
اليابانيين عن أنفسهم: كما هي بيننا. قال خروتشوف عنهم في العام ١504‏ أن 
ليس لديهم ما يقدمونه إلا الزلازل والبراكين. وسرعان ما جاراه ديجول فضي 
تصريح شهير بعد زيارة رئيس وزراء اليابان له في باريس؛ قال: اليابان أمة 
من بائعي الترانزستور. 

ماذا كان رد فعل اليابانيين5 ليس بالاحتجاجات الدبلوماسية: كما 
يمكن أن نتوقع ضي أيامنا هذه. فبعد الحرب؛ لم يكن أمامهم إلا أحد 
خيارين: إما أن يصبحوا «دوليين»؛ كما نصح بذلك إدوين رايشاور وغيره؛ 
وإما أن يصبحوا (أو يظلوا) قوميين. ومعنى هذا أنه لم يكن أمامهم أي 
خيار. فقد ثبت أن القومية خيار خطرء هذا ما كان يعتقده كل الناس 
تقرييا. فلم يكن الحافز القومي يعني إلا إدانة الغرب عن قناعة؛ وتبرير 
الحرب. أو الادعاءات الغبية بالتفوق العرقيء وهي كلها الرسائل المربكة 
التي تبثها القلة المتعصبة. بذلك سار اليابانيون في الطريق الواضح: 
طريق أن تصبح اليابان دولية؛ وذلك يعني تأييد الدستور الذي منحه 
الأمريكان لليابان: دستور السلام الذي يمنع اليابان من خوض الحرب إلا 
دفاعا عن النفس. كما يعني هذا الطريق قبول رأي الأمريكيين والآخرين 
في التعريف يمن هم اليابانيون: وماذا عليهم أن يفعلوا من أجل أن 
يحسدوا من أنفسهم. 

في يابان ما بعد الحربء يخاطر المرء بوظيفته وسمعة عائلته: إذا 
اختلط بالقوميين. هذا صحيح. ولا يزال. ومهما كانت آراء الشخص؛ أو 
شكوكه في الأمريكيين وإجراءات الأمن التي لا تزال تضع اليابان تحت 
الحماية العسكرية الأمريكية, فإن أحدا لا يخاطر بالاقتراب أكثر من 





الفضيلة المراوغة 


اللازم من أولكك الذين لا يزالون يتشبثون بمواقعهم في أقصى 
اليمين المتطرف. 

غير أن الأمور اليوم لم تعد بمثل هذه البساطة؛ والحق أنها لم تكن قط 
بالبساطة التي أرادها معظم اليابانيين؛ ومعظم الأمريكيين. 

ا 

يوجد في طوكيو ثلاثة أحياء مجاورة؛ تحكي القصة المركبة التي لم 
يذكرها ماك آرثر؛ وهي وإن تكن غير مترابطة: فإنها معا تكمل الصورة لما 
تركه الأمريكيون وراءهم عندما انتهى الاحتلال رسميا في أبريل 1107. وكلها 
كان يمكنني السير إليها من المنزل الخشبي الذي كنت أقيم فيه أثناء عامي 
الأخير في اليابان. 

على ارتفاع منخفض فوق الأسطح الخزفية على طول الشارع الذي 
كنت أسكن فيهء تحلق طائرات هليكويتر في خط طيران غير منضبط 
المواعيدء يبدأ ضي الصباح الباكر ‏ عادة ‏ ويستمر أحيانا حتى 
العاشرة أو الحادية عشرة مساء. كانت طائرات الهليكوبتر أمريكية؛ 
تخدم منطقة عسكرية صغيرة في أقصى حي روبونجي. وفي أثناء 
هبوطها؛ تختفي خلف عمارات سكنية وأبراج مكاتبء؛ وبنايات متعددة 
الطوابق مليئة بالحانات. وكثيرا ما كنت أمر بجوار تلك القاعدة 
القديمة. وهي مجموعة من المباني ذات الأسطح المستوية. معزولة عن 
المحيط المجاور لها ببوابة ومبنى حراسة. وحتى ساعات متأخرة من 
الليل: يمكن رؤية بعض أضواء قليلة ساهرة؛ء فما تزال الجريدة 
اليومية العسكرية الأمريكية ستارز آند ستريبس 65م5)21 300 51815 
تُحرّر هناك. 

وإن سرت في الاتجاه الآخرء فإنني أمر في حي الموضة لأصل إلى 
جزء من حي يُسمى هاراجوكو ناءانازة113. وكان هاراجوكو لسنوات عدة 
قد اشتهر بأنه المكان الذي يستقبل جميع أشكال التقاليع القادمة من 
الخارج (وخاصة أمريكا). والبقعة التي كانت تستهويني في هذا الحي؛ 
التي أضيفت في التسعينيات: كانت تُسمى ساحة هاراجوكو لكرة السلة: 
التي يدل اسمها على واقعهاء وهي ساحة إسفلتية تغطي أرضيتها جميع 
أنواع شعارات المشجعين الكرويين الغريبة والخرقاء. يحيطها سور من 





اليابان: رؤية جديدة 


السلك الحلقي. واللعبة المألوفة هي لعبة " على 8(*). مجموعة 
من ستة أشخاص تدفع ستين دولارا في مقابل اللعب لمدة ساعة؛ وكل 
هذا للإيحاء بأنهم يلعبون في القلب الشعبي للمدن الأمريكية. 

كان النشاط يدب في هاراجوكو في عطلة نهاية الأسبوع: ففي أيام 
الآحاد يمنع المرور في الشارع الرئيسيء لتحتله فرق موسيقى الروك 
والراقصين. ومن بين هؤلاء المحتفلين؛ نرى أكثرهم غرابة. عشرات من 
المتشبهين بألفيس ومريديه. قال لي أحد المسؤولين في الميديا: «إن هذه 
الأشياء المنسوية إلى ألفيس ليس لها أي دلالة اجتماعية: إنها ليست إلا 
تاريخاء. وكان الرجل على حق؛ وإن جزثياء فالثقافة الشعبية الأمريكية 
أصبحت الآن ظاهرة عالمية. ولكن مريدي ألفيس في هاراجوكو كانوا 
أصغر سنا من أن يتذكروا ألفيس بريسلي. ويمكن فهم ما يفعلونه فهما 
أفضل إذا اعتبرناه نوعا من المسرحيات التي تتناول التاريخ بطريقة 
ساخرة؛ نوعا من الطمسء وليس «مجرد تاريخ». قال لي أحد الأصدقاء 
الشبان ذات مرة ونحن نسير في هاراجوكو: ليس هذا حنينا لشيء؛ 
ولكنه ألفيس «الحقيقة الافتراضية»»؛ وهو أكثر «حضورا» بالنسبة لنا من 
ألفيس «الحقيقي». 

ويوجد ثالث هذه الأحياءء وهو الأيعد عن منزليء. بالقرب من 
القصر الإمبراطوري . والبوابة الشاهقة لمزار ياسوكوني 031لاك[ناق هلآ هو 
أهم معالمه. ويعتبر هذا الجزء من طوكيوء في جفرافية اليمين 
المتطرفء هو أقدس بقعة أرض في اليابان كلها. ومزار ياسوكوني 
مكرس لقتلى الحروب اليابانية الحديثة: الصراع الصيني الياباني في 
4. 856 1ء والحرب الروسية ‏ اليابانية بعد ذلك بعشر سنوات؛ ثم 
حرب الباسيفيك: تسكن في ياسوكوني أرواح أربعة ملايين يابائي (من 
بينهم من أدينوا كمجرمي حرب).؛ يعتبرون آلهة في نظر ديانة الشينتو. 
المكان بسيط مستقيم الخطوط. بعد البوابة ممشى مرصوف 
بالحصباءء تحف به أشجار الكرز والصنوير؛ وغالبا ما تكون أغصان 
الفسجان 0 مغطاة ا 3 او رقائق خشسبية ال قرابين 


6( وتوازي شي الشعبية كرة السلة 0 











الفضيلة المراوغة 


نسير بين صفين من أشجار عيد الميلاد. والمزار ميني من الخشب 
البسيط على الطراز التقليديء ولولا الزهور وأعود البخورء لبدا المكان 
خاليا. ينحني الزائرون في صلواتهم: ويصفقون مرتين بعد أن ينتهوا 
منها. وفيما عدا وقع الأقدام على الحصباء. لا يسمع إلا صوت النقود 
المعدنية وهي تتساقط في صندوق خشبي قديم. 

يرغب اليمين الياباني في أن يرى في هذا المزار النظير الياباني لمقبرة 
آرلنجتون (11108]00ة) في أمريكاء أو مقبرة فلاندرز في أورويا. لكن 
ياسوكوني ليس بالبساطة التي يوحي بها مظهره: أو أي مقارنات مشابهة. 
ذلك أنه؛ بعد الحرب ؛ اعتبرت السلطات الأمريكية أن النهج الرسمي 
لديانة الشينتو مصدر أساسي من مصادرالنزوع القومي المتطرف. ومن ثمء 
لم تشجع العبادة في ياسوكوني. وإذ فصل دستور ما بعد الحرب الدين عن 
الدولة؛ فإنه منع المسؤولين من زيارة هذا المكان المقدس بصفتهم الرسمية. 
واليوم: يزور كثير من اليابانيين ياسوكوني لتوقير أسلافهم: ولكن المزار 
لا تزال فيه شبهة الممنوع. 

خلف مزار ياسوكونيء وعلى أرض خضراء ممهدة بأناقة؛ يوجد متحف 
فيه معروضات لمغامرات متنوعة: أزياء رسمية لضباطهء دانات مدافع؛ 
طائرة انتحارية (كاميكازي)!*) . والبطاقات والشهادات الموضوعة على هذه 
المعروضات مكتوبة بلغة تناسب المقام. فمثلا تستخدم كلمة «نحن» في 
التعبير عن الوظاء للموتى؛ كما يستخدمون كلمة «الأمة». ولكن هذه 
المفردات ليست بالبساطة التي توحي بها المظاهر أيضاء لأن اليمين 
الياباني كان قد استحوذ على ياسوكوني ومتحفه. ومن ثم؛ اعتبر أن هذه 
ردت دحي المعاني التي يقصدهاء وليست التي تقصدها الأغلبية التي 

تتبنى التوجه الدولي. 

ضما الذي تنبثنا به هذه الأماكن الشلاثة؟ الخيط الذي يربط بينها هو 
التخليء هو خلق فراغ. ففي القاعدة القديمة بالقرب من رويونجي نرى 
تخلي اليابان عن مسؤوليتها تجاه بقية العالم: وإن وجدت أمور لا تتعاق 
بالتجارة: فلياخذ الأمريكيون الأمر على مسؤوليتهم. وفي هاراجوكو ترى 
الديخلي عن الهوية, فلنحتفل برموز من تولوا امرضليهه بعد الحرب» 


5 الطائرة التي كان يستعملها الطيارون اليابانيون في الأعمال انتحارية (المترجم). 








اليايان: رؤية جديدة 


وأبطالهمء بل لنتظاهر بالحنين إلى ذكراهم. لأن أبطالنا ورموزنا فُقدت 
مصدافيتهم: وفي ياسوكوني نرى التخلي عن الماضي: التاريخ والمشاعر 
مقصورة على اليمين المتطرف. 

ثمة طريقة أخرى لوصف الجولة الصباحية في أجزاء من وسط طوكيو, 
والخيط في هذا الوصف هو قصة «التوجه الدولي»؛ ولكنه توجه دولي من نوع 
مختلف, تفويعة تعتبر إفسادا وتحريفا لفكرة تدعو للإعجاب؛ وهو تحريف 
خاص باليابانيين في فترة ما بعد الحرب. 

«نحن (اليابانيين)؛ يجب ألا نكرس أي شكل من أشكال الوطنية أو 
القومية. وإنما يجب أن يكون هدفنا هو أن نصبح مواطنين دوليين». هذه 
العبارة قالها هيتوشي موتوشيماء عمدة ناجازاكي؛ الذي قعت بزيارته في 
عطلة أسبوعية قبل تركي لليابان بوقت قصير. كان موتوشيما لديه أسباب 
قوية تجعله يقول هذا : فكما سبق أن ذكرناء كان اليمينيون المتطرفون قد 
أطلقوا النار عليه في ١159؛‏ بعد أن أدلى بتصريح يقول فيه إن هيروهيئو, 
وسائر اليابانيين, يتتحملون مسؤولية الحرب. كان رجلا مسنا وهزيلا 
ومنهكاء يعيش تحت حراسة شخصية مشددة ليلا ونهارا . ولكن صوته لم 
يكن صوتا ضائعا في البرية. فعندما يقول موتوشيما «نحن». فإنه يكون 
صادقاء إذ يتحدث في موضوع التوجه القومي والتوجه الأممي باسم كثير 
من اليابانيين؛ بل باسم أغلبيتهم: إن صدقت استطلاعات الرأي التي 
تجريها الصحف. 

كان العمدة موتوشيما مؤيدا عنيدا لدستور السلام. الذي ينبع منه 
مبدأً التوجه الدولي ‏ على الأقل كما يفهمه اليابانيون. وهذا هو 
السبب في أن هذا الدستور يعتبر وثيقة شبه مقدسة, لا تقبل التفيير. 
ويقدر اليابانيون؛ تقديرا عالياء أشياء كثيرة وردت في الدستورء مثل 
التعليم العام والحقوق الانتخابية للمرأة: والحقوق المدنية. حتى لو كان 
بعضها قد جرى تحجيمه أو اللعب فيه بعد النهج العكسي. ولكن المادة 
التي حظيت باحترام حقيقي في الدستور هي المادة 5 التي تمنع 
اليابان من تكوين جيش أو إثارة حرب. لكن المادة 4 أيضا جرى اللعب 
فيهاء طبعا غاليابان لديها جيشها الدائم؛ حتى وإن أسموه قوات 
الدفاع الذاتي. وعلى كل حالء فإن المادة 4 تعتبر نوعا من الحماية 





الفضيلة المراوغة 


الضرورية؛ وهي إحدى طريقتين تحمي أمريكا بهما اليابان: معاهدة 
الأمن التي تحمي اليابان من الآخرين: والمادة 4 التي تحمي اليابانيين 
من أنفسهم. 

هذا الدستورء ذو ال ٠١7‏ موادء جدير بقراءة خاصة. فيه نفمة بلاغ 
توبيخي مطولء: فهو مليء بالنواهي. كأنه مجموعة من الوصايا 
الكهنوتية: «لا يجوز استغلال الأطفال»»: «لا يجوز انتهاك حرية الفكر 
والعقيدة». «لا يجوز استخدام الرتب والألقاب».: «يجب ألا يوجد تمييز 
في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية». يعيد دستور السلام 
هذا إلى الذاكرة صورة الجنرالات الذين يستعدون لخوض الحرب 
السابقة:؛ ولا غرابة في ذلكء لأنه منحة لليابانيين من العسكريين 
الأمريكيين .ولا يمكن أن يكون وثيقة تأسيسية تبنى عليها دولة. إنما هو 
هي جوهره وثيقة نواه للمصادرة على عودة يابان ما قبل الحرب. ومن - 
خلال كل «نواهيهة» 5 «الشعب الياباني أن ينبن الحرب إلى الأبد كحق 
سيادة للأمة» وفقا لنص المادة 5. ٍ 

من الصعب المبالغة شي غباء القواعد واللوائح التي تقيد تقيد قوات الدضاع 
الذاتي. فا مادة 9 تحظر استخدام هذه القوات في أي أنشطة لا ينص 
عليها القانون. عندما أرسلت اليابان سفينة مراقبة إلى القارة القطبية 
الجنوبية؛ في أوائل الستينيات؛ كان لابد أولا من إعادة صياغة القوانين 
التي تحكم اس تخدام سفن الأسطول في مهمات معينة. وعندما 
استضافت طوكيو الدورة الأوليمبية بعد ذلك بسنوات قليلة: كان لابد من 
إعادة صياغة القانون مرة أخرىء لكي تتمكن عربات قوات الدفاع الذاتي 
من المساعدة في تنظيم المرور. وبعد زلزال كوبي في العام 21556 
انتظرت القوات يومين كاملين قبل الإقدام على مساعدة الضحاياء إلى 
أن ينتهي السياسيون والمسؤولون البيروقراطيون من الجدل ليصلوا إلى 
صياغة الكلمات الدقيقة للأوامر العسكرية المناسبة. وأكثر من كل هذاء 
طبعاء ثمة رد فعل اليابان الغريب في أزمة حرب الخليج الذي آثار 
الاستياء في العالم كله. 

كدلك توجد مشكلة لغة فاللفة الأصلية التي كُتب بها الدستور هي 
اللفة الإنجليزية: الأمر الذي يعد مصدر شكوى دائمة من اليمينيينء من 





البابان: رؤية جديدة 
يقرا الدستور لا يفوته أنه مترجم. وللتدتليل على ذلك؛ يشيرون أحيانا إلى 
المادة :)*(١٠‏ 

إن الحريات والحقوق التي يضمنها هذا الدستور للشعب تصونها الجهود 


المستمرة للشعب. 
يرى القوميون المتشددون أن هذه صياغة قريبة أكثر مما يجب من أسلوب 
جيفرسون!**), 


وتفسر مقدمة الدستور الترتيبات الأمنية لليابان كالآتي: 

... لقد عقدنا العزم على المحافظة على أمئنا ووجودناء ثقة منا في عدالة وإيمان الشعوب المحبة 
للسلام في العالم. 

هدالة وإيمان من؟! لا يلزم أن يكون المرء قوميا متشددا نيحس طعما 
غريبا في هذه الفكرة. ومن المستحيل أن نتصور أمة تضع نفسها في مثل هذا 
الوضع المنزوع فيه حقها في الدفاع: فهذا لم يحدث قط من قبل. ومن 
المستحيل تصور دولة أخرى تُعرّف نفسها بأشياء لن تفعلها البتة. ولكن هذا 
هو التوجه الدولي؛: على الطريقة اليابانية. 

لوقت طويلء لم يكن لمبدأ التوجه الدولي مادة قوية يستند إليهاء ولكن 
في أواخر الثمانينيات. والين في ارتفاع؛ والحرب الباردة تقترب من 
نهايتهاء وجد دعاة التوجه الدولي أنفسهم فجأة وفي حوزتهم فكرة يمكن 
أن تفيد في توسيع نفوذهم العالمي. ضفي القرن القادم. ستحل القوى 
الاقتصادية ‏ رؤوس الأموال والتكنولوجياء وهي الأشياء التي تستطيع 
اليابان أن تقدمها لبقية العالم ‏ محل الفكرة القديمة عن القوة باعتبارها 
وظيفة عسكرية وهيمنة إقليمية. «قد يبدو أن اليابان دولة غير طبيعية»., 
هذا ما قاله لي سياسي مفكرء عندما بدأت هذه الفكرة في الرواج: 
واستطرد : «ولكن عندما ننجح في إعادة بناء المجتمع الدوليء فإن دولا مثل 
اليابان هي التي ستكون طبيعية:؛ بينما ستكون الدول التي عندها قوات 
عكر" كبيرة وميتخدسها خارج حدودها ستكون هي غير الطبيعية». 


5 لا يفوت القارئ العربى الصموية فى ترجعة وشراءة مثل هه الجمل لأنها تتحدث عن الصعوبة 
في الترجمة من الإنجليزية لليابانية وقد ترجم ذلك من اليابانية إلى الإنجليزية: ونحن نترجم إلى 
العريية من الإنجليزية (المترجم). 

(**) إذا عرفنا ان جيفرسون هو الذي صاغ الدستور الأمريكي»؛ غفي هذا إشارة إلى أن هذا 
الدستور في بعض بنوده هو محاكاة وترجمة لذاك (المترجم). 








الفضيلة المراوغة 


يسمي الفرنسيون مثل هذا الكلام «نزعة ملائكية» ع0ا6[15عطة. ولكن كثيرا 
من اليابانيين يتعلقون بفكرة أن بلدهم يمكن أن يدافع عن شيء جديد على 
ظهر هذا الكوكبء دور المبشر المسالم الذي يدعو إلى حل المشاكل 
بالدبلوماسية والعقلانية. 

إلى أين أوصل التوجه العالمي اليابانيين؟ وما الذي تعلموه منه؟ ليس من 
الصعب الإجابة عن هذه الأسئلة من واقع النصف الثاني من القرن 
العشرين. إن دعاة التوجه العالمي؛ وقد اتخذوا من الدستور مرجعا مقدسا 
لهم؛ علموا اليابانيين أن أنسب دور لهم في الشؤون العالمية هو أن يظلوا 
بمنأى عنها. ذلك هو «التوجه الدولي» الذي هو السر الدفين في الارتباك 
الذي يصيب اليابانيين في محاولتهم للإجابة عن الأسثلة: من هم؟ وماذا 
يريدون؟ وما أهدافهم من النظام العالمي؟ إن التوجه الدولي هو ما يقترحه 
اليابانيون بديلا عن التميز الياباني الذي يتخلون عنه ليكون ملكا لليمين 
المتطرف. ولا عجب أنه هناء والآن ‏ في هذا الزمن الرديء؛ ‏ بنهاية 
القرن ‏ أن وجد اليابانيون أنفسهم وقد وصلوا إلى لا شيء؛ لا يشعرون 
بالارتياح إلى أنفسهم.: كما هم بالنسبة لبقية العالم. والفهم السليم للتوجه 
الدولي في اليابان هو اعتباره الايد بالخجل يوصل رسالة بسيطة إلى 
الآخرين: لا تثقوا بناء فنحن لا نثق بأنفسنا. 

كان العمدة موتوشيما رجلا مهذبا ورقيقاء يتميز بروح دعابة حاضرة. 
وكان أيضا مسيحياء الأمر الذي يجعله أحد أفراد أقلية يبلغ عددها المليون 
أو نحو ذلك. ومثل غيره من اليابانيين المسيحيين: فهو قادر على أن يكون 
رأيا في مجتمعه من مسافة كتلك التي ينظر من خلالها شخص خارجي. 
كما كانء مثل اليابانيين في معظم الأحوالء ميالا إلى التقليل من قدر 
نفسه؛: وضي الوقت نفسه ليس لديه حساسية إذا كان الأمر يتعلق بمواطن 
الضعف والفشل في اليابان. في اليابان» يصفون التلميذة الصغيرة المبالغ 
في رعايتها بأنها «هاكو إيري موسومي» ما قتا مكلقطاء والمعنى 
الحرفي حسب قوله: «بنت في علبة». ويضيف موتوشيما: «هذا هو حال 
اليابان أيضا. ليست لنا تجربة كافية بالعالم الخارجيء وأحيانا نكون 
أنانيين. والحق أن اليابان تريد أن تساهم في المجتمع الدولي؛ ولكنها لا 
تعرف كيف». 





اليابان: رؤية جديدة 


وكان موتوشيما على حقء فاليابان على حد قوله في معرض هذا الحديث: 
«تمر بوقت صعب في محاولتها للتواؤم مع بقية الجنس البشري». وينطوي 
هذا الكلام على حقيقة لا تقل عن نظيرتها التي ينطوي عليها كلام ماك آرثر 
أمام مجلس الشيوخ العام .1501١‏ ولكن العمدة الياباني وقع في الخطأ نفسه 
الذي وقع فيه الجنرال الأمريكي؛ حيث فشل في التوصل إلى الأسباب التي 
وضعت اليابان في هذا المأزق. ولغ يدرك أن التوجه الدولي بالمعنى الذي كان 
يستحث اليابانيين عليه هو عامل في عزلتهم. ولم يفهم أن الإنسان لا 
يستطيع أن يكون أمميا من دون أن يكون ‏ بادئّ ذي بدء ‏ قوميا أو وطنيا 
بمعنى أو آخر وتلك حقيقة من الوضوح بحيث يصعب فهم كيف يمكن أن 
تفوت على أي شخص. 

6د 6 

من بين الملامح المميزة للحياة في طوكيو شاحنات الضجيج التي تطوف 
الشوارع الرئيسية في المدينة باسم القومية. وتلك نوع من سيارات النقل 
الفريبة المثيرة للارتباك والفوضى والإزعاج: صندوفية؛ طويلة: داكنة» ذات 
شبابيك صغيرة مغطاة بسلك. شديدة الشبه بسيارات نقل الشرطة اليابانية, 
ولا تختلف عنها إلا في أن جوانبها ملطخة بشعارات اليمين المتطرف, وعلى 
أسطحها ميكروفونات هائلة تملأ الجو ضجيجا يصم الآذان. ويرطع كثير من 
شاحنات الضجيج علم الجيش الإمبراطوري القديم؛ تتوسطه الشمس التي 
تنبعث منها أشعة؛ء كان قد أزالها ماك آركر منذ نصف قرن. 

تشن شاحنات الضجيج حربا كلامية بالصراخ والزميق على كثير من 
الجبهات. في أوائل التسعينيات. عندما بدأت اليابان تفتح أسواقها لتستورد 
البرتقال ولحوم الأبقار, كان الفلاح هو الموضوع الأكثر رواجا في هذا 
الصراخ: ها هي أمريكا تقضي على الفلاح؛ الرمز الأسطوري ضي قلب اليابان 
التقليدية. وسنة بعد ك6 جدت موضوعات أخرى: مناهج التاريخ في 
المدارس الثانوية؛ النراع الحدودي مع موسكو؛ عدم نقاوة الأرز المستورد . وكان 
دستور ما بعد الحرب موضوعا متميزا لإثارة الضغائن الدفينة. فبالنسبة 
لليمين الملتطرف, يُعتبر هذا الدستور رمزا لسقوط اليابان من مكانة الدولة 
العظمى على أيدي الأجانب؛ وفقدانها لسيادتهاء وهزيمتها الروحية. إنه زائدة 
يجب استتصالها من جسد اليابان إذا شدّْرتها أن تعود إلى مجدها مرة 





الفضيلة المراوغهة 


أخرى. ولكن الحديث عن الدستور ‏ على هذا النحوء أو التطرق إلى مصدره ‏ 
مقصور على دوائر القوميين. وكان ثمة موضوعات أخرى لمحظورات ما بعد 
الحرب. ولكن ريما باستثناء الدور الحقيقي للإامبراطور في الحرب. كان 
دستور السلام هو أكثر هذه الموضوعات التي حظيت باهتمام. 

بعد وقتء يطول أو يتقصرء لا تشد هذه الأصوات الانتياه. وعن نقسي.: 
لم أعد أنتبه إليها إلا عندما تتمكن ميكروضوناتهم المروعة من إفساد حديث 
يدور بيني وبين أحد اليابانيين. حينذاك يتوقف كلانا عن الحديث؛ وتبدو 
على محدثي مظاهر الحرج والضيقء فيصيبني الحرج من أجله. وضي مثل 
تلك اللحظات يلمع في الأذهان معنى الأصوات التي تصدرها شاحنات 
الضجيج: إنها أشبه بالسياسيين الذين يرضعون عقيرتهم أحيانا بادعاءات 
مضحكة عن عدالة الحرب. وكل واحدة من هذه الهجمات الخطابية» تذكّر 
اليابانيين بخطر إحياء العسكرية: الماثل دائما. فكلما ارتفعت أصوات 
شاحنات الضجيج هجوما على الدستور الذي يثير حنقهم: بدت «نواهي» 
هذا الدستور شيئا ضروريا. 

يعتبير الغرب أن هذا الخطر حقيقة مسلم بها. وحتى الآن تظهر في 
الصحف الجادة ب بين الحين والآخر ‏ تقارير تنذر بأن نزوعا عاطفيا 
قديما للسيف لم يُهِذّب؛ ولا يزال مختفيا تحت سطح محيط لا 0 
غوره: آلا وهو الروح اليابانية. منذ بضع سنوات: أجرى صحافي أمريكي 
مقابلة مع ضابط أمريكي كبير في أوكيناوا. سأل الصحاضي اذا لا يزال 
الأمريكيون موجودين في اليابان؟ السؤال بسيطء فا مبررات المعلنة؛ أو 
التاتيماي 86 معروفة تماما: فالأمريكيون هنا لحماية اليابان من 
جيران معادين: الكوريين الشماليين مشلاء أو الروسء أو الصينيين. ولكن 
الضابط الأمريكي أ أجاب إجابة مختلفة. مختصرة: ونزلت على رؤوس 
اليابانيين كالصاعقة قال: «لا أحد يريد يابانا ناهضة وقد استعادت 
تسلحهاء فإن شكت قل إننا السدادة التي تغاق القمقم». 

وهذا كلام لا يقبله عقلء كلام كبير ومبالفات غبية: ولكنها واأسعة 
الانتشار نتيجة لكسل وبلادة فكرية. ونحن لا نستطيع أن نقبل مثل هذا 
الكلام إلا بعد أن نجيب عن السؤال: من ذا الذي ستهاجمه اليابان وناذا 
إذا كدر أن تستعيد «نهضتهاء كاملة5 وعندئن لن نعثر على إجابة مقبولة؛ 





اليابان: رؤية حجديدة 


خاصة إذا أخذنا في الاعتبار كيف تغير العالم؛ واليابان كجزء منه. خلال 
العقود الخمسة المنصرمة. 

وعلى أي حالء ماذا نعني عندما نتحدث عن اليمين الياباني المخيف؟ة 

منن بضع سنوات؛ علمت أن المخابرات الأسترالية قدرت عدد اليمين المتطرف 
الياباني بثلاثة وعشرين ألفا. لم أقرأ هذا التقرير النفسي؛ ومن الصعب القطع 
بوجوده أصلا . ومع ذلك فإن المصدر الذي أخبرني بذلك كان باحثا جادا يوثق به 
ويبدو أن الرقم صحيح. صحيح إذا اعتبرنا أن هذا الرقم يتضمن محاربين 
قدماء في الحلقات الثامنة أو التاسعة من أعمارهم, لا يزالون متمسكين 
بأفكارهم البالية. وسياسيين غير عمليين تموزهم القدرة التكتيكية؛ وعددا كبيرا 
ومتزايدا من تشكيلات وطوائف صغيرة ذات أسماء غريبة؛ وسائقي شاحنات 
الضجيج: وحاملي حقائب تابعين للياكوزا (الماضيا اليابانية)» وصانعي الضجيج 
الذين يزعقون في الميكروفونات ويتقاضون أجورهم على ذلك بالساعة. هؤلاء 
هم: في التحليل الأخير؛ المادة التي يصنع منها ذلك الخطر. 

توجد أيضا مجموعة كبيرة وإن تكن غير مترابطة من المعلقين؛ الذين 
يعبرون عن الآراء الكثيرة شديدة التباين لليمين المتطرف. وكان يمكن أن 
يكون ميشيماء لو أنه عاش حتى اليوم؛ واحدا من هذه المجموعة التي تثير 
كتاباتهم مشاعر اليابانيين وخيالهم.: لأن عندهم الجرأة من ناحية؛ ولأنهم 
أيضسا يقولون أشياء لا يستطيع أن يفكر فيها الناس العاديون؛ بحكم 
تنشكتهم كأممين صالحين. وفي المراتب العليا لقوات الدضاع الذاتي؛ إلى 
جائب عدد من الباحشين المتضلعين في الشؤون الدولية: يوجد عدد قليل 
من الضباط الذين ما يزالون على استعداد للقعقعة بسيوفهم من حين 
لآخر. ولهم صدى بين الجمهور أيضاء لأنهم يؤكدون الخوف الشعبي من 
واقع أن اليابان لم تطور الرقابة المدنية الكاضية على العسكريين. 

الرقابة على العسكريين... أي عسكريين؟ ليس لدى اليابان إلا ما يقرب 
من ١٠6١‏ ألشا من القوات البرية في الخدمة, كلهم من المتطوعين. وضي 
اقتصاد بمثل ضخامة الاقتصاد الياباني يحتاج إلى عمالة مستوردة... من 
ذا الذي سيلتحق بقوات لا عمل لهاء ولا دورا محليا أو إقليميا أو عالميا 
تقوم به5 على الرغم من أن القائون يمنع الأجانب من دخول القواعد 
المسكرية؛ فإنني تمكنت من الدخول سرا إلى أحد المعسكرات بمساعدة 





الفضيلة المراوغة 


عضو في الدايت (البرلمان) لمشاهدة عرض عسكري. والحق أنها كانت 
زيارة فتحت ذهني على أشياء: رأينا أمامنا مجموعة من الطوابير غير 
المنضبطة:؛ يجد جنودها صعوية في ضبط إيقاع خطواتهم العسكرية, 
ولايستطيعون ببساطة أن يحفظوا استقامة أبراج دباباتهم. وأي ضابطء 
يابانيا كان أو أمريكياء يهمه أي قدر من مظاهر الاستعداد المعسكري, 
سياخت الانطباع نفسه. ١‏ 

غير أنه يمكن أن ننظر إلى القوميين المتطرفين بمنظور آخر. صحيح أنهم 
يمكن أن يكونوا منكرين للداريخ, ولسؤوليتهم عنهء ولكن من الأمور التي 
خطرت لي بشدة؛ أنهم يستحقو ن أن يستمع الناس إليهم باهتمام أكبر: فخيول 
الحرب الشهباء المسنة هؤلاء. هم الذين يبقون على أفكار ومبادئ احترام 
الذات والسيادة الوطنية والخصوصية اليابانية: حتى وإن كانوا يقومون بذلك 
في أشكال لا يتجاوب معها إلا هم أنفسهم. فهم وحدهم الذين يدافعون 
عن هذه الأشياءء. ويرسمون كاريكاتيرات لها. وقد انفردوا بهذا المجال 
لسبب وحيدء هو أن ذوي التوجه الأممي قد تركوه لهم. 

إن اليابان» عفريت في علبة ينتظر الانعتاق: تتحمل الحياة وهي ليست 
على حقيقتهاء عند الأجانب كما عند اليابانيين أنفسهم؛ ولكن بغض النظر 
عن هذه الفكرة المنطوية على مفارقة تاريخية؛ فإننا نصل إلى نتيجة واضحة: 
هي أن اليمينيين على صواب: فاليابان يجب أن تمزق الدستور الذي منحهم 
الأمريكيون إياه؛ وتبدأ من جديد بدستور من صنعهاء ثم عليها ‏ بعد ذلك - أن 
تقرر إن كانت تريد أن تعيد تسليح نفسها من دون قيود؛ فإن اختارت ذلك, 
فعليها أن تبدأ بأسرع ما يمكن. 

ليس ثمة إلا عدد قليل عولد اناتن سكن أن ووافقتوا على مدل فده 
المزاعم, التي يمكن أن تؤخن على أنها نوع من التجديف. أفكار يروج لها 
أجنبي إما أن يكون متهورا جدا وإما أن يكون هو نفسه يمينيا متطرفا. 
ولكني قابلت عددا قليلا من اليابانيين لا يشعرون بالقلق؛ على نحو ماء 
ف ظل القيود التي يعيشون فيها منذ الحربء وهم لا يعتقدون بأن 

ثمة قلقا يجب معالجته ويبدو كما لان اليمين المتطرف الذي لا 
يحظي بالاحترام يُعَبَّرِ وسط محترضي المسا مة والدولنة؛ عن الرغبات 
المكبوتة في الأمة كلها. 





اليابان: رؤيهة جديدة 


# ع 

ومسحظورات ما بعد الحرب: تلك المناطق الممنوع الاقتراب منها فضي 
الخطاب السيامسي والجدل التاريخيء تفعل فعلها على نحو غريب. وأول 
الأمثلة لذلك هو موضوع مسؤولية هيروهيتو في الحربء الذي هو أشبه 
بقصة موكب الإمبراطور المجرد من الملابس. كان كثير من الناس يعرفون 
الحقيقة؛ ولم يتكلم أحد إلا بعد مماته؛ وبدأ أناس؛ مثل العمدة موتوشيماء 
يتكلمون بصوت عال في هذا الموضوع. والشيء نفسه بالنسبة للموضوع 
المحظور الآخرء وهو الدستورء فالكل يعرف أن الأمريكيين فرضوه على 
اليابانيين؛ دون أن يكون في العملية شبهة ديموقراطية. ولكن الطريقة 
المهذبة التي تستخدم في الحديث عنه هو القول بأنه كُتب تحت الإشراف 
الأمريكي؛ أو الوصاية الأمريكية؛ وهكذا يتجنبون الإشارة إلى طبيعة تلك 
الوثيقة كشيء من مخلفات الاحتلال الأجنبي. 

عندما أنشئ الحزب الليبرالي الديموقراطي في 1500: كان ثمرة 
اندماج حزبين محافظين: أتباع شيجيرو يوشيداء الذي كان هدفه 
تحقيق الازدهار الاقتصادي:؛ وترك أمريكا تتولى مسائل الأمن. 
ومجموعة من «الديجوليين»!*!؛ الذين عارضوا صفقة يوشيداء لأنهم 
كانوا يفضلون السير في طريق إعادة التسلح وعمل دستور جديد 
مختلف؛ لا يحتوي أشياء منفرة مثل المادة 4 (من دستور الاحتلال). لهذا 
السبب ظل الحزب الليبرالي الديموقراطي ‏ على الرغم من أنه حكم 
اليابان بلا انقطاع حوالى أربعين عاماء وما زال واسع النفوذ حتى اليوم 
ظل دائما كالسفينة المائلة. والعنوان الشهير الذي أطلق في طوكيو 
على هذا الحزب؛ بحقء هو أنه «لا هو ليبراليء ولا هو ديموقراطي» 
ولا هو حزب». وإنما استمر هذا الحزب يعيش على واحدة من المفارقات 
المهمة المميزة للسياسة اليابانية بعد الحرب. منذ البداية: كانت المطالبة 
يدستور حديد إحدى نقاط برنامج الحزب الليبرالي الديموقراطي» 
وكان هدضا مقررا ومُعلنا بوضوح. وجميع اليابانيين يعرفون ذلك تماما. 


(*) الديجو ليون 53131 :0 : نسبة إلى الزعيم القريسي الجنرال ديجو الذي كان داعية لتحقيق 3 قدر 
عال من الاستقلالية المفرنسية عن الهيمنة الأمريكية. ٠‏ برز دوره في المقاومة للاحتلال التازي لفرنسيا 
في الحرب العالمية الثانية: وتولى ركاسة فرنسا فيما بعد. (المترجم) 








الفضيلة المراوغة 


ولكن لم يحدث قط أن تحدث أحد رؤساء وزارات هذا الحزب في هذا 
الموضوع من قريب أو بعيد. 

الاستثناء الوحيد هو ياأسوهيرو ناكاسونيء الذي تولى رئاسة الوزارة من 
حتى 19417 . وكان ناكاسوني واحدا من اثنين هما أهم من تولى المنصب 
منن نهاية الحرب. وليس الآخر هو كاكوي تاناكا: صائع الزعامات الفاسد: 
الذي ساعد على وضع ناكاسوني في المنصبء فهو لا يرقى إلى هذا المستوى. 
إنما الوحيد الذي كانت له رؤية تنافس رؤية ناكاسوني كان هو يوشيدا. 
طيوشيدا هو الذي رسم أسس وملامح نظام يابان ما بعد الحرب: وهو الذي 
أعاد توجيه طاقات اليابان في بناء اقتصادهاء وأبقى على قدرات 
البيروقراطية المركزية للإشراف على ذلك. وإذا كان يوشيدا هو مهندس الآلة 
التي عرفت فيما بعد باسم شركة اليابان المتحدة .100 00مهل؛ فإن ناكاسوني 
كان هو أول رئيس وزراء يقترح إنهاء الظروف التي أوجدتها . 

كان لمشروع ناكاسوني أبعاد عدة. في السياسة كان يمارس سلطاته كرئيس 
جمهورية ركاسية وهو رئيس الوزراء الوحيد الذي عالج المشكلات التجارية 
بجدية. وجعل ناكاسوني؛ من التوجه الدولي؛ الهدف والطموح الجديد. وي 
آثناء رئاسته للوزارة وقع اتفاقية بلازاء التي جعلت الين عملة عالمية. وكان في 
الوب التازرة يمك مواقف ادرو . وكان يحبذ بشدة أن تأخذ اليابان 
وضعها في النظام الأمريكي للأمن: ولكن ليس المكان الذي وضعت فيه بعد 
الحرب. وكان يصر على أن طوكيو يجب أن تكون شريكا على قدم المساواة مع 
واشنطن في الدضاع عن أمن المحيط الهادي. وغالبا ما كان يقول لمستمعيه: 
يجب أن ننفتح على العالم؛ ونكون معه. لقد حققت اليابان طموحها القديم: 
لقد لحقنا بما كنا نصبو إليه والآن؛ يجب أن نحدد لأنفسنا أهدافا جديدة. 

أحب اليابانيون ناكاسوني لما أشعرهم به من علو المكانة:طويل القامة؛ 
وسيم: أنيق الملبس؛ يتصرف بعفوية وثقة ويخاطب أقوى السياسيين في العالم 
بإنجليزية طليقة. كان يعرف كيف يظهر بالمظهر الرفيع اللائق في بلده كما 
في الخارج. ظهر في ذروة تألقه في قمة ة الدول الصناعية التي عقدت في 
ويليامزبرجء بولاية فرجينيا . وكان اليابانيون قد اعتادوا أن يروا رئيس وزرائهم 
في مثل هذه المؤتمرات يبدو قصير القامة. شارد النظرات, كأنه أخطأ الطريق 


(*) لأمريكا علبعا (المترجم). 








اليايان: رؤية جديدة 


فوضع على الهامش في تلك الصور التي تُؤخن بعد انتهاء المؤتمر. أما في 
ويليامزيرج: فإن ناكاسوني يظهر في الوسط وعلى جانبيه رونالد ريجان 
ومارجريت تاتشر. وعندما نشرت الصحف الصورة في اليوم التالي ألهبت 
حماس اليابانيين وخيالهم. فإذا تصورنا ألبوما يضم صورا ليابان ما بعد 
الحربء فإن لقطة ويليامزبرج لا تقل أهمية عن الصورة القديمة لهيروهيتو 
وهو واقف بجوار ماك آرثرء كل منهما تحكي تاريخا . 

لم يحدث في حقبة ما بعد الحرب, أن توقع أحد أن ينظر اليابانيون إلى 
العالم إلا كمجرد سوق أو أن ينظروا إلى أنفسهم إلا كتجار - إلا إذا استشينا 
قلة من القوميين المتطرفين. ولكن؛ هل كان اليابانيون يعرضون إلى أين 
سيقودهم ناكاسوني عندما صعد إلى المنصب وجعبته ملأى بأفكار جديدة. 
عرف الأجانب ناكاسوني داعية إلى التوجه الدولي؛ ولكن ذلك لم يكن كل ما 
في الموضوع. طهو لم يكن بالتأكيد داعية «دولنة» من النمط الذي عرقته يابان 
بعد الحرب. ولم يكن متعاطفا مع دعاة سلام دستور ماك آرثر, وإنما بدأ 
قوميا ليتحول إلى داعية للدولنة. وعندما نطلق على ناكاسوني صفة القومية, 
فإننا نعني ذلك بلا تحفظء لأنه كان قوميا صميما. 

في أغسطس العام 1540؛ كان ناكاسوني؛ وهو بعد في السابعة والعشرين؛ 
ضابطا بحريا ضي قاعدة تاكاماتسو الواقعة على البحر الداخلي. ومن هناك, 
رأى بعينيه سحابة التفجير النووي فوق هيروشيما ترتفع إلى السماء. وفيما 
بعدء قدم ناكاسوني صورة شبه سينمائية لنفسه بعد استسلام اليابان: هائما 
على وجهه بين أنقاض طوكيوء وقد سلم سيفه إلى جيش الاحتلال؛ ونزعت 
من فوق أكمامه رتبه العسكرية. كتب في مذكراته: «لقد تركت الهزيمة وصمة 
على تاريخ اليابان». ولم يكن من سبيل إلا إعادة بناء اليابان لتكون بقدر 
الإمكان كما كانت روحهاء وكبرياءهاء ودولتها ‏ العائلية, ونقاءهاء وتقاليدهاء 
ووحدتها في ظل الإميراطور. 

وكان ناكاسوني؛ كسياسي؛ يسبح ضد التيار. وعندما رشح نفسه لأول مرة 
للبرلمان في 1547: نجح بسهولة على الرغم من أن برنامجه كان قوميا على 
غير الموضة. وبمجرد أن انثخبء شرع يهاجم يوشيدا لأنه يبيع استقلال 
اليابان لجيش الاحتلال: وهو اتهام في محله؛ كذلك اتهم حكومة طوكيو بأنها 
لم تكن إلا مقاولا من الباطن يقوم بتنفيذ أعمال ماك آرثر القذرة؛ وهو اتهام 





الفضيلة المراوغة 


آخر في محله أيضا. وقبل أن يستدعي ترومان الجنرال ماك آرثر بقليل؛ العام 
١‏ : قدم ناكاسوني للجنرال عريضة يطالب فيها بعقد معاهدة دفاعية على 
أسس نديةء كما يطالب بجلاء وشيك للقوات الأمريكية. ووضقا لرواية 
ناكاسوني: ألقى ماك آرثر تلك الوثيقة في سلة المهملات دون أن يلقي عليها 
نظرةء ولكن المحاولة جلبت له احتراما عميقا من جانب زملاثه القوميين. 

وكان ناكاسوني يستصغر شأن محظورات ونواهي ما بعد الحرب. لم يكن 
يرى سبيا يجعل اليابان تتكوم مسجردة من وسائل الدفاع عن نفسهاء قابعة 
خلف الأمريكيين. وإذ اعتبر نفسه مكرسا للامبراطور؛ وبحكم مكانته 
السياسية: لم يعمد إلى إخفاء مشاعره الوطنية. في أثناء معركته الانتخابية 
العام /14841: كان يتجول على دراجة ترفع علم الشمس المشرقة التقليدي. 
وبمجرد انتخابه رئيسا للوزراء؛ بعد ذلك بخمسة وثلاثين عاماء لم يضيع وفتا 
ورفع ميزانية الدفاع الذاتي متجاوزا الحدود المألوفة. وضي :١15/6‏ عندما 
ذهب إلى مزار ياسوكونيء في ١١0‏ أغسطس. وهو ذكرى التسليم: لم يترك 
مجالا للشك في أن زيارته رسمية مفجرا بذلك مساجلة حول فصل الدين عن 
الحكومة؛ وهي مساجلة ظلت تتكرر منذكذ حتى وقتنا هذا . 

وكانت إعادة النظر في دستور ما بعد الحرب هي أقصى ما يطمح إليه 
ناكاسونيء الأمر الذي يتماشى تماما مع كل ما يصدر عنه من تحركات 
وسياسات. ولم تمض سوى أشهر قليلة على توليه منصب رئيس الوزراء إلا 
وكان قد طرح هذا الموضوع للبحث في اجتماع لليبراليين الديموقراطيين. 
وكما هو متوقع: أثار هذا موجة معارضة كبيرة من جانب الشعب والسياسيين. 
عندئن تراجع ناكاسونيء ولم يكن تراجعه إلا لتلافي ما أسماه فيما بعد: 
«فورانا اجتماعيا فيه مضيعة للجهد والطاقة». 

يعد ناكاسوني واحدا من الصقور؛ محافظا من النوع القديم» وقوميا: هذه 
صفات قد تختلف فى انتقادها أو إطرائهاء ولكن ليس هذا هو الموضوع. لم 
يلبث ناكاسوني أن أثار قلقا حقيقيا بين الأغلبية ذات التوجه الدولي. وكان قد 
فقد شعبيته عندما انتهت فترة ركاسته للوزارة. ذلك أن ذوي التوجه الدولي 
أصروا على أن اليابان يجب ألا تعود قط للماضي مرة أخرى. ولم يكن ذلك 
مقصد ناكاسوني على الإطلاق. ولم يتفهم نقاده الموضوع الأكبر. كانت 
مقترحات ناكاسوني بخصوص الدستور قد خلقت لحظة ريما أتاحت 





اليابان: رؤية جديدة 


تليابانيين أن يمعنوا التفكير فيما وراء معادئة ما بعد الحرب» ليتجهوا نحو 
تعريف جديد لهويتهم. وما كان دعاة المسالمة و«الدولنة» ليقفوا مع ناكاسوني 
قط على هذه النقطة. ولكانت المساجلة بين الطرفين شرسة. ولكن: لم تكن 
هذه هي القضية أيضا. 

كان اليابانيون بحاجة إلى عشر سنوات أخرى ليعيدوا النظر في القضية 
التي آخارها ناكاسوني. شي تلك اللحظة (الفرصة) الضائعة؛ من الذي كان 
متشيذا بالماضي ومن الذي كان يتطلع إلى الأمامة هل كان هو ناكاسوني أم 
خصومه ذوي «التوجه الدولي»؟ من الذي كان داعية للعودة إلى الوراء؛ ومن 
الذي كان يحاول أن يرسم صورة لما يجب أن تكون عليه اليابان في المستقبل؟ 


6 د كي 
انكمشت اليابان عما وصلت إليه رؤية ناكاسوني بعد خروجه من الوزارة 
في 19817 وتراجعت إلى عاداتها القديمة في اللحظة التي تخففت فيها من 


الأعباء والمهام التي كانت قد شرعت في النهوض بها منذ الإصلاح الميجي؛ 
وهي اللحظة نفسها التي تستطيع فيها منطقيا أن تواجه مرة أخرى مهمة 
إعادة ترتيب أوضاع ما بعد الحرب. عاد البيروقراطيون إلى الحكم وما 
يزالون. وعاد رؤساء الوزارات يختارون من بين الوجوه المألوفة المتتفنة المبتذلة 
في الحزب (باستثناء موري يهيرو هوسوكاوا ناضءاه1]05آ متاته840: الذي 
خلخل قبضة الليبراليين الديموقراطيين على السلطة في 1947 وأحد زعماء 
لاشتراكيين الديموقراطيين الذي لم يبق إلا فترة وجيزة في المنصب). وعاد 
الفساد السياسي مستشريا متفشيا (وإن لم يكن ناكاسوني غريبا عليه). 
وتفاقمت مشكلات التجارة. وباختصار؛ عادت اليابان مرة أخرى تحتفي 
بعبادة اللامسؤولية غُذيت بأوضاع ما بعد الحرب. 

لم يتغير آي شيء لأنه لم توجد حلول لأي شيء. والفراغ الذي تركه 
ناكاسوني: تقدم ليملأه جيل جديد من القوميين الجدد ذوي الصوت العالي. 
ويعد شينتارو إيشيهارا متقطتطة1 متمغمتط5 أكثر هؤلاء شهرة. وهو الذي ألف 
في شبابه رواية موسم تحت الشمس 'انا5 66) 10 5603502: وهي رواية قدمت 
لنا جيل الخمسينيات. كان من الأعضاء الليبراليين الديموقراطيين في الدايت 
الأكشر جرأة والأعلى صوتا. ولكنه في انتقاداته الاستفزازية الكارهة لكل ما 
هو أمريكي كان طفلا طائشا. وفي 1584 نشر إيشيهارا بالاشتراك مع أكيو 


الفضيلة المراوغة 


موريتا 2/0:318 الى الرئيس المرموق لشركة سوني؛ نشر كتاب «ائيابان التي 
تستطيع أن تقول لا 10! (58 0830 1186] 190311 11». بمجرد صدوره: أحدث 
الكتاب في اليابان ضجة هائلة. وسرعان ما وصلت الموجات الصادمة إلى 
واشنطن؛ حيث ظهرت ترجمات إنجليزية مقرصنة؛ وقامت وزارة الدفاع 
(البنتاجون) بتلخيصه: للتوزيع المحدودء وقرأه الكونجرس وأثبته في المحضر. 
وكأنه وثيقة عجيبة: لدرجة أن وجودها نفسه يمكن أن يكون أمرا مشكوكا 
فيه. ولكن عندما عادت الأخبار لتقول أن الأمريكيين مهتمون كل هذا 
الاهتمام بقراءة اليابان التي تستطيع أن تقول لاء أحرجت اليابانيين» لدرجة 
أن موريتا تبراً من مشاركته فيه. 

وإذا تغاضينا عن الكلام الجارح الذي لا داعي له؛ فإن الفكرة الأساسية 
عند إيشيهارا هي أن طوكيو لها الحق في التعامل مع واشنطن على قدم 
المساواة؛ وأن على اليابان أن تدرك قدرها كقوة عالمية ‏ وياختصارء على 
اليابان أن تستعيد سيادتها التي سلّمت فيها بعد الحرب. «نحن اليابانيين 
نواجه اليوم اختيارين: إما أن نتقدم إلى الأمام بشجاعة, وإما أن نرجع إلى 
الوراء صامتين». هذا ما كتبه إيشيهارا. ويستطرد : «إن الفضلات العالقة 
المتبقنية من خترة ما بعد الحرب شديدة الوطأة على الوعي والضمير 
اليابانيين». أليست هذه صيغة أخرى تقفز فجأة أمامنا لأفكار ناكاسوني؟ 
ولكن؛ مرة أخرى يبدو وكأن شيئا لن يترتب على إثارة هذا التحدي الأساسي. 
فعلى جانبي المحيط الهادي؛ يبدو وكأن غالبية القراء على استعداد لعمل أي 
شيء إلا أن يعطوا الموضوع حقه من التفكير. فلا تزال «يابان» كاملة السيادة, 
مطلقة السراح: أمرا بعيدا تماما عن التصور. 

وجاءت حرب الخليج لتغير ذلك. خلق اجتياح صدام حسين للكويت لحظة 
حرجة أخرى لليابان. لم تُحدث أزمة الخليج تغييرا في الجدل الدائر حول 
الدستور؛ وإنما خلقته على نحو ما. فبعد حادث الخليج؛ أصبح من المسموح 
به لأول مرة مناقشة إحداث تعديلات حول دستور ماك آرثر. حدث ذلك في 
البداية بأسلوب حذر وغير مباشر. ريما قال عدد من أعضاء البرنان إثنا 
نستطيع أن نعدّل المادة 9 لكي يُسمح لليابان بأن تقوم ولو بدور صغير فضي 
شؤون الأمن الدولي. أو ريما نستطيع: ببساطة, أن نعيد تفسير الدستور 
بمعنى التحايل عليه كما سبق أن تم التحايل عليه والتلاعب ببعض بنوده قيما 





اليابان: رؤية جديدة 


سبق. هكذا. وفي 1197 أرسلت طوكيو مائة من المتطوعين غير المسلحين 
لكمبودياء بالتحايل على القانون. ولكن هذه العملية أثبتت أن أسلوب إعادة 
التفسير لم يؤد إلا إلى ألغاز لا حل لهاء مثل هل الأسلحة الخفيفة مختلفة عن 
أسلحة الميدان: أو هل يمكن أن تقوم طائرة أو سفينة بهذه المهمة أو تلك داخل 
منطقة أمنية أو .خارجها. 

بعد حادث الخليج ببضع سنوات؛ التقيت كاتبا ومعلقا تلفزيونيا يسمى 
يوكيو أوكاموتو 014101000 وأ انالا . وكان أوكاموتو قد سبق له الاشتغال في 
السلك الدبلوماسي لمدة اثنين وعشرين عاما. وكون آراء واضحة عن 
الولايات المتحدة. تحدث أوكاموتو حديثا مطولا عن كيف أن البلدين يكمل 
أحدهما الآخر: حتى الاختلافات التي بينهما ‏ الثقافية والاقتصادية ‏ 
يمكن أن تكون عوامل ربط. ولكني كنت أشعر غالبا بأن مسار الحديث 
بيننا له علاقة بحقيقة أنني أمريكي. من ثم: سألت أوكاموتو إن كان يعتقد 
أن آليات العلاقات بين بلدينا (دستور السلام: والوثيقة المرافقةء معاهدة 
الأمن التي وقعت العام ١1950ء‏ ثم تجددت بعد ذلك) هل هذه الآليات 
بحاجة إلى إعادة نظر؟ 

تململ اوكاموتو في جلسته. وأطال النظر إلي لحظة. وعندما عاد إلى 
الحديث مرة أخرى. بدا وكأن الحاجز الذي بيننا قد سقط فجأة. واستطرد 
قاثئلا: ريما كان ماك آرثر على حق حين قال: «إن اليابانيين مثل صبي في 
الثانية عشرة من عمره. لذلك سننزع سلاحهم؛ ونوظر لهم الأمن». وأضاف 
اوكاموتوة ريما كان هذا كلاما لابد منه في تلك الملابسات التاريخية. لكن 
الفكرة لم تتغير. وفي اللحظة التي تث تثير هذه القضية: فإنك تعتبر «يمينيا». 
وتفقد احترام المثقفين المعتدلين: بل وكل المجتمع المتنفن في المسار الرئيسي 
للأحداث. وهنا؛ يتوجب علينا أن نقول... 

توقف أوكاموتو فجأة؛ قبل أن يواصل كلامه بلهجة أكثر هدوءا: وهذا 
النهيج الذي لا يتسم بالمرونة دفع اليابان إلى مزيد من البعد والتباعد عن 
حقائق المجتمع الدولي. عندما بدأت حرب الخليج: بدأت وسائل الإعلام كما 
بدا المثقفون يقولون: «لا تحاربواء التوضيق بين الأطراف مهم. يجب أن يدور 
حوار. يجب أن يتحاور بوش وصدام حسين». ونحن نتقدم بهذه الأفكار 
السلمية الرخيصة عندما لا تكون لدينا فكرة عن هوية أفكارنا . غفي يابان ما 





الفضيلة المراوغة 


بعد الحربء ئيس أمامنا إلا الحوار ‏ الحوار من أجل الحوار... هكذا يمكن 
أن تكون علاقاتنا بالعالم أكثر طبيعية. 

وكلمة «طبيعية»» في الوقت الذي قابلت فيه أوكاموتوء كانت مثقلة 
بالدلالات. وهي كلمة جعلها إيشيرو أوزاوا متداولة على نطاق واسع في 
الكتاب الذي نشره في ذلك الوقتء وعنوانه مشروع ليابان جديدة. ويطرح فيه 
السؤال: «ما هي الدولة الطبيعيّة؟», ويجيب: إنها الدولة التي تنهض بنصيبها 
من المسؤولية: وتقيم علاقات تعاون مع غيرها. ثم يضيف ملاحظة: 

وهي دوئة لا ترفض تحمل اعبائها متعللة بوجود صعوبات سياسية داخلية. كما أنها ليست 
الدولة التي تُقدم على الحركة تحت «ضغوط دولية, - وهي غير راغبة... غير أننا إذا فكرنا في الأعباء 
التي يجب ان تتحملها الدولة كعضو في المجتمع الدوليء فمن المشكوك فيه أن نعتبر ان اليايان قد 
قامت بمهامها على الوجه الذي يجعلنا نسميها «دولة» أصلاء 

فهل كان اليابانيون: أخيراء على استعداد لأفكار من هذا النوعة لقد 
أصبح واضحا بمرور الوقت أن الصراع في الخليج قد بدأ يغير كل شيء.؛ 
معدن آنه نذا ينين الكان التاس. ولناهن مغلا ضعي بدا اتشركه بظبوعة 
مانجا 11010180 بشأن ما معن الخدمة العسكرية الصامتة إداعاز5 106" 
10 ,: بعد حرب الخليج بوقت قليل. ومانجا هي الدوريات المصورة 
الواسعة الانتشار التي تستغرق اليابانيين تماماء والمليكة بقصص العنف 
والحب وكل أنواع المغامرات. وهي إدمان سائد, لأنها منفذ للتنفيس عن قوم 
تربطهم قواعد سلوك اجتماعية جافة ومقيّدة. الأمر الذي يجعل المانجا 
نوعا من الصورة العاكسة لأحوال اليابانيين» ووسيلة لتجميع واستكشاف 
التمنيات الفكرية للجماعة. وكانت الخدمة العسكرية الصامتة شديدة 
التعبير عن الحالة المزاجية حينذاك. 

ومن السهل تلخيص القصة: يختطف فريق من البحارة اليابانيين غواصة 
بنتها اليابان بالاشتراك مع الولايات المتحدة: ويعلنون أن الغواصة دولة, 
يطلقون عليها اسم ياماتوء وهو الاسم القديم تليابان الذي لا يزال يثير الخيال 
والحماس. تكوّن الغواصة ‏ الدولة ياماتو تحالفا مع مجتمع التكنولوجيا 
المتطورة اليابانية المعاصرة؛ وتدخل حربا ضد الأمريكيين. تتشكل أحداث 
القصة وتتطور في أثناء صدورهاء ويطبع منها عشرون مجلدا تباعاء وحين 
مغادرتي تليابان كانت قد وزعت سبعة ملايين نسخة. 





اليايان: رؤية جديدة 


كانت الخدمة العسكرية الصامتة من صنع الخيال؛ ولكنها معبرة تعبيرا 
مدهشا ودفيقا عن الواقع؛ واعتّبرت من الجميع تقريبا علامة على أن تغييرا 
قد حدث وآثار ضجة كبيرة بين اليابانيين. وصدرت بعدها قصص كثيرة 
مصورة تتناول موضوعات مشابهة لاقت نجاحا كبيرا. ومع ذلك يجب ألا تكون 
نظرتنا مقصورة على مجلات القصص المصورة. ففي الوقت الذي كان ينشر 
فيه مسلسل الخدمة العسكرية الصامتة بزغت تفييرات مشابهة في كل 
المجالات: في الثقافة والرياضة والسياسة والدبلوماسية. وفي 1495؛ قام 
رئيس الوزراء موريهيرو هوسوكاوا بزيارة لواشنطن؛ ليقدم رفضا صريحا 
لمقترحات الرئيس كلينتون الخاصة «بالعلاقات التجارية الموجهة» بين البلدين. 
واستقبل الموقف الذي اتخذه هوسوكاوا بالتأييد والترحيب في وطنه حتى من 
أعدائه؛ باعتبار أن هذه هي أول مرة تقول فيها اليابان «لا!» على النحو 
الجريء الذي دعا إليه إيشيهارا وغيره من القوميين الجدد 5ا15ل260080008. 
وبعد ذلك ببضعة شهورء حين استبعدت اليابان من المشاركة في مسابقات 
كأس العالم لكرة القدم صُدمت الأمة اليابانية وشعرت بعمق الأسى الروحي 
الذي أصابها . 

وفي نهاية العام 14 أقدمت جريدة يوميوري شيمبون أتكناتطدرها 
81111101 وهي كبرى الجرائد اليومية القومية الأربع» على خطوة رائعة. 
حيث نشرت تحت عنوانها الرئيسي: «من أجل إثارة حوار قومي»»: نشرت 
مسودة مشروع دستور جديد من اقتراحها. ريما لم يلفت هذا الحدث نظر 
الناس خارج اليابان: إلا أنه كان نقطة انطلاق عميقة بالنسبة لليابانيين. لقد 
تحطم المحظور ‏ ليس من جانب عصبة أخرى من القوميين؛ أو جيل جديد 
منهم؛ وإنما حطمه علماء وباحثون قانونيون. ونظراء لهم ممن جندتهم 
الجريدة. قالت الجريدة في معرض تقديمها للمشروع: «الحياة في العمصر 
الحالي متعددة الأوجه ولذا يجب أن نخطط لنموذج جديد قادر على التعامل 

مع المجتمع الجديد ذي الأوجه الشديدة التنوع» . وهذا يعني «دستورا جديدا 
ينطلق من زاوية رؤية جديدة». 

تضمنت البنود ال ٠١8‏ للوثيقة التي نشرتها يوميوري شيمبون:؛ إسباغ 
مشروعية دستورية على القوات المسلحة. وسمحت للدولة بأن تنهض 
بالتزاماتها تجاه الأمن الدولي دون قيود. هذا فضلا عن اقتراح إجراءات 





الفضيلة المراوغة 


مبسطة لأي تعديلات في المستقبل. وما كانت الجريدة بحاجة إلى أن تنبه إلى 
أهم سمة تميز هذا العرض الإعلامي غير العادي: وهي أن هذا المشروع 
بدستور كتبه يابانيون بلغتهم هم. حيث أصبحت «لا يجوز انتهاك حرية الفكر 
والعقيدة» في المشروع الجديد «يجب احترام ومراعاة الحق في حرية الفكر 
والعقيدة». وديجب ألا يمنع الشعب من التمتع بأي من حقوق الإنسان 
الأساسية» أصبحت: «الشعب يملك كل حقوق الإنسان الأساسية». 

هل هي مجرد تعديلات لغوية؟ لاء بل كانت أكثر من ذلك كثيرا. لقد بدأ 
اليابانيون يتبينون أن المشكلة الأساسية لم تكن هي المادة 4: وإنما هو الدستور 
برمته. وبدأوا يتفهمون نقاط الضعف في توجههم الدولي ويستكشفون مفهوما 
بناء لتوجه قومي يتجاوز التمنيات الفكرية التي تعبر عنها مجلات المانجا 
المصورة: ويخرج من حوزة اليمين المتطرف المتعصب ضد كل ما هو أجنبي. 
لقد أزيلت كل «النواهي»؛ لتستطيع اليابان: أخيراء أن تعبر عن هويتهاء 
وتطلعاتها للمستقبل. 
1 لوقت طويلء: ظل مجرد الإشارة إلى إصلاح دستوري من أي نوع 
يعتبر إهانة مقصودة أو خروجا ‏ لا يليق - على حسن الخلق. هذه هي 
الطريقة التي تفعل المحظورات 120005' فعلها في اليابان. ومما يدعو 
إلى الدهشة أن الأجائنب مستهدون جدا للمشاركة في هذه اللعبة. 
حدث ذات مرة وأنا أتناول الغداء مع مسؤول كبير في وزارة الخارجية: 
وصحاضفي زميل في جريدة معروفة؛ أن سألت: إلى متى يمكن أن تظل 
اليابان مبقية على دستور ما بعد الحرب. غير المسؤول الكبير موضوع 
الحديث. وعندما استأذن وانصرف لبعض الوقت؛: همس إلى الزميل 
الصبعافي قائلا: «ليس هذا موضوعا نتحدث فيه هنا». وبعد ذلك 

بفترة طويلة. سألت السفير الأمريكي السؤال نفسه. فأجاب باقتضاب: 

5 تغيير في المستقبل المنظور». 

لم أوافق قط على ذلك. فالمناقشات من أجل عمل دستور جديد؛ بما 
في ذلك مناقشة المادة 4 الخاصة بنبذ الحرب» هي العلاج الوحيد 
لحساسية اليابان المرضية إزاء التاريخ. وإن دستورا جديدا لهو السبيل 
الوحيد لتمكين اليابان من تحمل مسؤولياتها التي تتواءم مع تفوقها 
الاقتصادي. وبمرور الوقت. يمكن أن تختار اليابان دستورها الحالي نفسه. 





اليابان: رؤية جديدة 


أو يمكن أن تختار أن تعيد تسلحها بالكاملء أو ألا تفعل ذلك. ولكن ليس 
مهما هنا الاختيار أو ذاك بقدر أهمية أن يتم الاختيار بالكاملء أو ألا 
تفعل ذلك. ولكن ليس مهما هذا الاختيار أو ذاك بقدر أهمية أن يتم 
الاختيار بعد حوار صريح ومفتوح على الصعيد القومي. ويكون الحوار أفيد 
بقدر ما يثير من خلافات ويناقشها. إن اليابان بحاجة إلى أن تفكر 
لنفسهاء وتجد إجاباتهاء وتتحمل تبعات ذلك؛ وعندئذ ستكون اليابان؛ بلا 
شكء أكثر تجاوبا في موضوعات مثل التجارة والبيئة العالمية. وحينذاك؛ 
ستتحول علاقاتها ببقية آسيا ؛ المثقلة بالأعباء النفسية ؛ لتصبح أكثر 
اهتماما بالملستقيل منها بالكاضي: 

ليس ثمة ما يعبر عن تلك الحساسية التاريخية التي تتملكهم أكثر من 
صراع اليابان المؤلم مع حاجتها إلى الاعتذار عما ارتكبته من أعمال 
عدوانية في أثناء الحرب. وغالبية اليابانيين ‏ مثلهم مثل العمدة موتوشيما 
في موقفه المؤثر بعد موت هيروهيتو ‏ مستعدون للإقدام على هذه الخطوة 
التي ليست شديدة الصعوية. وإنما يقاء خلفاء العصبة السياسية القديمة 
لفترة ما قبل ا ل ل الخطوة 
مستحيلة. أن تقدم اليابان اعتذارات أو لا تقدم: هذا هو خط الهوة التي 
تفصل بين السلاميين والقوميين في فترة ما بعد الحرب. وكما هو متوقع؛ 
فإن الكوريين والصينيين متهيتون دائما لاعتبار كل ما يصدر عن طوكيو 
اعتذارات غير مقنعة: وكأنها أغنيات رديكة. 5 

وهذا أشبه بألعاب خيال الظل. همن الذي يهمه إن كان اليابانيون 
يأسفون أو يحزنون وإلى أي مدى؟ وما أهمية أن يظلوا يذرفون دموع 
التماسيح, وإلى متى5 لقد أصبحت الكلمات الرقيقة أشباحا تؤرق ذاكرة 
الذين ارثكبت الجراكم في حقهم. إنما القضايا 0 
والتضج ووضوح الرؤية. وقد آن الأوان 0 يسمح لليابانيين بأن 
أنهم جديرون بثقة الآخرين؛ وأنهم ناضجونء ويتوافظر اد وضوح 
الرؤية تجاه الماضي والمستقبل معا. «لا أستطيع أن أثني على فضيلة 
مراوغة يصعب الإمساك بهاء فضيلة لم يجربها أو يتنفسها أحد». هذا 
ما قاله ملتون منت ثلاثة قرون ونصف القرن. وهي كلمات تصف المأزق 
الذي فيه اليابانيون وصفا دقيقا. فمن ذا الذي يستطيع أن يثني على 





الفضيلة المراوغة 


أمة ليس مسموحا لها بأن تقول «نعم»؟ ومن ذا الذي يثق فيها إن كانت 
هي لا تثق في نفسها؟ 
ع 

آخر مرة قابلت فيها يوكيو أوكاموتوء قال لي: «ولكن في الأمر شيكا 
من المخاطرة». 

كنا نتتحدث عن المسارات التي يمكن أن تسلكها «يابان» واثقة من 
نفسها . ولكن يبدو أنه لم يكن أنسب وقت لإعمال الفكر في يابان 
استعادت طاقتها وحيويتها. ذلك أنه في الخريف السابق تساءل أحد 
كبار ضباط قوة الدفاع الذاتي على الملأ إن كان انقلاب عسكري هو 
الحل الذي يضع نهاية لمسلسل الفضائح الذي لا ينتهي شي ناجاتاشو!*). 
وبعد ذلك أقدم أحد أقطاب اليمين القدامى على إطلاق الرصاص على 
نفسه في اجتماع لمحرري جريدة أساهي شيمبون: وهي أكثر الصحف 
القومية اليومية حماسا وتأييدا لدستور السلام. ثم أعلن وزير العدل بعد 
قليل من توليه منصبه أن أحداث مذبحة نانكينج لم تكن بالبشاعة التي 
تصورها العالم. 

ماذا لا يزال لمثل هذه الأحداث كل هذا الأثر في نفوس اليابانيين؟ منذ 
مجيثي إلى اليابان» كان من بين معارفي عدد من أعضاء اليمين المتطرف, 
وكذا بعض الأصدقاءء ليس لأنني اقتنعت بوجهة نظرهم: ولكن لأنهم - حتى 
آخر مدة إقامتي هناك كانوا هم الوحيدين الذين على استعداد لمناقشة 
المشكلات الجوهرية: السيادة الوطنية: احترام الذات: الدستور. ولكني لم 
أعتبر قط أن هؤلاء الرجال المحترمين ‏ بحلقات شعر رؤوسهم القصير 
الخشن؛ وستراتهم العتيقة اللامعة ‏ يشكلون خطرا قوميا. وكلما ازدادت 
معرفتي بهم؛ ازددث اقتناعا بأن مثل هذه الفكرة لابد من أن تبدو عبثية حتى 
بالنسبة إليهم. 

وشبهة وجود هذا الخطر ئيست بلا هدف. فقد كان التهديد المفترض الذي 
يمثله اليمين سندا قويا للترتيبات والاتفاقات التي تبرمها واشنطن مع طوكيو بعد 
الحرب. فالعلاقات الحميمة بين اليمين المتطرف والصفوة السياسية ثابتة 
وموثقة: والحق أن الليبراليين الديموقراطيين ما يزالون قادرين على إطلاق 
(*) الحي السياسي في طوكيو (المترجم). 








اليابان: رؤيه جديدة 


سيارات الضجيج أو حبسها وكأنهم يفتحون صنبورا ويفلقونه. كذلك ساعد هذا 
التهديد المفترض حكومة طوكيو على تهدئة التساؤلات التي ثثار حول وجود 
القوات الأمريكية وإملاء واشنطن للسياسة الخارجية في كل المسائل إلا في 
النادر. والولايات المتحدة من جانبهاء لا ترغب في التخلي عن هذه الامتيازات. 
وضي الأثناء. لا يُترك للسياسيين اليابانيين شيء يفعلونه إلا أن يستمروا في 
الفساد. وينصرفوا لمصالحهم ومصالح محاسيبهم. 

والمفارقة المجهلة التي تدعو للأسى هي أن المتشددين بعد الحرب كانوا هم 
الساتر الوحيد الذي احتمى فيه العسكريون القدامى: واستمروا يؤرقون 
الذاكرة الجمعية للناس في داخل اليابان وخارجها. فإذا دُفعت أفكارهم إلى 
الهواء الطلق وضوء الحوار القوميء فإنها لن تلبث أن تتحلل سريعا وكأنها 
بقايا مومياوات تُزعت أربطتها. ويتعلم اليابانيون هذا بالتدريج في أثناء 
محاولتهم الوصول لأفكار جديدة للتوجه الدوليء أو بعبارة أخرىء لتوجه 
وطني من نوع جديد . 

قضت طوكيو سنوات عدة؛ تعد للاحتفال العام :١1956‏ بمرور خمسين 
عاما على نهاية الحرب. ومن بين برامج الاحتفالء؛ بناء مكتبة ومركز 
للدراسات التاريخية متخصص في أبحاث الحرب. بلغت ميزانية المشروع 
٠‏ مليون دولار. واستمر الإعداد له حوالى عشر سنوات؛ وتحدد مقره 
ليكون على بعد أقل من مائة ياردة عن مزار يوسوكوني. ولكن في العام 
14 : وقبل أن تبدأ عمليات البناء مباشرة: غيرت الحكومة رأيها فجأة. 
فلن يكون ثمة معهد للبحوثء. وإنما ستقام قاعة لإقامة الصلاة. ومتحف 
حربي تذكاريء شديد الشبه بمتحف يوسوكوني . وفي إيماءة ساخرة للعقد 
الأخير من القرن, ستكون المعروضات تُسخا من أصولهاء حقيقة افتراضية 
اكفاك خر: 

وسرعان ما اشتعلت جمرات الخلاف. احتج سكان المنطقة حيث رأوا 
أن المبنى المقترح سيبدو كأنه شيء من مخلفات المانيا النازية. كذلك احتج 
اليمينيون. لأنهم رأوا أن وضعيتهم المتميزة مهددة. وكان أهم من هؤلاء 
جميعا المؤرخون والباحثون الذين أرادوا إقامة مؤسسة ترعى كتابة واضحة 
للتاريخ: منزهة عن المواطف والأهواء. قال لي أحدهم: «إن معهدا 
للدراسات ينشد الحقائق الموضوعية ملحقا بقاعة للعبادة: أمر مستحيل. 





الفضيلة المراوغة 


وإنما ستكون له داكما وجهة نظر سياسية: أيديولوجيّة. لقد وضعنا 
مشروعا لمكتبة يمكن أن تجمع كل شيء عن الحربء من مختلف الاتجاهات 
من اليسار؛ واليمين. والتقدميين: والليبراليين: والمحافظينء: جميعا . ولكن 
الحكومة تشددت». 

والحصيلة أن موعد الاحتفالية؛ في العام 1940: جاء دون أن يُقام أي 
مبنى تذكاري. بل ولم تتمكن الحكومة من عمل أي شيء انتظارا لأن تلتقي 
وجهات نظر جميع الأطراف: الجيران: واليمينيين؛ والمؤرخين. ويبدو لي أن 
هذا فضي حد ذاته أمر ذو دلالة كاشفة للحكاية بكاملهاء وأبلغ تعبير يمكن أن 
يتصوره إنسان في هذه اللحظة . ففياب نُصب تذكاري بعد خمسين سنة من 
انتهاء الحرث والتسليم؛ هو في حد ذاته تُصب تذكاري شريد في نوعه - أ إن 
شئت قل هو نصب مضاد . ذلك أن رفض الطريقة التي كتب بها التاريخ وكرس 
في ياسوكوني؛ أي رفض الطبعة الحكومية للتاريخ. خطوة هائلة كبداية لإعادة 
تصحيح ماضي اليابان بأسره. 

قبل مغادرتي لليابان بوقت قليل» كانت آخر شاحنة أصوات رأيتها ‏ في 
هاراجوكو بالذات ‏ تلطخ جانباها بشعار مكتوب بحروف ضخمة: اطردوا 
العمال الأجانبء الذين ينتهكون «ثقاضتنا» ودحضارتنا» و«تقاليدنا» 
و«تاريخنا». كانت العمالة الوافدة قد أصبحت مصدر شكوى جديدة بعد أن 
بدأت تصل بأرقام كبيرة مننث سنوات قليلة. وانفجرت كمادة للضجيج 
المحمول على الشاحنات: في الوقت نفسه تقريبا الذي انفجر ذيه الشجار 
عند مزار ياسوكوني. شعرت بحبور خبيث وأنا أسجل هذا الشعار في 
مذكرتي» إذ تبيّنت فيه روابط مضمرة: اعتاد القوميون المتطرفون على قلب 
الحقائق؛ ولكن اليابانيين: وقد بدأوا يتعلمون كيف يتعاملون مع مثل هذه 
التمثيليات المبتذلة, لن يلبثوا أن يفهموها على حقيقتها. ووجود الأجانب 
سيكون خطرا على الثقافة والتقاليد والتاريخ بمعنى خطر على الطيعة 
القومية المتطرذ فة لهذه الأشياء ‏ فاليابانيون بداوا يدركون أن تفهم الآخر 
وقبوله؛ مثل تفهم الماضي واستيعابه. كلاهما ضروري لتوجه دولي أصيل. 
وبالتدريج: يكتشف اليابانيون بين أنفسهم ما يكفي من الثقة بالنفس على 
الصعيدين الجمعي والفردي لكي يتخلصوا أخيرا من داء كراهية الذات 
التى يجدها المرء في قاع كأس اليمين المتطرف. 





اليابان: رؤية جديدة 


ا 

كيف سيتفهم اليابانيون أنفسهم وينظرون لذاتهم بطريقة جديدة - 
كقوميين متعجرفين: أو كدولانيين كُرماءء أو محايدين على الطريقة 
السويسرية: أو على نحو آخر لم يرد على الذهن بعد؟ وهذا السؤال وثيق 
الصلة بأسئلة أخرى طُّرحت في هذا الكتاب - عن المدارس وأماكن العمل 
وعن الربجال والنساءء؛ وعن المدن والقرى: وعن الشقافة والهوية. غير أن 
السؤال الجوهري الذي يربط كل هذا هو تغيير سيكولوجي ‏ تغيير تأملناه من 
كل هذه المنظورات. 

ولكن أي تغيير من هذا القبيل يجب أن يُنظر إليه من زاوية رؤية 
سياسية. فالسياسة: وليست «الثقافة» ولا«التقاليد» ولا «الروح» هي التي 
منعت اليابانيين من الوصول إلى إجابات عن هذه الأسثلة لمدة أطول مما 
يجب. وئليس غير السياسة بقادر على تمكين اليابانيين من التغلب على 
المشكلات. فاليابانيون يقفون متوازنين لينضوا عن أنفسهم سيكولوجية 
الاعتماد على غيرهم التي لاحقتهم لسنوات أكثر مما كان مفترضاء لو 
أن أولئكك الذين تولوا قيادة اليابان عبر القرون قد صنعوا تاريخا 
مختلفا. ولكن هذا لن يحدث من تلقاء نفسه:ء دون تلاحم مع الوافع, 
ودون مجتمع مدني. 

ولا تزال اليابان تعاني تأثير الاحتلال الأجنبي ‏ الذي يظل نفوذه قوياء 
فنحن لا نستطيع أن نتحدث عن السياسة في اليابان دون أن نتحدث عن 
أمريكا. وقد بدأنا هذا الكتاب بتأكيد أن الأمريكيين يجب أن يقفوا على 
مسافة ما ليروا اليابانيين على حقيقتهم. وباعتراف الجميع: ليس في 
الأمريكيين فضيلة الوقوف بعيدا ورؤية الناس بوضوح. ولكن؛ علينا أن 
تكتسب هذه العادة. ولو بالتدريج:؛ فلنختتم هذا الكتاب بتأمل كيف يمكن أن 
يحدث هذا . 

لقد غانط الأمريكيون أنفسهم في الشأن الياباني» إلى مدى غير 
طبيعي . فالأمريكيونء إذ أضلتهم مظاهر ديموقراطيتهم؛ وشعبية 
أفلامهم وأغذيتهم وموسيقاهم وملابسهم؛ وما شابه. صدقوا وهما 
شائعا بأن اليابانيين لا يريدون شيئا إلا أن يكونوا مثلهمء وأن اليابان, 
على نحو ماء حبيسة حالة من التطلع الداكم نحوهم. ولكن الأمريكيين 





الفضيلة المراوغة 


في هذا يتجاهلون التاريخ: كما هو شأنهم غالباء فلم يروا أن اليابان؛ 
وهي أكثر حضارات العالم قدرة على التعلم: يمكن أن تستوعب أي 
شيء: وتظل دائكما هي اليابان. ولا شيء تستورده اليابان من الخارج - 
لا عيدان الطعام ولا القانون الدستوري يظل على حاله؛ يعد أن 
تستوعبه اليابان. وقبل ألف سنة من مجيء الأمريكيينء كان اليابانيون 
مغمورين في ثقافة الصين وحضارتها. ولكنهم لم يتحولوا قط 
ليصيروا صينيين. 

وما أفكار اليابانيين الحقيقية عن الأمريكيين الذين يحتلون بلادهم؟ 
كمثال واضع: ماذا كان شعورهم عندما رأوا الصورة الفوتوغرافية 
الشهيرة لماك آرثر ومعه هيروهيتو؟ «دكانت صدمة قاسية لنا جميعا» 
هذا ما قاله ذات مرةء يوشيكازو ساكاموتو هغمصسععلة5 ناجةعاتطةه'؟: وهو 
أحد كبار مثقفي ما بعد الحربء ومؤيد متحمس لدستور السلام. 
ويستطرد: «ها هنا أمريكي فارع الطولء في زي عادي» وإلى جانبه 
الإمبراطور قصير القامة. في سترة صباحية. رأينا الفجوة الهاكلة بين 
الاين في السلطة الشقافية والبنية الجسدية». وظلت الصورة ثابتة 
وعالقة بالأذهان نصف قرن. غير أن مشاعر اليابانيين كانت دائما أكثر 
تعقيدا مما يتصور الأمريكيون. وعلى حد تعبير ساكاموتو: «صحيح أن 
ثمة إعجابا بالأشياء الأمريكية ‏ الديموقراطية؛ والسيارات الفارهة؛ 
والمبردات ‏ ولكنه إعجاب مصحوب بشعور بالتقص والحسد؛ وهي 
تركيبة يمكن أن تولد بسهولة إحساسا بالكراهية». 

وغالط الأمريكيون أنفسهم بشأن أنفسهم: أيضا ‏ وتلك نقطة لا تقل 
أهمية ‏ وهم لا يزالون يغالطون أنفسهم حتى الآن. فالأمريكيون بعد أن 
أعادوا تنصيب الزمرة السياسية لما قبل الحرب في السلطة لمدة خمسين 
عاماء وأعفوا الإمبراطور من مسؤولية جرائم الحرب؛ فإنهم هم المسؤولون 
إلى .حد بعيد عن النظام السياسي الموبوء الذي ابتليت به اليايان منذكذ. 
وبدلا من أن يساعد الأمريكيون اليابانيين في إرساء أسس ديموقراطية 
ذات صلاحية وكفاءةء فإننا ثراهم يعتمدون على غياب الممارسة 
الديموقراطية كما يحدث على سبيل المثال في أوكيناوا. فنحن نفضل 
سيكولوجية الاعتماد على الغير التي تعززها النخبة السياسية. والحصيلة 





اليابان: رؤية جديدة 


هي «الديموقراطية اليابانية»» التي ليست إلا ستاراء لأنه لا يوجد شيء من 
هذا القبيل. 1 ١‏ 

تتجلى في أوكيناوا حقيقة العلاقات الأمريكية ‏ اليابانية في أوضح صورة. 
بحة حادت امعصاب تلميةة عمرها انا مشر هاما فى مقة ا رقامت 
مظاهرات احتجاج عارمة. وبعد ذلك رفض ماساهيدي أوتا 08 عل أتلتقة1/!, 
عمدة أوكيناوا العنيد: أن يوقع على تجديد عقود إيجار أراض تحتلها القوات 
الأمريكية. فما الذي حدث؟ قام رئيس الوزراء ضي طوكيو بالتوقيع بدلا منه. 
ولتشتيت مظاهر الاحتجاج؛ أعلنت طوكيو عزمها على نقل بضع قواعد إلى 
موافع جديدة: لم يعلم المسؤولون المحليون فيها عن خطة طوكيو إلا من 
الضبحك» ومن ه: وفكن المشؤولون التمليون كنرف اسكتهبافة العوافد 
الأمريكية في مناطق نفوذهم القانونية. وأخيراء حكمت المحكمة العليا 
اليابائية كما وانش التفاذ يانه إذا كان الأمر يحص القواعن الأمريفية: فإن 
الواطتي البابائيين ليست لهم تحتوق ملكية: 

في القرن الماضي؛ كانت كراهية الأقلية الأوليجاركية الحاكمة 
للمعاهدات غير المتكافتة؛ التي وقعت بعد وصول الكومودور بيريء هي 
المحرك والدافع لمشروع التحديث. ومنطق الأوليجاركية في ذلك؛ هو أنه 
عن كل إثجاء هذ ف الاهداكه يشي أن يت اليانان |ولاادينا قن تأغرت: 
وهكذاء بدأت المسيرة الطويلة التي كان من بين نتائجها اقتصاد صناعي؛ 
ومحاولة إقامة إمبراطورية: والشباب المقلّد لألفيس بريسلي في هاراجوكو. 
وإن أراد الأمريكيون أن يفهموا اليابانيين؛ فإن أول شيء عليهم أن يتبينوه 
البوم هو ان العادلة كب اكيت لحق اليابانيون بالغرب: وامنيه هايهم 
الآن أن يثبتوا أنفسهم بالكشف عن هويتهم. لم يعد الغرب يمسك المرآة 
التي يرى طيها اليابانيون أنفسهم: وإنما أصبحت المرآة بيد اليابانيين ليروا 

إذا آردنا ألا يتحول الإعجاب إلى كراهية: فقد آن الأوان لأمريكا كي 
تفهم أنها يجب أن تسمح لليابانيين بأن ينظروا في المرآة لأطول وقت 
يحتاجون إليه. آن الأوان لكسر حلقة الاعتماد على الغير بكل أشكالهاء 
اغقمادهُم على سلطة غير ديموقراطية: واغحماذنا على ما يعتعدون 
عليه. أعرف عددا قليلا من اليابائيين, ربما لا أحدء من رأيهم تفكيك 





الفضيلة المراوغة 


الروابط الشديدة الإحكام التي تربط اليابان بالولايات المتحدة. ولكن 
الجميع تقريبا يتبينون أن الأوضاع الراهنة قد وصلت إلى نهايتها 
المنطقية, إن لم تكن قد تجاوزتها . ولكي تكون العلاقات بين البلدين 
صحية: لابد أن تكون أكثر تباعدا . 

وكلا الطرفين يخاف خوفا كبيرا من إحداث تغيير من هذا النوع. وهذه 
نتيجة حتمية بعد مرور كل هذه السنين من عدم التغفيير ذهائيا. ومع ذلك» 
لا يمكن أن توجد ضوابط إلا باختيار اليابانيين أنفسهم. فأمريكا لا 
تستطيع فك وثاكق اليابانيين إلا بشرط أن يقيموا دولة من النوع الذي 
تريده لهم أمريكا. فخما الذي يثير قلق الأمريكيين ويستدعي إبقاءهم على 
ما يقرب من خمسين آلف عسكري على أرض اليابان؟ ليس هو المارد 
العسكري الحبيس. بالتأكيدء فلم يعد أحد يصدق هذا. وإنما ما يثير قلق 
الأمريكيين؛ الآن كما في السابق؛ هو اللامبالاة: والمنافسة التي تصحبها. 
إن ما يقلقهم هو يابان لها تصورها الخاص لخريطة المحيط الهاديء ولا 
يعنيها التصور الأمريكي للمنطقة. ويجب أن نسلم بأن هذا هو الخوف 
الأكشر واقعية. وقد كان احتمال حياد اليابان في الحرب الباردة كابوسا 
يؤرق واشنطن. أما ما يؤرق واشنطن اليومء فإنها اليابان القادرة على 
المنافسة؛ اليابان القوية والتي يستعصى احتواؤها اقتصاديا. فإذا أخذنا 
في الاعتبار مصالح اليابان الكبيرة في الخارج, فإننا قد نتبين أن يابانا 
غير مبالية ليست احتمالا واقعيا اليوم مثلها مثل ما هو غير واقعي أن 
تكون ديابانا» عسكرية. وفي كلتا الحالين؛ ليس للقوات الأمريكية ما تفعله. 
وضي جميع الأحوال؛ لا يستطيع الأمريكيون أن يدعوا أن المشكلة تخصهم 
والقرار قرارهم. 

ولا يبدو أثر لهذه الاعتبارات في سياسة أمريكا الحالية تجاه اليابان. 
فأمريكاء وقد انتهت ت الحرب الباردة: تقدم ميررات جديدة كثيرة لترك كل 
شيء م حاله. صحيح أن اليابان تعيش مع جيران لا يدعون للاطمئنان؛ 
ولن تت تنتهى المشكلات في يوم وليلة . بينما أكتب هذه السطورء أقدمت بيونج 
يانج (عاصمة كوريا الشمالية) من جانب واحد على إلغاء المنطقة المنزوعة 
السلاح بينها وبين كوريا الجنوبية. وتقوم الصين بتعظيم قدراتها 
الاقتصادية والعسكرية على نحو قد يحول بقية المنطقة إلى أكبر سوق 





اليابان: رؤية جديدة 


سلاح في العالم. كل هذا صحيح: ولكن ما علاقة أي من هذه المشكلات 
بالإبقاء على خمسين آلف عسكري أمريكي في اليابان؟ من المستبعد أن 
نشتبك مع الصين ضي اشتباك بريء؛ فأي نزاع من هذا النوع سيشترك فيه 
مثات الألوف من الجنود الصينيين: إن لم يكن مليونا أو أكثر. وكوريا 
الجنوبية لها جيش قوامه 56١‏ ألفاء واقتصادها يفوق اقتصاد كوريا 
الشمالية بمقدار ستة عشر مثلا. 

ثمة سبب واحد لتبرير وجود أمريكي في اليابان ‏ ولو إلى حين: هو 
تسهيل تفكيك العلاقات التاريخية فيما بيننا ‏ لكي تنتهي نهاية لائقة. وذلك 
هو الطريق؛ إن صح التعبيرء الذي تصور البريطانيون أنهم اختاروه وهم 
يربحلون عن مستعمراتهم. وهدم الأعمدة التي تقوم عليها علاقاتنا ‏ 
الدستور: ومعاهدة الأمن ‏ مسألة وقت. وقد يفضي هذا باليابان إلى إعادة 
التسلح ‏ الأمر الذي ريما يصبح ضرورة ‏ أو ريما يقودها في اتجاه آخر 
ميختلف اختلافا تاما. وقد تصحب عملية التجديد زلازل سياسية 
ودبلوماسية, ولن تتم في الحال. لكن أيا كانت اعتراضات جيران اليابان 
واحتجاجاتهم ‏ التي فد يقدم عليها البعض ويحجم آخرون ‏ فإن العملية 
يستحيل تأجيلها إلى الأبد. ومن المحتمل جدا أن الجيران الحساسين لن 
يلبكوا أن يرحبوا بيابان أعيد تسليحها مرة أخرى. ذلك أن اليابان والصين 
هما المعادل الشرق آسيوي لألمانيا وفرنسا في أوروبا. ولن تعرف منطقة 
شرق آسيا الاستقرار إلا بعد أن يهتدي البلدان إلى أسلوب للتعامل وإقامة 
علاقات متوازئة فيما بينهما. 

والحق أن أمريكا لديها تنويعاتها الخاصة من التاتيماي 101612026 (ما 
تعلته) والهوني رن (الحقيقة): وقد آن الأوان كي تتجاوز أمريكا ما تعلنه 
بكلمات مسموعة إظهارا لحقيقة العلاقات. ويمكن أن تبدأ بالاعتراف بأن 
دستور السلام قد كتبه الأمريكيون» وهي حقيقة يعرفها كل اليابانيين» ولكنها 
حقيقة لم تعلنها أمريكا بصوت مسموع. صحيح أن هذه ملحوظة تتعلق 
بالتاريخ؛ ولكن أخذا في الاعتبار لكثرة ما تُثار هذه المشكلة؛ يتضح أن مثل 
هذا الاعتراف يجعل مهمة التجديد أسهل كثيرا. 

ثم نأتي إلى معاهدة الأمن. وضي هذه النقطة يُعد الاعتماد على هذه 
المعاهدة أسوأ كابوس يؤرق خطره اليابانيين؛ لأن كل اليابانيين المعنيين يعرطون 








القضيكة المراوغة 


جيدا أن هذا التحالف العسكري لا بأس به ما دامت الحاجة لا تدعو إلى 
تطبيقه في ظروف أزمة. أما إذا طُّبّق: ولو مرة واحدة: بمعنى أنه إذا بدأ 
الجنود والطيارون الأمريكيون يموتون في سبيل حماية اليابان في أي موضع 
من منطقة الباسيفيك؛ بينما اليابانيون يواصلون: ببساطة:؛ إنتاج الووكمان 
والهوندا للتصديرء فالأرجح جدا أن يؤدي هذا إلى تدمير العلاقات بين 
اليابان وأمريكا إلى أجل بعيد. ويهذا المعنى: تصبح معاهدة الأمن وثيقة 
تجاوزتها الأحداث والزمان؛ ولكنها خطرة. 

وووافهةة اتلشعلات السملية تعمن مشفلة ااخترئ وخلك اصعب 
المشكلات جميعاء وهي التي بدأنا هذا الكتاب بالإشارة إليها. وهي التي 
يمكن أن نسميها «الاستشراق»: وإن كان ثمة تسميات أكثر فظاظة ‏ طيعا. 
هل يمكن أن تتخاطب واشنطن مع لندن وباريس وبون بالأسلوب نفسه 
الذي تخاطب به طوكيو؟ هذا أمر لا يخطر على البال. وهل تتفاوض 
واشنطن في الشؤون الأمنية والدبلوماسية مع أوروباء أو تكتفي بإرسال 
الأوامر عبر الأطلنطي؛ كما تفعل ‏ بشكل أو بآخر ‏ مع طوكيو؟ في اليابان» 
لا يتساءل المرء إن كانت السياسات والسلوكيات الأمريكية تشوبها تحيزات 
عنصرية طيلة فترة ما بعد الحرب: هذا أمر شديد الوضوح على الجانب 
الغربي من المحيط الهادي. 

إذا تأملنا قرنين من خبرة الأمريكيين بآسياء فإن سلوكهم الحالي لا 
يدعو للدهشة. بدأ هذان القرنان بالعام 11/84: عندما أبحر أول أمريكيين 
إلى الصين وهم متلهفون على استثمار أسواقهاء (بما في ذلك سوق 
الأفيون)؛ وواصلنا طريقنا عبر فتحنا تليابان» والاستحواذ على الفلبين؛ 
ودحر اليابان واحتلالهاء ثم هزيمتنا في فيتنام. ولم تحدث في كل هذه 
التطورات أي مبادرة مقنعة من جانبنا تنبئ بالخروج عن وقاحة الاستعلاء. 
أي التخلي عن الاستشراق الذي تلبَسّنا عن طريق المستعمرين الأوروبيين. 
واليوم؛ يطرح مثل هذا التخلي مشكلة النفوذ ومدى استعدادنا للاعتراف 
بأن اليابان وبقية آسيا قد ولجت قرنها كما سبق أن كان لنا قرننا. واليوم 
يهرش مخططو السياسات في واشنطن أدمغتهم ضي حيرة متسائلين: لماذا 
بدأت الأحوال تشوبها المرارة في شرق آسيا في الوقت الذي بدأت فيه 
المنطقة تنهض وتزداد قوة وأهمية5 هكذا نواجه المأزق نفسه الذي يواجهه 





اليابان: رؤية جديدة 


اليابانيون فيما يتعلق بالاعتذارات المطلوبة منهم: فالاستجابة الوحيدة 
المفيدة تتطلب أظعالا من نوع جديدء وليس أقوالا . 

ولا يأخئ اليابانيون الأمور بمحمل غير مستحب, ويتقبلونها بتسامح. ذات 
مرة قال لي أحد أعضاء البرلمان المتسامحين؛ وله خبرة كبيرة في واشنطن: 
«ما يزال كثير من الأمريكيين يتذكروننا عندما كنا في الحضيض». 
واليابانيون؛ بكل تعقيداتهم الخاصة:؛ أشد ما يكونون ميلا للأخذ بالنهج 
الديجولي في النظر لما أصبحوا عليه. إن أمريكا في وضع يتيح لها تبين 
السّبل التي من خلالها تظل اليابان متخلفة؛ والجانب السمج في كلمة ماك 
أرثر الفظة؛ في التحليل النهائي؛ تمس جوهر الصدق. ولكن لا يمكن أن تكون 
أمريكا في وضع يسمح لها بتشبيط جهود اليابان للنمو والخروج من أحوالها 
القديمة: فهذا موقف لا يشرف أحدا. 

ولكن دعونا لا نقصر المناقشة على موضوعات بعيدة مثل السيادة والمبدأ 
الديموقراطي.؛ لأن المشكلة تتجاوز مجرد مراعاة اللياقة. فمربط الفرس ضي 
التحليل الأخير هو نوعية علاقاتنا بآسيا في المستقبل. وقد ظهر في اليابان 
بالفعل مغردات لغوية جديدة تصف المواقف والسلوكيات التي تتغير تجاه 
أمريكا: ثمة كلمة «هانباي أ118»: الخصومة مع أمريكاء وكلمة كانباي 
أسدامت] أي النفور من أمريكا؛ وبوباي أهطناحاء أي احتقار أمريكا. وقد راجت 
الكلمتان الأخيرتان (كانباي وبوباي) كرد فعل للمعاملة الفظة التي لقيتها 
طوكيو من واشنطن أثناء أزمة الخليج. وغني عن الذكر أن هذه الكلمات 
ليست توصيفا لمواقف البيروقراطية. فوجهة النظر البيروقراطية المناظرة هي 
«الأسينّة» «5أضلذاقة؛ وتعني سياسة تدعو لتوجه (نحو آسيا) مع الابتعاد عن 
أمريكا (والغرب). وإذ يظل غالبية اليابانيين يحبذون توثيق العلاقات بأمريكاء 
فإن سياسة الأسينة لا تعدم أن تجد جمهورهاء حتى في داخل وزارة 
الخارجية. والأسينة (بمعنى التوجه نحو آسيا) هي نغمة قديمة ومتكررة في 
الفكر الياباني. وضفي تجلياتها الراهنة هي أقرب إلى أن تكون انعكاسا 
للاعتماد الاقتصادي المتبادل المتنامي بين دول المنطقة؛ بل إن لها جذورها في 
الحقائق الإثنية والثقافية, تاريخيا. والأسينة, مثلها مثل كلمتي كنباي وبوباي 
(النفور من أمريكا واحتقارها)ء تنبع جزئيا كرد فعل لنظرة أمريكا المتعالية 
تجاه اليابان» كما تنيع أيضا من إدراك أن خط أمريكا في انحدار. 


الفضيلة المراوغة 


في كل مرة أزور اليابان أحاول أن أرى رجلا يسمى ريزو أوتاجاوا 
8نم 0 120عظ1: وهو صديق منن سنوات عدة. وهو رجل مرح على 
سجيته: يقترب من سن التقاعد . وأوتاجاوا الآن في الستينيات من عمره: 
يعمل باحثا في مكتب استشاري فكري محافظ؛ يرأسه ياسوهيرو 
نكاسونيء رئيس الوزراء الأسبق. ويعرف أوتاجاوا أمريكا جيداء واشتغل 
مراسلا في الخارج سنوات كثيرة, حيث أقام فترة طويلة في واشنطن في 
مكتب ماينيشي شيمبون: وهي واحدة من الصحف الأربع الكبرى القومية 
اليومية. وربما لا أتفق مع أوتاجاوا على الكثيرء (كشأني مع معارفي من 
القوميين المتطرفين) إلا في طرح الأسثلة. 

عندما رأيت أوتاجاوا آخر مرة: وكان ذلك في أواخر صيف 1514؛ قابلني 
بابتسامفه المالوقة الررحبة: واغتطعتئ :إلى مكتب ناكاسوني: الدي ثادرا نا 
يُستخدم. جلسنا وحولنا أشياء تذكارية لفترة رئاسة ناكاسوني للوزارة: 
وتناقشنا في الثوران الذي يحدث تحت السطح في اليابان: وهو الثوران الذي 
يثق أوتاجاوا في أنه سيفضي إلى تغيير الأمة اليابانية؛ ومن ثم تفيير 
علاقاتها بأمريكا وبقية العالم. 

وعندما تساءلت: وما الذي يريده اليابانيون من الأمريكيين في مثل تلك 
اللحظات؟ 

أجاب أوتاجاوا دون تردد : «الصمت والاحترام». 








لله 


لا جدوى من محاولة إثبات ؛ 


من تلقاء نفسه؛ إنما هو في : 


الواقع قفزة إلى الأمام 


تحدث عندما يكون المجتمع ! 


قد عقد العزم على الإقدام 
على التجربة؛ كما لا جدوى 
من محاولة إثبات أن هذه 
القفزة إلى الأمام لا تنطوي 


على جهود خلاقة. ... فمثل . 
هذه المحاولات تعني أثنا ' : 
٠‏ كثير منهم أردية رهبان الجيزويت 
ْ : السوداء. أتنوفهم طويلة:؛ ووجوههم 
: بيضاء كالطباشير. الأراضي البعيدة 
على اللوحة تبدو لا شكل محدد لها 
ولا ملامح.أماالأرض التي وصل إليها 


منابع الأخلاق والدين. 159557 . 


نغفل أن معظم الإصلاحات 
الكبرى كانت تبدو لأول وهلة 
غير عملية؛ والحق أنها كانت 
تبدو كذلك. 

هنري يرجسون 


خانهه 


في ريف الأرز الغني» في مقاطعة نيجاتاء 


| وخلف جدران عالية ويوابة خشبية نالت 


منها التقلبات الجوية عبر الزمن؛ يوجد 


|: منزل كبير كان في وقت مضى سكنا لأكبر 
ملاك الأراضي فضي اليايان. وأصبح هذا 


المجمع السكني الآن متحفا للمقتنيات 
العائلية؛ يوجد بينها ستارتان يرجع تاريخهما 
إلى حوالى العام ١٠٠1١؛,‏ ويسموتهما نامبان 
بيويو ناملا 2320082 والمعنى الحرفي 
«ستارتا البرابرة الجنوبيين», حيث تصوران 


أول من وصل إلى الأراضي اليابانية من 


الغرب : بحارة: وتجاراء وقساوسة قدموا عن 
طريق البحار الجنوبية. 

على ستارة منهماء ينزل عدد من 
الأوروبيين من سفينة سودداءء يليس 





اليابان: رؤية جديدة 


الوافدون. فتميزها شجرة بونعاي!*) صنوبري وحيدة مُوشاة 
بالطريقة التقليدية. وعلى الستارة الأخرىء يُرى رهبان الجيزويت 
يجتازون قنطرة خشبية مقوسة وصولا إلى مكان مصور بتفاصيل أكثر. 
وواضح أنهم غير قادرين على تبيّن طريقهم. وهم غير قادرين على 
الحديث أو التواصل مع جمهرة اليابانيين المتواجدين. الذين لا يبدو 
عليهم الخوفء وإنما يغلبهم الفضول والرغبة في الفرجة. ويحرصون 
على إبقاء أنفسهم نصف مختبكين: رجل ينظر متلصصا من خلف 
ستارء وعينا امرأة تبتسمان فوق حافة مروحة. 

أحتفظ بين مقتفياتي ببطاقة بريدية عليها صور للستارتين. والحق أنني 
لم أرّ مثلهما تعبيرا عن هذا اللقاء الأول البعيد بين اليابان والغرب. كما 
أنني لا أتصور وجود عمل يكشف بهذه الجرأة وخلو الذهن عن معنى أن 
تكون إما «من الخارج» وإما «في الداخل». وعندما خرجنا من البوابة 
الحشبية لذلك المرمُب سألت مساعدي عن تفسيره لما تعنيه رسوم 
الستارتين القديمتين. 

أجاب: «عليكم أن تعبروا جسرا لتفهموا اليابان». 

اي 

كان مطلوبا منا أن نعبر جسرا (وأن يعبر اليابانيون الجسر في 
اتجاهناء أيضا). كان مطلوبا منا ذلك طيلة القرون الأربعة ونصف 
القرن منذ قدوم الغربيين إلى اليابان» فهل سيظل هذا ضروريا ضي 
المستقبل؟ إنه جسر من صنع الخيال طبعاء بناه الغرب جزتياء كما بناه 
اليابانيون جزئيا. ولكن هذا في الواقع لا يساعدنا: ذلك أن اليابان 
كانت دائما بلدا خيالياء صنعه خيال الأجانب وصنعه خيال اليابانيين 
أيضاء منذ أن أطلق على بلدهم اسم نيبون 08م1]! منقوشا بالحروف 
الصينية. ولم يطرأ ما يفير اعتبارها شيئًا من صنع الخيالء مكانا 
يبدو التغيير فيه مطّرداء ولكنه في الوقت نفسه سريع الزوال: مثل 
تدفق نهر ورذاذ الماء فوقه. 

ومع ذلك تبدو اليابان اليوم كأنها تستعد للتخلص من الجسر ومن البلد 
الذي ليس له وجود على الجائب الآخر من الجسر ء أي من صورتهم التي 


(*) البونساي هو قن تقزيم الأشجار, وهو فن ياباني تقليدي أصيل (المترجم). 









خاتمة”" 


رفعوها أمام أعين الغفرب. ويبدو أنهم ممتتفدون للنظر إلى أنفسهم برؤية 
جديدة: وهي خطوة أكثر أهمية بما لا يقارن - من أي رؤية جديدة يمكن أن 
يقدمها شخص من الخارج. 

يعلق المهندس المعماري كيشو كوروكاوا خريطة لطوكيو على جدار مرسمه. 
إنها مشروع لإعادة تخطيط العاصمة. على هذا المشروع جزر صناعية في 
خليج طوكيو (ما تزال عبر جروجو وكذا شبكة من القنوات القديمة التي 
كانت تجري طيها المياه: ولكنها ردمت فضي العصر الحديث. وهكذاء فإن ما 
يعلقه كوروكاوا على الجدار هي خريطة لماضي المدينة ومستقبلها معا. وهي 
قبل كل شيء: مكان يُرجى أن يتطلع العالم إلى المجيء إليه ورؤيته. هكذا يقول 
كوروكاواء كما سبق أن انجذب العالم إلى فيينا ولندن وباريس وبرلين 
ونيويورك. ويقول «المدن مجتمعات؛ إذا تغيرت المجتمعات تتغير المدن؛ هذه 
فكرة ليست غريبة». 

وثمة رؤية أخرى للمستقبل: اليابان التي تساهم في خلق توازن إيكولوجي 
عالمي أكثر صحية؛ شي طريق عودة الجنس البشري لعلاقة صادقة وحميمة 
مع الطبيعة. وأخذا لكشف حساب اليابان مع البيئة في الاعتبار, فإن هذه 
الفكرة تبدو مستحلية. ومع ذلكء فإن اليابان لم تتعلم السعي إلى قهر الطبيعة 
إلا بعد التحديث؛ (أو هو التغريب). وهو سعي لم يعد أحد منا بقادر على 
المضي فيه. يقول إيشيرو أوزاوا في كتابه مشروع ثيابان جديدة: «إن اليابان 
مؤهلة بصفة خاصة لقيادة المسيرة العالمية من أجل استعادة صحة البيئة؛ 
وعلينا أن نأخذ المبادرة في هذا المجال». 

0 حلمان: صورتان من صنع الخيال لليابان. وتوجد أحلام أخرى 

ك في صناعتها يابانيون كثيرون. تتضمن كل هذه الأحلام: جهدا 

0 للنهوض ء لاستعادة أشياء من التاريخ؛ واستكشاف أساليب أخرى 
للحياة والتفكير. ومع ذلك؛ فإن كلا من هذه الأفكار تؤكد أن يابانا جديدة 
وحقيقية لديها ما تقدمه للعالم. وكل منهاء تعبر عن فكرة أن اليابان مهيأة 
للتقدم متجاوزة الفرضية القديمة التي تقول إن ما هو حديث هوء 
بالتعريف» ما هو غربي. 

لا جدوى من التنبؤ بالمستقبل: كما أنه عملية غير مأمونة العواقب؛ 
خاصة في عالمنا الذي «يتعولم» حيث يؤكدون أنه لا بديل عن فقدان 





اليابان: رؤية جديدة 


الاستقلال الذاتي على كل المستويات مما هو فردي إلى ما هو قومي. 
واليابانيون؛ مثلهم مثل الجميع: واقعون تحت هذه الضغوط. وكل ما ذكرته 
في هذا الكتاب عن محاولاتهم لإعادة خلق أنفسهم - أو غالبيته في أحسن 
الأحوال ‏ يمكن أن يخضع لتآثيرات العولة؛ التي تفد إلى كل مكان بقوة 
أمواج البحار التي تضرب جميع الشواطن بقوة. وفي الوقت نفسهء يبدو أن 
ثمة شيئا حتميا يتعلق بالعملية التي بدأها اليابانيون: التي يبدو أن 
الإحاطة بها أحيانا مستحيلة. 

على اليابانيين ‏ في الداخل ‏ أن يقبلوا التنوع. وفي الخارج؛ عليهم 
أن يقبلوا فكرة أنهم مثلهم مثلنا ومثل الآخرين جميعا. والمفارقة هنا 
ظاهرية وليست حقيقية. ولن تتمكن اليابان من بلوغ الهدف القومي 
الذي طالما راوغهاء إلا بعد أن تكون قد تمكنت من استيعاب هذا التضوع 
وهذه المثلية. ولكن لا يستطيع أحد أن يتنبا بالمدى الزمني الذي يمكن 
أن تستغرقه هذه النقلة الفكرية. ضفي مواجهة قبول التنوع والمثلية, 
يُطرح مفهوم القيم الآسيوية : المفهوم الذي يذهب إلى أن اليابان (أو 
الصين أو ماليزيا أو سنفافطورة) مختلفة: لأن شعبها لا يقدر المبادئ 
التي تحظى بأسمى مكانة في غير بلاده» وخاصة حقوق الفرد. وغني 
عن الذكر أن التُخب الآسيوية هي التي تؤكد هذه الأمور؛ إنهم الحكام: 
وليس المحكومين. وهذا هو الزيف الأساسي الذي على اليابائنيين أن 
يلفظوه. فما هو حديث لم يعد من الممكن أن يظل يؤخن على أنه هو 
الغربيء ولكن لا يعني هذا أن ثمة شيئًا يسمى «الأخلاقيات الشرقية» 
أو «الروح اليابانية»؛ إنما لا توجد إلا الروح الإنسانية الواحدة: كما أنه 
ليس ثمة إلا الأخلاقيات الكونية الواحدة. 

ونحن في الغرب نستحث اليابانيين على قبول هذه الحقائق بوسائكل 
يخطثها الحصر ورهاننا الأساسي هو انتصار ما هو إنساني وكوني على 
ما هو خاص وقومي. إننا لا نريد أن نعيش في عالم فيه نخبة صغيرة غير 
ديموقراطية. تحتكم على نفوذ هاكل ومتعاظمء وتدافع عن نفسها بدعاوى 
التميز ؛ (ونحن في ذلك لا نختلف عن أي مواطن عادي في اليابان أو 
الصين أو ماليزيا أو سنغافورة). ومع ذلك قالغرب عبر ديا لاستقبال 
اليابان التي تبزغ. إننا نريد أن يستغني اليابانيون عن جسورهم ويخرجوا 


خاتمة" 


من خلف ستائرهم ومراوحهم. أن «يقدموا أكثر». وأن يكون لهم «دور 
عالمي». ونريد في الوقت نفسه أن نكبحهم. فقد كانت اليابان دائما - 
بالنسبة لنا ل هي التي تقلدنا وتسير على خطانا. وآآخر مرة حاولت أن 
تؤكد نفسهاء كانت مأساة استمرت خمسة عشر عاما (15151 .)١19404-‏ 
ونحن لا نرحب بنفوذهم. وفي اللحظة الراهنة: نحن لا نتقبل منهم إلا 
أموالهم؛ ثم نتهمهم مرة يأنهم يحاولون شراء المسؤولية بالمالء أو أنهم 
يحاولون الهروب منها بالمال. 

ولكن ازدواجيتنا لا يضاهيها إلا ازدواجية اليابانيين أنفسهم. صحيح أنهم 
سينضمون إلى العالم ببطءء بعد أن عاشوا كل هذا الزمان بعيدا عنه. ولكن 
سيحدث شيء يهزهم ويهزنا جميعاء سيحدث تطور له طبيعة عملية خالصة: 
كأن تحتل اليابان مقعدا دائما في مجلس الأمنء أو تقدم على مبادرة ضفي 
لحظة حرجة؛ أو تصدر دستورا جديداء؛ أو أن يبزغ نظام سياسي جديد. 
وحينذاك؛ نتحقق أن اليابانيين الذين من صنع الخيال قد بدأوا يصبحون 
حقيقة؛ أن الصورة أصبحت هي الأصلء وأن حياة الذين قلدونا أصبحت 








نسلسل ذاريذخي 


له م ٠‏ ,"مم العصر الباليوليثي (العصر الحجري القديم) 


لقم ٠آم‏ 


حوالى /اقام 


إلى حوالى 7٠١‏ 


0 
005 
ابرض 


1 
6 اءلا 


281101 1111100[ لام 

وهي الحقبة المحتمل أن يكون حدث فيها استقرار 
محلات بشرية في اليابان»ء قادمة أساسا من أراضي 
القارة الآسيوية. 

عصر جومون 51110 7011011 

حضارة الصيد والقنص وجمع الثمار. ثمة أدلة على 
وجود ثقافة قباكل أمومية. 

عصريايوى 51110 54501 

زراعة الأرزء النسيج. مصنوعات برونزية وأسلحة. 
قبائكل في منطقة ياماتو من جزيرة هونشو الوسطى 
توسع من نفوذها. 

بدء الاتصالات بالصين. 

أول قصة مكتوبة عن اليابانيين: كتبها زائر صيني؛ 
يصف ثلاثين بلدا متحدة تحت قيادة ملكة طبيبة 
ساحرة (شامان) تسمى هيميكو مانها؟. 

عصر كوفون 511100 12010131 

المرحلة الأخيرة لفترة ما قبل التاريخ: تتميز ببقايا 
جبانات كبيرة مرتفعة (تلال)؛ ملوك ياماتو يوسعوزر 
دائكرة نفوذهم وسلطتهم. 

دخول الكتابة الصينية عن طريق كوريا. 

تصل الديانة البوذية من أراضي القارة. 

يحكم شوتوكو كوصي على العرش. وبه تبدأ مرحلة 
الأخن عن الحضارة الصينية بتوسع هائل. 

أول دستور يابائي؛ من سبع عشرة مادة. 

إصلاحات تايكا 1ن18 تعزز الحكم الإمبراطوري. 





اليابان: رؤيةجديدة 


7/51 7٠ 


الا 


١١860 غ8‎ 


تيف 


هم 


لي لك رسن 


١186 


١15١ 


١ 


١1 


١/4‏ أامىذا 
ضسنل #اسسن 





عصر نارا 10 11 
تحديد عاصمة لأول مرة (مدينة نارا), وخُططت 
حست التففة اديت 


وضع أقدم نص يابائي؛ كوجيكي ألازه؟1 (إسجلات 
الأحداث القديمة). وتلاه نيهونجي 11160281 (أخبار 
الأيام اليابانية) في ١٠لا‏ 

عصرهيان 011100 1141 

تصل الثقافة اليابانية الكلاسيكية إلى قمتها خلال 
تفاعلها في مواجهة نفوذ القارة. 

تصبح هيان؛ (كيوتو حاليا). عاصمة للبلاد. 

تتحول أسرة فوجيوارا إلى أسرة أوصياء وراثيين على 
العرش؛: مؤسسة بذلك دكتاتورية مدنية. 

تنتهي شيكيبو موراساكي أعلدقضد/ة نطللناق 
الوصيفة في بلاط هيان: من كتابة حكاية جنجي 
م00 [آزوع0 . 

عصر كاماكورا 00 180011 

بدء الحكم العسكري. تأخن ثقافة الدايميو ملاتملة0 
(حرفيا «الأسماء العظيمة» السادة الإقطاعيين) 
تأخن وضعيتها بوصفها «التقاليد الكبرى». 

قبيلة ميناموتو 1)12827:0]0 تهزم قبيلة تيارا 11214 
وتصبح القبيلة المنفذة للسلطة الإمبراطورية. 

إدخال مدرسة شان لأص0ة للبوذية: والتي تعرف 
بعد ذلك في اليابان باسم بوذية زْنْ 21307. 

يصبح يوريتومو ميناموتو 272060قمأ/8! مجممغ هل أول 
شوجون: مؤسسا مقرا إداريا في كاماكورا 
18 جنوب طوكيو الحالية. 

يضع كاماكورا أول قواعد حربية قانونية. 

يهاجم المغول بحر اليابان مرتين. 

فترة قصيرة من الحكم الإمبراطوري المباشر. بلاط 


١هكم-‎ 8 


١2273 - 13117 


لسن 


١ /الاء‎  ١غ56ا/‎ 


١0 
١044 


١1٠١ - ١064 


١06 


١6ا/١‎ 


١م‎ 


١ /7ا4م‎ 


١05 


تسلسل تاريخي 


إمبراطوري في الشمال: وآخر في الجنوب؛ يدعي كل 
منهما أنه صاحب السلطة الشرعية. 
عصرالدول المتتحارية ‏ 5141155 7717411116 
2111010 
ويسمى أيضا عصر موروماشي أناعة1115نا18؛ يحكم 
شوجون ال «آأشيكاجاء» متاومطة هع 2لتطادث . تنتقل 
الإدارة العسكرية إلى كيوتو. 
حياة زي ‏ آمي فهد-ع2: أعظم أساتذة مسرح نوه :3101 
الشوجون يوشيميتسو آشيكاجا تاكاتستطاوملا 
8 نطاق4: يعيد توحيد إمبراطوريتي الشمال 
والجنوب. 
تبدا حرب أونين 178 هله0: بين الإقطاعيين 
المتنافسين؛ لتستمر لما يزيد على قرن من الحروب. 
أول أوروبيين يصلون إلى الشاطىئ الياباني؛ عند كيوشو. 
يصل القديس فرنسيس زاضير 26291628 كأعصهة1» 
من جوا 008. 
فترة موموياما ‏ «519810 .110140174114 
تمتص اليابان صدمة التجار والإرساليات التبشيرية 
الأوروبية. ثلاث قوى توحيدية تتنافس على السلطة. 
نوبوناجا أود! 008 288هناط8]0: جنرال إقطاعي 
(دايميو)؛ يهاجم كيوتوء منهيا حكم شوجونات 
آشيكاجاء ويوحد اليابان. 
تبدأ ناجازاجي العمل كميناء للتجارة الأجنبية. 
اغتيال نويوناجا أوداء ويتولى العرش أحد قواده: 
هيديوشي تويوتومي أمماه0إ1'0' تطومنزء1110 . 
بدء اضطهاد المسيحيين؛ فصل الساموراي عن 
الفلاحيين رسمياء حملة تفتيش عن السيوف ونزع 
سلاح الفلاحين. 
محاولة غزو فاشلة لشبه جزيرة كوريا. 





اليايان: رؤية جديدة 


١4 
لكل‎ 


161 لماكلا 


ككل 


ململ 
١11‏ 


١152-4 


0 


١146 


١/5 ١017 


١101 


وفاة هيديوشي. 

إياسو توكوجاوا 809/2 لء!10' تاكةلإة1: وهو جترال 
مكلف بمساعدة ابن هيديوشي على تولي العرش, 
ينكث بالعهد؛ ويسحق المعارضة: ويستولي على 
السلطة. 

عصر التوكاجاوا 11101 1011 
وهو عصر الإقطاع المتأآخر الياباني؛ بزوع اقتصاد 
تجاري؛ وظهور ثقافة مدينية شعبية في أحياء التجارء 
تواتر ثورات الفلاحين مع تقدم العصر. 

يؤسس إياسو الحكومة المسكرية في إدوء طوكيو 
الحالية. 

موت إياسو وخلفاؤه يحيون اضطهاد المسيحيين. 
مراسيم ساكاكو نكامكاة5 تطرد الأجانب وإغلاق 
اليابان. 

حياة ماتسو باشو ماعن 3 مسامتذاز!*, أعظم شعراء 
الهايكو معاتقط. 

إعدام سوجورو ساكورا 10نا“ا580 5085010 عمدة قرية 
أسطوريء بعد قيادته لاحتجاج فلاحي؛: ويصبح رمزا 
شعبيا لمقاومة السلطة الرسمية. 

مرسوم كيان ]6016 0دأعكا؛ أشهر مراسيم عصر إدو 
يوجه الموظفين إلى الطريقة الواجب اتباعها في 
معاملة المزارعين. 

حياة مونزايمون تشيكاماتسو 8/10112461202 
مام ةل ): من أكبر كتاب الدراما في 
العصر الإقطاعي. 

يبدأ سوكو ياماجا 2119283ل 50160: وهو عالم كونفوشي 
ومعلم عسكري؛ يبدأ في وضع أصول قواعد الساموراي 
(سجل بوشيدو 0ل ناودا8): «مرشد المحاربين». 





+0 الاميم بنظام الترثتيب اليلبائق: وهو معروف - في العادة الاسم الذي اختاره لنفسه كشاعر در ةباش 








كا 


١/0 ١١ 


١/1 


18٠01 - ١ا/ها*‎ 


١85 ١/1٠ 
مما‎ _ ١ا/لكا/‎ 
0م‎ 


1104 


١و١”‎ 1414 


6م قماما 


خرزيل 


تسلسل تاريخي 


العالم الكونفوشي إكن كايبارا 8:8طئة؟1 «عاعا8؛ ينشر 
كتاب أونًا دايجاكو تاءاهعنة12 0022: (دروس موسعة 
للنساء). 

لا روئين (ساموراي بلا سادة): يقودهم أحد 
مريدي سوكو ياماجاء ينتقمون لموت سيدهم 
الإقطاعي؛ بادكين أطول أساطير اليابان الرسمية 
عمرا عن ولاء الساموراي. 

تنظيم المزارعين في القرى إلى مجموعات من خمسة 
رجالء تشكل نظاما لاتجسس يغطي المجتمع كله. 

حياة كيتاجاوا يوتامارو منتدصتهال] وعم 3 أول 
طابعي الأحرف العظام. 

حياة كاتسوهيكا هوكوساي تمددكاهك1] ملنطنمتت1(*). 
حياة آندو هيروشيجي موتطومذ1] ململ * . 

يصل الكومودور الأمريكي ماثيو بيري إلى أوراجا 
8 : جنوب طوكيوء والشوجونات في حالة من 
التحلل الشديد. 

توفّع طوكيو معاهدات غير متكافئة مع الولايات 
المتحدة: وبريطانياء وهولنداء وروسياء وفرنسا. 

عصر ال ميجي 210« 311111 

دخول اليابان عصرها الحديث, بناء دولة مركزية, 
وجيش عصريء واقتصاد صناعي. 

الإصلاح الميجيء قبيلتان محليتان؛ الساتسوما 
58 والتشوشو نانأوه0110: تتقلبان على 
الشوجون الأخير من أسرة توكوجاواء ويعيدان 
الإمبراطور إلى السلطة. 

يصدر الإمبراطور الجديد قسم الميثاقء وينتقل 
البلاط الإمبراطوري إلى إدوء طوكيو الحالية. 

السماح بالألقاب العائلية للعامة. 


(*) الأسماء بنظام الترتيب الياباني, وهؤلاء الفنانون معروفون ‏ عادة ‏ بالأسماء التي اطلقت عليهم 


أو التي اختاروها. 








اليايان؛ رؤية جديدة 


اماما 


لفن 


1١ ام‎ 


١ مام‎ 


١ لالم‎ 


ييل 


١مل‎ 


١مم‎ 


188 
١مخم6‎ 


10/5 


سفارة إيواكوراء أشهر البعثات المرسلة إلى الخارج 
لدراسة الغربء. تغادر متجهة إلى أمريكا وأوروباء 
إعلان تحويل الهان (الإقطاعات) إلى محافظات, 
ترجمة كتاب جون ستيورات مل 16615آ 01. 

جمعية الميجي ستة تشجع التعلم من الغرب واكتساب 
الخبرات في الشؤون السياسية والاجتماعية. 

تحويل سداد ضرائب الأراضي من الأرز إلى النقود. 
بدء التجنيد العسكري الإجباري. 

تأسيس «جمعية تحقيق الطموح الفردي»؛ وهي 
البشير بمولد الأحزاب السياسية الحديثة. 0 
حركة حقوق الشعب تعارض السلطة المتنامية لنخبة 
السات ‏ تشو ع ئألاء 580-050 صدور قائون للصحافة 
يفرض رقابة سياسية عليها. 

تمرد الساتسوماء القوى المحافظة تنقلب على تبني 
قبياتي سات تشو للممارسات الحياتية الغربية. 
صدور قائون الااجتماعات العامة»ء الذي يمنع 
الاجتماعات السياسية إلا بعد موافقة الشرطة. 
تشكيل الحزب الليبراليء يتبعه تشكيل أحزاب أخرى, 
وهذا الحزب والحزب الدستوري التقدمي هما سلفا 
الحزب الديموقراطي الليبرالي في فترة ما بعد 
الحربء وعد إمبراطوري بجمعية وطنية (برللان). 
يسافر هيروبومي إيتو 10 أمسناطه111: وهو أحد قادة 
السات ‏ تشوء إلى أوروبا؛ برلين وضيينا بشكل رئيسي؛ 
لدراسة القانون الدستوري؛ أوامر وتوجيهات للجنود 
والبحارة يصدرها الإمبراطور. 

بدء نظام الألقاب والرتب؛ وذقا للنموذج الألماني. 

أول مجلس وزراءء: وأول رئيس للمجلس هو 
هيروبومي إيتو. 

إمبراطور الميجي يمنح اليابان الدستور الإمبراطوري. 


1053 


١895060 غ6‎ 


1139 


١9١0-5 


ال 


1511 


5311 
١55-15 


51 


151 


تسل 


تسلسل تاريخيي 


اجتماع مجلس النواب الإمبراطوري (الدايت): إصدار 
المرسوم الإمبراطوري عن التعليم. 

الحرب الصينية ‏ اليابانية: اليابان تستولي على 
فرموزا (تايوان). 

تجديد المعاهدات غير المتكافئة. 

الحرب الروسية اليابانية؛ انتصار الأسطول 
الإمبراطوري يدلل على أن اليابان أصب حت قوة 
عسكرية عظمى. 

تشغيل خط سكك حديد جنوب منشوريا. 

اليابان تضم كورياء التوصل إلى اتفاق مع روسيا حول 
مناطق النفوذ على أراضي القارة الآسيوية. 

وفاة الإمبراطور ميجي. 

عصر تايشو 0 1415110 

يتميز العصر بالانفتاح على الغربء؛ وهو انفتاح لن 
تصل إلى مثيله حتى فترة ما بعد الحرب العالمية 
الثانية. الحداثة الأوروبية تؤثر في الفن والثقافة: 
وكذا يؤثر التياران الاشتراكي والديموقراطي فضي 
الشؤون السياسية والاجتماعية. تتشكل طبقة وسطى 
مدينية, وتبزغ أولى الحركات النسائية؛ واضطراب 
صناعى يصحب التطور الاقتصادي. 

تكوين اتحاد يوايكاي 31183نالا. جمعية الصداقة: 
البلاد. تستقيل الوزارة: ويبدأ تاكاشي هارا تاقهعله 1' 
8 : وهو أول رئيس وزراء يختار من خارج دائرة 
حزبي؛ يطلق عليها اليوم أسم فترة «ديموقراطية تايشو». 
اغتيال هارا . رجال الدولة الكبار لعصر الميجي 
يموتون واحدا بعد الآخر, يتزايد التوتر بين 





اليايان: رؤية جديدة 


لشديل 


51 


محل 


1١584 _- 55 


1١ / 


١38 


١19 


١و‎ 


١57 





السياسيين المنتخبين والنخبة غير المنتخبة. يتصاعد 
أيضا التوتر بين الحكومة والعسكريين حول الموقف 
من الصين. 

ولي العهد الأمير هيروهيتو يزور أوروباء وبمجرد 
عودته يصبح وصيا على العرش. 


زلزال طوكيو. 
حكومة جديدة تعكس النفوذ المتزايد للمصالح 
الصناعية والتجارية. 


حق الاقتراع العام للرجال يوسع عدد هيئة الناخبين 
من " إلى ١١‏ مليونا. قانون حفظ السلام يقيد 
التشاط السياسي. 

عصر شوا 4 5110114 

سيشهد حكم الإمبراطور هيروهيتو على مدى اثنين 
وستين عاما: العسكرة: الحرب؛ الهزيمة: إعادة 
البناءء والوطرة. 

يتدخل الجيش الإمبراطوري في الحرب 
الأهلية الصينية. 

أول انتخابات وققنا لقانون الاقتراع العام تتبعها حركة 
اعتقالات ضخمة. 

الجيش الإمبراطوري يفتال تشانج تاولين هف ) 
1610-1 أحد القادة العسكريين في منشوريا . 
تتسبب الأزمة الاقتصادية في حالة اضطراب في 
القوات المسلحة. 

حادث منشوريا: يهاجم الجيش الإمبراطوراي شمال 
الصين ويحتلهاء بادثا بذلك «حرب الأعوام 
الخمسة عشر». 

يعلن اللإمبراطور بو يي ألا ناطء استقالة حكومة 
مانشو. كو 10 1/1211 عن الصين. في طوكيو يقوم 
ضباط شبان في الجيش باغتيال ركيس الوزراء. 


كوا 


1 5/ 


يننا 


101 


15346 


53.١ 


١5:60 - 5١ 


5. 


ملدلا 


/ا15 


تسلسل تاريذي 


حادث 7/75: سمي طبقا لتاريخه: يحتل ضباط 
الجيش وسط طوكيو. يُفتال عدد من كبار الموظفين 
قبل أن يفشل الانقلاب. 

حادث جسر ماركو بولو: المعارك بالقرب من بكين 
تبدا حريا شاملة. الاستيلاء على نانجينج؛ التي كانت 
مسرحا لأسو أحداث الباسيفيك وأكثرها وحشية 
وبشاعة. 

تشكيل جمعية سانبو 501200 الجمعية الصناعية 
الوطنية؛ وحل اتحادات العمال رسميا في العام التالي. 
الحرب في أورويا (الحرب العالمية الثانية), 
أول سبتمبر. 

اندماج الأحزاب السياسية في «رابطة تأييد الحكم 
الإأمبراطوري» ععمماولوقة عاسخا لمتعمس]1 
1 الجيش يجتاح الهند الصينية الفرنسية. 
تجميد الأرصدة اليابانية في أمريكا. الجنرال 
هيديكي توجو 10[0 1110611 يصبح رتكيسا للوزراء. 


الهجوم على بيرل هاريور في /ا ديسمبر. 
حرب الباسيفيك 


ضرب هيروشيما ونجازاكي بالقنبلتين الدريتين. 
استسلام اليابان. وصول الجنرال دوجلاس ماك 
آرثر إلى طوكيو كقائد أعلى لقوات الحلفاء. بدء 
الاحتلال الأمريكي. 

الإمبراطور يتخلى عن مكانته كإله مقدس. أول 
انتخابات بعد الحرب النساء يشاركن في الانتخابات 
لأول مرة. بدء إصلاحات ما بعد الحرب. بدء حركة 
تطهير بالجيش والوظائف العامة والنخبة السياسية. 
تحويل الدستور الجديد إلى قانون. الجنرال ماك آرثر 
يحظر إضرابا عاماء وهي أولى علامات التراجع عن 
برنامج الإصلاح الذي وضع في البداية. 





اليايان: رؤية جديدة 


لل 


1 
؟وذا‎ 150٠ 


10١ 


١50637 


١500 


05ؤا 


١550686 


ل 


ادل 


١318 


1١ ا‎ 


١354‏ لاما 


١46 





يصبح النهج المكسي زع001015) عقاءلاعك1[س سياسة. 
انتخاب شيجيرو يوشيدا رئيسا للوزراء (لدورة ثانية). 
الثورة الصينية. 

الحرب الكورية. دور اليابان في الإمداد العسكري 
يقدم دعما اقتصاديا مهما. 

توقيع معاهدة السلام واتفاقية الأمن المتبادل بين 
الولايات المتحدة واليابان في سان فرنسيسكو. 

انتهاء الاحتلال 

إعادة توحيد الاشتراكيين يستحث اندماج 
المحافظين في الحزب الليبرالي الديموقراطي: 
يتشكل «نظام 1500». 

الحكومة تصدر كتابا أبيض تعلن فيه انتهاء مرحلة ما 
بعد الحرب. 

إضراب عمال مناجم مييكي 111 أكبر مناجم 
الفحم. إنهاء الإضراب وفقا لتسوية تعتبر انتكاسة 
داكمة لحركة العمالة المنظمة. 

تجديد معاهدة الأمن يثير احتجاجات واسعة على 
النطاق القومي. يعلن هاياتو إيكيدا نله!1 مغاالزة!! 
خطة لمضاعفة الدخل. 

دورة الألعاب الأولبية الصيفية في طوكيو. قبول 
عضوية اليابان في منظمة التنمية والتعاون 
الاقتصادية 01)001. 

فوز ياسوناري كواباتا بجائزة نوبل للآداب. 

يتولى ركاسة الوزارة كاكوي تاناكاء صانع الزعامات 
السياسية اليابانية في مرحلة ما بعد الحرب 

رئيس الوزراء ياسوهيرو ناكاساوني. يعرض على 
الولايات المتحدة مشاركة متكافتة. 

توقيع اتفاق بلذزا لرمععة 11070 في نيويورك؛ الذي 
يبدأ إعادة تقييم الين كعملة عالمية. 


1١55١ 41ؤط1‎ 


03 
0 


151 


ل 


4١ 
14 


15 
150 
كل 


تسلسل تاريخي 


يبدأ الاقتصاد أطول فترات الازدهار بعد الحرب: 
اقتصاد الفقاعة. مجموع استثمارات رأس ال مال هي 
الأكبر من نوعها في التاريخ البشري. 


وفاة هيروهيتو. 

عصر هيساي 14 11115151 

منذ استهلاله؛ يتميز العصر بإعادة تنظيم أساسية 
للمجتمع الياباني. 


تجبر الفضائح نوبورو تاكيشيتا #اتطقعء[ة1' نهناه1!, 
وخايفقه على الاستفكالة من ركامكة الووراء سوط 
حائط برئين. نظام ١1404‏ السياسي يبدأ فضي 
التداعي. 

صدام حسين يجتاح الكويت. 

الديموقراطيون الليبراليون يفقدون الأغلبية في المجلس 
النيابى الأعلى. النساء يدخلن الهيئة التشريعية بأعداد 
لم تحدث منن 1543. يبدأ الاقتصاد شي الانزلاق إلى 
أسوأ مواقع الركود منن الحرب. 

أكيهيتو يرتقي العرش. 

انتخاب موريهيرو هوسوكاوا 1105013158 معتطاته1/10 
رئيسا للوزراء؛ مُنهيا ثمانية وثلاثين عاما من حكم 
الديموقراطيين الليبراليين. 

كنزابورو أو يفوز بجائزة نوبل. 

زلزال كوبي. 

انتخايات عامة تعيد الديموقراطيين الليبراليين 
إلى السلطة. 





ببليوجرافيا 


انمز انلقع عرلا كو علدا عدا كملعمع تم ترمامع ابيع اموجه إن نهل عجا بواطاأوومر مانا 
16٠‏ لمرلا كا اعنأكاانطياير عدمنآس رأعمطرمس 1 بأماس 


.26 ,1969 رعللاناة' .8 وعاتقطن تلسملنده همه مبهاه1" كارع ,مطمكآ عطق 

.286 ,1969 ,علاناك' .18 وعلتقطت بلمملسي8 لسة معاط1؟' كسمم لمظا توعد . 

.1989 ,1988 ,لهدمةقصععغصآ عوكصالا تعلدملا بعك .مباوى 4 6ر11 . 

.1986 ,1974 بعأغجاة' .قا وعاتقطت تلسملدبظ لد متوعاه1' .116:1 :و8 11:6 ست 

,19606 ,عاعغناآ" ,8 تعأتقطن :لسماغسيظ ممه منوام؟" عمسف 6 116 بد 
.988 ,1969 ,علنناك .1 وعتممطت بلسملاسه لصه ورعزه1' حرملا اب 1 سسسسصس- 

١ 116 ,غلاغنا1' .18 وعأتقطت :لسمتائدة1 فص مرجاط1" ,ععورونآ عرلا ازا مم11‎ 1964, 1988١ 


الع مالظ إه مكنال أمنملاملا عرلا ااتمو عبطرمان! اعلمماء3 :نل عع دوم[ العامة له غة ,تزدعع1 ,تطعفمم 
1 .1984 بتستاع كبا لقصم6 ج11 بمنوعاه1' .ارقم 


بإنا مرماعة”! ألعام ولام :زط نأدمنم,16) اقوط .صدمقل كه دكعدصدية قصد عمعع دمع عط ,معلتطعتق8 ممه معتطفلةق 
,53110 ولدمما/ة قصد عصغدمملتط عتعها! رحا معتل ,معان وئابة دعم بمضدظ قمه مالاتطلك مومعو 
للتطععطوع/17 برطم" نمه علعملا بجعل8 


ممه وطتاتاة وععلدمحهآ تموجلم!' ,لانا معطا يزه عامل أمرموعة1) مامكا أتاعتتاد علطنةا .معادلا يمسعوكلط 
رقطة 

رقع 72[ ونإعله]" أن باتو ندل بورجاه]' ,امدمدل :7ه 100!! :ذأ :1141101 :امدق هذه 1011 هناظ .وبآ ,مسمسة 
21000 

انلعم اتدالل اذأ كامس ارمق لمر و4 16000 .لد غع كم أن مستعكاا مم5 رتم3 تدك 
.2992 بمسمقتطنطد عحلك عم عع نمسحور00 علبععمد8 :مام" 


وأكلة1' ءالا ا ع1 :له1 عزاكالمعغ1 :كازهاء0آ اناالا بد عنرط 4 .له غء ,مكلقصذآ خطذيسظ ,دده ,مسومق 
,2986 عقف مععلما/18 أه سدع نتلكة لمدومفدل] :مرله1' ,قماوط 


رامث لععلولة كه سمدءكس!/!1 لمسمتول] :مجاط1' .«مجملضس «كذامعا «رعاعقانا إن انع« رداءنع12 , 
1085 


كن تستاعوسا/! تقدمفجة! تموله]" ,جمو و1886 ,اندرةل 9 وزانأد1 :111 ارهأماضعئة تف 1 ءأان امع . 
اعظ ترععلما/ا 




















بوعل] ممه مج101 برم اسمن وأا لاوس 11 عذا تأوللهة :11" مبرم/10ة ع0 71 17:6 .ناامصتطوهلا ,سمطتاكق 
.1080 ,1986 ,لقصم ع دصععغص1آ مطامصملم؟]1 :عليملا 


سوممآ ,ئآه؟؟ 2 .جو :4.12 ما ع1 اكه ناتمقا عدا امال دمدريه زه عاعتمدمتان :ونه ناال! كصدت .© ,00 مسماقظ 
,6 بلواءتعه5 صديدل عط'1' ندمل 


وتامسبما0 :هوام1” ,لباممامنوط كمعوماآ عع مكل با بعامنه2 أعومل مم مدرالة ,معلتعفالط ,ملصوظا 
.1992 تكله[ تكادكدآ 


ل ليا ده تممععلع 8 نسدصول مععل م8 ص تإعمع ع1 جيمتمتعمدم؟!'' .8 بومعاصف بإمطامد8 
.(1992) 2 .مس ,18 يع لباك مدع ترور مله أمنازمل ".تممتصمعل810 لصه مدذداة 





اع ومق دمط بإماععلدء 183 جلما ذأ «نجاب! «اأطبرظ 11:6" :مجه آعبط دا أماضعةااء امآ اانه ماهد ١‏ 
1981 بووعرط دنه لد له تنوم ملآ :مملدماآ ممه 


بد عق اذك بعلرولا جبع ل ماك ره تابط ,امصمامظ ,تعطامدة 


سن ملعك عصم 1801 تماموط ,عنازولوميرعة .لمعه لتدد 0 "0 ع6عسا/ ناه تدمع وعقدصمت ,عمماة ربمعودث 
1 ,1988 عتنتقتن0 206 وع6كلاتت قعل ومتتد 


وو رملتقاطستقداة بص مما قصه جمغمه 83 برمتععاسآ تلز ا ددعل مومهلا ,متقكلط رمطعمظ 


بصهخامطء الآ مد للع سعلن7 :مملدمآ ,لع بع« 3 .مدل ره «رمماعطلة معوملة 116 .3 170 برع ادم 
1005 


19209 روعامه 8 1لمجللة0؟ لعل" بوي ل ,اراب علا ع8 بماإلمء .لعوسلظ8 بتطعظ 


بماعغدك .8 معلعمطكت بموام1 مضه مسجلتتيط ,لوسك عرلا افده انع رطا مسرن ع1 .طتسكك وعتلعدة8 
,1946 


١‏ 0 لد اجمعدهك!1 حصدتلكة0 عسولا" بجع ك1 برمهرأسرعص0 اعمط أومودل .12510 ,استجوعظ 


عجنه1! كه ترؤتمت طتد نا تمصصحط مهل ,بمنوااء1 فانه «الأمبملة [» عمدت مراط' 17:6 .أتصع ,ممكوه8 
: 19126 ,وومره عصسدمر 


لصة ,مععاعوصة ذمة برعامعلوظا وهوزسم160 ,صعدم16! مك دصل وامم مم .له ,لتدت ,الأ ئقدمع8 
1و9 بوك8 متصعط القت "له برفتمع تملا بلمل0 


رووعم بالك اتدل لكصما5 :لسطكسهاة ,مبرماة1 أممنارا رونمل .© عتمفدعط]" جرمعى 18 


نم 1و ةل إن أمام ”زود ووود مصدمول صذ 'بإطعمهصمقة ادطصيرة" عط مقصعسم1“ 8 عمعطه11 وتلظ 
.(1993) 2 ,0ض ,21 عمأواقت 





د .مه بود سماملاط عاتدمماصط "ممقدعمممعصاعج ةق ب«علمعصية لعرداء1 كسدصول" ١‏ 
.(5و19 مم5 ) 


رممعم2 تعلدنا علولا مج لتهآ لص ددع ه11 بجع1] .1590-1884 ,لفنرق مز إعمغم؟13 ننه كو ١‏ 
رهق 





ربدم ”:نلةطتقدمجروع ]1 جو غه دع اطمءظ عط قصة 'قتهه[ مهما“ عمس صسظ وصومطاة عط 1 5 
(1992) 2 .مط ,18 كمأ الا #ثعالفظه[]9 ....: 


أالاتررم3 عدا إن سدم ج180 ورلمتوتامكا أنده كمأو بمو اانا عرلا كو أممواط 11:6" .مستععطدت رووءطصواظ 
ووو تصقعطئط مسفوول تعددهعلاها بععمعلصدة .مدوم زاملبه"! جا اعاميزت 


.1255 رووعع7 للحصمظ عط" لحملا" بجع1] ,رسعت مما كوول .طونةآ رسممه8 


بطع 501 عتعداقك عط أن وهنا دكصهح” .لمت مسمهاهاة1" عراا زه انهتره لأ كوا«اعاميرنا اانوكهء”! ١‏ 
.18 :متعام1 ,تعاءةة 20 ,16 .761 رممطدل كه 





تستطنآ مقطول :عدم كلاهة1 عنمو لصدة .كلم د .تدمع وانامااا اع ك1 كله ,لد غة ,قمدتعقة ,معدعوه13 
1991 


مسج أدع دعا ناوتاصطا معع مهم زعطا ]و أمنعنول رمدم ننامعالة .قصدى ,كف امصررع.1 تسصدئللة/7ا رلعؤعته8 
,76و معد نومع ملآ المستصدة :.تمداط رمووعط 





يبليوخرافيا 


1181 اك انر الاسامرن) عأورمنزميةة إن تترعأناهب18 م بتتمجره ةا #ااكتادلاط أدأعاكننما ستامصدرع5 ,مولت لم8 . 
.66 ,.هن) عتتطعتاطدظ عسنللق :ميدعتطت .عوربهان» 


ميت 61 7-قادمط .له ,(ععدطتاكم؟ طعنوعيع 1 صم معطت بملمس8) مطافه وتصع؟]1 مطتفكا بمامسن8 
:لأ كال اناه زاأمنزابة مه كانأهنة1 اها 11 أمكعستررنا ,ااتعايام”1 بطدسي8 11:2 :أعانمتآ ,تاعاكاة فاثه 
رقكناكتافمآ طععدعع1 مسمقمعطنآ بتصضسا8 تمعلدةو0 ,تعتوسممن عبرموه 


لآ نانأن 8 عذلا 014 عأوونصا3 لأجما] 1116" :برقا مم ]سملم راكاد 4 1١‏ 18004 116 . 
.2983 بعغتطتاكس1 طاعمدعقع !1 ممعوع طئا نعتصسد8 تمكلدو0) .نمم سوسماة 


موعدم ]1 ممقدعطن[ بمتصد8 نتملدو0 كنباينة1 انمطااط قانه ممتمل كمواول! مالملا 116 ١‏ 
+84 ,مك1 

,722 قمر[ توملممآ وتشانت عمجمل كدرلهاا/![ هه كعمعظ1 :بم جتابط وععددمم 4 .دآ ,مدستصسحط 
.1064 

كناهكا ,كمسصو] بعلملا بجع 17 .«فجرم ابه برانهادجع2) برا مالآ زو كعلرمرعابا! عابت زه ععوة!! 116 ١‏ 
4 ,150107 3110 

5 اكلمة !1 ,وفك مهن" .ومللااء 4 عأويدلكه ,تاعكتوعآ مستعمك! مصد مهل أمدده معودمء0 عطدء 0 
ناولأل أطحده8 موعن تال 

-أ50 تتممدل ع1" بمملسمآ كبعنتوالط امعامم4 رن لرممعظ «أكل- ألم ,كصهت ,للدة؟ تقد رسندلت طصفطة 
باع 

ععتاصعم ا بعلرول"” بج 11 ,عرو المع اسان ممسؤووط و كه ووملةأعاباة 171" :ممه [وانالمعنانا متسمتللة/1 رمفسمقا6 
رقوعع2 للدل1 


كه بوتوه جتنمل :دتامجمعمصناط! .11614 أمتبرمامت عا نه علهنده:11 اكتامممازدله .عطعو! رعو وععمدطن 
3 ,1986 رؤوعع2 تاموع صسصتا1 














حدما عسطوظ بوهام متو ,وعأرماك كط أمتومامء ادو أيزبه أمتررمامت) تكلبرء نتهدرة1 كنآ فذاه جزدأاهلا 1116 . 
3 رققع؟2 الوم زولا 


:ترعاط]' .(مممعآ بممهوعظ8 ادعمة) مانمموعط أمعام! أاثرات .ساعد ططلملتك1 تممنععة ,معام يولهومط6 
.192 ,ناعاهتواناكدفصآ مطععبع[ 0 


ركقعة 17 معلصطط بعلملا بجت ك1 ,لمستماصومط بأزهنامت) 1116 :ثاب عم ممم 11:6 .0 امعطم رتعطمم كعات 
83 عأكناتكء5 مطة تاملك 


سعده1 بعلرملا بعل قصه ممقصمآ ,ندمل مذ بجااممطتبيق غنم عمتعما 4 .11 تسمئللة/17 ععلضةلدمت 
,2996 ععلعا 

عمعطامع 11 برجا معط فك ,أومطط ولط عم «ملمتزنهه0 تعدبا 1116 دوه[ وال اوم .عجملمغط!' رمعطامت) 
,7 ,ووععط ععرظ عط1' تعلرملا 11 ستففو 


لم0 ,ادومل]و عمائف أمنذايت .كء ,متدعلمحصدية ومكة صة يمففصدل كستعملط ,ستسملة بتتتعلاه 
.288 بعلت ده كاعد علرمك” بجعل8 وممتتوظ 


سد لدد0 ,معوكيا<آ معل مد صدل را ه1801 بقع ,بعلا بورماك زتره مء0ة 716 .© .2 بلممعوستلامت 
,1946 ,ع2 القت اندنآ لروكد0) بعلملا بجعلا 


,انول ثره كاتمصعل مازقا له ودام اقم سف :ممما ما عنمت :116 .له ,.[ .5 ,أعمطعتاطة معمممت 
1 ,1065 رووعع2 متصع تلد مه بطنمء لصتا تمممصمآ لص ,كعاموصطة دما رز اععات8 ,640:- ووو 


:عطقم صصط بررماكال مع مول ذا ولام بمووظ .كل بإأعسخطة ,13 فلقصه قسة ,ءقة تعطلق ,وندصة 
.1995 متتموتطء تاب1 0 تسد حنصنآ ركع ألمهة عمعصدترة[ عم معقصع 0 


معهد3ا بعدمعجدق1 بعاحملا بوعآآ .اامتماء تعاس رمأ كبرمفوظ تماق أكمقط 110461 .لع ,.3آ تعصند[ ررك 1 مت 
970 ,17/010 عق 


لهل صمممت تجسعطصت قصه ممقممآ .#مرمل»!ا أزهاه:11 انالهقدى ]و كمأي0 1716 .صطدل ,متصتصت 
.2983 رومعع2 وأستاعدالا .غ5 بعلتهلا بجع 11 





اليابان: رؤية جديدة 


88و ,ووعد8 باتو جتدنآ متطصستامت تعلحملا بم ع[<! ,متنناوط تزه برطاا عدمانمممل 116 سآ الوسعة ,كنتيات 


.اناه كرو ه111 ام دناتس سآ ستيه[ ه هذ كمال ا تارمت :وأساقمءزناباك زه تأونازسا1 .2 0ع بدرمستلدط 
1981 ,ؤقعع8 5ناءكناتء دوكقا/! ذه واتكمة تمتنآ قمع طسصف 


4 بالزاداء1 امول ]0 كوان ااا /ان] ابه وآ 1716 :كعلممآ وزارصة كز عونا ءا :1 .كمهبرط معطم برلموط 
. تقو1 كمعد" بعتو تدتا علدلا نطملممآ ممه جعبتمة] بمك1! .ممصمل العلل دا وعااعط إه ممما 


.1993 ,لطمصملهع1 :ممصم لمج ونجاه1' ,ومطرويد8 عنبا8 .سودت ,تمعودآ 


معنه1 مطاممجكم؟! عادولا جب لآ مه متعلام]" حراضة17' عإنورراظ ه لزه كأعنم 17 ,اقامونات 1" مغ /الإالاعكة ١‏ 
7 44و؟ ملقده1130 








, لو19 بلمسمكمدععغصةا مطامصمله؟! تعلدملا ببكآآ لحيد متعلطا" عزتمماءه”1 /]30 . 


0011 مص ععج 18 بامسامعسوة1 تعاعولا بجع 1 ,لارمانا برعاعنا! عذلا ا منرم .كتصة 12 بمعصصع مم2 عل 
1040 

رلءاتحصقآ معلاساا عاعتععلعم! بممقسمآ ممعي أعمء5 مع مده زعا “زو برممامااط 4 ,لمعن موعن م1 
.1082 


ملمممفمصععغد1 متائمدلم! تعلحولا بجع 1 له منزماه1" عع لووط ره هعاق 116 ,معطذة' ,ذه120 
.197118 


مطمممل هك[ لعولا بج3! مه مجاه1 بوهم عدمة! أمتفاهما 116 :[إء3 زه «رنارم اهصق 116 ١‏ 
.289 ,1986 ,لجصجتاقتعنمآ 








ججعا! جوعاعه5 صدمدل عد مع بماتمصصعه "وتلمع قصة لياط تقطعروم عتعستممل ع1" ١‏ 
1989 ,2 تإجامة رعلدملا 


رنوعد0 بجع1! بعلدولا” بجت ا ,وترمفمظظ لعاءةه5 نععهة"! فته مانا ١‏ امصفل :71 طول غ120 





بور علو سماصاط 'بممصعكة موعسدمدل مذ ولعلدمجيمل! مسد ومتصتطوصتقط بلعطصو8 مار" , 
.(1995 أرسأعم5) 2 .مق ,19 


ركعاهه 13 تمع مجه بعاعملا بجع[ مآ عللمةة1 مدلا جز «عسرو ألقمة ممم تبرماع1ا7 اانمالاالا] #وإنآ سمت 
106 


قتع هابا "وبعراءمة1 يتاللا 1إعآ علا “زه بممامااط ل بوعاعدة1" امالاالة كندوعز .0 ستسدزمع8 ,ععلددآ1 
,لتسجداط عه عمط تدمع جاونا بباسامصمط 


ررم عق #عصطبط1 بلأعصعطة' لها سموعكا نممكهمبآ .مة مبرر3 نعود الآ مدمنرهجرهل ل 1 مطمل بمعتطحصظ 
.1046 


ركاه 8 يعحصذ1" تعليولا جب 11 ,عو دصيدل عأنام ساسا عدا زه «اابزابة 1116 مانام ءادردمهممل .للذتة امتسمظ 
12002 


ركاه130 وعسذ1' بعلمولا بجع1! بمسووط عأزفم نم18 ناديم[ !١‏ كاتطاشآ 116 نكاع5 مكالم ص3 116 ١‏ 
198 


.1984 ,1958 ملاغباك .28 معلعمطت :لسد كنا قصد معام" .عباعواة .معانصدظ ,تلطعوظ 
.1994 رقممةعععتط بع ل علعملا برت1] وس وعء دآ .ملدكسطة ,مقصظ 








,و98 ,1966 ملمسم ممععغصآ مطمصدلم؟] تعلعملا بجعآ1 مسد مبعاه1' ,مانت ١‏ 





.984 بصعج0 عععع2 تمع متطمد1 ممه «ملصمآ خعاوه!18 عددات عنراهات ١‏ 
4ووة بصءب0 ععاء8 بمسملصمآ .4ملطفظ أما 1 ارات ع1 ١‏ 


"رصم ونكط عتسمنة عند ع5 اععدعة مرسمعمتآ عط نلنمات ‏ ععلصتآ مومعلا بوقلط“ محصطة علممطاعومظ 
0١‏ ةمالل[ ركع تر 11 


امن 4 "زه هالثا؟مأكساالوتحآ عا فثه تعبا عمناا هام تعمبطابت ررم عا رو ورور 11:6 سسسب 
.5 ركعلوه8 عتكة13 تعإتدملا بجع[ 








ببليوجرافيا 


1116 «واعق اعم .كله ,ونه .14 تعطلف لصة ,تعسقطونتع8 .© متوك8 .1 صطم[ بعلمدططتوط 
.8 تعمقطن بمنوله؟" بمنتقتاظ «مغطونده1]1 بصمنده8 .مو18ل8 يلظ مععوما1 .دالو :د11 
نال" 


8|1٠١‏ أكلزك أنااالاوط جم متدجره 1م12 ورداككء أكمظ معلا :)د نظ 11:6" ببير3 عدا غه ومأعاومآ .ععتصدز ,وجوه للد 
.1994 ,كعلمه8 ومعطتصوط بعلعملا بجعهز 


-أناللة ه ذلا رامنله وبلط مضه مأردبانآ «بطلاتما1 لماعملا مع لله إن اتسعسظط عرلا قجه دصمزر ته 10/50 روعء طستعظ 
.5993 نول نامآ :سمقعصمآ سد ملعملا بجعة8 موق اوسذابمة 


تلتهل” بجع71 .لجز أبرم روعت ند مزه اأهراره1 ل جره بمو ينار[ مو اارأدعا عبلة 1:1 .محصعه!] ,للع 
.1091 رككامه8 ممعطغصوط 


حده لتعصسهك علجولا ججج73 جرب دان انماع 12 :عترد[ ,كنآ سه[! 11:6 تجعرممظ «م1 برعراعنط رمت .هآ معلاظ ؤؤمم8 
.7 ,دمن هلع 1 موتعجره] 


الماع 8 ,عانسمول! عومج ودع ضهتره :1/0067 عدا 1١‏ أن إالا3 1716 :كدم اط عأماأصه«من) .ل مفتصحل ,تذزي8 
,رقع قتوعماتلدت 6ه وتوم جتصنآ :دمملدمة لصه ,ععلععومة عمل 


تمتطماء لحلئطط ببرسرهورمع5 دأرماا ءا :ا عمألأن) #كعةدص.كله ,للنتة للنط0 لممطءنظ قصة ,معلتصسل ممغتزيا8 
ر,قوعء2 رالووع تسنآ عاممم1" 


علة 20 شعن وما عثلا جل ملام اوناك[ كنا :ع راااعناماق أدادم5 ععع ندمل 176 .تطممله!' ,ععلتتطط 
989 ركمعم2 متجامط' كه ضاوع جندتآ بوجزام1" 


92 رومع عع[ لعولا ببع1< ,دارة ادمآ أ فاده م1111[ 8:0 116 .وتعصصظ بمسدجدلن]1 
.1269 ,لانم جاندنا نطجه5 بمجلط1' ,وطأمجم عله أتعنعود امو انق .خطء كلسلا رجتم عبطي 
98 رووعع5 ولتععدمله 11 :مجلم" ,مسمجبا1 أنأءلمابكا زه برتاترمرووانامابيف 1116 . 


حهع© :عامط سسظ .أء سا3 اعتدطامابخ زه ممسدوكاتا :إعسسلظ «معلمالاة ابلط 5اندوهل.تعصستطة ,تععدطصسظ 
,1990 بتتمعتطعنا! له تمع انمآ ركع تلنة عععسدمول 15 دم 


4 ,1981 ,علغناك .8 معاتقطت زمتواط' مضه لصملانب] روط وجول .عامقا/! بمردي) 


تعلتملا” بجع [آ قصة مجاطا' ,مامطدسي! ,لامعلرمة1 ,ااعدم3 بعاءا ]سمل «بعلماظ مم11 .© صذلا ,اعنى 0 
193 ملقصمعجمععغص1 مطامسجلم1 


مبعاط1" لصة لسملاحدة1 معاعمرمجان كمتز هلآ ون إلماجه(! 6ر11" بصمحرهلله تعنء ادم عدا .علصصظط بإعصة0 
4 ,1953 رملعغناة' ,8 وعأعقدات 


1980 روجو1 الإمدعطئة د تتعسصسظف ج11 بعلرولا بجع ]1 .لع ,بآ بعادت تعين5 #أزيهه1 1116 :ممدتردز. 


متتناحاصطحتط5 تطوعظ إه «ماذ فخا عرا| ١‏ كتعااعة رهنان] عاراءة! مذلا #عنانمع مكل معمنمدبره[ء :11 :مدوعة .0ه , 
51 ع عقط5 .8 .1/0 :ملممآ لصة علتتمسصعق 


جدماعع ست" تحوعععصتعط مللماروط أزإعا/1-عامآ عبل نذا برودامومفا :وطارالة تمعلملة كندمدز .امعدت اعسات 
,985 رنععع2 انوس جتنملا 


7 عادول بب1! ,ماغنا مطل[ مدوولء :17 :صزه/5 ,كلع ,لمتطجدمة 18 معطجعة5 لسة ,أمسدب ,اعسات 
.292 ,تمغمه11 


.وأكفر نكمتا ١‏ معو فته 747| زه ودومآ 116 «وافائموده1 4نه واناع العامة .لع ١1,‏ غتحع0 وده 
.2996 ,كعنكبة5 تجدره ممم عمسا عه متو غدن5 ج15 مععصع0 :.10.00 بممعوصتطمةا 


سممةح .ؤوولوو18 جوناما فآ «سمماط نميه[ 7! كمولاداعا «دناسط زه :رملا أمظ 11:6 عفمفسك ,سهلمره 0 
98 انمع لملا لمسمصمط ,كعتلنة5 صدتعق عمدظ ده لعصناهن) :مملصمآ مسد ,.كدكة3 رعوللعط 


«ذلد كه لسع انمآ تتدد0 لمح ,كعاعومظ دما رإعلععاع8 بومواك1 عل دود لوسرو .0ع , 
3 ركقع8 قتدعه1 


كماع امآ أو الائععه م12 ع[ا جد عاك لتو مأوهاها5 1116 :وروم" ما 16أ5 ع1بو0ة 5 لصفل . أمسعلة] ' ,1ه 6 
.1991 ركو معتاطن1 حطمده حلسمكة نقطاخطت) ,ردم علرورم مضا مسوم كو مصمل]ه 

















حده لمآ .ميك اارعامابة عرلا إن عدمان عللة عه عمبغانان) قعه علنئاه17 تععا وا كانت ساعن و81 ,صطه[ ,بوت 
1 بعهلع نامآ تاملا بجعقخ سد 


عاع هل" ب« 17 .كد أترهتهةاه 17/1 أنائه كذدهة/دتاكبر!آ بتبعابة رطااسة بره ةاأعداتط فده أمع18 مدل لإعصلتر5 بعتطصعع 6 
.1920 ,كتعطاكتامات2 تمعطغمو8 عة عع مم1 بممفطم.ر1آ تند 

ركوع 1 تالومع تلآ لسمدتحردة]1 :.ككداة رععل لاط حصدت) .امرمرامةق أرمك/1 تععلعوط ودج ,تلمكا 

مخقع 17 عاروعدأء 10 بعتتولا بج آ1 .وعوررة1 ومعارماباة ما بزدم ادا تأع17 نانمث دتمل لإعصطغنط/؟ مطمر ,للحت 

:مل «زأأاااقط أمطمالمل! عدا لزه كمأبره اط أدمالممت :أهمطط مذ أماماما .لع رهصك1 عمج ,المتز 
.1994 بمستطمتاطن2 سوام :.ككدل/ا بصمعبوع قم 

رعلو80 «معطموط عاعملا ببع1آ .جعناوازومن متعاتدممل إن «ممعال2 أمعناناموط 4 .صول بردلنالحةك1 
19270 

,1970 ,فلكنة' .18 وعلدمطات بمتولط]' لصة لسمملسط كعالتاوم!1 ننه عمومجط :ندمل .لمقطعت1 ,مجعمللدط 
19 

,#كرانه 0 أقتوالأنءن) عزن كذاأوية07) عدا وانذا زانتواقط نبل :براتدررعلمساووط عر 0/4غ :رمت 11:6 .لذوجا ببرعبصحطط 
.5 ,2990 بال سعاعدا8 لم0 سه ,.كقدلة عمل تعطصدت 

1894 ,علغبطك .8 معأممطكت :مهاط1 لمة مسدتيدآ ,ادممءها ال سم]ونا إن ععدره ات .وذلدعمهآة ,سعدا 
101 

كجمتصصه 2 ند للتا/اأعحابظ بدمملصم.ةآ مسد علعملا بجع1ظا] .أرو امام معالآ أن أونعاام عل تممصمل . 

12007 

رت لانا؟" قل تعلتقطنت :لسملسط لصبد مرعلم1' 6ن[ عنضة مدع ندمل تعملعظظ أنه عاطال1 بمدمعام] . 
1896 

رقله130 صتبومء2 نمه بول «مخصصعة؟ جمكة كتعمم8 بط 180160 .ابرمل الم 117111 سد 
.1004 

293 ,تامنده11 0/7/7 تدملجرجءة لصه علهملا بجن83 .ناوا زروت ماوع ثنة مختعطم ]1 بجعدمطلاء1] 


لامو «ع 0 4ل الدجرهل ذأ «عسرم1 نه رلاماله نمكم رككمدع الام ببلناأبرت ونرامصة 117 ,نزول د11 
1993 ,ققعء مملصععد[ت المملج© 


46 رأطمصكا ىق لعكلقة علدملا بيع 31« ,دام اوملظ .صسطمل لإعصعط 


سه عمطومع للم ,عكع نوهل ءا انه «زاأرعارلآر[ اتمع دما 1116 :لاه أأمدبك :87/046 مود[ ععدمع 0 ,م1111 
7 ع تجطمف :.غ7 ,لاع قعاهه:18 

حطمة نن/ ,لأعظعاممع8 سد عمطاسعللم #انعهأدعرمن جه وأععضاصق :ععاره جعابة بولا تممجزول . 

2266007 

مك181 تمع نانات5 تدولصدمرآ ,كععرمط أمأرعصه! مع زنوترمزعطا زه كوسوا5 مبع5 نمع مهال[ 00/7 1116 . 
1056 

مقاء 5110 لتتتتطديج1 :موعله1!' .زوع عجاهج<1 عن[ نامز كدع]) معد مد 14م مرلأرات .معالتطتممل/ة ,ناكامدمصتاط 
1990 


يهان" . (جااومة عه نزأأقه اهنع امآ واناء]::11:1) وبزاعو س1 أذ لتتمعاضة ,أعوارض1 أاد اترم نماي , 
رقطده صدستط5 تدعتععامره1" 

















لمةامرزانع المت درل عامط فده عزازاه1 .كلع ,تسمع امسا عمر11 سه ,وعسمسعطمل زعا سطءوستتر 
7 ,1979 ,لقدمتقمععغصآ قطعصدلم]] :موام1” .ممصمل 


حامعطتصد عمتجملا بجع 11 , دووذ-ودو1 رفأرمانا عدآاكزه بررمنوطلط لل نمع ارم اميا إن موك 17/16" .تدكا ,ممصخططوطه21 
.2994 ,كآه80 


حصصدت) بعبع لف طمصد0 ,ورهااقه11 كن ومن اترعباتط 1116 .قله متعوصمآ ععسصععغة اديه عتعظ بتمحجدطوطه11 
.1992 ,1983 ,ووعع8 ونويع كلم] مولاوط 





ييليوحرافيا 


,. 2[ ,خكاهه8 عتقدا بعاعملا بوع1] .موي80 دأكماكمظ 11:6 ع0 هن .8 دعكا لمعه ,سل ,لكا ,رعسنعطاه11 


ف تقطن بعأمدلا بج71! ,ملع ةبك رم كانشعأبط غ1 غده177 :امن «وسروظ وكعددمه :11 .[ سحدنللة17 رصعععام1ز 
1990 ركصه5 أمعو ماضن 5 


ولتعكدهله1ظ1 عط1' :هله ' .«داتمأكديه11 عزءات نمت ننه مولا :نا تأومبزممارا 17116 .كصهه .11.13 رملده1آ1 
,و22 


رككع 172 بجعابع 1 ولاعسماطظ بطرملا بجعلا .وبرمسمق ألعاععاء5 اماد لعنأوام مود 1ط .تطعتومم؟] ,مم11 
5 1003 


ع أأ6 11 أنه بزاأره لان عأها3 ناممع »61 لمابة را برودامء10 مه غنأيانه11 4041074 .دمتطتصع1' ,1م13 
8و ر,ودعد8 ورعله!' 1ه رصتقت علدلا بمجام1' .مادعا امس 


سةتلع1/! '111"1 نوبرعله1' .دوم سعل! ه «مرعانليااه:!1' :سامل! :آ امك ما 1116 11:6 .ستطتسمكقط! بدجدعاموه1 
1993 ,مهنو 


.1994 ,1959 الإقلع[طنه12 :علوملا بجج 1 .لع .علا .ودامة ره ررماكللظ أمذول! ء111 .د«مخده الا مستا 


لع صده0) :عاترملا بجع3! ,عزمناء 12 11:6" :7كارمانمع اسن زه أوهان 1116 .لد عع ,2 لعبنسدة رممغوت غصسط 
3 ركه تاداع 1 سواعءه1 


.1988 ,1969 ملمدسمءقدعععم]ا مطعصدلم]1 علوملا ججع83 لصه متهزه]" .نقم] تاوما . أزتامما/ا ,عقناط1 


-ئع3] :تمجاه" اللنطسعطدع1؟ بعلملا ججعء83 ,ناولع وتيق أمتشابن) 1 :انل مده لوصف ,معتاطهد ,ووهدة1 
.1979 ,قأقصمط 


ع1 .171 بالا فاتانا جا عام هيه[ به عمشافوكة أمعتاان) 4 :5ؤوو1-1وو1 ,هآآ عالامم 16ل ١‏ 
.8 ,علو0آ1 «معطتصدط عادولا . 


حصن! نهنواه!' أماءدم3 عرببونول ره 11670 116 .كلء ,ل رسمتصملعدا ,8 معتصدل لصة متكتطع لفك" رمستزتآ 
7 ,ك5 


لماز إن وار عاءا/ة عا 014 انك اأ ون وان انآ عالا«مندم1ط :أ ردك عدا ره ي1ة1 11:6 ,معلنظا بتمحصموع»!1 
.995 ركوعع2 انددع تنمآ امدصدط بملصمآ سه ,,كمدك! رمعل #1طاممدت .مصول 


مهاه" .عوتدمامعذةآ زه دعبام /! ولزمنان1 عل زه :نماواعه114 4 واراء83 رعدماباز كطهمناى .قطفصعممزل ,ملعلا 
.8 ,1960 ,.ون علناطاط' ,8 وعامهرات :لصجل 1 مده 


ستداتآ :لالسامده1] جزال زومر ع[ جر ماك الما ار مكعم اإسباع ونه 1] عوع011تزم[ ١‏ 0 .18 عسصة بممسسممر] 
,وعم 2 لل وجا زه انويع 


.95 ,زوع عععة1 :علوملا" بوت[ . :ددع امامل ]ه لدم ملل بداننام ال ]و موث 116 متطاعتطتة10 ,دتحمعلم1 


بجع1! كأمانوتط 413011 )1*1 ع8 1أأ/آآ تومه[ زنانانآ :ول« برم5 0ن 11144 نمه 1116 .ممنسصئطة ,دمقطتطكآ 
7 ,1989 رع أقنتطء5 هه جمتصلك :عأرملا 


1996 ,ركمه أ 101 تجح دعق تسملدمآ ملاع أنوعك دولامل! لوواكة 716 .نعف بكلدتهذآ 





نه لمآ مسد وجدعتطن) ١اتدتردل‏ راقركه انه 1 بجان ةسايل :وياأأكل6نا ذا زه ومظنومععانة .ملتمماة برجا 
.1995 رؤقع21 وورمعنطت غ0 لمزملا 


-مستطة هآآ ممطتئك! :مجاه ,(مضبا دمب عوتهلامتات) «عدهتان ون متم طها”باعط ,لسسع ' ,تمسطلدسآ1 
بتقعام13 سدم 





تدرهاه!' .ولأركضناهن) ونلا زه عأهمة 111) 71نم هد مارلاط .«جمادوم8 متطتعماة ممه , 
,قتأكصتاط م1 


عا علدملا بجعآ! برانامع كا ينيولت فنه عودطآ ممم غلفه11" مسا| عع مدمهز 1116 ,ملتصسة ,مسواآ 
.3 بووعدظ 


ععلنا2آ تسسمحساجاآ ,معتاهاامدت عامآ كه عاهمآ أمفابت 116 ره (ااكل 7ه عوط .عتمعلعظ بموتعصدل 
.5 1991 ركوعع2 بأو دلا 


بموطاط1” مد لسولتحي ,نرم امعنم ع ماب أمسوسدة1" كنف ءا !1م ععع دوه[ يران لوا تلن .لع ,.8 وساعملا بمعتصدل 
5 ,1982 ,6لاناك .8 وعاتمطات 





اليابان: رؤية جديدة 


1984 ,.ه© قحك بملتتاعمععتسططد بمولما" ممع ا نعل مدع دصهل ها عفثبنت لحم ملع راعةاأتأعيل مترول 
,1986 ,.1:8.[ تمهان!' .تدجم دنا "تم ماوت" .سآ ممعسسظ أعجما' مدمول 


حصدلمعآ :مهاه عائق مدع دصدمل:! 501! 114 وتناناطل 116" :أمو ةلق ملع ,دسباءعسدا/8 عدن علاه عمعصدمول 
97 ملقحاه ‏ فضعغتآ قطد 


عو نمع تتا بسملصمآ مسد ,تعاععصة دمآ ,رع اععلى ذال .مسامعابرعنعابة عه نمه كمي .ومع سلقطت ,«مممطول 
.1972 ركقعد متمعواتلدت 1ه 


نطسملحه1 لصن عابوملا بج 1 ضنماى أمارعسرجرمافسه<آ[ عنا؟ إن عكنةآ 1116 قكنمعمم0 مالالا «افتزول . 
1١‏ 1011 17/7 :0/7 


كسك .وجوتحو2وذة بولأد:1 أماراذ هآ كه للاساه؟0) +171 تعاعه ابا مدع تممه[ ١لا‏ فته 1/1111 . 
1982 ,ووعم17 بإطاوعع نولا رتم8 








ركوعم وتومء ونا اموكصمة بلعطاصماد5 مبرط ممأعنيل اأونبمه؛:11 فوع ستول 116 .متتغطاة ,مممصطمل 
,1988 


993 الإتقتطائآ مضعلوال! عسولا" بج[ ,وض ,ناه دهز أذارلانا عأعد8 11:6 .0 .ل بحيال 
.1984 ,1973 بعلعغبك .ظ معلعهدات بمسماسي8 لصح مجلم" مك دز ععمرب201 .تطوعاذ1" ,تمك 


ف نلك ,70110115 مصرهن ,12,17.سآ عر إن عابين !11 11:6" :مأرصدظ لبد نوعلملا كددممل.نطوهة5 ,جامسميكا 
.93 ,تنوعاهطا5 صددتهآ :متولط]' ,ععامم ضري 


نه ططآ" .كلمب 2 . (اااعالاة معأأتعابة إن عنازاءعرروء1 1116) 1 وإعااراد وذ مبالومابال دكاتا .معلدمملا ,تم ومسمكا 
199 ,1989 ,قأمع5 معلمع طازة5 م أعومل 


[1760110111 مقع الوصهر1116 .امقتسقطة منسمةظ1 سه ,مغتد5 معتطعاعة ,تطاعدوه81 ملعلبالا رحمدعاتطوملا رمسمكل 
093 رتعقتة2) كقع:”! ججوتعنده] زورجاه!' تعدمرريه"1 نه ورعانام,'آ قمووا عرلا الأ 


فالتا أماته؟ أتندرول]ه الناامعك ملادمادوجطة عدا1' :معطا .معطسدآ! ععلق مسد ,.ظ لانودة بمماصيك1 
.987 ,عنعن تمملدما .لام 


جنع توتآ ععلنا2آ نسمفصمآ مضه دسمطامسجآ عوع ااا عوم دتمل رامال [ه و0 .ستزمكظ ,تمم مكل 
,116335 


نل« مكصماة ,تنعاكبرك أمءم ذا أأم”1 /مسزده”1 كأ الهتزم ل :نزم هعهنتء دآ وروت[ -وأية اق :انان .لت ,تإتاماع1" رمعله م1 
.002 روقع2 1011 تالتاقم 1 «عزم1]10 


-1ء10انطط ,علمولا ججع1آ ,ىلام «مساده”! كأ ضدتيه له أزوا07 1116" قرمافاط كلمن و إن ععار2 1116 ١‏ 
001 لةككننظ عضنهعت :ممفدهآ أمصة .10,0 رممأعستطفة/ا بحتام 





أمءاناد8 "مسمعهتومءهن كه ععمعك5 عدك سه دمتعداءلمن<1 عتتمك" لولتمصل؟' ,معطو -ممحطية1 
.(1986 ععطميعتةه]]) + .20 ,14 1116017 


رغصتمم عع سدحه0 :.0,لآ رصمنعسنتطكه'ا ,عمأرما3 +0116 نه عل زو ارات 100160 .تتمصناكدلا رمغدط ص1 
107 


ماكصوله؟1 بعلمل" يجع11 سه ورهاها" كعترما3 ع0 هه دء ع8 هالأصعءا35 علا [ه ووامظ ١‏ 
,1980 ,و1969 ,تمده مم1 


تامأ 3110 كنحهس5 بتمتعةتآ ركمعظ غصسته1 طاعهآ] بعاعملا ببع11 كمارماق أده ]1م رهاوظ , 
.2990 ,1988 


,1985 ,5956 رعأعقتطة ,1 معاعقطت بلمفاسيا مسد متجلطا!' ررمي سرمو5 . 


المع مار إه انع ةاترماءس0آ[ عذا خلا وتله11 414 م )هماو ,كلع ,وعنةدآ عكانمتتا مد ,مناتاول! ,عطوصيك1 
3 ,تون 17 انعلط" 01 تحائجدء تنآ :هرواه!" ,وممصم 











أنتد صحوعكا1 عاعدلا بنع[ نجه اتملصمآ .تتمتم له بإعاءد5 ليه نزوما5060 .جرمعه830 ,مسح ححا 
.1994 ,لمده ةا مص مس1 


أمصة بمعكتعصعظ صود معللده8 بمأمضعابة نلق مك باععرم1 + كملانا فانصا ع0 ,تنعوتطة ,ممدودكا 
4 ,1980 رووعع ا بجع 7/1 النره 0 





ببليوجرافيا 


لحملا بوع[آ ,كاه 2 .لظ تنعلامابة علا جا عتنقهرعائ[ عععمهجمل عي[ عءر) ما #ساوط .فلقصوط©ط بعدععا 
84 ,.00) قصة غله1] وعمع1ز 


وعاعقطن) :لسملادت8 مصة وبعاه؟' كتعفمعة1 بجعائة ناا رول معنت وهنا صف جع تطمعائا عععسهوهل. 
7 ,1955 م111" 


از7انطنزعن) اأناعةانداى عنهآ علا وا كع 1 251 ]1801 ااامال 7#االمعافا عكع ممصمل :مقط علا علا ولعم5 . 
3 ,.0ن) عة غ1ه10] سدع تاملا بوماد 


.3 ,1978 ,لمممتكفصععنم1 مطممملم! عاعملا بوع1] لصة مرجعاط1' عازمناموط مفع هترم[ 50116 , 
.988 ,كمعد تدمع نطلا وتطاحمداهت لمملا بجع3] متماوعاقا مدع معيمله ععتتجمعاط 1116 . 


امك االدمن) برجماناتابال أنه عوالهنان) عل:«مومقا :وسو افعرت وداه الم"[ نرم وكنغ1 2116 .لوط بولعصممك1 
.7 ,رقعاه ه13 عوماصال؟ :عامولا بجع[ ,2000 ما ودكد 














حلص 11م ةره ]انك رقل تأتمعق عذأ] 0114 ومكماناة هذائهنزنةاياباة خازمتره لمن ده”1 رجز بووومنوع2 .عات« بمعفسصعع1 
.6 ,ععلع نه 1 بلعملا بجعلر مده دمل 


.1983 ,تعد ونعاه1' كه اتوت حعندنا :ونمام]" ,كاه 3 ,أرأدمبرمعة1' ه10ه بومطط 11:6" .نطوم تعلط ,متكا 


مد عاعملا ريكلا ,عراعنزى”1 هتب نم3 عذأ) ونقاةة اقلم :0(متاك عا كزه «10! عا 14م نم2 .مآ سمأمست/ا ,متكا 
ركمع1 بوا نومع تنولآ لم0 لم0 


سوصةل :مله .لث 30 .تملامعزاروو0 ننه )ث6 ااترماء لع 0] :مدترمل:عاماة وز لازام ,تطعذه؟1 رمعمستطوك1 
.988 ,مطء8 


أحصه أ قسمعغم1 ع5 ععدعتائه1 لدترمآ :مملمهط بز«تمصمعظ عع نرمجم[عا) «وعععامتان ,تطومعنةط! مم15 
,عتقلافظ 


199 مقاقتعتصوط نمجلمآ” .(نساة دوق أزبكا ه ]و اتمعك) اعأمك1 م تلمكا ونورب .مكلة ,معلم1 
بقطاكاءقسد8 نمعاه!' ,(7كمانرو ورلا ما لع دعو علط امانانا) مما 6د بها عاامد ول ون ممإوراة . 





ةن واو ألأناكاماآ .قلاع ,13الاتاقناة ممقامكا لدة ,مسصدط0 ممتطدمفل/8 ,سكبحنج8ه بااإتصمك]1 
88 ,كتعو8 عتتسع لدعم عاتملا بجعا< قصة ,مععلط مدة ,دعام" 


ع1 أمماماعالة بنز أععاه”! ناعيدةاان) :اندجره :1 أداء#أسأمآ وذاا قانه ردانق .له عمللا .ل بممقسطءدم»1 
,كقعة 1 ووأه!' كه تجائمء جته لآ مهام مسشاءمود 





ركوع28 مورمعتطت 'أه نواتدء حتسلآ :مجيدعتات) ,ممم ل تمسعدهط يذل بو)أسللعءزنالر3 قرم لمقانرأمبامظ . 
,1996 

ة كه تمكتصمع3/100 كه كموغقلصباه بمدمدل مدبحاده2 صذ بوأكلاءء زاتذ جره عغوطءتآ عط" , 
١‏ (1981 مغ أ/0) + .مد موز تمك عالممظ "عدوقتءت لمعقتامط 


لماععاووا! 116" :بمماولاط عنم نفترمل ءالمالا ددا إءاالزنمت ,كلء ,رغذزهلظ مدماء!" معلل ,ل سممصسطاءومك1 
8 رققعط 18 تالدع اتدل دمنأعع سا2 تسماععصلم8 ,نرمزا 114 





قووذ وفع نوالوع تلحنا دتلطسسامت علتدملا بجع81! ,وروتامومانول! ابدمطااان] كترمزولة حتاال ,دععقتكا 





.1991 رؤقع8 زوع كتدنا دتطتسامت) عاعملا بجع[] ,وعساعس ع2 ما 5تمو1ب ملت . 


5 تعلدولا بجعلا بصو 801 بإتمعلمعه بدملصمآ كأدمنابسرك 6 اكلام اماء )ا ببره! .موتك ,دعاسا 
.2 ,رؤقع2 وأستاعدلا 





رقطه 8016 وتسعلمعف :دملصمط كاده اطورك زه بررإصمكمان7[ ع1 تعبعء لضم [متقالمعئصطة 
1/91 


بنطدة عق عمصعط بمتلع8 ركمه تل بإتسعلمعق نممقدمآ عب م نل مععسوصه سا سول سا د 
1203 


نمعاه1' .دوورج198 تعماولا اناعمم 11 . 
.1988 بمللتطتعطنوع/17 :مجاط1' هص علدملا بع ,وموك متعدممره هاعد معلع غ1 ١‏ 











اليابان: رؤية جديدة 





.988 ,قمهتقدعتاطبط تامععخط علدملا بج 11 .كتدم سيرك زه ملاعل 116 . 
.1994 منتطمدعة غمصمة نصتل8 زكممق1ل8] بومعلدعظ تسمعلصمآ عدمز شرك زه برطزمعماف:!1 1116 . 
مدآ عى لعطالظ عاعولا بجعك! بزرايرةرومناماببك إن ععاط وها ة]ا30716 .معهلم ,دوسا 


عل معألف عرابمصمطط أماماة) عراز أوته عدمصب"ا أمممالولا بعرو آسمععدامة إن قالط 1116 .أمعطام ا مما 
.1 برؤوعع2 2تدددب أ برممدع2 كه بتع طتصن] تمتطماءلقلخطاط عهنا] امن 





,983 رؤقعء8 وول" كه بعتو دنا :مواه!' .ممرملكه تدرط أموزءزاوط 116 .تطاعتصن[ معامومة1 
1007 


ومع الآ منطمهة معام" .1912-1 رأمتأأدنالا 11:6 :درم اذا «ماسآ إه عكنةا 11:6" .معطمةا5 فآ 
.1972 رووعع12 


ان ءمحظط بالل تأو ارلا( إن عبيلف ننه ؟(أ قإإمآ الفعالة انال :لتكاكمممو لل له عبنانه 116 سعداممءختعطت ,طاعمما 
,ه11 بمملصهآ لصو علرولا ججع31] ورم 


ركقع”! الوط قله تمع طاصنا بملسامصه1]1 ممامماءظ زو كوع 10401 موعامرزمل مفسسجاهية عتطذا رماء.آ 
1279 


.5992 ,ووعع2 تتدجدة1 ذه بواتسع جتملآ استتامصه1! .نهلامج اممع0 أومم5 ععم وول لع , 





كمع صدالتالاعها/! :معام غكوص تمدق لحية جملدم.آ .المصملاعاومابة إن كادمخ] 1116 ,عومع اط -صوع[ بسممساءآ1 
198 


-موصق دمءآ لس وعلعمامء8 بروماظ1' ك4 :عامط اتعفمابة دآ 010 هانلطت داع قلزنهن .خآ لأمعذهل بمكدعيم 1 
.65 ,1958 رووعع8 دتمعمكتله0 أه امع اتصلا نوع1 


70 ,1955 بتتتناء تتعطكظ عاعملا بجع 81 .كع ءوايره11 عزن ة11 .ع لهات ,كذتامتة- لآ 


امنا 1116 هآ ".ممصمل عمسحمهط صا موسصهطات لمدسلءتستلس] ببممعولة1 مده طغصملا إدل خعطامظ1 رممقاا 
.965 ,1961 لزإدلعاطادده<آ تعلعملا بعل ملاع .1ل عللسظ برط لععقلك ,]ااه ]إن ماما 


هناك مدآ ووستعاهه::13 :.ن,(1 ,ددمعوستطفدلك] نزااربلمايا عتورمومعقا ونمط صمل .ل لمدتجلظ ,سامعصاة 
.1088 


عدون أأواانمسا1 :كمء 1/1[ بعبرما! وكم روصو .كلع ,معلاء5 عنوتعا معاميج؟ له رمعتصتاة معلتعمل8؟ عتممااآ 
7 ع معقطك .8 ,8/1 ملعملا بوع11 ديد علستمصسعظ .انملاءأ"1 اماي وريه 


منرم[ 111) ووو 1800-1 :هترم ادا عم:ة1 تعدط 0105 جتعلاع1 سه ,عتمملة عه[ ,ددمل ,تمكو سالاآ 
73 ,قعأه18300 دسمعتاعصدط تعترملا بجمل؟ .لد ,مص 





ومعطاصدة! علعملا ببك1] .(2 .هد رعلمع غ1 عمجمل ع:11) انرعرع17 ءذل) 6 [02011١ ١945‏ الاناناقه”1 ١‏ 
رتكاومم8 


علرملا بجع لظ عد جآ بسملهمرآ .كام/؟ 2 بي 01:مارعلدتا مسلط واط عنمت برمووط كل .صطول ,ععاعمآ 
1961 ,1010012 


8 1994 ,دوع صمالتظكاعملةا :ععامعع صتعد8 عصة حملضمة سما أم6لهم1 م ب«صسروط . معرعاة ,كع انمآ 
.959 رمهلا علرها بجع كا .درول اناس واالاءءعا! .وعوو] بتسمتعجلة1 


اتعيط) نمصمل :ا 5م11[ أص اناه[ 404 أملمك إه أهنامل "”غطونامط]' عمعصومدل" .مدنمل/1 ,متسهزتمدلة 
.)1064 

رؤقع1ة! وتعام[' كه بائدى ستون] زمبصاه!' .مددره ل ساموهاة1 زه برومتملاط لمنفعءااءاهة علا هآ عونق . 
174 


سد رلسوقد0) بسمقسما ,لع لعلسمحوحظا كملاناه”ا عع رتهرزمل 2ع امابط دا «ماسعناء8 له غراهائ0 :11 . 
1969 ,1963 رؤقع20 امومع كنصنا لسماع0 املا بعل 








ستصنآ نسمقكصم.آ لسد ,تعاعوطط ذم.آ ببعاععا 13 .ممصمل يازاه"1 بموتمدررم بردت .ععلناذه صتال متستحكمكة 
.1995 ,ووعع2 وتمعهكتادت غه امومع 





بيليوجرافيا 


عقطل] باتضوط عع تممملع ا 11ز عنام هارن رمآ جونرم نكا ألعاعع بن .ماج محمحآ] تعلسازدمجل/1 روبع طح حلا 
0 ركمعء2 لودع علصلا للعصعمت بمملدما فة 


عللتمحصعظ .ممم ربهتمراع ورم وذ برعوومرع10 .ولع ,وعمدصمتوناك متطوملا سه بصوحد0 علعقسمممع 18 
.6 ,ءمعقط5 .18 .8/1 :نصسولممآ له 


,1996 رع معقططاة .8 ,آلا نملصمة مسد علصعحسظ معسد زرا نع درولل عدهنااواظ 116 ١‏ 


تمعداطكتضة11 زوعاتقان) ع8 13:10 عتمططظ جمئوولط! علرواكط ناريط 176 .لامسصقط5 بعصي فعل8 
,كامه8 عاهجعلء 50 


و عدوصسنان :"ملسن أعلئل" ,أموق أعكال إسكصتخاء 14 مستزجعطلدة8 معلدمة لصع رف صطمل بكذكسكاعقة 
190 أمعقطاد .ظ ,آل نمملصهط مسد علممصعظ سام مأسف4 بوأيروه م جأيهناه:11' امتقل 


طمتاطان8 ومن يعاسملا بب لظا ,جررعءنرمن) أوامات واأوء 2ط 1116 :تمودلا م10:00 ,علصصظ ملتعتطعة1 
+4 ,5ه 

.56 ,1859 ,التو لل-وططه8 تعلرملا ملظ نمه دناه ممسصدتلم1 بنعطنط .0 .5 .[ ,لاتق 

.972 ,ققع 8 مدت :ستدطاهد13 مخصدك ,ها«ت كلاب ]ه لمجآ عرلا به عدده مما 1 ,صدعةآ وعللناةا 

رققت17 الكت الآ مم0 :عاحملا بجعآا لصة :مك0 ,ماع بوسروط 116 غخطوت7 .0 ,كتائاة 

1950 ,كقعة8 لاقت اتلدلا لممل<0 علتملا” بجع[1 هه 0:10 .اموأ ام ةا[ أمعزومام كمد 1116 . 
1007 

.1826 باتمطعوة 10 لص كعابوه8 نمماكه 8 ,كلمب ج عارما| عده13 تإعذاية:8 مداه[ بممعلنقة 

8٠‏ ركذ تمناءع :121 بيت لآ بعلرولا بج !1 ,مأعمابة + إه وا مكدع ]اه ,وأعلدالا ,محستطكتاة 

066 ,قصوناءع 0[ بجع1] بعايملا بيج1! ,ومارمزك معن [ار) أنقره بع نانع لآ ذا 1001/1 ١‏ 


1965 مأعغانا؟" ,15 معامقطت :لسقلكندا مسد مترعات]' ,وعق عر ما ععةا0) االمثأاء1 مذانان! 50/107 116 ست 
10 


.8 ,6و19 ,علاغناك' .18 وعلممطات بفسداغسي8 مسد مجام]' عمسا رو 3 116 سد 
وق رووو؟ بعلعغبلا .15 كفأعقطت :لصدديآ1 مسة منعام1' ,نرم إنسهظ برع لامت) عرلا ره عاجرنةة1 11:6 . 


مس1 ابوط صدجعع1 بعلملا بوعآ! مجه حملحمة .تدممل رع امابالزو بروماماعيروط أمأودى .ععابوع مسالط رمعتلة 
2 ,1أ0024ة21 














ماع[ :دعام" ,انع سعامل3 بواممزماية 'كعدلاا/ا!) تعواء3 الأردزدابة مددرمزماة .معاتتدقط ,ستل 
8١‏ ملافمطتاط8 


:و نكاه1' , (ون انم نداب دق عنام 676 (11' ألقانه تلم مأدمة بنهلا [) تماد مدان وصق, ممعم وس الك1 . 
.1988 ,قطقصةمصتاطاك متروتطكذ سم ط 101 


.1992 ,رولتعكمة5 تموعله1” ,لبوسنه"ا وأررزقلم تعاه ع1 مم متامنادمكاة . 


رمك مذ[ عه برالا5 أموثاتاء”( 11:6 بعاميازاء3 مد أ«سعام 0 أممادطة معلا بعاموازاءى مد 0011 سس 
.1992 ,نطتانة1 مع ع اا-ععوء8 بمجاه!' .لهذ 


ددا عععدعح :عودامظ حسحظ ,أوسملظ8 ودع ممصمل تاعامابة 1116 :عممعائ إن كعمتاموسام4/ ,مدقالا ,تائم رتاية 
.1994 ,1974 بتتدعتطاء 1/41 كه ومع كتصتآ ,كعتلننة عدعسدصفل 


ععلن<]1 بمملكدمآ لصة تتقحاعت 1 .قابذا] عل دز و#دتروار.قاع مممتسنكهمسة] ,([ .11 لسة رمدمهايا ,فطومرزتاية 
.1993 ,كقع”1 بإالقتع لدل 











,ووز رووعد2 بمتوعة علدنا ععأبد<آ بده لمآ قصه جممطسجآ ,تمصهلة 1 نااكاراء مساوم .قلع , 


ستطعناب! غه لمعه عنصت ,كعنلبمة عمعصدم ذل عه؟ معندع0 :روطحة عمط ععدمت 1774 116 .ندع0 ,تعمقل 
.1993 قير 


ومطلقط معمسدمهل ءا سه بجهمامسراءة1" بتعائة اا :7'لملععمرر5" «مصمز كماع ناا .متطعتل! بمستطكتعماة 
.96 ,1982 ,وعم رالوس ندنآ مالحا سمت تعمل تطصسدة 





اليابان: رؤية جديدة 


تتلسامده 11 .اتمسواط ناته كءاسنه سامت انملادنهية ا عكم دوم[ :مأكتمو 1 .مععله!' عذلف ,محسةوصمق8 
.2985 رؤقععدظ تتدبجة11 04 تاكن حاولا 


بطم" لصد لمماسد8 .ممم لله ب«ماقتاط مذلا نط1 وممعط عذوها1' :ع مالم زه «الااملط 11:6" .صا ,متسماط 
8 ,1975 ,ع لان .5 وعامتقطات 


عاعملا بجع1!1 بسملكممآ مسد علرملا بجعآ1 ,«ساوكامممل! بره كرورم أوالنعوعظ ,له ,8 امسق دمكتممل1 
6 ,ومععط بزاذوية الملا 


خم .15 ععأممات بلسطلاحدتآ مسد مرهله]" .ومن مم3 جاء 11" قصه نعوده1ظ عم روممل.5 لصددل8 بعسسمالط 
.1092 ,1886 ,مل 


له أنكام 2076 أماعه5 عزأ١‏ اذ مزااز3 ل :مم5 مكفا ده 114905 .مع هتستهناة متطوملا قصة ,كوم] عدم ك1 
.1990 ,1986 ,أقصه تن جننعغم] تسد مدوعكة علرملا بجعلظ لصة مملكصمسآ نامع رو 


كآ لجمدة1 امهل" بجعلا ,ربق علا ؛كانامو4 1للمء3 نووو1 «عألك اقل ونءاددمل .له ,قعل صفععلق ,عمعصساة 
.1904 ,كتشتوعتاق 


بلمقممعمصععغمآ مامسمملجعآ علرملا بجع1< هسه مبوعام]" .ععمران موعنات 17/14 4 .فاتصة! ,تسمعتصساة 
1900 


.1992 ملمدمةمصصعغسآ مطمسمله]] ملدلا بوع7! لتد متوله!' ,ععدو2ط ,100:16 ,16نةق1 ١‏ 
98 بلمسمةتجصعععهآ مقطمصجلم]! :موله1' .داهج ع .لوماا +مزووسوولل . 
.2993 ,طناحاتصتط5 نطلدعق بمتوعلط1 .كاه 2 .أودبهاه12 معان ابدام .له عع ,أزئعة ,مدهدلط 


عل إن وملامابة عبلا قثو ضع العمل (ملمكمعناسةق باك عضمالة عدم درول 116 .تلومستعفاة ,ومسسعلدكم 
1992 رق مرعقطة .13 .)ل تسمفصمآ مقة علسمحسة .تووتستوود "لرتتماكيرى «وعتارط إدنااابرى" 








ستطدلا زمتهله]"' ,تبصا فده الاع تررم ماعنه<1 كال ببراتر00مع13 مكم هدرم ساكو 6ز[!' .دكب معلة!' بمسدملجلط 
مرؤوععه وتعات1' 6ه بإطاورع؟ 


,1970 بلاطك .15 معاعمطك :أمصد لاد مسد معام عومد معع درم .غنات بمسمعطلداط 


كذ 61 1نف أل عأنطاه ةرمق فثنه ألود5 1116 :دمو مسموماةة .كل ,تامذت مسمطمعصتداة لص رعتنات ,عمعلداط 
.1900 ,وقعدط ورعاه؟" 0 انمه جتدنا نمرعام؟" :دمل لمعاماءة و 


.1992 ,هلأقصمله!1 نه بجاه؟" .(ؤلانآ أده ععناتاه07) أمعساله! الاع3 .ممتطدكفلا رعممكملدلط 
,1990 ,تستتعمعطائق علدملة بجع1< ,كم [امسهل! ءم/71 ملأورنها! عدا متتراء8 .مستمصتنات ,مدسمرعاداط 


- ةزع كع تزع 12 14م كع معط أمء أ ا او نرم 5ر13 ك0 واتلاأومتزاناتزك ل تمدارع وبق ها تمترفل ملع رمعلاه دتمل ,تطعتمدكط 
1112 لاله تتفوول العمساع8 كبرولاماء!1 عدا خزه أنثزه تادصم :11 كده ةا صمت جره اامترهل]و كاعد الات عملاما 
5 ر.ق350 5لمتقصان 1 ,© رى تتعمصق أن راع 50 موصو[ :علعملا" ببج3] خعاما3 نع الا 


,كع أ(آ ممتجهلان] متهدمصرمن عدا عانانا بلأومص! .خطومسديآ كه دسفعك؟ 5ك لتعصنامن عمصعة نآ لمسمتولط 
0 ,81200-513 :معام" 


ددألءة امت سنع عاط علا تجرهب[سووزرع”1 وسبوراى عد و أل .له ,عم تصعهوقل8 غه تسسعفدل8 لمدم فاط 
٠‏ ,تتتناء كنال/2 لقده112 نميواه1" 


جو ,ؤوعط10 قمقأكتنامآ كه انمدع امنا :عودام ]1 ممغو8 ,مم11" لك .تجاع5ه5 رعمدعدكط 
.5992 ,1904 بعلعنياك' .8 معأمقط0 تمجاه" مص لمجاعيد8 .«مطعادظ , 
.93 ,1914 بعلانثل ,8 ماتقطة) :منواه!”' قصد لتماكايد] .مرمعام] , 


لصالا منممعنومككة ,ستطبي نردز عوط "بمسسفلد دل نم1 مه فلعووك ص[ ".دسعتتمدل حتلم بابز" , 
.80 ,34 .آنا ر8 |2011 


987 رقطوتمعتععلمسطات :مجالما" .ماكاوم]ا هن أعسال 311 .تطممطلقط' ,معمصعكط 


عدأ إن الدأنهاةا!5 العكع 17 210 رلتاع ةطإحرهأوسع 10 رلاتجها0) عرلا واساترعء امن لووط مك . علمعوتطة ,رتسمصتلط 
مسدجدل أه بعفه5 عتافتكظ :مهلم" .دجمل 1 كعدكدات أملممة كه بررماذلكآ عدا ها +اوألهافخ1 1١‏ ماقا 
1213 














يبليوجرافيا 


(#اكلأو مناه عودووسهل! :عانهدعآ 112) #ادسممرنا مم مقواع وسساووتا3 ببنونا مك ,متهم علد1' .مدر تنظ 
بقطفمدل م؟ا :مهاه1" 


ححصتط5 تععلمدك :متجاطآ" .(جفناى مسا عه عو فددا8) بنعادودعون لط ماموناء بعلع1 .معلنطصعماة ,نسملط 
.74 تاءابع لمدمصتتط5 قطقصتاط 


ب جحتدا5 ولتددم؟1 مرعاه1” .(كعم هماقا ووااعاة!) بنوطالعنةا! ماموناع سمط .تمصتطوم1' ,تسرملط 
.1992 


الإعالة عا إن كسنعانامرا علازم تم قهة أمعلاناه”ل تعنها5 اماماي و عم مونم ع8 ذضدمهز .11 .قا ممقصدرهل 
.940 بكدمن داع ]1 عقعو2 كه ععدمصناكمآ علهلا ببك1] ,رواوط 


صطه[ ترح مععخفة1 .اممسصمل! .11 ,15 إن ديها:ظاز لآ أمنمعاء5 تعلملت عععانه يهل سعامابا! عرلا][ه عداها0 . 
,كعل800 تمع طاصة8 بعلملا بجع[ متعبيه12 :107 


.98 ,1068 بعلعماك .15 وعلتقطت :لصدلا سآ قصد متجلم1 عاامائة امترموعظ ل ,معساطمعدع؟]ا رع 
ركعت 21 08 )1/ 1لا تم جاه1' ,كعاملك! مةداراده 111 . 


,1977 ,لتم" وعمعدمة5 ب«مقصمطآ كأمسملظ ارمرلق مررم1 تكمعا رفملا +0 «نمرهيا:0 وا علا 1806 ١‏ 
10 
.1986 ,19679 بلهصمةقصعمغتآ مطتصدلمع! :عملا بجع]! لصة موعام1" برمن ؤمعازى 116 ١‏ 


ودانايعم5 عله انا 11:15) اتع! تسماماناة وعاتم #نوهطة هو فاموفاعمسماط مررمظ .لدسدة بدحتطة 
,1989 بتأعمطة تقلصء0) :مجله1' ,الى عنما عومرم عما دالا 


دماءعستء8 تمماعء معط .1116 بأونبه111 كعفانارع 1 مكممدودل ع5 عه ععنة! ,معلنسظ إعمععة؟-لتسطه 
1993 ,ؤوعد8 برلموم ملآ 


-لمت) ذه كنوع :اتعافبزك عنم ادجم[ 6 ملاع .كلع بمعتطمه 8 كمصمط؟' قصه ,.] أعتمد ,مأمسكاه© 
,1988 ,كمعد توائوي سندنا لسدكسما5 الموكصماة براود(م8 أممناناه”[ أله بزاع ممق رمه لقعا 


1993 ,تعتك1" موجهل نمواطا' بوسمع0 ان 16) 6] كتواى بمعناطدة ,متكا 


60 عة ج8106 بتاغتصك تصمقممآ ,كلمن بد ,مرزمل سعلظ كن مما برثة! بمطامصعوتطة غصنامت ,متستمام 
190 


و واساستاط عرلا ورين :"سهومسرة1" درلا انعدي0 وئ1/ة[ تارم1 جلت ,تامتذاعمدمة أمعدصه7]؟ لدو 
ممه بعأنط فصآ طعممعيع 8 سمقمء طن[ تملمد8 نمعلهو0 .6/1 


.987 ,960 بعلغدة' .18 ومأعمطن :لمفلسظ له مرعامط' بزع مم71 مل ,دوه 


مضه علرملا ع3 ,وترماه1"' 10011 و إه يانأما شاطام 17:6 :”هوم [ سعلظ د عم )دبرا .ممتطعة دحم 
4و9 ملقصمة جوععغسآ ماكمقلمك1 :هلجم 














دنآ عاعتسع اعم بعلرهلا ببع1! .عاه؟؟ 2 ,اندرره له ترمدممملطة أمعاناصوم هدعت ااه أمعارمنكا!؟ .18 بأمصتمدظ 
.4 ,1950 .0 ميمتطعتاطتط 


و19 ,ووعرط موردعلطت كه سندلا :مومعتطت .نرأهبه 1 لاقل أنضه #ععاءال! صقطد© ,وععاعوط 
.1006 


رقعأمهدظ وما ,ملعمل 7 عممم ومست إواءه5 عل اله #هللمج أ أداطاذلافة! عوعندوهل.له ,طوس عاعتصوط 
,976 ,نمعع8 وتمعدكتلدت غه تمع ردنا بمملدمآ سد 


كةا(لآنآ 11م امك[ عع حول عرلا سنمقط بتارم سعل! كملق .كله بعاذدووم1 معط امصة اعمط واعتصدط 
.976 به ناكد كوصكلهم8 :0:0( بصم نه صتاكة177 


-علاه"! رعفموقصدة .هدهل دما/ة لاوقا أعماء 11 ورا[ وم جعاكطانا :ممما ممارمصم18 116 .لتعاط بتمللعط 
.ووو بإعصطاط اتدمدل :عدمة 


-عم ا أمدمنهل! | مون غبا دده مساك أمابك1 موجه [أمأعوسآ ذا عتاساأبات قاف نانع ااال عتائعآ ,كاعصطط 
.2296 رؤوعة2 دتسمكتلدن أن تالومع تملا تصعلدمآ قصد ,تعأعهصظ دمآ برماععاء8 عائعةا 


,1988 ,لمفسسصتللة© عصده6ئل8 1118 :ماعو عا لدم أ كهأه اله رمنزعاة؟' ( 840 "12 بعممتلئط ,كمع 





-احدعتء ا[ عادولا" بجع1! رونمل إجووط و بصما5 فأمندنا 1116" بأصواك عاآا سوط زم بلا سملده0 بموصدط 
0-١‏ الإةصده0 علهه8 1111 


جمطاععصلعط بسموعع ساد ,مسمكمسك1 ونمطلم زه معدن 1116 بمعررهمن عو ة1! 1116 .معطامعة ,ععماعم 
رؤوعد2 الدع دنا 


فعقتعطسدت) براا«مطاببك كزه كنامزكع مالا أملابت) 116 نععلائاه[ مضه «صيو وق .10/7 معلعتاا فرط 
الكو انطنآ تموحكيدة؟ رومعدط ممطصطاء8 :صملصمآ قصة ,.كوقل8 


.1987 ومتطوناطن8 مسعكه ط' تطعجمعهطعصتلاء77 .نععومنة مرا إن نزهة0ا5 :لدوم .لمطاعتالة متسمقصمك8 


,1946 أممدكل لت لعظلط تعاتولا بوع1! .لك ,بعل1 ,العوم لاله ئها لوصول ,0 متسل عم طاء ماعط 
.1058 


.1986 ,للنطع حاعدع/7١‏ صطول بمرعله؟ .ماع وبا 4ه اممحره[ناء سا1 عإإمة بوانا! . 


لا تععء تنا مسد ممع مقصطلاء8 ند«ملدمآ اعم ,.كققل/! عجوللةطتصدة ,عومممممل 116 ١‏ 
1277 


مرمحعلاء8 نمه قصمهآ لجرد ,,دموجك8 ,عع ل ت«طسمت برل سامت أده عودمات) :برعلة1 عدعناموهل 116 . 
988 ,انوع ولمنآ سيدا ,ومعوط 














16 ,كمع توالومعحتصن] لمدسجآ1 :.ككقال! رمع 10« طط مسحت ,انمصم اانه جع/دا5 ءالآ 116 . 


ركع حتتا!' سحجحل زمبعاه1' .لت ,عا .ممه نه امترااع 000 جه برمووظظ ببعا”آ |76عامة 4 .للمده<آ بعتطعتط 
19871 


مممععنته1 مطفمملم؟] بعليملا” بجع1آ ممه متعاط1' .مدع مومه[ عسرمك زو كمسنناء !1 :وأترمء1 ]121/6161 . 
.987 ملقصمة 








.1978 ,1971 الإكناكترعت اعمعيروطلعا! لضة مملصمآ .دمك وجمامآ 1116 . 


سلدتا ركد ملعملا بجعلظ سه ,ملعطاء:0 ,مصمكا عصملط .تمااع اومس انف بماتع سان موواتمصول. 
,2990 ,قوع 121 ولمعي 





.1950 ,ؤوع ا لوالو ستدنا علدلا نمع جدكآ بجج11 ,#سمت برأعومط 116 .2010دآ مسمحسممعت1 


,اقرع ع1 6لا ها «مناطلاءن اااطواق عد 0111زل ,48176 عاد مزع ندتردله! عالناي) 1000675 ل .ققدم ط!' .ل عست 
ا 88١‏ بملدتده 2 تمعغصآ ماأفصملم؟]! تعاعملا بجعلا لصد متواط1"' 


ندع حلاجء/0" :هنجعام ' مجه عاتدهنا بجوع1! ,كتع وبر مدع ووممل]ه كماما ناناءن 111186" :]ناكا الا! .ن) صسطول ,تامعطم 1 
.9 ,1973 ,للقط 


علدلا" ندسمقحطمآ مسد دعبجآ بوعء1! ,رردجه[ نذا امألهء نظا كنع اام|! ابه ممأعناانآ 106 .معدطمو بعوم1 
.992 رؤقعع2 والومع الملا 

جم 0ن طاحصدت) .عدم ل العا تأناسها 1615 لام 1201 انقاأرع ال :16 1أ3 عل :از لال ,ل عتعامآ1 بعممغكمءدم ]1 
.1988 روععط بوالكمع تدل] لمدبصدط :,كوقالا 


م تبات |/! ا#ناتهتعتزفاك وذرألط 4 :1065-1991 رهاظ دع أعمنانه2) عو[! ما عع موععطط اموه تدع طلات بمممسصعمظ 
92 ,ومع الماع اتدلآ «معععملط ندوأغععمقط غ00 وادناء120 


- انزع 1117/6 فنا1" ارام وعطأمل1 عا زه كعأن1" انه عالقا #تمباو3 أممط :1 1116 .قصدن ,مآ .للق زتعللدد 
وبول1' '".أموامومسمابة عنااماا" عدا فتمثيزر كددملاععاء5 درم "تواوزو1ة" عذا كمأككهان عكم هبمل برصبطومن 
.290 ,1972 بعلداك ,8 وعأدمطت :لمم بآ لصة 


جب 1آ تنه وعاطذا" تدده[ دساة1-]أهومك زه غزه 2ر3 ل :سسعتاى همه علأزك إن كوزرممع7 .خطاعتسنال بحمدد 
7 ملقصهممعععم] قطمصدلمع1 تارملا 


1994٠‏ ,1993 رتكأه 180 عع هغص ذلا :علدملا بج آ! ,وى أأماتعص1 همه ابن ,تللظ ,لندة 
.1978 رقعآه 80 ورمع طغصدط بعلجملا ج13 ,روزأ مم07 ١‏ 


تب 11 لالقطصدرآ ,بأد رمسممط مععارداياة لزه أ0ه! عع امورردل 11 :دك زأهااررهن) لمع ,ععلدذة1 رمسسوط تكلم علده 
3 ,قعتتعسية أه ممعدط تاذو كنهنآ :مملصمآ قصة ماعملا 








ببليوجرافيا 


:3ع عملء8 7اعنوبمصرم[ كع السمة ديه[ ا وملام أوممتوم ره عمقنادط 71:6 .[ لسمتاعنه ,اع تتصدة 
3 ,218655 لإكتكدء جتدنآ لرماءء معط 


,1963 كلغناك' .8 معتتقطت السفلغيتا همه معام .كام؟ 3 .تممه راكنا ك4 .8 موعمء 0 ,متمقمدك 
1000 

بالأمكستطعع 111 كفاعتاعن) بلممتطائا عمجمععت) ندم لددمآ بررماكاظك] أتمسابت) رونا م دودر . 
107 


للعلا :رعاه!' ,نآ منرهاتساة أكنتموف ععمن) 1116] أمنساع3 م«رماوبا5 بكامانوام ,تطعتتصسس1 ,تدك 
.92 ,كاده 


.1990 مهقح متحاك عملت[ تمملدهآ معماجيابطا! مدع نتمترملءة! هذا معسبنطا! ,لإتملة تدك 


-تمنآ بسملممط لصة وعدعتحان) .تمصملءمء ا[ دأ ميك لهنم سمط مازقا عبعمات وبي ,دبويما؟ ,مم5 
991 ,ؤقعء8 ومردعنطن) 0 بوالدرعية 





1071167 ]و علط 1116" :اهما أاة”1 ,وسطوم" .مس1 أعمصسطة 0صة ,مصددوم»1 خطاع 1 'معع] ,مسسطمدتء5 ,مدق 
,1990 ,تممه مصعغمس1 مطعمجلم]! :علهلا بجعلا لصه متواطة' ,م0 تلومرععماة عتعتطالية مط 


رلهممتاقصععغد! خطعصملم] بعليهلا وع[< مسد ورعامة .بمارت متم مممل مز نابعت ,مدلذ1" ,مندك 
1982 


7 ,1995 رقوعع2 ععم8 علوملا الت 1١1‏ ,لمألهع !اسان دانم عررمعم[] 1116 .ومتكلفظ سطمل ,اصذة 


-نابل1 دناتدهد5 زو :اما نهعومم1 عدا علزكهمة) نوناك نكال اأباعامكل باناثمل!ا ه امسق[ ووم ,ممتطتطفملا ,دموسوة 
.1989 ,تتأكقئهم طناطاة تمتومظم تمجاه" ,إساط 


انل" #الا[ه رار أزمط 1116 :تنقترم تيع" دأ زانع اعدمابة براصم”1 عنا! ته تمه ووزرعجآ خ خصعطم!ا رمصتمقلتك5 
.1953 رووععآ وتسعك تله ,زه تمع لم11 كعاعهمة دمآ لصد بعلم يف8 م6 1م 


.(1974) 1 .30 ,36 عملا[ أو”لكه ءادع 1 ”ددم مهم م00 "أه بوسدغصء0 عا لان5"' .0ت عم متلتطط ومتتصطء8 


.1945-1952 ,المتزه لزه 1814/17[ !ا 010 كانمانعبام :لا كله «لامسصعاق ,8 لمدبوو]ط جمتعوي طسمداعع 
8 ,ركقعد8 والوعع حلصلا غ52 غدرع؟1 نمه مما له ,مقط © أمعكل 


0 كتنام5 كمصمدط1 علتملا بججك! .وساطكلاة ولطيشا زو أندء 1 4نره عإابا 116 ,م11 ,خععاما5مء5 
2974 ,تنام 


,1807-1923 ,107111416 ناذلا 10 1200 انامزل ونرواة1 :نزااز) «اهالظ ,راان سدمط .ه85 ماع امصعلك5 
,رككامه13 ااأسعدع1 هلله سسدد11 


1990 بأممصكة ل لعكلط علمما بجع1! .ععامببو تروط أمعري) عرلا عالق براان) 116 نهم اعلخا مبروات1 ١‏ 
7 ,أممصكا .ذ اعطاق علدم” بجع 1 .سماية ءاأطبرة زو |أو1 186 .لماعت متأعمجعة 
.1088 ,ودع طعتاطنا2 عكداه11 معولعطت) عامملا بجت1! ,مع )موقط ,مم1 ,ممععوع 5 


.أماسمن أوءأاز اه" لانق نز ؟أمنروظ رترمأأوجا أو نم5[ 171/8715 نين اأدد اع مدع 1دمدل لع ,دل ,.[ معدل مكملاع نطق 
.989 ,كمعد بامقدع دنآ عغها5 متمد روصمع2 نممعصما لصة علمدط تمع لول 


(]15 ها اانا عواداار5 أعوارمنان) أهالا #اننا16' ع:11) أتلععالا! اميك زد أراوم1ط ه رتم1 .لطقصتاط بمنتمطلئطة 
991 ,#تاأكصملمع]1 :متواط]" 


كه بطتصء تهنا :مواه1' .كعءزاوط علأاب”ا يمه ععوبوعا :"وععارطلطا زعب“ مووز ,منمفاط ,ملم ستاك 
994 رذوع:8 منهزه1" 


اط ,لمن وستطمو1 114-69 رة7الكأنات) ونزةله(1 [ه هاتأدناى 116 :ادمفل .للمتطيدلا ,تحتسنطة 
نف كه بجعلله6 لمصممدك! 


عع ملع تمماعع ص10 ,عوللأبرن) عوع ددجم 1(دألوع انماما قه :ه]0ز1140 .لع ,لظ فلمده 12 جاع ستطة 
6٠‏ 1971 ركقت1 8 135761517نالآ 


:عاتملا" بسع11 ممه مبططا' علنآ عتععجمله بماءامعن م11 تأعسع قله فتمساك ورمرزلاة سكا عوملة 
.290 ,1973 ملقصه 6 فطعم قر] مطقصولم؟1 








اليابان: رؤية جديدة 


982 ,1969 ركتعطمتلطباظ دمع عصاح]آ بترملا بج 1[ .[دمراء مدع ممررو ل :مالظ .مطمل ,ممع لومتة 


له ب,تعاءهمظ دمآ ,تعاععل8 .مدويسه5م1 باندالوع اه اناك له[ ]و كعع«الدق وناأامل3 ,ن) كمتصمط] بطائسة 
988 رومعع2 متمعماتلدن) أه اقمع جنمنآ تمصملدم.آ 

لإمسعطئا مدصدل تعصمعكلاه1 ,عخدولصدد .مممملكه نظ عا 0ه ننمااماوظ ,لل لعمطاعتق! ,ممعطمعه 
200 

جلخصدله؟1 :عادولا بج 1[ لحدج ورإعله؟” ,تتمعاويي] ,مك1 ,الرعاءال :ورعاكمابة وع2 م1177 .صمطول ,كسععنة 
.1993 ملمدصم نك قصمععم1 


تج عع التصحمه0 عكلابم عمط زمواط1' .نوو 1/ ه196 ن نم16 ألم :أعاويدهرآ ولت 4 .0ع .3 1030010 اوماد 
,حدمت اطتطعد8 عط 


بنع 11 له وتعله]' .وميه :1 عزاز مز 1868 تع«باءء تاصق عكععترمل «رعامابة ه إن والتعامالة 1116 . 
7 ملمصمة تسععغس1 مامه حلمع1 تعلرملا 





.1985 ,5960 ,لم13 ستتجيصء8 تأده كلحم سسمك؟ ,توممل بعلماة رن مط 4 .لممطعنط جضماة 
.0 بق عودظ جإملعاطنه12 تمتدسمعه7 لمعه بوت سعلعوة ,ادجم كاامامءاسرلة .سمتانال عمة 
,1990 ,عتغاناا .8 وعلتمط2 :تملظ مسد موعله1" عوفامظ ولط طلانا بعنانجل 1116" .عدة ,تتنستياة 


تمتزعاط؟' ,لوه اسردم عاأنامنضمائك +كواموك عكمت 116) تمامبرة متأكمفال تاكلم يماما .واعلة ,مامه" 
بقعلمه8 لاعلا 


عع ناممهل 1716 :دصو نا ترص .كمله18 .2 لله تغلب بتعست8 عمصمط!' .ل قصة ,تبط بجستطكمعلت1' 
-نصلآ و«معوصخطمة0! سمط .50 بممعدلصسه] سدجدل :مله" .ور /سزوظ المعة اك تإلاس «علطاامع لاق 
71 لمعا 


-6 0111611 إذأ كعاوبناى :فدهل !ا كت 11 «سلواءه .كله ,«وتل/! دلهاتستكط سه ,تطاعتصسطة ,توممدرملة1" 
,كقع 17 منوله1' أه تائم جتونا زمجعلط' .3 رع االابة عبشترمالك كله انمالم 


لصح عالع حطمع] -ودمآ مهام بزسمسميظ عكممهجيعز عدا كه #تنناعنااق انالبماط .تطومم 1 ,تطعدععطذ1 
6 تلطه[ أه 


تمرعله؟ .موماء مايق مم ممصمل ء ناا ولام امتجعكل مضل دماط ل جضعرره [ سعلط ه ونطلائبر .عبماي! ,وعأهمذ1' 
مقوعع2 لاله 


د جتعمره/10 تعلاعدء 5 ,اتمنوه ل مر برماء "1 ءرما[ سواط نعمار1677[0 اعومم ونا .لن ,معلابالا ,دعلهمة]' 
,013 ل أكصة 1" 


0 ,1977 بعلغنك" .8 معاعمطت بمسخلسيط لمن متوام"' ,مم3 زو عكاوظ ال .معتاء تصدل بعلمعتصة]" 


ع1 (مسمط ؤإومط 4 كه لمع نداكصدت دكلش) .1983 ممصك1 عق لعكلمؤ عادملا بجع1! ,إوبمولة . 
5 روصا .ل لعكلف :علرملا 


راتإمصخة .عط لعظلظ نعلدملا ب9ع1! .انمتماء 01 , 

,أطرمصكآ ظ لعكاله نعلدملا ج81 ,وعاااء ل ع1 مننردق . 

05 ,تزه صك1 .ذ لمعظله مارملا بجت1! ععاكاك معاه 171101 لب 

.1994 .أجمسك1 .ى لعكتط عاعملا” بجع 11 ,ئها أفرملا م11" ببعاللات) لمم 1116 . 


16 :كاكاه تمصا أمادم و ع5 معط وعجدان) صطمل فصة ,لإعتصجاك ,0 نع ,مكل ,.ن) فعتدل بممكتصمط؟"' 
لم1 ءة عع م هعهةآ :لعولا بب1! ,داع اعمط دز عدأ عط «معم دق 














1ل تله باإمتناكا ,الدحرهل وام ض نل علالو3 عأرزامفرمعقط ه0111 1186 :معط م) 4م16 تفنوع .يآ لط 
.1992 الإسقمصده0 لص مده /1 ممقتلك؟177 علعملا بعل 


ذاه 2 .5فو1926-1 زأن 1711 مزم درو[ عدا عرو إأعت1 قانه عاأاءعطا 11:6 :برك وااكنظ 11:6" مصطول ,فسهام1” 
.1970 ,عونده1] ممصم عادولا بجع قر 


للدت عه متعم ستمنآ ندم لمآ لصح ,كعاعوصط دمنآ برعاععا 18 ,ترمروم ل علمابط وأروظط .لقتصهت ,تتقحنه1" 
رووع8 قلصعه110 





ببليوجرافيا 


القع اندلا مدهت علولا بجعل8 لصة لممد0 .مام 2 بورماعةاط ره تبني كل .ل لاممعة ,عع طصسرم” 
1934-1901 رتكتفاكف لقده 6 ممععغص1 كه عنتطتكم]آ لدوم ,روط 


6 كتنر نزد3 .قلع بعسصععكا للقصه2آ قمه ,مد عق عدملمعط1" تصدتللة99 ,نعلتوتايت8 بملمصيوك 
.1964 ,كقع22 الدع اندلا متطتصس[ه0 تعلدملا بجع11 ,كامب؟ 2 ,+ره/41ه11" 

لطان2 سواستطوتة؟ :1510" براالهومستوتنا أيه دعتو نوللآ :ترقا عنع نهم[ +11 .ناماه صقلها" بملمسدو" 
.5 ,يمتطكنا 

ستصنآ مهل ا«طصسدن نعولتعتطصسدت .فارمرو8 أوره غمعوطط مامعمت العاامااوم) كانمرو.منعوتحاد ,تمد 
.6 ,1993 رؤوعد8 روعي 

ركمه تاداع لمدمفقصهنم] عه ععتطقكما :مولام" "تععمعك5 لمه مسكتصستمفق” ,ملتعقع1 ,تسسسكوك 
,لكت جتدنا دتطامه85 

مع تطدتآ منطوهة ركمم هاف لمصه نه سصععغصة كه مابنقاكم] :مرعلام] "عذكا بزه1؟ ليه مدرو" , 

16 ,لله 


مععسفعظ ,1آ مانا فأرماا نا +معو2ةآ بعالك فنه عجمله8 دمل :اداسف عرأ! فته موانهت أوأموك . 
.1970 ركقع82 بواأوعع تتمنآ لمععع ماعط بجرمع 








لمصه م سعنه] غ0 عغصتامصة زمرولط]" ".دم قسنم عمل م1/! كه عرملممو! ة تتتدصيدل صذ ممصو" , 
1977 الاتستع نصتآ منطم50 ,قدمقدافعط 


بلعملا بجع1! لضة حدم لم18 ,1945-1980 ,انيه ل«دساءه" كز «وزماعفلط أوربلابتت 4 .و لسمصسنا5 ,تتمتصتك 
7 رلقدصده 326 م1 اد مموعع1 





سقطعععض[ أتتد© نجوعك1 ممصم .كهود-نوود ,اتوترمل عاسمتا مانا ك[و «ممتمالة أواه امار ع4 . 
,1986 ,1982 ملهمه 


.1991 ,كعلمو8 ممع طتموط علعولا بجع 11 ,كرزماسنمابة عرلا وذ وتدييه] ترمورم!] .معلنانا بقمستطاكبة؟" 


حتع تآ فصقل ه؟! بعاعملا” بجت 1 لجيه هعلم1" ,إعمط جازم بعاعما/ة 1116 :مناعه8 مبسعاوالط ,وأمعادقة ,ه1160 
2 ,5970 ,23601381 


كصلاصرهل]ط قصطه[ عط" :ععمدمة لد كمويقا عاللثا/ة ع دز بإزعاءم3 جه أونالال فرط 11:6 متع اوكا ,سصمصلاتآ 
6 رومع 


:ملإعاط!' ,36 مأفبنا5 نمه أنأكهاانكلتابة ردفاء! إن كداءانلط .تطكمطتكائقة متربط1 سه ,ناععونط5 ,دقتطول1 
هترود طن 


-تإلتا) 200 .20 بمامع1 إهآة سواط "للمستسدععمتا 6ه عهفة عط صذ مدمدل“ ,اعممكا ,م7011 مدر 
(1993 أقتاوناظ 
.9 تع اماه 0 /عء طستعنمء5 ,رول :بواع بوط ".دم سلمبع هدهل تسود" . 








0م[ .انمألولظ ككعاعاما3 مه ذأ كمةاأأه17 هله عأتروء بعسروط ععمررمروم م مواد 116 سا 
بسمللنظ د11 


7 معع 17/1 ,لانمل تانومره "مسمعاطمدط محرو عط" . 
.5992 رع ةن مقطكدهمل تممقصمآ .دوملا منرباه جع اننا برع بممصمعلا 


الصقكددظآ له وولم1" .اندودلله مالاتال :مم17 وسوهرن) عدأ رم عسه :17/1 ,تإدءت طلا طاوعناظ ,مسندتلا 
.7989 ,1952 ,416 اناك" ,8 وعلتقطت 


سواط :«ملصمآ لصة ,,تكمك! نعل ت«طصسدن .ماع سك بول مدوم :ع0 ععا وربلا عه دجو 8 حصط راعوم/؟ 
79 رقكع 2 لودع افنآ 50م 


بم 204 «اتناطالى ونواة1" 4ه ا «أله! 5زلآ قهجه إنواة بادك 11:6 :دممان) عأوفااية مبول8 همه[ . 
,212655 فنطعمتتلد0 غه لومم جتملآ] :مم1 لصة ,نعاععصه ذم.آ جرواعطليء 18 


مك األم سا1" 11 :رما معاسواطاا إن هااا نأدسعة1 11010 116 .13 ععدملمغط1' عتنهآ مد 
7 مركقع81 انلمع انحانا اموكد0 بلمول<د0) لصد علدلا بجع ك8 ,عسائع روعط أمنامات 











اليابان: رؤية جديدة 


نحهعءعصلط .«عتادا رافصا “زه أدوفآ عدا له امعط تزنعاة مدلا إن أمنملط! ممع هرهزع:17 .له عمد مععللة/1؟ 
.70 رووعوط الماع تتلا ماع ماعط 


مجمعنطح عواممانةا1 اررمدوع از بروداه طاصل أمعنااءت ا :موهلا كوأعتبلا تنمعوة" ,لع بعصصط ,الملذكا 
1997 رومعع8 معمعتطن أن بواتومعء دنآ بصممدمآ مه 


تحره وما سد دعجم ع7 .مالظ كع مهرما ممما مناكزه تعلاط 11:6 .ن) عتصدء2آ ,معسططكةيلا 
5 ,5ق218 تواذسع لم0] علولا 


ع8 مدالتالاعها/! :عطاه:ومستكد8 مسد سمقصمآ .وميم له آنامى انمتوعط 1116 .تاعتمط5 رعطفصئؤوينا 
1989 

بمملان اعد -ععنتلام© بدمقدما روععء" عععظ بعليولا بجع11 ,مارت ره ومأونام1 116 مجملة عمطعء/نا 
.101 

-طمتاطب© مسمس ررمت بعرملا بعك لمجعطع 11 عغاه/7 برد لع5016 ,كهيملاارلاط! أمعاوداداءمة . 
1994 ,روزم 

,كمسملطعنةآ عتمهائة ,ويورسمنود ,امدصم ءا مرا أص اط إنامن) اندع مكل عله عررطعا0 116 .اممطعتل8 جتعطع را 
.28 ملمصه تامضععج]! ومعوط ممع طنط :للم 


جب 13 مد مبجاط؟” .صعمفائرله ما غاع ااا نمت له تعول الهنان) أمنمالهع لاوقا ممع ممصم 1116 لسعلا معغنط/لا 
.87 بلقصمكقصععغم]آ مطامسملمع1 تعلدملا 


مد ,كفاءوصه كما برعلععادء8 .ممورسمو17 بزع باترامع! مكعندمه[ عدا زه العامة 776 ,تعممكة ,رمعوالا 
.1295 رووعة2 ولص رمكتلدت ذه بنتسمء لمتن] :دملممآ 


-8/1 لسمطعنطا بط لعنتف8 ,علء|ا/!! معدن ره كوسالاماا أمعلنامت) عإناء عل اكاابك 716 دعوت ,1110 
.1969 رعقناه1آ مسملصف] عتمملا تملظ سمدم 





بحطنا 50/0 أده حصحسج ك1 بهار فتمنك ره ل امبسعلارة [ه «روماءزق1 كر بممفربوظ دنبوا تمتفل .تمتمرفصظ ,ددحم كلل ت/لا 
,قأ100 ستنودعط 


1994 بقم لله ناميه علولا بجعلا لص سملمآ برومنعلة [ه 15014 عدا اامرع8 :ممصملل ,0 1تد0آ ,كسدتلا10'/1 


سهآ جد مج دعتطات) .ماله ةماتق أزاع ا علا اذا كمملامانا! زوع تععاعه] أنه عاواام! .1ل مجردوعة) ,سهكاة/'1 
.992 رومع مودعتطت غه توكتك طتمتا صمل 


تآ كعلتقطت :هجهاط؟' ,عدمم اله ءأنموم مكم مومه[ 116 «زوه وما علاطا 1116 معطم ستعطت ,لههللا 
1١‏ 116" 


,05 زوروام؟" ,إججوحا خمعاضوظ إمبعببورنة :11 انس عطاط 1 مد جرمنلمعادان) أتأعهل رما .مقدصهط رهامعاملا 
.2 ,3تأكصةمصناطة 


1993 رجوع عبو2ة بعأعملا ببع1! .امعان .فسقصدةة رمعم تستاوملا 
وو ,مولع مه بدمقدمة .دجم :ربعم عاهمن) ذا تاذ اامصم اول أمرافانءت .نعلدومكا ,مستطوملا 


:متصام]" بزورم اميق مع رورعز بمسؤءه1 ع1! دنه كعاملل1 «الاسمرت أعمورة- (وا12 ره 86 1116 .تددومكظ ,معلميالا 
,رنقعة8 وتعامط' أه راوع لودلا 


بععدمنهمآ عصتطمناطب عدامصتتاكسهوتمسب؟5 تمعامآ" .مسمط ملق كه مم5 1116 رمأعم لمك .هعد 
1908 





المؤلف في سطور 


* باتريك سميث 
* عمل أكثر من عشرين عاما محررا ومراسلا صحافيا؛ أريعة عشر 
منها في آسياء مع صحف النيويورك تايمزء وفاينانشيال تايمز 
(لندن): وإنترناشيونال هيرالد تريبيون: ونيويوركرء وغيرها. 
* من مؤّلفاته: ٠‏ 
.© 5'معتتعدرة عط 1ه اتسكرعط د'مدجول :ععدء قطن ممممتاط عمال 


المترجم في سطور 


* سعد زهران 

“« خريج جامعة القاهرة /!1954. 

“* عمل بالتدريس والصحافة: وسكرتيرا لتحرير «الطليعة» في أواسط 
الستثينيات. 

* اشتغل بالتدريس في معهد 
العلوم السياسية والإعلامية 
بجامعة الجزائر في الفترة 
من ١97/8‏ 1944. 

“* له مؤلفات من بينها: «فضي 
ابول الشحاهة احرية»: 
«الحرب الأيديولوجية 
وسقوط الشيوعية لأ السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة 





معاسسة اليو تسو سسا 


السوفييتية». ومسرحية: تأليف: راسل جاكوبي 
«الملثقفون أو آخر الأأجيال 


ترجمة: فاروق عبدالقادر 
المتفائلة». 





* له عدد من الترجمات: من بينها: «الإنسان بين الجوهر والمظهر» 
لأريك فروم: سلسسلة «عالم المعرفة». العدد ١4٠‏ أغسطس 15144؛ 
و«دبناء حضارة جديدة» لإلفين توفلر ‏ مركز المحروسة للنشرء 
القاهرة. 1997. 








سلسلة عالم المعرفة 


«عالم المعرفة» سلسلة كتب ثقافية تصدر في مطلع كل شهر ميلادي 
عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب . دولة الكويت ‏ وقد صدر 
العدد الأول منها في شهر يناير العام 191/4 . 

تهدف هذه السلسلة إلى تزويد القارئ بمادة جيدة من الثقافة 
تغطي جميع فروع المعرفةء وكذلك ريطه بأحدث التيارات الفكرية 
والثقافية المعاصرة. ومن الموضوعات التي تعالجها تأليفا وترجمة : 
ا ١‏ الدراسات الإنسانية : تاريخ . فلسفة ‏ أدب الرحلات ‏ الدراسات 

الحضارية ‏ تاريخ الأفكار. 

؟ ‏ العلوم الاجتماعية: اجتماع . اقتصاد . سياسة ‏ علم نفس 
جغرافيا ‏ تخطيط ‏ دراسات استراتيجية ‏ مستقبليات. 

“ الدراسات الأدبية واللفوية : الأدب العربي . الآداب العالمية ‏ 
علم اللغة. 

؛ ‏ الدراسات الفنية : علم الجمال وفلسفة الفن ‏ المسرح ‏ الموسيقا 
. الفنون التشكيلية والفنون الشعبية. 

ه. الدراسات العلمية : تاريخ العلم وفلسفته ؛ تبسيط العلوم 
الطبيعية (فيزياء. كيمياءء علم الحياةء فلك) . الرياضيات 
التطبيقية (مع الاهتمام بالجوانب الإنسانية لهذه العلوم). 
والدراسات التكنولوجية. 

أما بالنسبة لنشر الأعمال الإبداعية ‏ المترجمة أو المؤلفة . من شعر 
وقصة ومسرحية. وكذلك الأعمال المتعلقة بشخصية واحدة بعينها 


فهذا أمر غير وارد في الوقت الحالي. 





وتحرص سلسلة «عالم المعرفة» على أن تكون الأعمال المترجمة 
حديثة النشر. ٠‏ 

وترحب السلسلة باقتراحات التأليف والترجمة المقدمة من 
الملتتلخصصين. على ألا يزيد حجمها على ١65؟‏ صفحة من القطع 
الملتوسطء وأن تكون مصحوية بنبنة وافية عن الكتاب وموضوعاته 
وأهميته ومدى جدته. وفي حالة الترجمة ترسل نسخة مصورة من 
الكتاب بلغته الأصلية؛ كما ترفق مذكرة بالفكرة العامة للكتاب؛ وكذلك 
يجب أن تدون أرقام صفحات الكتاب الأصلي المقابلة للنص المترجم 
على جانب الصفحة المترجمة, والسلسلة لا يمكنها النظر في أي 
ترجمة ما لم تكن مستوطية لهذا الشرط. والمجلس غير ملزم بإعادة 
المخطوطات والكتب الأجنبية في حالة الاعتذار عن عدم نشرها. وضي 
جميع الحالات ينبغي إرفاق سيرة ذاتية لمقترح الكتاب تتضمن البيانات 
الركئيسية عن نشاطه العلمي السابق. 

وفي حال الموافقة والتعاقد على الموضوع ‏ المؤلف أو المترجم ‏ 
تصرف مكافأة للمؤلف مقدارها ألف دينار كويتي؛ وللمترجم مكافأة 
بمعدل خمسة عشر فلسا عن الكلمة الواحدة في النص الأجنبي أو 
تسعمائة دينار أيهما أكثر (وبحد أقصى مقداره ألف ومائتا دينار 
كويتي): بالإضافة إلى مائة وخمسين دينارا كويتيا مقابل تقديم 
الملخطوطة ‏ المؤلفة والمترجمة ‏ من نسختين مطبوعتين على 
الآلة الكاتبة. 





على القراء الذين يرغبون في استدراك ما فاتهم من إصدارات 
المجلس التي نشرت بداءا من سبتمبر 1111 أن يطلبوها 
من الموزعين المعتمدين في البلدان العربية: 


»دولة الكويت 

المركز الثقافي بمشرف 
بجانب جمعية مشرف التعاونية 
ت: 1146م 

مركز السرة 

بجانب جمعية السرة 


ت: مك١‏ ؟ دمغ 1م ١‏ 1ه 

شركة درة الكويت للتوزيع 

ش جابر المبارك ‏ ص. ب: 591151 
الرمز البريدي: الكويت 
تب ١‏ لاا /ر م12 

فاكس: 541/8035 

« المملكة العربية السعودية 
الشركة السعودية للتوزيع 

ص. ب: ١١١50‏ جدة 51١5937‏ 
تلفون: 535141٠١‏ - 105:55 
» دولة الإمارات العريية المتحدة 
دار الحكمة 

ص. ب: 5٠١7‏ دبي الإمارات 
تلفون:  "10155/0‏ فاكس: /579/1 
© دولة البحرين 

الشركة العربية للوكالاث والتوزيع 
المنامة. ص. ب: ١05‏ 

تلفون: 5001/05 01611؟ 

,  نامع سلطئة‎ ٠» 

محلات الثلاث نجوم 

ص. ب: 181477 روي ١١1١‏ 

تلفون: 497 907لا 57874/ 
«دولة قطر 

دار العروبة للصحافة والطباعة والنشر 
الدوحة . ص. ب: 1173 

تلفون: 71/ا70غ 


© جمهورية مصر العريية 

مؤسسة الأهرام 

القاهرة ‏ شارع الجلاء 

تلفون: ١٠451لاه ‏ ١٠71ثلاه‏ 

© الجمهورية العربية السورية 

المؤسسة العربية السورية لتوزيع المطبوعات 
دمشق ‏ ص. ب: 1١17١376‏ 

تلفون: 5١76414‏ /1ؤ/ا/1؟ 71 

«ه الجمهورية اللبنانية 

الشركة اللبنانية لتوزيع الصحف والمطبوعات 
بيروت - ص. ب: ١1١/1047‏ 

تلفون:  7181/‏ 105370 فاكس: 501/400" 
© المملكة الأردنية الهاشمية 

وكالة التوزيع الأردنية 

عمان . ص. ب : هلالا 

"79544 7١191 تلفون:‎ 

© الجمهورية التونسية 

الشركة التونسية للصحافة 

توفنس . ص. ب: 44/177 - تلفون: 1117519 
« المملكة المغربية 

الشركة الشريفية لتوزيع الصحف 

ص. ب: 1/141 الدار البيضاء 8١15٠١‏ 
تلفون: 2٠0013737‏ 

© الجزائر 

الشركة المتحدة للنشر والاتصال 

8" ش قي دي موبسان 

الينابيع ‏ بثر مراد رايس 

ت //رف: 047:01 

٠‏ الجمهورية اليمنية 

محلات القائد التجارية 

الحديدة ‏ ص. ب: ١١88‏ 

تلفون : 5١/45‏ 6غ//ال111 





0300 


نتنويهفه 
للاطلاع على قائمة كتب السلسلة انظر عدد 


ديسمبر (كانون الأول) من كل سنة. حيث 


توجد قائمة كاملة بأسماء الكتب المنشورة ضي 


السلسلة منذ يناير 1914 . 








قسيمة اشتراك 


الأفراد داخل الكويت 


المؤسسات في دول الخليج العربي 


هدة الاشتراك: 


نقدا / شيك رقم: 


تسدد الاشتراكات مقدما بحوالة مصرفية باسم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مع مراعاة 
سداد عمولة البنك المحول عليه المبلغ في الكويت, 
وترسل على العنوان التائي: 
السيد الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 
ص. ب: 78597 الصفاة ‏ الرمز البريدي 13147 
دولة الكويت 





يو 


ذ اذا ةانا ناماع ام 11 0 اجات 
هكتبة الأسكندرية 











اكيب ررضو رصع يجتام جنر طباه جكب اتاجادج نجه مط اوملس مارو عامل واو وريه احج مد بيط معنت جرد وده 













لليابان صورتان شهيرتان يتمساك بهما الغرب في أيامنا هذه؛ فهناك اليابان 
القديمة: يايان الدماموراي وحبائق الزن. واليابان الجديدة؛ يابان الكفاءة الإنتاجية ‏ , 
' والآلات... بين الاشتين؛ توجد منطقة فراغ. حيث يعيش الياباني. 
هذا الكتاب مكرين لاستكشاف منطقة: الفراغ هذه. بناقش الكاتب فيه الصورة 
المغلوطة التي قدمها المستشرقون عن اليابان إلى الفرب. بنظرة نقدية تغلب على 
منهج المؤلف مذن متفحاته الأولى؛ نظرة مستمدة من تجربة طويلة من النيدة 
والعمل في اليابان؛ ومن الاختلاط باليابانيين. 


والمؤلف على وعي بأن رفض النظرة الاستشراقية لا يمني إغفال الخصوصية 
اليابانية؛ وهو يتناول هذه الخصوصية من مداخل نفسية ووجدانيبة. ملاوة على 
المداخل التاريهية والاجتماعية. ومن ثمء كان اهتمامه بالفن والأعب وكشرة 
استشهاده بأعمال المبدعين اليابانيين؛ وله من بينهم أصدقاء ومعارة كر وعلاوة 
على أله يجعل القشارئ على صلة باليابان الحقيقية, ويشبع فضول القراء 
الأفكار المتطورة عن اليابان, ووجهات النظر الحديثة التي تتجاوز أهكار شمسي 
عاما مضت؛ فإنه يساعد على التسلفم على لكات الذي كتبت فيه الأعمال الأدبية 


















الفنية اليابانية,. 


0 1 جزوببن»ا! 


عاصمة للثقافة العربية ‏ )مخامم6 اوسثادة زدمم 
ردمك ٠الامه‏ د ١‏ اتاتحقة 1 
0- 0-057 - 29006 1888